- المشاركات
- 82,631
- الإقامة
- قطر-الأردن
ان الظاهرة الرئيسية في الاقتصادات الصناعية سواء في اوروبا الغربية، أم في الولايات المتحدة واليابان تتمثل في اغراق الاسواق بالسيولة.
اسباب الإغراق ابتدأت مع نشوب الازمة المالية والاقتصادية العالمية وسط صيف 2007 ومن ثم بقوة خريف 2008 مع إفلاس مصرف "ليمان براذرز" الاميركي الذي كان يعتبر المصرف الاكبر عالمياً.
مذذاك وحتى اليوم تبحث السلطات النقدية الدولية، كما المصارف المختصة بشؤون الإنماء مثل البنك الدولي والبنك الاوروبي للانماء، عن وسائل لزيادة معدلات النمو بعد عمليات الإنقاذ النقدية للمصارف وعدد من المؤسسات الصناعية كشركات السيارات الكبرى في الولايات المتحدة والشركة الأميركية الدولية للتأمين.
الانقاذ من الافلاس وفر للشركات المعنية فرصة طوال ثلاث سنوات لإصلاح أوضاعها، وبعض الشركات حقق إصلاحات جذرية وبدأ يحقق ارباحاً مجزية، كما شهدت الاسواق المالية ارتفاعاً سريعاً لاسعار الاسهم وبعض السندات حتى تلك الصادرة عن بلدان واجهت ولا تزال متاعب اقتصادية ومالية مثل ايطاليا واسبانيا وايرلندا، وحتى فرنسا التي كانت تعتبر الاقتصاد الثاني في اوروبا بعد المانيا.
مشكلة تقاعس معدلات النمو وارتفاع معدلات البطالة الى نسب بالغة الارتفاع وخصوصا في الاوساط الشبابية، وقد تخطت لدى فئات الشباب نسبة 40 في المئة في اسبانيا والبرتغال واليونان، وربما قريباً قبرص، لا تزال الشغل الشاغل للسياسيين.
الاقتصاديون الذين تبنوا النظرية المالية، القائلة بضخ الاموال لانجاز مشاريع البنية التحتية، وتشجيع الاستهلاك وخصوصاً مع انخفاض معدلات الفوائد الى مستويات دنيا، لا يدركون لماذا فشلت النظرية حتى تاريخه في تحريك الاقتصادات الصناعية المتطورة.
هنالك بالتأكيد أسباب متنوعة، من اهمها سوداوية التوقعات الاقتصادية في غالبية البلدان الصناعية، وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، الذي اصبح في حجمه الكلي ثاني اقتصاد عالمي. وتضيف الى السوداوية المتفشية ظاهرة باتت معروفة، الا وهي تناقص اعداد الاحداث في المجتمعات الصناعية، وانحسار نمو معدلات السكان عن المعدلات المطلوبة للمحافظة على اعداد السكان الحاليين، وفي الوقت ذاته ارتفعت معدلات الاعمار في البلدان المتقدمة وصارت نسبة المسنين، أي من يتجاوزون الـ60، مرتفعة وتراوح بين 25 في المئة وسطياً في اوروبا و40 في المئة في اليابان حيث معدلات العمر هي الأعلى عالمياً.
وظاهرة تناقص اعداد سكان الدول لها ابعاد إنمائية ضخمة. فالولايات المتحدة مثلاً، التي تنفرد بين الدول الصناعية بزيادة أعداد مواطنيها، استطاعت تحقيق معدلات نمو افضل من دول اوروبا الغربية وان تكن معدلات متدنية بالمقاييس السابقة، او بالمقارنة مع معدلات النمو في الصين، التي انخفضت لكنها لا تزال على مستوى 8 في المئة في مقابل 3 في المئة في احسن حال في الولايات المتحدة.
ويزيد التوقعات المتشائمة انحسار معدلات النمو في الهند. فالاقتصاد الهندي كان ينمو بنسبة 8 في المئة حتى عام 2009 انحسر معدل نموه الى 4 في المئة حالياً، وهنالك مصاعب تواجه الحكومة الهندية في تمويل منشآت البنية التحتية، ذلك ان قاعدة تحصيل الضرائب، عدا الفساد المنتشر بين المقاطعات، ضعيفة في الهند، لان الهند لم تحقق نمواً حقيقياً في اعداد الطبقة الوسطى، في حين ان الصين استطاعت خلال العقدين المنصرمين تحقيق كتلة بشرية من اصحاب المداخيل التي تسمح بالاستهلاك على نطاق مشجع يبلغ عدد المنتسبين اليها 600 مليون صيني.
بكلام آخر، حققت الصين في كل من العقدين المنصرمين انتقال 300 مليون صيني الى مستوى ذوي الدخل المتوسط كل عشر سنين، وعلى سبيل التذكير يزيد هذا العدد المتحقق كل عشر سنين على مجموع سكان الولايات المتحدة. ليس من المبالغة الادعاء ان توسع الطبقة الوسطى في الصين كان الانجاز الاقتصادي الاهم في مختلف انحاء المعمورة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والعقد الاول من هذا القرن. وارتفاع اعداد المنتسبين الى الطبقة الوسطى رافقه تنويع في مجالات الانتاج، واندفاع نحو الاستهلاك تمثل في تجاوز عدد السيارات الجديدة المبيعة في الصين خلال السنتين المنصرمتين الارقام المقارنة في الولايات المتحدة، وانكفاء النمو في الصين يشغل المراقبين الدوليين، كما تدني معدلات النمو في الهند. والهند تعاني ايضاً تعقيد الإجراءات لإنشاء الشركات وتحقيق الاستثمارات، كما تعاني تدني نوعية المنتجات، علماً بان الهنود من اصحاب مصانع الصلب في البلدان الصناعية تميزوا بنتائج اعمالهم ونوعية انتاجهم، وكذلك هو الامر بالنسبة الى السيارات. فالهنود هم من نهضوا بسيارات الجاغوار البريطانية الصبغة كما "الرانج روفر"، وقد باتت هذه السيارات من الاغلى ثمناً والأجود اداءً.
انتفاض الاقتصاد العالمي امر غير متوقع، خصوصا انه، بالاضافة الى الاسباب الواردة اعلاه، وقياساً بتوافر الاموال بسيل لا ينقطع وانخفاض اسعار الفوائد، اندفعت شركات عدة للاقتراض ليس لاغراض الاستثمار في الابحاث، او تقديم منتجات جديدة، بل لاكتساب السيطرة على شركات قائمة، من غير ان تكون ثمة برامج للتوسع.
ونحن اليوم نشهد ظاهرة لا يستطيع تفسيرها الاقتصاديون. تدفق مالي كبير، انخفاض في معدلات التضخم، انحسار معدلات الانتاج، وفي الوقت ذاته تحقق ارباح خيالية للشركات. والسؤال هو الى اين ستذهب هذه الاموال مستقبلاً، وهل نشهد من جديد دورات تضخمية، او تدفقات للمهاجرين الى بلدان الوفرة الخ؟ الصورة غير واضحة ولم تكن في مخيلة الاقتصاديين سابقاً.
مروان اسكندر.
اسباب الإغراق ابتدأت مع نشوب الازمة المالية والاقتصادية العالمية وسط صيف 2007 ومن ثم بقوة خريف 2008 مع إفلاس مصرف "ليمان براذرز" الاميركي الذي كان يعتبر المصرف الاكبر عالمياً.
مذذاك وحتى اليوم تبحث السلطات النقدية الدولية، كما المصارف المختصة بشؤون الإنماء مثل البنك الدولي والبنك الاوروبي للانماء، عن وسائل لزيادة معدلات النمو بعد عمليات الإنقاذ النقدية للمصارف وعدد من المؤسسات الصناعية كشركات السيارات الكبرى في الولايات المتحدة والشركة الأميركية الدولية للتأمين.
الانقاذ من الافلاس وفر للشركات المعنية فرصة طوال ثلاث سنوات لإصلاح أوضاعها، وبعض الشركات حقق إصلاحات جذرية وبدأ يحقق ارباحاً مجزية، كما شهدت الاسواق المالية ارتفاعاً سريعاً لاسعار الاسهم وبعض السندات حتى تلك الصادرة عن بلدان واجهت ولا تزال متاعب اقتصادية ومالية مثل ايطاليا واسبانيا وايرلندا، وحتى فرنسا التي كانت تعتبر الاقتصاد الثاني في اوروبا بعد المانيا.
مشكلة تقاعس معدلات النمو وارتفاع معدلات البطالة الى نسب بالغة الارتفاع وخصوصا في الاوساط الشبابية، وقد تخطت لدى فئات الشباب نسبة 40 في المئة في اسبانيا والبرتغال واليونان، وربما قريباً قبرص، لا تزال الشغل الشاغل للسياسيين.
الاقتصاديون الذين تبنوا النظرية المالية، القائلة بضخ الاموال لانجاز مشاريع البنية التحتية، وتشجيع الاستهلاك وخصوصاً مع انخفاض معدلات الفوائد الى مستويات دنيا، لا يدركون لماذا فشلت النظرية حتى تاريخه في تحريك الاقتصادات الصناعية المتطورة.
هنالك بالتأكيد أسباب متنوعة، من اهمها سوداوية التوقعات الاقتصادية في غالبية البلدان الصناعية، وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، الذي اصبح في حجمه الكلي ثاني اقتصاد عالمي. وتضيف الى السوداوية المتفشية ظاهرة باتت معروفة، الا وهي تناقص اعداد الاحداث في المجتمعات الصناعية، وانحسار نمو معدلات السكان عن المعدلات المطلوبة للمحافظة على اعداد السكان الحاليين، وفي الوقت ذاته ارتفعت معدلات الاعمار في البلدان المتقدمة وصارت نسبة المسنين، أي من يتجاوزون الـ60، مرتفعة وتراوح بين 25 في المئة وسطياً في اوروبا و40 في المئة في اليابان حيث معدلات العمر هي الأعلى عالمياً.
وظاهرة تناقص اعداد سكان الدول لها ابعاد إنمائية ضخمة. فالولايات المتحدة مثلاً، التي تنفرد بين الدول الصناعية بزيادة أعداد مواطنيها، استطاعت تحقيق معدلات نمو افضل من دول اوروبا الغربية وان تكن معدلات متدنية بالمقاييس السابقة، او بالمقارنة مع معدلات النمو في الصين، التي انخفضت لكنها لا تزال على مستوى 8 في المئة في مقابل 3 في المئة في احسن حال في الولايات المتحدة.
ويزيد التوقعات المتشائمة انحسار معدلات النمو في الهند. فالاقتصاد الهندي كان ينمو بنسبة 8 في المئة حتى عام 2009 انحسر معدل نموه الى 4 في المئة حالياً، وهنالك مصاعب تواجه الحكومة الهندية في تمويل منشآت البنية التحتية، ذلك ان قاعدة تحصيل الضرائب، عدا الفساد المنتشر بين المقاطعات، ضعيفة في الهند، لان الهند لم تحقق نمواً حقيقياً في اعداد الطبقة الوسطى، في حين ان الصين استطاعت خلال العقدين المنصرمين تحقيق كتلة بشرية من اصحاب المداخيل التي تسمح بالاستهلاك على نطاق مشجع يبلغ عدد المنتسبين اليها 600 مليون صيني.
بكلام آخر، حققت الصين في كل من العقدين المنصرمين انتقال 300 مليون صيني الى مستوى ذوي الدخل المتوسط كل عشر سنين، وعلى سبيل التذكير يزيد هذا العدد المتحقق كل عشر سنين على مجموع سكان الولايات المتحدة. ليس من المبالغة الادعاء ان توسع الطبقة الوسطى في الصين كان الانجاز الاقتصادي الاهم في مختلف انحاء المعمورة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والعقد الاول من هذا القرن. وارتفاع اعداد المنتسبين الى الطبقة الوسطى رافقه تنويع في مجالات الانتاج، واندفاع نحو الاستهلاك تمثل في تجاوز عدد السيارات الجديدة المبيعة في الصين خلال السنتين المنصرمتين الارقام المقارنة في الولايات المتحدة، وانكفاء النمو في الصين يشغل المراقبين الدوليين، كما تدني معدلات النمو في الهند. والهند تعاني ايضاً تعقيد الإجراءات لإنشاء الشركات وتحقيق الاستثمارات، كما تعاني تدني نوعية المنتجات، علماً بان الهنود من اصحاب مصانع الصلب في البلدان الصناعية تميزوا بنتائج اعمالهم ونوعية انتاجهم، وكذلك هو الامر بالنسبة الى السيارات. فالهنود هم من نهضوا بسيارات الجاغوار البريطانية الصبغة كما "الرانج روفر"، وقد باتت هذه السيارات من الاغلى ثمناً والأجود اداءً.
انتفاض الاقتصاد العالمي امر غير متوقع، خصوصا انه، بالاضافة الى الاسباب الواردة اعلاه، وقياساً بتوافر الاموال بسيل لا ينقطع وانخفاض اسعار الفوائد، اندفعت شركات عدة للاقتراض ليس لاغراض الاستثمار في الابحاث، او تقديم منتجات جديدة، بل لاكتساب السيطرة على شركات قائمة، من غير ان تكون ثمة برامج للتوسع.
ونحن اليوم نشهد ظاهرة لا يستطيع تفسيرها الاقتصاديون. تدفق مالي كبير، انخفاض في معدلات التضخم، انحسار معدلات الانتاج، وفي الوقت ذاته تحقق ارباح خيالية للشركات. والسؤال هو الى اين ستذهب هذه الاموال مستقبلاً، وهل نشهد من جديد دورات تضخمية، او تدفقات للمهاجرين الى بلدان الوفرة الخ؟ الصورة غير واضحة ولم تكن في مخيلة الاقتصاديين سابقاً.
مروان اسكندر.