رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب الإنصاف في تمييز الأوقاف
الكتاب من تأليف السيوطى وهو إجابة على سؤال فى الأوقاف هو:
مسألة - أمير وقف خانقاه ورتب بها شيخا وصوفية وجعل لهم دراهم وزيتا وصابونا وخبزا ولحما فضاق الوقف فهل يقدم الشيخ على الصوفية أو يصرف بينهم بالمحاصة وهل يقتصر على صنف من الأصناف التي عينها الواقف ويترك الباقي أو يأخذون من جميع الأصناف التي عينها الواقف بالمحاصة وهل تجوز الاستنابة في شيء من الوظائف أم لا.
وكانت الفتوى الصادرة من السيوطى هى:
"الجواب - أقول أولا وبالله التوفيق:
الأوقاف قسمان قسم ليس مأخذه من بيت المال ولا مرجعه إليه وهذا الوقف مبناه على التشديد والتحريص لا يجوز تناول ذرة منه إلا مع استيفاء ما شرطه الواقف لأنه مال أجنبي لم يخرج عن ملكه إلا على وجه مخصوص بالشرط المذكور
وقسم مأخذه من بيت المال بأن يكون واقفه خليفة أم ملكا من الملوك السابقة كصلاح الدين بن أيوب وأقاربه، أو مرجعه إلى بيت المال كأوقاف أمراء الدولة القلاوونية ومن بعدهم إلى زماننا هذا وإنما قلنا إن مرجعه إلى بيت المال لأن واقفيه أرقاء بين المال وفي ثبوت عتقهم نظر "
هنا يصنف السيوطى الأوقاف المتواجدة فى بلادنا إلى أوقاف محللة وهى من صنعها بعض المسلمين من أموالهم الحلال وأوقاف محرمة وهى من صنعها الحكام من أموال الشعب ممثلا فى بيت المال ومن ثم فهى وقف ممن من لا يملك والأصل فى الوقف أن يكون الواقف مالكه وأوقاف الحكام ليست من أموالهم الخاصة وإنما من اموال الشعب
والوقف فى الوحى هو حبس المال لتصرف منافعه فى سبيل الله
وهو إما هبة من الواقف إذا كان حيا وهو من باب قوله تعالى بسورة المائدة :
"وتعاونوا على البر والتقوى "
وإما وصية من الواقف إذا حضرته الوفاة أو قبلها كما قال تعالى بسورة النساء :
" من بعد وصية يوصى بها "
ولا شروط فى الوقف من قبل الشرع سوى ألا يكون أذى للورثة كما قال تعالى بسورة النساء :
" من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار"
وأن يكون الشىء الموقوف مباح وليس محرم كما قال تعالى بسورة البقرة :
"أنفقوا من طيبات ما كسبتم "
والشروط يضعها الواقف حسبما يريد فهو قد يجعل الوقف عاما أى يستفيد منه كل الناس المسمين بالفقراء أو اليتامى أو غير ذلك من غير تحديد وقد يجعل الوقف خاصا أى قاصرا على ناس محددين مثل ذريته أو قائمين على عمل ما فى مكان ما وعلى متولى الوقف تنفيذها والحفاظ على الوقف وهو محرم فى الدولة الإسلامية إلا فى المال النقدى جائز فى غيرها من الدول فى الكل
وقد قام السيوطى بجمع بعض المسائل المشابهة للمسألة فى أوقاف المماليك الحكام ومنها:
"وقد ذكر الشيخ تاج الدين بن السبكي في واقعة وقعت بعد السبعمائة وهي عبد انتهى الملك فيه لبيت المال فأراد شراء نفسه من وكيل بيت المال فأفتى جماعة بالمنع لأن ذلك عقد عتاقة وعبد بيت المال لا يجوز عتقه وأفتى آخرون بالجواز لأنه عقد بعوض لا مجانا فلم يضع منه على بيت المال شيء واختار ابن السبكي هذا الثاني أورده في الترشيح فإذا اختلف في جواز العتق بعوض فما ظنك به بغير عوض وإنما لم ينص متقدمو الأصحاب على هذه المسألة بخصوصها لأنها لم تعم بها البلوى في زمنهم وإنما كثر ذلك بعد الستمائة"
والغرض من ذكر تلك الحالة وهى أن العبد المملوك ليس له مال خاص به ومن ثم ما يفعله من وقف غير ممكن لأن المال ليس ماله فهو مال الله كما قال تعالى "وأتوهم من مال الله الذى أتاكم"
ونقل السيوطى حكاية عمر بن عبد العزيز مع أحد أبناء عمومته الذى اعتبره عبد لكون ابن أمة لبيت المال اغتصبها الحاكم وأولدها هذا القريب فقال:
"وقد قام الشيخ عز الدين بن عبد السلام - لما حدث ذلك في زمنه - القومة الكبرى في بيع الأمراء وقال هؤلاء عبيد بيت المال ولا يصح عندي عتقهم، وروى الحافظ أبو القاسم ابن عساكر بسنده عن عمر بن عبد العزيز أنه دخل إليه بعض أولاد خلفاء بني أمية فقال له أعطني حقي من بيت المال فقال له عمر ما أحوجك إلى أن أبيعك وأصرف ثمنك في مصالح المسلمين قال وكيف قال لأن أباك وهو خليفة أخذ أمك من رقيق بيت المال واستولدها إياك ولم يكن له ذلك فهو زان وأنت عبد بيت المال"
وبالقطع الحكاية كاذبة فلم يكن هناك وجود واقعى لخلفاء بنى أمية ودولتهم المزعومة كما أن الاتهام بالزنى يحتاج لشهود أربع
وحكى الرجل قصة المملوك العالم الذى رفض عتق الملك المملوك هو الأخر له لعدم صحة عتقه له وهى:
"وفي طبقات الحنفية في ترجمة بعض علمائهم أنه كان من مماليك الخليفة الناصر فاشتغل بالعلم وبرع وصار إماما قائما بالتدريس والإفتاء فأرسل إليه الخليفة الناصر بعتقه وقال له إنك قائم بنفع المسلمين فرد إليه العتاقة وقال أنا عبد بيت المال فلا يصح عتقي"
ونلاحظ أن السيوطى ومن سبقوه يحرمون أو يمنعون عتق مماليك أو عبيد بيت المال فى الفقرات السابقة والفقرة التالية:
" فإن قال قائل فقد ذكر الأصحاب في الأسير أن الإمام يتخير فيه بين القتل والمن والاسترقاق قلنا لا يصح القياس على مسألة الأسير لأنه يجوز تفويته بالقتل فبالمن أولى ولأنه لم يسرف فيه شيء من بيت المال بخلاف هذا الذي اشترى بثمن منه، وأيضا فقد نص الأصحاب على أنه ليس للإمام ذلك في الأسير بالتشهي بل ينظر ما تقتضيه المصلحة فيفعله وثبوت المصلحة في عتق هذا الجم الغفير من مماليك بيت المال متعذر أو متعسر وإن وجدت في واحد أو عشرة أو مائة لا توجد في ألوف مؤلفة وأي مصلحة في عتقهم وجميع ما يراد منهم يمكنهم فعله مع الرق، إذا عرف ذلك عرف أن مرجع ما بأيديهم إلى أنه مال بيت المال فهذا القسم من الأوقاف مبناه على المسامحة والترخيص لأن لكل من العلماء وطلبة العلم من الاستحقاق في بيت المال أضعاف ما يأخذونه منهم"
وهو موقف غريب من القوم فالوحى ينادى بعتق العبيد من قبل الأفراد فيقول :
"وما أدراك ما العقبة فك رقبة" فما بالنا إذا كانوا عبيد المجتمع أى دولة المسلمين ؟فالمفروض هو عتقهم جميعا على الفور عندما يدخلون فى ملكية المسلمين ما لم يكونوا أسرى حرب فهؤلاء يتوقف عتقهم أى اطلاق سراحهم على توقف الحرب كما قال تعالى " فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا "
وحكى السيوطى أن طلبة العلم لهم الأكل من الأوقاف فقال:
" والدليل على هذه التفرقة أمور منها أن الشيخ ولي الدين العراقي لما حكى قول السبكي في إعطاء وظيفة العالم والفقيه لولده الصغير فرق بين الأوقاف الخاصة والتي ما أخذها من بيت المال وأظن الأذرعي سبقه إلى ذلك، ومنها أنه وقع في بعض كلام البلقيني التصريح بأن طلبة العلم يأكلون من هذه الأوقاف الموجودة الآن على وجه أنهم يستحقون من بيت المال ذلك وأكثر منه ذكر ذلك في مجلس عقد بسبب ذلك أيام الظاهر برقوق، ومنها أنك إذا تأملت فتاوى النووي وابن الصلاح وجدتهما يشددان في الأوقاف غاية التشديد وإذا تأملت فتاوى السبكي والبلقيني وسائر المتأخرين وجدتهم يرخصون ويسهلون وليس ذلك منهم لمخالفة للنووي بل كل تكلم بحسب الواقع في زمنه فإن غالب الأوقاف التي كانت في زمن النووي وابن الصلاح كانت خاصة وإنما حدثت أوقاف الأتراك في أواخر القرن السابع وكثرت في القرن الثامن وهو عصر السبكي ومن بعده وقطعت الأرزاق التي كانت تجري على الفقهاء من بيت المال من عهد عمر بن الخطاب إلى الخليفة المستعصم كل عام فرأى العلماء أن هذه الأوقاف أرصدت لهم من بيت المال عوضا عما كانوا يأخذونه منه كل عام فرخصوا فيها لأنهم كانوا يأخذون ذلك القدر من غير عمل يكلفونه بل على القيام بالعلم خاصة فمن كان بهذه الصفة جاز له فيما بينه وبين الله الأخذ منها وإن لم يقم بما شرطه الواقف، ومن لم يكن بصفة القيام بالعلم اشتغالا وأشغالا حرم عليه الأخذ منها وإن باشر العمل"
وكرر الرجل نفس الأمر فحكى التالى :
وقد قال الدميري في شرح المنهاج سألت شيخنا يعني الأسنوي مرتين عن غيبة الطالب عن الدرس هل يستحق المعلوم أو يعطى بقسط ما حضر فقال إن كان الطالب في حال انقطاعه يشتغل بالعلم استحق وإلا فلا ولو حضر ولم يكن بصدد الاشتغال لم يستحق لأن المقصود نفعه بالعلم لا مجرد حضوره، وكان يذهب إلى أن ذلك من باب الأرصاد، وقال الزركشي في شرح المنهاج ظن بعضهم أن الجامكية على الإمامة والطلب ونحوهما من باب الإجازة حتى لا يستحق شيئا إذا أخل ببعض الصلوات أو الأيام وليس كذلك بل هو من باب الأرصاد والأرزاق المبنى على الإحسان والمسامحة بخلاف الإجازة فإنها من باب المعاوضة ولهذا يمتنع أخذ الأجرة على القضاء ويجوز أرزاقه من بيت المال بالإجماع انتهى، وهذا الذي قاله الزركشي صحيح وهو محمول على الأوقاف التي هي من القسم الثاني كما كان الأكثر في زمانه "
وحاول السيوطى الاجابة على المسألة فى أول الكتاب فى حالة ضيق الوقف بسبب كثرة المستحقين فجعل العدل هو الأصل فإن لم يكفى الكل أعطى الأكثر حاجة أولا ثم من بعده فقال:
"وإذا قلنا بقوله من الاستحقاق مع الغيبة قلنا به مع الاستنابة من باب أولى ولا نقول بواحد من الأمرين في الأوقاف التي من القسم الأول، وعلى هذا تحمل فتوى النووي بالمنع، ونقول في القسم الثاني بجواز النزول وإعطاء الوظيفة للولد الصغير ولا نقول بذلك في القسم الأول وينبني على ذلك أيضا مسألة تقديم الشيخ فما كان من القسم الأول لا يقدم فيه أحد على أحد إلا بنص من الواقف، وما كان من القسم الثاني ينظر فإن كان الشيخ بصفة الاستحقاق من بيت المال لاتصافه بالعلم وبقية المنزلين ليسوا كذلك قدم الشيخ إذا ضاق الوقف قطعا لأنه منفرد بالاستحقاق، وإن كان الكل بصفة العلم والشيخ أحوج منهم قدم كما يقدم إذا ضاق بيت المال الأحوج فالأحوج، وإن استووا في العلم والحاجة صرف بينهم بالمحاصة من غير تقديم، وينبني على ذلك أيضا مسألة الاقتصار على صنف من الأصناف المقررة ففي القسم الأول لا يقتصر بل يصرف من كل صنف بالمحاصة مراعاة لغرض الواقف وفي الثاني يجوز الاقتصار عند الضيق والأولى الاقتصار على النقد لأنه أيسر وبه تحصل سائر الأصناف "
وبالقطع المسألة ليست من المسائل التى تقع فى الدولة الإسلامية وإنما هى مسألة تقع فى الدول الكافرة فلا وجود لوقف كالخانقاوات ولا غيرها فى تلك الدولة لأن لا أحد يملك أى شىء خاص به فى الدولة سوى ماله النقدى
وأما حكم الوقف فى الإسلام فهو :
الوقف :
هو حبس المال لتصرف منافعه فى سبيل الله
وهو إما هبة من الواقف إذا كان حيا وهو من باب قوله تعالى بسورة المائدة :
" وتعاونوا على البر والتقوى "
وإما وصية من الواقف إذا حضرته الوفاة أو قبلها كما قال تعالى بسورة النساء :
" من بعد وصية يوصى بها "
ولا شروط فى الوقف من قبل الشرع سوى ألا يكون أذى للورثة كما قال تعالى بسورة النساء :
" من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار"
وأن يكون الشىء الموقوف مباح وليس محرم كما قال تعالى بسورة البقرة :
"أنفقوا من طيبات ما كسبتم "
والشروط يضعها الواقف حسبما يريد فهو قد يجعل الوقف عاما أى يستفيد منه كل الناس المسمين بالفقراء أو اليتامى أو غير ذلك من غير تحديد وقد يجعل الوقف خاصا أى قاصرا على ناس محددين مثل ذريته أو قائمين على عمل ما فى مكان ما وعلى متولى الوقف تنفيذها والحفاظ على الوقف وهو محرم فى الدولة الإسلامية إلا فى المال النقدى جائز فى غيرها من الدول فى الكل لكون أرض المسلمين وما عليها ملك لجميع المسلمين لا يحل لأحد ان يملك منها شىء إلا ملكية انتفاعلا تباع ولا تشترى ولا توهب ولا شىء غير الانتفاع كما قال تعالى"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون"
الكتاب من تأليف السيوطى وهو إجابة على سؤال فى الأوقاف هو:
مسألة - أمير وقف خانقاه ورتب بها شيخا وصوفية وجعل لهم دراهم وزيتا وصابونا وخبزا ولحما فضاق الوقف فهل يقدم الشيخ على الصوفية أو يصرف بينهم بالمحاصة وهل يقتصر على صنف من الأصناف التي عينها الواقف ويترك الباقي أو يأخذون من جميع الأصناف التي عينها الواقف بالمحاصة وهل تجوز الاستنابة في شيء من الوظائف أم لا.
وكانت الفتوى الصادرة من السيوطى هى:
"الجواب - أقول أولا وبالله التوفيق:
الأوقاف قسمان قسم ليس مأخذه من بيت المال ولا مرجعه إليه وهذا الوقف مبناه على التشديد والتحريص لا يجوز تناول ذرة منه إلا مع استيفاء ما شرطه الواقف لأنه مال أجنبي لم يخرج عن ملكه إلا على وجه مخصوص بالشرط المذكور
وقسم مأخذه من بيت المال بأن يكون واقفه خليفة أم ملكا من الملوك السابقة كصلاح الدين بن أيوب وأقاربه، أو مرجعه إلى بيت المال كأوقاف أمراء الدولة القلاوونية ومن بعدهم إلى زماننا هذا وإنما قلنا إن مرجعه إلى بيت المال لأن واقفيه أرقاء بين المال وفي ثبوت عتقهم نظر "
هنا يصنف السيوطى الأوقاف المتواجدة فى بلادنا إلى أوقاف محللة وهى من صنعها بعض المسلمين من أموالهم الحلال وأوقاف محرمة وهى من صنعها الحكام من أموال الشعب ممثلا فى بيت المال ومن ثم فهى وقف ممن من لا يملك والأصل فى الوقف أن يكون الواقف مالكه وأوقاف الحكام ليست من أموالهم الخاصة وإنما من اموال الشعب
والوقف فى الوحى هو حبس المال لتصرف منافعه فى سبيل الله
وهو إما هبة من الواقف إذا كان حيا وهو من باب قوله تعالى بسورة المائدة :
"وتعاونوا على البر والتقوى "
وإما وصية من الواقف إذا حضرته الوفاة أو قبلها كما قال تعالى بسورة النساء :
" من بعد وصية يوصى بها "
ولا شروط فى الوقف من قبل الشرع سوى ألا يكون أذى للورثة كما قال تعالى بسورة النساء :
" من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار"
وأن يكون الشىء الموقوف مباح وليس محرم كما قال تعالى بسورة البقرة :
"أنفقوا من طيبات ما كسبتم "
والشروط يضعها الواقف حسبما يريد فهو قد يجعل الوقف عاما أى يستفيد منه كل الناس المسمين بالفقراء أو اليتامى أو غير ذلك من غير تحديد وقد يجعل الوقف خاصا أى قاصرا على ناس محددين مثل ذريته أو قائمين على عمل ما فى مكان ما وعلى متولى الوقف تنفيذها والحفاظ على الوقف وهو محرم فى الدولة الإسلامية إلا فى المال النقدى جائز فى غيرها من الدول فى الكل
وقد قام السيوطى بجمع بعض المسائل المشابهة للمسألة فى أوقاف المماليك الحكام ومنها:
"وقد ذكر الشيخ تاج الدين بن السبكي في واقعة وقعت بعد السبعمائة وهي عبد انتهى الملك فيه لبيت المال فأراد شراء نفسه من وكيل بيت المال فأفتى جماعة بالمنع لأن ذلك عقد عتاقة وعبد بيت المال لا يجوز عتقه وأفتى آخرون بالجواز لأنه عقد بعوض لا مجانا فلم يضع منه على بيت المال شيء واختار ابن السبكي هذا الثاني أورده في الترشيح فإذا اختلف في جواز العتق بعوض فما ظنك به بغير عوض وإنما لم ينص متقدمو الأصحاب على هذه المسألة بخصوصها لأنها لم تعم بها البلوى في زمنهم وإنما كثر ذلك بعد الستمائة"
والغرض من ذكر تلك الحالة وهى أن العبد المملوك ليس له مال خاص به ومن ثم ما يفعله من وقف غير ممكن لأن المال ليس ماله فهو مال الله كما قال تعالى "وأتوهم من مال الله الذى أتاكم"
ونقل السيوطى حكاية عمر بن عبد العزيز مع أحد أبناء عمومته الذى اعتبره عبد لكون ابن أمة لبيت المال اغتصبها الحاكم وأولدها هذا القريب فقال:
"وقد قام الشيخ عز الدين بن عبد السلام - لما حدث ذلك في زمنه - القومة الكبرى في بيع الأمراء وقال هؤلاء عبيد بيت المال ولا يصح عندي عتقهم، وروى الحافظ أبو القاسم ابن عساكر بسنده عن عمر بن عبد العزيز أنه دخل إليه بعض أولاد خلفاء بني أمية فقال له أعطني حقي من بيت المال فقال له عمر ما أحوجك إلى أن أبيعك وأصرف ثمنك في مصالح المسلمين قال وكيف قال لأن أباك وهو خليفة أخذ أمك من رقيق بيت المال واستولدها إياك ولم يكن له ذلك فهو زان وأنت عبد بيت المال"
وبالقطع الحكاية كاذبة فلم يكن هناك وجود واقعى لخلفاء بنى أمية ودولتهم المزعومة كما أن الاتهام بالزنى يحتاج لشهود أربع
وحكى الرجل قصة المملوك العالم الذى رفض عتق الملك المملوك هو الأخر له لعدم صحة عتقه له وهى:
"وفي طبقات الحنفية في ترجمة بعض علمائهم أنه كان من مماليك الخليفة الناصر فاشتغل بالعلم وبرع وصار إماما قائما بالتدريس والإفتاء فأرسل إليه الخليفة الناصر بعتقه وقال له إنك قائم بنفع المسلمين فرد إليه العتاقة وقال أنا عبد بيت المال فلا يصح عتقي"
ونلاحظ أن السيوطى ومن سبقوه يحرمون أو يمنعون عتق مماليك أو عبيد بيت المال فى الفقرات السابقة والفقرة التالية:
" فإن قال قائل فقد ذكر الأصحاب في الأسير أن الإمام يتخير فيه بين القتل والمن والاسترقاق قلنا لا يصح القياس على مسألة الأسير لأنه يجوز تفويته بالقتل فبالمن أولى ولأنه لم يسرف فيه شيء من بيت المال بخلاف هذا الذي اشترى بثمن منه، وأيضا فقد نص الأصحاب على أنه ليس للإمام ذلك في الأسير بالتشهي بل ينظر ما تقتضيه المصلحة فيفعله وثبوت المصلحة في عتق هذا الجم الغفير من مماليك بيت المال متعذر أو متعسر وإن وجدت في واحد أو عشرة أو مائة لا توجد في ألوف مؤلفة وأي مصلحة في عتقهم وجميع ما يراد منهم يمكنهم فعله مع الرق، إذا عرف ذلك عرف أن مرجع ما بأيديهم إلى أنه مال بيت المال فهذا القسم من الأوقاف مبناه على المسامحة والترخيص لأن لكل من العلماء وطلبة العلم من الاستحقاق في بيت المال أضعاف ما يأخذونه منهم"
وهو موقف غريب من القوم فالوحى ينادى بعتق العبيد من قبل الأفراد فيقول :
"وما أدراك ما العقبة فك رقبة" فما بالنا إذا كانوا عبيد المجتمع أى دولة المسلمين ؟فالمفروض هو عتقهم جميعا على الفور عندما يدخلون فى ملكية المسلمين ما لم يكونوا أسرى حرب فهؤلاء يتوقف عتقهم أى اطلاق سراحهم على توقف الحرب كما قال تعالى " فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا "
وحكى السيوطى أن طلبة العلم لهم الأكل من الأوقاف فقال:
" والدليل على هذه التفرقة أمور منها أن الشيخ ولي الدين العراقي لما حكى قول السبكي في إعطاء وظيفة العالم والفقيه لولده الصغير فرق بين الأوقاف الخاصة والتي ما أخذها من بيت المال وأظن الأذرعي سبقه إلى ذلك، ومنها أنه وقع في بعض كلام البلقيني التصريح بأن طلبة العلم يأكلون من هذه الأوقاف الموجودة الآن على وجه أنهم يستحقون من بيت المال ذلك وأكثر منه ذكر ذلك في مجلس عقد بسبب ذلك أيام الظاهر برقوق، ومنها أنك إذا تأملت فتاوى النووي وابن الصلاح وجدتهما يشددان في الأوقاف غاية التشديد وإذا تأملت فتاوى السبكي والبلقيني وسائر المتأخرين وجدتهم يرخصون ويسهلون وليس ذلك منهم لمخالفة للنووي بل كل تكلم بحسب الواقع في زمنه فإن غالب الأوقاف التي كانت في زمن النووي وابن الصلاح كانت خاصة وإنما حدثت أوقاف الأتراك في أواخر القرن السابع وكثرت في القرن الثامن وهو عصر السبكي ومن بعده وقطعت الأرزاق التي كانت تجري على الفقهاء من بيت المال من عهد عمر بن الخطاب إلى الخليفة المستعصم كل عام فرأى العلماء أن هذه الأوقاف أرصدت لهم من بيت المال عوضا عما كانوا يأخذونه منه كل عام فرخصوا فيها لأنهم كانوا يأخذون ذلك القدر من غير عمل يكلفونه بل على القيام بالعلم خاصة فمن كان بهذه الصفة جاز له فيما بينه وبين الله الأخذ منها وإن لم يقم بما شرطه الواقف، ومن لم يكن بصفة القيام بالعلم اشتغالا وأشغالا حرم عليه الأخذ منها وإن باشر العمل"
وكرر الرجل نفس الأمر فحكى التالى :
وقد قال الدميري في شرح المنهاج سألت شيخنا يعني الأسنوي مرتين عن غيبة الطالب عن الدرس هل يستحق المعلوم أو يعطى بقسط ما حضر فقال إن كان الطالب في حال انقطاعه يشتغل بالعلم استحق وإلا فلا ولو حضر ولم يكن بصدد الاشتغال لم يستحق لأن المقصود نفعه بالعلم لا مجرد حضوره، وكان يذهب إلى أن ذلك من باب الأرصاد، وقال الزركشي في شرح المنهاج ظن بعضهم أن الجامكية على الإمامة والطلب ونحوهما من باب الإجازة حتى لا يستحق شيئا إذا أخل ببعض الصلوات أو الأيام وليس كذلك بل هو من باب الأرصاد والأرزاق المبنى على الإحسان والمسامحة بخلاف الإجازة فإنها من باب المعاوضة ولهذا يمتنع أخذ الأجرة على القضاء ويجوز أرزاقه من بيت المال بالإجماع انتهى، وهذا الذي قاله الزركشي صحيح وهو محمول على الأوقاف التي هي من القسم الثاني كما كان الأكثر في زمانه "
وحاول السيوطى الاجابة على المسألة فى أول الكتاب فى حالة ضيق الوقف بسبب كثرة المستحقين فجعل العدل هو الأصل فإن لم يكفى الكل أعطى الأكثر حاجة أولا ثم من بعده فقال:
"وإذا قلنا بقوله من الاستحقاق مع الغيبة قلنا به مع الاستنابة من باب أولى ولا نقول بواحد من الأمرين في الأوقاف التي من القسم الأول، وعلى هذا تحمل فتوى النووي بالمنع، ونقول في القسم الثاني بجواز النزول وإعطاء الوظيفة للولد الصغير ولا نقول بذلك في القسم الأول وينبني على ذلك أيضا مسألة تقديم الشيخ فما كان من القسم الأول لا يقدم فيه أحد على أحد إلا بنص من الواقف، وما كان من القسم الثاني ينظر فإن كان الشيخ بصفة الاستحقاق من بيت المال لاتصافه بالعلم وبقية المنزلين ليسوا كذلك قدم الشيخ إذا ضاق الوقف قطعا لأنه منفرد بالاستحقاق، وإن كان الكل بصفة العلم والشيخ أحوج منهم قدم كما يقدم إذا ضاق بيت المال الأحوج فالأحوج، وإن استووا في العلم والحاجة صرف بينهم بالمحاصة من غير تقديم، وينبني على ذلك أيضا مسألة الاقتصار على صنف من الأصناف المقررة ففي القسم الأول لا يقتصر بل يصرف من كل صنف بالمحاصة مراعاة لغرض الواقف وفي الثاني يجوز الاقتصار عند الضيق والأولى الاقتصار على النقد لأنه أيسر وبه تحصل سائر الأصناف "
وبالقطع المسألة ليست من المسائل التى تقع فى الدولة الإسلامية وإنما هى مسألة تقع فى الدول الكافرة فلا وجود لوقف كالخانقاوات ولا غيرها فى تلك الدولة لأن لا أحد يملك أى شىء خاص به فى الدولة سوى ماله النقدى
وأما حكم الوقف فى الإسلام فهو :
الوقف :
هو حبس المال لتصرف منافعه فى سبيل الله
وهو إما هبة من الواقف إذا كان حيا وهو من باب قوله تعالى بسورة المائدة :
" وتعاونوا على البر والتقوى "
وإما وصية من الواقف إذا حضرته الوفاة أو قبلها كما قال تعالى بسورة النساء :
" من بعد وصية يوصى بها "
ولا شروط فى الوقف من قبل الشرع سوى ألا يكون أذى للورثة كما قال تعالى بسورة النساء :
" من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار"
وأن يكون الشىء الموقوف مباح وليس محرم كما قال تعالى بسورة البقرة :
"أنفقوا من طيبات ما كسبتم "
والشروط يضعها الواقف حسبما يريد فهو قد يجعل الوقف عاما أى يستفيد منه كل الناس المسمين بالفقراء أو اليتامى أو غير ذلك من غير تحديد وقد يجعل الوقف خاصا أى قاصرا على ناس محددين مثل ذريته أو قائمين على عمل ما فى مكان ما وعلى متولى الوقف تنفيذها والحفاظ على الوقف وهو محرم فى الدولة الإسلامية إلا فى المال النقدى جائز فى غيرها من الدول فى الكل لكون أرض المسلمين وما عليها ملك لجميع المسلمين لا يحل لأحد ان يملك منها شىء إلا ملكية انتفاعلا تباع ولا تشترى ولا توهب ولا شىء غير الانتفاع كما قال تعالى"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون"