علي الحجبي
عضو ذهبي
- المشاركات
- 176
- الإقامة
- فيينا - النمسا
- 1 -
سألتها تلك المرة – والتي كانت الأخيرة التي أراها فيها وقد بلغت اليوم عمرها الستون – عن سر عدم رغبتها في الزواج أو الإنجاب؟ وكانت الإجابة صادمة لا بل محيرة:
قالت وهي تتنهد:
لقد عشت في بيتٍ يملؤه الحب مع أبي وأمي وإخوتي ، وكنت أرى أمي كل يوم كيف أنها أول من يستيقظ لتعد لنا فطورنا الصباحي قبل الذهاب إلى المدرسة ، وبعدها تقوم بتجهيز لوازمنا المدرسية وملابسنا ومن ثم تودعنا ، ثم تقوم بخدمة أبي وتجهيزه هو الآخر بعد إعداد وجبة فطوره وتودعه ، كذلك في المساء كنت أتابع حركاتها وهي تنتقل من مكان إلى آخر في البيت وهي تعمل بلا كل أو ملل مع تجهيزها لوجبة العشاء ، وبعد أن تفرغ من عملها كنت أشاهدها وهي آخر من يأوي إلى فراش النوم. لقد كانت تفعل ذلك بسعادة بالغة وهمة عالية.
واليوم وبعد أن كبرنا وكبرت بها السن جالت بناظرها حولها فلم تجد أحداً منا بجانبها ، لأن إخوتي قرروا أن يودعوها أحد بيوت العجزة ليوفروا على أنفسهم خدمتها ، وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل تعداه إلى أن أحداً منهم لم يكلف نفسه ولو للحظة أن يراها أو يطمئن على صحتها وحالها!
أنا هي الوحيدة التي تزورها يومياً وأقدم لها هذا الطبق الذي تراه.
وحينها توجهت إلي بقولها:
والآن هل تريدني أن أتزوج وأنجب أولاداً أعلم مسبقاً أنهم أول من يتخلى عني إذا ما كبرت بي السن؟ هل أنجب لكي أعيد مأساة أمي؟ صدقني إني أفضل البقاء وحيدة على أن أنجب أولاداً عاقين كإخوتي!!.
ودعتها حينها وأيقنت ساعتها أن معرض الحياة أكبر بكثير جداً مما أحسب وأظن ، وظلت كلماتها وفلسفتها في الحياة عالقة في ذهني حتى اليوم.