استمرار العجز المتفاقم في موازنة السلطة الفلسطينية سيعرض للخطر المكاسب التي تحققت في السنوات الأخيرة بما فيها مشروع بناء وإقامة الدولة الفلسطينية.
هذا ما حذر منه البنك الدولي الذي أرجع في تقرير له الذي حمل عنوان ركود أم انتعاش؟ آفاق الاقتصاد الفلسطيني الأزمة المالية الفلسطينية الحادة إلى القيود الإسرائيلية وانخفاض مساعدات المانحين داعيا المانحين إلى استمرار المساعدات وإسرائيل إلى التخفيف من القيود المفروضة على إدخال السلع إلى المناطق الفلسطينية وزيادة رقعة التعاون في مجال تبادل المعلومات الجمركية والضريبية مع السلطة الفلسطينية والسلطة إلى اتخاذ خطوات لجذب الاستثمارات.
وقالت مريم شيرمان المديرة والممثلة المقيمة للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة إن استقرار وضع المالية العامة للسلطة الفلسطينية يستلزم القيام بعمل فوري من جانب مجتمع المانحين.
ودعت شيرمان إسرائيل والسلطة إلى اتخاذ خطوات ملموسة لتمهيد الطريق أمام المقاولين المبادرين باعتبار أن القطاع الخاص الفلسطيني كفيل بتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. وجاء في التقرير أن النمو سيبقى معتمدا اعتمادا كبيرا على المعونات ما لم يكن هناك متسع للنمو لدى القطاع الخاص.
وأضاف أنه لا يكون هذا التوسع ممكنا إلا في حال رفعت إسرائيل القيود المتبقية على إمكانية الوصول إلى الأراضي والمياه وإلى مجموعة متنوعة من المواد الخام وأسواق التصدير وإلا كذلك في حال قيام السلطة الفلسطينية بتحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات التي تحتاج إليها وذلك من خلال تدابير من مثل توسيع نطاق تسجيل الأراضي في الضفة الغربية وإصلاح القوانين الراهنة التي تحكم قطاع الأعمال وبناء قدراتها الذاتية بغية تنظيم الاقتصاد وضمان المنافسة.
وأشار التقرير إلى العجز المتوقع في الميزانية الفلسطينية للعام الجاري 2012 والتي يتوقع أنها ستعاني من عجز بنحو 1.1 مليار دولار موضحا أن السلطة الفلسطينية قادرة حاليا على الحصول على نحو 610 ملايين دولار من الدعم الخارجي مما سيترك عجزا بنحو 540 مليون دولار.
ويقدر البنك الدولي ويقر الجهود المهمة التي تبذلها السلطة الفلسطينية من أجل تخفيف الأزمة عن طريق تحسين مستوى تحصيل الإيرادات المحلية وخفض الإنفاق ولكنه اعتبر أن كل هذه الجهود سيكون لها أثر محدود في ظل عدم زيادة التعاون من الجانب الإسرائيلي.
وطالب البنك بتبادل المعلومات الضريبة ذات الصلة بين السلطة وإسرائيل وإلى تطبيق اتفاق بين وزارتي المالية الفلسطينية والإسرائيلية يمكن أن يقلل بشكل كبير من التهرب من الضرائب في نسب قد تقلل النقص المتوقع في المساعدات الخارجية بأكثر من 15 في المائة.
كما طالب المانحين بمواصلة تقديم المساعدات الإضافية على المدى القصير واصفا ذلك بضرورة ملحة ذلك لأن السلطة الفلسطينية لا تستطيع ببساطة اتخاذ خطوات كافية لخفض العجز المتكرر المتوقع في الموازنة سعيا إلى الوصول إلى مستوى المساعدات المتوقعة في الوقت الحاضر.
وعلى الرغم من إقرار البنك الدولي بوجود نمو في الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام فإنه قال إن ذلك ليس نموا مستداما. وأضاف أنه توجد مؤشرات تفيد بأن النمو المستدام لا يزال غائبا.
وفي الواقع فإن النمو في الضفة الغربية قد تباطأ فعليا في العام الماضي 2011 مقارنة بالسنة الماضية. وبالإضافة إلى انخفاض مستوى الدعم الذي تقدمه الجهات المانحة وإلى أزمة المالية العامة يمكن أيضا عزو هذا البطء إلى حد كبير إلى عدم تغيير إسرائيل نظام القيود التي تفرضها على الضفة والقطاع والتي تمنع التدفق الحر للحركة التجارية والسلع.
ويفترض أن يصل النمو في العام الماضي 2011 إلى 9.5 في المائة حسب ما قال تقرير البنك الذي أكد أن ذلك يعود إلى حد كبير إلى انتعاش الاقتصاد في قطاع غزة الذي يفترض أن يسجل نموا نسبته 25 في المائة مقابل نحو 5.8 في المائة في الضفة الغربية.
وتابع أن قطاع غزة استمر في الانتعاش في العام 2011 فشهد نموا في الناتج المحلي الإجمالي بلغ مستوى منزلتين رقميتين. بيد أن فحص العوامل التي أدت إلى النمو في الأراضي الفلسطينية تثير الشكوك بشأن مدى استدامة هذه الاتجاه في النمو. فقدر كبير من هذا النمو ناشئ عن طفرة في أعمال الإنشاء ناتجة عن تدفقات المعونات ورفع القيود التي تفرضها إسرائيل على دخول بعض المواد الخام وزيادة المستوردات من خلال الأنفاق الممتدة إلى الأراضي المصرية.
وبالإضافة إلى ذلك لا يزال الاقتصاد الغزاوي آخذا في الانتعاش من جديد منطلقا من قاعدة متدنية جدا مع بقاء وضع الشخص الغزاوي العادي سواء أكان ذكرا أم أنثى أسوأ مما كان عليه في أواخر التسعينات من العقد الماضي.