رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب الإجابة المختصرة في التنبيه على حفظ المتون المختصرة
المؤلف سليمان بن ناصر بن عبدالله العلوان وهو عبارة عن سؤال لطالب علم طلب من معلمه أن يكتب له أهم الكتب التى ينبغى لطالب العلم أن يقرأها ويحفظها وقد أجاب العلوان طلب طالبه فقال :
" أما بعد:.
فهذه الرسالة المختصرة جواب سؤال كتبه بعض طلبة العلم يقول فيه: (ما هي المتون في شتى الفنون التي تنصح طالب العلم أن يحفظها ويتقنها؟ وأرجو ذكر المتون بالتدرج الذي يتناسب مع الطالب المبتدئ ويفيد الطالب المنتهي).
ولما كان هذا السؤال مهماً ونافعاً والإجابة عليه مفيدة ولها أثرها على الفكره والكتاب.
ولا سيما في هذا العصر الذي انتشرت فيه الفوضوية في العلم وتوجهت همم المبتدئين للتصنيف والنقد وتذبذبوا قبل أن يتحصرموا وتصدروا للتدريس والفتوى قبل أن يصدروا وقد قال أبو الحسن علي بن أحمد المعروف بالفالي
تصدر للتدريس كل مهوس ... بليد تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ... ببيتٍ قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزلها ... ... كلاها وحتى سامها كل مفلس
فلهذه وغيره رسمت في هذه بالإجابة طريقة الطلب للعود بالفوضويين المتعالمين إلى اليقظة العلمية الصحيحة والأخذ بحجزهم عن الوقوع في عتبة القول على الله بلا علم"
وكما هى عادة الفقهاء يقرون مقولة باطلة وهى أن العلم لا يؤخذ من الكتب فقط وإنما لابد له معه من المعلمين فيقول :
ولثلةٍ تطمح في الرقي وأخذ العلم من مظانه والبدء بالتدرج في أساسيات العلم على أيدي العلماء العاملين والفقهاء المجتهدين المعنيين بضبط قواعد الحلال والحرام فالعلم لا يؤخذ عن الكتب دون التلقي عن هؤلاء. وقد حرم العلم من دخل فيه بلا عالم يرشده وقد قيل (من دخل في العلم وحده خرج وحده).وهذا حق فمن خاض في بحار العلم بلا أستاذ عالم وفقيه خريت خرج منه بلا علم ولا تحصيل بل اكتسب التعالم وقلة الأدب والتطاول على الأئمة فإياك أن تكون من هؤلاء المتضلعين بالجهل فتهلك الحرث والنسل وتبيح الفروج المحرمة وتحرم الفروج المباحة."
والعلم يؤخذ من أى مصدر له كالكتب والمعلمين والتجربة والخطأ والتفكير وتلك المقولة الباطلة لو كانت صحيحة فالرسل(ص) معظمهم لم يتعلموا على أيدى معلمين فإبراهيم(ص) خرج على قومه الكفار معلمين وسواهم وكذب علمهم من خلال تفكيره فى خلق الله حتى وصل للوحدانية ولم يكن هذا من خلال الكتب ولا من خلال المعلمين وإنما هى القلب السليم الذى يفكر
واستهل العلوان إجابته بوجوب حفظ القرآن وتعلمه فقال :
"وقد ذكرت في هذه الإجابة جملة من المحفوظات في مختلف العلوم وجهدت ألا أذكر شيئاً يقف عقبة وحاجزاً عن نيل العلم وتحصيله وضبطه وحفظه والله سبحانه وتعالى هو الموفق والمعين.
فأقول ومن الله استمد العون والصواب الأولى في حق طالب العلم تقديم تعلم القرآن وحفظه فإن ذلك أفضلُ ما أُتي العبد فالقرأن شفيع يوم القيامة ودليل إلى الجنة وأهله هم أهل الله وخاصته.
وقد جاءت الأخبار الصحاح في فضل قارئ القرآن ومعلمه ففي صحيح البخاري من طريق أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان عن النبي (ص)قال: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " .
وفي صحيح الإمام مسلم من طريق عامر بن واثلة أن نافع بن عبدالحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا، قال: إنه قارئ لكتاب الله - عز وجل - وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم(ص)قد قال: " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين " "
وهذا الحديث لا يصح مع صحة معنى أن العلم بالوحى يرفع صاحبه لمناصب الولاية كما قال تعالى"وزاده بصطة فى العلم والجسم"
والسبب فى عدم صحته هو أن المناصب لا تولى من قبل حكام وإنما تكون بالشورى كما قال سبحانه:
" وأمرهم شورى بينهم"
ثم قال :
"وعلى طالب العلم أن يحرص كل الحرص على قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه فالعلم كله في القرآن.
وحفظ القليل من القرآن مع التدبر والتفكر والعمل به خير من حفظ الكثير بغير تدبر ولا تفهم ولا عمل.
وقوله، (ص)فيما تقدم: " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين " هذا إذا عمل بمحكمه وآمن بمتشابهه، وأحل حلاله وحرم حرامه، أما إذا ضيع أوامره وارتكب نواهيه فليس له حظ مما دل عليه الحديث، وقد روى ابن حبان بسند حسن من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي، (ص)قال: " القرآن شافع مشفع وما حل مصدق، من جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار ""
والحديث لا يصح فالقرآن لا يشفع لأحد لأن الشفعاء هم الملائكة والرسل كما قال تعالى"ولا يشفعون إلا لمن ارتضى"
ثم قال :
فإن حفظ القرآن كله فقد نال أفضل الأعمال وأسنى المقامات، فإن عسر عليه حفظ القرآن كله فليحفظ ما يقدر عليه بعد حفظ الواجب، وليحرص كل الحرص على حفظ ما يمكن حفظه، وليكن اعتناؤه بالسور التي جاءت فيها فضائل كالبقرة وآل عمران. وقد جاء فيهما خبر عظيم، ففي صحيح الإمام مسلم من طريق معاوية بن سلاّم عن زيد أنه سمع أبا سلاّم يقول حدثني أبو أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله، (ص)يقول: " اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة "
والحديث لا يصح للتناقض بين قراءة القرآن كله وبين قراءة سورتين منه فالمطلوب حسب القرآن قراءته حسب ما يتيسر وليس سور محددة منه كما قال قال تعالى:
"فاقرءوا ما تيسر من القرآن"
وهذا الحديث عن كون سورتين شفيعتان تحاجان عن حافظهما تعارض الحديث السابق الذى يعتبر القرآن ككل شافع واحد بقوله "القرآن شافع مشفع"
ويناقض الحديث القرآن فى مجىء الإنسان وحده ليس مع شىء فى قوله تعالى "وكلهم آتيه يوم القيامة فردا" بينما الرواية تقول بمجىء السور كأنهم سحب أو فرق طير
ثم قال :
"وحفظ ما يجب من القرآن و الواجب الفاتحة واختلف فيما زاد - مقدم على طلب العلم، وطلبُ علم ما يجب على المسلم عيناً مقدم على حفظ مالا يجب من القرآن وقد سئل أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية أيما طلب القرآن أو العلم أفضل؟
فأجاب: أما العلم الذي يجب على الإنسان عيناً كعلم ما أمر الله به وما نهى الله عنه فهو مقدم على حفظ مالا يجب من القرآن فإن طلب العلم الأول واجب وطلب الثاني مستحب، والواجب مقدم على المستحب.وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علماً، وهو إما باطل أو قليل النفع، وهو أيضاً مقدم في التعلم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع، فإن المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن فإنه أصل علوم الدين بخلاف ما يفعله كثير من أهل البدع من الأعاجم وغيرهم؛ حيث يشتغل أحدهم بشيء من فضول العلم من الكلام أو الجدال والخلاف أو الفروع النادرة أو التقليد الذي لا يحتاج إليه أو غرائب الحديث التي لا تثبت ولا ينتفع بها، وكثير من الرياضيات التي لا تقوم عليها حجة، ويترك حفظ القرآن الذي هو أهم من ذلك كله.
فلا بد في مثل هذه المسألة من التفصيل، والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين، والله سبحانه أعلم "
وإجابة ابن تيمية تتغافل عن أن العلم بالحلال والحرام متعلق بالعلوم المختلفة فمثلا البيع والشراء متعلق بضرورة تعلم علم الحساب ومثلا تعلم القرآن نفسه متعلق بتعلم القراءة والكتابة قبله ومثلا تعلم الصلاة من القرآن متعلق بتعلم الطفل علم النظافة من خلال التدرب على التطهر من البول والبراز وكنس مكان الصلاة والوضوء أو الاستحمام وتسريح الشعر ونظافة الملابس ومن ثم أخذ الله الأطفال بتعلم الأمور بالتدريج فلا يمكن ان نسقى الرضيع القرآن وإنما نعلمه بالتدريج القعود والوقوف والمشى وكيف يتبول ويتبرز ونعلمه نطق الكلمات ومعانيها حتى يقدر على فهم القرآن عندما يتم تعليمه مثلا بالتدريج
وذكر العلوان الاشتغال بالعلوم الأهم فقال :
"فإذا فرغ من حفظ القرآن أو حفظ ما تيسر فيشتغل بالعلوم الشرعية مبتدئاً بالأهم فالأهم، فالعلم كثير والعمر قصير فليأخذ المسلم من العلم أنفعه، وقد قال بعضهم:
ما أكثر العلم وما أوسعه! ... ... من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لا بد له طالباً ... ... محاولاً فالتمس أنفعه
وقال ابن معطي في مقدمة ألفيته:
وبَعدُ فالعلمُ جليلُ القدْرِ ... ... وفي قليلهِ نفاذُ العُمْرِ
فابدأ بما هو الأَهمُ فالأهم ... ... فالحازمُ البادي فيما يُستتم
فإنَّ مَنْ يُتقن بعضَ الفنِ ... ... يُضْطَرُ للباقي ولا يَستغْني "
ورغم أن هذه النصيحة مهمة فى مجال التعلم إلا أن الرجل أبى إلا أن يخلط ألأمور فطلب من طالب العلم تعلم العقيدة الصحيحة أولا عن طريق كتب مذهبه الوهابى فقال :
"ويقدم أصول المسائل التي يحتاج إليها في عباداته وتتكرر على غيرها مما لا يتكرر ولا يحتاج إليى أدائه فيشرع بحفظ كتاب الأصول الثلاثة لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب فقد بين فيه - ما يجب تعلمه على كل مسلم ومسلمة من أصول العلم ومهمات المسائل، فلا يسع مسلماً جهل ما في هذا الكتاب، ثم يشرع بحفظ كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ففيه بيان لجميع أنواع التوحيد، وأكثر أبوابه في توحيد الإلهية؛ لأنه الأصل الذي أرسلت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب.
ويطالع بعض شروحه كتيسير العزيز الحميد للشيخ العلامة سليمان بن عبدالله ابن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وكتاب فتح المجيد للشيخ العلامة عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ ويحفظ العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ففيها بيان لمعتقد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات. والإيمان باليوم الآخر وما يتعلق به من المسائل، وبعد ذلك الإيمان بالقدر وما يتعلق به. ثم بين حقيقة الإيمان وحكم أصحاب الكبائر ومعتقد أهل السنة في أصحاب رسول الله، (ص)ثم بين بعد ذلك معتقد أهل السنة في كرامات الأولياء، ثم ختم العقيدة في بعض صفات أهل السنة والجماعة. فلا ينبغي لطالب علم إهمال حفظها عن ظهر قلب، ولها شرح مفيد اسمه التنبيهات السنية للشيخ عبدالعزيز الرشيد فيحسن النظر فيه للاستفادة منه.ويجعل الطالب لنفسه حظاً من دارسة كتب أئمة الإسلام في العقيدة ككتاب (الرد على الجهمية للدارمي، و (السنة) لعبدالله ابن الإمام أحمد، (وشرح أصول إعتقاد أهل السنة) للالكائي، و (الإبانة) لابن بطة، وكتاب (التوحيد) لابن خزيمة و (الشريعة) للآجري، و (رسالة السجزي) إلى أهل زبيد، و (الحجة في بيان المحجة) للإمام أبي القاسم الأصبهاني، وكتب شيخ الإسلام وتلميذه العلامة ابن القيم ففيهما فوائد عذاب مع الوضوح وحسن السياق في كلامهما، فرحمهما الله رحمة واسعة. وهذا في علم التوحيد والعقيدة."
وهذا الكلام يكون مع الطلاب الكبار وأما فى مرحلة الطفولة والبلوغ فلا يمكن للطفل أن يفهم الكثير من المسائل التى تتعلق بالألوهية على وجه الخصوص ومن ثم فالأهم كما بين الله أن يتعلم أحكام التعامل فى الطفولة كالاستئذان وعدم سب أو شتم الناس أو ضربهم لأن تعلم العقيدة غير مفيدة فى مرحلة الطفولة والمراهقة لعدم الرشد الذى يتم الوصول له بعد البلوغ الجسمى بسنوات
ثم ذكر العلوان الكتب التى ينبغى لطالب العلم دراستها فى التفسير والحديث وسواهم من العلوم فقال :
طوأما في علم التفسير: فيحفظ أولاً مقدمة أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - ويطالع في دقائق التفسير لشيخ الإسلام، ويكثر من القراءة والنظر في تفسير ابن جرير، وابن كثير، والبغوي، ومعاني القرآن الكريم للإمام أبي جعفر النحاس، وأضواء البيان للشنقيطي، وغيرها من تفاسير أهل السنة، وهذه التفاسير لا تخلو من بيان علم القراءات والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وما يحتاج إليه المفسر من اللغة والنحو والتصريف، وهذه علوم لا يستغني عنها المفسر فلا ينبغي لطالب علم أن يهملها ويدع تعلمها.
وأما في الحديث فيبدأ بالأربعين النووية وتتمتها للحافظ ابن رجب ثم يحفظ عمدة الأحكام للإمام عبدالغني المقدسي مع مطالعة كتاب (إحكام الأحكام) شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد، و (تيسير العلام للشيخ البسام، ويحفظ بلوغ المرام للحافظ ابن حجر فإنه كتاب نافع وفائدته لطالب العلم كبيرة، ويقرأ شرحه سبل السلام ففيه فوائد فقهية مفيدة، ومؤلفه الصنعاني على منهج أهل الحديث في اتباع الدليل وهذا الواجب على جميع الخلق.وأهل الحديث هم أولياء بالله وحزبه وأنصار دينه وأهل طاعته وهم الطائفة المنصورة أهل السنة. والجماعة، وقد دعا لهم النبي -صلى الله عليه وسلم - بالنضارة فقال: " نضر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع " رواه الترمذي من طريق شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود يحدث عن أبيه به وسنده حسن.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله -: (إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث فكأنما، رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - جزاهم الله خيراً حفظوا لنا الأصل فلهم علينا الفضل).
كلُ العلومِ سوى القُرآنِ مشغلةُ ... ُ إلا الحديثَ وعلمَ الفقهِ في الدينِ
العلمُ ما كان فيه قال حدَّثنا وما سوى ذاك وَسْوَاسُ الشياطينِ
وإذا مَنّ الله على عبده بموهبة الحفظ والفهم فلا تقف همته على حفظ ودراسة ما تقدم.
فأقبح شيء في طالب العلم قدرته على بلوغ أسنى المقامات وأكمل الحالات فيتخلف عن ذلك.
قال المتنبي:
عجبتُ لمن له قدُّ وحَدُّ ... ... ... وينبو نَبْوَةَ القَضِمِ الكَهَامِ
ومَن يجدُ الطريقَ إلى المعالي ... ... فلا يَذرُ المطيَّ بِلاَ سَنَامِ
ولم أَرَ في عُيوبِ الناس شيئاً كنقصِ القَادرينَ على التَمامِ فأرى بعد حفظ الكتب المتقدمة البدأ بحفظ الصحيحين والسنن الأربعة بأسانيدها إلا أن يعسر ذلك عليه فيجردها من الأسانيد، فإن شق عليه حفظها كلها فيحفظ بعضها مقدماً الأهم فالأهم، فالبخاري أولى من مسلم، ومسلم أولى من كتب السنن والمسانيد. ولا يقتصر الطالب على علم الرواية دون الدراية فالتفقه في معاني الحديث نصف العلم كما قاله علي بن المديني فيما رواه عنه الخطيب وعليه بالحرص التام في معرفة الصحيح من الضعيف والتمييز بينهما، و هذا يحتاج إلى طول زمن وملازمة أهل المعرفة والتحقيق من العلماء. والأولى قبل ذلك أن يحفظ الطالب أحد المصطلحات الحديثية المختصرة كي تعينه على فهم قواعد المحدثين."
وبالطبع نصيحة العلوان بدراسة تلك الكتب وغيرها هى نصيحة غير مفيدة على الإطلاق لأنها تشتت طالب العلم تماما بين آراء الفقهاء والمفسرين والمحدثين فلا تكاد توجد مسألة لم يختلفوا فيها
ومن ثم فالمسلم يدرس كتابا واحدا فقط هو القرآن فمنه المبدأ وإليه المنتهى فدراسة كل تلك الكتب البشرية تشتت الفرد
ثم أكمل العلوان أسماء الكتب التى ينصح طالب العلم دراستها فقال :
"وأحسن المتون في هذا الباب نخبة الفكر للحافظ ابن حجر فمع اختصاره ففيه فوائد ولا غنى لطالب العلم عن دراسة الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، ومعرفة علوم الحديث للحاكم، واختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، والموقظة للذهبي، والنكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر. رحم الله الجميع.
وأما في علم الفقه : فيحفظ الدرر البهية في المسائل الفقهية، وهو متن فقهي للعلامة الشوكاني صاحب نيل الأوطار. ويطالع شرح هذا المتن لكل من الشوكاني، وابنه، وصديق خان في كتابه المفيد الروضة الندية.ن قوي على حفظ آداب المشي بجزئيه لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - فلا بأس. ولا بأس أيضاً بحفظ زاد المستقنع أو عمدة الفقه في الفقه الحنبلي، أومتن أبي شجاع في الفقه الشافعي، أو أحد المتون الفقهية في المذاهب الأخرى إذا خلا الطالب من التعصب المذهبي وتجرد من رقه، إنما قصده حفظ أصول المسائل والتفريع عليها وتصورها في الذهن، وما وافق الدليل قبله وما خالفه رده.
وأما إذا كانت همة الطالب حفظ المتون الفقهية المجردة عن الدليل للتمذهب ومعرفة قيل وقال والعمل بذلك فلا نرى ذلك وننهى من يفعله، لأن الله تعالى لم يتعبدنا بقيل وقال ولا أقوال الرجال، إنما تعبدنا بالكتاب والسنة فهما مصدر التشريع فمن جاءنا بقول يوافقهما قبل قوله ولزم العمل به ومن جاءنا يخالف كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم رد عليه قوله وإن كان القائل معظماً في نفوسنا، فلم يكتب الله العصمة لأحد من البشر غير أنبيائه ورسله.وأما في الفرائض: فيحفظ الرحبية وهو نظم مفيد سهل الفهم كثير الفائدة، وناظمه أبو عبدالله بن محمد بن علي الرحبي ويطالع حاشية ابن قاسم على الرحبية، وينظر في شرح سبط المارديني على الرحبية، وحاشية البقري على شرح المارديني وإن شاء حفظ المنظومة البرهانية في علم الفرائض، وهي منظومة مفيدة أيضاً ولها شرح مفيد اسمه وسيلة الراغبين وبغية المستفيدين للشيخ محمد ابن علي بن سلوم .
وأما في علم أصول الفقه: - وهو علم مهم لا يستغني عنه المجتهد ولا يحتاج إليه المقلد - فيحفظ متن الورقات لعبدالملك بن عبدالله بن يوسف الجويني المعروف بإمام الحرمين، وهذا المتن مع صغر حجمه إلا أن مؤلفه قد ألم بمعظم مهمات أبواب أصول الفقه، فقد ذكر أقسام الكلام والأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والأفعال والنسخ، والإجماع والقياس وغير ذلك من الفصول المفيدة التي يحتاج إليها طالب العلم.
وما لم يذكره المؤلف يمكن طلبه في حفظ بعض أبيات مراقي السعود وهو نظم في أصول الفقه فيه فوائد جليلة ولكن ناظمه أدخل فيه بعض المسائل الكلامية فيحسن حذفها وحفظ ما فيه فائدة من هذا النظم، وقد انتقيت من هذا النظم أبياتاً فليراجع هذا المنتقى ففيه المهمات، ويحسن النظر في الكوكب المنير وشرحه المسمى شرح الكوكب المنير ومطالعة المذكرة للشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان.وأما في النحو: وهو علم مهم معين على فهم القرآن والسنة فلا يسع طالب علم جهله، وقد كان ابن عمر يضرب ولده على اللحن . وقال الشعبي: النحو في العلم كالملح في الطعام. فأحسن ما يبدأ بحفظه متن الآجرومية فإنه أسهل المتون النحوية المختصرة مع مطالعة شرح الشيخ الكفراوي وحاشية الشيخ عبدالرحمن بن القاسم.
فإذا أتقن متن الآجرومية فالأولى التدرج منه إلى حفظ قطر الندى وبل الصدى للإمام أبي محمد بن هشام الأنصاري - رحمه الله - أو المقدمة الأزهرية للشيخ خالد الأزهري، فإذا حفظ هذين المتنين أو أحدهما، فالأولى الشروع في حفظ ألفية ابن مالك - رحمه الله - فإنها مغنية عن كثير من المتون النثرية والنظمية.
وهناك شروحات كثيرة للألفية منها: شرح المكودي، وشرح البهجة المرضية للسيوطي، ومؤلفا هذين الكتابين قد اعتنيا بشرح ألفاظ الألفية وبيان محتواها بشكل موجز. وهناك شروحات أضافت معلومات جديدة على ما تحتويه الألفية كشرح ابن عقيل وهو شرح متوسط ليس بالطويل ولا بالقصير، وهناك حاشية عليه مفيدة للخضري، وهناك شروح موسعة على الألفية كشرح الأشموني وعليه حاشية الصبان وشرح المرادي"
وللأسف الشديد فإن معظم تلك الكتب تشتت طالب العلم ولا تفيده خاصة أن علوم النحو واللغة ليس منها فائدة لمخالفتها القرآن فى قواعدها ومعانيها فى الغالب وكذلك كتب الفقه المذهبية التى تجعل فى بعض المسائل عشرات الآراء ولم يقل الله أن ندرس تلك الكتب بل قال شىء واحد وهو دراسة كتابه وهى لا تتم من خلال دراسة تلك الكتب لأنها لو كانت كتبا صحيحة لاتفقت كلها على مراد الله ولكن كل منها يدعى أو يزعم أن صاحب التفسير أو الرأى الصحيح خفا]ها سيصدق طالب العلم وهو يرى أن علماء المذهب الواحد فضلا عن علماء المذاهب الأخرى متفرقين
ثم نصح العلوان طالب العلم بالنصائح المعتادة مطالبا إيباه بالجد والاجتهاد فقال :
"وهذا آخر جواب السائل في بيان المتون التي ننصح طالب العلم بحفظها وإتقانها والاعتناء بها، ولا يحسن في حق طالب العلم الاشتغال عن حفظ وضبط المتون بالمطولات، وقد قيل: (من لم يتقن الأصول حرم الوصول).ونوصي طالب العلم بالجد والاجتهاد في طلب العلم والصبر والمثابرة عليه وتعهد المحفوظات بالمراجعة فمن تعهدها أمسكها، وفي إمساكها العلم الكثير، وفي إهمال وترك مراجعتها إهمال لأصل عظيم من أسباب حفظ العلم، وقد قال الإمام ابن عبد البر في التمهيد على قوله، صلى الله عليه وسلم:" إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت قال: (وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يتعاهد علمه ذهب عنه أي من كان، لأن علمهم كان ذلك. الوقت القرآن لا غير، وإذا كان القرآن الميسر للذكر يذهب إن لم يتعاهد فما ظنك بغيره من العلوم المعهودة، وخير العلوم ما ضبط أصله واستذكر فرعه، وقاد إلى الله تعالى، ودل على ما يرضاه).
ونوصي طالب العلم بالجد في تفهم المعاني والحرص على الحفظ وعدم الملل والسآمة من ذلك، فإن الحفظ رأس المال، وقد قال بعضهم (حرف في فؤادي ولا ألف في كتابي)، وقال آخر: (ليس العلم ما حواه القمطر إنما العلم ما حواه الصدر)
وقال آخر شعراً:
العلم ويحك ما في الصدر تجمعه ... ... حفظاً وفهماً وإتقاناً فداك أبي
وقد أحسن بعضهم حيث يقول:
اصبر ولا تضجر من مطلب ... ... فآفة الطالب أن يضجرا
أما ترى الحبل بتكراره ... ... في الصخرة الصماء قد أثرا"
ونصح العلوان الطالب بمصاحبة العلماء فقال :
وعلى طالب العلم ملازمة العلماء العاملين، والاستفادة من علومهم، والصبر على ما يبدر منهم إن بدر وقد أحسن الإمام الشافعي حيث يقول:
اصبر على مر الجفا من معلم
ومن لم يذق مر التعلم ساعة
ومن فاته التعليم وقت شبابه
وذات الفتى والله بالعلم والتقى
فإن رسوب العلم في نفراته
تجرع ذل الجهل طول حياته
فكبر عليه أربعاً لوفاته
إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته وعلى طالب العلم أن يحرص كل الحرص على العمل بالعلم، فعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر. وقد وصف الله اليهود بالمغضوب عليهم، لأن معهم علماً لم يعملوا به فليحذر المسلم أن يتشبه بهم:
وقد قال سفيان بن عيينة (من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى)."
والخطأ فى الكلام هو وصف اليهود فقط بالمغضوب عليهم مع أن الله غضب على كل الكفار كما قال سبحانه:
"ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم"
وحذر الطالب من طلب العلم لهدف دنيوى فقال:
"وليحذر طالب العلم الداء الدفين الذي وقع فيه كثير من أبناء هذا الزمن من طلب العلم للدنيا وحطامها، فقد جاء الخبر عن سيد البشر: " من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) رواه أبو داود وابن ماجة من حديث أبي هريرة، وفي سنده فليح بن سليمان مختلف فيه ورجح الدار قطني إرساله . وله شاهد عند الترمذي من حديث ابن عمر بلفظ: " من تعلم علماً لغير الله أو أراد به غير الله فليبتوأ مقعده من النار " وفيه نظر"
والجنون فى الحديث هو أمر الكاذب أن يتبوء مقعده من النار وقطعا الكاذب لن يذهب بنفسه النار حتى يدخلها وإنما تسوقه الملائكة فتدخله بالقوة كمما قال تعالى :
" وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا"
ثم قال :
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعت رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع "
والحديث باطل فالمجاهد فى المسلمين هو الأعلى درجة وليس من لا يؤذن له وهو من يتولى المناصب قبل غيره كما قال تعالى :
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
وأما الشفاعة فى الإسلام فلا وجود لها فى الدنيا فى الأحكام سواء لمجاهد أو غيره
ونقل عن ابم القيم كلاما فى طلب أغراض الدنيا فقال :
"قال العلامة ابن القيم (كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها، فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه في خبره وإلزامه، لأن أحكام الرب سبحانه كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس، ولا سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشهوات فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيراً، فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لهما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق ولا سيما إذا قامت له شبهة فتتفق الشبهة والشهوة، ويثور الهوى فيخفى الصواب وينطمس وجه الحق، وإن كان الحق ظاهراً لا خفاء به ولا شبهة فيه أقدم على مخالفته، وقال لي مخرج بالتوبة.
وفي هؤلاء وأشباههم قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا }
وقال تعالى فيهم أيضاً: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }
وطريق النجاة والسلامة من ذلك إخلاص العمل لله في الأقوال والأفعال والإرادات والنيات، قال تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلآَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }
والله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لله تعالى وأريد به وجهه كما في صحيح الإمام مسلم من طريق العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه "
وفي صحيح مسلم أيضاً من طريق سليمان بن يسار قال تفرق الناس عن أبي هريرة فقال له ناتل أهل الشام: أيها الشيخ، حدثنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمة فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قبيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمة فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن، ليقال قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمة فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار "
والكلام هنا عن أن طلب الحق لشىء دنيوى باطل هو كلام ليس كله صحيحا فلو كان المطلوب مثلا عدم كلام الناس فلماذا أباح الله التصدق فى العلن فقال :
"الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم"
فهناك أمور يعلم الله أن النفس تواقة لها ولو كان مطلوبا ألا يقول الناس لكانت الأحكام المطلوب تنفيذها كلها فى السر ولكن هذا غير ممكن فصلاة الجماعة يوم الجمعة تؤدى علنا ومثلا من يدفعون الزكاة لابد أن يكونوا معروفين للعاملين عليها وإلا كيف سيدفعونها ؟
المؤلف سليمان بن ناصر بن عبدالله العلوان وهو عبارة عن سؤال لطالب علم طلب من معلمه أن يكتب له أهم الكتب التى ينبغى لطالب العلم أن يقرأها ويحفظها وقد أجاب العلوان طلب طالبه فقال :
" أما بعد:.
فهذه الرسالة المختصرة جواب سؤال كتبه بعض طلبة العلم يقول فيه: (ما هي المتون في شتى الفنون التي تنصح طالب العلم أن يحفظها ويتقنها؟ وأرجو ذكر المتون بالتدرج الذي يتناسب مع الطالب المبتدئ ويفيد الطالب المنتهي).
ولما كان هذا السؤال مهماً ونافعاً والإجابة عليه مفيدة ولها أثرها على الفكره والكتاب.
ولا سيما في هذا العصر الذي انتشرت فيه الفوضوية في العلم وتوجهت همم المبتدئين للتصنيف والنقد وتذبذبوا قبل أن يتحصرموا وتصدروا للتدريس والفتوى قبل أن يصدروا وقد قال أبو الحسن علي بن أحمد المعروف بالفالي
تصدر للتدريس كل مهوس ... بليد تسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ... ببيتٍ قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هزلها ... ... كلاها وحتى سامها كل مفلس
فلهذه وغيره رسمت في هذه بالإجابة طريقة الطلب للعود بالفوضويين المتعالمين إلى اليقظة العلمية الصحيحة والأخذ بحجزهم عن الوقوع في عتبة القول على الله بلا علم"
وكما هى عادة الفقهاء يقرون مقولة باطلة وهى أن العلم لا يؤخذ من الكتب فقط وإنما لابد له معه من المعلمين فيقول :
ولثلةٍ تطمح في الرقي وأخذ العلم من مظانه والبدء بالتدرج في أساسيات العلم على أيدي العلماء العاملين والفقهاء المجتهدين المعنيين بضبط قواعد الحلال والحرام فالعلم لا يؤخذ عن الكتب دون التلقي عن هؤلاء. وقد حرم العلم من دخل فيه بلا عالم يرشده وقد قيل (من دخل في العلم وحده خرج وحده).وهذا حق فمن خاض في بحار العلم بلا أستاذ عالم وفقيه خريت خرج منه بلا علم ولا تحصيل بل اكتسب التعالم وقلة الأدب والتطاول على الأئمة فإياك أن تكون من هؤلاء المتضلعين بالجهل فتهلك الحرث والنسل وتبيح الفروج المحرمة وتحرم الفروج المباحة."
والعلم يؤخذ من أى مصدر له كالكتب والمعلمين والتجربة والخطأ والتفكير وتلك المقولة الباطلة لو كانت صحيحة فالرسل(ص) معظمهم لم يتعلموا على أيدى معلمين فإبراهيم(ص) خرج على قومه الكفار معلمين وسواهم وكذب علمهم من خلال تفكيره فى خلق الله حتى وصل للوحدانية ولم يكن هذا من خلال الكتب ولا من خلال المعلمين وإنما هى القلب السليم الذى يفكر
واستهل العلوان إجابته بوجوب حفظ القرآن وتعلمه فقال :
"وقد ذكرت في هذه الإجابة جملة من المحفوظات في مختلف العلوم وجهدت ألا أذكر شيئاً يقف عقبة وحاجزاً عن نيل العلم وتحصيله وضبطه وحفظه والله سبحانه وتعالى هو الموفق والمعين.
فأقول ومن الله استمد العون والصواب الأولى في حق طالب العلم تقديم تعلم القرآن وحفظه فإن ذلك أفضلُ ما أُتي العبد فالقرأن شفيع يوم القيامة ودليل إلى الجنة وأهله هم أهل الله وخاصته.
وقد جاءت الأخبار الصحاح في فضل قارئ القرآن ومعلمه ففي صحيح البخاري من طريق أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان عن النبي (ص)قال: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " .
وفي صحيح الإمام مسلم من طريق عامر بن واثلة أن نافع بن عبدالحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا، قال: إنه قارئ لكتاب الله - عز وجل - وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم(ص)قد قال: " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين " "
وهذا الحديث لا يصح مع صحة معنى أن العلم بالوحى يرفع صاحبه لمناصب الولاية كما قال تعالى"وزاده بصطة فى العلم والجسم"
والسبب فى عدم صحته هو أن المناصب لا تولى من قبل حكام وإنما تكون بالشورى كما قال سبحانه:
" وأمرهم شورى بينهم"
ثم قال :
"وعلى طالب العلم أن يحرص كل الحرص على قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه فالعلم كله في القرآن.
وحفظ القليل من القرآن مع التدبر والتفكر والعمل به خير من حفظ الكثير بغير تدبر ولا تفهم ولا عمل.
وقوله، (ص)فيما تقدم: " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين " هذا إذا عمل بمحكمه وآمن بمتشابهه، وأحل حلاله وحرم حرامه، أما إذا ضيع أوامره وارتكب نواهيه فليس له حظ مما دل عليه الحديث، وقد روى ابن حبان بسند حسن من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي، (ص)قال: " القرآن شافع مشفع وما حل مصدق، من جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار ""
والحديث لا يصح فالقرآن لا يشفع لأحد لأن الشفعاء هم الملائكة والرسل كما قال تعالى"ولا يشفعون إلا لمن ارتضى"
ثم قال :
فإن حفظ القرآن كله فقد نال أفضل الأعمال وأسنى المقامات، فإن عسر عليه حفظ القرآن كله فليحفظ ما يقدر عليه بعد حفظ الواجب، وليحرص كل الحرص على حفظ ما يمكن حفظه، وليكن اعتناؤه بالسور التي جاءت فيها فضائل كالبقرة وآل عمران. وقد جاء فيهما خبر عظيم، ففي صحيح الإمام مسلم من طريق معاوية بن سلاّم عن زيد أنه سمع أبا سلاّم يقول حدثني أبو أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله، (ص)يقول: " اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة "
والحديث لا يصح للتناقض بين قراءة القرآن كله وبين قراءة سورتين منه فالمطلوب حسب القرآن قراءته حسب ما يتيسر وليس سور محددة منه كما قال قال تعالى:
"فاقرءوا ما تيسر من القرآن"
وهذا الحديث عن كون سورتين شفيعتان تحاجان عن حافظهما تعارض الحديث السابق الذى يعتبر القرآن ككل شافع واحد بقوله "القرآن شافع مشفع"
ويناقض الحديث القرآن فى مجىء الإنسان وحده ليس مع شىء فى قوله تعالى "وكلهم آتيه يوم القيامة فردا" بينما الرواية تقول بمجىء السور كأنهم سحب أو فرق طير
ثم قال :
"وحفظ ما يجب من القرآن و الواجب الفاتحة واختلف فيما زاد - مقدم على طلب العلم، وطلبُ علم ما يجب على المسلم عيناً مقدم على حفظ مالا يجب من القرآن وقد سئل أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية أيما طلب القرآن أو العلم أفضل؟
فأجاب: أما العلم الذي يجب على الإنسان عيناً كعلم ما أمر الله به وما نهى الله عنه فهو مقدم على حفظ مالا يجب من القرآن فإن طلب العلم الأول واجب وطلب الثاني مستحب، والواجب مقدم على المستحب.وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علماً، وهو إما باطل أو قليل النفع، وهو أيضاً مقدم في التعلم في حق من يريد أن يتعلم علم الدين من الأصول والفروع، فإن المشروع في حق مثل هذا في هذه الأوقات أن يبدأ بحفظ القرآن فإنه أصل علوم الدين بخلاف ما يفعله كثير من أهل البدع من الأعاجم وغيرهم؛ حيث يشتغل أحدهم بشيء من فضول العلم من الكلام أو الجدال والخلاف أو الفروع النادرة أو التقليد الذي لا يحتاج إليه أو غرائب الحديث التي لا تثبت ولا ينتفع بها، وكثير من الرياضيات التي لا تقوم عليها حجة، ويترك حفظ القرآن الذي هو أهم من ذلك كله.
فلا بد في مثل هذه المسألة من التفصيل، والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين، والله سبحانه أعلم "
وإجابة ابن تيمية تتغافل عن أن العلم بالحلال والحرام متعلق بالعلوم المختلفة فمثلا البيع والشراء متعلق بضرورة تعلم علم الحساب ومثلا تعلم القرآن نفسه متعلق بتعلم القراءة والكتابة قبله ومثلا تعلم الصلاة من القرآن متعلق بتعلم الطفل علم النظافة من خلال التدرب على التطهر من البول والبراز وكنس مكان الصلاة والوضوء أو الاستحمام وتسريح الشعر ونظافة الملابس ومن ثم أخذ الله الأطفال بتعلم الأمور بالتدريج فلا يمكن ان نسقى الرضيع القرآن وإنما نعلمه بالتدريج القعود والوقوف والمشى وكيف يتبول ويتبرز ونعلمه نطق الكلمات ومعانيها حتى يقدر على فهم القرآن عندما يتم تعليمه مثلا بالتدريج
وذكر العلوان الاشتغال بالعلوم الأهم فقال :
"فإذا فرغ من حفظ القرآن أو حفظ ما تيسر فيشتغل بالعلوم الشرعية مبتدئاً بالأهم فالأهم، فالعلم كثير والعمر قصير فليأخذ المسلم من العلم أنفعه، وقد قال بعضهم:
ما أكثر العلم وما أوسعه! ... ... من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لا بد له طالباً ... ... محاولاً فالتمس أنفعه
وقال ابن معطي في مقدمة ألفيته:
وبَعدُ فالعلمُ جليلُ القدْرِ ... ... وفي قليلهِ نفاذُ العُمْرِ
فابدأ بما هو الأَهمُ فالأهم ... ... فالحازمُ البادي فيما يُستتم
فإنَّ مَنْ يُتقن بعضَ الفنِ ... ... يُضْطَرُ للباقي ولا يَستغْني "
ورغم أن هذه النصيحة مهمة فى مجال التعلم إلا أن الرجل أبى إلا أن يخلط ألأمور فطلب من طالب العلم تعلم العقيدة الصحيحة أولا عن طريق كتب مذهبه الوهابى فقال :
"ويقدم أصول المسائل التي يحتاج إليها في عباداته وتتكرر على غيرها مما لا يتكرر ولا يحتاج إليى أدائه فيشرع بحفظ كتاب الأصول الثلاثة لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب فقد بين فيه - ما يجب تعلمه على كل مسلم ومسلمة من أصول العلم ومهمات المسائل، فلا يسع مسلماً جهل ما في هذا الكتاب، ثم يشرع بحفظ كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ففيه بيان لجميع أنواع التوحيد، وأكثر أبوابه في توحيد الإلهية؛ لأنه الأصل الذي أرسلت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب.
ويطالع بعض شروحه كتيسير العزيز الحميد للشيخ العلامة سليمان بن عبدالله ابن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وكتاب فتح المجيد للشيخ العلامة عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ ويحفظ العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية ففيها بيان لمعتقد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات. والإيمان باليوم الآخر وما يتعلق به من المسائل، وبعد ذلك الإيمان بالقدر وما يتعلق به. ثم بين حقيقة الإيمان وحكم أصحاب الكبائر ومعتقد أهل السنة في أصحاب رسول الله، (ص)ثم بين بعد ذلك معتقد أهل السنة في كرامات الأولياء، ثم ختم العقيدة في بعض صفات أهل السنة والجماعة. فلا ينبغي لطالب علم إهمال حفظها عن ظهر قلب، ولها شرح مفيد اسمه التنبيهات السنية للشيخ عبدالعزيز الرشيد فيحسن النظر فيه للاستفادة منه.ويجعل الطالب لنفسه حظاً من دارسة كتب أئمة الإسلام في العقيدة ككتاب (الرد على الجهمية للدارمي، و (السنة) لعبدالله ابن الإمام أحمد، (وشرح أصول إعتقاد أهل السنة) للالكائي، و (الإبانة) لابن بطة، وكتاب (التوحيد) لابن خزيمة و (الشريعة) للآجري، و (رسالة السجزي) إلى أهل زبيد، و (الحجة في بيان المحجة) للإمام أبي القاسم الأصبهاني، وكتب شيخ الإسلام وتلميذه العلامة ابن القيم ففيهما فوائد عذاب مع الوضوح وحسن السياق في كلامهما، فرحمهما الله رحمة واسعة. وهذا في علم التوحيد والعقيدة."
وهذا الكلام يكون مع الطلاب الكبار وأما فى مرحلة الطفولة والبلوغ فلا يمكن للطفل أن يفهم الكثير من المسائل التى تتعلق بالألوهية على وجه الخصوص ومن ثم فالأهم كما بين الله أن يتعلم أحكام التعامل فى الطفولة كالاستئذان وعدم سب أو شتم الناس أو ضربهم لأن تعلم العقيدة غير مفيدة فى مرحلة الطفولة والمراهقة لعدم الرشد الذى يتم الوصول له بعد البلوغ الجسمى بسنوات
ثم ذكر العلوان الكتب التى ينبغى لطالب العلم دراستها فى التفسير والحديث وسواهم من العلوم فقال :
طوأما في علم التفسير: فيحفظ أولاً مقدمة أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - ويطالع في دقائق التفسير لشيخ الإسلام، ويكثر من القراءة والنظر في تفسير ابن جرير، وابن كثير، والبغوي، ومعاني القرآن الكريم للإمام أبي جعفر النحاس، وأضواء البيان للشنقيطي، وغيرها من تفاسير أهل السنة، وهذه التفاسير لا تخلو من بيان علم القراءات والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وما يحتاج إليه المفسر من اللغة والنحو والتصريف، وهذه علوم لا يستغني عنها المفسر فلا ينبغي لطالب علم أن يهملها ويدع تعلمها.
وأما في الحديث فيبدأ بالأربعين النووية وتتمتها للحافظ ابن رجب ثم يحفظ عمدة الأحكام للإمام عبدالغني المقدسي مع مطالعة كتاب (إحكام الأحكام) شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد، و (تيسير العلام للشيخ البسام، ويحفظ بلوغ المرام للحافظ ابن حجر فإنه كتاب نافع وفائدته لطالب العلم كبيرة، ويقرأ شرحه سبل السلام ففيه فوائد فقهية مفيدة، ومؤلفه الصنعاني على منهج أهل الحديث في اتباع الدليل وهذا الواجب على جميع الخلق.وأهل الحديث هم أولياء بالله وحزبه وأنصار دينه وأهل طاعته وهم الطائفة المنصورة أهل السنة. والجماعة، وقد دعا لهم النبي -صلى الله عليه وسلم - بالنضارة فقال: " نضر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع " رواه الترمذي من طريق شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود يحدث عن أبيه به وسنده حسن.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله -: (إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث فكأنما، رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - جزاهم الله خيراً حفظوا لنا الأصل فلهم علينا الفضل).
كلُ العلومِ سوى القُرآنِ مشغلةُ ... ُ إلا الحديثَ وعلمَ الفقهِ في الدينِ
العلمُ ما كان فيه قال حدَّثنا وما سوى ذاك وَسْوَاسُ الشياطينِ
وإذا مَنّ الله على عبده بموهبة الحفظ والفهم فلا تقف همته على حفظ ودراسة ما تقدم.
فأقبح شيء في طالب العلم قدرته على بلوغ أسنى المقامات وأكمل الحالات فيتخلف عن ذلك.
قال المتنبي:
عجبتُ لمن له قدُّ وحَدُّ ... ... ... وينبو نَبْوَةَ القَضِمِ الكَهَامِ
ومَن يجدُ الطريقَ إلى المعالي ... ... فلا يَذرُ المطيَّ بِلاَ سَنَامِ
ولم أَرَ في عُيوبِ الناس شيئاً كنقصِ القَادرينَ على التَمامِ فأرى بعد حفظ الكتب المتقدمة البدأ بحفظ الصحيحين والسنن الأربعة بأسانيدها إلا أن يعسر ذلك عليه فيجردها من الأسانيد، فإن شق عليه حفظها كلها فيحفظ بعضها مقدماً الأهم فالأهم، فالبخاري أولى من مسلم، ومسلم أولى من كتب السنن والمسانيد. ولا يقتصر الطالب على علم الرواية دون الدراية فالتفقه في معاني الحديث نصف العلم كما قاله علي بن المديني فيما رواه عنه الخطيب وعليه بالحرص التام في معرفة الصحيح من الضعيف والتمييز بينهما، و هذا يحتاج إلى طول زمن وملازمة أهل المعرفة والتحقيق من العلماء. والأولى قبل ذلك أن يحفظ الطالب أحد المصطلحات الحديثية المختصرة كي تعينه على فهم قواعد المحدثين."
وبالطبع نصيحة العلوان بدراسة تلك الكتب وغيرها هى نصيحة غير مفيدة على الإطلاق لأنها تشتت طالب العلم تماما بين آراء الفقهاء والمفسرين والمحدثين فلا تكاد توجد مسألة لم يختلفوا فيها
ومن ثم فالمسلم يدرس كتابا واحدا فقط هو القرآن فمنه المبدأ وإليه المنتهى فدراسة كل تلك الكتب البشرية تشتت الفرد
ثم أكمل العلوان أسماء الكتب التى ينصح طالب العلم دراستها فقال :
"وأحسن المتون في هذا الباب نخبة الفكر للحافظ ابن حجر فمع اختصاره ففيه فوائد ولا غنى لطالب العلم عن دراسة الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي، ومعرفة علوم الحديث للحاكم، واختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، والموقظة للذهبي، والنكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر. رحم الله الجميع.
وأما في علم الفقه : فيحفظ الدرر البهية في المسائل الفقهية، وهو متن فقهي للعلامة الشوكاني صاحب نيل الأوطار. ويطالع شرح هذا المتن لكل من الشوكاني، وابنه، وصديق خان في كتابه المفيد الروضة الندية.ن قوي على حفظ آداب المشي بجزئيه لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - فلا بأس. ولا بأس أيضاً بحفظ زاد المستقنع أو عمدة الفقه في الفقه الحنبلي، أومتن أبي شجاع في الفقه الشافعي، أو أحد المتون الفقهية في المذاهب الأخرى إذا خلا الطالب من التعصب المذهبي وتجرد من رقه، إنما قصده حفظ أصول المسائل والتفريع عليها وتصورها في الذهن، وما وافق الدليل قبله وما خالفه رده.
وأما إذا كانت همة الطالب حفظ المتون الفقهية المجردة عن الدليل للتمذهب ومعرفة قيل وقال والعمل بذلك فلا نرى ذلك وننهى من يفعله، لأن الله تعالى لم يتعبدنا بقيل وقال ولا أقوال الرجال، إنما تعبدنا بالكتاب والسنة فهما مصدر التشريع فمن جاءنا بقول يوافقهما قبل قوله ولزم العمل به ومن جاءنا يخالف كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم رد عليه قوله وإن كان القائل معظماً في نفوسنا، فلم يكتب الله العصمة لأحد من البشر غير أنبيائه ورسله.وأما في الفرائض: فيحفظ الرحبية وهو نظم مفيد سهل الفهم كثير الفائدة، وناظمه أبو عبدالله بن محمد بن علي الرحبي ويطالع حاشية ابن قاسم على الرحبية، وينظر في شرح سبط المارديني على الرحبية، وحاشية البقري على شرح المارديني وإن شاء حفظ المنظومة البرهانية في علم الفرائض، وهي منظومة مفيدة أيضاً ولها شرح مفيد اسمه وسيلة الراغبين وبغية المستفيدين للشيخ محمد ابن علي بن سلوم .
وأما في علم أصول الفقه: - وهو علم مهم لا يستغني عنه المجتهد ولا يحتاج إليه المقلد - فيحفظ متن الورقات لعبدالملك بن عبدالله بن يوسف الجويني المعروف بإمام الحرمين، وهذا المتن مع صغر حجمه إلا أن مؤلفه قد ألم بمعظم مهمات أبواب أصول الفقه، فقد ذكر أقسام الكلام والأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والأفعال والنسخ، والإجماع والقياس وغير ذلك من الفصول المفيدة التي يحتاج إليها طالب العلم.
وما لم يذكره المؤلف يمكن طلبه في حفظ بعض أبيات مراقي السعود وهو نظم في أصول الفقه فيه فوائد جليلة ولكن ناظمه أدخل فيه بعض المسائل الكلامية فيحسن حذفها وحفظ ما فيه فائدة من هذا النظم، وقد انتقيت من هذا النظم أبياتاً فليراجع هذا المنتقى ففيه المهمات، ويحسن النظر في الكوكب المنير وشرحه المسمى شرح الكوكب المنير ومطالعة المذكرة للشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان.وأما في النحو: وهو علم مهم معين على فهم القرآن والسنة فلا يسع طالب علم جهله، وقد كان ابن عمر يضرب ولده على اللحن . وقال الشعبي: النحو في العلم كالملح في الطعام. فأحسن ما يبدأ بحفظه متن الآجرومية فإنه أسهل المتون النحوية المختصرة مع مطالعة شرح الشيخ الكفراوي وحاشية الشيخ عبدالرحمن بن القاسم.
فإذا أتقن متن الآجرومية فالأولى التدرج منه إلى حفظ قطر الندى وبل الصدى للإمام أبي محمد بن هشام الأنصاري - رحمه الله - أو المقدمة الأزهرية للشيخ خالد الأزهري، فإذا حفظ هذين المتنين أو أحدهما، فالأولى الشروع في حفظ ألفية ابن مالك - رحمه الله - فإنها مغنية عن كثير من المتون النثرية والنظمية.
وهناك شروحات كثيرة للألفية منها: شرح المكودي، وشرح البهجة المرضية للسيوطي، ومؤلفا هذين الكتابين قد اعتنيا بشرح ألفاظ الألفية وبيان محتواها بشكل موجز. وهناك شروحات أضافت معلومات جديدة على ما تحتويه الألفية كشرح ابن عقيل وهو شرح متوسط ليس بالطويل ولا بالقصير، وهناك حاشية عليه مفيدة للخضري، وهناك شروح موسعة على الألفية كشرح الأشموني وعليه حاشية الصبان وشرح المرادي"
وللأسف الشديد فإن معظم تلك الكتب تشتت طالب العلم ولا تفيده خاصة أن علوم النحو واللغة ليس منها فائدة لمخالفتها القرآن فى قواعدها ومعانيها فى الغالب وكذلك كتب الفقه المذهبية التى تجعل فى بعض المسائل عشرات الآراء ولم يقل الله أن ندرس تلك الكتب بل قال شىء واحد وهو دراسة كتابه وهى لا تتم من خلال دراسة تلك الكتب لأنها لو كانت كتبا صحيحة لاتفقت كلها على مراد الله ولكن كل منها يدعى أو يزعم أن صاحب التفسير أو الرأى الصحيح خفا]ها سيصدق طالب العلم وهو يرى أن علماء المذهب الواحد فضلا عن علماء المذاهب الأخرى متفرقين
ثم نصح العلوان طالب العلم بالنصائح المعتادة مطالبا إيباه بالجد والاجتهاد فقال :
"وهذا آخر جواب السائل في بيان المتون التي ننصح طالب العلم بحفظها وإتقانها والاعتناء بها، ولا يحسن في حق طالب العلم الاشتغال عن حفظ وضبط المتون بالمطولات، وقد قيل: (من لم يتقن الأصول حرم الوصول).ونوصي طالب العلم بالجد والاجتهاد في طلب العلم والصبر والمثابرة عليه وتعهد المحفوظات بالمراجعة فمن تعهدها أمسكها، وفي إمساكها العلم الكثير، وفي إهمال وترك مراجعتها إهمال لأصل عظيم من أسباب حفظ العلم، وقد قال الإمام ابن عبد البر في التمهيد على قوله، صلى الله عليه وسلم:" إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت قال: (وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يتعاهد علمه ذهب عنه أي من كان، لأن علمهم كان ذلك. الوقت القرآن لا غير، وإذا كان القرآن الميسر للذكر يذهب إن لم يتعاهد فما ظنك بغيره من العلوم المعهودة، وخير العلوم ما ضبط أصله واستذكر فرعه، وقاد إلى الله تعالى، ودل على ما يرضاه).
ونوصي طالب العلم بالجد في تفهم المعاني والحرص على الحفظ وعدم الملل والسآمة من ذلك، فإن الحفظ رأس المال، وقد قال بعضهم (حرف في فؤادي ولا ألف في كتابي)، وقال آخر: (ليس العلم ما حواه القمطر إنما العلم ما حواه الصدر)
وقال آخر شعراً:
العلم ويحك ما في الصدر تجمعه ... ... حفظاً وفهماً وإتقاناً فداك أبي
وقد أحسن بعضهم حيث يقول:
اصبر ولا تضجر من مطلب ... ... فآفة الطالب أن يضجرا
أما ترى الحبل بتكراره ... ... في الصخرة الصماء قد أثرا"
ونصح العلوان الطالب بمصاحبة العلماء فقال :
وعلى طالب العلم ملازمة العلماء العاملين، والاستفادة من علومهم، والصبر على ما يبدر منهم إن بدر وقد أحسن الإمام الشافعي حيث يقول:
اصبر على مر الجفا من معلم
ومن لم يذق مر التعلم ساعة
ومن فاته التعليم وقت شبابه
وذات الفتى والله بالعلم والتقى
فإن رسوب العلم في نفراته
تجرع ذل الجهل طول حياته
فكبر عليه أربعاً لوفاته
إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته وعلى طالب العلم أن يحرص كل الحرص على العمل بالعلم، فعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر. وقد وصف الله اليهود بالمغضوب عليهم، لأن معهم علماً لم يعملوا به فليحذر المسلم أن يتشبه بهم:
وقد قال سفيان بن عيينة (من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى)."
والخطأ فى الكلام هو وصف اليهود فقط بالمغضوب عليهم مع أن الله غضب على كل الكفار كما قال سبحانه:
"ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم"
وحذر الطالب من طلب العلم لهدف دنيوى فقال:
"وليحذر طالب العلم الداء الدفين الذي وقع فيه كثير من أبناء هذا الزمن من طلب العلم للدنيا وحطامها، فقد جاء الخبر عن سيد البشر: " من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله - عز وجل - لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة) رواه أبو داود وابن ماجة من حديث أبي هريرة، وفي سنده فليح بن سليمان مختلف فيه ورجح الدار قطني إرساله . وله شاهد عند الترمذي من حديث ابن عمر بلفظ: " من تعلم علماً لغير الله أو أراد به غير الله فليبتوأ مقعده من النار " وفيه نظر"
والجنون فى الحديث هو أمر الكاذب أن يتبوء مقعده من النار وقطعا الكاذب لن يذهب بنفسه النار حتى يدخلها وإنما تسوقه الملائكة فتدخله بالقوة كمما قال تعالى :
" وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا"
ثم قال :
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعت رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع "
والحديث باطل فالمجاهد فى المسلمين هو الأعلى درجة وليس من لا يؤذن له وهو من يتولى المناصب قبل غيره كما قال تعالى :
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
وأما الشفاعة فى الإسلام فلا وجود لها فى الدنيا فى الأحكام سواء لمجاهد أو غيره
ونقل عن ابم القيم كلاما فى طلب أغراض الدنيا فقال :
"قال العلامة ابن القيم (كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها، فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه في خبره وإلزامه، لأن أحكام الرب سبحانه كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس، ولا سيما أهل الرياسة والذين يتبعون الشهوات فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيراً، فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لهما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق ولا سيما إذا قامت له شبهة فتتفق الشبهة والشهوة، ويثور الهوى فيخفى الصواب وينطمس وجه الحق، وإن كان الحق ظاهراً لا خفاء به ولا شبهة فيه أقدم على مخالفته، وقال لي مخرج بالتوبة.
وفي هؤلاء وأشباههم قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا }
وقال تعالى فيهم أيضاً: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }
وطريق النجاة والسلامة من ذلك إخلاص العمل لله في الأقوال والأفعال والإرادات والنيات، قال تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلآَ أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }
والله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لله تعالى وأريد به وجهه كما في صحيح الإمام مسلم من طريق العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه "
وفي صحيح مسلم أيضاً من طريق سليمان بن يسار قال تفرق الناس عن أبي هريرة فقال له ناتل أهل الشام: أيها الشيخ، حدثنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمة فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قبيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمة فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن، ليقال قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمة فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار "
والكلام هنا عن أن طلب الحق لشىء دنيوى باطل هو كلام ليس كله صحيحا فلو كان المطلوب مثلا عدم كلام الناس فلماذا أباح الله التصدق فى العلن فقال :
"الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم"
فهناك أمور يعلم الله أن النفس تواقة لها ولو كان مطلوبا ألا يقول الناس لكانت الأحكام المطلوب تنفيذها كلها فى السر ولكن هذا غير ممكن فصلاة الجماعة يوم الجمعة تؤدى علنا ومثلا من يدفعون الزكاة لابد أن يكونوا معروفين للعاملين عليها وإلا كيف سيدفعونها ؟