- المشاركات
- 82,631
- الإقامة
- قطر-الأردن
اتضحت صورة اكتشاف الغاز والنفط الخفيف في صخور الطفال في الولايات المتحدة والنفط في الرمال القارية في كندا، تعدلت مواقع الدول الكبرى في الصراع الاقتصادي العالمي.الولايات المتحدة عبرت عن رغبتها في كبح قدرات روسيا على الاستفادة من عائدات تصدير الغاز والنفط وخصوصا الى الدول الاوروبية، واعتمدت على زيادة انتاج الغاز ونطاق استعمال الغاز داخلياً، فحققت كفاية ذاتية في انتاج الغاز واستهلاكه مع توسيع دور الغاز الاجمالي في استعمال الطاقة من 30 في المئة الى 32 في المئة. وفي الوقت ذاته حققت زيادة في انتاج النفط الخفيف بما يساوي 1.2 مليون برميل يومياً، ارتفعت مستورداتها من كندا بما يوازي المليون برميل، والبلدان مرتبطان باتفاق للتجارة الحرة. وعلى رغم استمرار حاجة الولايات المتحدة الى استيراد النفط، ساهمت هذه الزيادة في زيادة المعروض من النفط في الاسواق العالمية.
في ايلول 2012 انجزنا دراسة عن هذه التطورات عنوانها - "الخريف العربي"، اشرنا فيها الى توقع انخفاض اسعار الغاز والنفط والى تضرر مصدري الغاز السائل، وخصوصا قطر والجزائر ونروج، من انخفاض الاسعار وانخفاض اسعار تسليمات الغاز الروسي. وقد توصلت شركات المانية متعاقدة على استيراد الغاز الروسي لتوليد الكهرباء الى خفض تكاليف الاستيراد بما يساوي 20 في المئة وحصلت ايطاليا على خفض مماثل بعد لجوئها الى التحكيم.
لقد رجحنا ان يخفض سعر النفط الى مستوى 85 دولاراً للبرميل، والواقع ان اسعار النفط في بلدان "اوبيك" قاربت الـ80 دولاراً في الاسابيع الاخيرة، وهذا الانخفاض يوازي نسبة 20 - 25 في المئة من الاسعار السابقة، وقد تجاوز المستوى الذي تحدثنا عنه والذي يوازي كلفة انتاج الخام الخفيف من صخور الطفال في الولايات المتحدة. فاذا استمر السعر على مستواه الاخير (نحو 80 - 82 دولاراً)، سوف ينحسر انتاج النفط الخفيف من هذه الصخور في الولايات المتحدة، وسوف تؤدي اعتبارات المنافسة الى ارتفاعه الى ما فوق الـ85 دولاراً في وقت لا يتجاوز ستة اشهر.
واذا نظرنا الى الخسارة الواقعة على دول الخليج العربي، ونعني منها السعودية والكويت والعراق والامارات العربية المتحدة، نجد ان صادرات هذه البلدان توازي استنادا الى احصاءات وكالة معلومات الطاقة الاميركية لعام 2013 16,2 مليون برميل يومياً، وان خسائرها تقرب من 324 مليون دولار يومياً وذلك كل يوم تستمر فيه الاسعار على المستوى المنخفض في حدود الـ80 دولارا للبرميل. وروسيا التي تصدر 7,2 ملايين برميل سوف تواجه خسارة يومية تساوي 144 مليون دولار يوميا. هذا عدا خسارة الغاز.
من الواضح ان دول الخليج العربي ستواجه مقداراً من الضيق، لكن احتياطات الامارات والسعودية والكويت تمكن الدول المعنية من الاستمرار من دون عصر موازناتها في المستقبل المنظور لان عائداتها من استثماراتها ستساهم في المحافظة على قدرة الانفاق، لكن استمرار الانخفاض طويلا سيفرض على هذه الدول، كما على روسيا التي تحوز احتياطا يفوق الـ700 مليار دولار ضغط نفقاتها، والتحكم باستهلاك الكهرباء والمازوت والبنزين، وكل مصادر الطاقة هذه تحظى بالدعم في الدول المعنية.
اما العراق، فوضعه مختلف واكثر صعوبة. فهو حقيقة البلد الاغنى في المنطقة والعالم بالاحتياط النفطي، ومشاريع العراق لزيادة انتاجه توقعت ارتفاع الانتاج الى ستة
ملايين برميل يومياً قبل نهاية سنة 2017 بدل الثلاثة ملايين برميل اليوم. لكن العراق بات مهدداً في كيانه نتيجة الاقتحامات التي حققها مقاتلو "الدولة الاسلامية"، ووضع العراق اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً صار مأزوماً، والبعض يستبعد ان يخرج العراق من أزمته، ويستعيد وحدته قبل انقضاء سنوات.
والى خسائر انخفاض اسعار النفط لدول الخليج يجب ان تضاف خسائر توازي على الاقل 10 في المئة منها نظرا الى تعرض صادرات قطر من النفط والغاز لمفاعيل انخفاض الاسعار، كما صادرات ليبيا من النفط والغاز التي تقطعت بسبب الاحداث الامنية خلال الاشهر الاخيرة.
ان وقع الخسائر على التوقعات والنشاطات يتصاعد بسبب الحاجات الملحة والناتجة من الحروب الدائرة سواء في سوريا او في العراق او الاقتتال الداخلي في ليبيا واليمن. وكل يوم يمر والاحوال غير مستقرة تزيد الخسائر التي يحتاج تعويضها سواء بالموارد المالية او بانجاز مشاريع تجهيزية، الى اشهر وسنوات.
اما الاضرار المتحققة والمتمثلة بخسارة النمو وانحسار الانتاج فلا يمكن تعويضها بسرعة ما لم تنجز مشاريع اعداد البنية التحتية لكفاية حاجات المواطنين.
وتفيد احدث دراسة انجزتها "الاسكوا" عن خسائر الاقتصاد السوري في اشراف الدكتور عبدالله الدردري، نائب رئيس الوزراء السوري سابقا الذي تولى مسؤولية ملف تحرير الاقتصاد السوري، ان هناك خسائر لا تقل عن 200 مليار دولار، وهي ترتفع يومياً مع استمرار القتال والتشرذم وتكثف حركة النزوح.
ان خسائر القتال في سوريا والعراق، والتقاتل في ليبيا واليمن، والحذر المستدام في لبنان حيال تحركات المتطرفين، كلها امور تجعل من الصعب تحقيق النمو، ويزيد صعوبته تناقص الموارد المالية للدول العربية النفطية الامر الذي قد يحد من استعدادها لتقديم المعونات، خصوصا انه بات على كل دولة عربية واجب اتقاء الحروب المذهبية سواء بالتجهيز، أو الاعلام أو العلاقات السياسية.
*
مروان اسكندر