رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,739
- الإقامة
- مصر
الادخار فى الإسلام
الادخار هو :
تخزين بعض النقود أو المتاع لحين الحاجة إليه واللفظ ورد بهذا المعنى كمعجزة من معجزات المسيح(ص) حيث يستطيع معرفة ما ادخره الناس فى بيوتهم من النقود والمتاع وينبئهم والمراد يخبرهم بأنواع المدخرات وأعدادها وأماكنها وفى هذا قال تعالى :
" وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"
كما ذكر ادخار المال فى قصة دفن الأب الصالح المال تحت جدار فى قصة العبد الصالح (ص)مع موسى(ص) وفيه قال تعالى :
"أَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ"
والمستفاد جواز كنز المال لمصلحة الأبناء الصغار مستقبلا خوفا من فقرهم بعد موت الإنسان
والمدخر وهو الكنز على نوعين :
الأول المدخر النافع المباح وهو كنز المال لمنفعة ما ومثاله المكنوز فى من الأب الصالح لولديه فى قصة العبد الصالح (ص) وموسى(ص) ومنه ما يفعله بعض الناس من ادخار بعض المأكولات فى البيوت فى أول موسم حصاد المحصولات كتخزين بعض البصل والثوم والأرز والقمح كدقيق
الثانى المدخر المحرم وهو المال المدخر مع عدم انفاقه فيما بعد فى سبيل الله وهو وجوه الخير وهو البخل
وهو ما كان يفعله الأحبار والرهبان الكفار كما قال تعالى :
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ"
وأما الكنز المسمى الاحتكار فهو من المدخر المحرم لأن الغرض منه هو الحصول على سعر مضاعف أضعافا وهو ما حرمه الله بقوله :
" لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة "
وتحدثت الموسوعة الفقهية الكويتية عن ادخار الدولة وهى المجتمع المسلم فقالت :
"ادخار الدولة الأموال من غير الضروريات:
4 - الأموال إما أن تكون بيد الدولة، أو بيد الأفراد فإن كانت بيد الدولة، وقد فاضت عن مصارف بيت المال، ففي جواز ادخار الدولة لها اتجاهات:
الاتجاه الأول: لا يجوز للدولة ادخار شيء من الأموال، بل عليها تفريقها على من يعم به صلاح المسلمين، ولا تدخرها، وهو ما ذهب إليه الشافعية ، وهو قول للحنابلة وقد استدلوا على ذلك بفعل الخلفاء الراشدين وبمبادئ الشريعة، أما فعل الخلفاء الراشدين: فقد روي ذلك عن عمر وعلي وصنيعهما ببيت المال، قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن أرقم: " اقسم بيت مال المسلمين في كل شهر مرة، اقسم بيت مال المسلمين في كل جمعة مرة، اقسم بيت مال المسلمين في كل يوم مرة "، ثم قال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين لو أبقيت في بيت المال بقية تعدها لنائبة أو صوت مستغيث، فقال عمر للرجل الذي كلمه: جرى الشيطان على لسانك، لقنني الله حجتها ووقاني شرها، أعد لها ما أعد لها رسول الله(ص) طاعة الله ورسوله وكان علي بن أبي طالب كما كان عمر، فقد ورد أن عليا أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات، ثم آتاه مال من أصبهان، فقال: اغدوا إلى عطاء رابع، إني لست بخازن
وأما مبادئ الشريعة، فإنها تفرض على أغنياء المسلمين القيام برفع النوائب عند نزولها
الاتجاه الثاني: أن على الدولة ادخار هذا الفائض عن مصارف بيت المال لما ينوب المسلمين من حادث، لأن ذلك تقتضيه مصلحة المسلمين من سرعة التصرف لرفع النائبات عنهم وإلى هذا ذهب الحنفية ، وهو قول للحنابلة
الاتجاه الثالث: وهو للمالكية، فإنهم قالوا: إذا استوت الحاجة في كل البلدان فإن الإمام يبدأ بمن جبي فيهم المال حتى يغنوا غنى سنة، ثم ينقل ما فضل لغيرهم ويوقف لنوائب المسلمين، فإن كان غير فقراء البلد أكثر حاجة فإن الإمام يصرف القليل لأهل البلد الذي جبي فيهم المال ثم ينقل الأكثر لغيرهم "
وهذه الآراء تعتمد على رواية بينما الأصل فيها هو قوله تعالى :
" واعدوا لهم ما استطعتم من قوة "
ومن القوة وجود فائض طعامى وسلاحى وغيره يتم تخزينه فى مخازن صغيرة فى مناطق كثيرة متفرقة لأن فى الحروب يركز الأعداء على قصف تلك المخازن لتجويع الجيوش والناس ومنعهم من استعمالها
وهذا الفائض يستعمل لمواجهة المجاعات كما فعل يوسف (ص) فى علاج المجاعة المصرية حيث خزن فائض المحاصيل تحزينا صحيحا ونجت أهل مصر من الهلاك بسبب هذا التخزين وفيه قال تعالى على لسان يوسف (ص):
"قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ"
ومن ثم يجب على قيادة المجتمع أن تخزن كل الفوائض المحصولية حسب خطة محددة كل سنة فتخزن هذا العام وتستهلك الفائض من السنة الثالثة مثلا حتى لا يفسد أو من السنة الأقدم
وتحدثت الموسوعة عن ادخار الأفراد فقالت :
"ادخار الأفراد:
5 - الأموال في يد الأفراد إما أن تكون أقل من النصاب أو أكثر، فإن كانت أكثر من النصاب فإما أن تكون قد أديت زكاتها أو لم تؤد، فإن أديت زكاتها فإما أن تكون زائدة عن حاجاته الأصلية أو غير زائدة عن حاجاته الأصلية
6 - فإن كانت الأموال التي بيد الفرد دون النصاب حل ادخارها ؛ لأن ما دون النصاب قليل، والمرء لا يستغني عن ادخار القليل ولا تقوم حاجاته بغيره
7 - وإن كانت أكثر من النصاب، وصاحبها لا يؤدي زكاتها، فهو ادخار حرام، وهو اكتناز بالاتفاق قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أي مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا في الأرض، وأي مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض وروي نحوه عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله، وأبي هريرة مرفوعا وموقوفا
واكتناز المال حرام بنص القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}
8 - وإن كانت الأموال المدخرة أكثر من النصاب، وصاحبها يؤدي زكاتها، وهي فائضة عن حاجاته الأصلية، فقد وقع الخلاف في حكم ادخارها: فذهب جمهور العلماء من الصحابة وغيرهم إلى جوازه، ومنهم عمر وابنه وابن عباس وجابر ويستدل لما ذهبوا إليه بآيات المواريث؛ لأن الله جعل في تركة المتوفي أنصباء لورثته، وهذا لا يكون إلا إذا ترك المتوفون أموالا مدخرة، كما يستدل لهم بحديث سعد بن أبي وقاص المشهور إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم وهذا نص في أن ادخار شيء للورثة بعد أداء الحقوق المالية الواجبة من زكاة وغيرها خير من عدم الترك
وذهب أبو ذر الغفاري إلى أن ادخار المال الزائد عن حاجة صاحبه - من نفقته ونفقة عياله - هو ادخار حرام وإن كان يؤدي زكاته وكان يفتي بذلك، ويحث الناس عليه، فنهاه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما - وكان أميرا على الشام - عن ذلك؛ لأنه خاف أن يضره الناس في هذا، فلم يترك دعوة الناس إلى ذلك، فشكاه إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فاستقدمه عثمان إلى المدينة المنورة، وأنزله الربذة، فبقي فيها إلى أن توفاه الله تعالى
وكان أبو ذر يحتج لما ذهب إليه بجملة من الأدلة، منها قوله تعالى في سورة التوبة: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} ، ويقول: إن هذه الآية محكمة غير منسوخة
ويحتج بما رواه الإمام أحمد في مسنده عن علي أنه مات رجل من أهل الصفة، وترك دينارين، أو درهمين، فقال رسول الله(ص): كيتان، صلوا على صاحبكم وبما رواه ابن أبي حاتم عن ثوبان مولى رسول الله(ص) أن رسول الله(ص) قال: ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله بكل قيراط صفحة من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنه
وعن ثوبان قال: كنا في سفر ونحن نسير مع رسول الله(ص) فقال المهاجرون: لوددنا أنا علمنا أي المال نتخذه، إذ نزل في الذهب والفضة ما نزل، فقال عمر: إن شئتم سألت رسول الله عن ذلك، فقالوا: أجل، فانطلق، فتبعته أوضع على بعيري، فقال يا رسول الله: إن المهاجرين لما أنزل الله في الذهب والفضة ما أنزل قالوا: وددنا أنا علمنا أي المال خير نتخذه، قال: نعم، فيتخذ أحدكم لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة تعين أحدكم على إيمانه
9 - وذهب البعض إلى أن ادخار الأموال يكون حراما وإن أدى المدخر زكاتها إذا لم يؤد صاحبها الحقوق العارضة فيها، كإطعام الجائع، وفك الأسير وتجهيز الغازي ونحو ذلك
وذهب علي بن أبي طالب إلى أنه لا يحل لرجل أن يدخر أربعة آلاف درهم فما فوق وإن أدى زكاتها، وكان يقول: " أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة، وما فوقها كنز "
وكأن علي بن أبي طالب رأى أن القيام بالحاجات الأصلية للمرء لا يتطلب أكثر من أربعة آلاف درهم في أحسن الأحوال ، فإن حبس الشخص مبلغا أكبر من هذا فقد حبس خيره عن الناس، وعن الفقراء بشكل خاص، وهو أمر لا يجوز، فقد كان يقول: " إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي فقراءهم، وإن جاعوا وعروا وجهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عليه "
والادخار الفردى منه المحرم كمن يدخر للاحتكار وزيادة الأسعار أو من يدخر بخلا فلا ينفق منه شيئا فى وجوه الخير وأما ادخار المال من اجل منفعة الأولاد مستقبلا فهو أمر مباح
قطعا يختلف الحكم ما بين مجتمع مسلم يعيش فيه المسلم ينفذ حكم الله وما بين مجتمع كافر يعيش فيه بعض المسلمين تحت حكم شيطانى ففى الدولة الكافرة يجوز ادخار المال لبناء البيوت والتزويج والتعليم وعمل المشروعات المختلفة وأما فى المجتمع المسلم فالمفروض أن الدولة تعمل على بناء البيوت للناس وتعلمهم وتعطى العزاب فائضا فى المرتبات والمعاشات كى يدخروا المهر ويجهزوا البيوت
وتحدثت الموسوعة عن ادخار لحوم الأضاحى فقالت :
"ادخار لحوم الأضاحي:
11 - يجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث في قول عامة أهل العلم ولم يجزه علي ولا ابن عمر رضي الله عنهما؛ لأن النبي(ص) نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث
وللجمهور أن النبي(ص) قال: كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم رواه مسلم - وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي(ص) قال: إنما نهيتكم للدافة التي دفت فكلوا وتزودوا وتصدقوا وادخروا وقال أحمد فيه أسانيد صحاح أما علي وابن عمر فلم يبلغهما ترخيص رسول الله(ص) وقد كانوا سمعوا النهي فرووا على ما سمعوا "
وادخار اللحوم للقانع والمعتر وهو البائس الفقير هو أمر أساسى وليس فى سنة دون سنة فالمقصود هو تخزين اللحوم لأن اعطاء تلك اللحوم كلها لفقراء مكة سيفسدها ويفسدهم صحيا وإنما يخزن اللحم ليعطى لفقراء الدولة ككل أينما ما كانوا
وتحدثت الموسوعة عن اخراج المدخرات عند الحاجة فقالت:
"إخراج المدخرات وقت الضرورة:
13 - يتفق الفقهاء على أن من ادخر شيئا من الأقوات الضرورية لنفسه أو لعياله واضطر إليه أحد غيره كان عليه بذله له إن لم يكن محتاجا إليه حالا؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر
ويأثم بإمساكه عنه مع استغنائه، وإن كانوا قد اختلفوا هل يبذله له بالقيمة أو بدونها.. دليل وجوب الإخراج في هذه الحال من السنة ما رواه أبو سعيد الخدري أن رسول الله(ص) قال: من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له "
وهذا ألأمر مفروض فالأب الصالح(ص) ادخر المال لولديه كى يستخرجاها وقت حاجاتهما لها
وتحدثت عن ادخار غير الأقوات فقالت :
"ادخار غير الأقوات:
14 - ادخار غير الأقوات الضرورية جائز بالاتفاق كالأمتعة والأواني ونحو ذلك
وعلى الدولة أن تدخر من غير الضرورية ما قد ينقلب ضروريا في وقت من الأوقات كالخيل مثلا والكراع والسلاح ونحو ذلك، فإنه غير ضروري في أوقات السلم، ولكنه يصبح ضروريا أيام الحرب، وعلى الدولة بذله للمحتاج حين اضطراره "
قطعا لابد من تخزين كل أنواع السلع فى دولة المسلمين فى أماكن صغيرة وكثيرة جدا ومتباعدة لأن فى وقت الحروب والكوارث لا أحد يعرف حجم الأضرار ولا هو المطلوب ساعتها ومن ثم تخزين كل السلع مطلوب وفى كل مكان من أرض الدولة حتى يجد الناس ما يسعفهم عند الحاجة
وكذلك تبنى الدولة قرى صغيرة متفرقة غير مسكونة فى أماكن متباعدة ومختلفة حتى يمكن اللجوء إليها عند دمار القرى أو المدن بسبب الحروب أو الكوارث
وكل هذا من باب اعداد القوة الذى قال تعالى :
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة "
الادخار هو :
تخزين بعض النقود أو المتاع لحين الحاجة إليه واللفظ ورد بهذا المعنى كمعجزة من معجزات المسيح(ص) حيث يستطيع معرفة ما ادخره الناس فى بيوتهم من النقود والمتاع وينبئهم والمراد يخبرهم بأنواع المدخرات وأعدادها وأماكنها وفى هذا قال تعالى :
" وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"
كما ذكر ادخار المال فى قصة دفن الأب الصالح المال تحت جدار فى قصة العبد الصالح (ص)مع موسى(ص) وفيه قال تعالى :
"أَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ"
والمستفاد جواز كنز المال لمصلحة الأبناء الصغار مستقبلا خوفا من فقرهم بعد موت الإنسان
والمدخر وهو الكنز على نوعين :
الأول المدخر النافع المباح وهو كنز المال لمنفعة ما ومثاله المكنوز فى من الأب الصالح لولديه فى قصة العبد الصالح (ص) وموسى(ص) ومنه ما يفعله بعض الناس من ادخار بعض المأكولات فى البيوت فى أول موسم حصاد المحصولات كتخزين بعض البصل والثوم والأرز والقمح كدقيق
الثانى المدخر المحرم وهو المال المدخر مع عدم انفاقه فيما بعد فى سبيل الله وهو وجوه الخير وهو البخل
وهو ما كان يفعله الأحبار والرهبان الكفار كما قال تعالى :
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ"
وأما الكنز المسمى الاحتكار فهو من المدخر المحرم لأن الغرض منه هو الحصول على سعر مضاعف أضعافا وهو ما حرمه الله بقوله :
" لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة "
وتحدثت الموسوعة الفقهية الكويتية عن ادخار الدولة وهى المجتمع المسلم فقالت :
"ادخار الدولة الأموال من غير الضروريات:
4 - الأموال إما أن تكون بيد الدولة، أو بيد الأفراد فإن كانت بيد الدولة، وقد فاضت عن مصارف بيت المال، ففي جواز ادخار الدولة لها اتجاهات:
الاتجاه الأول: لا يجوز للدولة ادخار شيء من الأموال، بل عليها تفريقها على من يعم به صلاح المسلمين، ولا تدخرها، وهو ما ذهب إليه الشافعية ، وهو قول للحنابلة وقد استدلوا على ذلك بفعل الخلفاء الراشدين وبمبادئ الشريعة، أما فعل الخلفاء الراشدين: فقد روي ذلك عن عمر وعلي وصنيعهما ببيت المال، قال عمر بن الخطاب لعبد الله بن أرقم: " اقسم بيت مال المسلمين في كل شهر مرة، اقسم بيت مال المسلمين في كل جمعة مرة، اقسم بيت مال المسلمين في كل يوم مرة "، ثم قال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين لو أبقيت في بيت المال بقية تعدها لنائبة أو صوت مستغيث، فقال عمر للرجل الذي كلمه: جرى الشيطان على لسانك، لقنني الله حجتها ووقاني شرها، أعد لها ما أعد لها رسول الله(ص) طاعة الله ورسوله وكان علي بن أبي طالب كما كان عمر، فقد ورد أن عليا أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات، ثم آتاه مال من أصبهان، فقال: اغدوا إلى عطاء رابع، إني لست بخازن
وأما مبادئ الشريعة، فإنها تفرض على أغنياء المسلمين القيام برفع النوائب عند نزولها
الاتجاه الثاني: أن على الدولة ادخار هذا الفائض عن مصارف بيت المال لما ينوب المسلمين من حادث، لأن ذلك تقتضيه مصلحة المسلمين من سرعة التصرف لرفع النائبات عنهم وإلى هذا ذهب الحنفية ، وهو قول للحنابلة
الاتجاه الثالث: وهو للمالكية، فإنهم قالوا: إذا استوت الحاجة في كل البلدان فإن الإمام يبدأ بمن جبي فيهم المال حتى يغنوا غنى سنة، ثم ينقل ما فضل لغيرهم ويوقف لنوائب المسلمين، فإن كان غير فقراء البلد أكثر حاجة فإن الإمام يصرف القليل لأهل البلد الذي جبي فيهم المال ثم ينقل الأكثر لغيرهم "
وهذه الآراء تعتمد على رواية بينما الأصل فيها هو قوله تعالى :
" واعدوا لهم ما استطعتم من قوة "
ومن القوة وجود فائض طعامى وسلاحى وغيره يتم تخزينه فى مخازن صغيرة فى مناطق كثيرة متفرقة لأن فى الحروب يركز الأعداء على قصف تلك المخازن لتجويع الجيوش والناس ومنعهم من استعمالها
وهذا الفائض يستعمل لمواجهة المجاعات كما فعل يوسف (ص) فى علاج المجاعة المصرية حيث خزن فائض المحاصيل تحزينا صحيحا ونجت أهل مصر من الهلاك بسبب هذا التخزين وفيه قال تعالى على لسان يوسف (ص):
"قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ"
ومن ثم يجب على قيادة المجتمع أن تخزن كل الفوائض المحصولية حسب خطة محددة كل سنة فتخزن هذا العام وتستهلك الفائض من السنة الثالثة مثلا حتى لا يفسد أو من السنة الأقدم
وتحدثت الموسوعة عن ادخار الأفراد فقالت :
"ادخار الأفراد:
5 - الأموال في يد الأفراد إما أن تكون أقل من النصاب أو أكثر، فإن كانت أكثر من النصاب فإما أن تكون قد أديت زكاتها أو لم تؤد، فإن أديت زكاتها فإما أن تكون زائدة عن حاجاته الأصلية أو غير زائدة عن حاجاته الأصلية
6 - فإن كانت الأموال التي بيد الفرد دون النصاب حل ادخارها ؛ لأن ما دون النصاب قليل، والمرء لا يستغني عن ادخار القليل ولا تقوم حاجاته بغيره
7 - وإن كانت أكثر من النصاب، وصاحبها لا يؤدي زكاتها، فهو ادخار حرام، وهو اكتناز بالاتفاق قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أي مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا في الأرض، وأي مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض وروي نحوه عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله، وأبي هريرة مرفوعا وموقوفا
واكتناز المال حرام بنص القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}
8 - وإن كانت الأموال المدخرة أكثر من النصاب، وصاحبها يؤدي زكاتها، وهي فائضة عن حاجاته الأصلية، فقد وقع الخلاف في حكم ادخارها: فذهب جمهور العلماء من الصحابة وغيرهم إلى جوازه، ومنهم عمر وابنه وابن عباس وجابر ويستدل لما ذهبوا إليه بآيات المواريث؛ لأن الله جعل في تركة المتوفي أنصباء لورثته، وهذا لا يكون إلا إذا ترك المتوفون أموالا مدخرة، كما يستدل لهم بحديث سعد بن أبي وقاص المشهور إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم وهذا نص في أن ادخار شيء للورثة بعد أداء الحقوق المالية الواجبة من زكاة وغيرها خير من عدم الترك
وذهب أبو ذر الغفاري إلى أن ادخار المال الزائد عن حاجة صاحبه - من نفقته ونفقة عياله - هو ادخار حرام وإن كان يؤدي زكاته وكان يفتي بذلك، ويحث الناس عليه، فنهاه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما - وكان أميرا على الشام - عن ذلك؛ لأنه خاف أن يضره الناس في هذا، فلم يترك دعوة الناس إلى ذلك، فشكاه إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فاستقدمه عثمان إلى المدينة المنورة، وأنزله الربذة، فبقي فيها إلى أن توفاه الله تعالى
وكان أبو ذر يحتج لما ذهب إليه بجملة من الأدلة، منها قوله تعالى في سورة التوبة: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} ، ويقول: إن هذه الآية محكمة غير منسوخة
ويحتج بما رواه الإمام أحمد في مسنده عن علي أنه مات رجل من أهل الصفة، وترك دينارين، أو درهمين، فقال رسول الله(ص): كيتان، صلوا على صاحبكم وبما رواه ابن أبي حاتم عن ثوبان مولى رسول الله(ص) أن رسول الله(ص) قال: ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله بكل قيراط صفحة من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنه
وعن ثوبان قال: كنا في سفر ونحن نسير مع رسول الله(ص) فقال المهاجرون: لوددنا أنا علمنا أي المال نتخذه، إذ نزل في الذهب والفضة ما نزل، فقال عمر: إن شئتم سألت رسول الله عن ذلك، فقالوا: أجل، فانطلق، فتبعته أوضع على بعيري، فقال يا رسول الله: إن المهاجرين لما أنزل الله في الذهب والفضة ما أنزل قالوا: وددنا أنا علمنا أي المال خير نتخذه، قال: نعم، فيتخذ أحدكم لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة تعين أحدكم على إيمانه
9 - وذهب البعض إلى أن ادخار الأموال يكون حراما وإن أدى المدخر زكاتها إذا لم يؤد صاحبها الحقوق العارضة فيها، كإطعام الجائع، وفك الأسير وتجهيز الغازي ونحو ذلك
وذهب علي بن أبي طالب إلى أنه لا يحل لرجل أن يدخر أربعة آلاف درهم فما فوق وإن أدى زكاتها، وكان يقول: " أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة، وما فوقها كنز "
وكأن علي بن أبي طالب رأى أن القيام بالحاجات الأصلية للمرء لا يتطلب أكثر من أربعة آلاف درهم في أحسن الأحوال ، فإن حبس الشخص مبلغا أكبر من هذا فقد حبس خيره عن الناس، وعن الفقراء بشكل خاص، وهو أمر لا يجوز، فقد كان يقول: " إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي فقراءهم، وإن جاعوا وعروا وجهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عليه "
والادخار الفردى منه المحرم كمن يدخر للاحتكار وزيادة الأسعار أو من يدخر بخلا فلا ينفق منه شيئا فى وجوه الخير وأما ادخار المال من اجل منفعة الأولاد مستقبلا فهو أمر مباح
قطعا يختلف الحكم ما بين مجتمع مسلم يعيش فيه المسلم ينفذ حكم الله وما بين مجتمع كافر يعيش فيه بعض المسلمين تحت حكم شيطانى ففى الدولة الكافرة يجوز ادخار المال لبناء البيوت والتزويج والتعليم وعمل المشروعات المختلفة وأما فى المجتمع المسلم فالمفروض أن الدولة تعمل على بناء البيوت للناس وتعلمهم وتعطى العزاب فائضا فى المرتبات والمعاشات كى يدخروا المهر ويجهزوا البيوت
وتحدثت الموسوعة عن ادخار لحوم الأضاحى فقالت :
"ادخار لحوم الأضاحي:
11 - يجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث في قول عامة أهل العلم ولم يجزه علي ولا ابن عمر رضي الله عنهما؛ لأن النبي(ص) نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث
وللجمهور أن النبي(ص) قال: كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم رواه مسلم - وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي(ص) قال: إنما نهيتكم للدافة التي دفت فكلوا وتزودوا وتصدقوا وادخروا وقال أحمد فيه أسانيد صحاح أما علي وابن عمر فلم يبلغهما ترخيص رسول الله(ص) وقد كانوا سمعوا النهي فرووا على ما سمعوا "
وادخار اللحوم للقانع والمعتر وهو البائس الفقير هو أمر أساسى وليس فى سنة دون سنة فالمقصود هو تخزين اللحوم لأن اعطاء تلك اللحوم كلها لفقراء مكة سيفسدها ويفسدهم صحيا وإنما يخزن اللحم ليعطى لفقراء الدولة ككل أينما ما كانوا
وتحدثت الموسوعة عن اخراج المدخرات عند الحاجة فقالت:
"إخراج المدخرات وقت الضرورة:
13 - يتفق الفقهاء على أن من ادخر شيئا من الأقوات الضرورية لنفسه أو لعياله واضطر إليه أحد غيره كان عليه بذله له إن لم يكن محتاجا إليه حالا؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر
ويأثم بإمساكه عنه مع استغنائه، وإن كانوا قد اختلفوا هل يبذله له بالقيمة أو بدونها.. دليل وجوب الإخراج في هذه الحال من السنة ما رواه أبو سعيد الخدري أن رسول الله(ص) قال: من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له "
وهذا ألأمر مفروض فالأب الصالح(ص) ادخر المال لولديه كى يستخرجاها وقت حاجاتهما لها
وتحدثت عن ادخار غير الأقوات فقالت :
"ادخار غير الأقوات:
14 - ادخار غير الأقوات الضرورية جائز بالاتفاق كالأمتعة والأواني ونحو ذلك
وعلى الدولة أن تدخر من غير الضرورية ما قد ينقلب ضروريا في وقت من الأوقات كالخيل مثلا والكراع والسلاح ونحو ذلك، فإنه غير ضروري في أوقات السلم، ولكنه يصبح ضروريا أيام الحرب، وعلى الدولة بذله للمحتاج حين اضطراره "
قطعا لابد من تخزين كل أنواع السلع فى دولة المسلمين فى أماكن صغيرة وكثيرة جدا ومتباعدة لأن فى وقت الحروب والكوارث لا أحد يعرف حجم الأضرار ولا هو المطلوب ساعتها ومن ثم تخزين كل السلع مطلوب وفى كل مكان من أرض الدولة حتى يجد الناس ما يسعفهم عند الحاجة
وكذلك تبنى الدولة قرى صغيرة متفرقة غير مسكونة فى أماكن متباعدة ومختلفة حتى يمكن اللجوء إليها عند دمار القرى أو المدن بسبب الحروب أو الكوارث
وكل هذا من باب اعداد القوة الذى قال تعالى :
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة "