- المشاركات
- 82,631
- الإقامة
- قطر-الأردن
مع حلول الذكرى السنوية الرابعة للإعصار المالي الذي عصف بالاقتصاد العالمي بأكمله تقريبا، تلوح سحب سوداء في الأفق مجددا. فأوروبا واقعة في أسر خوف جديد من حدوث انهيار في منطقة اليورو، ومع استمرار الانتعاش الاقتصادي الأميركي في التراجع، يدفع تباطؤ الاقتصاد الصيني العالم نحو أزمة جديدة. قد تعرض أزمة اقتصادية حامية الوطيس في الصين عددا هائلا من الدول لتبعات غير متوقعة وتقوض الآمال في حدوث تعاف اقتصادي عالمي. كذلك، تدق أزمة الصين الاقتصادية المسمار الأخير في نعش نظرية «الفصل» التي كانت تحظى بشعبية في ما مضى، والتي أيدت فكرة وجود منطقة اقتصادية متمتعة بالاستقلال الذاتي حول الصين والتي يمكن أن تصعد حتى مع انهيار الاقتصاد الأميركي.
في الأيام السوداء في الفترة من عام 2008 - 2009، في أعقاب انهيار مؤسسات مالية بارزة، وقفت الصين كبارقة أمل، بوصفها أكبر قوة للنمو العالمي. ومما زاد من الأمل حزمة التحفيز الاقتصادي التي نفذتها بكين وبلغت قيمتها 586 دولارا في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008، مما أدى إلى تعافي الاقتصاد الصيني مجددا وسرعان ما عاد للنمو بنسبته المعتادة البالغة 8 في المائة. وعلى الرغم من ذلك، فقد سار النمو المحفز الذي حمى الاقتصاد من تأثير هبوط الطلب على الصادرات. وقد تفاقمت مشكلة ارتفاع معدل التضخم وفقاعة العقارات المدفوعة بالحافز بفعل هبوط الطلب العالمي.
ولكن بدأت تنخفض نسبة الإقبال الأوروبي على السلع الصينية بشكل حاد، مدفوعة بتفاقم أزمة الدين السيادي. ومع ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة والمخاوف من حدوث ركود اقتصادي، يتسم الطلب في أكبر أسواق الصين الخارجية بنوع من التراجع. وإذا كانت بكين تميل لخفض قيمة الرنمينبي في محاولة لدعم الصادرات إلى الولايات المتحدة، فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى غضب عارم في الولايات المتحدة، خاصة في عام الانتخابات الرئاسية.
ويستشعر الناظر المتفحص تأثير الطلب الأميركي عبر جميع أنحاء الصين. حيث تعج محلات بيع السيارات بعدد هائل من السيارات غير المباعة، وتنوء المخازن تحت وطأة أكوام من البضائع غير المباعة وتبقى ملايين الشقق خاوية على عروشها. وفي محاولة لتصفية المخزون، تخوض الشركات حروبا شرسة لخفض الأسعار. وتشير آخر البيانات إلى أن طلبات التصدير تهبط بأقصى سرعة لها منذ أزمة 2008. وتتسبب التخفيضات في طلبات الواردات المقدمة من الشركات الصينية الآن في انتشار حالة التشاؤم في ثلاث قارات. وتبيع ألمانيا، التي تمثل قوة الصادرات في أوروبا، معظم ماكيناتها وأجهزتها للصين، لكنها تشهد هبوطا في نمو إجمالي الناتج المحلي. وقد أثرت أزمة الدين السيادي، التي عصفت بالبنوك الأوروبية، بشكل غير مباشر على صادرات الصين للدول الأفقر أيضا. وتعتمد الاقتصادات الناشئة في أفريقيا وأميركا اللاتينية بكثافة على البنوك الأوروبية في تمويل تجارتها، غير أن المقرضين قد توقفوا عن إصدار خطابات الاعتماد.
لقد استهلكت قوة الصادرات الصينية نحو 20 في المائة من الطاقة غير المتجددة في العالم، و23 في المائة من المحاصيل الزراعية الرئيسية و40 في المائة من المعادن. وليس من الغريب أن يتواصل التأثير السلبي ويلحق تباطؤ الاقتصاد الصيني الأذى بأستراليا والبرازيل والدول الأفريقية، والتي كانت تغذي قوة الصادرات الصينية بمواد خام مثل المعادن والسلع الزراعية والبتروكيماويات. ومثلما أشار مسؤول بإحدى شركات الحديد الرئيسية، فإنه مع تباطؤ الاقتصاد الصيني، ولت «السنوات الذهبية» إلى غير رجعة.
وفي الآونة الأخيرة تخلت شركة «بي إتش بي بيليتون» الأسترالية عن خطط لبناء أكبر منجم نحاس ويورانيوم مفتوح، كما تحطمت آمال توفير آلاف الوظائف. هذا وقد أحال الهبوط في الطلبات على السلع الاستهلاكية الصينية الألم إلى كوريا الجنوبية وتايوان ومجموعة من الدول الأخرى المشاركة في سلسلة الإمداد الخاصة بالتصنيع. على سبيل المثال، هبطت صادرات اليابان من الأجهزة الثقيلة، مما أدى، بدوره، إلى هبوط في واردات الدولة من السلع.
وبالنظر إلى مدى تقلص الطلب العالمي، يتمثل السبيل الرئيسية التي يمكن أن تنتهجها الصين من أجل تجنب هبوط حاد في اقتصادها في المشاركة في عملية فصل محلية بالابتعاد عن الاستثمار المدفوع بالصادرات والاتجاه إلى النمو المرتبط بالاستهلاك. وخلال الخمسة أعوام الماضية، قدمت الصين معاشات تقاعد وتأمينا صحيا في محاولة لتشجيع زيادة الاستهلاك المحلي. وبسبب خوفهم من العبء الطبي وتقدم العمر، اتجه الصينيون للادخار أكثر من الاستهلاك. وعلى الرغم من ذلك، فإن معدلات الادخار الخاصة المرتفعة تشير إلى نجاح محدود في تغيير المحركات الاقتصادية. ومع سعي الصين لإعادة التوازن لاقتصادها، ومع تراجع قطاعها الصناعي، يمكن أن يزود الانخفاض الناتج في أسعار السلع العالمية الدول النامية غير المتمتعة بتلك الموارد ببارقة أمل. إضافة إلى ذلك، فقد يتسبب ضعف الطلب من جانب الصين في خفض سعر النفط وتحويل جزء من تدفق الاستثمار المباشر الأجنبي بعيدا عن الصين. وبفضل التدفق القوي للاستثمار الأجنبي المباشر، تعتبر الصين، بما تملكه من احتياطي نقدي قيمته 3.2 تريليون دولار، مستعدة بشكل أفضل لمواجهة الإعصار؛ غير أن الهبوط في فائض الحساب الجاري قد أوضح أن مصيرها لن يكون بمعزل عن بقية دول العالم.
* رئيس التحرير السابق لصحيفة «فار إيسترن إكونوميك ريفيو»
في الأيام السوداء في الفترة من عام 2008 - 2009، في أعقاب انهيار مؤسسات مالية بارزة، وقفت الصين كبارقة أمل، بوصفها أكبر قوة للنمو العالمي. ومما زاد من الأمل حزمة التحفيز الاقتصادي التي نفذتها بكين وبلغت قيمتها 586 دولارا في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008، مما أدى إلى تعافي الاقتصاد الصيني مجددا وسرعان ما عاد للنمو بنسبته المعتادة البالغة 8 في المائة. وعلى الرغم من ذلك، فقد سار النمو المحفز الذي حمى الاقتصاد من تأثير هبوط الطلب على الصادرات. وقد تفاقمت مشكلة ارتفاع معدل التضخم وفقاعة العقارات المدفوعة بالحافز بفعل هبوط الطلب العالمي.
ولكن بدأت تنخفض نسبة الإقبال الأوروبي على السلع الصينية بشكل حاد، مدفوعة بتفاقم أزمة الدين السيادي. ومع ارتفاع معدل البطالة في الولايات المتحدة والمخاوف من حدوث ركود اقتصادي، يتسم الطلب في أكبر أسواق الصين الخارجية بنوع من التراجع. وإذا كانت بكين تميل لخفض قيمة الرنمينبي في محاولة لدعم الصادرات إلى الولايات المتحدة، فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى غضب عارم في الولايات المتحدة، خاصة في عام الانتخابات الرئاسية.
ويستشعر الناظر المتفحص تأثير الطلب الأميركي عبر جميع أنحاء الصين. حيث تعج محلات بيع السيارات بعدد هائل من السيارات غير المباعة، وتنوء المخازن تحت وطأة أكوام من البضائع غير المباعة وتبقى ملايين الشقق خاوية على عروشها. وفي محاولة لتصفية المخزون، تخوض الشركات حروبا شرسة لخفض الأسعار. وتشير آخر البيانات إلى أن طلبات التصدير تهبط بأقصى سرعة لها منذ أزمة 2008. وتتسبب التخفيضات في طلبات الواردات المقدمة من الشركات الصينية الآن في انتشار حالة التشاؤم في ثلاث قارات. وتبيع ألمانيا، التي تمثل قوة الصادرات في أوروبا، معظم ماكيناتها وأجهزتها للصين، لكنها تشهد هبوطا في نمو إجمالي الناتج المحلي. وقد أثرت أزمة الدين السيادي، التي عصفت بالبنوك الأوروبية، بشكل غير مباشر على صادرات الصين للدول الأفقر أيضا. وتعتمد الاقتصادات الناشئة في أفريقيا وأميركا اللاتينية بكثافة على البنوك الأوروبية في تمويل تجارتها، غير أن المقرضين قد توقفوا عن إصدار خطابات الاعتماد.
لقد استهلكت قوة الصادرات الصينية نحو 20 في المائة من الطاقة غير المتجددة في العالم، و23 في المائة من المحاصيل الزراعية الرئيسية و40 في المائة من المعادن. وليس من الغريب أن يتواصل التأثير السلبي ويلحق تباطؤ الاقتصاد الصيني الأذى بأستراليا والبرازيل والدول الأفريقية، والتي كانت تغذي قوة الصادرات الصينية بمواد خام مثل المعادن والسلع الزراعية والبتروكيماويات. ومثلما أشار مسؤول بإحدى شركات الحديد الرئيسية، فإنه مع تباطؤ الاقتصاد الصيني، ولت «السنوات الذهبية» إلى غير رجعة.
وفي الآونة الأخيرة تخلت شركة «بي إتش بي بيليتون» الأسترالية عن خطط لبناء أكبر منجم نحاس ويورانيوم مفتوح، كما تحطمت آمال توفير آلاف الوظائف. هذا وقد أحال الهبوط في الطلبات على السلع الاستهلاكية الصينية الألم إلى كوريا الجنوبية وتايوان ومجموعة من الدول الأخرى المشاركة في سلسلة الإمداد الخاصة بالتصنيع. على سبيل المثال، هبطت صادرات اليابان من الأجهزة الثقيلة، مما أدى، بدوره، إلى هبوط في واردات الدولة من السلع.
وبالنظر إلى مدى تقلص الطلب العالمي، يتمثل السبيل الرئيسية التي يمكن أن تنتهجها الصين من أجل تجنب هبوط حاد في اقتصادها في المشاركة في عملية فصل محلية بالابتعاد عن الاستثمار المدفوع بالصادرات والاتجاه إلى النمو المرتبط بالاستهلاك. وخلال الخمسة أعوام الماضية، قدمت الصين معاشات تقاعد وتأمينا صحيا في محاولة لتشجيع زيادة الاستهلاك المحلي. وبسبب خوفهم من العبء الطبي وتقدم العمر، اتجه الصينيون للادخار أكثر من الاستهلاك. وعلى الرغم من ذلك، فإن معدلات الادخار الخاصة المرتفعة تشير إلى نجاح محدود في تغيير المحركات الاقتصادية. ومع سعي الصين لإعادة التوازن لاقتصادها، ومع تراجع قطاعها الصناعي، يمكن أن يزود الانخفاض الناتج في أسعار السلع العالمية الدول النامية غير المتمتعة بتلك الموارد ببارقة أمل. إضافة إلى ذلك، فقد يتسبب ضعف الطلب من جانب الصين في خفض سعر النفط وتحويل جزء من تدفق الاستثمار المباشر الأجنبي بعيدا عن الصين. وبفضل التدفق القوي للاستثمار الأجنبي المباشر، تعتبر الصين، بما تملكه من احتياطي نقدي قيمته 3.2 تريليون دولار، مستعدة بشكل أفضل لمواجهة الإعصار؛ غير أن الهبوط في فائض الحساب الجاري قد أوضح أن مصيرها لن يكون بمعزل عن بقية دول العالم.
* رئيس التحرير السابق لصحيفة «فار إيسترن إكونوميك ريفيو»