رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة فى رسالة في جواب بعض العارفين في الرؤيا
الكتاب تأليف أحمد بن زين الدين الأحسائي وهو مؤسس مذهب ينتمى للشيعة وهم يتبرءون من مذهبه الذى يسمى المذهب الأوحدى وهو لقب الأحسائى لكونه مذهب صوفى وإن كان معظم كلامه استدلال بكلام أئمة الشيعة وفى المقدمة بين أن السؤال فريد من نوعه لم يذكره أحد من قبل ولا أجاب عليه وفى هذا قال:
"أما بعد فيقول العبد المسكين أحمد بن زين الدين الأحسائي أنه قد سألني بعض السادة الاجلاء العارفين الطالبين للحق و اليقين عن مسألة جليلة لم يتنبه لها أحد ولم تذكر في سؤال ولا جواب فيما وقفت عليه أو سمعت به و حيث وجبت علي اجابته لأنه من اهل الحكمة و لا يجوز ان يمنع منها فيكون مظلوما جعلت سؤاله متنا و الجواب شرحا كما هي عادتي في سائر الاجوبة قصدا لكمال البيان ، فأقول و بالله المستعان ."
وعرض الأحسائى السؤال فقال :
"قال سلمه الله تعالي : في الحديث ان الشيطان لا يمكن له في الرؤيا ان يمثل نفسه بصورة الانبياء والاولياء عليهم السلام والصلاة ما لمه وسببه مع أن الاولياء يجيئون في أي صورة شاءوا وعلي انه يمكن لشياطين الجن والانس في اليقظة ان يدعوا النبوة والولاية كما وقع غير مرة ولم لا يمكن ان يدعوا ذلك في الرؤيا ورؤيا جناب فاطمة الزهراء مشهورة وهي بظاهرها منافية لهذه الرواية فكيف التوفيق والجمع والالتماس من جنابكم ان تشرحوه حق شرحها و ما أجركم الا علي رب العالمين "
وأجاب الرجل فقال:
أقول أن الروايات الدالة علي هذا المعني متواترة معني من الفريقين ولا ينبغي التوقف في هذا المعني و هو أن الشيطان لا يتصور بصورة النبي (ص ) ولا بصورة أحد من أوصيائه ولا بصورة أحد من شيعتهم كالأنبياء والرسل والاوصياء والشهداء والصالحين من المؤمنين من الأولين والأخرين ولكن لهذا المعني شرط وهو الذي خفي علي الأكثر والأصل في الرؤيا ان النفس تلتفت بوجهها وهو الخيال الي جهة المرئي فتنطبع فيه صورته والصورة هيئتها علي نسبة هيئة المرآة وكمها وكيفها من الطول والعرض والاستقامة والاعوجاج ومن الكبر والصغر ومن لونها من بياض وسواد وغير ذلك والأخبار لها أو عنها انما هو باعتبار ما هي عليه في حقيقة ما هي منطبعة فيه لان المواد لا تناط بها الأحكام الا باعتبار صورها لأنها هي منشأ الحقيقة الثانية التي يناط بها الحكم والحقيقة المحكوم عليها من المرئي انما هي ما عند الرائي لأنه هو صاحب الصورة التي تكون بها الحقيقة المحكوم عليها فالمحكوم عليه بالإخبار عنه أو له ليس خارجا عن الرائي فعلي هذا يظهر لك وجه الشرط المذكور وهو ان تعتقد في المرئي كما هو عليه فلو اعتقد في زيد المؤمن الصالح أنه خبيث تصور الشيطان له بصورته لأنه لم يقابل خياله الا جهة ما توهمه وهو أحد مظاهر الشيطان ولم يقابل خياله جهة الخير الذي هو حقيقة زيد المؤمن فانه من مظاهر الوجود الذي هو أحد مظاهر الله ولو تصور الشيطان في أحد مظاهر الله احترق فقد نقل أن ابليس اللعين لما تجلي لموسي ربه بقدر خرق الإبرة من نور الستر هرب ابليس إلي أسفل السافلين وإلا لاحترق فاذا ذكر الانسان زيدا من حيث انه صالح أي مطيع لله وعبد ظهرت عليه آثار ربوبية الله في عبوديته من الطاعة وأعمال الخير فقد ذكر الله وهل يكون للشيطان مدخل في ذكر الله فاذا جري ذكر النبي (ص)علي قلب المؤمن أو الامام أو أحد من الشيعة من حيث هم شيعة ومطيعون لله فقد ذكر الله والي ذلك الاشارة بقوله تعالي" ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين" يعني أن الغاوين الذين اتبعوا الشيطان له عليهم سلطان وذلك لو ان رجلا ظن في النبي (ص ) أو أحد الأئمة أو شيعتهم أو تصور ذلك سوءا تصور له الشيطان في صورتهم له لأن معني قولهم في صورتهم في الصورة التي عنده التي تصورها من صورتهم التي تخيلها من وهمه وما يظن فهي في الحقيقة صورة ظنه لما قلنا أن الصورة حالها علي هيئة المرآة وكمها وكيفها ونسبت الصورة إليهم لنسبة المتصور لها اليهم فافهم .
وأما انهم يجيئون في أي صورة شاءوا فهو حق لأن جميع الصور لهم فيلبسون منها ما شاءوا لكنهم لا يلبسون صور الشياطين والكلاب والخنازير لأن هذه ليست لهم ولا من سنخهم وأن كانت بهم وانما يلبسون أحسن الصور وأطيبها والشيطان لا يلبس أحسن الصور لأنها ليست له و لا من سنخه فاذا ظهر الشيطان في صورة حسنة فهو كظهور بعض الكفار في الصورة الحسنة و ليست في اصل خلقتهم فان الصور الحسنة من الوجود و تنزع منهم فلا يدخلون النار بها و انما يدخلون بصورهم الحقيقية كلابا و خنازير فكما ان المؤمن لا تعجبه صورة الكافرة الجميلة لأنه يراها قبيحة في نظره كذلك لو ظهر له ابليس في صورة حسنة راه قبيحا لأنه ينظر بنور الله فلا يظهر له في الرؤيا بصورة أهل الحق لأنه لا يراه إلا بصورة اهل الباطل كما قررنا .
فاذا ادعي شيطان في اليقظة أنه نبي أو إمام لا يظهر بصورة من ادعي رتبته فيعرفه المؤمن البتة فيظهر له القبح في الاعمال والصفات ولا يمكنه أن يظهر الحسن حينئذ في الأعمال والصفات لأنه إن أظهر ذلك بحيث تخفي علي المؤمن وجب علي الله في الحكمة أن يكشف ستره والا لكان مغريا بالباطل تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا نعم ذلك يخفي علي اوليائه لأنهم لا يعرفون الفرق بين الحق والباطل ولا يعرفون صفة النبي والإمام فيكتفون بمجرد الدعوي انما سلطانه علي الذين يتولونه والذين هم به مشركون علي أن الله سبحانه يبين لأوليائه بطلان دعواه لتقوم عليهم الحجة البالغة علي ان الدعوي في اليقظة يرجع التعلق فيها الي نفس المدعي لا إلي صورة الرائي كما في الرؤيا ولهذا تراه في أمر الطيف بالعكس يقول رأيت في المنام رسول الله (ص ) وفي أمر اليقظة يقول رأيت رجلا يدعي أنه رسول الله (ص ) ولابد أن ينكشف ستره كما ذكرنا وذلك كما نقل في تفسير قوله تعالي "ولقد فتنا سليمان وألقينا علي كرسيه جسدا ثم أناب "أن صخرا الجني تصور في صورة سليمان فأتي جاريته فأخذ الخاتم منها وكان سليمان إذا أراد الجماع نزع الخاتم وأعطاه الجارية حتي يغتسل فلما أخذ الخاتم قعد علي كرسي سليمان فانقادت له الجن والانس وأتي سليمان وقال أنا نبي الله سليمان فضربوه وطردوه وقالوا نبي الله علي تخت الملك و بقي يدور في مملكته لا يجد من يطعمه قرصا و ذلك الخبيث قاعد وكان يأتي نساء سليمان في الحيض فقلن يا سبحان الله ما كانت عادة نبي الله يفعل هكذا وكان يضرب أم سليمان و هي تقول كان ابني أبر الخلق بي فكيف يضربني وهكذا من الأمور التي كشف الله بها ستره لئلا تكون للناس علي الله حجة وبقي أربعين يوما ثم لما كاد يخفي أمره أمر الله ملكا فزجره فهرب ورمي الخاتم في البحر فالتقمه حوت صغير وكان سليمان يدور علي ساحل البحر فرأي صيادا فسأله شيئا فأعطاه سمكة فأخذها سليمان فشقها فاذا الخاتم فيها الخبر ، فاعتبر بمن تشبه في اليقظة بالأنبياء كيف فضحه الله بأفعاله ثم لم يمهله وقد تقدم الفرق بين الرؤيا و اليقظة في اصل اسناد الأخبار عنه أوله .
وأما أمر رؤيا فاطمة ومختصر معناه أنها رأت أن أباها (ص ) وبعلها وابنيها خرجوا الي حديقة بعض الأنصار فذبح لهم عناقا وطبخ واجتمعوا عليه فأخذ رسول الله (ص ) منه لقمة فوقع ميتا وأخذ علي لقمة فوقع ميتا وأخذ الحسن لقمة فوقع ميتا وأخذ الحسين لقمة فوقع ميتا فانتبهت محزونة كاتمة أمرها فأتي رسول الله (ص)وخرج بهم أجمعين الي الحديقة المعلومة فذبح لهم عناق وطبخ ووضع بين أيديهم وفاطمة معهم فلما أخذ رسول الله (ص) منه لقمة بكت فاطمة فقال لها ما يبكيك فأخبرته برؤياها فاغتم لذلك فنزل جبريل وأتي بذلك الشيطان وقال يا محمد هذا موكل بالرؤيا واسمه الرها فان شئت ان تذبحه فافعل فأعطي النبي (ص ) العهد والميثاق أنه لا يتصور في صورته ولا في صورة أحد من خلفائه المعصومين ولا في صورة أحد من شيعتهم فاعلم ان الله سبحانه لما كان فعله للأشياء انما هو علي ما هي عليه اقتضت الحكمة أن يكون ذلك علي الاختيار ومقتضي الاختيار والقدر أن يجري الصنع علي الأسباب فاقتضت الحكمة أن يجري حكم أن الشيطان لا يتصور في صورهم الذي هو شأن الامضاء وشرح العلل والبيان في قوله تعالي ليبين لكم علي تقدم هذه الرؤيا لتكون سببا لامضاء أن الشيطان لا يتصور بصورهم كما في نظائره مثل صمت الحسين ولم يتكلم حتي خيف عليه الخرس فلما كبر جده (ص ) في الصلاة كبر فكبر رسول الله (ص ) فكبر الحسين حتي فعل سبعا ليكون ذلك علة وشرحا لاستحباب التكبيرات الست في الافتتاح للصلاة فاذا عرفت الاشارة ظهر لك أن هذه الرواية لا تنافي الروايات لأنها وجدت للبيان والشرح الذي هو سر الامضاء للأشياء فجري الوجود علي النظام التام والأمر المتقن اذ ليس ما جري علي فاطمة من اغواء الشيطان وإنما أجري الله تلك النجوي بأمر الملك الذي هو موكل علي الرها ولهذا روي ان الرها ملك لأنه فعل ذلك لفاطمة بأمر الملك فهو أمر بطاعة وجري ذلك عليها طاعة كما روي الفقهاء أن المرأة الاجنبية إذا كان عندها ميت أجنبي ولم يكن مماثل الا ذمي أنها إذا أمرته بالاغتسال ثم يغسل الميت فإنه يطهر لامتثال الذمي أمر المسلمة في الاغتسال والتغسيل فذلك في الحقيقة فعل المسلمة فكذلك فعل الرها بأمر الملك فهو في الحقيقة فعل الملك الذي هو باب لوجود هذه المسألة من الباب الاعظم للوجود فافهم .
بقي سؤال وهو أن الشيطان اذا لم يتصور بصورهم وذلك للعلة السابقة اذ الوجود لا يكون إلا علي أكمل نظام وانما تصور بأمر الملك فذلك الشيطان بحكم الآلة كما مر في تغسيل الذمي للميت المسلم بأمر المسلمة لزم أن تكون رؤيا فاطمة صادقة مطابقة للواقع ويلزم من ذلك أن يموتوا إذا أكلوا مع أنهم لم يموتوا .
والجواب أن رؤياها صادقة لما قلنا من التعليل ولأنها قد طابقت الواقع فإنهم أتوا المكان واجتمعوا وصار كلما رأت إلا أنهم لم يموتوا وإنما لم يموتوا ظاهرا لنقض الرؤيا ظاهرا لأنها بصورة صاحب التصور الباطل وانما نقضت ليكون ذلك بأخذ العهد عليه صالحا لتأسيس سبب هذه القاعدة ولما كانت الرؤيا صادقة للعلة المذكورة وجب ان يكون الموت باطنا لأنه هو الذي رأته في عالم الخيال و لما كان ذلك جاريا علي اهل العصمة وكان الموت الباطن يطلق علي موت هلاك الدين وعلي موت الانقطاع الي الله والفناء في بقائه تعين أن يكون ذلك الثاني لامتناع الأول عليهم بالدليل القطعي فتكون الرؤيا صادقة مطابقة للواقع فقد أشرت لك إلي جميع ما تحتاج اليه من شقوق أجوبة المسألة فيما يحضرني من الاعتراضات"
الأحسائى فى جوابه شرق وغرب وانتهى إلى جواز تمثل الشياطين بالرسل (ص) كما فى تصور صخر بصورة سليمان(ص) وتصور الرها بمحمد(ص)
وقد ناقض بهذا التمثل الواقعى أنهم لا يمكن أن يتمثلوا بهم فى الرؤيا فقال :
"وأما انهم يجيئون في أي صورة شاءوا فهو حق لأن جميع الصور لهم فيلبسون منها ما شاءوا لكنهم لا يلبسون صور الشياطين والكلاب والخنازير لأن هذه ليست لهم ولا من سنخهم وأن كانت بهم وانما يلبسون أحسن الصور وأطيبها"
وهو كلام متعارض فلو تمثلوا فى الواقع لتمثلوا فى الرؤيا وبعد أن نفى تصور الشياطين فى الصور الحسنة بقوله:
"والشيطان لا يلبس أحسن الصور لأنها ليست له و لا من سنخه "
رجع وأقر بظهورهم فى الرؤى بصور حسنة فقال:
"فاذا ظهر الشيطان في صورة حسنة فهو كظهور بعض الكفار في الصورة الحسنة و ليست في اصل خلقتهم فان الصور الحسنة من الوجود و تنزع منهم فلا يدخلون النار بها و انما يدخلون بصورهم الحقيقية كلابا و خنازير"
وهو تناقض ظاهر
وأما حكاياتهعن تمثل الشيطان بالرسل(ص) والمسلمين فى الواقع فكذب كما قال فى حكاية صخر وسليمان(ص) :
" أن صخرا الجني تصور في صورة سليمان فأتي جاريته فأخذ الخاتم"
فسليمان (ص)لم يكن له خاتم مخصوص ولا يستطيع جنى شيطان أو غير شيطان أن يخالف أمره لأن الله تعهد بتعذيب مخالف الأمر منهم فقال " لسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير "
ومن ثم لا أصل لتلك الحكاية وكذلك المر فى حكاية فاطمة والدليل هو أن الأحسائى وصف الرها مرة بالشيطان فقال :
" فأخبرته برؤياها فاغتم لذلك فنزل جبريل وأتي بذلك الشيطان وقال يا محمد هذا موكل بالرؤيا واسمه الرها "
وناقض نفسه فجعله ملكا فقال:
"وإنما أجري الله تلك النجوي بأمر الملك الذي هو موكل علي الرها ولهذا روي ان الرها ملك لأنه فعل ذلك لفاطمة بأمر الملك فهو أمر بطاعة"
وقطعا لا يوجد ملك موكل بالرؤى فى القرآن
زد على هذا أن الشيطان والمقصود إبليس فى النار منذ طرده من الجنة كما قال تعالى :
"فاخرج منها مذءوما مدحورا"
وقال :
" ,ان عليك اللعنة إلى يوم الدين"
فاللعنة وهى العذاب عليه حتى القيامة
ومن ثم لا يمكن أن يأتى فى الأحلام
كما أن الشياطين منهم بشر ومنهم جن والتمثل حلميا من البشر للبشر موجود بأمر الله وفى هذا قال تعالى :
"وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول"
ورؤيا النبى(ص) فى الحلم لا تكون فى صورة وجه إنسانى لأن من بعد موته لم يروه ومن ثم لن يعرفه أحد ومن ثم يأتى فى صورة نور أى سراج منير كما وصفه الله فى القرآن
الكتاب تأليف أحمد بن زين الدين الأحسائي وهو مؤسس مذهب ينتمى للشيعة وهم يتبرءون من مذهبه الذى يسمى المذهب الأوحدى وهو لقب الأحسائى لكونه مذهب صوفى وإن كان معظم كلامه استدلال بكلام أئمة الشيعة وفى المقدمة بين أن السؤال فريد من نوعه لم يذكره أحد من قبل ولا أجاب عليه وفى هذا قال:
"أما بعد فيقول العبد المسكين أحمد بن زين الدين الأحسائي أنه قد سألني بعض السادة الاجلاء العارفين الطالبين للحق و اليقين عن مسألة جليلة لم يتنبه لها أحد ولم تذكر في سؤال ولا جواب فيما وقفت عليه أو سمعت به و حيث وجبت علي اجابته لأنه من اهل الحكمة و لا يجوز ان يمنع منها فيكون مظلوما جعلت سؤاله متنا و الجواب شرحا كما هي عادتي في سائر الاجوبة قصدا لكمال البيان ، فأقول و بالله المستعان ."
وعرض الأحسائى السؤال فقال :
"قال سلمه الله تعالي : في الحديث ان الشيطان لا يمكن له في الرؤيا ان يمثل نفسه بصورة الانبياء والاولياء عليهم السلام والصلاة ما لمه وسببه مع أن الاولياء يجيئون في أي صورة شاءوا وعلي انه يمكن لشياطين الجن والانس في اليقظة ان يدعوا النبوة والولاية كما وقع غير مرة ولم لا يمكن ان يدعوا ذلك في الرؤيا ورؤيا جناب فاطمة الزهراء مشهورة وهي بظاهرها منافية لهذه الرواية فكيف التوفيق والجمع والالتماس من جنابكم ان تشرحوه حق شرحها و ما أجركم الا علي رب العالمين "
وأجاب الرجل فقال:
أقول أن الروايات الدالة علي هذا المعني متواترة معني من الفريقين ولا ينبغي التوقف في هذا المعني و هو أن الشيطان لا يتصور بصورة النبي (ص ) ولا بصورة أحد من أوصيائه ولا بصورة أحد من شيعتهم كالأنبياء والرسل والاوصياء والشهداء والصالحين من المؤمنين من الأولين والأخرين ولكن لهذا المعني شرط وهو الذي خفي علي الأكثر والأصل في الرؤيا ان النفس تلتفت بوجهها وهو الخيال الي جهة المرئي فتنطبع فيه صورته والصورة هيئتها علي نسبة هيئة المرآة وكمها وكيفها من الطول والعرض والاستقامة والاعوجاج ومن الكبر والصغر ومن لونها من بياض وسواد وغير ذلك والأخبار لها أو عنها انما هو باعتبار ما هي عليه في حقيقة ما هي منطبعة فيه لان المواد لا تناط بها الأحكام الا باعتبار صورها لأنها هي منشأ الحقيقة الثانية التي يناط بها الحكم والحقيقة المحكوم عليها من المرئي انما هي ما عند الرائي لأنه هو صاحب الصورة التي تكون بها الحقيقة المحكوم عليها فالمحكوم عليه بالإخبار عنه أو له ليس خارجا عن الرائي فعلي هذا يظهر لك وجه الشرط المذكور وهو ان تعتقد في المرئي كما هو عليه فلو اعتقد في زيد المؤمن الصالح أنه خبيث تصور الشيطان له بصورته لأنه لم يقابل خياله الا جهة ما توهمه وهو أحد مظاهر الشيطان ولم يقابل خياله جهة الخير الذي هو حقيقة زيد المؤمن فانه من مظاهر الوجود الذي هو أحد مظاهر الله ولو تصور الشيطان في أحد مظاهر الله احترق فقد نقل أن ابليس اللعين لما تجلي لموسي ربه بقدر خرق الإبرة من نور الستر هرب ابليس إلي أسفل السافلين وإلا لاحترق فاذا ذكر الانسان زيدا من حيث انه صالح أي مطيع لله وعبد ظهرت عليه آثار ربوبية الله في عبوديته من الطاعة وأعمال الخير فقد ذكر الله وهل يكون للشيطان مدخل في ذكر الله فاذا جري ذكر النبي (ص)علي قلب المؤمن أو الامام أو أحد من الشيعة من حيث هم شيعة ومطيعون لله فقد ذكر الله والي ذلك الاشارة بقوله تعالي" ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين" يعني أن الغاوين الذين اتبعوا الشيطان له عليهم سلطان وذلك لو ان رجلا ظن في النبي (ص ) أو أحد الأئمة أو شيعتهم أو تصور ذلك سوءا تصور له الشيطان في صورتهم له لأن معني قولهم في صورتهم في الصورة التي عنده التي تصورها من صورتهم التي تخيلها من وهمه وما يظن فهي في الحقيقة صورة ظنه لما قلنا أن الصورة حالها علي هيئة المرآة وكمها وكيفها ونسبت الصورة إليهم لنسبة المتصور لها اليهم فافهم .
وأما انهم يجيئون في أي صورة شاءوا فهو حق لأن جميع الصور لهم فيلبسون منها ما شاءوا لكنهم لا يلبسون صور الشياطين والكلاب والخنازير لأن هذه ليست لهم ولا من سنخهم وأن كانت بهم وانما يلبسون أحسن الصور وأطيبها والشيطان لا يلبس أحسن الصور لأنها ليست له و لا من سنخه فاذا ظهر الشيطان في صورة حسنة فهو كظهور بعض الكفار في الصورة الحسنة و ليست في اصل خلقتهم فان الصور الحسنة من الوجود و تنزع منهم فلا يدخلون النار بها و انما يدخلون بصورهم الحقيقية كلابا و خنازير فكما ان المؤمن لا تعجبه صورة الكافرة الجميلة لأنه يراها قبيحة في نظره كذلك لو ظهر له ابليس في صورة حسنة راه قبيحا لأنه ينظر بنور الله فلا يظهر له في الرؤيا بصورة أهل الحق لأنه لا يراه إلا بصورة اهل الباطل كما قررنا .
فاذا ادعي شيطان في اليقظة أنه نبي أو إمام لا يظهر بصورة من ادعي رتبته فيعرفه المؤمن البتة فيظهر له القبح في الاعمال والصفات ولا يمكنه أن يظهر الحسن حينئذ في الأعمال والصفات لأنه إن أظهر ذلك بحيث تخفي علي المؤمن وجب علي الله في الحكمة أن يكشف ستره والا لكان مغريا بالباطل تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا نعم ذلك يخفي علي اوليائه لأنهم لا يعرفون الفرق بين الحق والباطل ولا يعرفون صفة النبي والإمام فيكتفون بمجرد الدعوي انما سلطانه علي الذين يتولونه والذين هم به مشركون علي أن الله سبحانه يبين لأوليائه بطلان دعواه لتقوم عليهم الحجة البالغة علي ان الدعوي في اليقظة يرجع التعلق فيها الي نفس المدعي لا إلي صورة الرائي كما في الرؤيا ولهذا تراه في أمر الطيف بالعكس يقول رأيت في المنام رسول الله (ص ) وفي أمر اليقظة يقول رأيت رجلا يدعي أنه رسول الله (ص ) ولابد أن ينكشف ستره كما ذكرنا وذلك كما نقل في تفسير قوله تعالي "ولقد فتنا سليمان وألقينا علي كرسيه جسدا ثم أناب "أن صخرا الجني تصور في صورة سليمان فأتي جاريته فأخذ الخاتم منها وكان سليمان إذا أراد الجماع نزع الخاتم وأعطاه الجارية حتي يغتسل فلما أخذ الخاتم قعد علي كرسي سليمان فانقادت له الجن والانس وأتي سليمان وقال أنا نبي الله سليمان فضربوه وطردوه وقالوا نبي الله علي تخت الملك و بقي يدور في مملكته لا يجد من يطعمه قرصا و ذلك الخبيث قاعد وكان يأتي نساء سليمان في الحيض فقلن يا سبحان الله ما كانت عادة نبي الله يفعل هكذا وكان يضرب أم سليمان و هي تقول كان ابني أبر الخلق بي فكيف يضربني وهكذا من الأمور التي كشف الله بها ستره لئلا تكون للناس علي الله حجة وبقي أربعين يوما ثم لما كاد يخفي أمره أمر الله ملكا فزجره فهرب ورمي الخاتم في البحر فالتقمه حوت صغير وكان سليمان يدور علي ساحل البحر فرأي صيادا فسأله شيئا فأعطاه سمكة فأخذها سليمان فشقها فاذا الخاتم فيها الخبر ، فاعتبر بمن تشبه في اليقظة بالأنبياء كيف فضحه الله بأفعاله ثم لم يمهله وقد تقدم الفرق بين الرؤيا و اليقظة في اصل اسناد الأخبار عنه أوله .
وأما أمر رؤيا فاطمة ومختصر معناه أنها رأت أن أباها (ص ) وبعلها وابنيها خرجوا الي حديقة بعض الأنصار فذبح لهم عناقا وطبخ واجتمعوا عليه فأخذ رسول الله (ص ) منه لقمة فوقع ميتا وأخذ علي لقمة فوقع ميتا وأخذ الحسن لقمة فوقع ميتا وأخذ الحسين لقمة فوقع ميتا فانتبهت محزونة كاتمة أمرها فأتي رسول الله (ص)وخرج بهم أجمعين الي الحديقة المعلومة فذبح لهم عناق وطبخ ووضع بين أيديهم وفاطمة معهم فلما أخذ رسول الله (ص) منه لقمة بكت فاطمة فقال لها ما يبكيك فأخبرته برؤياها فاغتم لذلك فنزل جبريل وأتي بذلك الشيطان وقال يا محمد هذا موكل بالرؤيا واسمه الرها فان شئت ان تذبحه فافعل فأعطي النبي (ص ) العهد والميثاق أنه لا يتصور في صورته ولا في صورة أحد من خلفائه المعصومين ولا في صورة أحد من شيعتهم فاعلم ان الله سبحانه لما كان فعله للأشياء انما هو علي ما هي عليه اقتضت الحكمة أن يكون ذلك علي الاختيار ومقتضي الاختيار والقدر أن يجري الصنع علي الأسباب فاقتضت الحكمة أن يجري حكم أن الشيطان لا يتصور في صورهم الذي هو شأن الامضاء وشرح العلل والبيان في قوله تعالي ليبين لكم علي تقدم هذه الرؤيا لتكون سببا لامضاء أن الشيطان لا يتصور بصورهم كما في نظائره مثل صمت الحسين ولم يتكلم حتي خيف عليه الخرس فلما كبر جده (ص ) في الصلاة كبر فكبر رسول الله (ص ) فكبر الحسين حتي فعل سبعا ليكون ذلك علة وشرحا لاستحباب التكبيرات الست في الافتتاح للصلاة فاذا عرفت الاشارة ظهر لك أن هذه الرواية لا تنافي الروايات لأنها وجدت للبيان والشرح الذي هو سر الامضاء للأشياء فجري الوجود علي النظام التام والأمر المتقن اذ ليس ما جري علي فاطمة من اغواء الشيطان وإنما أجري الله تلك النجوي بأمر الملك الذي هو موكل علي الرها ولهذا روي ان الرها ملك لأنه فعل ذلك لفاطمة بأمر الملك فهو أمر بطاعة وجري ذلك عليها طاعة كما روي الفقهاء أن المرأة الاجنبية إذا كان عندها ميت أجنبي ولم يكن مماثل الا ذمي أنها إذا أمرته بالاغتسال ثم يغسل الميت فإنه يطهر لامتثال الذمي أمر المسلمة في الاغتسال والتغسيل فذلك في الحقيقة فعل المسلمة فكذلك فعل الرها بأمر الملك فهو في الحقيقة فعل الملك الذي هو باب لوجود هذه المسألة من الباب الاعظم للوجود فافهم .
بقي سؤال وهو أن الشيطان اذا لم يتصور بصورهم وذلك للعلة السابقة اذ الوجود لا يكون إلا علي أكمل نظام وانما تصور بأمر الملك فذلك الشيطان بحكم الآلة كما مر في تغسيل الذمي للميت المسلم بأمر المسلمة لزم أن تكون رؤيا فاطمة صادقة مطابقة للواقع ويلزم من ذلك أن يموتوا إذا أكلوا مع أنهم لم يموتوا .
والجواب أن رؤياها صادقة لما قلنا من التعليل ولأنها قد طابقت الواقع فإنهم أتوا المكان واجتمعوا وصار كلما رأت إلا أنهم لم يموتوا وإنما لم يموتوا ظاهرا لنقض الرؤيا ظاهرا لأنها بصورة صاحب التصور الباطل وانما نقضت ليكون ذلك بأخذ العهد عليه صالحا لتأسيس سبب هذه القاعدة ولما كانت الرؤيا صادقة للعلة المذكورة وجب ان يكون الموت باطنا لأنه هو الذي رأته في عالم الخيال و لما كان ذلك جاريا علي اهل العصمة وكان الموت الباطن يطلق علي موت هلاك الدين وعلي موت الانقطاع الي الله والفناء في بقائه تعين أن يكون ذلك الثاني لامتناع الأول عليهم بالدليل القطعي فتكون الرؤيا صادقة مطابقة للواقع فقد أشرت لك إلي جميع ما تحتاج اليه من شقوق أجوبة المسألة فيما يحضرني من الاعتراضات"
الأحسائى فى جوابه شرق وغرب وانتهى إلى جواز تمثل الشياطين بالرسل (ص) كما فى تصور صخر بصورة سليمان(ص) وتصور الرها بمحمد(ص)
وقد ناقض بهذا التمثل الواقعى أنهم لا يمكن أن يتمثلوا بهم فى الرؤيا فقال :
"وأما انهم يجيئون في أي صورة شاءوا فهو حق لأن جميع الصور لهم فيلبسون منها ما شاءوا لكنهم لا يلبسون صور الشياطين والكلاب والخنازير لأن هذه ليست لهم ولا من سنخهم وأن كانت بهم وانما يلبسون أحسن الصور وأطيبها"
وهو كلام متعارض فلو تمثلوا فى الواقع لتمثلوا فى الرؤيا وبعد أن نفى تصور الشياطين فى الصور الحسنة بقوله:
"والشيطان لا يلبس أحسن الصور لأنها ليست له و لا من سنخه "
رجع وأقر بظهورهم فى الرؤى بصور حسنة فقال:
"فاذا ظهر الشيطان في صورة حسنة فهو كظهور بعض الكفار في الصورة الحسنة و ليست في اصل خلقتهم فان الصور الحسنة من الوجود و تنزع منهم فلا يدخلون النار بها و انما يدخلون بصورهم الحقيقية كلابا و خنازير"
وهو تناقض ظاهر
وأما حكاياتهعن تمثل الشيطان بالرسل(ص) والمسلمين فى الواقع فكذب كما قال فى حكاية صخر وسليمان(ص) :
" أن صخرا الجني تصور في صورة سليمان فأتي جاريته فأخذ الخاتم"
فسليمان (ص)لم يكن له خاتم مخصوص ولا يستطيع جنى شيطان أو غير شيطان أن يخالف أمره لأن الله تعهد بتعذيب مخالف الأمر منهم فقال " لسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير "
ومن ثم لا أصل لتلك الحكاية وكذلك المر فى حكاية فاطمة والدليل هو أن الأحسائى وصف الرها مرة بالشيطان فقال :
" فأخبرته برؤياها فاغتم لذلك فنزل جبريل وأتي بذلك الشيطان وقال يا محمد هذا موكل بالرؤيا واسمه الرها "
وناقض نفسه فجعله ملكا فقال:
"وإنما أجري الله تلك النجوي بأمر الملك الذي هو موكل علي الرها ولهذا روي ان الرها ملك لأنه فعل ذلك لفاطمة بأمر الملك فهو أمر بطاعة"
وقطعا لا يوجد ملك موكل بالرؤى فى القرآن
زد على هذا أن الشيطان والمقصود إبليس فى النار منذ طرده من الجنة كما قال تعالى :
"فاخرج منها مذءوما مدحورا"
وقال :
" ,ان عليك اللعنة إلى يوم الدين"
فاللعنة وهى العذاب عليه حتى القيامة
ومن ثم لا يمكن أن يأتى فى الأحلام
كما أن الشياطين منهم بشر ومنهم جن والتمثل حلميا من البشر للبشر موجود بأمر الله وفى هذا قال تعالى :
"وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول"
ورؤيا النبى(ص) فى الحلم لا تكون فى صورة وجه إنسانى لأن من بعد موته لم يروه ومن ثم لن يعرفه أحد ومن ثم يأتى فى صورة نور أى سراج منير كما وصفه الله فى القرآن