رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
سورة سبأ
سميت بهذا الاسم لذكر سبأ فيها فى قوله "لقد كان لسبأ آيتان".
"بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى له ما فى السموات وما فى الأرض وله الحمد فى الآخرة وهو الحكيم الخبير"المعنى بحكم الرب النافع المفيد الحكم لله الذى له فى السموات والذى فى الأرض وله الحكم فى القيامة وهو القاضى العليم ،يبين الله أن اسم الله الرحمن الرحيم وهو حكم الرب النافع المفيد هو الحمد لله أى الطاعة لحكم وهو أمر الله فى الدنيا وله الحمد وهو الطاعة لأمره فى الآخرة وهى القيامة مصداق لقوله بسورة الروم"لله الأمر من قبل ومن بعد "وقوله بسورة الإنفطار"والأمر يومئذ لله"والله له أى ملك ما أى الذى فى السموات والأرض مصداق لقوله بسورة الجاثية "ولله ملك السموات والأرض"والله هو الحكيم أى القاضى بالحق وهو الخبير أى العليم بكل شىء والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور"المعنى يعرف الذى يدخل فى الأرض والذى يطلع منها وما يهبط من السماء وما يصعد إليها وهو النافع العفو ،يبين الله أن الله يعلم أى يعرف ما يلج فى الأرض وهو ما يسقط أى ما ينزل فى الأرض من شىء مصداق لقوله بسورة الأنعام"وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين"ويعلم ما يخرج منها وهو ما يطلع منها مثل العمل الصالح والنبات وما ينزل وهو ما يهبط من السماء مثل الوحى والشهب وما يعرج إليها وهو ما يصعد لها مثل العمل والله هو الرحيم الغفور أى النافع المفيد لمن يطيعه .
"وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربى لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين "المعنى وقال الذين كذبوا لا تجيئنا القيامة قل بلى وإلهى لتجيئنكم عارف الخفى لا يغيب عن معرفته قدر ذرة فى السموات ولا فى الأرض ولا أقل من ذلك ولا أعظم إلا فى سجل كبير ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين كفروا أى كذبوا بحكم الرب قالوا لبعضهم :لا تأتينا الساعة والمراد لا تقع لنا القيامة وهذا يعنى تكذيبهم بالقيامة ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لهم ردا على سؤالهم هل تأتى الساعة ؟ بلى وربى أى نعم وخالقى لتأتينكم أى لتقع لكم الساعة وربى هو عالم الغيب وهو عارف السر وهو الخفى من الأمور مصداق لقوله بسورة الفرقان"الذى يعلم السر فى السموات والأرض"لا يعزب عنه مثقال ذرة والمراد لا يغيب عن علمه قدر ذرة فى السموات أو فى الأرض ولا أصغر أى ولا أقل قدرا من الذرة ولا أكبر أى ولا أعظم قدرا فالكل فى كتاب مبين أى سجل عظيم هو كتاب كبير ومن هنا نعلم أن يعرف كل شىء فى الكون وأن هناك ما هو أصغر حجما ووزنا من الذرة والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا فى آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم "المعنى ليثيب الذين صدقوا وفعلوا الحسنات أولئك لهم رحمة أى أجر عظيم والذين ساروا لأحكامنا مخالفين أولئك لهم عقاب من نار مؤلمة ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس أن علمه بكل شىء يعنى أنه يجزى أى يرحم الذين آمنوا أى صدقوا بحكم الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات وأولئك لهم مغفرة أى أجر أى رزق كريم أى أجر عظيم مصداق لقوله بسورة آل عمران"أولئك لهم أجرهم عند ربهم"وقوله بسورة الحجرات"لهم مغفرة وأجر عظيم"وأما الذين سعوا فى آياتنا أى الذين صاروا لأحكامنا معاجزين أى مخالفين أولئك لهم عذاب من رجز أليم والمراد لهم ويل أى عقاب من ألم شديد مصداق لقوله بسورة إبراهيم"وويل للكافرين من عذاب شديد "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ويرى الذين أوتوا العلم الذى أنزل من ربك هو الحق ويهدى إلى صراط العزيز الحميد"المعنى ويقر الذين أعطوا الوحى أن الذى أوحى لك من إلهك هو العدل ويدخل إلى جنة الناصر الشاكر ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين أوتوا العلم وهم الذين أعطوا الوحى يرون والمراد يقرون أى يصدقون أن الذى أنزل إليك من ربك هو الحق والمراد أن الذى ألقى لك من عند خالقك هو العدل وأنه يهدى إلى صراط العزيز الحميد والمراد ويدخل فى جنة الناصر الشاكر فالوحى المنزل طاعته تدخل الجنة .
"وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفى خلق جديد "المعنى وقال الذين كذبوا هل نرشدكم إلى إنسان يخبركم إذا تبعثرتم كل تبعثر إنكم لفى إنشاء حديث ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين كفروا أى كذبوا حكم الله قالوا لبعضهم هل ندلكم على رجل والمراد هل نعرفكم بإنسان ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق والمراد إذا تبعثرتم كل تبعثر أى تحولتم كل تحول إنكم لفى خلق جديد والمراد إنكم لفى حياة حديثة ؟وهذا يعنى أنهم يكذبون بالبعث فبعد أن أصبحوا قطع صغيرة متناثرة يكذبون أن يجمعهم الله فيعودوا أحياء مرة أخرى .
"افترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة فى العذاب والضلال البعيد"المعنى هل نسب إلى الله باطلا أم به سفه،إن الذين لا يصدقون بالقيامة فى النار أى العقاب الدائم ،يسأل الله افترى على الله كذبا أى هل نسب إلى الرب باطلا أم به جنة أى سفه ؟والغرض من الأسئلة هى نفى افتراء الرسول (ص)الوحى ونفى جنونه ،ويبين للنبى (ص)أن الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم الذين لا يصدقون بالقيامة أى يكفرون بها يدخلون فى العذاب الذى فسره بأنه الضلال البعيد أى "وإن الظالمين لفى شقاق بعيد " كما قال بسورة الحج والمراد أنهم فى النار وهى العقاب المستمر.
"أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن فى ذلك لآية لكل عبد منيب "المعنى أفلم ينظروا إلى ما أمامهم والذى وراءهم فى السماء والأرض ؟إن نرد نزلزل بهم اليابس أو نمطر عليهم حجارة من الجو إن فى ذلك لبرهان لكل مملوك تائب ،يسأل الله أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض والمراد أفلم يفكروا فى الذى أمامهم وهو المخلوقات الظاهرة لهم والذى وراءهم وهو المخلوقات المخفاة عنهم إن يشأ يخسف بهم الأرض أو يسقط عليهم كسفا من السماء والمراد إن يرد يزلزل بهم جانب البر أو يمطر عليهم حاصبا وهو الحجارة المميتة من السحاب مصداق لقوله بسورة الإسراء"إن يشأ يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا "والغرض من السؤال إخبار النبى (ص) أن الكفار فكروا فى خلق السماء والأرض وعرفوا قدرته على عقابهم بالخسف أو بالكسف ومع ذلك لم يؤمنوا ويسلموا ويبين الله له أن ذلك وهو قدرة الله الظاهرة على الخسف وإنزال الكسف آية لكل عبد منيب أى برهان على وجوب طاعة حكم الله لكل مملوك مطيع لحكم الله والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص).
"ولقد أتينا داود منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر فى السرد واعملوا صالحا إنى بما تعملون بصير"المعنى ولقد أعطينا داود (ص)منا رزقا يا رواسى رددى معه والطير وطوعنا له الحديد أن اصنع دروع وضيق فى الحلق واصنعوا نافعا إنى بالذى تفعلون عليم ،يبين الله لنبيه(ص)أنه أتى والمراد أعطى داود(ص)منه فضلا أى رزقا عظيما منه أنه أمر الجبال بالتسبيح معه والطيور فقال :يا جبال أى يا رواسى أوبى معه والطير والمراد يا رواسى رددى معه التسبيح أنت والطيور ومنه أنه ألان له الحديد والمراد أنه طوع له الحديد حتى يعمل السابغات فقال اعمل سابغات أى اصنع دروع للمحاربين وقدر فى السرد والمراد وحدد فى الحلق أى وضيق فى الفرج وهذا يعنى أن الله طالب داود(ص)بصناعة دروع للمجاهدين من الحديد اللين ،واعملوا صالحا أى افعلوا نافعا إنى بما تعملون بصير أى إنى بالذى تفعلون عليم مصداق لقوله بسورة يونس"إن الله عليم بما يفعلون ".
"ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور "المعنى ولسليمان (ص)الهواء المتحرك ذهابها شهر وغيابها شهر وألنا له نهر النحاس ومن الجن من يشتغل أمامه بأمر إلهه ومن يخالف منهم حكمنا نعاقبه بعقاب النار يصنعون له ما يريد من مساجد ومنارات وجفان كالأحواض وأطباق راسخات افعلوا أهل داود(ص)حمدا وقليل من خلقى الحامد،يبين الله لنبيه (ص)أن أعطى سليمان(ص)الريح وهى الهواء المتحرك غدوها شهر ورواحها شهر والمراد أن ذهابها سرعته فى يوم هى سرعتهم فى شهر فى السفر وإيابها سرعته فى يوم سرعتهم فى السفر فى شهر وهذا يعنى أنها تسافر بالركاب فى يوم قدر سفرهم فى شهر،وأسال له عين القطر والمراد وأجرى له نهر النحاس ليصنع منه ما يريد وهذا يعنى أن المعادن تجرى تحت سطح الأرض فى مجارى محددة ،ويبين لنا أنه سخر الجن له فمنهم من يعمل بين يديه والمراد من يشتغل عند سليمان(ص)بإذن ربه والمراد أن الجن يعملون عند سليمان(ص)بأمر خالقه ومن يزغ منهم عن أمر الله والمراد ومن يخالف منهم أمر الله وهو حكمه بالعمل عند سليمان (ص)يذقه من عذاب السعير والمراد يعاقبه بعقاب النار أى يدخله جهنم والجن يعملون أى يصنعون له ما يشاء أى ما يريد من المحاريب وهى المساجد والتماثيل وهى المنارات التى تنير للناس فى البر والبحر والجفان التى كالجواب والمراد وقصعات الطعام التى تشبه أحواض الماء الكبيرة ،والقدور الراسيات وهى الأطباق الثابتات أى حلل الطبخ الراسخات على مواقد النار ،وقال لسليمان(ص)اعملوا آل داود شكرا والمراد افعلوا أهل داود(ص)حسنا والمراد أن يطيعوا حكم الله وقليل من عبادى الشكور والمراد وعدد قليل من خلقى هو المطيع لحكمى والخطاب وما قبله وما بعده من القصص للنبى(ص)ومنه للناس.
"فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين "المعنى فلما أمرنا له بالوفاة ما أرشدتهم لوفاته إلا أرضة الأرض تقرض عصاه فلما سقط علمت الجن أن لو كانوا يعرفون الخفاء ما بقوا فى العقاب الشديد بعد وفاته،يبين الله لنبيه (ص)أن الله لما قضى عليه الموت والمراد لما أمر لسليمان (ص)بالوفاة ما دلهم أى ما عرفهم وفاة سليمان(ص)إلا دابة الأرض وهى حشرة الأرضة تأكل منسأته أى تطعم عصاه والمراد تقرض عصا سليمان(ص)فلما خر أى سقط على الأرض بلا حراك تبينت الجن والمراد عرفت الجن :أن لو كانوا يعلمون الغيب والمراد لو كانوا يعرفون أخبار المستقبل ما لبثوا فى العذاب المهين أى ما مكثوا فى العقاب الشديد بعد وفاته وهذا يدلنا على معجزة وهى بقاء جسد سليمان(ص)فترة دون تحلل وتفسخ يدل على وفاته ويدلنا على أن الجن لا يعلمون الغيب.
"لقد كان لسبأ فى مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشىء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى إلا الكفور "المعنى لقد كان لسبأ فى بلدهم علامة حديقتان عن يمين وشمال اطعموا من نفع إلهكم وأطيعوه قرية مسلمة وإله نافع فكفروا فبعثنا عليهم فيضان النهر وغيرناهم بحديقتيهم حديقتين ذواتى طعام خمط وطرفاء وشىء من نبق قليل ذلك عاقبناهم بما كذبوا وهل نعاقب سوى الكذوب؟يبين الله لنبيه(ص)أنه كان لسبأ وهى بلد آية فى مسكنهم والمراد علامة دالة على قدرة الله هى جنتان عن يمين وشمال والمراد حديقتان عن يمين نهر البلدة وشمال نهر البلدة وقال لهم فى وحيه :كلوا من رزق ربكم أى خذوا من نفع خالقكم واشكروا له أى وأطيعوا حكمه بلدة طيبة أى أهل قرية مسلمون ورب غفور أى وإله عفو أى نافع للمطيعين ،فكانت النتيجة أن أعرضوا أى كفروا بحكم الله فأرسل عليهم سيل العرم والمراد فبعث لهم فيضان النهر فدمر الحديقتين تدميرا فكانت النتيجة أن بعد أن انحصر الفيضان المدمر أن بدلهم بجنتيهم جنتين أى والمراد جعلهم يغيرون زرع الحديقتين بزرع أخر وهو أكل خمط أى طعام خمط وهو عند البعض نبات القات،الأثل وهو شجر الطرفاء عند بعض الناس،والسدر القليل وهو عند بعض الناس النبات المسمى النبق ووجوده هناك قليل والله أعلم بنوعية هذه النباتات والسبب هو أنه جزاهم بما كفروا أى عاقبهم على تكذيبهم لحكمه ويسأل الله وهل نجازى إلا الكفور والمراد وهل نعاقب أى نهلك سوى الكذوب أى الظالم والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)أن المجازى وهو الهالك هو الكفور أى الظالم مصداق لقوله بسورة الأنعام"وهل يهلك إلا القوم الظالمون" .
"وجعلنا بينهم وبين القرى التى باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالى وأياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن فى ذلك لآيات لكل صبار شكور "المعنى ووضعنا بين أهل سبأ وبين البلاد التى قدسناها بلاد متتابعة وسهلنا فيها السفر سافروا فيها ليالى وأياما مطمئنين فقالوا إلهنا زد بين مسافاتنا وبخسوا أنفسهم فجعلناهم عظات وأهلكناهم كل إهلاك إن فى ذلك لعبر لكل مطيع متبع ،يبين الله لنبيه(ص)أنه جعل أى وضع بين أهل سبأ وبين القرى التى بارك فيها والمراد وبين البلاد التى قدسها وهى القدس أى مكة قرى ظاهرة أى بلدات متتابعة وهذا يعنى أن الطريق من سبأ إلى القدس وهى مكة كان ملىء بالقرى العامرة وبين كل قرية والأخرى مسافة قريبة وقد قدر فيها السير والمراد وقد حدد الله فيها السفر والمراد أن الله قد سهل فى الطرق بين البلدات السفر وقال للقوم :سيروا فيها ليالى وأياما أمنين والمراد سافروا بينها ليالى وأياما مطمئنين وهذا يعنى أن الطرق كانت سليمة بعيدة عن الأخطار ولذا قال أهل سبأ ربنا باعد بين أسفارنا والمراد إلهنا زد بين مسافاتنا وهذا يعنى أن يجعل المسافة بين كل مرحلة والأخرى مسافة طويلة وبالطبع هذا كفران بنعمة الراحة فى السفر وبذلك ظلموا أنفسهم أى بخسوا حق أنفسهم حيث كفروا بحكم الله فكانت النتيجة هى أن جعلهم الله أحاديث والمراد جعلهم قصص تروى وقد مزقهم كل ممزق والمراد وقد دمرهم كل تدمير وهذا يعنى أن الله لم يترك كافر واحد منهم على قيد الحياة وفيما حدث لأهل سبأ آيات والمراد عظات أى عبر لكل صبار شكور والمراد طائع متبع لحكم الله .
"ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو فى شك وربك على كل شىء حفيظ"المعنى ولقد حق فيهم إبليس قوله فأطاعوه إلا جمعا من المصدقين وما كان له عليهم من قدرة إلا لنعرف من يصدق بالقيامة ممن هو فى تكذيب وإلهك على كل أمر وكيل ،يبين الله لنبيه (ص)أن ظن إبليس وهو قول إبليس لله عند رفضه السجود لآدم(ص)أنه سيضل الكثير من الناس صدق فى أهل سبأ والمراد تحقق فى أهل سبأ فاتبعوه أى فأطاعوا حكم الباطل إلا فريقا من المؤمنين أى إلا بعضا من المصدقين بحكم الله ويبين له أن ما كان للشيطان وهو الهوى الضال من سلطان أى سلطة أى قدرة تجبرهم على طاعته ويبين الله لنبيه (ص)أنه أرسل وحيه للقوم ليعلم أى ليميز من يؤمن بالآخرة وهو من يصدق بالقيامة ممن هو فى شك والمراد من هو فى تكذيب لها ويبين له أن ربه على كل شىء حفيظ أى على كل مخلوق وكيل أى حامى لهم .
"قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير "المعنى قل نادوا الذين افتريتم من سوى الرب لا يحكمون قدر ذرة فى السموات ولا فى الأرض وما لهم فيهما من جزء وما له منهم من مساعد،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للكفار:ادعوا الذين زعمتم من دون الله والمراد نادوا الذين اخترعتم من سوى الرب والغرض من الطلب أن يعلموا أن الآلهة المزعومة لن تستجيب للنداء ،لا يملكون مثقال ذرة والمراد لا يحكمون قدر ذرة فى السموات والأرض أى ما لهم فيهما من جزء وما له من مخلوق وهذا يعنى أنهم ليس لهم خلق فى السموات والأرض والمراد ليس لله شريك فى ملكه وليس لهم منهم ظهير أى ولى ينصره من الذل مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولم يكن له شريك فى الملك ولم يكن له ولى من الذل "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير "المعنى ولا يفيد الكلام لديه إلا من سمح له حتى إذا كشف عن أنفسهم قالوا ماذا قال إلهكم قالوا العدل وهو الكبير العظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الشفاعة وهى الكلام عند أى لدى الله فى الآخرة لا يكون إلا لمن أذن له أى سمح أى رضى له قولا مصداق لقوله بسورة النبأ"لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن "حتى إذا فزع عن قلوبهم والمراد حتى إذا كشف عن الذى فى أنفسهم قالت الملائكة للكفار ماذا قال ربكم أى إلهكم ؟قالوا الحق وهو الصدق أى العدل وهو العلى الكبير والمراد الكبير العظيم وهذا إقرار منهم بصدق الوحى .
"قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين "المعنى قل من يعطيكم من السموات والأرض قل الرب وإنا أو إياكم لعلى حق أو على كفر عظيم ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الكفار من يرزقكم أى يعطيكم النفع من السموات والأرض؟ويطلب منه أن يجيب قائلا :الله رازقنا وهو الرب وإنا أو إياكم لعلى هدى أى حق وهو دين الله أو ضلال مبين أى كفر ظاهر بدين الله وهذا يعنى أنه يخبرهم أن أحد الفريقين على الحق والآخر على الباطل والخطاب للنبى(ص).
"قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون"المعنى قل لا تحاسبون على ما عملنا ولا نحاسب عن الذى تفعلون،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للكفار :لا تسألون عما أجرمنا والمراد لا تحاسبون عن الذى فعلنا فى الدنيا ولا نسئل عما تعملون أى ولا نحاسب عن الذى تفعلون ،وهذا يعنى أن كل واحد يزر جزاء عمله مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولا تزر وازرة وزر أخرى "والخطاب للنبى (ص) وما قبله ومنه للناس.
"قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم "المعنى قل يحشرنا إلهنا ثم يحكم بيننا بالعدل وهو القاضى الخبير ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس يجمع بيننا ربنا والمراد يبعثنا كلنا إلهنا ثم يفتح بيننا بالحق أى ثم يقضى بيننا بالحكم العادل مصداق لقوله بسورة النمل"إن ربك يقضى بينهم بحكمه"وهو الفتاح العليم والمراد وهو القاضى العليم بكل شىء وهذا يعنى إخبارهم بحدوث البعث والجزاء فى الآخرة .
سميت بهذا الاسم لذكر سبأ فيها فى قوله "لقد كان لسبأ آيتان".
"بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى له ما فى السموات وما فى الأرض وله الحمد فى الآخرة وهو الحكيم الخبير"المعنى بحكم الرب النافع المفيد الحكم لله الذى له فى السموات والذى فى الأرض وله الحكم فى القيامة وهو القاضى العليم ،يبين الله أن اسم الله الرحمن الرحيم وهو حكم الرب النافع المفيد هو الحمد لله أى الطاعة لحكم وهو أمر الله فى الدنيا وله الحمد وهو الطاعة لأمره فى الآخرة وهى القيامة مصداق لقوله بسورة الروم"لله الأمر من قبل ومن بعد "وقوله بسورة الإنفطار"والأمر يومئذ لله"والله له أى ملك ما أى الذى فى السموات والأرض مصداق لقوله بسورة الجاثية "ولله ملك السموات والأرض"والله هو الحكيم أى القاضى بالحق وهو الخبير أى العليم بكل شىء والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"يعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور"المعنى يعرف الذى يدخل فى الأرض والذى يطلع منها وما يهبط من السماء وما يصعد إليها وهو النافع العفو ،يبين الله أن الله يعلم أى يعرف ما يلج فى الأرض وهو ما يسقط أى ما ينزل فى الأرض من شىء مصداق لقوله بسورة الأنعام"وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين"ويعلم ما يخرج منها وهو ما يطلع منها مثل العمل الصالح والنبات وما ينزل وهو ما يهبط من السماء مثل الوحى والشهب وما يعرج إليها وهو ما يصعد لها مثل العمل والله هو الرحيم الغفور أى النافع المفيد لمن يطيعه .
"وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربى لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين "المعنى وقال الذين كذبوا لا تجيئنا القيامة قل بلى وإلهى لتجيئنكم عارف الخفى لا يغيب عن معرفته قدر ذرة فى السموات ولا فى الأرض ولا أقل من ذلك ولا أعظم إلا فى سجل كبير ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين كفروا أى كذبوا بحكم الرب قالوا لبعضهم :لا تأتينا الساعة والمراد لا تقع لنا القيامة وهذا يعنى تكذيبهم بالقيامة ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لهم ردا على سؤالهم هل تأتى الساعة ؟ بلى وربى أى نعم وخالقى لتأتينكم أى لتقع لكم الساعة وربى هو عالم الغيب وهو عارف السر وهو الخفى من الأمور مصداق لقوله بسورة الفرقان"الذى يعلم السر فى السموات والأرض"لا يعزب عنه مثقال ذرة والمراد لا يغيب عن علمه قدر ذرة فى السموات أو فى الأرض ولا أصغر أى ولا أقل قدرا من الذرة ولا أكبر أى ولا أعظم قدرا فالكل فى كتاب مبين أى سجل عظيم هو كتاب كبير ومن هنا نعلم أن يعرف كل شىء فى الكون وأن هناك ما هو أصغر حجما ووزنا من الذرة والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا فى آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم "المعنى ليثيب الذين صدقوا وفعلوا الحسنات أولئك لهم رحمة أى أجر عظيم والذين ساروا لأحكامنا مخالفين أولئك لهم عقاب من نار مؤلمة ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس أن علمه بكل شىء يعنى أنه يجزى أى يرحم الذين آمنوا أى صدقوا بحكم الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات وأولئك لهم مغفرة أى أجر أى رزق كريم أى أجر عظيم مصداق لقوله بسورة آل عمران"أولئك لهم أجرهم عند ربهم"وقوله بسورة الحجرات"لهم مغفرة وأجر عظيم"وأما الذين سعوا فى آياتنا أى الذين صاروا لأحكامنا معاجزين أى مخالفين أولئك لهم عذاب من رجز أليم والمراد لهم ويل أى عقاب من ألم شديد مصداق لقوله بسورة إبراهيم"وويل للكافرين من عذاب شديد "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ويرى الذين أوتوا العلم الذى أنزل من ربك هو الحق ويهدى إلى صراط العزيز الحميد"المعنى ويقر الذين أعطوا الوحى أن الذى أوحى لك من إلهك هو العدل ويدخل إلى جنة الناصر الشاكر ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين أوتوا العلم وهم الذين أعطوا الوحى يرون والمراد يقرون أى يصدقون أن الذى أنزل إليك من ربك هو الحق والمراد أن الذى ألقى لك من عند خالقك هو العدل وأنه يهدى إلى صراط العزيز الحميد والمراد ويدخل فى جنة الناصر الشاكر فالوحى المنزل طاعته تدخل الجنة .
"وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفى خلق جديد "المعنى وقال الذين كذبوا هل نرشدكم إلى إنسان يخبركم إذا تبعثرتم كل تبعثر إنكم لفى إنشاء حديث ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين كفروا أى كذبوا حكم الله قالوا لبعضهم هل ندلكم على رجل والمراد هل نعرفكم بإنسان ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق والمراد إذا تبعثرتم كل تبعثر أى تحولتم كل تحول إنكم لفى خلق جديد والمراد إنكم لفى حياة حديثة ؟وهذا يعنى أنهم يكذبون بالبعث فبعد أن أصبحوا قطع صغيرة متناثرة يكذبون أن يجمعهم الله فيعودوا أحياء مرة أخرى .
"افترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة فى العذاب والضلال البعيد"المعنى هل نسب إلى الله باطلا أم به سفه،إن الذين لا يصدقون بالقيامة فى النار أى العقاب الدائم ،يسأل الله افترى على الله كذبا أى هل نسب إلى الرب باطلا أم به جنة أى سفه ؟والغرض من الأسئلة هى نفى افتراء الرسول (ص)الوحى ونفى جنونه ،ويبين للنبى (ص)أن الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم الذين لا يصدقون بالقيامة أى يكفرون بها يدخلون فى العذاب الذى فسره بأنه الضلال البعيد أى "وإن الظالمين لفى شقاق بعيد " كما قال بسورة الحج والمراد أنهم فى النار وهى العقاب المستمر.
"أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن فى ذلك لآية لكل عبد منيب "المعنى أفلم ينظروا إلى ما أمامهم والذى وراءهم فى السماء والأرض ؟إن نرد نزلزل بهم اليابس أو نمطر عليهم حجارة من الجو إن فى ذلك لبرهان لكل مملوك تائب ،يسأل الله أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض والمراد أفلم يفكروا فى الذى أمامهم وهو المخلوقات الظاهرة لهم والذى وراءهم وهو المخلوقات المخفاة عنهم إن يشأ يخسف بهم الأرض أو يسقط عليهم كسفا من السماء والمراد إن يرد يزلزل بهم جانب البر أو يمطر عليهم حاصبا وهو الحجارة المميتة من السحاب مصداق لقوله بسورة الإسراء"إن يشأ يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا "والغرض من السؤال إخبار النبى (ص) أن الكفار فكروا فى خلق السماء والأرض وعرفوا قدرته على عقابهم بالخسف أو بالكسف ومع ذلك لم يؤمنوا ويسلموا ويبين الله له أن ذلك وهو قدرة الله الظاهرة على الخسف وإنزال الكسف آية لكل عبد منيب أى برهان على وجوب طاعة حكم الله لكل مملوك مطيع لحكم الله والخطاب وما قبله وما بعده للنبى(ص).
"ولقد أتينا داود منا فضلا يا جبال أوبى معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر فى السرد واعملوا صالحا إنى بما تعملون بصير"المعنى ولقد أعطينا داود (ص)منا رزقا يا رواسى رددى معه والطير وطوعنا له الحديد أن اصنع دروع وضيق فى الحلق واصنعوا نافعا إنى بالذى تفعلون عليم ،يبين الله لنبيه(ص)أنه أتى والمراد أعطى داود(ص)منه فضلا أى رزقا عظيما منه أنه أمر الجبال بالتسبيح معه والطيور فقال :يا جبال أى يا رواسى أوبى معه والطير والمراد يا رواسى رددى معه التسبيح أنت والطيور ومنه أنه ألان له الحديد والمراد أنه طوع له الحديد حتى يعمل السابغات فقال اعمل سابغات أى اصنع دروع للمحاربين وقدر فى السرد والمراد وحدد فى الحلق أى وضيق فى الفرج وهذا يعنى أن الله طالب داود(ص)بصناعة دروع للمجاهدين من الحديد اللين ،واعملوا صالحا أى افعلوا نافعا إنى بما تعملون بصير أى إنى بالذى تفعلون عليم مصداق لقوله بسورة يونس"إن الله عليم بما يفعلون ".
"ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور "المعنى ولسليمان (ص)الهواء المتحرك ذهابها شهر وغيابها شهر وألنا له نهر النحاس ومن الجن من يشتغل أمامه بأمر إلهه ومن يخالف منهم حكمنا نعاقبه بعقاب النار يصنعون له ما يريد من مساجد ومنارات وجفان كالأحواض وأطباق راسخات افعلوا أهل داود(ص)حمدا وقليل من خلقى الحامد،يبين الله لنبيه (ص)أن أعطى سليمان(ص)الريح وهى الهواء المتحرك غدوها شهر ورواحها شهر والمراد أن ذهابها سرعته فى يوم هى سرعتهم فى شهر فى السفر وإيابها سرعته فى يوم سرعتهم فى السفر فى شهر وهذا يعنى أنها تسافر بالركاب فى يوم قدر سفرهم فى شهر،وأسال له عين القطر والمراد وأجرى له نهر النحاس ليصنع منه ما يريد وهذا يعنى أن المعادن تجرى تحت سطح الأرض فى مجارى محددة ،ويبين لنا أنه سخر الجن له فمنهم من يعمل بين يديه والمراد من يشتغل عند سليمان(ص)بإذن ربه والمراد أن الجن يعملون عند سليمان(ص)بأمر خالقه ومن يزغ منهم عن أمر الله والمراد ومن يخالف منهم أمر الله وهو حكمه بالعمل عند سليمان (ص)يذقه من عذاب السعير والمراد يعاقبه بعقاب النار أى يدخله جهنم والجن يعملون أى يصنعون له ما يشاء أى ما يريد من المحاريب وهى المساجد والتماثيل وهى المنارات التى تنير للناس فى البر والبحر والجفان التى كالجواب والمراد وقصعات الطعام التى تشبه أحواض الماء الكبيرة ،والقدور الراسيات وهى الأطباق الثابتات أى حلل الطبخ الراسخات على مواقد النار ،وقال لسليمان(ص)اعملوا آل داود شكرا والمراد افعلوا أهل داود(ص)حسنا والمراد أن يطيعوا حكم الله وقليل من عبادى الشكور والمراد وعدد قليل من خلقى هو المطيع لحكمى والخطاب وما قبله وما بعده من القصص للنبى(ص)ومنه للناس.
"فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين "المعنى فلما أمرنا له بالوفاة ما أرشدتهم لوفاته إلا أرضة الأرض تقرض عصاه فلما سقط علمت الجن أن لو كانوا يعرفون الخفاء ما بقوا فى العقاب الشديد بعد وفاته،يبين الله لنبيه (ص)أن الله لما قضى عليه الموت والمراد لما أمر لسليمان (ص)بالوفاة ما دلهم أى ما عرفهم وفاة سليمان(ص)إلا دابة الأرض وهى حشرة الأرضة تأكل منسأته أى تطعم عصاه والمراد تقرض عصا سليمان(ص)فلما خر أى سقط على الأرض بلا حراك تبينت الجن والمراد عرفت الجن :أن لو كانوا يعلمون الغيب والمراد لو كانوا يعرفون أخبار المستقبل ما لبثوا فى العذاب المهين أى ما مكثوا فى العقاب الشديد بعد وفاته وهذا يدلنا على معجزة وهى بقاء جسد سليمان(ص)فترة دون تحلل وتفسخ يدل على وفاته ويدلنا على أن الجن لا يعلمون الغيب.
"لقد كان لسبأ فى مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشىء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازى إلا الكفور "المعنى لقد كان لسبأ فى بلدهم علامة حديقتان عن يمين وشمال اطعموا من نفع إلهكم وأطيعوه قرية مسلمة وإله نافع فكفروا فبعثنا عليهم فيضان النهر وغيرناهم بحديقتيهم حديقتين ذواتى طعام خمط وطرفاء وشىء من نبق قليل ذلك عاقبناهم بما كذبوا وهل نعاقب سوى الكذوب؟يبين الله لنبيه(ص)أنه كان لسبأ وهى بلد آية فى مسكنهم والمراد علامة دالة على قدرة الله هى جنتان عن يمين وشمال والمراد حديقتان عن يمين نهر البلدة وشمال نهر البلدة وقال لهم فى وحيه :كلوا من رزق ربكم أى خذوا من نفع خالقكم واشكروا له أى وأطيعوا حكمه بلدة طيبة أى أهل قرية مسلمون ورب غفور أى وإله عفو أى نافع للمطيعين ،فكانت النتيجة أن أعرضوا أى كفروا بحكم الله فأرسل عليهم سيل العرم والمراد فبعث لهم فيضان النهر فدمر الحديقتين تدميرا فكانت النتيجة أن بعد أن انحصر الفيضان المدمر أن بدلهم بجنتيهم جنتين أى والمراد جعلهم يغيرون زرع الحديقتين بزرع أخر وهو أكل خمط أى طعام خمط وهو عند البعض نبات القات،الأثل وهو شجر الطرفاء عند بعض الناس،والسدر القليل وهو عند بعض الناس النبات المسمى النبق ووجوده هناك قليل والله أعلم بنوعية هذه النباتات والسبب هو أنه جزاهم بما كفروا أى عاقبهم على تكذيبهم لحكمه ويسأل الله وهل نجازى إلا الكفور والمراد وهل نعاقب أى نهلك سوى الكذوب أى الظالم والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)أن المجازى وهو الهالك هو الكفور أى الظالم مصداق لقوله بسورة الأنعام"وهل يهلك إلا القوم الظالمون" .
"وجعلنا بينهم وبين القرى التى باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالى وأياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن فى ذلك لآيات لكل صبار شكور "المعنى ووضعنا بين أهل سبأ وبين البلاد التى قدسناها بلاد متتابعة وسهلنا فيها السفر سافروا فيها ليالى وأياما مطمئنين فقالوا إلهنا زد بين مسافاتنا وبخسوا أنفسهم فجعلناهم عظات وأهلكناهم كل إهلاك إن فى ذلك لعبر لكل مطيع متبع ،يبين الله لنبيه(ص)أنه جعل أى وضع بين أهل سبأ وبين القرى التى بارك فيها والمراد وبين البلاد التى قدسها وهى القدس أى مكة قرى ظاهرة أى بلدات متتابعة وهذا يعنى أن الطريق من سبأ إلى القدس وهى مكة كان ملىء بالقرى العامرة وبين كل قرية والأخرى مسافة قريبة وقد قدر فيها السير والمراد وقد حدد الله فيها السفر والمراد أن الله قد سهل فى الطرق بين البلدات السفر وقال للقوم :سيروا فيها ليالى وأياما أمنين والمراد سافروا بينها ليالى وأياما مطمئنين وهذا يعنى أن الطرق كانت سليمة بعيدة عن الأخطار ولذا قال أهل سبأ ربنا باعد بين أسفارنا والمراد إلهنا زد بين مسافاتنا وهذا يعنى أن يجعل المسافة بين كل مرحلة والأخرى مسافة طويلة وبالطبع هذا كفران بنعمة الراحة فى السفر وبذلك ظلموا أنفسهم أى بخسوا حق أنفسهم حيث كفروا بحكم الله فكانت النتيجة هى أن جعلهم الله أحاديث والمراد جعلهم قصص تروى وقد مزقهم كل ممزق والمراد وقد دمرهم كل تدمير وهذا يعنى أن الله لم يترك كافر واحد منهم على قيد الحياة وفيما حدث لأهل سبأ آيات والمراد عظات أى عبر لكل صبار شكور والمراد طائع متبع لحكم الله .
"ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو فى شك وربك على كل شىء حفيظ"المعنى ولقد حق فيهم إبليس قوله فأطاعوه إلا جمعا من المصدقين وما كان له عليهم من قدرة إلا لنعرف من يصدق بالقيامة ممن هو فى تكذيب وإلهك على كل أمر وكيل ،يبين الله لنبيه (ص)أن ظن إبليس وهو قول إبليس لله عند رفضه السجود لآدم(ص)أنه سيضل الكثير من الناس صدق فى أهل سبأ والمراد تحقق فى أهل سبأ فاتبعوه أى فأطاعوا حكم الباطل إلا فريقا من المؤمنين أى إلا بعضا من المصدقين بحكم الله ويبين له أن ما كان للشيطان وهو الهوى الضال من سلطان أى سلطة أى قدرة تجبرهم على طاعته ويبين الله لنبيه (ص)أنه أرسل وحيه للقوم ليعلم أى ليميز من يؤمن بالآخرة وهو من يصدق بالقيامة ممن هو فى شك والمراد من هو فى تكذيب لها ويبين له أن ربه على كل شىء حفيظ أى على كل مخلوق وكيل أى حامى لهم .
"قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير "المعنى قل نادوا الذين افتريتم من سوى الرب لا يحكمون قدر ذرة فى السموات ولا فى الأرض وما لهم فيهما من جزء وما له منهم من مساعد،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للكفار:ادعوا الذين زعمتم من دون الله والمراد نادوا الذين اخترعتم من سوى الرب والغرض من الطلب أن يعلموا أن الآلهة المزعومة لن تستجيب للنداء ،لا يملكون مثقال ذرة والمراد لا يحكمون قدر ذرة فى السموات والأرض أى ما لهم فيهما من جزء وما له من مخلوق وهذا يعنى أنهم ليس لهم خلق فى السموات والأرض والمراد ليس لله شريك فى ملكه وليس لهم منهم ظهير أى ولى ينصره من الذل مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولم يكن له شريك فى الملك ولم يكن له ولى من الذل "والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير "المعنى ولا يفيد الكلام لديه إلا من سمح له حتى إذا كشف عن أنفسهم قالوا ماذا قال إلهكم قالوا العدل وهو الكبير العظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الشفاعة وهى الكلام عند أى لدى الله فى الآخرة لا يكون إلا لمن أذن له أى سمح أى رضى له قولا مصداق لقوله بسورة النبأ"لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن "حتى إذا فزع عن قلوبهم والمراد حتى إذا كشف عن الذى فى أنفسهم قالت الملائكة للكفار ماذا قال ربكم أى إلهكم ؟قالوا الحق وهو الصدق أى العدل وهو العلى الكبير والمراد الكبير العظيم وهذا إقرار منهم بصدق الوحى .
"قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين "المعنى قل من يعطيكم من السموات والأرض قل الرب وإنا أو إياكم لعلى حق أو على كفر عظيم ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الكفار من يرزقكم أى يعطيكم النفع من السموات والأرض؟ويطلب منه أن يجيب قائلا :الله رازقنا وهو الرب وإنا أو إياكم لعلى هدى أى حق وهو دين الله أو ضلال مبين أى كفر ظاهر بدين الله وهذا يعنى أنه يخبرهم أن أحد الفريقين على الحق والآخر على الباطل والخطاب للنبى(ص).
"قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون"المعنى قل لا تحاسبون على ما عملنا ولا نحاسب عن الذى تفعلون،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للكفار :لا تسألون عما أجرمنا والمراد لا تحاسبون عن الذى فعلنا فى الدنيا ولا نسئل عما تعملون أى ولا نحاسب عن الذى تفعلون ،وهذا يعنى أن كل واحد يزر جزاء عمله مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولا تزر وازرة وزر أخرى "والخطاب للنبى (ص) وما قبله ومنه للناس.
"قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم "المعنى قل يحشرنا إلهنا ثم يحكم بيننا بالعدل وهو القاضى الخبير ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس يجمع بيننا ربنا والمراد يبعثنا كلنا إلهنا ثم يفتح بيننا بالحق أى ثم يقضى بيننا بالحكم العادل مصداق لقوله بسورة النمل"إن ربك يقضى بينهم بحكمه"وهو الفتاح العليم والمراد وهو القاضى العليم بكل شىء وهذا يعنى إخبارهم بحدوث البعث والجزاء فى الآخرة .