رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
سورة الأحزاب
سميت بهذا الاسم لذكر الأحزاب فيها فى قوله "ويحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب".
"بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها النبى اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما "المعنى بحكم الرب النافع المفيد يا أيها الرسول اتبع الرب أى لا تتبع المكذبين والمذبذبين إن الرب كان خبيرا قاضيا ،يخاطب الله النبى (ص)وهو محمد(ص)فيقول إن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو أن يتق الله أى أن يطيع حكم الله أى يعبد الله مصداق لقوله بسورة الزمر"فاعبد الله"وفسر هذا بألا يطع الكافرين والمنافقين والمراد ألا يتبع حكم المكذبين بحكم الله والمذبذبين بين الكفر والإسلام مصداق لقوله بسورة القلم"فلا تطع المكذبين" ويبين له أنه عليم حكيم أى أنه خبير قاض بالعدل والخطاب للنبى (ص).
"واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا "المعنى وأطع ما يلقى لك من إلهك إن الرب كان بما تفعلون عليما أى احتمى بطاعة حكم الرب وحسبنا الرب حاميا ،يفسر الله طلبه بالتقوى وعدم طاعة الكفار والمنافقين بطلبه التالى من النبى (ص)أن يتبع ما يوحى إليه من ربه والمراد أن يطيع ما يلقى له من خالقه وهو دين إبراهيم (ص)مصداق لقوله بسورة النحل"أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا"وفسر هذا بأن يتوكل على الله والمراد أن يحتمى بطاعة حكم الرب من عذابه وكفى بالله وكيلا والمراد وحسبه الرب حاميا له من العذاب ويبين للناس أنه بما يعملون خبير والمراد أنه بما يفعلون عليم مصداق لقوله بسورة يونس"إن الله عليم بما يفعلون "ومن ثم فهو يحاسب عليه والخطاب للنبى(ص)عدا إن الله كان بما تعملون خبيرا فهو للناس ويبدو أنه جزء من آية أخرى تخاطب الناس وحشر هنا دون سبب .
"ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه وما جعل أزواجكم اللائى تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعيائكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما "المعنى ما خلق الرب لذكر من عقلين فى نفسه وما خلق نسائكم اللاتى تحرموهن والداتكم وما خلق أنسباءكم عيالكم ذلكم كلامكم بألسنتكم والرب يقضى العدل أى هو يبين الدين،انسبوهم لآباءهم هو أعدل لدى الرب فإن لم تعرفوا آباءهم فإخوانكم فى الإسلام وأنصاركم وليس عليكم عقاب فيما أذنبتم به ولكن ما نوت أنفسكم وكان الرب نافعا مفيدا،يبين الله للمؤمنين أنه ما جعل لرجل من قلبين فى جوفه والمراد ما خلق لإنسان من عقلين أى بصيرتين فى نفسه وإنما خلق لكل واحد بصيرة أى عقل واحد مصداق لقوله بسورة القيامة "بل الإنسان على نفسه بصيرة "وما جعل أزواجكم اللاتى تظاهرون منهن أمهاتكم والمراد ما خلق نسائكم اللاتى تحرمونهن بالقول ولا تطلقوهن والدات لكم وهذا يعنى أن كلامهم لا يثبت حقيقة لمجرد قوله ما دام الله لم يشرعه،وما جعل أدعياءكم أبناءكم والمراد وما شرع أن أنسباءكم وهم الأطفال الذين يتبنونهم أولاد لهم والسبب أنهم لم ينجبوهم من أصلابهم وهذا يعنى تحريم الظهار والتبنى لأن ذلكم وهو الظهار والتبنى هو قولهم بأفواههم أى كلامهم بألسنتهم وليس له أساس فى الحقيقة ،ويبين لهم أنه يقول الحق أى يحكم بالعدل وفسر هذا بأنه يهدى السبيل أى يبين الطريقين الحق والباطل ليتبعوا الحق مصداق لقوله بسورة البلد"وهديناه النجدين "ويطلب الله منهم أن يدعوهم لآباءهم والمراد أن ينسبوهم إلى آباءهم والمراد أن يسموهم باسم الآباء الحقيقيين المعروفين لديهم لأن هذا أقسط أى أعدل عند الله والمراد فى كتاب الرب ويبين لهم أنهم إن لم يعلموا آباءهم والمراد إن لم يعرفوا آباءهم لسبب ما فالواجب أن يجعلوهم إخوانهم فى الدين أى مواليهم والمراد أنصار فى الإسلام وهذا يعنى أن يسموا الواحد أو الواحدة فلان أخو فلان أو فلانة أخت فلان أو فلانة فى الإسلام أى فلان مولى فلان أو فلانة مولاة فلان أو فلانة،ويبين لهم أن ليس عليهم جناح أى عقاب فيما أخطئوا به والمراد فى الذى عملوه من السيئات لكن أى إلا ما تعمدت قلوبهم والمراد إلا ما نوت أى ما قصدت نفوسهم الإساءة فيه فهذا يجب العقاب عليه حسب العقوبات المشرعة فى الوحى لكل سيئة ويبين الله لهم أنه غفور رحيم أى نافع مفيد لمن يتوب إلى الله والخطاب للمؤمنين .
"النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أولياءكم معروفا كان ذلك فى الكتاب مسطورا "المعنى الرسول(ص)أحق بالمصدقين من ذواتهم ونسائه والداتهم وأصحاب القرابة بعضهم أحق ببعض فى حكم الرب من المصدقين أى المنتقلين للدين إلا أن تصنعوا إلى أنصاركم وصية كان ذلك فى الصحف مخطوطا ،يبين الله للمؤمنين أن النبى (ص)أولى بالمؤمنين من أنفسهم والمراد أن طاعة حكم الرسول (ص)أفضل للمصدقين بحكم الله من طاعة حكم أنفسهم وهو هواهم ويبين لهم أن أزواج وهن نساء النبى (ص)أمهاتهم أى والداتهم وهذا تحريم لزواج المؤمنين لنساء النبى (ص)من بعد وفاته ،ويبين لهم أن أولوا الأرحام وهم أصحاب القرابة النسبية والزواجية بعضهم أولى أى أحق بوارثة بعض فى كتاب وهو حكم الله من المؤمنين وهم المصدقين أى المهاجرين أى المنتقلين للإسلام من الأغراب وهذا يعنى أن الأقارب بالنسب والزواج وحدهم يتوارثون ويستثنى من ذلك أن يفعلوا إلى أولياءهم معروفا والمراد أن يصنعوا لأنصارهم وصية وهذا يعنى إباحة الوصية للأغراب ببعض المال وكان ذلك وهو الأحكام السابقة فى الكتاب وهو الوحى المخطوط فى الصحف فى الكعبة أى حكم الله مسطورا أى مخطوطا أى مدونا والخطاب للناس حتى المهاجرين وما بعده للمؤمنين وهو جزء من آية حذف أولها.
"وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسئل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما "المعنى وقد فرضنا على الرسل وعليك وعلى نوح(ص)وإبراهيم (ص)وموسى (ص)وعيسى ولد مريم (ص)أى فرضنا عليهم عهدا عظيما ليجازى العادلين على عدلهم وجهز للمكذبين عقابا شديدا،يبين الله للنبى (ص)أنه أخذ والمراد فرض أى أوجب على النبيين وهم الرسل(ص)ميثاقهم وهو عهدهم أى إقامة الدين ومن الرسل محمد(ص)ونوح (ص)وإبراهيم(ص)وموسى (ص)وعيسى بن مريم(ص)وفسر الله الميثاق بأنه غليظ أى عظيم وهو الدين أى الإسلام مصداق لقوله بسورة الشورى "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"والسبب فى فرض الدين هو أن يسأل الله الصادقين عن صدقهم والمراد أن يجزى أى يثيب العادلين بسبب عدلهم مصداق لقوله بنفس السورة"ليجزى الله الصادقين بصدقهم"وأعد أى جهز للكافرين وهم الظالمين عذابا أليما أى عقابا مهينا مصداق لقوله بسورة الإنسان"والظالمين أعد لهم عذابا أليما"وقوله بسورة الأحزاب"وأعد لهم عذابا مهينا "وهو الجزاء المناسب والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا "المعنى يا أيها الذين صدقوا الوحى اعلموا هبة الرب لكم حين أتتكم عسكر فبعثنا هواء وعسكرا لم تشاهدوها وكان الرب بما تفعلون خبيرا،يخاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله ويطلب منهم أن يذكروا نعمة الله عليهم والمراد أن يعرفوا تأييد وهو نصر الله لهم إذ جاءتهم جنود والمراد وقت أتت لبلدهم عساكر تريد القضاء عليهم فأرسل الله عليهم والمراد فبعث الله لعسكر الكفار ريحا أى هواء ضارا بهم وجنود لم يرها المؤمنين والكفار والمراد وعسكرا لم يشاهدها الكل وهى الملائكة فنصرتهم عليهم ويبين لهم أنه كان الله بما يعملون بصيرا والمراد كان بالذى يصنعون عليما وسيحاسبهم عليه مصداق لقوله بسورة النور"إن الله عليم بما يصنعون"والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للمؤمنين.
"إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا "المعنى وقت أتوكم من أعلاكم ومن تحتكم ووقت ضلت القلوب ووصلت الكلمات الأفواه وتعتقدون فى الله الاعتقادات عند ذلك اختبر المصدقون واهتزوا اهتزازا عظيما ،يبين الله للمؤمنين أن الكفار جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم والمراد أتوهم من أمام بلدهم ومن خلف بلدهم وعند ذلك زاغت الأبصار والمراد حارت القلوب والمراد ضلت النفوس وبلغت القلوب الحناجر والمراد ووصلت كلمات الضلال الأفواه وقد فسرنا القلوب بأنها الكلمات كما فى قوله بسورة البقرة "كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم "فمثلية الأقوال هى تشابه القلوب أى الكلمات وهذا يعنى أن بعض من المؤمنين قالوا كلمات تدل على ضلالهم وفسر هذا بأنهم ظنوا فى الله الظنون أى اعتقدوا فى الرب الاعتقادات الخاطئة وهى أنه خذلهم وفسر هذا بأنهم زلزلوا زلزالا شديدا أى اهتز إيمانهم اهتزازا عظيما والمراد أن شدة الحرب جعلت بعض المؤمنون يفقدون ثقتهم فى دين الله فكفر بعض منهم به للحظات ثم عادوا للثقة به .
"إذ يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا "المعنى وقت يقول المذبذبون أى الذين فى نفوسهم علة ما قال لنا الرب ونبيه إلا خداعا،يبين الله للمؤمنين أن الظنون وهى الزلزال هى قول المنافقون وفسرهم بأنهم الذين فى قلوبهم مرض والمراد الذين فى نفوسهم علة هى النفاق :ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا والمراد ما أخبرنا الرب ونبيه إلا كذبا ،وهذا يعنى أنهم كذبوا قول الله ونبيه (ص).
"وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستئذن فريق منهم النبى يقولون إن بيوتنا عورة وما هى بعورة إن يريدون إلا فرارا "المعنى وقد قالت جماعة منهم يا سكان المدينة لا بقاء لكم فعودوا ،ويستسمح جمع منهم الرسول(ص)يقولون إن مساكننا مكشوفة وما هى بمكشوفة إن يحبون إلا هروبا ،يبين الله للمؤمنين أن الظن الباطل وهو الزلزال كان فى قول طائفة أى جماعة من المنافقين للناس:يا أهل يثرب والمراد يا سكان البلدة لا مقام لكم أى لا بقاء أى لا حياة لكم إن حاربتم فارجعوا أى فعودوا للبلد،وحققوا القول فاستئذن فريق منهم والمراد فطلب جمع منهم السماح بالرجوع للبلد من النبى وهو الرسول(ص)يقولون:إن بيوتنا عورة أى إن مساكننا مكشوفة للعدو فإجعلنا نرجع للدفاع عنها مع أن بيوتهم وهى مساكنهم لم تكن بعورة أى مكشوفة للعدو ولكن الفريق كانوا يريدون فرارا أى يحبون هروبا والمراد يطلبون البعد عن القتال حبا فى الحياة.
"ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا "المعنى ولو ولجت عليهم من أبوابها ثم طولبوا بالسقطة لارتكبوها وما مكثوا بها إلا قليلا،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين لو دخلت عليهم من أقطارها والمراد لو ولج الكفار على المنافقين من أبواب البيوت ثم سئلوا الفتنة والمراد ثم طلب منهم الخيانة للمسلمين لأتوها أى لفعلوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا والمراد وما فكروا فى عدم الخيانة إلا وقت قصير ثم وافقوا الكفار على طلبهم .
"قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا "المعنى قل لن يفيدكم الهرب إن هربتم من الوفاة أو الذبح وإذا لا تلذذون إلا قليلا ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للمنافقين :لن ينفعكم الفرار والمراد لن يفيدكم الهرب إن فررتم أى هربتم من الموت وهو الوفاة الطبيعية أو القتل وهو الذبح ،وهذا يعنى أن الهروب لا يمنع الوفاة أو الذبح من الحدوث فى الموعد والمكان المقرر،وإذا لا تمتعون إلا قليلا أى وإذا لا تعيشون سوى وقتا يسيرا وهذا يعنى أن فائدة الهروب هى التمتع حتى مجىء وقت الموت أو القتل والخطاب للنبى(ص)ومنه للمنافقين .
"قل من ذا يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا "المعنى قل من هذا الذى يحميكم من الرب إن شاء بكم ضررا أو شاء بكم نفع ولا يلقون لهم من غير الرب منقذا أى واقيا ،يطلب الله من النبى (ص)أن يقول للمنافقين :من ذا أى من الذى يعصمكم أى يحميكم أى ينقذكم من الله إن أراد بكم سوءا أى إن أحب بكم ضرا أو أراد بكم رحمة أى أحب بكم نفعا مصداق لقوله بسورة الفتح"فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا" ويبين له أنهم لا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا والمراد لا يلقون لهم من سوى الرب نافعا أى واقيا من الضرر مصداق لقوله بسورة الرعد"ما لك من الله من ولى ولا واق" والخطاب للنبى(ص)ومنه للمنافقين.
"قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت تدور أعينهم كالذى يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا "المعنى قد يدرى الرب المثبطين منكم أى القائلين لأصحابهم تعالوا معنا ولا يحضرون القتال إلا قصيرا بخلاء عليكم فإذا أتى الرعب شاهدتهم يرنون لك تلف أعينهم كالذى يغمى عليه من الوفاة فإذا زال الرعب شتموكم بكلمات عظيمة بخلاء على النفع أولئك لم يصدقوا فأخسر الله أفعالهم وكان ذلك على الرب هينا،يبين الله للمنافقين أنه يعلم المعوقين والمراد يعرف المانعين للعون عن المسلمين وفسرهم بأنهم القائلين لإخوانهم وهم أصحابهم :هلم إلينا والمراد تعالوا معنا ولا تذهبوا للقتال،وهذا يعنى أنهم طلبوا منهم ترك مواقعهم القتالية والهرب ولذا فإن المعوقين لا يأتون البأس إلا قليلا والمراد لا يحضرون القتال إلا وقت قصير ثم يهربون متسللين من الميدان ،ويبين للمؤمنين أن المعوقين أشحة عليهم أى مانعين للعون عنهم وهم إذا جاء الخوف والمراد إذا أتت أسباب الرعب من الأسلحة والرجال رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم والمراد شاهدتهم يرنون لك بعيونهم تتحرك عيونهم كالذى يغشى عليه من الموت والمراد كالذى يغمى عليه عند الوفاة وهذا يعنى أنهم من شدة الرعب يشبهون الموتى فى حركة العيون التى تتحرك حركات تشبه حركات عيون الناس عند الموت وإذا ذهب الخوف والمراد وإذا زالت أى رحلت أسباب الرعب من رجال وعتاد كانت النتيجة أن سلقوكم بألسنة حداد والمراد شتموكم بكلمات شديدة وهذا يعنى أنهم يسبون المسلمين بكلمات مقذعة وهم أشحة على الخير أى مانعين للنفع عن المسلمين وهم لم يؤمنوا أى لم يصدقوا حكم الله ولذا أحبط الله أعمالهم أى "فأضل أعمالهم "كما قال بسورة محمد والمراد أضاع الرب جزاء أفعالهم وكان ذلك وهو تضييع الثواب على الله يسيرا أى هينا لأنه لم يشرع لهم ثوابا على أعمال لم يقصدوه بها والقول حتى قليلا خطاب للمنافقين ثم للمؤمنين أشحة عليكم ثم للنبى (ص)ينظرون إليك ثم للمؤمنين مرة أخرى من عند فإذا ذهب وكل منهم يبدو جزء من آية غير الأخرى تم حشرهم معا .
"يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون فى الأعراب يسئلون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوكم إلا قليلا "المعنى يظنون الفرق لم يرحلوا وإن تحضر الفرق يحبوا لو أنهم مقيمون مع الأعراب يستخبرون عن أخباركم ولو كانوا فيكم ما حاربوكم إلا وقتا قصيرا،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين يحسبون الأحزاب لم يذهبوا والمراد يعتقدون أن فرق الكفار المحاربة للمسلمين لم يرحلوا عن المدينة بسبب عدم خروجهم من مخابئهم ويبين لهم أنهم إن يأت الأحزاب أى إن تحضر فرق الكفر يودوا أى يحبوا فعل التالى لو أنهم بادون فى الأعراب والمراد لو أنهم ساكنون مع البدو يسألون عن أنبائكم والمراد يستفهمون من القادمين للبادية عن أخبار المسلمين ويبين لهم أنهم لو كانوا مقيمين مع المسلمين ما قاتلوا إلا قليلا أى ما حاربوا فى البأس إلا وقتا قصيرا مصداق لقوله بنفس السورة "ولا يأتون البأس إلا قليلا" والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا "المعنى لقد كان لكم فى مبعوث الله قدوة كريمة لمن كان يريد ثواب الرب أى يوم البعث وأطاع الرب دوما ،يبين الله للمؤمنين أنهم لهم فى رسول الله وهو نبى الله(ص)أسوة حسنة أى قدوة صالحة يسير على هداها من كان يرجوا الله أى من كان يريد رحمة الله مصداق لقوله بسورة البقرة"يرجون رحمة الله"وفسر الله بأنه يريد رحمة اليوم الآخر وهو يوم القيامة وهى الجنة وذكر الله كثيرا أى وأطاع حكم الرب دوما أى سبح حكم الرب دائما مصداق لقوله بسورة طه"كى نسبحك كثيرا".
"ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما "المعنى ولما شاهد المصدقون الفرق قالوا هذا ما أخبرنا الرب ونبيه وعدل الرب ونبيه (ص)وما أمدهم إلا تصديقا وطاعة،يبين الله لنا أن المؤمنون وهم الموقنون بحكم الله لما رأوا الأحزاب والمراد لما شاهدوا فرق الكفار آتية للحرب قالوا :هذا ما وعدنا الله ورسوله والمراد هذا ما أخبرنا الرب ونبيه(ص)وهذا يعنى أن الله أخبر رسوله (ص)بمجىء الكفار قبل مجيئهم بفترة ،وصدق أى وعدل الله ورسوله (ص)فى قوله وهذا يعنى أن وحى الله قد تحقق ،وما زادهم إلا إيمانا وتسليما والمراد وما أعطاهم مجىء الفرق سوى تصديق بحكم الله وطاعة لحكم الله والخطاب للنبى(ص).
"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما "المعنى من المصدقين ناس نفذوا الذى واثقوا الرب عليه فمنهم من انتهى عمره ومنهم من يرتقب وما غيروا تغييرا ليثيب الرب العادلين بعدلهم ويعاقب المذبذبين إن أراد أو يرحمهم إن تابوا إن الرب كان عفوا نافعا ،يبين الله لنا أن من المؤمنين وهم المصدقين بحكم الله رجال أى ناس صدقوا ما عاهدوا الله عليه والمراد أطاعوا الذى واثقوا الرب عليه وهذا يعنى أنهم أطاعوا حكم وهو ميثاق الله وقد انقسموا لفريقين الأول من قضى نحبه أى من انتهى عمره بعد طاعته لحكم الله والثانى من ينتظر أى يرتقب انتهاء عمره وهو مطيع لحكم الله وهم ما بدلوا تبديلا أى ما غيروا تغييرا فى حكم الرب ويبين الله لنا أنه أنزل العهد لكى يجزى الصادقين بصدقهم والمراد لكى يرحم العادلين بسبب عدلهم وهو طاعتهم لحكم الله ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم والمراد ويعاقب المذبذبين بين الكفر والإسلام إن أراد بسبب استمرار نفاقهم حتى الموت أو يغفر لهم إن تابوا عن النفاق فى حياتهم وكان الله غفورا رحيما أى نافعا مفيدا لمن يتوب والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا "المعنى وأعاد الرب الذين كذبوا بحقدهم لم يأخذوا نفعا ووقى الرب المصدقين الحرب وكان الرب ناصرا غالبا ، يبين الله للنبى(ص) أنه رد الذين كفروا بغيظهم والمراد أرجع الذين كذبوا حكم الله إلى بلادهم بحقدهم وهو غضبهم لم يشفوه حيث لم ينالوا خيرا والمراد حيث لم يكسبوا نصرا أى نفعا من مجيئهم لدولة المسلمين ويبين لنا أنه كفى المؤمنين القتال والمراد وقى المصدقين بحكمه من أذى الحرب وكان الله قويا عزيزا أى قادرا غالبا لعدوه الذى هو عدو المسلمين .
"وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف فى قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها وكان الله على كل شىء قديرا "المعنى وأخرج الذين ناصروهم من أصحاب الوحى السابق من قلاعهم ورمى فى نفوسهم الخوف جمعا تذبحون وتسبون جمعا وملككم أرضهم ومساكنهم وأملاكهم وأرضا لم تلمسوها وكان الرب لكل أمر فاعلا ،يبين الله للمؤمنين أنه أنزل الذين ظاهروا الأحزاب من أهل الكتاب من صياصيهم والمراد أنه طرد الذين ساعدوا الفرق من أصحاب الوحى السابق وهم اليهود من حصونهم وفسر هذا بأنه قذف فى قلوبهم الرعب والمراد وضع فى نفوسهم الخوف من أذى المسلمين فسلموهم الحصون ففريقا تقتلون أى فبعضا منهم تذبحون وهم من حاربوكم وفريقا تأسرون والمراد وبعضا تسبونهم أى تتخذونهم سجناء حتى حين ممن حاربوكم ويبين لهم أنه أورثهم أرضهم وفسرها بأنها ديارهم والمراد ملكهم بيوتهم وهى صياصيهم وأموالهم وهى أملاكهم من نقود وذهب وغير ذلك وزاد على هذا أنه ملكهم أرضا لم يطؤها أى بلدا لم يملكوها بعد وهى مكة ولكنهم سيملكونها فى المستقبل ويبين لهم أنه على كل شىء قديرا والمراد لكل أمر يريده فاعلا مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد" والخطاب للمؤمنين ويبدو أنه محذوف أوله.
"يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما "يا أيها الرسول قل لنسائك إن كنتن تفضلن المعيشة الأولى أى متاعها فهيا أعطيكن وأطلقكن طلاقا حسنا وإن كنتن تفضلن الرب ونبيه(ص)وجنة القيامة فإن الرب جهز للصالحات منكن ثوابا كبيرا،يخاطب الله نبيه (ص)فيطلب منه أن يقول لأزواجه وإمائه وهن نسائه التالى إن كنتن تردن الحياة الدنيا والمراد إن كنتن تحببن متاع المعيشة الأولى أى زينتها وهو متاعها فتعالين أمتعكن أى أعطيكن من مال الدنيا نفقة طلاق وأسرحكن سراحا جميلا أى وأطلقكن طلاقا حسنا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة والمراد وإن كنتن تحببن رحمة الرب وطاعة نبيه (ص)وفسر رحمة الرب بأنه رحمة اليوم الآخر وهى جنة القيامة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما والمراد فإن الرب جهز للصالحات منكن ثوابا كبيرا وهذا يعنى أن الله طلب من النبى(ص) أن يخير نساءه بين الدنيا والآخرة حتى لا يتعبوه بكفرهن فى المستقبل فهو أمر بالتخلص من الزوجات أو الإماء الكافرات التى يردن الإستمرار فى كفرهن والخطاب وما بعده للنبى(ص) ومنه لنسائه.
"يا نساء النبى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا "المعنى يا زوجات الرسول (ص)من ترتكب منكن زنى ظاهر ينفذ فيها العقاب مرتين وكان ذلك على الرب هينا ،يخاطب الله نساء وهن زوجات وإماء النبى (ص)فيقول من تأت منكن بفاحشة مبينة والمراد من تفعل منكن زنى مشهود عليه يضاعف لها العذاب ضعفين والمراد ينفذ فيها العقاب مرتين وهذا يعنى أن تجلد مائتين جلدة بدلا من مائة مصداق لقوله بسورة النور "الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"وتفسير الفاحشة بأنها الزنى هو تصديق لقوله بسورة الإسراء"ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة "وكان ذلك على الله يسيرا والمراد وكان العذاب المضاعف على الرب هينا سهلا .
"ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما "المعنى ومن تخضع منكن لله ونبيه(ص)أى تصنع نافعا نعطها ثوابها كفلين وجهزنا لها ثوابا عظيما ،يبين الله لنساء النبى (ص)أن من تقنت منهن لله ورسوله(ص)أى من تخضع منهن للرب ونبيه(ص)والمراد من تطيع منهن حكم الله ونبيه(ص)وفسر الله هذا بأن تعمل صالحا أى تفعل نافعا من العمل يؤتها الله أجرها مرتين أى يعطيها ثوابها مرتين مرة فى الدنيا ومرة فى الآخرة حيث أعتد لهن رزقا كريما والمراد حيث جهز لهن ثوابا كبيرا هو الجنة
سميت بهذا الاسم لذكر الأحزاب فيها فى قوله "ويحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب".
"بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها النبى اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما "المعنى بحكم الرب النافع المفيد يا أيها الرسول اتبع الرب أى لا تتبع المكذبين والمذبذبين إن الرب كان خبيرا قاضيا ،يخاطب الله النبى (ص)وهو محمد(ص)فيقول إن اسم الله الرحمن الرحيم والمراد أن حكم الرب النافع المفيد هو أن يتق الله أى أن يطيع حكم الله أى يعبد الله مصداق لقوله بسورة الزمر"فاعبد الله"وفسر هذا بألا يطع الكافرين والمنافقين والمراد ألا يتبع حكم المكذبين بحكم الله والمذبذبين بين الكفر والإسلام مصداق لقوله بسورة القلم"فلا تطع المكذبين" ويبين له أنه عليم حكيم أى أنه خبير قاض بالعدل والخطاب للنبى (ص).
"واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا "المعنى وأطع ما يلقى لك من إلهك إن الرب كان بما تفعلون عليما أى احتمى بطاعة حكم الرب وحسبنا الرب حاميا ،يفسر الله طلبه بالتقوى وعدم طاعة الكفار والمنافقين بطلبه التالى من النبى (ص)أن يتبع ما يوحى إليه من ربه والمراد أن يطيع ما يلقى له من خالقه وهو دين إبراهيم (ص)مصداق لقوله بسورة النحل"أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا"وفسر هذا بأن يتوكل على الله والمراد أن يحتمى بطاعة حكم الرب من عذابه وكفى بالله وكيلا والمراد وحسبه الرب حاميا له من العذاب ويبين للناس أنه بما يعملون خبير والمراد أنه بما يفعلون عليم مصداق لقوله بسورة يونس"إن الله عليم بما يفعلون "ومن ثم فهو يحاسب عليه والخطاب للنبى(ص)عدا إن الله كان بما تعملون خبيرا فهو للناس ويبدو أنه جزء من آية أخرى تخاطب الناس وحشر هنا دون سبب .
"ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه وما جعل أزواجكم اللائى تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعيائكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما "المعنى ما خلق الرب لذكر من عقلين فى نفسه وما خلق نسائكم اللاتى تحرموهن والداتكم وما خلق أنسباءكم عيالكم ذلكم كلامكم بألسنتكم والرب يقضى العدل أى هو يبين الدين،انسبوهم لآباءهم هو أعدل لدى الرب فإن لم تعرفوا آباءهم فإخوانكم فى الإسلام وأنصاركم وليس عليكم عقاب فيما أذنبتم به ولكن ما نوت أنفسكم وكان الرب نافعا مفيدا،يبين الله للمؤمنين أنه ما جعل لرجل من قلبين فى جوفه والمراد ما خلق لإنسان من عقلين أى بصيرتين فى نفسه وإنما خلق لكل واحد بصيرة أى عقل واحد مصداق لقوله بسورة القيامة "بل الإنسان على نفسه بصيرة "وما جعل أزواجكم اللاتى تظاهرون منهن أمهاتكم والمراد ما خلق نسائكم اللاتى تحرمونهن بالقول ولا تطلقوهن والدات لكم وهذا يعنى أن كلامهم لا يثبت حقيقة لمجرد قوله ما دام الله لم يشرعه،وما جعل أدعياءكم أبناءكم والمراد وما شرع أن أنسباءكم وهم الأطفال الذين يتبنونهم أولاد لهم والسبب أنهم لم ينجبوهم من أصلابهم وهذا يعنى تحريم الظهار والتبنى لأن ذلكم وهو الظهار والتبنى هو قولهم بأفواههم أى كلامهم بألسنتهم وليس له أساس فى الحقيقة ،ويبين لهم أنه يقول الحق أى يحكم بالعدل وفسر هذا بأنه يهدى السبيل أى يبين الطريقين الحق والباطل ليتبعوا الحق مصداق لقوله بسورة البلد"وهديناه النجدين "ويطلب الله منهم أن يدعوهم لآباءهم والمراد أن ينسبوهم إلى آباءهم والمراد أن يسموهم باسم الآباء الحقيقيين المعروفين لديهم لأن هذا أقسط أى أعدل عند الله والمراد فى كتاب الرب ويبين لهم أنهم إن لم يعلموا آباءهم والمراد إن لم يعرفوا آباءهم لسبب ما فالواجب أن يجعلوهم إخوانهم فى الدين أى مواليهم والمراد أنصار فى الإسلام وهذا يعنى أن يسموا الواحد أو الواحدة فلان أخو فلان أو فلانة أخت فلان أو فلانة فى الإسلام أى فلان مولى فلان أو فلانة مولاة فلان أو فلانة،ويبين لهم أن ليس عليهم جناح أى عقاب فيما أخطئوا به والمراد فى الذى عملوه من السيئات لكن أى إلا ما تعمدت قلوبهم والمراد إلا ما نوت أى ما قصدت نفوسهم الإساءة فيه فهذا يجب العقاب عليه حسب العقوبات المشرعة فى الوحى لكل سيئة ويبين الله لهم أنه غفور رحيم أى نافع مفيد لمن يتوب إلى الله والخطاب للمؤمنين .
"النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أولياءكم معروفا كان ذلك فى الكتاب مسطورا "المعنى الرسول(ص)أحق بالمصدقين من ذواتهم ونسائه والداتهم وأصحاب القرابة بعضهم أحق ببعض فى حكم الرب من المصدقين أى المنتقلين للدين إلا أن تصنعوا إلى أنصاركم وصية كان ذلك فى الصحف مخطوطا ،يبين الله للمؤمنين أن النبى (ص)أولى بالمؤمنين من أنفسهم والمراد أن طاعة حكم الرسول (ص)أفضل للمصدقين بحكم الله من طاعة حكم أنفسهم وهو هواهم ويبين لهم أن أزواج وهن نساء النبى (ص)أمهاتهم أى والداتهم وهذا تحريم لزواج المؤمنين لنساء النبى (ص)من بعد وفاته ،ويبين لهم أن أولوا الأرحام وهم أصحاب القرابة النسبية والزواجية بعضهم أولى أى أحق بوارثة بعض فى كتاب وهو حكم الله من المؤمنين وهم المصدقين أى المهاجرين أى المنتقلين للإسلام من الأغراب وهذا يعنى أن الأقارب بالنسب والزواج وحدهم يتوارثون ويستثنى من ذلك أن يفعلوا إلى أولياءهم معروفا والمراد أن يصنعوا لأنصارهم وصية وهذا يعنى إباحة الوصية للأغراب ببعض المال وكان ذلك وهو الأحكام السابقة فى الكتاب وهو الوحى المخطوط فى الصحف فى الكعبة أى حكم الله مسطورا أى مخطوطا أى مدونا والخطاب للناس حتى المهاجرين وما بعده للمؤمنين وهو جزء من آية حذف أولها.
"وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسئل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما "المعنى وقد فرضنا على الرسل وعليك وعلى نوح(ص)وإبراهيم (ص)وموسى (ص)وعيسى ولد مريم (ص)أى فرضنا عليهم عهدا عظيما ليجازى العادلين على عدلهم وجهز للمكذبين عقابا شديدا،يبين الله للنبى (ص)أنه أخذ والمراد فرض أى أوجب على النبيين وهم الرسل(ص)ميثاقهم وهو عهدهم أى إقامة الدين ومن الرسل محمد(ص)ونوح (ص)وإبراهيم(ص)وموسى (ص)وعيسى بن مريم(ص)وفسر الله الميثاق بأنه غليظ أى عظيم وهو الدين أى الإسلام مصداق لقوله بسورة الشورى "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"والسبب فى فرض الدين هو أن يسأل الله الصادقين عن صدقهم والمراد أن يجزى أى يثيب العادلين بسبب عدلهم مصداق لقوله بنفس السورة"ليجزى الله الصادقين بصدقهم"وأعد أى جهز للكافرين وهم الظالمين عذابا أليما أى عقابا مهينا مصداق لقوله بسورة الإنسان"والظالمين أعد لهم عذابا أليما"وقوله بسورة الأحزاب"وأعد لهم عذابا مهينا "وهو الجزاء المناسب والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا "المعنى يا أيها الذين صدقوا الوحى اعلموا هبة الرب لكم حين أتتكم عسكر فبعثنا هواء وعسكرا لم تشاهدوها وكان الرب بما تفعلون خبيرا،يخاطب الله الذين آمنوا أى صدقوا حكم الله ويطلب منهم أن يذكروا نعمة الله عليهم والمراد أن يعرفوا تأييد وهو نصر الله لهم إذ جاءتهم جنود والمراد وقت أتت لبلدهم عساكر تريد القضاء عليهم فأرسل الله عليهم والمراد فبعث الله لعسكر الكفار ريحا أى هواء ضارا بهم وجنود لم يرها المؤمنين والكفار والمراد وعسكرا لم يشاهدها الكل وهى الملائكة فنصرتهم عليهم ويبين لهم أنه كان الله بما يعملون بصيرا والمراد كان بالذى يصنعون عليما وسيحاسبهم عليه مصداق لقوله بسورة النور"إن الله عليم بما يصنعون"والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للمؤمنين.
"إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا "المعنى وقت أتوكم من أعلاكم ومن تحتكم ووقت ضلت القلوب ووصلت الكلمات الأفواه وتعتقدون فى الله الاعتقادات عند ذلك اختبر المصدقون واهتزوا اهتزازا عظيما ،يبين الله للمؤمنين أن الكفار جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم والمراد أتوهم من أمام بلدهم ومن خلف بلدهم وعند ذلك زاغت الأبصار والمراد حارت القلوب والمراد ضلت النفوس وبلغت القلوب الحناجر والمراد ووصلت كلمات الضلال الأفواه وقد فسرنا القلوب بأنها الكلمات كما فى قوله بسورة البقرة "كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم "فمثلية الأقوال هى تشابه القلوب أى الكلمات وهذا يعنى أن بعض من المؤمنين قالوا كلمات تدل على ضلالهم وفسر هذا بأنهم ظنوا فى الله الظنون أى اعتقدوا فى الرب الاعتقادات الخاطئة وهى أنه خذلهم وفسر هذا بأنهم زلزلوا زلزالا شديدا أى اهتز إيمانهم اهتزازا عظيما والمراد أن شدة الحرب جعلت بعض المؤمنون يفقدون ثقتهم فى دين الله فكفر بعض منهم به للحظات ثم عادوا للثقة به .
"إذ يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا "المعنى وقت يقول المذبذبون أى الذين فى نفوسهم علة ما قال لنا الرب ونبيه إلا خداعا،يبين الله للمؤمنين أن الظنون وهى الزلزال هى قول المنافقون وفسرهم بأنهم الذين فى قلوبهم مرض والمراد الذين فى نفوسهم علة هى النفاق :ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا والمراد ما أخبرنا الرب ونبيه إلا كذبا ،وهذا يعنى أنهم كذبوا قول الله ونبيه (ص).
"وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستئذن فريق منهم النبى يقولون إن بيوتنا عورة وما هى بعورة إن يريدون إلا فرارا "المعنى وقد قالت جماعة منهم يا سكان المدينة لا بقاء لكم فعودوا ،ويستسمح جمع منهم الرسول(ص)يقولون إن مساكننا مكشوفة وما هى بمكشوفة إن يحبون إلا هروبا ،يبين الله للمؤمنين أن الظن الباطل وهو الزلزال كان فى قول طائفة أى جماعة من المنافقين للناس:يا أهل يثرب والمراد يا سكان البلدة لا مقام لكم أى لا بقاء أى لا حياة لكم إن حاربتم فارجعوا أى فعودوا للبلد،وحققوا القول فاستئذن فريق منهم والمراد فطلب جمع منهم السماح بالرجوع للبلد من النبى وهو الرسول(ص)يقولون:إن بيوتنا عورة أى إن مساكننا مكشوفة للعدو فإجعلنا نرجع للدفاع عنها مع أن بيوتهم وهى مساكنهم لم تكن بعورة أى مكشوفة للعدو ولكن الفريق كانوا يريدون فرارا أى يحبون هروبا والمراد يطلبون البعد عن القتال حبا فى الحياة.
"ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا "المعنى ولو ولجت عليهم من أبوابها ثم طولبوا بالسقطة لارتكبوها وما مكثوا بها إلا قليلا،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين لو دخلت عليهم من أقطارها والمراد لو ولج الكفار على المنافقين من أبواب البيوت ثم سئلوا الفتنة والمراد ثم طلب منهم الخيانة للمسلمين لأتوها أى لفعلوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا والمراد وما فكروا فى عدم الخيانة إلا وقت قصير ثم وافقوا الكفار على طلبهم .
"قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا "المعنى قل لن يفيدكم الهرب إن هربتم من الوفاة أو الذبح وإذا لا تلذذون إلا قليلا ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للمنافقين :لن ينفعكم الفرار والمراد لن يفيدكم الهرب إن فررتم أى هربتم من الموت وهو الوفاة الطبيعية أو القتل وهو الذبح ،وهذا يعنى أن الهروب لا يمنع الوفاة أو الذبح من الحدوث فى الموعد والمكان المقرر،وإذا لا تمتعون إلا قليلا أى وإذا لا تعيشون سوى وقتا يسيرا وهذا يعنى أن فائدة الهروب هى التمتع حتى مجىء وقت الموت أو القتل والخطاب للنبى(ص)ومنه للمنافقين .
"قل من ذا يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا "المعنى قل من هذا الذى يحميكم من الرب إن شاء بكم ضررا أو شاء بكم نفع ولا يلقون لهم من غير الرب منقذا أى واقيا ،يطلب الله من النبى (ص)أن يقول للمنافقين :من ذا أى من الذى يعصمكم أى يحميكم أى ينقذكم من الله إن أراد بكم سوءا أى إن أحب بكم ضرا أو أراد بكم رحمة أى أحب بكم نفعا مصداق لقوله بسورة الفتح"فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا" ويبين له أنهم لا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا والمراد لا يلقون لهم من سوى الرب نافعا أى واقيا من الضرر مصداق لقوله بسورة الرعد"ما لك من الله من ولى ولا واق" والخطاب للنبى(ص)ومنه للمنافقين.
"قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت تدور أعينهم كالذى يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا "المعنى قد يدرى الرب المثبطين منكم أى القائلين لأصحابهم تعالوا معنا ولا يحضرون القتال إلا قصيرا بخلاء عليكم فإذا أتى الرعب شاهدتهم يرنون لك تلف أعينهم كالذى يغمى عليه من الوفاة فإذا زال الرعب شتموكم بكلمات عظيمة بخلاء على النفع أولئك لم يصدقوا فأخسر الله أفعالهم وكان ذلك على الرب هينا،يبين الله للمنافقين أنه يعلم المعوقين والمراد يعرف المانعين للعون عن المسلمين وفسرهم بأنهم القائلين لإخوانهم وهم أصحابهم :هلم إلينا والمراد تعالوا معنا ولا تذهبوا للقتال،وهذا يعنى أنهم طلبوا منهم ترك مواقعهم القتالية والهرب ولذا فإن المعوقين لا يأتون البأس إلا قليلا والمراد لا يحضرون القتال إلا وقت قصير ثم يهربون متسللين من الميدان ،ويبين للمؤمنين أن المعوقين أشحة عليهم أى مانعين للعون عنهم وهم إذا جاء الخوف والمراد إذا أتت أسباب الرعب من الأسلحة والرجال رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم والمراد شاهدتهم يرنون لك بعيونهم تتحرك عيونهم كالذى يغشى عليه من الموت والمراد كالذى يغمى عليه عند الوفاة وهذا يعنى أنهم من شدة الرعب يشبهون الموتى فى حركة العيون التى تتحرك حركات تشبه حركات عيون الناس عند الموت وإذا ذهب الخوف والمراد وإذا زالت أى رحلت أسباب الرعب من رجال وعتاد كانت النتيجة أن سلقوكم بألسنة حداد والمراد شتموكم بكلمات شديدة وهذا يعنى أنهم يسبون المسلمين بكلمات مقذعة وهم أشحة على الخير أى مانعين للنفع عن المسلمين وهم لم يؤمنوا أى لم يصدقوا حكم الله ولذا أحبط الله أعمالهم أى "فأضل أعمالهم "كما قال بسورة محمد والمراد أضاع الرب جزاء أفعالهم وكان ذلك وهو تضييع الثواب على الله يسيرا أى هينا لأنه لم يشرع لهم ثوابا على أعمال لم يقصدوه بها والقول حتى قليلا خطاب للمنافقين ثم للمؤمنين أشحة عليكم ثم للنبى (ص)ينظرون إليك ثم للمؤمنين مرة أخرى من عند فإذا ذهب وكل منهم يبدو جزء من آية غير الأخرى تم حشرهم معا .
"يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون فى الأعراب يسئلون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوكم إلا قليلا "المعنى يظنون الفرق لم يرحلوا وإن تحضر الفرق يحبوا لو أنهم مقيمون مع الأعراب يستخبرون عن أخباركم ولو كانوا فيكم ما حاربوكم إلا وقتا قصيرا،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين يحسبون الأحزاب لم يذهبوا والمراد يعتقدون أن فرق الكفار المحاربة للمسلمين لم يرحلوا عن المدينة بسبب عدم خروجهم من مخابئهم ويبين لهم أنهم إن يأت الأحزاب أى إن تحضر فرق الكفر يودوا أى يحبوا فعل التالى لو أنهم بادون فى الأعراب والمراد لو أنهم ساكنون مع البدو يسألون عن أنبائكم والمراد يستفهمون من القادمين للبادية عن أخبار المسلمين ويبين لهم أنهم لو كانوا مقيمين مع المسلمين ما قاتلوا إلا قليلا أى ما حاربوا فى البأس إلا وقتا قصيرا مصداق لقوله بنفس السورة "ولا يأتون البأس إلا قليلا" والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا "المعنى لقد كان لكم فى مبعوث الله قدوة كريمة لمن كان يريد ثواب الرب أى يوم البعث وأطاع الرب دوما ،يبين الله للمؤمنين أنهم لهم فى رسول الله وهو نبى الله(ص)أسوة حسنة أى قدوة صالحة يسير على هداها من كان يرجوا الله أى من كان يريد رحمة الله مصداق لقوله بسورة البقرة"يرجون رحمة الله"وفسر الله بأنه يريد رحمة اليوم الآخر وهو يوم القيامة وهى الجنة وذكر الله كثيرا أى وأطاع حكم الرب دوما أى سبح حكم الرب دائما مصداق لقوله بسورة طه"كى نسبحك كثيرا".
"ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما "المعنى ولما شاهد المصدقون الفرق قالوا هذا ما أخبرنا الرب ونبيه وعدل الرب ونبيه (ص)وما أمدهم إلا تصديقا وطاعة،يبين الله لنا أن المؤمنون وهم الموقنون بحكم الله لما رأوا الأحزاب والمراد لما شاهدوا فرق الكفار آتية للحرب قالوا :هذا ما وعدنا الله ورسوله والمراد هذا ما أخبرنا الرب ونبيه(ص)وهذا يعنى أن الله أخبر رسوله (ص)بمجىء الكفار قبل مجيئهم بفترة ،وصدق أى وعدل الله ورسوله (ص)فى قوله وهذا يعنى أن وحى الله قد تحقق ،وما زادهم إلا إيمانا وتسليما والمراد وما أعطاهم مجىء الفرق سوى تصديق بحكم الله وطاعة لحكم الله والخطاب للنبى(ص).
"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما "المعنى من المصدقين ناس نفذوا الذى واثقوا الرب عليه فمنهم من انتهى عمره ومنهم من يرتقب وما غيروا تغييرا ليثيب الرب العادلين بعدلهم ويعاقب المذبذبين إن أراد أو يرحمهم إن تابوا إن الرب كان عفوا نافعا ،يبين الله لنا أن من المؤمنين وهم المصدقين بحكم الله رجال أى ناس صدقوا ما عاهدوا الله عليه والمراد أطاعوا الذى واثقوا الرب عليه وهذا يعنى أنهم أطاعوا حكم وهو ميثاق الله وقد انقسموا لفريقين الأول من قضى نحبه أى من انتهى عمره بعد طاعته لحكم الله والثانى من ينتظر أى يرتقب انتهاء عمره وهو مطيع لحكم الله وهم ما بدلوا تبديلا أى ما غيروا تغييرا فى حكم الرب ويبين الله لنا أنه أنزل العهد لكى يجزى الصادقين بصدقهم والمراد لكى يرحم العادلين بسبب عدلهم وهو طاعتهم لحكم الله ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم والمراد ويعاقب المذبذبين بين الكفر والإسلام إن أراد بسبب استمرار نفاقهم حتى الموت أو يغفر لهم إن تابوا عن النفاق فى حياتهم وكان الله غفورا رحيما أى نافعا مفيدا لمن يتوب والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا "المعنى وأعاد الرب الذين كذبوا بحقدهم لم يأخذوا نفعا ووقى الرب المصدقين الحرب وكان الرب ناصرا غالبا ، يبين الله للنبى(ص) أنه رد الذين كفروا بغيظهم والمراد أرجع الذين كذبوا حكم الله إلى بلادهم بحقدهم وهو غضبهم لم يشفوه حيث لم ينالوا خيرا والمراد حيث لم يكسبوا نصرا أى نفعا من مجيئهم لدولة المسلمين ويبين لنا أنه كفى المؤمنين القتال والمراد وقى المصدقين بحكمه من أذى الحرب وكان الله قويا عزيزا أى قادرا غالبا لعدوه الذى هو عدو المسلمين .
"وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف فى قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها وكان الله على كل شىء قديرا "المعنى وأخرج الذين ناصروهم من أصحاب الوحى السابق من قلاعهم ورمى فى نفوسهم الخوف جمعا تذبحون وتسبون جمعا وملككم أرضهم ومساكنهم وأملاكهم وأرضا لم تلمسوها وكان الرب لكل أمر فاعلا ،يبين الله للمؤمنين أنه أنزل الذين ظاهروا الأحزاب من أهل الكتاب من صياصيهم والمراد أنه طرد الذين ساعدوا الفرق من أصحاب الوحى السابق وهم اليهود من حصونهم وفسر هذا بأنه قذف فى قلوبهم الرعب والمراد وضع فى نفوسهم الخوف من أذى المسلمين فسلموهم الحصون ففريقا تقتلون أى فبعضا منهم تذبحون وهم من حاربوكم وفريقا تأسرون والمراد وبعضا تسبونهم أى تتخذونهم سجناء حتى حين ممن حاربوكم ويبين لهم أنه أورثهم أرضهم وفسرها بأنها ديارهم والمراد ملكهم بيوتهم وهى صياصيهم وأموالهم وهى أملاكهم من نقود وذهب وغير ذلك وزاد على هذا أنه ملكهم أرضا لم يطؤها أى بلدا لم يملكوها بعد وهى مكة ولكنهم سيملكونها فى المستقبل ويبين لهم أنه على كل شىء قديرا والمراد لكل أمر يريده فاعلا مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد" والخطاب للمؤمنين ويبدو أنه محذوف أوله.
"يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما "يا أيها الرسول قل لنسائك إن كنتن تفضلن المعيشة الأولى أى متاعها فهيا أعطيكن وأطلقكن طلاقا حسنا وإن كنتن تفضلن الرب ونبيه(ص)وجنة القيامة فإن الرب جهز للصالحات منكن ثوابا كبيرا،يخاطب الله نبيه (ص)فيطلب منه أن يقول لأزواجه وإمائه وهن نسائه التالى إن كنتن تردن الحياة الدنيا والمراد إن كنتن تحببن متاع المعيشة الأولى أى زينتها وهو متاعها فتعالين أمتعكن أى أعطيكن من مال الدنيا نفقة طلاق وأسرحكن سراحا جميلا أى وأطلقكن طلاقا حسنا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة والمراد وإن كنتن تحببن رحمة الرب وطاعة نبيه (ص)وفسر رحمة الرب بأنه رحمة اليوم الآخر وهى جنة القيامة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما والمراد فإن الرب جهز للصالحات منكن ثوابا كبيرا وهذا يعنى أن الله طلب من النبى(ص) أن يخير نساءه بين الدنيا والآخرة حتى لا يتعبوه بكفرهن فى المستقبل فهو أمر بالتخلص من الزوجات أو الإماء الكافرات التى يردن الإستمرار فى كفرهن والخطاب وما بعده للنبى(ص) ومنه لنسائه.
"يا نساء النبى من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا "المعنى يا زوجات الرسول (ص)من ترتكب منكن زنى ظاهر ينفذ فيها العقاب مرتين وكان ذلك على الرب هينا ،يخاطب الله نساء وهن زوجات وإماء النبى (ص)فيقول من تأت منكن بفاحشة مبينة والمراد من تفعل منكن زنى مشهود عليه يضاعف لها العذاب ضعفين والمراد ينفذ فيها العقاب مرتين وهذا يعنى أن تجلد مائتين جلدة بدلا من مائة مصداق لقوله بسورة النور "الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"وتفسير الفاحشة بأنها الزنى هو تصديق لقوله بسورة الإسراء"ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة "وكان ذلك على الله يسيرا والمراد وكان العذاب المضاعف على الرب هينا سهلا .
"ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما "المعنى ومن تخضع منكن لله ونبيه(ص)أى تصنع نافعا نعطها ثوابها كفلين وجهزنا لها ثوابا عظيما ،يبين الله لنساء النبى (ص)أن من تقنت منهن لله ورسوله(ص)أى من تخضع منهن للرب ونبيه(ص)والمراد من تطيع منهن حكم الله ونبيه(ص)وفسر الله هذا بأن تعمل صالحا أى تفعل نافعا من العمل يؤتها الله أجرها مرتين أى يعطيها ثوابها مرتين مرة فى الدنيا ومرة فى الآخرة حيث أعتد لهن رزقا كريما والمراد حيث جهز لهن ثوابا كبيرا هو الجنة