رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب البشعة بين العرف والشرع
المؤلف محمد فنخور العبدلي وهو يدور حول البشعة وهى حديدة أو معدن يتم تسخينه لوضعه على لسان الفم لمعرفة صدق المتهم أو كذبه وذلك فى المنازعات التى يحكم فيها شيوخ القبائل وشيوخ المنصر وفى هذا قال فى مقدمته :
"وبعد
يتم الفصل في المنازعات بالمناطق القبلية عن طريق الأعراف القبلية التي لها في كثير من الأحيان قوة القانون، ويمثل شيخ القبيلة أو من يقوم مقامه دور القاضي وترتبط قوة قراره بقوة شخصيته 0
فالعرب قديما وحديثا وقبل انتشار وسيادة نظام الدولة في جميع إنحاء العالم كانوا بحاجة ماسة للقضاء منذ وجودهم على هذه الأرض لذلك شيدوا للعدل صرحا وأسسوا له قواعد احترموها وتقيدوا بها ولا يتجاوزونها مهما حدث وإلا تقع عليه عقوبات أخرى أشد وأنكى، ومع أن هذه القوانين لم تكن مكتوبة إلا أنها سائدة ومنتشرة بينهم كالقوانين والأنظمة الحالية المدونة والمكتوبة سواء كانت شرعية إسلامية أو قانونية وضعية 0"
وتحدث العبدلى عن قدم ما يسمى بالمجالس العرفية فقال :
"الأنظمة العرفية القديمة لم تكن وليدة الساعة أو تم إقرارها في جلسة أو اجتماع وإنما هي نتاج سلسلة طويلة من التجارب على مدى سنوات طوال، والغريب أنها لم تكتب وتوزع على القبائل والعشائر، ولم تدون في كتب يتوارثها الأجيال جيل بعد جيل 0
لقد توارثها الأبناء وصانوها جيل بعد جيل، ليس بالكتابة وإنما بالحفظ والمحافظة عليها وعرف أناس بتطبيقها من القضاة والعوارف وأمثالهم
جاء الدين الإسلامي وبرز نوره وانتشر بحمد الله وفضله فكان له الأثر البعيد والكبير في جميع مناحي الحياة العربية والبدوية ولا سيما القضاء العرفي البدوي فأقر الصحيح من العادات والأحكام التي كانت مألوفة في الجاهلية، وألغى منها ما لا يتوافق مع الشرع، أما الذي يحتاج للتعديل فقام بتعديله 0"
وقيام تلك المجالس محرم لوجود قضاء مسلم أوجب الله أن ينشىء له مؤسسة القضاء والناس لم ينشئوا تلك المجالس إلا بعد هدم دولة المسلمين وفى الغالي أنشأها من يريدون الحكم بالظلم اعتمادا على خوف الناس منهم باعتبارهم من يملكون السلاح
وتحدث عن أحد الأنظمة المستخدمة فى القضاء العرفى وهى البشعة فقال :
"ومن القوانين العرفية السائدة هي البشعه التي اعتبرت في فترة من فترات الزمن إحدى الوسائل التي يتم بموجبها إبراء الذمم والتبرئة من التهم وهي تقليد عربي مارسته القبائل العربية قبل وبعد الإسلام 0"
وعرف البشعة فقال :
"تعريف البشعة:
البشعة في اللغة: مشتقة من بشع بتشديد الشين وفتحها، يقال: بشع يبشعا تبشيعا، وهذا بشع بفتح الباء وكسر الشين، وهذه بشعة، والأبشع والبشعاء، أي القبيح والقبيحة، إذن بشع قبح
واصطلاحا: هي التعزير أو التجريم، أي تلبيس الشخص تهمة، ثم إزالتها عنه بالتبشيع، والبشعة على عادات العرب الموروثة لمعرفة المجرم في جريمة وقعت ولم يعرف الأطراف المشاركة بالجريمة 0
قال أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: البشعه هي تلحيس النار المتهم 0"
ووصف البشعة الموجودة حاليا فقال:
"وصف البشعة:
البشعة هي الكي بطرف يد المحماس أو قطعة حديد محمية على النار إلى درجة الاحمرار، حيث يطلب القاضي من المتهم أن يمد لسانه فيلذعه على رأس اللسان، فإذا تركت النار أثرا للكي على اللسان يسند الجرم إليه، وإذا لم يترك الكي أي أثر على رأس اللسان يعلن القاضي براءته 0
فهي إحدى الطرق الذكية التي استخدمها بعض أبناء البادية للحكم على براءة أو إدانة المتهم وهي وسيله لكشف الكذب أو التأكد من براءة متهم ما، تتم عملية (البشعه) بأن يجلس المتهم بجانب (المبشع) وهو الشخص الذي يقوم بالعملية كذلك يجلس الخصوم والشهود لمشاهدة ما يجري حيث يقوم المبشع بتسخين (الميسم) يد محماس القهوة العربية حتى تصبح حمراء من شدة النار ويخرجها ثم ينظر إليها ويقلبها , ثم يرجعها إلى النار ثانية وكل هذا يتم أمام ناظري المتهم وخلال هذه الفترة فأن المبشع يقوم بعمل المحقق فيتحدث المتهم طالبا منه إظهار الحقيقة مبين له مدى خطورة حرق النار للسانه هذا من جهة ومن جهة أخرى فأنه يراقب ملامح وجه المتهم عن قرب وقسمات وجهه والانعكاسات البادية عليه وعندما تصبح يد المحماس قد جهزت واحمرت من شدة النار فأن المبشع يطلب من المتهم مد لسانه حيث يقوم بوضعها على اللسان بسرعة ومهارة لا يتقنها إلا قلة عرفوا بهذا الفن وتمرسوا عليه , ثم ينتظر الجميع بضع دقائق ثم يطلب المبشع من المتهم مد لسانه مره أخرى أمام الجميع فإذا ظهرت البثور على لسانه فأن ذالك يعني تجريم المتهم وإذا بقى لسانه سليما فذالك يعني براءته من التهمة المنسوبة إليه ويعلن المبشع حينها براءته، قال أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: البشعه هي تلحيس النار المتهم , أعني عندما تنفذ جميع الأدلة الثبوتية لإظهار المجرم , يقرر القاضي إرسال المتهم إلى رجل من أهل الطرق الصوفية كالرفاعية وأمثالهم يدعونه (المبشع) وهذا الرجل يأتي بقضيب عريض من الحديد ويحميه بالنار بحضور المدعي أو وكيله حتى يبلغ أقصى حد من الحرارة ويمسح به لسان المتهم بكل سرعه ولباقة , ثم يناوله في الحال شربة ماء، فإذا حصل ضرر في لسانه أعلن المبشع أن لاحس النار مجرم، وإن لم يحصل ضرر يعلن براءته "
وهذا الكلام من العبدلى عن أن البشعة ذكاء من القضاء هو خبل وحمق فهى لا تظهر الصادق من الكاذب لأنها تعتمد على معرفة المتهم فمن يعرف أن ابقاء أو اكثار الروال فى الفم يطفىء حرارة البشعة ومن ثم لا يتم لسعه لأن الماء عندما يقابل طرف المحماس أو الحديد يبطل شدة حرارتها ولكن لو تم تجفيف اللسان وإخراجه خارج الفم فسيتم لسع البرىء والمجرم معا لأن العملية كلها تعتمد على وجود الروال
والعملية مثلها مثل المشى على النار فالحشيش قبل جمرات النار يكون مبلل بالماء وهو ما يكون طبقة خفيفة من التراب أو الماء تجعل الرجل لا يتم لسعها
وتحدث عن مكانة المبشع فى القضاء العرفى:
"منزلة المبشع:
"فيها رأيان هما:
الأول: أنه قاضي: يعد المبشع في العرف القبلي قاضيا بل أكبر القضاة، فعن طريقه تحسم القضايا الصعبة، ففي منتدى الملتقى العربي المبشع: هو قاضى الجرائم المنكرة التي لا شهود لها ويتم اختبار المدعى عليه بالماء أو بالنار أو بالرؤيا 0
الثاني: المبشع ليس بقاضي ولكنه صاحب طريقة أو معرفة ونحو ذلك لكنه أدنى منزلة من القاضي، يقول أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: يقرر القاضي إرسال المتهم إلى رجل من أهل الطرق الصوفية كالرفاعية وأمثالهم يدعونه (المبشع) فهنا يقرر أن المبشع غير القاضي في عرف مستخدميها 0"
وتحدث عن أن مهنة المبشع يتوارثها بعض العائلات فقال :
"مهنة المبشع:
مهنة المبشع وراثية تحتكرها قبائل معينة، وداخل القبيلة عشيرة معينة، وجرت العادة أن يكون المبشع من (رجال الدين) لأنها في معتقد القبليين جانب روحي وديني , ويعتبرونه من الصالحين، الأتقياء، ويؤمنون بصحة أقواله، وصدق أحكامه، قال عارف العارف في كتابه القضاء عند البدو: لا يستطيع أي كان من البدوان يكون مبشعا، بل هنالك عائلات مخصوصة، وإذا مات المبشع يخلفه أكبر رجل من عائلته , حتى إذا لم يكن هذا هو الأفضل، لا ينتخب المبشع انتخابا وإنما هو يصل إلى منصبه بحكم الوراثة والعادة 0"
والحقيقة أن القضاء العرفى من يعملون به معظمهم شيوخ منصر – كبار اللصوص والمجرمين - والقليل منهم من يتقى الله ومن ثم يتم التوارث لجمع المال وغيره والحياة على قفا المتقاضين فى الغالب0
وتحدث عن مكان عمل البشعة وهو بيت الرجل الذى يقوم فقال :
"أين تعقد البشعة؟
تعقد البشعة في بيت المبشع، أو على مقربة منه، فالخصوم هم الذين ينتقلون إلى حيث يقيم المبشع مهما طال السفر في الغالب، ونفقات البشعة يتحملها الطرف الخاسر 0"
وتحدث عن كيفية اللجوء للبشعة فقال :
"كيفية الالتجاء إلى البشعة
1 - تكون المبادرة للالتجاء إلى البشعة من أحد الطرفين المتخاصمين 0
2 - قد تصدر المبادرة من القاضي الذي ينظر في الخصومة، قال أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: عندما تنفذ جميع الأدلة الثبوتية لإظهار المجرم , يقرر القاضي إرسال المتهم إلى رجل من أهل الطرق الصوفية كالرفاعية وأمثالهم يدعونه (المبشع) 0
3 - قد تكون من الرجل نفسه الذي تدور حوله الشكوك، عندما يكون على يقين من براءته، حتى يتجنب انتقام المجني عليه، فيبدي استعداده للخضوع للبشعة، في هذه الحالة لا يجوز للطرف الثاني رفض عرضه 0
قال عارف العارف في كتابه القضاء عند البدو: المدعي هو الذي يطلب بشعة المدعى عليه في أغلب الحالات، وقد يرفض المدعى عليه أن يبشع فيحكم عليه القضاة بالبشعة، وفي بعض الأحيان يكون الطالب للبشعة هو المدعى عليه تخلصا من التهمة الموجهة إليه، والمدعي هو الذي يختار المبشع , ليس المدعى عليه، ذلك لأنه هو الرجل الذي يجب أن يطمئن وله الخيار في أن يصر على حقه هذا أو يعدل عنه 0"
والحقيقة التى لم يذكر المؤلف هنا أن من يطلب أن يلحس البشعة إما أن يكون عارفا بكيفية ابطال عملها وإما أن يكون أحمقا ومن ثم فالعملية كلها تعتمد على الخداع والمكر وهو أمر مشهور فى الكثير من القبائل
وتحدث عن خطوات العمل فقال :
"خطوات البشعة"
"1 - يوضع محماس البن أو حديدة مصفحة وما شابهها في النار حتى يصبح شديد الاحمرار
2 - يخرج المبشع المحماس ثم يفرك به ذراعه ثلاث مرات لكي يؤكد أن النار لا تضر الأبرياء 0
3 - يمد المبشع المحماس إلى الشخص المتهم ويقول له أبشع أو ألحس 0
4 - على المتهم أن يمد لسانه للحاضرين كي يريهم أن لسانه سليم وليميزوا حالة لسانه قبل البشعة وبعدها 0
5 - يلحس المتهم المحماس ثلاث مرات وهو بيد المبشع ثم يتمضمض ببعض الماء 0
إذا ظهر على لسانه أي أثر للنار حكموا عليه بأنه مذنب وإلا فهو بريء "
وتحدث عن الاجراءات فقال :
"إجراءات البشعة:
"1 - الاستماع لعرض تفاصيل القضية من الطرفين 0
2 - الاستماع للشهود 0
3 - تلاوة تفاصيل الموضوع من قبل المبشع ليقنع الحضور بأنه على وعي تام بعناصر الموضوع محل النزاع 0
4 - حث الطرفين على عدم المضي في إجراءات البشعة وإنه من الأفضل الاتفاق وديا وعلى المتهم الاعتراف إن كان مذنبا مع أن الحل الودي سيحرم المبشع من أجرته إلا إنه يطرحه عليهم بشكل جدي 0
5 - إذا فشلت المساعي الودية: يقدم كل من المتخاصمين كفيلا يضمن تنفيذ ما يلزمه المكفول فكفيل المدعي يتعهد بامتناع المدعي عن الانتقام من المدعى عليه إذا أدين، وكفيل المدعى عليه يتعهد بأداء ما يفرضه العرف عليه إذا أدين 0
6 - لحس النار 0
ماذا يحدث بعد مجلس البشعة
قال أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: وحينئذ يرفع من تبرأ راية بيضاء وينادي قائلا (بيض الله وجه المبشع وبيض الله وجه الكفيل)"
وتحدث عن الجرائم التى تطبق فيها البشعة فقال :
"مجال تطبيق البشعة:
من أكثر الجرائم التي يستعان فيها بالبشعة هي جرائم:
1 - القتل
2 - العرض
3 - السرقة
4 - إثبات النسب"
وتحدث عن أماكن انتشاها فى بلاد المنطقة فقال :
"مكان انتشارها:
كانت شائعة في المجتمعات القبلية القديمة والمعاصرة وبعض المجتمعات المدنية القديمة وقد انتشرت في فلسطين والأردن وقبائل شرق الأردن وسوريا ومصر وخصوصا في سيناء، فهي منتشرة عند كثير من القبائل العربية مثل بني عطية والحويطات وقبائل شرق الأردن وسيناء وفي أرجاء الجزيرة العربية كما في قبائل عنزة، وفي الحجاز، وفي وعمان وحضرموت وغيرها من القبائل العربية بيد أنها أكثر ما اشتهرت وسط عربان الشرقية في مصر على أيدي مبشعين مشهورين أمثال العيادي والجريري، قال عارف العارف في كتابه القضاء عند البدو: البشعة طريقة من طرق التقاضي مألوفة لدي عربان السبع 0"
وتحدث عن اختلاف الآراء فى البشعة فقال :
"اختلفت الآراء حول البشعه:
قال عارف العارف في كتابه القضاء عند البدو: البشعة طريقة من طرق التقاضي تشبه الشعوذة الهندية القديمة التي يجد المرء جذورها في عبادة المجوس للنار 0
وعن البشعة ونظرة الناس لها فمنهم من:
1 - يرى أنها صحيحة واستخدمت قديما عند بعض القبائل ودليلهم فيها إن الرجل الصدوق يكون واثقا من نفسه بحيث لا يجف ريقه ويكون لسانه مبتلا فلا تؤثر فيه حرارة المعدن ويعلن المبشع حينها براءته وأما الكاذب فيكون مضطربا لدرجة أن ريقه يجف مما يسهل التصاق قطعة الحديد بلسانه وهنا تثبت التهمة عليه 0
2 - يرى أنها طريقة صوفية حيث قال أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: يقرر القاضي إرسال المتهم إلى رجل من أهل الطرق الصوفية كالرفاعية وأمثالهم يدعونه (المبشع) 0
3 - يرى أنها نوع من أنواع السحر والشعوذة وكانت تستخدم بنطاق ضيق لحل المنازعات الكبرى بين الناس ومن يمارس هذا الدور وهو المبشع هو ساحر أو كاهن وله طريقته للاستدلال على معرفة المتهم من خلال الشعوذة والسحر 0
4 - يراها أنها عملية خرافية بدائية لا تتعدى كونها شعوذة 0
5 - أنها خرافة لا أصل لها ولكنها طريقة لكشف الكذب فقط حيث أن الهدف منها التحقق من دعوى المتخاصمين بعدم توفر الدلائل والشهود ويستطيع القائم بهذا العمل معرفة ملامح وجه المتهم أثناء تسخين قطعة الحديد حين يقوم المبشع بتقليب قطعة الحديد أمام نظر المتهم لتصبح حمراء و ينظر إلى وجهه ويقلبها مرة أخرى وهو يتحدث معه طالبا منهم إظهار الحقيقة مبينا له أن الكاذب ستحرق النار لسانه ويضرب له أمثلة بفلان وفلان وهنا يلعب العامل النفسي دوره حيث يعترف المتهم قبل البدء بها بتهمته وهنا تحل القضية عن طريق البشعة التي لم تمارس حقيقة 0
6 - يراها أنها وسيله جيدة لإظهار حقيقة المتهم وذلك عند عدم توفر الشهود في جرائم مهمة ومصيرية مثل جرائم القتل والسرقة والشرف وغيرها، وفي نظرهم أن المبشع رجل بدوي ذكي يلجأ إلى الاستفسار المسبق عن المشكلة قبل أن تحال إليه ويحصل على صورة شبه كاملة عن الجريمة وأطرافها وحيثياتها كما يرون أنها ليست ضربا من ضروب السحر والشعوذة واقرب تفسير علمي لها هو أن المتهم من شدة خوفه وارتباكه يجف لعابه فإذا ما لامست الأداة الحارة لسانه التصقت به وأحدثت به أثرا بالغا يظهر للعيان أما البريء المطمئن لبراءته فأن لعابه يحول دون التصاق محماس القهوة الحار بلسانه شرط أن لا تستمر الملامسة أكثر من اللازم وهنا تظهر مهارة من يمارس البشعة كطريقة وأسلوب يكتشف من خلاله المذنب من البريء , وهذا الأسلوب الفذ الذي تفتقت عنه العبقرية البدوية 0
7 - يرى أن البشعه عمليه نفسية حيث يأتي المتهم ويكون فعلا مخطئ يكون خائف وعند ذلك يجف ريقه، فعندما يلعق المعدن الذي تحول لونه إلى الأسود بعد الأحمر من شدة الاحتراق لا يكون على لسانه لعاب فتكويه النار فيعرف انه كاذب والعكس 0
8 - يرى أن البشعة نوع من أنواع الشرك، خاصة إذا صاحبها اعتقاد 0
9 - يرى أن البشعه عبارة عن حديدة مكتوب عليها بعض الطلاسم يشك بها لسان المتهم أو المتخاصمين أو يضع الخصوم والمتهمون ألسنتهم عليها لاعتقادهم أنها لا تؤدي إلا المذنب وقد تلاشت هذه العادة مؤخرا ولم يعد يعمل بها 0"
والعبدلى لم يناقش حقيقة أن البشعة ليس من أدوات العقاب فى الإسلام ومن ثم يحرم استخدامها لكونها لا تظهر صادقا من كاذبا وإنما تعتمد على معرفة من تجرب عليه البشعة من خلال اكثار الروال أو وضع طبقة من السمن أو غيره من مانعات الحرق على اللسان
و قد شرع الله مكانها هى وغيرها القسم بالله كما قال تعالى :
" تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله"
ومن ثم يمنع منعا باتا استخدامها فى بلاد المسلمين فيهم أو فى غيرهم لأن من اخترعها أو من اخترعوها هم فى الأصل المجرمون الذين كانوا يريدون تبرئة أنفسهم بطرق غير شرعية
وتحدث عن أن الأمم الأخرى أيضا تتبع هذا النظام فقال :
"البشعة في المجتمعات الأخرى:
قال عارف العارف في كتابه القضاء عند البدو:
1 - لقد ذكرت البشعة في الشعر الهندي عندما أرادت (سيتا) أن تبرهن على أنها برية مما اتهمها به بعلها (راما) , يوم اتهمها بأنها خانت عهده , وأحبت رجلا غيره , فحملت قضيبا من الحديد المصلي بالنار, وسارت به سبع خطوات في سبع دوائر مخطوطة على الأرض. ولما لم تؤذها النار ولم تحرق يدها القابضة على الحديد نادوا ببراءتها. ولم تكن البشعة التي أشارت إليها هذه القصة من منتجات الخيال الشعري فقط, بل نصت عليها القوانين الهندية أيضا، وهذا النوع من البشعة نصت عليها القوانين الإسكندنافية التي فرضت على المتهم أن يسير بالحديد المصلي بالشكل المتقدم ذكره تسع خطوات، وكذلك في القوانين الانجلوسكسونية فقد اشترطوا أن يكون ثقل الحديد المصلي على هذا الشكل ما يعادل نصف كيلو, ثم زادوه إلى ما يقرب من الكيلو ونصف حتى أن ريشاردس زوجة شارلس البدين أثبت أنها بريئة مما اتهموها به بأن ارتدت ثوبا مطليا بالشمع وولجت به النار فلم تؤذها هذه 0
2 - وهنالك نوع آخر, من البشعة كان معروفا في إنجلترا وفي ألمانيا، وهو أن يسير المتهم حافي القدمين على حديد المحراث المتأجج نارا , وأن يخطو تسع خطوات وهو على هذه الحال، ولقد أيدت قوانين العصور الوسطى كلها هذا النوع من البشعة واعتبرته من الإجراءات القانونية التي لا مناص منها حتى أن الملكة (إما) الإنجليزية أم الملك إدوارد المعترف قامت بهذا النوع من البشعة عندما اتهمت بتأسيس صلات غير شريفة بينها وبين الوين أسقف وينشتر، ولم تستطيع تبرئة شرفها إلا بهذه الطريقة، وكذلك فعلت الملكة الألمانية في حادثة كهذه 0
3 - وهنالك نوع آخر من أنواع البشعة معروف في أفريقيا وفي آسيا أيضا، وهو أن يغطس المتهم يده في الماء المغلي , أو في الزيت المغلي , أو في الرصاص الذائب فيخرج منه حجرا أو خاتما يكون قد ألقي فيه عن قصد، حتى أن زنوج أفريقيا يشترطون أن يغطس المتهم ذراعه كله حتى الكوع , وليس يده حتى المرفق فحسب, في الزيت المغلي , فإذا لم يمس اليد أو الذراع أذى حكموا ببراءة صاحبها من التهمة التي أسندت إليه , وإلا أدانوه وعاقبوه من أجلها
4 - ومن أنواع البشعة ما نراه بين البراهمة في الهند إذ يشرب المتهم ثلاث حفنات من ماء غطس فيه صنم مقدس، وهم يعتقدون أن الرجل البريء لا يصيبه أذى إذا شرب هذا الماء والمذنب لابد وأن يصيبه ذلك في بحر أسبوع أو ثلاثة أسابيع من تاريخ شربه، وفي أفريقيا لا يزالون حتى يومنا هذا يسقون المتهم ماء مسموما 0
5 - وهنالك بشعة استعملت في الإسكندرية في العصر الثاني للميلاد، إذ كانوا يطعمون المتهم كسرة من الخبز وأخرى من الجبن بعد أن يقرأ عليهما ما معناه (أن يرسل الإله الملك جبرائيل فيوقف اللقمة في حلق الآكل إذا كان هذا مذنبا أو يسهل عليه بلعها إذا كان برئيا)، وهذا النوع من البشعة أقره القانون الإنجليزي 0"
وكل هذا الكلام كفر اخترعه مجرمون لتبرئة أنفسهم ومن معهم
وتحدث عن أسباب القضاء على هذه العادة فقال:
"أسباب القضاء على البشعة:
1 - الدعوة الإصلاحية في نجد والحجاز: فقد وقفت الدعوة منها موقفا معاديا، واعتبرتها إحدى الممارسات المخالفة لتعاليم الإسلام , وعدوها من العادات الوثنية، حيث أنه تنطوي على نوع من الشرك، وقد أجبر الشيخ محمد بن عبد الوهاب قبيلة مطير على التخلي عنها بأمر صريح منه، فقد كانوا يمارسونها فيما مضى 0
2 - حظر الالتجاء إليها في الدول العربية الحديثة كما حدث في الأردن، فقد صدر فيها قانونا عام 1973 م، بالمنع منعا باتا في اللجوء إليها 0
3 - جهود فردية من علماء الدين وغيرهم ممن يرون فيها أنها إجراء غير إنساني، وإنها غير عادلة 0"
وتحدث عن انها تتنافى مع العقل فقال :
"حكمها العقلي:
قال أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: وهذه البشعه من أغرب الأعمال وأوحشها وأبعدها عن العقل والشرع، وقد جرت مره في الكرك (شرقي الأردن) أمام أحد الأجانب فرفع آلة التصوير وصورها وبعث بها إلى صحف بلاده لنشرها وتشويه سمعة الأمة العربية بها فحبذا الإعراض عنها بتاتا "
وتحدث عن كمها فى الإسلام فقال :
"حكمها الشرعي:
السؤال الأول: يشيع بين القبائل العربية في البادية والحضر ما يسمى (بالبشعة)، وصفتها أنهم عندما يتهم أحدهم بتهمة ما فإنهم يذهبون به إلى شخص يسمونه(المبشع) ويقوم هذا الشخص بتسخين قطعة حديد مستديرة (طاسة) حتى تصل إلى درجة الاحمرار ويطلب من المتهم لعقها فإن لم تصبه بأذى فهو برئ وإن أصابته أو أبى أن يتعرض لها فهو مدان؟
الجواب: لفضيلة الأستاذ علي جمعة محمد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله: البشعة ليس لها أصل في الشرع، وإنما يجب أن نعمل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) رواه الدارقطني، فهذا الحديث الشريف رسم لنا طريق المطالبة بالحق وإثباته أو نفى الادعاء الباطل، وهذا ما يجب على المسلمين أن يتمسكوا به دون سواه من الطرق السيئة التي لا أصل لها في الشرع، بل وتنافي العقائد الثابتة بخصوصية الله تعالى بعلم الغيب، فقال تعالى (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) (الأعراف 188)، والله سبحانه وتعالى أعلم 0
السؤال الثاني: و جاء في موقع الإسلام أون لاين: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فاللجوء إلى البشعة لإثبات الحقوق أو نهي الاتهام عن المتهم لا يجوز شرعا، والبشعة طريقة يستخدمها البدو وغيرهم في معرفة الصدق من الكذب في عدد من القضايا، كمعرفة السارق، وإثبات النسب وغيرها، وهي تحل محل الشهود، ويعد المبشع قائما مقام القاضي، والبشعة تأخذ ثلاثة أشكال:
الطريقة الأولى: الاختبار بالنار: فيحمي المبشع إناء نحاسيا على جمرات الفحم حتى تصل لدرجة الإحماء ويريها الشاهدين، ثم يجعل المتهم يلحسها بلسانه ثلاثا، فإن ظهر على لسان المتهم شيء، حكم المبشع بالدعوى لخصمه، وإلا حكم له، ومرد ذلك عندهم أن المتهم إن كان مذنبا جف ريقه من الخوف وأثرت النار فيه، وإلا فالعكس 0
الطريقة الثانية: الاختبار بالماء: حيث يحضر المبشع إناء فيه ماء، حيث يجلس الشهود والمتهم، ويقوم بالتعزيم عليه، فإن تحرك الإناء فقد ثبتت التهمة على المتهم، وإلا حكم له بالبراءة 0
الطريقة الثالثة: الاختبار بالحلم: وهي أن يحلم المبشع بالمتهم، وبناء على الحلم يحكم عليه اتهاما أو براءة 0
ومثل هذه الطرق الثلاثة لا تجوز شرعا، لما يلي:
1 - أن هناك وسائل إثبات حددها الشرع في القضاء، يجب أن نصير إليها عند التحاكم، وهي: الإقرار، والبينة، والشهود، فإما أن يقر الإنسان بتهمته، أو تكون هناك بينة، أو يقوم الشهود بالشهادة على أنهم رأوا المتهم يسرق أو يفعل ما اتهم فيه، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر) أخرجه البيهقي والدراقطني
2 - أن البشعة ضرب من الشعوذة والسحر، وهي إحدى موروثات البيئة العربية في الجاهلية، فقيام المبشع بالتعزيم على الإناء لا يكون إلا من خلال الاتصال بالجن، وهو محرم بلا خلاف
3 - أن ما يقوم به المبشع من تسخين إناء وادعاء أن المتهم إن لحسه بلسانه ولم يضره دليل على براءته أمر غير منضبط لا يمكن التعويل عليه شرعا، فإن عدم الخوف أو غيره وإسالة لعابه قد يكون عند البعض ولا يكون عند الآخرين، فمن طبائع بعض البشر أنه يخاف بمجرد اتهامه، فينتفي التثبت من صحة ما يدعى في طريقة تسخين الإناء، وهو عاب الله تعالى على من يحكم بالظن، كما في قوله تعالى (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) النجم 28 0
4 - أن الأحلام والرؤى لا ينبني عليها أحكام في الدنيا، وعلى هذا اتفقت كلمة الفقهاء، فلا يجوز في القضاء أن يلجأ إلى حلم شيطاني يوسوس فيه للإنسان، أو يغلب على ظنه شيء، فيكون حديث نفس، فيحكم المبشع على المتهم زورا وبهتانا 0
5 - أن القيام بطريقة البشعة فيها إضرار على الشرع من أكثر من ناحية، فمن ناحية فيها إبطال لقواعد الشرع في إثبات الجرائم، ومن ناحية أخرى فيه إضرار على العقيدة، حيث إن كثيرا من الناس لا يخاف أن يحلف بالله كذبا، ولكن يعظم في قلبه أن يكذب أمام البشعة خشية الفضيحة مما يشاع عنها، ففي مثل هذا تقليل لله في قلوب خلقه، فيخدش التوحيد، وينافي مقتضاه، كما قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أي إلا ليوحدون، أو إلا ليقروا لي بالعبودية طوعا أو كرها، وفعل البشعة وتعظيمها في القلب ينافي هذا 0
6 - أن قبول المتهم بعمل البشعة في حالة وجود النار فيه إهلاك للنفس وتعريضها للتعذيب، وهو منهي عنه شرعا، فكما جاء النهي عن إيذاء المسلم غيره، فلا يجوز أن يؤذي الإنسان نفسه، لأن جسده أمانة عند الله تعالى، واعتداء الإنسان على جسده محرم، سواء أكان بالقتل أم بغيره، كما قال تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) النساء 29، ويقاس عليه كل إيذاء للنفس 0
وعليه: فلا يجوز شرعا اللجوء إلى البشعة ولا اعتبارها في التقاضي، ويأثم فاعلها والمشترك فيها، والراضي عنها، لمخالفتها قواعد الشرع في التقاضي، وأثرها الفاسد على العقيدة والله أعلم 0"
وبناء على ما سبق من نقول نقلها العبدلى يجرم اللجوء للقضاء العرفى واستعمال البشعة وسواها من الأدوات التى لم يذكرها الله فى وحيه
المؤلف محمد فنخور العبدلي وهو يدور حول البشعة وهى حديدة أو معدن يتم تسخينه لوضعه على لسان الفم لمعرفة صدق المتهم أو كذبه وذلك فى المنازعات التى يحكم فيها شيوخ القبائل وشيوخ المنصر وفى هذا قال فى مقدمته :
"وبعد
يتم الفصل في المنازعات بالمناطق القبلية عن طريق الأعراف القبلية التي لها في كثير من الأحيان قوة القانون، ويمثل شيخ القبيلة أو من يقوم مقامه دور القاضي وترتبط قوة قراره بقوة شخصيته 0
فالعرب قديما وحديثا وقبل انتشار وسيادة نظام الدولة في جميع إنحاء العالم كانوا بحاجة ماسة للقضاء منذ وجودهم على هذه الأرض لذلك شيدوا للعدل صرحا وأسسوا له قواعد احترموها وتقيدوا بها ولا يتجاوزونها مهما حدث وإلا تقع عليه عقوبات أخرى أشد وأنكى، ومع أن هذه القوانين لم تكن مكتوبة إلا أنها سائدة ومنتشرة بينهم كالقوانين والأنظمة الحالية المدونة والمكتوبة سواء كانت شرعية إسلامية أو قانونية وضعية 0"
وتحدث العبدلى عن قدم ما يسمى بالمجالس العرفية فقال :
"الأنظمة العرفية القديمة لم تكن وليدة الساعة أو تم إقرارها في جلسة أو اجتماع وإنما هي نتاج سلسلة طويلة من التجارب على مدى سنوات طوال، والغريب أنها لم تكتب وتوزع على القبائل والعشائر، ولم تدون في كتب يتوارثها الأجيال جيل بعد جيل 0
لقد توارثها الأبناء وصانوها جيل بعد جيل، ليس بالكتابة وإنما بالحفظ والمحافظة عليها وعرف أناس بتطبيقها من القضاة والعوارف وأمثالهم
جاء الدين الإسلامي وبرز نوره وانتشر بحمد الله وفضله فكان له الأثر البعيد والكبير في جميع مناحي الحياة العربية والبدوية ولا سيما القضاء العرفي البدوي فأقر الصحيح من العادات والأحكام التي كانت مألوفة في الجاهلية، وألغى منها ما لا يتوافق مع الشرع، أما الذي يحتاج للتعديل فقام بتعديله 0"
وقيام تلك المجالس محرم لوجود قضاء مسلم أوجب الله أن ينشىء له مؤسسة القضاء والناس لم ينشئوا تلك المجالس إلا بعد هدم دولة المسلمين وفى الغالي أنشأها من يريدون الحكم بالظلم اعتمادا على خوف الناس منهم باعتبارهم من يملكون السلاح
وتحدث عن أحد الأنظمة المستخدمة فى القضاء العرفى وهى البشعة فقال :
"ومن القوانين العرفية السائدة هي البشعه التي اعتبرت في فترة من فترات الزمن إحدى الوسائل التي يتم بموجبها إبراء الذمم والتبرئة من التهم وهي تقليد عربي مارسته القبائل العربية قبل وبعد الإسلام 0"
وعرف البشعة فقال :
"تعريف البشعة:
البشعة في اللغة: مشتقة من بشع بتشديد الشين وفتحها، يقال: بشع يبشعا تبشيعا، وهذا بشع بفتح الباء وكسر الشين، وهذه بشعة، والأبشع والبشعاء، أي القبيح والقبيحة، إذن بشع قبح
واصطلاحا: هي التعزير أو التجريم، أي تلبيس الشخص تهمة، ثم إزالتها عنه بالتبشيع، والبشعة على عادات العرب الموروثة لمعرفة المجرم في جريمة وقعت ولم يعرف الأطراف المشاركة بالجريمة 0
قال أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: البشعه هي تلحيس النار المتهم 0"
ووصف البشعة الموجودة حاليا فقال:
"وصف البشعة:
البشعة هي الكي بطرف يد المحماس أو قطعة حديد محمية على النار إلى درجة الاحمرار، حيث يطلب القاضي من المتهم أن يمد لسانه فيلذعه على رأس اللسان، فإذا تركت النار أثرا للكي على اللسان يسند الجرم إليه، وإذا لم يترك الكي أي أثر على رأس اللسان يعلن القاضي براءته 0
فهي إحدى الطرق الذكية التي استخدمها بعض أبناء البادية للحكم على براءة أو إدانة المتهم وهي وسيله لكشف الكذب أو التأكد من براءة متهم ما، تتم عملية (البشعه) بأن يجلس المتهم بجانب (المبشع) وهو الشخص الذي يقوم بالعملية كذلك يجلس الخصوم والشهود لمشاهدة ما يجري حيث يقوم المبشع بتسخين (الميسم) يد محماس القهوة العربية حتى تصبح حمراء من شدة النار ويخرجها ثم ينظر إليها ويقلبها , ثم يرجعها إلى النار ثانية وكل هذا يتم أمام ناظري المتهم وخلال هذه الفترة فأن المبشع يقوم بعمل المحقق فيتحدث المتهم طالبا منه إظهار الحقيقة مبين له مدى خطورة حرق النار للسانه هذا من جهة ومن جهة أخرى فأنه يراقب ملامح وجه المتهم عن قرب وقسمات وجهه والانعكاسات البادية عليه وعندما تصبح يد المحماس قد جهزت واحمرت من شدة النار فأن المبشع يطلب من المتهم مد لسانه حيث يقوم بوضعها على اللسان بسرعة ومهارة لا يتقنها إلا قلة عرفوا بهذا الفن وتمرسوا عليه , ثم ينتظر الجميع بضع دقائق ثم يطلب المبشع من المتهم مد لسانه مره أخرى أمام الجميع فإذا ظهرت البثور على لسانه فأن ذالك يعني تجريم المتهم وإذا بقى لسانه سليما فذالك يعني براءته من التهمة المنسوبة إليه ويعلن المبشع حينها براءته، قال أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: البشعه هي تلحيس النار المتهم , أعني عندما تنفذ جميع الأدلة الثبوتية لإظهار المجرم , يقرر القاضي إرسال المتهم إلى رجل من أهل الطرق الصوفية كالرفاعية وأمثالهم يدعونه (المبشع) وهذا الرجل يأتي بقضيب عريض من الحديد ويحميه بالنار بحضور المدعي أو وكيله حتى يبلغ أقصى حد من الحرارة ويمسح به لسان المتهم بكل سرعه ولباقة , ثم يناوله في الحال شربة ماء، فإذا حصل ضرر في لسانه أعلن المبشع أن لاحس النار مجرم، وإن لم يحصل ضرر يعلن براءته "
وهذا الكلام من العبدلى عن أن البشعة ذكاء من القضاء هو خبل وحمق فهى لا تظهر الصادق من الكاذب لأنها تعتمد على معرفة المتهم فمن يعرف أن ابقاء أو اكثار الروال فى الفم يطفىء حرارة البشعة ومن ثم لا يتم لسعه لأن الماء عندما يقابل طرف المحماس أو الحديد يبطل شدة حرارتها ولكن لو تم تجفيف اللسان وإخراجه خارج الفم فسيتم لسع البرىء والمجرم معا لأن العملية كلها تعتمد على وجود الروال
والعملية مثلها مثل المشى على النار فالحشيش قبل جمرات النار يكون مبلل بالماء وهو ما يكون طبقة خفيفة من التراب أو الماء تجعل الرجل لا يتم لسعها
وتحدث عن مكانة المبشع فى القضاء العرفى:
"منزلة المبشع:
"فيها رأيان هما:
الأول: أنه قاضي: يعد المبشع في العرف القبلي قاضيا بل أكبر القضاة، فعن طريقه تحسم القضايا الصعبة، ففي منتدى الملتقى العربي المبشع: هو قاضى الجرائم المنكرة التي لا شهود لها ويتم اختبار المدعى عليه بالماء أو بالنار أو بالرؤيا 0
الثاني: المبشع ليس بقاضي ولكنه صاحب طريقة أو معرفة ونحو ذلك لكنه أدنى منزلة من القاضي، يقول أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: يقرر القاضي إرسال المتهم إلى رجل من أهل الطرق الصوفية كالرفاعية وأمثالهم يدعونه (المبشع) فهنا يقرر أن المبشع غير القاضي في عرف مستخدميها 0"
وتحدث عن أن مهنة المبشع يتوارثها بعض العائلات فقال :
"مهنة المبشع:
مهنة المبشع وراثية تحتكرها قبائل معينة، وداخل القبيلة عشيرة معينة، وجرت العادة أن يكون المبشع من (رجال الدين) لأنها في معتقد القبليين جانب روحي وديني , ويعتبرونه من الصالحين، الأتقياء، ويؤمنون بصحة أقواله، وصدق أحكامه، قال عارف العارف في كتابه القضاء عند البدو: لا يستطيع أي كان من البدوان يكون مبشعا، بل هنالك عائلات مخصوصة، وإذا مات المبشع يخلفه أكبر رجل من عائلته , حتى إذا لم يكن هذا هو الأفضل، لا ينتخب المبشع انتخابا وإنما هو يصل إلى منصبه بحكم الوراثة والعادة 0"
والحقيقة أن القضاء العرفى من يعملون به معظمهم شيوخ منصر – كبار اللصوص والمجرمين - والقليل منهم من يتقى الله ومن ثم يتم التوارث لجمع المال وغيره والحياة على قفا المتقاضين فى الغالب0
وتحدث عن مكان عمل البشعة وهو بيت الرجل الذى يقوم فقال :
"أين تعقد البشعة؟
تعقد البشعة في بيت المبشع، أو على مقربة منه، فالخصوم هم الذين ينتقلون إلى حيث يقيم المبشع مهما طال السفر في الغالب، ونفقات البشعة يتحملها الطرف الخاسر 0"
وتحدث عن كيفية اللجوء للبشعة فقال :
"كيفية الالتجاء إلى البشعة
1 - تكون المبادرة للالتجاء إلى البشعة من أحد الطرفين المتخاصمين 0
2 - قد تصدر المبادرة من القاضي الذي ينظر في الخصومة، قال أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: عندما تنفذ جميع الأدلة الثبوتية لإظهار المجرم , يقرر القاضي إرسال المتهم إلى رجل من أهل الطرق الصوفية كالرفاعية وأمثالهم يدعونه (المبشع) 0
3 - قد تكون من الرجل نفسه الذي تدور حوله الشكوك، عندما يكون على يقين من براءته، حتى يتجنب انتقام المجني عليه، فيبدي استعداده للخضوع للبشعة، في هذه الحالة لا يجوز للطرف الثاني رفض عرضه 0
قال عارف العارف في كتابه القضاء عند البدو: المدعي هو الذي يطلب بشعة المدعى عليه في أغلب الحالات، وقد يرفض المدعى عليه أن يبشع فيحكم عليه القضاة بالبشعة، وفي بعض الأحيان يكون الطالب للبشعة هو المدعى عليه تخلصا من التهمة الموجهة إليه، والمدعي هو الذي يختار المبشع , ليس المدعى عليه، ذلك لأنه هو الرجل الذي يجب أن يطمئن وله الخيار في أن يصر على حقه هذا أو يعدل عنه 0"
والحقيقة التى لم يذكر المؤلف هنا أن من يطلب أن يلحس البشعة إما أن يكون عارفا بكيفية ابطال عملها وإما أن يكون أحمقا ومن ثم فالعملية كلها تعتمد على الخداع والمكر وهو أمر مشهور فى الكثير من القبائل
وتحدث عن خطوات العمل فقال :
"خطوات البشعة"
"1 - يوضع محماس البن أو حديدة مصفحة وما شابهها في النار حتى يصبح شديد الاحمرار
2 - يخرج المبشع المحماس ثم يفرك به ذراعه ثلاث مرات لكي يؤكد أن النار لا تضر الأبرياء 0
3 - يمد المبشع المحماس إلى الشخص المتهم ويقول له أبشع أو ألحس 0
4 - على المتهم أن يمد لسانه للحاضرين كي يريهم أن لسانه سليم وليميزوا حالة لسانه قبل البشعة وبعدها 0
5 - يلحس المتهم المحماس ثلاث مرات وهو بيد المبشع ثم يتمضمض ببعض الماء 0
إذا ظهر على لسانه أي أثر للنار حكموا عليه بأنه مذنب وإلا فهو بريء "
وتحدث عن الاجراءات فقال :
"إجراءات البشعة:
"1 - الاستماع لعرض تفاصيل القضية من الطرفين 0
2 - الاستماع للشهود 0
3 - تلاوة تفاصيل الموضوع من قبل المبشع ليقنع الحضور بأنه على وعي تام بعناصر الموضوع محل النزاع 0
4 - حث الطرفين على عدم المضي في إجراءات البشعة وإنه من الأفضل الاتفاق وديا وعلى المتهم الاعتراف إن كان مذنبا مع أن الحل الودي سيحرم المبشع من أجرته إلا إنه يطرحه عليهم بشكل جدي 0
5 - إذا فشلت المساعي الودية: يقدم كل من المتخاصمين كفيلا يضمن تنفيذ ما يلزمه المكفول فكفيل المدعي يتعهد بامتناع المدعي عن الانتقام من المدعى عليه إذا أدين، وكفيل المدعى عليه يتعهد بأداء ما يفرضه العرف عليه إذا أدين 0
6 - لحس النار 0
ماذا يحدث بعد مجلس البشعة
قال أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: وحينئذ يرفع من تبرأ راية بيضاء وينادي قائلا (بيض الله وجه المبشع وبيض الله وجه الكفيل)"
وتحدث عن الجرائم التى تطبق فيها البشعة فقال :
"مجال تطبيق البشعة:
من أكثر الجرائم التي يستعان فيها بالبشعة هي جرائم:
1 - القتل
2 - العرض
3 - السرقة
4 - إثبات النسب"
وتحدث عن أماكن انتشاها فى بلاد المنطقة فقال :
"مكان انتشارها:
كانت شائعة في المجتمعات القبلية القديمة والمعاصرة وبعض المجتمعات المدنية القديمة وقد انتشرت في فلسطين والأردن وقبائل شرق الأردن وسوريا ومصر وخصوصا في سيناء، فهي منتشرة عند كثير من القبائل العربية مثل بني عطية والحويطات وقبائل شرق الأردن وسيناء وفي أرجاء الجزيرة العربية كما في قبائل عنزة، وفي الحجاز، وفي وعمان وحضرموت وغيرها من القبائل العربية بيد أنها أكثر ما اشتهرت وسط عربان الشرقية في مصر على أيدي مبشعين مشهورين أمثال العيادي والجريري، قال عارف العارف في كتابه القضاء عند البدو: البشعة طريقة من طرق التقاضي مألوفة لدي عربان السبع 0"
وتحدث عن اختلاف الآراء فى البشعة فقال :
"اختلفت الآراء حول البشعه:
قال عارف العارف في كتابه القضاء عند البدو: البشعة طريقة من طرق التقاضي تشبه الشعوذة الهندية القديمة التي يجد المرء جذورها في عبادة المجوس للنار 0
وعن البشعة ونظرة الناس لها فمنهم من:
1 - يرى أنها صحيحة واستخدمت قديما عند بعض القبائل ودليلهم فيها إن الرجل الصدوق يكون واثقا من نفسه بحيث لا يجف ريقه ويكون لسانه مبتلا فلا تؤثر فيه حرارة المعدن ويعلن المبشع حينها براءته وأما الكاذب فيكون مضطربا لدرجة أن ريقه يجف مما يسهل التصاق قطعة الحديد بلسانه وهنا تثبت التهمة عليه 0
2 - يرى أنها طريقة صوفية حيث قال أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: يقرر القاضي إرسال المتهم إلى رجل من أهل الطرق الصوفية كالرفاعية وأمثالهم يدعونه (المبشع) 0
3 - يرى أنها نوع من أنواع السحر والشعوذة وكانت تستخدم بنطاق ضيق لحل المنازعات الكبرى بين الناس ومن يمارس هذا الدور وهو المبشع هو ساحر أو كاهن وله طريقته للاستدلال على معرفة المتهم من خلال الشعوذة والسحر 0
4 - يراها أنها عملية خرافية بدائية لا تتعدى كونها شعوذة 0
5 - أنها خرافة لا أصل لها ولكنها طريقة لكشف الكذب فقط حيث أن الهدف منها التحقق من دعوى المتخاصمين بعدم توفر الدلائل والشهود ويستطيع القائم بهذا العمل معرفة ملامح وجه المتهم أثناء تسخين قطعة الحديد حين يقوم المبشع بتقليب قطعة الحديد أمام نظر المتهم لتصبح حمراء و ينظر إلى وجهه ويقلبها مرة أخرى وهو يتحدث معه طالبا منهم إظهار الحقيقة مبينا له أن الكاذب ستحرق النار لسانه ويضرب له أمثلة بفلان وفلان وهنا يلعب العامل النفسي دوره حيث يعترف المتهم قبل البدء بها بتهمته وهنا تحل القضية عن طريق البشعة التي لم تمارس حقيقة 0
6 - يراها أنها وسيله جيدة لإظهار حقيقة المتهم وذلك عند عدم توفر الشهود في جرائم مهمة ومصيرية مثل جرائم القتل والسرقة والشرف وغيرها، وفي نظرهم أن المبشع رجل بدوي ذكي يلجأ إلى الاستفسار المسبق عن المشكلة قبل أن تحال إليه ويحصل على صورة شبه كاملة عن الجريمة وأطرافها وحيثياتها كما يرون أنها ليست ضربا من ضروب السحر والشعوذة واقرب تفسير علمي لها هو أن المتهم من شدة خوفه وارتباكه يجف لعابه فإذا ما لامست الأداة الحارة لسانه التصقت به وأحدثت به أثرا بالغا يظهر للعيان أما البريء المطمئن لبراءته فأن لعابه يحول دون التصاق محماس القهوة الحار بلسانه شرط أن لا تستمر الملامسة أكثر من اللازم وهنا تظهر مهارة من يمارس البشعة كطريقة وأسلوب يكتشف من خلاله المذنب من البريء , وهذا الأسلوب الفذ الذي تفتقت عنه العبقرية البدوية 0
7 - يرى أن البشعه عمليه نفسية حيث يأتي المتهم ويكون فعلا مخطئ يكون خائف وعند ذلك يجف ريقه، فعندما يلعق المعدن الذي تحول لونه إلى الأسود بعد الأحمر من شدة الاحتراق لا يكون على لسانه لعاب فتكويه النار فيعرف انه كاذب والعكس 0
8 - يرى أن البشعة نوع من أنواع الشرك، خاصة إذا صاحبها اعتقاد 0
9 - يرى أن البشعه عبارة عن حديدة مكتوب عليها بعض الطلاسم يشك بها لسان المتهم أو المتخاصمين أو يضع الخصوم والمتهمون ألسنتهم عليها لاعتقادهم أنها لا تؤدي إلا المذنب وقد تلاشت هذه العادة مؤخرا ولم يعد يعمل بها 0"
والعبدلى لم يناقش حقيقة أن البشعة ليس من أدوات العقاب فى الإسلام ومن ثم يحرم استخدامها لكونها لا تظهر صادقا من كاذبا وإنما تعتمد على معرفة من تجرب عليه البشعة من خلال اكثار الروال أو وضع طبقة من السمن أو غيره من مانعات الحرق على اللسان
و قد شرع الله مكانها هى وغيرها القسم بالله كما قال تعالى :
" تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله"
ومن ثم يمنع منعا باتا استخدامها فى بلاد المسلمين فيهم أو فى غيرهم لأن من اخترعها أو من اخترعوها هم فى الأصل المجرمون الذين كانوا يريدون تبرئة أنفسهم بطرق غير شرعية
وتحدث عن أن الأمم الأخرى أيضا تتبع هذا النظام فقال :
"البشعة في المجتمعات الأخرى:
قال عارف العارف في كتابه القضاء عند البدو:
1 - لقد ذكرت البشعة في الشعر الهندي عندما أرادت (سيتا) أن تبرهن على أنها برية مما اتهمها به بعلها (راما) , يوم اتهمها بأنها خانت عهده , وأحبت رجلا غيره , فحملت قضيبا من الحديد المصلي بالنار, وسارت به سبع خطوات في سبع دوائر مخطوطة على الأرض. ولما لم تؤذها النار ولم تحرق يدها القابضة على الحديد نادوا ببراءتها. ولم تكن البشعة التي أشارت إليها هذه القصة من منتجات الخيال الشعري فقط, بل نصت عليها القوانين الهندية أيضا، وهذا النوع من البشعة نصت عليها القوانين الإسكندنافية التي فرضت على المتهم أن يسير بالحديد المصلي بالشكل المتقدم ذكره تسع خطوات، وكذلك في القوانين الانجلوسكسونية فقد اشترطوا أن يكون ثقل الحديد المصلي على هذا الشكل ما يعادل نصف كيلو, ثم زادوه إلى ما يقرب من الكيلو ونصف حتى أن ريشاردس زوجة شارلس البدين أثبت أنها بريئة مما اتهموها به بأن ارتدت ثوبا مطليا بالشمع وولجت به النار فلم تؤذها هذه 0
2 - وهنالك نوع آخر, من البشعة كان معروفا في إنجلترا وفي ألمانيا، وهو أن يسير المتهم حافي القدمين على حديد المحراث المتأجج نارا , وأن يخطو تسع خطوات وهو على هذه الحال، ولقد أيدت قوانين العصور الوسطى كلها هذا النوع من البشعة واعتبرته من الإجراءات القانونية التي لا مناص منها حتى أن الملكة (إما) الإنجليزية أم الملك إدوارد المعترف قامت بهذا النوع من البشعة عندما اتهمت بتأسيس صلات غير شريفة بينها وبين الوين أسقف وينشتر، ولم تستطيع تبرئة شرفها إلا بهذه الطريقة، وكذلك فعلت الملكة الألمانية في حادثة كهذه 0
3 - وهنالك نوع آخر من أنواع البشعة معروف في أفريقيا وفي آسيا أيضا، وهو أن يغطس المتهم يده في الماء المغلي , أو في الزيت المغلي , أو في الرصاص الذائب فيخرج منه حجرا أو خاتما يكون قد ألقي فيه عن قصد، حتى أن زنوج أفريقيا يشترطون أن يغطس المتهم ذراعه كله حتى الكوع , وليس يده حتى المرفق فحسب, في الزيت المغلي , فإذا لم يمس اليد أو الذراع أذى حكموا ببراءة صاحبها من التهمة التي أسندت إليه , وإلا أدانوه وعاقبوه من أجلها
4 - ومن أنواع البشعة ما نراه بين البراهمة في الهند إذ يشرب المتهم ثلاث حفنات من ماء غطس فيه صنم مقدس، وهم يعتقدون أن الرجل البريء لا يصيبه أذى إذا شرب هذا الماء والمذنب لابد وأن يصيبه ذلك في بحر أسبوع أو ثلاثة أسابيع من تاريخ شربه، وفي أفريقيا لا يزالون حتى يومنا هذا يسقون المتهم ماء مسموما 0
5 - وهنالك بشعة استعملت في الإسكندرية في العصر الثاني للميلاد، إذ كانوا يطعمون المتهم كسرة من الخبز وأخرى من الجبن بعد أن يقرأ عليهما ما معناه (أن يرسل الإله الملك جبرائيل فيوقف اللقمة في حلق الآكل إذا كان هذا مذنبا أو يسهل عليه بلعها إذا كان برئيا)، وهذا النوع من البشعة أقره القانون الإنجليزي 0"
وكل هذا الكلام كفر اخترعه مجرمون لتبرئة أنفسهم ومن معهم
وتحدث عن أسباب القضاء على هذه العادة فقال:
"أسباب القضاء على البشعة:
1 - الدعوة الإصلاحية في نجد والحجاز: فقد وقفت الدعوة منها موقفا معاديا، واعتبرتها إحدى الممارسات المخالفة لتعاليم الإسلام , وعدوها من العادات الوثنية، حيث أنه تنطوي على نوع من الشرك، وقد أجبر الشيخ محمد بن عبد الوهاب قبيلة مطير على التخلي عنها بأمر صريح منه، فقد كانوا يمارسونها فيما مضى 0
2 - حظر الالتجاء إليها في الدول العربية الحديثة كما حدث في الأردن، فقد صدر فيها قانونا عام 1973 م، بالمنع منعا باتا في اللجوء إليها 0
3 - جهود فردية من علماء الدين وغيرهم ممن يرون فيها أنها إجراء غير إنساني، وإنها غير عادلة 0"
وتحدث عن انها تتنافى مع العقل فقال :
"حكمها العقلي:
قال أحمد وصفي زكريا في كتابه عشائر الشام ص 271: وهذه البشعه من أغرب الأعمال وأوحشها وأبعدها عن العقل والشرع، وقد جرت مره في الكرك (شرقي الأردن) أمام أحد الأجانب فرفع آلة التصوير وصورها وبعث بها إلى صحف بلاده لنشرها وتشويه سمعة الأمة العربية بها فحبذا الإعراض عنها بتاتا "
وتحدث عن كمها فى الإسلام فقال :
"حكمها الشرعي:
السؤال الأول: يشيع بين القبائل العربية في البادية والحضر ما يسمى (بالبشعة)، وصفتها أنهم عندما يتهم أحدهم بتهمة ما فإنهم يذهبون به إلى شخص يسمونه(المبشع) ويقوم هذا الشخص بتسخين قطعة حديد مستديرة (طاسة) حتى تصل إلى درجة الاحمرار ويطلب من المتهم لعقها فإن لم تصبه بأذى فهو برئ وإن أصابته أو أبى أن يتعرض لها فهو مدان؟
الجواب: لفضيلة الأستاذ علي جمعة محمد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله: البشعة ليس لها أصل في الشرع، وإنما يجب أن نعمل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) رواه الدارقطني، فهذا الحديث الشريف رسم لنا طريق المطالبة بالحق وإثباته أو نفى الادعاء الباطل، وهذا ما يجب على المسلمين أن يتمسكوا به دون سواه من الطرق السيئة التي لا أصل لها في الشرع، بل وتنافي العقائد الثابتة بخصوصية الله تعالى بعلم الغيب، فقال تعالى (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون) (الأعراف 188)، والله سبحانه وتعالى أعلم 0
السؤال الثاني: و جاء في موقع الإسلام أون لاين: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فاللجوء إلى البشعة لإثبات الحقوق أو نهي الاتهام عن المتهم لا يجوز شرعا، والبشعة طريقة يستخدمها البدو وغيرهم في معرفة الصدق من الكذب في عدد من القضايا، كمعرفة السارق، وإثبات النسب وغيرها، وهي تحل محل الشهود، ويعد المبشع قائما مقام القاضي، والبشعة تأخذ ثلاثة أشكال:
الطريقة الأولى: الاختبار بالنار: فيحمي المبشع إناء نحاسيا على جمرات الفحم حتى تصل لدرجة الإحماء ويريها الشاهدين، ثم يجعل المتهم يلحسها بلسانه ثلاثا، فإن ظهر على لسان المتهم شيء، حكم المبشع بالدعوى لخصمه، وإلا حكم له، ومرد ذلك عندهم أن المتهم إن كان مذنبا جف ريقه من الخوف وأثرت النار فيه، وإلا فالعكس 0
الطريقة الثانية: الاختبار بالماء: حيث يحضر المبشع إناء فيه ماء، حيث يجلس الشهود والمتهم، ويقوم بالتعزيم عليه، فإن تحرك الإناء فقد ثبتت التهمة على المتهم، وإلا حكم له بالبراءة 0
الطريقة الثالثة: الاختبار بالحلم: وهي أن يحلم المبشع بالمتهم، وبناء على الحلم يحكم عليه اتهاما أو براءة 0
ومثل هذه الطرق الثلاثة لا تجوز شرعا، لما يلي:
1 - أن هناك وسائل إثبات حددها الشرع في القضاء، يجب أن نصير إليها عند التحاكم، وهي: الإقرار، والبينة، والشهود، فإما أن يقر الإنسان بتهمته، أو تكون هناك بينة، أو يقوم الشهود بالشهادة على أنهم رأوا المتهم يسرق أو يفعل ما اتهم فيه، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر) أخرجه البيهقي والدراقطني
2 - أن البشعة ضرب من الشعوذة والسحر، وهي إحدى موروثات البيئة العربية في الجاهلية، فقيام المبشع بالتعزيم على الإناء لا يكون إلا من خلال الاتصال بالجن، وهو محرم بلا خلاف
3 - أن ما يقوم به المبشع من تسخين إناء وادعاء أن المتهم إن لحسه بلسانه ولم يضره دليل على براءته أمر غير منضبط لا يمكن التعويل عليه شرعا، فإن عدم الخوف أو غيره وإسالة لعابه قد يكون عند البعض ولا يكون عند الآخرين، فمن طبائع بعض البشر أنه يخاف بمجرد اتهامه، فينتفي التثبت من صحة ما يدعى في طريقة تسخين الإناء، وهو عاب الله تعالى على من يحكم بالظن، كما في قوله تعالى (وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) النجم 28 0
4 - أن الأحلام والرؤى لا ينبني عليها أحكام في الدنيا، وعلى هذا اتفقت كلمة الفقهاء، فلا يجوز في القضاء أن يلجأ إلى حلم شيطاني يوسوس فيه للإنسان، أو يغلب على ظنه شيء، فيكون حديث نفس، فيحكم المبشع على المتهم زورا وبهتانا 0
5 - أن القيام بطريقة البشعة فيها إضرار على الشرع من أكثر من ناحية، فمن ناحية فيها إبطال لقواعد الشرع في إثبات الجرائم، ومن ناحية أخرى فيه إضرار على العقيدة، حيث إن كثيرا من الناس لا يخاف أن يحلف بالله كذبا، ولكن يعظم في قلبه أن يكذب أمام البشعة خشية الفضيحة مما يشاع عنها، ففي مثل هذا تقليل لله في قلوب خلقه، فيخدش التوحيد، وينافي مقتضاه، كما قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) أي إلا ليوحدون، أو إلا ليقروا لي بالعبودية طوعا أو كرها، وفعل البشعة وتعظيمها في القلب ينافي هذا 0
6 - أن قبول المتهم بعمل البشعة في حالة وجود النار فيه إهلاك للنفس وتعريضها للتعذيب، وهو منهي عنه شرعا، فكما جاء النهي عن إيذاء المسلم غيره، فلا يجوز أن يؤذي الإنسان نفسه، لأن جسده أمانة عند الله تعالى، واعتداء الإنسان على جسده محرم، سواء أكان بالقتل أم بغيره، كما قال تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) النساء 29، ويقاس عليه كل إيذاء للنفس 0
وعليه: فلا يجوز شرعا اللجوء إلى البشعة ولا اعتبارها في التقاضي، ويأثم فاعلها والمشترك فيها، والراضي عنها، لمخالفتها قواعد الشرع في التقاضي، وأثرها الفاسد على العقيدة والله أعلم 0"
وبناء على ما سبق من نقول نقلها العبدلى يجرم اللجوء للقضاء العرفى واستعمال البشعة وسواها من الأدوات التى لم يذكرها الله فى وحيه