وسام الصباغ
إداري سابق
- المشاركات
- 7,082
- الإقامة
- دبي
روسيا أهم ضحايا مغامرات الأوبك والصين تستفيد
الدول المصدرة مهددة بالعجز المالى والمستوردة ترفع مخزوناتها
الرابحون و الخاسرون من لعبـة أسعـار البترول أصبح العالم فجأة مغموراً بالبترول خصوصاً مع مغامرة الدول المصدرة للبترول «أوبك» برفض خفض الإنتاج للضغط على الأسعار المنهارة فى وقت يعانى العالم هبوط الطلب، فتراجعت الأسعار أكثر من %40 منذ يونيو الماضى، وحلقت حول مستوى الـ 60 دولاراً للبرميل.
صفحات التاريخ تتنبأ بأن هذا الهبوط سيكون له عواقب من المرجح أن تكون عميقة وطويلة الأمد، وطبيعى أن يضع الاقتصاديون بعض النقاط الإيجابية لقائمة السلبيات، ولكن المخاوف هى سيدة الموقف أكثر من أى وقت مضى.
فى الأوقات العادية، يكون انخفاض أسعار البترول حافزاً للاقتصاد العالمي، ولكن الاقتصاديين هذه المرة يتجادلون حيال ما إذا كان تغير الأوضاع الاقتصادية حول العالم- مثل انخفاض معدلات التضخم وارتفاع قيمة الدولار- سوف يردم الرمال على العلاقات الاقتصادية المعتادة.
ولا يزال غالبية الاقتصاديين يتفقون فى الرأى مع كريستيان لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولي، التى قالت مؤخراً: «إن انخفاض أسعار البترول بمثابة أخبار جيدة بالنسبة للاقتصاد العالمي»، وينبع التأثير الايجابى لانخفاض أسعار البترول من أن مستهلكى البترول سينفقون أكثر على قطاعات أخرى، فى حين سيحد منتجو البترول من استهلاكهم.
ويقدر معهد «أوكسفورد ايكينوميكس» للأبحاث أن كل 20 دولاراً انخفاضاً فى أسعار البترول يرفع النمو العالمى بنسبة %0.4 خلال عامين أو ثلاثة أعوام، وعلى هذا النحو، فإن انخفاض أسعار البترول بحوالى 40 دولاراً حتى الآن من شأنه أن يعوض انخفاض توقعات صندوق النقد الدولى للنمو العالمى من عام 2014 حتى عام 2016، وتلك الدفعة فى النمو الاقتصادى ستكون أعظم إذا نتج عنها ارتفاع فى ثقة المستثمرين وشجع الشركات على الاستثمار والإنفاق.
وبعد دراسة خمسة وأربعين اقتصاداً مختلفاً، خلص «أكسفورد إيكونومكس» إلى أن الاقتصادات الناشئة المستوردة للبترول هى الرابح الأكبر من انخفاض أسعار البترول. وصرحت وكالة «موديز» للتصنيف الائتمانى بأن الدول التى تناضل من أجل خفض معدلات التضخم وفاتورة دعم البترول، مثل الهند وإندونيسيا، سوف تكون الأكثر استفادة من بيئة الأسعار المنخفضة.
بينما تعد التوقعات أكثر قتامة بالنسبة للدول المصدرة للبترول، فتلك الدول التى اعتادت على الإنفاق أكثر من ادخار عائدات البترول لديها قدرة أقل على التكيف مع الواقع الجديد، وتوقعت وكالة «موديز» أن تكون روسيا وفنزويلا هما الأكثر تضرراً.
وتقدر أكسفورد إيكونومكس، أنه مع استقرار البترول عند 60 دولاراً للبرميل، سوف تشهد ثلاث عشرة دولة أوروبية معدلات التضخم دون صفر فى المائة فى عام 2015.
وفى عام 2008، أدى الضعف الحاد فى الطلب العالمى إلى انخفاض أسعار البترول من 133 دولاراً للبرميل إلى 40 دولاراً، ورغم مخاوف الانكماش، ساعدت أسعار البترول المنخفضة على انتعاش النمو فى عام 2010.
إذن فالتاريخ يقول لنا إن انخفاض أسعار البترول يحفز الاقتصاد العالمى فى السراء والضراء، ولكن الاقتصاديين يعلمون جيداً أن التاريخ لم يكن مرشداً جيداً للعديد من الاتجاهات الاقتصادية على مدار السنوات الست الماضية، لذلك لا يوجد ما يضمن أن أسعار البترول المنخفضة ستلقى بعصاها السحرية على الاقتصاد العالمى كما كان الحال دائماً فى الماضي.
ففى المكسيك، من المتوقع أن تتضرر استثمارات القطاع الخاص فى قطاع البترول، إذ فتحت قطاع البترول والغاز أمام استثمارات القطاع الخاص بعد ثمانين عاماً من سيطرة الدولة، ولكن الاستثمارات آخذة فى التراجع نتيجة انخفاض أسعار البترول.
وفى الولايات المتحدة، ربما يؤدى انخفاض أسعار البترول إلى تباطؤ ثورة الغاز الصخرى، ولكن انخفاض الأسعار ما زال يعتبر أخباراً جيدة للاقتصاد الأمريكي، إذ إنه سيوفر للشعب الأمريكى حوالى 75 مليار دولار سنوياً لإنفاقها على سلع أخرى أى ما يعادل %0.7 من إجمالى الاستهلاك الأمريكي.
وفى فنزويلا، يتوقع خبراء الاقتصاد أن تخسر فنزويلا 700 مليون دولار لكل دولار انخفاضاً فى أسعار البترول، وحتى قبل الانهيار الأخير فى أسعار البترول، كانت هناك توقعات بتعثر الدولة حيث يشكل البترول %96 من عائدات الصادرات، وتفاقمت هذه المخاوف فى الأسابيع الأخيرة، ومن المتوقع أن ينكمش اقتصاد فنزويلا بنحو %3 العام الجارى، فى حين يعانى الشعب بالفعل نقص السلع الأساسية، وارتفاع معدلات التضخم التى تزيد على %63، ويقول المحللون لدى شركة «اكواناليتيكا» الاستشارية، إن البلاد فى حاجة أن ترتفع أسعار البترول إلى 130 دولاراً للبرميل لتتزن موازناتها.
وفى نيجيريا، يعود الفضل فى ظهور نيجيريا كأكبر اقتصاد فى أفريقيا إلى النمو السريع فى الخدمات، ولكن البترول لا يزال يشكل %60 من عائدات الدولة و%90 من ايرادات الصادرات، ويزيد تمرد الإسلاميين المتصاعد من حدة الاضطرابات التى تشهدها البلاد، وخفضت الحكومة الانفاق لعام 2015، تراجعت أسواق الأوراق المالية بنسبة %235 منذ بداية العام حتى الان، وازدادت الضغوطات الوافعة على «النيرة» منذ هبوط قيمتها بنسبة %8 الشهر الماضي.
أما فى الاتحاد الأوروبي، فرغم أن المنطقة تستورد %88 من احتياجاتها من البترول، فاحتفالاتها بانخفاض أسعار البترول كانت صامتة، فيعد تراجع اسعار البترول للوهلة الأولى عاملاً مساعداً للقطاع الصناعى فى أوروبا لاستعادة قدرتها التنافسية مقارنة بالقطاع الصناعى الأمريكي، ولكن تراجع أسعار البترول ضرب الأسهم الأوروبية، ولاسيما مؤشر فوتسي، ويتوقع المحللون أن المشروعات العملاقة فى أوروبا، كتلك التى فى بحر الشمال فى بريطانيا، سيتم تعليقها.
وفى روسيا، زاد انخفاض أسعار البترول وأزمتها مع أوكرانيا من سوء الوضع الاقتصادي، إذ يشكل البترول والغاز %75 من صادرات البلاد وأكثر من نصف ايرادات الموازنة، وازداد هبوط قيمة «الروبل» الآخذ فى التراجع بالفعل جراء التوترات الجيوسياسية، ونتيجة ذلك، ازداد عبء ديون الشركات والبنوك الروسية التى تبلغ 600 مليار دولار، وتزاد خطورة تلك المشكلة لأن العقوبات الغربية تمنع هؤلاء المقرضين من إعادة تمويل هذه الديون مع البنوك الأوروبية والأمريكية.
أما تركيا، فقال زير المالية التركي، محمد سيمسك، إن البلاد لم تعد واحدة من الدول الناشئة الخمس الهشة لأن انخفاض أسعار البترول ساعد على تضييق عجز الحساب الجاري، ورغم اعتماد تركيا اعتماداً كبيراً على الوقود الأجنبي- بلغت واردات الطاقة العام الماضى 56 مليار دولار- قال المسئولون إن العجز يتراجع بما يزيد على 400 مليون دولار لكل 10 دولارات انخفاضاً فى أسعار البترول، ولكن تأثير ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية المرتقب، وما يصحبه من تحويل رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة قد يفوق أى مكاسب حققتها تركيا من تراجع أسعار البترول.
وتعانى إيران بالفعل وطأة العقوبات المفروضة عليها بشأن برنامجها النووى قبيل انخفاض أسعار البترول، وتسعى حكومة روحانى لخفض اعتماد الاقتصاد على البترول فى موازنة العام المقبل لتنخفض من %50 إلى الثلث، ومع عدم وجود أى احتمال لارتفاع أسعار البترول فى المستقبل القريب، ستزداد الضغوط الواقعة على ايران لابرام اتفاقية نهائية بشأن برنامجها النووى قبل الموعد النهائى فى يونيو المقبل.
وستظل المملكة العربية السعودية- أكبر مصدر للبترول فى العالم- أكثر دول الخليج تضرراً من انخفاض أسعار البترول، فأعلنت وكالة «موديز» للتصنيف الائتمانى أن السعودية سوف تشهد عجزا ماليا يساوى %14 من الناتج المحلى الإجمالى مع أسعار البترول عند 60 دولاراً للبرميل 2015، وسوف تخفف الاحتياطيات الأجنبية الضخمة، التى تقدر حوالى بـ740 مليار دولار، من الآثار السلبية الناجمة عن انخفاض أسعار البترول، ولكن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يخفض الانفاق على البرامج الاجتماعية التى ازدادت بشدة فى أعقاب الاضطرابات المتعلقة بالانتفاضات العربية.
بينما تعد اليابان رابحا كبيرا من تراجع أسعار البترول، إذ أنفقت البلاد فى العام المالى الماضى حتى مارس 2014 حوالى 28.4 تريليون ين يابانى أى ما يعادل 236 مليار دولار على الطاقة، وكل %10 انخفاضا فى أسعار الطاقة تمثل أرباحاً تبلغ حوالى 2.6 تريليون ين مما ساعد على خفض عجز الموازنة، ولكن كبير الاقتصاديين السابق فى بنك اليابان المركزي، هيديو هياكاوا، يقول إن انخفاض أسعار البترول تعد نعمة ونقمة فى الوقت نفسه على البنك المركزى، إذ إنها قد تصعب من مهمة تحقيق نسبة التضخم المستهدفة التى تبلغ %2.
بينما استفادت الصين على نحو أقل من المتوقع من انخفاض أسعار البترول رغم أنها أكبر مستورد للبترول فى العالم، ويعود ذلك جزئياً إلى أن اعتماد الدولة الضخم على الفحم يعنى أن الاقتصاد يتعرض لأسعار البترول من خلال قطاع النقل، ولم تختلف أسعار البنزين والديزل، التى تحددها الدولة، كثيراً عندما كان سعر البرميل 80 دولاراً، كما تتعامل المصارف فى الصين مع كبار مصدرى البترول، بما فى ذلك فنزويلا، مما يترك بكين عرضة للمخاطر عندما يؤثر انخفاض أسعار البترول على قدرة تلك البلدان على سداد القروض. لكنها تستفيد حاليا من رفع مخزونات الخام لديها مستغلة هبوط الأسعار تحسباً لموجة صعود لقيمة البرميل قد تكون مفاجئة.
الدول المصدرة مهددة بالعجز المالى والمستوردة ترفع مخزوناتها
الرابحون و الخاسرون من لعبـة أسعـار البترول أصبح العالم فجأة مغموراً بالبترول خصوصاً مع مغامرة الدول المصدرة للبترول «أوبك» برفض خفض الإنتاج للضغط على الأسعار المنهارة فى وقت يعانى العالم هبوط الطلب، فتراجعت الأسعار أكثر من %40 منذ يونيو الماضى، وحلقت حول مستوى الـ 60 دولاراً للبرميل.
صفحات التاريخ تتنبأ بأن هذا الهبوط سيكون له عواقب من المرجح أن تكون عميقة وطويلة الأمد، وطبيعى أن يضع الاقتصاديون بعض النقاط الإيجابية لقائمة السلبيات، ولكن المخاوف هى سيدة الموقف أكثر من أى وقت مضى.
فى الأوقات العادية، يكون انخفاض أسعار البترول حافزاً للاقتصاد العالمي، ولكن الاقتصاديين هذه المرة يتجادلون حيال ما إذا كان تغير الأوضاع الاقتصادية حول العالم- مثل انخفاض معدلات التضخم وارتفاع قيمة الدولار- سوف يردم الرمال على العلاقات الاقتصادية المعتادة.
ولا يزال غالبية الاقتصاديين يتفقون فى الرأى مع كريستيان لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولي، التى قالت مؤخراً: «إن انخفاض أسعار البترول بمثابة أخبار جيدة بالنسبة للاقتصاد العالمي»، وينبع التأثير الايجابى لانخفاض أسعار البترول من أن مستهلكى البترول سينفقون أكثر على قطاعات أخرى، فى حين سيحد منتجو البترول من استهلاكهم.
ويقدر معهد «أوكسفورد ايكينوميكس» للأبحاث أن كل 20 دولاراً انخفاضاً فى أسعار البترول يرفع النمو العالمى بنسبة %0.4 خلال عامين أو ثلاثة أعوام، وعلى هذا النحو، فإن انخفاض أسعار البترول بحوالى 40 دولاراً حتى الآن من شأنه أن يعوض انخفاض توقعات صندوق النقد الدولى للنمو العالمى من عام 2014 حتى عام 2016، وتلك الدفعة فى النمو الاقتصادى ستكون أعظم إذا نتج عنها ارتفاع فى ثقة المستثمرين وشجع الشركات على الاستثمار والإنفاق.
وبعد دراسة خمسة وأربعين اقتصاداً مختلفاً، خلص «أكسفورد إيكونومكس» إلى أن الاقتصادات الناشئة المستوردة للبترول هى الرابح الأكبر من انخفاض أسعار البترول. وصرحت وكالة «موديز» للتصنيف الائتمانى بأن الدول التى تناضل من أجل خفض معدلات التضخم وفاتورة دعم البترول، مثل الهند وإندونيسيا، سوف تكون الأكثر استفادة من بيئة الأسعار المنخفضة.
بينما تعد التوقعات أكثر قتامة بالنسبة للدول المصدرة للبترول، فتلك الدول التى اعتادت على الإنفاق أكثر من ادخار عائدات البترول لديها قدرة أقل على التكيف مع الواقع الجديد، وتوقعت وكالة «موديز» أن تكون روسيا وفنزويلا هما الأكثر تضرراً.
وتقدر أكسفورد إيكونومكس، أنه مع استقرار البترول عند 60 دولاراً للبرميل، سوف تشهد ثلاث عشرة دولة أوروبية معدلات التضخم دون صفر فى المائة فى عام 2015.
وفى عام 2008، أدى الضعف الحاد فى الطلب العالمى إلى انخفاض أسعار البترول من 133 دولاراً للبرميل إلى 40 دولاراً، ورغم مخاوف الانكماش، ساعدت أسعار البترول المنخفضة على انتعاش النمو فى عام 2010.
إذن فالتاريخ يقول لنا إن انخفاض أسعار البترول يحفز الاقتصاد العالمى فى السراء والضراء، ولكن الاقتصاديين يعلمون جيداً أن التاريخ لم يكن مرشداً جيداً للعديد من الاتجاهات الاقتصادية على مدار السنوات الست الماضية، لذلك لا يوجد ما يضمن أن أسعار البترول المنخفضة ستلقى بعصاها السحرية على الاقتصاد العالمى كما كان الحال دائماً فى الماضي.
ففى المكسيك، من المتوقع أن تتضرر استثمارات القطاع الخاص فى قطاع البترول، إذ فتحت قطاع البترول والغاز أمام استثمارات القطاع الخاص بعد ثمانين عاماً من سيطرة الدولة، ولكن الاستثمارات آخذة فى التراجع نتيجة انخفاض أسعار البترول.
وفى الولايات المتحدة، ربما يؤدى انخفاض أسعار البترول إلى تباطؤ ثورة الغاز الصخرى، ولكن انخفاض الأسعار ما زال يعتبر أخباراً جيدة للاقتصاد الأمريكي، إذ إنه سيوفر للشعب الأمريكى حوالى 75 مليار دولار سنوياً لإنفاقها على سلع أخرى أى ما يعادل %0.7 من إجمالى الاستهلاك الأمريكي.
وفى فنزويلا، يتوقع خبراء الاقتصاد أن تخسر فنزويلا 700 مليون دولار لكل دولار انخفاضاً فى أسعار البترول، وحتى قبل الانهيار الأخير فى أسعار البترول، كانت هناك توقعات بتعثر الدولة حيث يشكل البترول %96 من عائدات الصادرات، وتفاقمت هذه المخاوف فى الأسابيع الأخيرة، ومن المتوقع أن ينكمش اقتصاد فنزويلا بنحو %3 العام الجارى، فى حين يعانى الشعب بالفعل نقص السلع الأساسية، وارتفاع معدلات التضخم التى تزيد على %63، ويقول المحللون لدى شركة «اكواناليتيكا» الاستشارية، إن البلاد فى حاجة أن ترتفع أسعار البترول إلى 130 دولاراً للبرميل لتتزن موازناتها.
وفى نيجيريا، يعود الفضل فى ظهور نيجيريا كأكبر اقتصاد فى أفريقيا إلى النمو السريع فى الخدمات، ولكن البترول لا يزال يشكل %60 من عائدات الدولة و%90 من ايرادات الصادرات، ويزيد تمرد الإسلاميين المتصاعد من حدة الاضطرابات التى تشهدها البلاد، وخفضت الحكومة الانفاق لعام 2015، تراجعت أسواق الأوراق المالية بنسبة %235 منذ بداية العام حتى الان، وازدادت الضغوطات الوافعة على «النيرة» منذ هبوط قيمتها بنسبة %8 الشهر الماضي.
أما فى الاتحاد الأوروبي، فرغم أن المنطقة تستورد %88 من احتياجاتها من البترول، فاحتفالاتها بانخفاض أسعار البترول كانت صامتة، فيعد تراجع اسعار البترول للوهلة الأولى عاملاً مساعداً للقطاع الصناعى فى أوروبا لاستعادة قدرتها التنافسية مقارنة بالقطاع الصناعى الأمريكي، ولكن تراجع أسعار البترول ضرب الأسهم الأوروبية، ولاسيما مؤشر فوتسي، ويتوقع المحللون أن المشروعات العملاقة فى أوروبا، كتلك التى فى بحر الشمال فى بريطانيا، سيتم تعليقها.
وفى روسيا، زاد انخفاض أسعار البترول وأزمتها مع أوكرانيا من سوء الوضع الاقتصادي، إذ يشكل البترول والغاز %75 من صادرات البلاد وأكثر من نصف ايرادات الموازنة، وازداد هبوط قيمة «الروبل» الآخذ فى التراجع بالفعل جراء التوترات الجيوسياسية، ونتيجة ذلك، ازداد عبء ديون الشركات والبنوك الروسية التى تبلغ 600 مليار دولار، وتزاد خطورة تلك المشكلة لأن العقوبات الغربية تمنع هؤلاء المقرضين من إعادة تمويل هذه الديون مع البنوك الأوروبية والأمريكية.
أما تركيا، فقال زير المالية التركي، محمد سيمسك، إن البلاد لم تعد واحدة من الدول الناشئة الخمس الهشة لأن انخفاض أسعار البترول ساعد على تضييق عجز الحساب الجاري، ورغم اعتماد تركيا اعتماداً كبيراً على الوقود الأجنبي- بلغت واردات الطاقة العام الماضى 56 مليار دولار- قال المسئولون إن العجز يتراجع بما يزيد على 400 مليون دولار لكل 10 دولارات انخفاضاً فى أسعار البترول، ولكن تأثير ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية المرتقب، وما يصحبه من تحويل رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة قد يفوق أى مكاسب حققتها تركيا من تراجع أسعار البترول.
وتعانى إيران بالفعل وطأة العقوبات المفروضة عليها بشأن برنامجها النووى قبيل انخفاض أسعار البترول، وتسعى حكومة روحانى لخفض اعتماد الاقتصاد على البترول فى موازنة العام المقبل لتنخفض من %50 إلى الثلث، ومع عدم وجود أى احتمال لارتفاع أسعار البترول فى المستقبل القريب، ستزداد الضغوط الواقعة على ايران لابرام اتفاقية نهائية بشأن برنامجها النووى قبل الموعد النهائى فى يونيو المقبل.
وستظل المملكة العربية السعودية- أكبر مصدر للبترول فى العالم- أكثر دول الخليج تضرراً من انخفاض أسعار البترول، فأعلنت وكالة «موديز» للتصنيف الائتمانى أن السعودية سوف تشهد عجزا ماليا يساوى %14 من الناتج المحلى الإجمالى مع أسعار البترول عند 60 دولاراً للبرميل 2015، وسوف تخفف الاحتياطيات الأجنبية الضخمة، التى تقدر حوالى بـ740 مليار دولار، من الآثار السلبية الناجمة عن انخفاض أسعار البترول، ولكن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يخفض الانفاق على البرامج الاجتماعية التى ازدادت بشدة فى أعقاب الاضطرابات المتعلقة بالانتفاضات العربية.
بينما تعد اليابان رابحا كبيرا من تراجع أسعار البترول، إذ أنفقت البلاد فى العام المالى الماضى حتى مارس 2014 حوالى 28.4 تريليون ين يابانى أى ما يعادل 236 مليار دولار على الطاقة، وكل %10 انخفاضا فى أسعار الطاقة تمثل أرباحاً تبلغ حوالى 2.6 تريليون ين مما ساعد على خفض عجز الموازنة، ولكن كبير الاقتصاديين السابق فى بنك اليابان المركزي، هيديو هياكاوا، يقول إن انخفاض أسعار البترول تعد نعمة ونقمة فى الوقت نفسه على البنك المركزى، إذ إنها قد تصعب من مهمة تحقيق نسبة التضخم المستهدفة التى تبلغ %2.
بينما استفادت الصين على نحو أقل من المتوقع من انخفاض أسعار البترول رغم أنها أكبر مستورد للبترول فى العالم، ويعود ذلك جزئياً إلى أن اعتماد الدولة الضخم على الفحم يعنى أن الاقتصاد يتعرض لأسعار البترول من خلال قطاع النقل، ولم تختلف أسعار البنزين والديزل، التى تحددها الدولة، كثيراً عندما كان سعر البرميل 80 دولاراً، كما تتعامل المصارف فى الصين مع كبار مصدرى البترول، بما فى ذلك فنزويلا، مما يترك بكين عرضة للمخاطر عندما يؤثر انخفاض أسعار البترول على قدرة تلك البلدان على سداد القروض. لكنها تستفيد حاليا من رفع مخزونات الخام لديها مستغلة هبوط الأسعار تحسباً لموجة صعود لقيمة البرميل قد تكون مفاجئة.