- المشاركات
- 82,631
- الإقامة
- قطر-الأردن
ابتداءً يتكون الدين العام لأي دولة من تراكم مبالغ العجز السنوي في موازنة الحكومة السنوية إن كان هناك عجز. وما العجز إلا الفرق بين مجموع الإنفاق ومجموع الدخل الذي يتم سنوياً.
ومصدر الدخل الحكومي في الولايات الأميركية كان في البدء من الرسوم التي تفرضها الحكومة، ومنذ عشرينيات القرن الماضي صارت الضرائب أهم مصادر دخل الحكومة الأميركية.
ومنذ إعلان استقلال أميركا في 4 تموز (يوليو) 1776، والحكومة الأميركية تعاني من العجز، باستثناء فترة رئاسة الرئيس كارتر والرئيس كلينتون في فترته الثانية، وهذا لا يعني أن الدين العام انتهى في فترة كارتر وكلينتون، وإنما يعني أن ما تراكم من دين لم يزد، بل نقص قليلاً. ويكبر حجم الدين خلال سنوات الحروب، كالحرب الكونية الثانية وحرب فيتنام وحروب العراق وأفغانستان. والمهم في تأثير الدين على مستوى النمو الاقتصادي ليس مبلغه المطلق وإنما نسبته من قيمة الناتج الكلي.
فحينما تولى الرئيس هاري ترومان رئاسة الولايات المتحدة بعد وفاة الرئيس روزفلت المفاجئة في 12 نيسان (أبريل) 1945، وصل الدين الأميركي العام إلى 113 في المئة من قيمة الناتج الكلي للاقتصاد الأميركي في ذلك العام، بسبب مستوى الإنفاق لتمويل الحرب الكونية الثانية.
وفي يومنا هذا نسمع يومياً من أعداء أوباما السياسيين، وتردده بعد ذلك وسائل الأعلام، بأن الدين الأميركي العام وصل إلى نحو 17 تريليون دولار، وهو ما يقارب قيمة الناتج الكلي للاقتصاد الأميركي في 2013، غير أن هذا قول غير دقيق، فالدين الأميركي العام يتكون من جزءين، الجزء الأول هو ما يتم اقتراضه من عامة المستثمرين الأميركيين والأجانب، بما في ذلك غالب المنشآت المالية في العالم أجمع، إضافة إلى البنوك المركزية، وهذا الجزء وصل إلى ما يقارب 12 تريليون دولار، نصيب الصين (من بين مقرضي أميركا) منها نحو 47 في المئة، وتأتي بعدها اليابان بنحو 3 في المئة، ثم بقية كبار المستثمرين من البنوك المركزية بنسب ضئيلة لكل منها.
والجزء الثاني من الدين الأميركي هو ما يباع على مؤسسات حكومية أميركية، كمحفظة التقاعد التي تستثمر ما تحصله من العاملين وأرباب العمل خلال سنوات عملهم في الاستثمار بسندات الخزانة الأميركية، ووصل مبلغ الجزء الثاني نحو 5 تريليونات دولار، أي أن جزءاً من الحكومة يقترض من جزء آخر، وهذا ليس في حقيقة الأمر ديناً، وإنما يمثل ما يشبه المقاصة بين مؤسسات حكومية.
إذاً، فالدين الأميركي العام الذي يشكل عبئاً حقيقياً ويزاحم مستثمري القطاع الخاص الأميركي هو 12 تريليون دولار، أو نحو 71 في المئة من مجموع مبلغ الناتج الكلي لكل الاقتصاد الأميركي في عام 2013.
وما إجراءات اقتراض الحكومة الأميركية؟
تصدر وزارة الخزانة الأميركية شيكات الإنفاق، وفي العادة لا يوجد في الخزانة ما يكفي للوفاء بالالتزامات التي يحل أجلها، فتصدر الخزانة الأميركية سندات أو صكوكاً أو أذونات، مكتوباً على متنها تاريخ إصدارها ومبلغها وفترة حلول آجالها، ووعداً من الخزانة بدفع مبالغها حين يحل أجلها، وقد تكون فترة حلول أجل سندات الخزانة ثلاثة أشهر أو ستة أو سنة أو خمسة أعوام أو 10 أو 20 أو 30 عاماً، وما بيع هذه السندات -على اختلاف آجالها ومبالغها ومستوى عائداتها- إلا وسيلة للاقتراض لتمكين الحكومة الأميركية من دفع تكاليف تمويل النشاط الحكومي بأنواعه كافة.
ولنفرض أن مستثمراً كأحد المنشآت المالية الكبرى أو أحد البنوك المركزية اشترى من سندات الخزانة الأميركية التي يحل أجلها بعد سنة ما قيمته الاسمية 100 مليون دولار، فليس من المعقول -أي المجدي اقتصادياً- أن يشتري آنياً بمبلغ 100 مليون ليحصل بعد سنة على 100 مليون، ففي العادة يدفع مبلغاً يقل عن 100 مليون بنسبة تحددها قوى عرض وقوى طلب هذا النوع من السندات، فلو لم تجد الخزانة من يقرضها آنياً أكثر من 95 مليوناً مقابل سنداتها، التي تلتزم بدفع قيمتها الاسمية التي سبق تحديدها بمبلغ 100 مليون بعد سنة، فإن هذا القرض - في هذا المثال - كلف الخزانة الأميركية نحو 5.26 في المئة، وحقق للمشتري أو المقرض عائداً بمبلغ 5.26 مليون دولار.
ولكن الذي يحصل على أرض الواقع أن مئات البلايين من سندات الخزانة الأميركية -على اختلاف فترات مواعيد حلول آجالها- تباع وتشترى يومياً في أسواق المال، فأياً كان أجلها يمكن تسييلها في أية لحظة، وسهولة تسييلها ودرجة موثوقية قدرة الخزانة الأميركية على الوفاء بها حين يحل أجلها تجعلها من أهم أصول المنشآت المالية الكبرى والبنوك المركزية الدولية.
وملخص الموضوع، اعتمدت الولايات المتحدة منذ تأسيسها على الوفاء بالتزاماتها من طريق الاقتراض بصفة إنشاء السندات ثم بيعها، ومن طريق بيعها تتوافر لها السيولة، ومن طريق شرائها يستثمر مشتروها ما لديهم من أموال في استثمارات آمنة مئة في المئة، وسهلة التسييل في أي لحظة. وبسبب زيادة الإنفاق على الدخل تكوّن العجز وتراكم على مر السنين فخلق الدين العام. ومن أهم أسباب تكوين العجز الحروب التي يتضاعف الإنفاق خلالها، والجزء الأكبر من الدين الأميركي العام كان بسبب حرب تشيني وولفوفيتز في العراق وأفغانستان ومحاولة التخفيف من آثار كارثة 2008 المالية لتفادي كارثة كساد مالي مروع يصيب العالم أجمع.
ومستوى الدين الأميركي العام ليس 17 تريليون دولار، وإنما 12 تريليوناً، وهو نحو 71 في المئة من قيمة الناتج الكلي للاقتصاد الأميركي في عام 2013، وهي نسبياً كبيرة لا بد من مواجهة تحدياتها من دون تشنج ولا مغالاة، وذلك من طريق اتخاذ السياسات الاقتصادية التي تؤدي إلى زيادة الناتج الكلي، والتي تؤدي زيادته إلى زيادة العائد الضريبي فيتناقص العجز، والذي بدأ فعلاً في التناقص من 10 في المئة من الناتج الكلي حين تولى أوباما الرئاسة في 2009 إلى أقل من 6 في المئة حالياً، وربما يهبط إلى 4 في المئة أو أقل من ذلك، وفق بعض التقديرات في نهاية 2013، وقارن ذلك ببلد متقدم كاليابان التي سيصل عجز موازنتها إلى أكثر من 10 في المئة في نهاية هذا العام.
*
علي الجهني.
ومصدر الدخل الحكومي في الولايات الأميركية كان في البدء من الرسوم التي تفرضها الحكومة، ومنذ عشرينيات القرن الماضي صارت الضرائب أهم مصادر دخل الحكومة الأميركية.
ومنذ إعلان استقلال أميركا في 4 تموز (يوليو) 1776، والحكومة الأميركية تعاني من العجز، باستثناء فترة رئاسة الرئيس كارتر والرئيس كلينتون في فترته الثانية، وهذا لا يعني أن الدين العام انتهى في فترة كارتر وكلينتون، وإنما يعني أن ما تراكم من دين لم يزد، بل نقص قليلاً. ويكبر حجم الدين خلال سنوات الحروب، كالحرب الكونية الثانية وحرب فيتنام وحروب العراق وأفغانستان. والمهم في تأثير الدين على مستوى النمو الاقتصادي ليس مبلغه المطلق وإنما نسبته من قيمة الناتج الكلي.
فحينما تولى الرئيس هاري ترومان رئاسة الولايات المتحدة بعد وفاة الرئيس روزفلت المفاجئة في 12 نيسان (أبريل) 1945، وصل الدين الأميركي العام إلى 113 في المئة من قيمة الناتج الكلي للاقتصاد الأميركي في ذلك العام، بسبب مستوى الإنفاق لتمويل الحرب الكونية الثانية.
وفي يومنا هذا نسمع يومياً من أعداء أوباما السياسيين، وتردده بعد ذلك وسائل الأعلام، بأن الدين الأميركي العام وصل إلى نحو 17 تريليون دولار، وهو ما يقارب قيمة الناتج الكلي للاقتصاد الأميركي في 2013، غير أن هذا قول غير دقيق، فالدين الأميركي العام يتكون من جزءين، الجزء الأول هو ما يتم اقتراضه من عامة المستثمرين الأميركيين والأجانب، بما في ذلك غالب المنشآت المالية في العالم أجمع، إضافة إلى البنوك المركزية، وهذا الجزء وصل إلى ما يقارب 12 تريليون دولار، نصيب الصين (من بين مقرضي أميركا) منها نحو 47 في المئة، وتأتي بعدها اليابان بنحو 3 في المئة، ثم بقية كبار المستثمرين من البنوك المركزية بنسب ضئيلة لكل منها.
والجزء الثاني من الدين الأميركي هو ما يباع على مؤسسات حكومية أميركية، كمحفظة التقاعد التي تستثمر ما تحصله من العاملين وأرباب العمل خلال سنوات عملهم في الاستثمار بسندات الخزانة الأميركية، ووصل مبلغ الجزء الثاني نحو 5 تريليونات دولار، أي أن جزءاً من الحكومة يقترض من جزء آخر، وهذا ليس في حقيقة الأمر ديناً، وإنما يمثل ما يشبه المقاصة بين مؤسسات حكومية.
إذاً، فالدين الأميركي العام الذي يشكل عبئاً حقيقياً ويزاحم مستثمري القطاع الخاص الأميركي هو 12 تريليون دولار، أو نحو 71 في المئة من مجموع مبلغ الناتج الكلي لكل الاقتصاد الأميركي في عام 2013.
وما إجراءات اقتراض الحكومة الأميركية؟
تصدر وزارة الخزانة الأميركية شيكات الإنفاق، وفي العادة لا يوجد في الخزانة ما يكفي للوفاء بالالتزامات التي يحل أجلها، فتصدر الخزانة الأميركية سندات أو صكوكاً أو أذونات، مكتوباً على متنها تاريخ إصدارها ومبلغها وفترة حلول آجالها، ووعداً من الخزانة بدفع مبالغها حين يحل أجلها، وقد تكون فترة حلول أجل سندات الخزانة ثلاثة أشهر أو ستة أو سنة أو خمسة أعوام أو 10 أو 20 أو 30 عاماً، وما بيع هذه السندات -على اختلاف آجالها ومبالغها ومستوى عائداتها- إلا وسيلة للاقتراض لتمكين الحكومة الأميركية من دفع تكاليف تمويل النشاط الحكومي بأنواعه كافة.
ولنفرض أن مستثمراً كأحد المنشآت المالية الكبرى أو أحد البنوك المركزية اشترى من سندات الخزانة الأميركية التي يحل أجلها بعد سنة ما قيمته الاسمية 100 مليون دولار، فليس من المعقول -أي المجدي اقتصادياً- أن يشتري آنياً بمبلغ 100 مليون ليحصل بعد سنة على 100 مليون، ففي العادة يدفع مبلغاً يقل عن 100 مليون بنسبة تحددها قوى عرض وقوى طلب هذا النوع من السندات، فلو لم تجد الخزانة من يقرضها آنياً أكثر من 95 مليوناً مقابل سنداتها، التي تلتزم بدفع قيمتها الاسمية التي سبق تحديدها بمبلغ 100 مليون بعد سنة، فإن هذا القرض - في هذا المثال - كلف الخزانة الأميركية نحو 5.26 في المئة، وحقق للمشتري أو المقرض عائداً بمبلغ 5.26 مليون دولار.
ولكن الذي يحصل على أرض الواقع أن مئات البلايين من سندات الخزانة الأميركية -على اختلاف فترات مواعيد حلول آجالها- تباع وتشترى يومياً في أسواق المال، فأياً كان أجلها يمكن تسييلها في أية لحظة، وسهولة تسييلها ودرجة موثوقية قدرة الخزانة الأميركية على الوفاء بها حين يحل أجلها تجعلها من أهم أصول المنشآت المالية الكبرى والبنوك المركزية الدولية.
وملخص الموضوع، اعتمدت الولايات المتحدة منذ تأسيسها على الوفاء بالتزاماتها من طريق الاقتراض بصفة إنشاء السندات ثم بيعها، ومن طريق بيعها تتوافر لها السيولة، ومن طريق شرائها يستثمر مشتروها ما لديهم من أموال في استثمارات آمنة مئة في المئة، وسهلة التسييل في أي لحظة. وبسبب زيادة الإنفاق على الدخل تكوّن العجز وتراكم على مر السنين فخلق الدين العام. ومن أهم أسباب تكوين العجز الحروب التي يتضاعف الإنفاق خلالها، والجزء الأكبر من الدين الأميركي العام كان بسبب حرب تشيني وولفوفيتز في العراق وأفغانستان ومحاولة التخفيف من آثار كارثة 2008 المالية لتفادي كارثة كساد مالي مروع يصيب العالم أجمع.
ومستوى الدين الأميركي العام ليس 17 تريليون دولار، وإنما 12 تريليوناً، وهو نحو 71 في المئة من قيمة الناتج الكلي للاقتصاد الأميركي في عام 2013، وهي نسبياً كبيرة لا بد من مواجهة تحدياتها من دون تشنج ولا مغالاة، وذلك من طريق اتخاذ السياسات الاقتصادية التي تؤدي إلى زيادة الناتج الكلي، والتي تؤدي زيادته إلى زيادة العائد الضريبي فيتناقص العجز، والذي بدأ فعلاً في التناقص من 10 في المئة من الناتج الكلي حين تولى أوباما الرئاسة في 2009 إلى أقل من 6 في المئة حالياً، وربما يهبط إلى 4 في المئة أو أقل من ذلك، وفق بعض التقديرات في نهاية 2013، وقارن ذلك ببلد متقدم كاليابان التي سيصل عجز موازنتها إلى أكثر من 10 في المئة في نهاية هذا العام.
*
علي الجهني.