المسلم أمره لله
عضو ذهبي
- المشاركات
- 7,769
- الإقامة
- الدارالبيضاء -المغرب
الصين و أوروبا بين المساعدات الاقتصادية و الموائمات السياسية
اليوم سنناقش العلاقة الوطيدة بين السياسة و الاقتصاد و كيفية تأثير كل منهما في الآخر، وسنأخذ مثال من أقوى و أوضح الأمثلة على الساحة العالمية حالياً و هو العلاقة السياسية الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي و الصين.
الاتحاد الأوروبي يواجه حالياً واحد من أصعب المواقف الاقتصادية و المالية التي مر بها منذ تأسيسه لدرجة أن تفكك الاتحاد أو التخلي عن أحد الدول الأعضاء أصبح خيار على طاولة مفاوضات الزعماء الأوروبيين، و منذ كون الأزمة التي يواجها الاتحاد الأوروبي أزمة اقتصادية فإن الحل أو التنازل بمعنى أصح سيكون من الجانب السياسي.
في البداية نلقي نظرة سريعة على الأزمة الأوروبية لمعرفة أبعادها و الخطوات التي تم اتخاذها لإنقاذ الموقف من قبل قادة الاتحاد الأوروبي:
منطقة اليورو و التي تضم 17 دولة تتعامل بعملة موحدة هي اليورو تواجه الآن أكبر مشكلاتها كما أشرنا و التي تتمثل في ارتفاع المخاطر بشأن إفلاس عدد من دولها ماليا نتيجة ارتفاع عجز الموازنة لديها مثل اليونان و أسبانيا و الذي نشأ من تراجع الإيرادات العامة للدولة في الوقت الذي ارتفعت فيه نفقات هذه الدول إلى مستويات هددت معها الميزانية العامة مما دفعها إلى اللجوء على الاستدانة عن طريق طرح سندات حكومية طويلة الأجل.
و مع ارتفاع العائد على هذه السندات إلى مستويات مرتفعة حتى تستطيع هذه الدول اجتذاب مشترين و ممولين لهذه السندات، واجهت الدول الأوروبية مخاطر عدم القدرة على الوفاء بسداد هذه الديون و بالطبع عدم القدرة على سداد العائد عليها.
من هنا جاء دور الاتحاد الأوروبي في تقديم يد العون للدول المتعثرة و بعدد سلسلة طويلة من الاجتماعات و المناقشات لجأ الاتحاد الأوروبي إلى تقديم يد العون من خلال تكوين وسيلة الاستقرار المالية الأوروبية ( EFSF ) و التي هي عبارة عن سندات حكومية أيضا إلا أنها بضمان الاتحاد الأوروبي ككل الأمر الذي دفعها إلى الحصول على أعلى تصنيف ائتماني AAA من قبل مؤسسات التصنيف الائتماني المختلفة بمجرد الإعلان عن هذا الصندوق التمويلي.
إلا أنه مع مرور الوقت و فشل هذا الصندوق في تحقيق الاستقرار المالي في الدول الأوروبية المتعثرة، فقد الصندوق تصنيفه الائتماني المتميز مما جعله أيضا يفقد جاذبيته كمجال استثماري للحكومات و الجهات المختلفة التي اهتمت بشراء سندات ( EFSF ) ، لتواجه المنطقة الأوروبية خطر جديد في عدم القدرة على تمويل صندوق الإنقاذ الذي كونته لمساعدة الدول المتعثرة.
و كنتيجة لهذا فرض الاتحاد الأوروبي سياسات أكثر صرامة على حكومات الدول الأوروبية المتعثرة تجبرهم على فرض سياسيات مالية تقشفية قوية للعمل على إنهاء هذه الأزمة المالية في غضون فترة زمنية محددة و إلا سيكون الطرد من الاتحاد الأوروبي هو العقاب.
و الآن نعود على نقطة التنازل السياسي التي أشرنا إليها سابقاً، فالاتحاد الأوروبي في حاجة إلى تمويل لصندوق ( EFSF ) و نظراً لحجم هذا الصندوق التمويلي الضخم فإن المستثمر يجب أن يكون بمثل ضخامته، و بالنظر إلى القائمة المتاحة لدى الاتحاد الأوروبي نجدها تتضمن ثلاث عملاء كبار فقط الولايات المتحدة و الصين و اليابان.
الولايات المتحدة الأمريكية تعاني ما تعانيه الآن من ضعف اقتصادي و تدهور في القطاع الصناعي و ارتفاع في معدلات البطالة مما يجعلها عميل غير كفء حالياً لتحقيق مراد أوروبا، إلا أن هذا لم يمنع الولايات المتحدة الأمريكي من المشاركة في هذا الصندوق ولكن ليس كما تتمنى منطقة اليورو.
أما عن اليابان فهي بالفعل تشارك في هذا الصندوق التمويلي بنسبة شراء لسندات ( EFSF ) وصلت إلى 4.6% في 15 آذار 2012 حيث قامت اليابان بشراء 90 مليون يورو (117 مليون دولار) من إجمالي سندات بقيمة 1.96 بليون يورو بأجل ثلاث أشهر، بالإضافة إلى 8.3% بقيمة 80 مليون يورو (102 مليون دولار) من إجمالي سندات بقيمة 960 مليون يورو بأجل خمس سنوات.
قامت اليابان بشراء 11% بقيمة 46.4 بليون يورو من سندات ( EFSF ) منذ شهر كانون الثاني من عام 2011 ليصل إجمالي ما تمتلكه اليابان من هذه السندات إلى 20% تقريبا من إجمالي إصدارها. يأتي هذا ضمن الدعم الذي تقدمه اليابان للمنطقة الأوروبية للخروج من أزمتها الحالية، إلا أن التوترات السياسية التي تشهدها اليونان وعدم استطاعتهم تكوين حكومة حتى الآن يثير مخاوف المسئولين في اليابان الأمر الذي قد يؤثر على عمليات شراء السندات الأوروبية.
و الآن نلقي نظرة تفصيلية على الصين التي حتى الآن لم تظهر بيانات مؤكدة بشأن ما تستثمره في سندات ( EFSF ) وهو ما يجعلنا نؤمن بأن نسبة استثمار الصين في هذه السندات تكاد لا تذكر، إلا أن هذا لا يمنع كون الصين صاحبة اكبر احتياطي نقدي في العالم يصل إلى 3.2 تريليون دولار و يشمل جزء كبير منه استثمار في سندات الخزانة لحكومات متعددة في منطقة اليورو، ولكن الاستثمار في صندوق سندات ( EFSF ) له طابع خاص فهو صندوق خاص بأزمات الدول الأوروبية وهو ما قد يجعل هناك تحفظ لدى صناع السياسة النقدية في الصين من الاستثمار فيه.
من ناحية أخرى نجد أن الصين تعاني من مشكلات خاصة بها، فقد قامت مؤسسة مووديز للتصنيف الائتماني بمنح السندات الصينية تصنيف Aa3 يصاحبه نظرة مستقبلية متفائلة، إلا أن الصين حققت نمو بنسبة 8.1% خلال الربع الأول من عام 2012 وهو أقل معدل نمو منذ عام 2009 ، يأتي هذا وسط التراجع الكبير في الطلب من قبل المنطقة الأوروبية على الصادرات الصينية و هو الأمر الذي أثر بشكل كبير على معدلات النمو الصينية.
أيضاً أحد العوامل الهامة التي ساهمت في تراجع النمو الصيني هي السياسة المالية التي اتبعتها الحكومة مؤخراً و التي تهدف إلى الحد من ارتفاع السيولة النقدية في الصين بهدف الحفاظ على معدلات التضخم ضمن النطاق الآمن للبنك المركزي الصيني، وقد صاحب هذا إجراءات مالية من رفع لأسعار الفائدة إلى جانب رفع الاحتياطي النقدي الذي تضعه البنوك التجارية لدى البنك المركزي من أجل التحكم في السيولة النقدية في الأسواق المالية الصينية.
مثل هذه الإجراءات ساعدت الصين على خفض معدلات التضخم إلا أنها أدت أيضا إلى ضعف معدلات النمو، و تراجع الاستثمارات في قطاعات الصناعة و الخدمات بشكل ملحوظ ليؤثر هذا على أداء معدلات النمو بشكل كبير.
هذا و تستمر المنطقة الأوروبية في مغازلة الصين لجذبها إلى الاستثمار في صندوقها الاستثماري، إلا أن المسئولين في الصين قد صرحوا في أكثر من مناسبة أن الصين لن تتوغل في هذا النوع من الاستثمار حتى تجد المنطقة الأوروبي حل جذري لأزمة اليونان وفرض قواعد مالية صارمة على الدول الأعضاء لديها، فالصين منيت بخسائر كبيرة بعد أن تدخلت و استثمرت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال أزمة 2008 لذا ستطالب الصين بضمانات كبيرة بأنها لن تعاني من تكرار ذلك إذا وافقت على دعم أوروبا؛ فالصين تريد أن تضمن أن هذا النوع من الاستثمار لن يكون أحد أبواب تصدير الأزمة إليها.
من هنا نجد أن أمور كثيرة تتوقف على خروج اليونان من أزمتها الحالية و أن هذا قد يمد بيد العون إلى الاتحاد الأوروبي من قبل الصين و دول أخرى كثيرة لمساعدتها على تخطي أزمتها الحالية.
أما عن سلاح السياسة الذي تحاول المنطقة الأوروبية استخدامه لجذب الصين و التنازل من أجل الحصول على دعم مالي منها فيتمثل في سكوت أوروبا عن حقوق الإنسان و تخفيف حدة الانتقادات الموجهة إلى النظام الصيني في مجال حقوق الإنسان.
أزمة الديون السيادية الحادة التي تواجهها المنطقة الأوروبية الآن قد تدفع القادة الأوربيين إلى السكوت و غض الطرف عن أية انتهاكات قد يقوم بها النظام الصيني، وذلك من أجل الحصول على البلايين الصينية التي تمثل الملاذ الأخير لأوروبا لتمويل صندوق سندات ( EFSF ) .
و السؤال الآن هل تحتاج الصين بالفعل إلى هذا التنازل من قبل الاتحاد الأوروبي؟
قد تكون الإجابة عن هذا السؤال ملتبسة بعض الشيء منذ كون السياسة التي تنتهجها الصين مؤخراً هي عدم الاهتمام بما يقوله الآخرون ما داموا لا يضرون المصالح الصينية، ولكن استمرار الولايات المتحدة الأمريكية باللعب بكارت انتهاك حقوق الإنسان وقيادة المؤسسات العالمية إلى تسليط الضوء على النظام الصيني قد يؤرق التنين الصيني، وقد يدفعه إلى البحث عن وسيلة لإبعاد هذا التركيز عنه ولن يجد وسيلة أفضل من مساعدة الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن.
بجانب هذا نجد هناك قضية شائكة أيضا قد تحاول الصين إلى تسويتها في مقابل التوغل بشكل كبير في صندوق الاستثمار الأوروبي وهي قضية تصدير السلاح إلى الصين. فالصين تعاني من حظر طويل الأمد مفروض على الأسلحة المتجهة إلى الصين و كونها في موقف القوة الآن قد يدفعها إلى فتح باب النقاش مجدداً في هذه القضية مستغلة استعداد الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق أمنيات الصين من أجل الحصول على ما يبتغيه.
أما على الجانب الاقتصادي فهناك أيضا اتفاقية الشروط التجارية التفضيلية، و التي تريد الصين أن تجري عليها تعديلات تسهل عمليات تصدير بضائعها إلى الاتحاد الأوروبي و زيادة الميزة التنافسية مقارنة مع غيرها من البضائع من خلال تخفيض التعريفة الجمركية على صادراتها أو تعديل بعض الاتفاقيات التجارية بينها و بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
إذن عزيز القارئ هذه هي لعبة السياسة و الاقتصادي التي ستسمر أمد الدهر في فرض قوانينها على مختلف دول العالم، ما دامت المصلحة تحكم هذا... ولكن حتى هذه اللحظة لم يحدث اتفاق صريح مع الاتحاد الأوروبي من قبل الصين لزيادة استثمارها في السندات الأوروبية. فهل سنرى قريبا مثل هذا الاتفاق الخفي يحدث على أرض الواقع؟!
اليوم سنناقش العلاقة الوطيدة بين السياسة و الاقتصاد و كيفية تأثير كل منهما في الآخر، وسنأخذ مثال من أقوى و أوضح الأمثلة على الساحة العالمية حالياً و هو العلاقة السياسية الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي و الصين.
الاتحاد الأوروبي يواجه حالياً واحد من أصعب المواقف الاقتصادية و المالية التي مر بها منذ تأسيسه لدرجة أن تفكك الاتحاد أو التخلي عن أحد الدول الأعضاء أصبح خيار على طاولة مفاوضات الزعماء الأوروبيين، و منذ كون الأزمة التي يواجها الاتحاد الأوروبي أزمة اقتصادية فإن الحل أو التنازل بمعنى أصح سيكون من الجانب السياسي.
في البداية نلقي نظرة سريعة على الأزمة الأوروبية لمعرفة أبعادها و الخطوات التي تم اتخاذها لإنقاذ الموقف من قبل قادة الاتحاد الأوروبي:
منطقة اليورو و التي تضم 17 دولة تتعامل بعملة موحدة هي اليورو تواجه الآن أكبر مشكلاتها كما أشرنا و التي تتمثل في ارتفاع المخاطر بشأن إفلاس عدد من دولها ماليا نتيجة ارتفاع عجز الموازنة لديها مثل اليونان و أسبانيا و الذي نشأ من تراجع الإيرادات العامة للدولة في الوقت الذي ارتفعت فيه نفقات هذه الدول إلى مستويات هددت معها الميزانية العامة مما دفعها إلى اللجوء على الاستدانة عن طريق طرح سندات حكومية طويلة الأجل.
و مع ارتفاع العائد على هذه السندات إلى مستويات مرتفعة حتى تستطيع هذه الدول اجتذاب مشترين و ممولين لهذه السندات، واجهت الدول الأوروبية مخاطر عدم القدرة على الوفاء بسداد هذه الديون و بالطبع عدم القدرة على سداد العائد عليها.
من هنا جاء دور الاتحاد الأوروبي في تقديم يد العون للدول المتعثرة و بعدد سلسلة طويلة من الاجتماعات و المناقشات لجأ الاتحاد الأوروبي إلى تقديم يد العون من خلال تكوين وسيلة الاستقرار المالية الأوروبية ( EFSF ) و التي هي عبارة عن سندات حكومية أيضا إلا أنها بضمان الاتحاد الأوروبي ككل الأمر الذي دفعها إلى الحصول على أعلى تصنيف ائتماني AAA من قبل مؤسسات التصنيف الائتماني المختلفة بمجرد الإعلان عن هذا الصندوق التمويلي.
إلا أنه مع مرور الوقت و فشل هذا الصندوق في تحقيق الاستقرار المالي في الدول الأوروبية المتعثرة، فقد الصندوق تصنيفه الائتماني المتميز مما جعله أيضا يفقد جاذبيته كمجال استثماري للحكومات و الجهات المختلفة التي اهتمت بشراء سندات ( EFSF ) ، لتواجه المنطقة الأوروبية خطر جديد في عدم القدرة على تمويل صندوق الإنقاذ الذي كونته لمساعدة الدول المتعثرة.
و كنتيجة لهذا فرض الاتحاد الأوروبي سياسات أكثر صرامة على حكومات الدول الأوروبية المتعثرة تجبرهم على فرض سياسيات مالية تقشفية قوية للعمل على إنهاء هذه الأزمة المالية في غضون فترة زمنية محددة و إلا سيكون الطرد من الاتحاد الأوروبي هو العقاب.
و الآن نعود على نقطة التنازل السياسي التي أشرنا إليها سابقاً، فالاتحاد الأوروبي في حاجة إلى تمويل لصندوق ( EFSF ) و نظراً لحجم هذا الصندوق التمويلي الضخم فإن المستثمر يجب أن يكون بمثل ضخامته، و بالنظر إلى القائمة المتاحة لدى الاتحاد الأوروبي نجدها تتضمن ثلاث عملاء كبار فقط الولايات المتحدة و الصين و اليابان.
الولايات المتحدة الأمريكية تعاني ما تعانيه الآن من ضعف اقتصادي و تدهور في القطاع الصناعي و ارتفاع في معدلات البطالة مما يجعلها عميل غير كفء حالياً لتحقيق مراد أوروبا، إلا أن هذا لم يمنع الولايات المتحدة الأمريكي من المشاركة في هذا الصندوق ولكن ليس كما تتمنى منطقة اليورو.
أما عن اليابان فهي بالفعل تشارك في هذا الصندوق التمويلي بنسبة شراء لسندات ( EFSF ) وصلت إلى 4.6% في 15 آذار 2012 حيث قامت اليابان بشراء 90 مليون يورو (117 مليون دولار) من إجمالي سندات بقيمة 1.96 بليون يورو بأجل ثلاث أشهر، بالإضافة إلى 8.3% بقيمة 80 مليون يورو (102 مليون دولار) من إجمالي سندات بقيمة 960 مليون يورو بأجل خمس سنوات.
قامت اليابان بشراء 11% بقيمة 46.4 بليون يورو من سندات ( EFSF ) منذ شهر كانون الثاني من عام 2011 ليصل إجمالي ما تمتلكه اليابان من هذه السندات إلى 20% تقريبا من إجمالي إصدارها. يأتي هذا ضمن الدعم الذي تقدمه اليابان للمنطقة الأوروبية للخروج من أزمتها الحالية، إلا أن التوترات السياسية التي تشهدها اليونان وعدم استطاعتهم تكوين حكومة حتى الآن يثير مخاوف المسئولين في اليابان الأمر الذي قد يؤثر على عمليات شراء السندات الأوروبية.
و الآن نلقي نظرة تفصيلية على الصين التي حتى الآن لم تظهر بيانات مؤكدة بشأن ما تستثمره في سندات ( EFSF ) وهو ما يجعلنا نؤمن بأن نسبة استثمار الصين في هذه السندات تكاد لا تذكر، إلا أن هذا لا يمنع كون الصين صاحبة اكبر احتياطي نقدي في العالم يصل إلى 3.2 تريليون دولار و يشمل جزء كبير منه استثمار في سندات الخزانة لحكومات متعددة في منطقة اليورو، ولكن الاستثمار في صندوق سندات ( EFSF ) له طابع خاص فهو صندوق خاص بأزمات الدول الأوروبية وهو ما قد يجعل هناك تحفظ لدى صناع السياسة النقدية في الصين من الاستثمار فيه.
من ناحية أخرى نجد أن الصين تعاني من مشكلات خاصة بها، فقد قامت مؤسسة مووديز للتصنيف الائتماني بمنح السندات الصينية تصنيف Aa3 يصاحبه نظرة مستقبلية متفائلة، إلا أن الصين حققت نمو بنسبة 8.1% خلال الربع الأول من عام 2012 وهو أقل معدل نمو منذ عام 2009 ، يأتي هذا وسط التراجع الكبير في الطلب من قبل المنطقة الأوروبية على الصادرات الصينية و هو الأمر الذي أثر بشكل كبير على معدلات النمو الصينية.
أيضاً أحد العوامل الهامة التي ساهمت في تراجع النمو الصيني هي السياسة المالية التي اتبعتها الحكومة مؤخراً و التي تهدف إلى الحد من ارتفاع السيولة النقدية في الصين بهدف الحفاظ على معدلات التضخم ضمن النطاق الآمن للبنك المركزي الصيني، وقد صاحب هذا إجراءات مالية من رفع لأسعار الفائدة إلى جانب رفع الاحتياطي النقدي الذي تضعه البنوك التجارية لدى البنك المركزي من أجل التحكم في السيولة النقدية في الأسواق المالية الصينية.
مثل هذه الإجراءات ساعدت الصين على خفض معدلات التضخم إلا أنها أدت أيضا إلى ضعف معدلات النمو، و تراجع الاستثمارات في قطاعات الصناعة و الخدمات بشكل ملحوظ ليؤثر هذا على أداء معدلات النمو بشكل كبير.
هذا و تستمر المنطقة الأوروبية في مغازلة الصين لجذبها إلى الاستثمار في صندوقها الاستثماري، إلا أن المسئولين في الصين قد صرحوا في أكثر من مناسبة أن الصين لن تتوغل في هذا النوع من الاستثمار حتى تجد المنطقة الأوروبي حل جذري لأزمة اليونان وفرض قواعد مالية صارمة على الدول الأعضاء لديها، فالصين منيت بخسائر كبيرة بعد أن تدخلت و استثمرت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال أزمة 2008 لذا ستطالب الصين بضمانات كبيرة بأنها لن تعاني من تكرار ذلك إذا وافقت على دعم أوروبا؛ فالصين تريد أن تضمن أن هذا النوع من الاستثمار لن يكون أحد أبواب تصدير الأزمة إليها.
من هنا نجد أن أمور كثيرة تتوقف على خروج اليونان من أزمتها الحالية و أن هذا قد يمد بيد العون إلى الاتحاد الأوروبي من قبل الصين و دول أخرى كثيرة لمساعدتها على تخطي أزمتها الحالية.
أما عن سلاح السياسة الذي تحاول المنطقة الأوروبية استخدامه لجذب الصين و التنازل من أجل الحصول على دعم مالي منها فيتمثل في سكوت أوروبا عن حقوق الإنسان و تخفيف حدة الانتقادات الموجهة إلى النظام الصيني في مجال حقوق الإنسان.
أزمة الديون السيادية الحادة التي تواجهها المنطقة الأوروبية الآن قد تدفع القادة الأوربيين إلى السكوت و غض الطرف عن أية انتهاكات قد يقوم بها النظام الصيني، وذلك من أجل الحصول على البلايين الصينية التي تمثل الملاذ الأخير لأوروبا لتمويل صندوق سندات ( EFSF ) .
و السؤال الآن هل تحتاج الصين بالفعل إلى هذا التنازل من قبل الاتحاد الأوروبي؟
قد تكون الإجابة عن هذا السؤال ملتبسة بعض الشيء منذ كون السياسة التي تنتهجها الصين مؤخراً هي عدم الاهتمام بما يقوله الآخرون ما داموا لا يضرون المصالح الصينية، ولكن استمرار الولايات المتحدة الأمريكية باللعب بكارت انتهاك حقوق الإنسان وقيادة المؤسسات العالمية إلى تسليط الضوء على النظام الصيني قد يؤرق التنين الصيني، وقد يدفعه إلى البحث عن وسيلة لإبعاد هذا التركيز عنه ولن يجد وسيلة أفضل من مساعدة الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن.
بجانب هذا نجد هناك قضية شائكة أيضا قد تحاول الصين إلى تسويتها في مقابل التوغل بشكل كبير في صندوق الاستثمار الأوروبي وهي قضية تصدير السلاح إلى الصين. فالصين تعاني من حظر طويل الأمد مفروض على الأسلحة المتجهة إلى الصين و كونها في موقف القوة الآن قد يدفعها إلى فتح باب النقاش مجدداً في هذه القضية مستغلة استعداد الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق أمنيات الصين من أجل الحصول على ما يبتغيه.
أما على الجانب الاقتصادي فهناك أيضا اتفاقية الشروط التجارية التفضيلية، و التي تريد الصين أن تجري عليها تعديلات تسهل عمليات تصدير بضائعها إلى الاتحاد الأوروبي و زيادة الميزة التنافسية مقارنة مع غيرها من البضائع من خلال تخفيض التعريفة الجمركية على صادراتها أو تعديل بعض الاتفاقيات التجارية بينها و بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
إذن عزيز القارئ هذه هي لعبة السياسة و الاقتصادي التي ستسمر أمد الدهر في فرض قوانينها على مختلف دول العالم، ما دامت المصلحة تحكم هذا... ولكن حتى هذه اللحظة لم يحدث اتفاق صريح مع الاتحاد الأوروبي من قبل الصين لزيادة استثمارها في السندات الأوروبية. فهل سنرى قريبا مثل هذا الاتفاق الخفي يحدث على أرض الواقع؟!