رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
سورة المائدة
سميت السورة بهذا الاسم نظرا لذكر قصة طلب الحواريين من المسيح (ص) إنزال مائدة عليهم يأكلون منها فقالوا"هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء".
"بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد " يفسر قوله "أوفوا بالعقود" قوله تعالى بسورة الإسراء"وأوفوا بالعهد"فالعقود هى العهد وقوله "إن الله يحكم ما يريد"يفسره قوله بسورة الحج"إن الله يفعل ما يريد" وقوله بسورة إبراهيم"ويفعل الله ما يشاء"فيحكم تعنى يفعل ويريد تعنى يشاء والمعنى بحكم الرب النافع المفيد أطيعوا الأحكام ،أبيحت لكم ذبيحة الأنعام إلا ما يبلغ لكم غير مبيحى الصيد وأنتم زائرين لبيت مكة إن الله يشرع الذى يشاء،يخاطب الله الذين أمنوا وهم الذين صدقوا بوحى الله مبينا لهم أن بسم الله الرحمن الرحيم أن بحكم الرب النافع المفيد عليهم أن يفوا بالعقود والمراد أن يطيعوا الأحكام الإلهية،ويبين لهم أن من الأحكام أنه أحلت لهم أى أبيحت لهم بهيمة الأنعام وهى ذبيحة الأنعام إلا ما يتلى عليهم وهو الذى يبلغ لهم فى الوحى وهو ما نزل فى نفس السورة وسورة الأنعام وسورة البقرة ،ويبين لهم أنهم إن كانوا حرم أى زائرين للبيت الحرام فعليهم أن يكونوا غير محلى الصيد والمرد غير مستبيحى قتل الحيوانات البرية وهذا يعنى حرمة الصيد على حجاج وعمار البيت الحرام ،ويبين لهم أنه يحكم ما يريد أى يفعل الذى يشاء والمراد يشرع الذى يحب والخطاب وما بعده وما بعده للمؤمنين.
"يا أيها الذين أمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب"يفسر قوله "لا تحلوا شعائر الله" قوله تعالى بسورة الحج"ومن يعظم شعائر الله"و"ومن يعظم حرمات الله"فالشعائر هى الحرمات وقوله "يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا"يفسره قوله بسورة البقرة"يرجون رحمة الله"فيبتغون فضل أى رضوان الله تعنى يرجون رحمة الله وقوله "وتعاونوا على البر والتقوى"يفسره قوله بسورة العصر"وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"فتعاونوا تعنى تواصوا والبر أى التقوى هى الحق أى الصبر وقوله"واتقوا الله"يفسره قوله بسورة التغابن"وأطيعوا الله"فاتقوا تعنى أطيعوا وقوله"إن الله شديد العقاب"يفسره قوله بسورة البقرة"وإن الله شديد العذاب"فالعقاب هو العذاب والمعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله لا تستبيحوا حرمات الله ولا الشهر الممنوع ولا الأنعام ولا الصيد ولا زوار البيت الحرام يريدون نفعا من إلههم أى قبولا وإذا انتهيتم من الحج فصيدوا ولا تدفعنكم كراهية ناس أن ردوكم عن المسجد الحرام أن تظلموا وتواصوا بالخير أى الإسلام ولا تتواصوا بالشر أى المنكر وأطيعوا حكم الله إن الله عظيم العذاب،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله ناهيا إياهم عن استباحة الأشياء التالية:
-شعائر الله وهى حرمات الله والمراد أماكن الحج والعمرة المقدسة.
-الشهر الحرام وهو الأربعة شهور التى حرمها الله حتى تزار فيها الكعبة.
-الهدى وهو الأنعام التى تسمى الأضاحى والتى تذبح فى الكعبة .
-القلائد وهى مقابل حيوانات الصيد فى البر والتى يصيدها زوار الكعبة وقت الزيارة من الأنعام.
-آمين البيت الحرام وهم زوار المسجد الحرام للحج أو العمرة وهم يبتغون أى يريدون فضلا أى رضوانا والمراد رحمة أى رزقا من الله ،والإستباحة تعنى انتهاك الحرمة بتدنيس مكان البيت أو بالقتال فى الشهر الحرام أو بأخذ الهدى ونهبه أو منعه أو بالصيد وقت الإحرام أو بإيذاء زوار البيت ويبين الله للمؤمنين أن عليهم ألا يجرمنهم والمراد ألا يدفعنهم شنئان قوم والمراد كراهية ناس قاموا بصدهم عن المسجد الحرام والمراد قاموا بمنعهم من زيارة البيت الحرام إلى أن يعتدوا أى يؤذوهم ما دام هناك عهد سلام معهم ،ويطلب الله منهم أن يتعاونوا على البر أى التقوى والمراد أن يشتركوا فى عمل الخير وهو الصالح وألا يتعاونوا على الإثم أى العدوان والمراد ألا يشتركوا فى عمل الشر وهو الفاسد من العمل وفسر هذا بأن يتقوا الله والمراد يطيعوا حكم الله ،ويبين لهم أنه شديد العقاب والمراد عظيم العذاب لمن يكفر به.
"حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم"المعنى منعت عليكم المتوفاة والدم وشحم الخنزير وما قصد به غير الله والمخنوقة والمضروبة والواقعة والمتشاجرة وما طعم الوحش إلا الذى ذبحتم وما قتل على الحجر وأن تلعبوا بالأقداح ذلكم كفر،الآن قنط الذين كذبوا من إسلامكم فلا تخافوهم وخافون ،اليوم أتممت لكم إسلامكم أى أكملت لكم هبتى وقبلت لكم الإسلام حكما فمن أجبر فى مجاعة غير متعمد لذنب فإن الله تواب مفيد،يبين الله للمؤمنين أن الأطعمة التى حرمت أى منعت عنهم والمراد والممنوع من الأطعمة أكله على المسلمين هو :
-الميتة وهى المتوفاة التى خرجت نفسها من جسدها دون ذبح .
-الدم وهو السائل الأحمر الذى ينزل عند الجرح أو الذبح وفيه قال بسورة الأنعام"أو دما مسفوحا" أى دما جاريا وقد كانوا يشربونه أو يأكلونه .
-لحم وهو شحم الخنزير وهو كل الأعضاء اللينة فيه.
-ما أهل لغير الله به وهو الذى لم يذكر اسم الله عليه مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه".
-المنخنقة وهى الحيوان الذى ضغظ على مجرى تنفسه شىء منع الهواء عنه فمات خنقا.
-الموقوذة وهى الحيوان الذى ضرب حتى مات.
-المتردية وهى الحيوان الذى وقع من مكان عالى فمات .
-النطيحة وهى الحيوان الذى تشاجر مع حيوان أخر فنطحه الأخر فقتله.
-ما أكل السبع وهى الحيوان الذى اصطاده الوحش وأكله ويستثنى من الخمس الأخيرة ما ذكى الإنسان من الأنعام قبل أن تلفظ أنفاسها .
-ما ذبح على النصب والمراد ما قتل على المذبح المعد للآلهة المزعومة .
-الاستقسام بالأزلام والمراد الذى تم لعب الميسر عليه بالأقداح حيث يكون هناك حيوان أو شىء يشتريه الخاسرون ويستفيد من ذبحه الكاسبون باللحم وغيره .
ويبين الله للمؤمنين أن كل الأطعمة وممارسة الأعمال الأخرى معها من ميسر وغيره هى فسق أى كفر بالإسلام ،ويبين لهم أن اليوم هو أخر يوم نزل فيه الوحى يئس الذين كفروا من دين المؤمنين والمراد قنط الذين كذبوا الوحى أن يزول حكم الله وينهاهم فيقول :فلا تخشوهم واخشون والذى يفسره قوله بسورة آل عمران"فلا تخافوهم وخافون "فهو يطلب منهم عدم الفزع من الكفار ويطلب منهم أن يفزعوا من عذاب الله ،ويبين لهم أن اليوم وهو أخر يوم نزل فيه الوحى أكمل لهم دينهم وفسره بأنه أتم عليهم نعمته والمراد أنهى نزول الوحى الذى أصبح كاملا ويبين لهم أنه رضى الإسلام لهم دينا والمراد قبل حكم الله لهم حكما ويبين لهم أن من اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم والمراد أن من أكره على أكل محرمات الأطعمة فى مجاعة غير متعمد للأكل وهو الجريمة والله غفور رحيم أى عفو نافع لمن يأكل مكرها على الأكل .
"يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب"المعنى يستفهمون منك ماذا أبيح لهم قل أبيح لكم النافعات والذى عرفتم من الحيوانات مقيدين تعرفونهن من الذى عرفكم الله فاطعموا مما صدن لكم وأطيعوا حكم الله فيه وأطيعوا حكم الله إن الرب شديد العقاب ،يبين الله لنبيه(ص)أن المسلمين يسألونه والمراد يستفهمون منه :ماذا أحل لهم والمراد ماذا أبيح لهم من الأطعمة ؟ويطلب منه أن يقول لهم :أحل لكم الطيبات والمراد أبيح لكم النافعات من الطعام والصيد الذى يمسكه الحيوان المدرب بشرطين :
-أن يكون ممسوك للمعلم أى مصطاد للمعلم وليس لأكل الحيوان المدرب فإذا أكل الحيوان المدرب منه فهو ليس حلالا للمعلم .
-أن يذكر اسم الله عليه والمراد أن يردد المعلم حكم الله وهو الوحى عند إرساله الحيوان المدرب .
ومن هنا نعلم أن الله أباح للإنسان تعليم الحيوانات الصيد من خلال العلم الذى علمه الله للناس فى الوحى ،ويطلب الله من المؤمنين أن يتقوه أى أن يطيعوا حكم الله خوفا من عذابه وهو ناره مصداق لقوله بسورة البقرة"فاتقوا النار"ويبين لهم أنه سريع الحساب أى شديد العقاب لمن يخالفه والخطاب للنبى(ص)ومنه للمؤمنين وما بعده .
"اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو فى الآخرة من الخاسرين "المعنى اليوم أبيح لكم النافعات وأكل الذين أعطوا الوحى مباح لكم وأكلكم مباح لهم والعفيفات من المصدقات والعفيفات من الذين أعطوا الوحى من قبلكم إذا سلمتموهم مهورهن عفيفيين غير زانين أى غير متخذى عشيقات ومن يكذب بالوحى فقد خسر فعله وهو فى القيامة من المعذبين ،يبين الله للمؤمنين أن اليوم وهو يوم نزول الآية قد أحل لكم الطيبات والمراد قد أبيح لهم الأطعمة النافعة وهى بهيمة الأنعام لقوله بسورة الأنعام "أحلت لكم بهيمة الأنعام"وصيد البر والبحر لقوله"أحل لكم صيد البحر وطعامه حل لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرم"وأباح لهم طعام وهو أكل الذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى من اليهود والنصارى وطعامنا وهو أكلنا حل لهم أى مباح أكله لهم وأباح للمؤمنين زواج المحصنات من المؤمنات وهن العفيفات من المصدقات بوحى الله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهن العفيفات من الذين أعطوا الوحى من قبل المؤمنين فى عهد محمد(ص)وشروط الزواج هو أن يؤتوهن أجورهن والمراد أن يسلموهن مهورهن لهن وأن يكونوا محصنين غير مسافحين أى وأن يكونوا عفيفيين غير زناة وفسر هذا بأنهم ليسوا متخذى أخدان أى نائكى عشيقات أو عشاق ،ويبين لهم أن من يكفر بالإيمان وهو ما أنزل الله مصداق لقوله بسورة البقرة "أن يكفروا بما أنزل الله"والمراد من يكذب بوحى الله المنزل فقد حبط عمله أى ضل عمله لقوله بسورة محمد"أضل أعمالهم "والمراد خسر فعله وفسره الله بأنهم فى الآخرة من الخاسرين وهم المعذبين فى النار مصداق لقوله بسورة هود"ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ".
"يا أيها الذين أمنوا إذا أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم فى الدين من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون"المعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله إذا نويتم الصلاة فطهروا وجوهكم وأذرعكم إلى الكوعين وطهروا شعوركم وأقدامكم إلى الكعبين وإن كنتم قاذفين للمنى فاغتسلوا وإن كنتم عليلين أو على ترحال فلا تغتسلوا أو أتى أحد منكم من الكنيف أو مسستم الإناث فلم تلقوا ماء فاقصدوا ترابا طاهرا فمسوا به وجوهكم وأذرعكم به ،ما يحب الله أن يشرع لكم من ضيق ولكن يحب أن يزكيكم وليكمل دينه لكم لعلكم تطيعون ،يبين الله للذين أمنوا وهم الذين صدقوا وحى الله أنهم إذا قاموا إلى الصلاة والمراد إذا رغبوا فى أداء الصلاة فعليهم بالتالى :
غسل أى تطهير وجوههم،وغسل أى تطهير أيديهم إلى المرافق وهى أذرعهم حتى الكوعين وهو منتصف الذراعين،ومسح الرءوس وهو تطهير الشعور،وغسل أى تطهير أرجلهم إلى الكعبين والمراد وتطهير أقدامهم إلى العظمتين البارزتين فى أسفل الرجلين والتطهير يتم بالماء ،ويبين لهم أنهم إن كانوا جنبا فعليهم أن يطهروا والمراد إن كانوا قاذفين للمنى فى جماع أو غيره عليهم أن يغتسلوا بالماء مصداق لقوله بسورة النساء"ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا"وأما إذا كانوا مرضى أى مصابين بالأوجاع أو على سفر أى على ترحال أى فى انتقال من بلد لبلد أخر طوال النهار فلا غسل عليهم إن كانوا جنبا حتى يعودوا لصحتهم أو يصلوا لبلد به ماء كافى وإما إذا جاء أحد منهم من الغائط والمراد إذا خرج أحدهم من الكنيف وهو مكان التبول والتبرز متبولا أو متبرزا أو مفسيا أو مضرطا أى مخرج صوت من الشرج أو لامس النساء والمراد مس جلده جلد الإناث البالغات فالواجب هو الوضوء فإذا لم يجدوا أى إذا فقدوا الماء الكافى للوضوء فعليهم أن يتيمموا صعيدا طيبا والمراد أن يضعوا ترابا جافا فيمسحوا والمراد فيضعوه على وجوههم وأيديهم ثم يصلوا حتى يحضر الماء ،ويبين لهم أنه لا يريد بهم الحرج أى لا يفرض عليهم الأذى وهو العسر وإنما يفرض اليسر مصداق لقوله بسورة البقرة "يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "ويفسر هذا بأنه يريد أن يطهرهم أى يزكيهم أى يتوب عليهم مصداق لقوله بسورة النساء"والله يريد أن يتوب عليكم"والمراد أن يرحمهم ويبين لهم أنه سيتم نعمته عليهم لعلهم يشكرون والمراد سيكمل لهم نزول أحكامه لعلهم يطيعونها أى يستسلمون لها مصداق لقوله بسورة النحل"كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون "والخطاب للمؤمنين وما بعده .
"واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور"المعنى وأطيعوا حكم الله لكم أى رسالته التى عاهدكم عليها وقت قلتم علمنا واتبعنا أى اتبعوا الله إن الله عارف بنية النفوس،يطلب الله من المؤمنين أن يذكروا نعمة الله عليهم وفسرها بأنها ميثاقه الذى واثقهم عليه وهى ما أنزل من الكتاب أى الحكمة مصداق لقوله بسورة البقرة"واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل من الكتاب والحكمة "والمراد أن يطيعوا وحى الله لهم أى عهده الذى عاهدهم عليه إذ قالوا سمعنا وأطعنا والمراد حين قالوا عرفنا حكم الله ونفذنا وفسر الطلب بقوله اتقوا الله أى "وأطيعوا الله"كما قال بسورة التغابن والمراد اتبعوا حكم الله ويبين لهم أن الله عليم بذات الصدور والمراد خبير بالذى فى النفوس وهو النية ويحاسب عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
"يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"المعنى يا أيها الذين صدقوا الوحى كونوا طائعين لحكم الله مقرين بالعدل ولا يدفعنكم كره ناس على أن لا تقسطوا أقسطوا هو أحسن للأجر أى أطيعوا الرب إن الرب عليم بالذى تصنعون،يطلب الله من الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله أن يكونوا قوامين لله أى طائعين لحكم الله شهداء بالقسط والمراد مقرين أى مصدقين بالعدل وهو حكم الله وينهاهم فيقول ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا والمراد ولا تحملنكم كراهية الناس على ألا تقسطوا وهذا يعنى أن يزيحوا الكراهية للغير عن قلوبهم عند الحكم فى قضية ما فيحكموا بالعدل ويطلب منهم نفس الطلب فيقول اعدلوا أى احكموا بالقسط وهو حكم الله فهو أقرب للتقوى أى أحسن للأجر ويفسر الطلب بقوله اتقوا الله أى أطيعوا حكم الله ويبين لهم أنه خبير بما يعملون والمراد عليم بما يفعلون مصداق لقوله بسورة يونس"والله عليم بما يفعلون "وسيحاسبهم عليه والخطاب للمؤمنين .
"وعد الله الذين أمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجرا عظيما والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم "المعنى أخبر الرب الذين صدقوا وفعلوا الحسنات رحمة أى ثوابا كبيرا والذين كذبوا أى جحدوا بأحكامنا أولئك سكان النار ،يبين الله لنا أنه وعد الذين أمنوا وعملوا الصالحات مغفرة أى أجرا عظيما والمراد أنه أخبر الذين صدقوا حكم الله وفعلوا النافعات من العمل رحمة أى ثوابا كبيرا هو الجنات مصداق لقوله بسورة التوبة"وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات "ووعد الذين كفروا وفسرهم بأنهم كذبوا بآياتنا أى جحدوا بأحكام الله بأنهم أصحاب الجحيم أى سكان النار مصداق لقوله بسورة البقرة"أولئك أصحاب النار" والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين أمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون "المعنى يا أيها الذين صدقوا الوحى اعلموا رحمة الله بكم حين أراد ناس أن يوصلوا لكم أذاهم فمنع أذاهم عنكم وأطيعوا الرب وبالرب فليحتمى المصدقون ،يطلب الله من الذين أمنوا أى الذين صدقوا حكم الله أن يذكروا نعمة الله عليهم والمراد أن يعرفوا رأفة الله بهم إذ هم قوم أن يبسطوا إليهم أيديهم والمراد وقت أراد ناس أن يوصلوا لهم أذاهم فكف أيديهم عنهم والمراد فمنع أذى وهو بأس الكفار عنهم مصداق لقوله بسورة النساء"عسى أن يكف عنكم بأس الذين كفروا"والغرض من القول هو تعريف القوم أن الله لا يتركهم بلا دفاع عنهم ما داموا مخلصين له ويطلب منهم أن يتقوا الله والمراد أن يطيعوا حكم الله وفسر هذا بأن على الله فليتوكل المؤمنون والمراد وبطاعة حكم الله فليحتمى المصدقون بحكمه من الأذى والخطاب للمؤمنين .
"لقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم إثنى عشر نقيبا وقال الله إنى معكم لئن أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وأمنتم برسلى وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل"المعنى لقد فرض الله عهد أولاد يعقوب(ص)وعين لهم إثنى عشر رئيسا وقال الله إنى ناصركم لئن أطعتم الدين أى اتبعتم الطهارة أى صدقتم بأنبيائى ونصرتموهم أى أطعتم الله طاعة صالحة لأمحون عنكم ذنوبكم أى لأسكنكم حدائق تسير فى أرضها العيون فمن كذب بعد ذلك منكم فقد استحق عذاب النار ،يبين الله لنا أنه أخذ ميثاق بنى إسرائيل والمراد فرض على أولاد يعقوب(ص)العهد وهو عبادة الله مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله"ويبين لنا أنه بعث منهم إثنى عشر نقيبا والمراد وعين لهم إثنى عشر رئيسا لكل أسرة من الإثنى عشر أسرة رئيس وقال الله لهم: إنى معكم والمراد إنى ناصركم إنى راحمكم لئن أقمتم الصلاة أى إن اتبعتم دين الله وفسر هذا بقوله وأتيتم الزكاة أى وأطعتم حكم الله وفسر هذا بقوله وأمنتم برسلى وعزرتموهم والمراد وصدقتم بمبعوثى وأطعتموهم وفسر هذا بقوله وأقرضتم الله قرضا حسنا والمراد واتبعتم حكم الله إتباع صالح ،فهنا ربط الله نصره للقوم بطاعتهم الصالحة لحكم الله وفسر الله نصره أى معيته لهم بقوله لأكفرن عنكم سيئاتكم أى لأمحون عنكم ذنوبكم أى يتجاوز عن جرائمهم مصداق لقوله بسورة الأعراف"ونتجاوز عن سيئاتهم"وفسر هذا بقوله ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد لأسكنكم حدائق تسير فى أرضها العيون ذات السوائل اللذيذة ،ويبين الله لبنى إسرائيل أن من كفر أى كذب بعد ذلك أى بعد نزول العهد فقد ضل سواء السبيل أى فقد استحق عذاب الكفر والخطاب للنبى(ص) .
"فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم من بعد مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين"المعنى فبما نكثهم عهدهم غضبنا عليهم وخلقنا نفوسهم كافرة يغيرون الأحكام عن مقاصدها وعصوا نصيبا من الذى أبلغوا به ولا تزال تعلم مكيدة منهم إلا بعضا منهم فأعرض عنهم أى اعفو إن الله يرحم المطيعين،يبين الله للنبى(ص) أن بما أى بسبب نقض القوم ميثاقهم والمراد بسبب مخالفة القوم عهدهم لعنهم الله أى غضب الله عليهم وجعل قلوبهم قاسية والمراد وخلق أنفسهم كافرة لأنهم أرادوا أنفسهم كافرين مصداق لقوله تعالى بسورة الإنسان "وما تشاءون إلا أن يشاء الله"وهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه والمراد يزيدون فى الأحكام على مقاصدها عند الله أحكاما باطلة مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا"وهم قد نسوا حظا مما ذكروا به والمراد خالفوا بعض الأحكام التى أبلغوا بها فى الميثاق ،ويبين الله لنبيه(ص)أنه لا يزال يطلع على خائنة منهم والمراد يستمر يعلم تدبير المكائد منهم ضد المؤمنين إلا قليلا منهم وهم الذين يسلمون ويطلب الله منه أن يعفو عنهم وفسر هذا بأن يصفح عنهم والمراد أن يعرض عن التعامل معهم تاركا عقابهم على المكائد ويبين له أنه يحب المحسنين أى يرحم المتقين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فإن الله يحب المتقين"وهذا يعنى إدخالهم الجنة والخطاب للنبى (ص)عن أهل الكتاب فى عصره وما سبقه حديث عمن ماتوا منهم وما بعده خطاب له.
سميت السورة بهذا الاسم نظرا لذكر قصة طلب الحواريين من المسيح (ص) إنزال مائدة عليهم يأكلون منها فقالوا"هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء".
"بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد " يفسر قوله "أوفوا بالعقود" قوله تعالى بسورة الإسراء"وأوفوا بالعهد"فالعقود هى العهد وقوله "إن الله يحكم ما يريد"يفسره قوله بسورة الحج"إن الله يفعل ما يريد" وقوله بسورة إبراهيم"ويفعل الله ما يشاء"فيحكم تعنى يفعل ويريد تعنى يشاء والمعنى بحكم الرب النافع المفيد أطيعوا الأحكام ،أبيحت لكم ذبيحة الأنعام إلا ما يبلغ لكم غير مبيحى الصيد وأنتم زائرين لبيت مكة إن الله يشرع الذى يشاء،يخاطب الله الذين أمنوا وهم الذين صدقوا بوحى الله مبينا لهم أن بسم الله الرحمن الرحيم أن بحكم الرب النافع المفيد عليهم أن يفوا بالعقود والمراد أن يطيعوا الأحكام الإلهية،ويبين لهم أن من الأحكام أنه أحلت لهم أى أبيحت لهم بهيمة الأنعام وهى ذبيحة الأنعام إلا ما يتلى عليهم وهو الذى يبلغ لهم فى الوحى وهو ما نزل فى نفس السورة وسورة الأنعام وسورة البقرة ،ويبين لهم أنهم إن كانوا حرم أى زائرين للبيت الحرام فعليهم أن يكونوا غير محلى الصيد والمرد غير مستبيحى قتل الحيوانات البرية وهذا يعنى حرمة الصيد على حجاج وعمار البيت الحرام ،ويبين لهم أنه يحكم ما يريد أى يفعل الذى يشاء والمراد يشرع الذى يحب والخطاب وما بعده وما بعده للمؤمنين.
"يا أيها الذين أمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب"يفسر قوله "لا تحلوا شعائر الله" قوله تعالى بسورة الحج"ومن يعظم شعائر الله"و"ومن يعظم حرمات الله"فالشعائر هى الحرمات وقوله "يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا"يفسره قوله بسورة البقرة"يرجون رحمة الله"فيبتغون فضل أى رضوان الله تعنى يرجون رحمة الله وقوله "وتعاونوا على البر والتقوى"يفسره قوله بسورة العصر"وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"فتعاونوا تعنى تواصوا والبر أى التقوى هى الحق أى الصبر وقوله"واتقوا الله"يفسره قوله بسورة التغابن"وأطيعوا الله"فاتقوا تعنى أطيعوا وقوله"إن الله شديد العقاب"يفسره قوله بسورة البقرة"وإن الله شديد العذاب"فالعقاب هو العذاب والمعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله لا تستبيحوا حرمات الله ولا الشهر الممنوع ولا الأنعام ولا الصيد ولا زوار البيت الحرام يريدون نفعا من إلههم أى قبولا وإذا انتهيتم من الحج فصيدوا ولا تدفعنكم كراهية ناس أن ردوكم عن المسجد الحرام أن تظلموا وتواصوا بالخير أى الإسلام ولا تتواصوا بالشر أى المنكر وأطيعوا حكم الله إن الله عظيم العذاب،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله ناهيا إياهم عن استباحة الأشياء التالية:
-شعائر الله وهى حرمات الله والمراد أماكن الحج والعمرة المقدسة.
-الشهر الحرام وهو الأربعة شهور التى حرمها الله حتى تزار فيها الكعبة.
-الهدى وهو الأنعام التى تسمى الأضاحى والتى تذبح فى الكعبة .
-القلائد وهى مقابل حيوانات الصيد فى البر والتى يصيدها زوار الكعبة وقت الزيارة من الأنعام.
-آمين البيت الحرام وهم زوار المسجد الحرام للحج أو العمرة وهم يبتغون أى يريدون فضلا أى رضوانا والمراد رحمة أى رزقا من الله ،والإستباحة تعنى انتهاك الحرمة بتدنيس مكان البيت أو بالقتال فى الشهر الحرام أو بأخذ الهدى ونهبه أو منعه أو بالصيد وقت الإحرام أو بإيذاء زوار البيت ويبين الله للمؤمنين أن عليهم ألا يجرمنهم والمراد ألا يدفعنهم شنئان قوم والمراد كراهية ناس قاموا بصدهم عن المسجد الحرام والمراد قاموا بمنعهم من زيارة البيت الحرام إلى أن يعتدوا أى يؤذوهم ما دام هناك عهد سلام معهم ،ويطلب الله منهم أن يتعاونوا على البر أى التقوى والمراد أن يشتركوا فى عمل الخير وهو الصالح وألا يتعاونوا على الإثم أى العدوان والمراد ألا يشتركوا فى عمل الشر وهو الفاسد من العمل وفسر هذا بأن يتقوا الله والمراد يطيعوا حكم الله ،ويبين لهم أنه شديد العقاب والمراد عظيم العذاب لمن يكفر به.
"حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم"المعنى منعت عليكم المتوفاة والدم وشحم الخنزير وما قصد به غير الله والمخنوقة والمضروبة والواقعة والمتشاجرة وما طعم الوحش إلا الذى ذبحتم وما قتل على الحجر وأن تلعبوا بالأقداح ذلكم كفر،الآن قنط الذين كذبوا من إسلامكم فلا تخافوهم وخافون ،اليوم أتممت لكم إسلامكم أى أكملت لكم هبتى وقبلت لكم الإسلام حكما فمن أجبر فى مجاعة غير متعمد لذنب فإن الله تواب مفيد،يبين الله للمؤمنين أن الأطعمة التى حرمت أى منعت عنهم والمراد والممنوع من الأطعمة أكله على المسلمين هو :
-الميتة وهى المتوفاة التى خرجت نفسها من جسدها دون ذبح .
-الدم وهو السائل الأحمر الذى ينزل عند الجرح أو الذبح وفيه قال بسورة الأنعام"أو دما مسفوحا" أى دما جاريا وقد كانوا يشربونه أو يأكلونه .
-لحم وهو شحم الخنزير وهو كل الأعضاء اللينة فيه.
-ما أهل لغير الله به وهو الذى لم يذكر اسم الله عليه مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه".
-المنخنقة وهى الحيوان الذى ضغظ على مجرى تنفسه شىء منع الهواء عنه فمات خنقا.
-الموقوذة وهى الحيوان الذى ضرب حتى مات.
-المتردية وهى الحيوان الذى وقع من مكان عالى فمات .
-النطيحة وهى الحيوان الذى تشاجر مع حيوان أخر فنطحه الأخر فقتله.
-ما أكل السبع وهى الحيوان الذى اصطاده الوحش وأكله ويستثنى من الخمس الأخيرة ما ذكى الإنسان من الأنعام قبل أن تلفظ أنفاسها .
-ما ذبح على النصب والمراد ما قتل على المذبح المعد للآلهة المزعومة .
-الاستقسام بالأزلام والمراد الذى تم لعب الميسر عليه بالأقداح حيث يكون هناك حيوان أو شىء يشتريه الخاسرون ويستفيد من ذبحه الكاسبون باللحم وغيره .
ويبين الله للمؤمنين أن كل الأطعمة وممارسة الأعمال الأخرى معها من ميسر وغيره هى فسق أى كفر بالإسلام ،ويبين لهم أن اليوم هو أخر يوم نزل فيه الوحى يئس الذين كفروا من دين المؤمنين والمراد قنط الذين كذبوا الوحى أن يزول حكم الله وينهاهم فيقول :فلا تخشوهم واخشون والذى يفسره قوله بسورة آل عمران"فلا تخافوهم وخافون "فهو يطلب منهم عدم الفزع من الكفار ويطلب منهم أن يفزعوا من عذاب الله ،ويبين لهم أن اليوم وهو أخر يوم نزل فيه الوحى أكمل لهم دينهم وفسره بأنه أتم عليهم نعمته والمراد أنهى نزول الوحى الذى أصبح كاملا ويبين لهم أنه رضى الإسلام لهم دينا والمراد قبل حكم الله لهم حكما ويبين لهم أن من اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم والمراد أن من أكره على أكل محرمات الأطعمة فى مجاعة غير متعمد للأكل وهو الجريمة والله غفور رحيم أى عفو نافع لمن يأكل مكرها على الأكل .
"يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب"المعنى يستفهمون منك ماذا أبيح لهم قل أبيح لكم النافعات والذى عرفتم من الحيوانات مقيدين تعرفونهن من الذى عرفكم الله فاطعموا مما صدن لكم وأطيعوا حكم الله فيه وأطيعوا حكم الله إن الرب شديد العقاب ،يبين الله لنبيه(ص)أن المسلمين يسألونه والمراد يستفهمون منه :ماذا أحل لهم والمراد ماذا أبيح لهم من الأطعمة ؟ويطلب منه أن يقول لهم :أحل لكم الطيبات والمراد أبيح لكم النافعات من الطعام والصيد الذى يمسكه الحيوان المدرب بشرطين :
-أن يكون ممسوك للمعلم أى مصطاد للمعلم وليس لأكل الحيوان المدرب فإذا أكل الحيوان المدرب منه فهو ليس حلالا للمعلم .
-أن يذكر اسم الله عليه والمراد أن يردد المعلم حكم الله وهو الوحى عند إرساله الحيوان المدرب .
ومن هنا نعلم أن الله أباح للإنسان تعليم الحيوانات الصيد من خلال العلم الذى علمه الله للناس فى الوحى ،ويطلب الله من المؤمنين أن يتقوه أى أن يطيعوا حكم الله خوفا من عذابه وهو ناره مصداق لقوله بسورة البقرة"فاتقوا النار"ويبين لهم أنه سريع الحساب أى شديد العقاب لمن يخالفه والخطاب للنبى(ص)ومنه للمؤمنين وما بعده .
"اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو فى الآخرة من الخاسرين "المعنى اليوم أبيح لكم النافعات وأكل الذين أعطوا الوحى مباح لكم وأكلكم مباح لهم والعفيفات من المصدقات والعفيفات من الذين أعطوا الوحى من قبلكم إذا سلمتموهم مهورهن عفيفيين غير زانين أى غير متخذى عشيقات ومن يكذب بالوحى فقد خسر فعله وهو فى القيامة من المعذبين ،يبين الله للمؤمنين أن اليوم وهو يوم نزول الآية قد أحل لكم الطيبات والمراد قد أبيح لهم الأطعمة النافعة وهى بهيمة الأنعام لقوله بسورة الأنعام "أحلت لكم بهيمة الأنعام"وصيد البر والبحر لقوله"أحل لكم صيد البحر وطعامه حل لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرم"وأباح لهم طعام وهو أكل الذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى من اليهود والنصارى وطعامنا وهو أكلنا حل لهم أى مباح أكله لهم وأباح للمؤمنين زواج المحصنات من المؤمنات وهن العفيفات من المصدقات بوحى الله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهن العفيفات من الذين أعطوا الوحى من قبل المؤمنين فى عهد محمد(ص)وشروط الزواج هو أن يؤتوهن أجورهن والمراد أن يسلموهن مهورهن لهن وأن يكونوا محصنين غير مسافحين أى وأن يكونوا عفيفيين غير زناة وفسر هذا بأنهم ليسوا متخذى أخدان أى نائكى عشيقات أو عشاق ،ويبين لهم أن من يكفر بالإيمان وهو ما أنزل الله مصداق لقوله بسورة البقرة "أن يكفروا بما أنزل الله"والمراد من يكذب بوحى الله المنزل فقد حبط عمله أى ضل عمله لقوله بسورة محمد"أضل أعمالهم "والمراد خسر فعله وفسره الله بأنهم فى الآخرة من الخاسرين وهم المعذبين فى النار مصداق لقوله بسورة هود"ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ".
"يا أيها الذين أمنوا إذا أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم فى الدين من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون"المعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله إذا نويتم الصلاة فطهروا وجوهكم وأذرعكم إلى الكوعين وطهروا شعوركم وأقدامكم إلى الكعبين وإن كنتم قاذفين للمنى فاغتسلوا وإن كنتم عليلين أو على ترحال فلا تغتسلوا أو أتى أحد منكم من الكنيف أو مسستم الإناث فلم تلقوا ماء فاقصدوا ترابا طاهرا فمسوا به وجوهكم وأذرعكم به ،ما يحب الله أن يشرع لكم من ضيق ولكن يحب أن يزكيكم وليكمل دينه لكم لعلكم تطيعون ،يبين الله للذين أمنوا وهم الذين صدقوا وحى الله أنهم إذا قاموا إلى الصلاة والمراد إذا رغبوا فى أداء الصلاة فعليهم بالتالى :
غسل أى تطهير وجوههم،وغسل أى تطهير أيديهم إلى المرافق وهى أذرعهم حتى الكوعين وهو منتصف الذراعين،ومسح الرءوس وهو تطهير الشعور،وغسل أى تطهير أرجلهم إلى الكعبين والمراد وتطهير أقدامهم إلى العظمتين البارزتين فى أسفل الرجلين والتطهير يتم بالماء ،ويبين لهم أنهم إن كانوا جنبا فعليهم أن يطهروا والمراد إن كانوا قاذفين للمنى فى جماع أو غيره عليهم أن يغتسلوا بالماء مصداق لقوله بسورة النساء"ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا"وأما إذا كانوا مرضى أى مصابين بالأوجاع أو على سفر أى على ترحال أى فى انتقال من بلد لبلد أخر طوال النهار فلا غسل عليهم إن كانوا جنبا حتى يعودوا لصحتهم أو يصلوا لبلد به ماء كافى وإما إذا جاء أحد منهم من الغائط والمراد إذا خرج أحدهم من الكنيف وهو مكان التبول والتبرز متبولا أو متبرزا أو مفسيا أو مضرطا أى مخرج صوت من الشرج أو لامس النساء والمراد مس جلده جلد الإناث البالغات فالواجب هو الوضوء فإذا لم يجدوا أى إذا فقدوا الماء الكافى للوضوء فعليهم أن يتيمموا صعيدا طيبا والمراد أن يضعوا ترابا جافا فيمسحوا والمراد فيضعوه على وجوههم وأيديهم ثم يصلوا حتى يحضر الماء ،ويبين لهم أنه لا يريد بهم الحرج أى لا يفرض عليهم الأذى وهو العسر وإنما يفرض اليسر مصداق لقوله بسورة البقرة "يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "ويفسر هذا بأنه يريد أن يطهرهم أى يزكيهم أى يتوب عليهم مصداق لقوله بسورة النساء"والله يريد أن يتوب عليكم"والمراد أن يرحمهم ويبين لهم أنه سيتم نعمته عليهم لعلهم يشكرون والمراد سيكمل لهم نزول أحكامه لعلهم يطيعونها أى يستسلمون لها مصداق لقوله بسورة النحل"كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون "والخطاب للمؤمنين وما بعده .
"واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور"المعنى وأطيعوا حكم الله لكم أى رسالته التى عاهدكم عليها وقت قلتم علمنا واتبعنا أى اتبعوا الله إن الله عارف بنية النفوس،يطلب الله من المؤمنين أن يذكروا نعمة الله عليهم وفسرها بأنها ميثاقه الذى واثقهم عليه وهى ما أنزل من الكتاب أى الحكمة مصداق لقوله بسورة البقرة"واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل من الكتاب والحكمة "والمراد أن يطيعوا وحى الله لهم أى عهده الذى عاهدهم عليه إذ قالوا سمعنا وأطعنا والمراد حين قالوا عرفنا حكم الله ونفذنا وفسر الطلب بقوله اتقوا الله أى "وأطيعوا الله"كما قال بسورة التغابن والمراد اتبعوا حكم الله ويبين لهم أن الله عليم بذات الصدور والمراد خبير بالذى فى النفوس وهو النية ويحاسب عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
"يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"المعنى يا أيها الذين صدقوا الوحى كونوا طائعين لحكم الله مقرين بالعدل ولا يدفعنكم كره ناس على أن لا تقسطوا أقسطوا هو أحسن للأجر أى أطيعوا الرب إن الرب عليم بالذى تصنعون،يطلب الله من الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله أن يكونوا قوامين لله أى طائعين لحكم الله شهداء بالقسط والمراد مقرين أى مصدقين بالعدل وهو حكم الله وينهاهم فيقول ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا والمراد ولا تحملنكم كراهية الناس على ألا تقسطوا وهذا يعنى أن يزيحوا الكراهية للغير عن قلوبهم عند الحكم فى قضية ما فيحكموا بالعدل ويطلب منهم نفس الطلب فيقول اعدلوا أى احكموا بالقسط وهو حكم الله فهو أقرب للتقوى أى أحسن للأجر ويفسر الطلب بقوله اتقوا الله أى أطيعوا حكم الله ويبين لهم أنه خبير بما يعملون والمراد عليم بما يفعلون مصداق لقوله بسورة يونس"والله عليم بما يفعلون "وسيحاسبهم عليه والخطاب للمؤمنين .
"وعد الله الذين أمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجرا عظيما والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم "المعنى أخبر الرب الذين صدقوا وفعلوا الحسنات رحمة أى ثوابا كبيرا والذين كذبوا أى جحدوا بأحكامنا أولئك سكان النار ،يبين الله لنا أنه وعد الذين أمنوا وعملوا الصالحات مغفرة أى أجرا عظيما والمراد أنه أخبر الذين صدقوا حكم الله وفعلوا النافعات من العمل رحمة أى ثوابا كبيرا هو الجنات مصداق لقوله بسورة التوبة"وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات "ووعد الذين كفروا وفسرهم بأنهم كذبوا بآياتنا أى جحدوا بأحكام الله بأنهم أصحاب الجحيم أى سكان النار مصداق لقوله بسورة البقرة"أولئك أصحاب النار" والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين أمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون "المعنى يا أيها الذين صدقوا الوحى اعلموا رحمة الله بكم حين أراد ناس أن يوصلوا لكم أذاهم فمنع أذاهم عنكم وأطيعوا الرب وبالرب فليحتمى المصدقون ،يطلب الله من الذين أمنوا أى الذين صدقوا حكم الله أن يذكروا نعمة الله عليهم والمراد أن يعرفوا رأفة الله بهم إذ هم قوم أن يبسطوا إليهم أيديهم والمراد وقت أراد ناس أن يوصلوا لهم أذاهم فكف أيديهم عنهم والمراد فمنع أذى وهو بأس الكفار عنهم مصداق لقوله بسورة النساء"عسى أن يكف عنكم بأس الذين كفروا"والغرض من القول هو تعريف القوم أن الله لا يتركهم بلا دفاع عنهم ما داموا مخلصين له ويطلب منهم أن يتقوا الله والمراد أن يطيعوا حكم الله وفسر هذا بأن على الله فليتوكل المؤمنون والمراد وبطاعة حكم الله فليحتمى المصدقون بحكمه من الأذى والخطاب للمؤمنين .
"لقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم إثنى عشر نقيبا وقال الله إنى معكم لئن أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وأمنتم برسلى وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل"المعنى لقد فرض الله عهد أولاد يعقوب(ص)وعين لهم إثنى عشر رئيسا وقال الله إنى ناصركم لئن أطعتم الدين أى اتبعتم الطهارة أى صدقتم بأنبيائى ونصرتموهم أى أطعتم الله طاعة صالحة لأمحون عنكم ذنوبكم أى لأسكنكم حدائق تسير فى أرضها العيون فمن كذب بعد ذلك منكم فقد استحق عذاب النار ،يبين الله لنا أنه أخذ ميثاق بنى إسرائيل والمراد فرض على أولاد يعقوب(ص)العهد وهو عبادة الله مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله"ويبين لنا أنه بعث منهم إثنى عشر نقيبا والمراد وعين لهم إثنى عشر رئيسا لكل أسرة من الإثنى عشر أسرة رئيس وقال الله لهم: إنى معكم والمراد إنى ناصركم إنى راحمكم لئن أقمتم الصلاة أى إن اتبعتم دين الله وفسر هذا بقوله وأتيتم الزكاة أى وأطعتم حكم الله وفسر هذا بقوله وأمنتم برسلى وعزرتموهم والمراد وصدقتم بمبعوثى وأطعتموهم وفسر هذا بقوله وأقرضتم الله قرضا حسنا والمراد واتبعتم حكم الله إتباع صالح ،فهنا ربط الله نصره للقوم بطاعتهم الصالحة لحكم الله وفسر الله نصره أى معيته لهم بقوله لأكفرن عنكم سيئاتكم أى لأمحون عنكم ذنوبكم أى يتجاوز عن جرائمهم مصداق لقوله بسورة الأعراف"ونتجاوز عن سيئاتهم"وفسر هذا بقوله ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد لأسكنكم حدائق تسير فى أرضها العيون ذات السوائل اللذيذة ،ويبين الله لبنى إسرائيل أن من كفر أى كذب بعد ذلك أى بعد نزول العهد فقد ضل سواء السبيل أى فقد استحق عذاب الكفر والخطاب للنبى(ص) .
"فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم من بعد مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين"المعنى فبما نكثهم عهدهم غضبنا عليهم وخلقنا نفوسهم كافرة يغيرون الأحكام عن مقاصدها وعصوا نصيبا من الذى أبلغوا به ولا تزال تعلم مكيدة منهم إلا بعضا منهم فأعرض عنهم أى اعفو إن الله يرحم المطيعين،يبين الله للنبى(ص) أن بما أى بسبب نقض القوم ميثاقهم والمراد بسبب مخالفة القوم عهدهم لعنهم الله أى غضب الله عليهم وجعل قلوبهم قاسية والمراد وخلق أنفسهم كافرة لأنهم أرادوا أنفسهم كافرين مصداق لقوله تعالى بسورة الإنسان "وما تشاءون إلا أن يشاء الله"وهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه والمراد يزيدون فى الأحكام على مقاصدها عند الله أحكاما باطلة مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا"وهم قد نسوا حظا مما ذكروا به والمراد خالفوا بعض الأحكام التى أبلغوا بها فى الميثاق ،ويبين الله لنبيه(ص)أنه لا يزال يطلع على خائنة منهم والمراد يستمر يعلم تدبير المكائد منهم ضد المؤمنين إلا قليلا منهم وهم الذين يسلمون ويطلب الله منه أن يعفو عنهم وفسر هذا بأن يصفح عنهم والمراد أن يعرض عن التعامل معهم تاركا عقابهم على المكائد ويبين له أنه يحب المحسنين أى يرحم المتقين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فإن الله يحب المتقين"وهذا يعنى إدخالهم الجنة والخطاب للنبى (ص)عن أهل الكتاب فى عصره وما سبقه حديث عمن ماتوا منهم وما بعده خطاب له.