رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب الكوارث ومسئولية المجتمع
الكتاب من تأليف حسن موسى الصفار وهو يدور حول الوقاية من الكوارث وعلاجها وقد بين الصفار أن الكوارث هى نوع من الابتلاءات ابتلاءات الشر التى يبتلى بها البشر فقال:
"يتعرض الإنسان في الحياة إلى كافة الاحتمالات والتقلبات فكما أن الله تعالى يفيض عليه من نعمه ومن خيراته، فإنه جل وعلا يعرضه للابتلاء والامتحان بالمشاكل والمحن ومختلف أنواع الابتلاءات يقول تعالى : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) وهذه الآية الكريمة تعتبر أن أي شيء يواجه الإنسان في حياته إنما هو يندرج ضمن عملية الامتحان أو " الابتلاء " بقسميه : الخير والشر( ونبلوكم ): أي نمتحنكم (بالشر والخير): إن الشر والخير هو ما يعتقده الإنسان شراً أو خيراً، وليس هو الشر والخير بالمعنى المجرد والمحض لهما، بل ما يعتبره الإنسان كذلك"
ويبين الصفار كون أن الشر قد ينتج عنه خير فيقول:
" فالله جل وعلا يمتحنك بما تعتبره أنت شراً، ولكن هل هو في الحقيقة شرٌ أم ليس كذلك، هذا بحث آخر فالمرض - مثلاً - ابتلاء يعتبره الإنسان شراً، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك بالمعنى المطلق بل هو شر نسبي فكم مرض أورث مناعة لصاحبه، وكم من مرض صغير قاد إلى اكتشاف مرض خطير في جسم حامله ولولا فحوصات أجريت لعلاج المرض الصغير لما تم اكتشاف المرض الخطير وتداركه"
وبالقطع الشر هو شر لمن يصيبه لا يرى فيه خير وأما وجود خير فيما بعد من هذا الشر سواء بعد وقت قليل أو وقت طويل فهذا أمر لا يكون فى اعتبار الإنسان فى ساعة الإصابة
وبين الصفار كون الفتنة سبب لتطوير الفرد والأمة فقال:
( فتنة ): أي أن كل ما يجري عليكم إنما هو امتحان وافتتان لكم
الامتحان يطور الفرد والأمة
إن الامتحان يمكن تصوره على معنيين: امتحان للدنيا، وامتحان للآخرة أما امتحان الدنيا فإنه من المفروض أن يؤدي إلى تطوير قدرة الإنسان على مواجهة تحديات الحياة، وذلك عندما يشعر الإنسان أنه أصبح في مواجهة تحدٍ ما لا بد له من التغلب عليه، وإلا فكيف استطاع الإنسان أن يطور وسائل الحياة وأساليب المعيشة ونوع السكن ووسائل التنقل الخ لولا أنه وجد نفسه في حاجة إلى التغلب على التحديات الطبيعية التي كان يواجهها"
والابتلاء ليس سببا للتطور وإنما هو اختبار لمعرفة من الأحسن عملا أى من يطيع الله ممن يعصاه كما قال تعالى " ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
ويبين أن الشرور هى سبب الاختراعات والاكتشافات فيقول:
"إن أكثر الاكتشافات والاختراعات إنما حصل استجابة لتحديات وحاجات، فتطور علم الطب مثلاً وخاصة ما نجده الآن من تسارع في تقدم أبحاث الهندسة الوراثية ما كان ليحصل لولا ما واجهه الإنسان من مشاكل الأمراض ومخاطر الإصابات وكما قيل: الحاجة أم الاختراع وكلما أصاب الإنسان خطر أو مصيبة اهتم بالتفكير في تجاوز ذلك الخطر وتلافي تلك المصيبة
إننا نتصور أن الله خلق الحياة بمشاكلها وصعوباتها حتى يبتلي هذا الإنسان فهل يفجر طاقاته ويستشير مواهبه من أجل مواجهتها أم لا ؟"
وهذا الكلام ليس صحيحا فليست المشاكل والمصائب هى سبب الاختراعات والاكتشافات دوما وإنما هى أمور متعددة فالبعض قد يخترع أو يكتشف لإراحة الناس كمن اختراع الجرار ذو المحراث بدلا من محراث الحيوان أو ليكسب ماديا مثل شركات الأجهزة الكهربية الحالية كالشاشات والتلفازات أو ليضل الناس مثل من يخترع القضبان الصناعية كى تمارس النساء الزنى مع بعضهن أو وحدهن
ويبين الصفار أن الناس نوعين فى مواجهة مشاكلهم فيقول:
"وها أنت تجد أن لديك نوعين من الناس في مواجهة هذه الحقيقة :
النوع الأول: الذي لا يتصدى لحل مشاكله إلا إذا ألحت عليه المشكلة إلحاحاً شديداً وجعلته في حال من البأساء والضراء لا يمكن تحمله، حينئذ يفكر في حل المشكلة
النوع الثاني : هو الذي يفكر في حل المشكلة حتى قبل أن تحدث أو تتفجر، أو قل الذي يفكر بمنهج الوقاية لا العلاج ويعتقد أن درهم وقاية خير من قنطار علاج
إن احتمال المشكلة – لا وجودها فقط – هو الذي يدفعه للتفكير في تخطيها "
ونسى الصفار نوع أخر من الناس وهم من يتركون المشاكل بلا مواجهة على الإطلاق حيث يصابون بحالة من الجنون أو يتركون مقر إقامتهم ويهيمون فى البلاد
وبين الصفار أن المعنى الثانى للابتلاء هو من يحدد مصير الإنسان فى الأخرة وهو كلام ليس صحيحا فالابتلاء واحد يهدف لحسن كلا الدارين فيقول :
"والمعنى الآخر الذي يمكن تصوره للامتحان هو أنه امتحان لتحديد مصير الإنسان في الآخرة، ذلك أن هذه الابتلاءات تكشف جوهر القيم والعقائد التي يحملها الإنسان في داخله تجاه خالقه، بل وتكشف معدن المثل والقناعات التي يتحلى بها تجاه هذه الابتلاءات هل يحمل الصبر والشكر أم الكفر والجحود، هل لديه شيء من الرضى والتسليم أم أنه مشحون بالضجر والسخط، هل يفوض أموره كلها لله أم تراه يبحث حتى عن الشيطان حتى يخلصه، وهل أن يقينه برحمة الله وحكمته يجعلانه مطمئناً راضياً أم غير ذلك
ان الإنسان لن يخلد في هذه الحياة، إنما خلوده في الحياة الأخرى (( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون )) فحتى تحصل على الخلود في جنات النعيم لا بد من مواجهة افتتان الخير والشر بنجاح
وقد يساعدك أيها الإنسان في مواجهة ضغوط الحياة أن تعلم أن ضغوطها مؤقتة ولن تستمر طويلاً ثم إلى الله ترجع الأمور أي أنها (( فتنة وإلينا ترجعون ))"
بالقطع وضع الله أحكام الابتلاءات المختلفة فبين ما يفعله الإنسان عند كل مصيبة فمن أطاع الله بتلك الأحكام عرف أن مصيره الجنة ومن عصى فهو حسب ما يعتقد فى نفسه
تساءل الصفار عن كيفية مواجهة الكوارث فقال:
كيف نواجه الكوارث؟
إن المشاكل والابتلاءات التي تصيب الناس أنواع :-
فمنه ما تسببه الطبيعة بحسب نظامها وتركيبها
ومنه ما يتسبب به مستخدم الطبيعة ومستثمرها
ومن قبيل الصنف الأول تلك الكوارث الطبيعية التي تحدث بين آونة وأخرى، كالزلازل والبراكين والفيضانات، والانهيارات الرملية أو الثلجية والأعاصير الخ
والزلزال الذي ضرب مدينة أزميت واستنبول التركية مؤخراً هو واحد من تلك الكوارث، فقد راح ضحية الزلزال أكثر من 14 ألف إنسان أما المصابون فأكثر من أربعين ألف مصاب، وأما الخسائر المادية فيكفي أن نعلم أن المبالغ المطلوبة لتغطية الخسائر الناجمة عن الدمار والخلل في الإنتاج وشلل الحركة الاقتصادية تزيد عن 25 بليون دولار
وكما تختلف مواجهة الإنسان الفرد لابتلاءاته، تختلف أيضاً مواجهة الشعوب لابتلاءاتها وهكذا نجد في هذا الزلزال مصداقاً آخر من مصاديق الفشل في مواجهة الابتلاء قبل وقوعه وبعد وقوعه
فرغم أن تركيا تقع على خط الزلزال إلا أنه لا الحكومة ولا الشعب التركي كانوا مستعدين لمواجهة الكارثة والمضحك المبكي أن الحكومة التركية تمثلت صراعها مع الحركات الإسلامية حتى في أوج وذروة الهلع والفزع الذي عم الناس بعد الزلزال، فقد حالت الحكومة دون مبادرة المؤسسات الأهلية والاجتماعية الإسلامية في المساعدة في تخفيف آثار الزلزال، لأن الحكومة لا تريد لهذه المؤسسات الإسلامية أن تكسب رصيداً شعبياً ومعنوياً يضاف إلى رصيدها المتنامي أصلاً، بل تريد أن تصفي حسابها معهم حتى في مثل هذه الكارثة، حتى ولو كان الشعب التركي الذي يفترض أن الطرفين يتنافسان لخدمته، أصبح في هذه الحالة هو الضحية
أما الصنف الثاني من الكوارث فهي ما يتسبب به مستخدم الطبيعة، وما قد يمكن أن نسميه بـ: الكوارث الصناعية مثل حوادث السيارات، والقطارات والطائرات وغرق العبارات والحرائق، وحدوث الانفجارات في مصانع السلاح وتسرب نفط الناقلات العملاقة في البحار وغير ذلك كثير مما يكون سببه حدوث خلل ما يؤدي إلى وقوع تلك الكارثة فيسقط الضحايا، وتتضرر البيئة، وتنتشر الأمراض وكما حصل في كارثة مصنع المبيدات الحشرية في بلدة (( بهوبال )) الهندية في 17 ديسمبر 1984 م حينما حدث تسرب خطير لغاز ( ايزوسيانات الميتيل ) نتيجة لخطأ فني بسبب سوء المراقبة، ويعتبر هذا المصنع ثاني مصنع في العالم لإنتاج هذا الغاز الشديد السمية، وهو غاز سائل بلا لون سريع التبخر وقد فقد الألوف بصرهم في منطقة بهوبال البالغ عدد سكانها 672,000نسمة ، وقد توفي أكثر من 2500 شخص وأصيب أكثر من 3000 بأمراض خطيرة !!وكذلك كارثة تشرنوبل في المفاعل النووي السوفيتي
المنطقة
من لطف الله تعالى فإنه جنب بلادنا الكثير من الحوادث والكوارث، ولعل من أبرز ما أصاب المنطقة كارثتان :
الأولى: كارثة طبيعية وهي الإعصار الشديد الذي حصل ليلة الجمعة 13/ 3 /1344هـ أي قبل حوالي 76 سنة، واستمر لمدة نصف ساعة تقريباً، وأدى إلى سقوط آلاف النخيل والأشجار، وهدم الأكواخ وبعض المنازل، والأسوأ من ذلك غرق العشرات من الغواصين والبحارين الذين كانوا يعملون في الغوص والملاحة البحرية، وأطلق على تلك السنة التي حصلت فيها الحادثة سنة الطبعة وأصبحت تاريخاً يؤرخ بها
حريق القديح الدامي أما الكارثة الثانية التي منيت بها المنطقة، وهي من الصنف الثاني من الكوارث فهي الحريق الدامي والمؤلم في القديح بتاريخ 16/4/1420هـ ولعله أسوأ وآلم حادث مر على المنطقة فقد وصل عدد الضحايا إلى 70 شخصاً حتى الآن، أما المصابون فأكثر من 154 شخصاً بينهم حوالي 80 شخصاً إصاباتهم خطيرة
وإذا كان الذين غرقوا في سنة الطبعة من الرجال الأشداء الأقوياء المستعدين لمكافحة الأهوال والأخطار فإن الذين قضوا نحبهم في حريق القديح لم يكونوا سوى نساء ضعيفات وأطفال صغار وشابات يافعات في عمر الورود ولا يستطيع الإنسان في مثل هذا المصاب الجلل إلا أن يفوض أمره إلى الله ويردد قوله تعالى ( إنا لله و إنا إليه راجعون )"
بين الصفار فيما سبق أن سبب الكارثة إما فعل الطبيعة أو فعل الإنسان والمسلم لا يقول على الكارثة أنه فعل الطبيعة فإنما هى شىء قدره الله تعالى وكذلك ما يفعله الإنسان
الكوارث الكبيرة التى تسببها مخلوقات الله غير الإنسان كالريح والسيول والبراكين والزلازل هى كوارث سببها هو معاصى الناس المستمرة كما قال تعالى :
" ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون"
وهذه الكوارث لا يقدر احد على أن يوقفها مهما اتخذ من اجراءات ومن ثم لا علاج لها إلا طاعة أحكام الله وهى الإيمان والتقوى كما قال تعالى "
ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض"
ومن ضمن الطاعات مثلا أن تبنى البيوت على مناطق مرتفعة وليس الارتفاع البناء على الجبال وإنما يكون موقع البلدة مرتفع ذراعين عن الأرض حولها حتى لا تغرق البيوت من المطر أو السيول
وأما السبب الإنسانى فعلاجه إتقان العمل فلو أتقن كل شىء عمله ما حدثت الكوارث التى حكاها الصفار وإتقان العمل هو من ضمن التقوى هو الأخر
وبين الصفار أن الكوارث تعلمنا دروسا فقال:
"دروس من الكارثة:
ومع هول المصاب وعظم الكارثة فلا ينبغي لنا أن نتعامل مع ما جرى في حدود التعامل العاطفي، بل يجب علينا أخذ الدروس والعبر وأن نتعاطى مع آثار هذه الحادثة ونتائجها، بحيث نضيف إلى رصيدنا التربوي والإيماني، ولنستفيد من هذا المصاب في مختلف الصعد والجوانب
لقد تجلت هذه الحادثة عن الكثير من نقاط القوة ، كما أنها لا بد وقد كشفت بعضاً من نقاط الضعف وعلينا أن نستجلي هذه النقاط حتى نتعرف على مواطن قوتنا ومواقع ضعفنا، فننمي نقاط القوة فينا ونطورها، ونعالج نقاط الضعف ونتجاوز آثارها
تعاطف إيماني لا يعترف بالحدود:
إن أول الدروس التي كشفت عنها هذه الحادثة هو أن هناك حالة من التعاطف الإيماني الذي يتجاوز كل حدود التجزئة السياسية والجغرافية
لقد وقعت الحادثة في قرية من قرى المنطقة غير أن المؤمنين في كل مكان من الذين وصل إليهم هذا الخبر تفاعلوا وتعاطفوا معه، وكأن الفاجعة قد ألمت بهم مباشرة، فراحوا يتابعون تفاصيل الحادث لحظة بلحظة، وتوالت برقيات العلماء الكبار والمراجع العظام لأهالي القديح ولعلماء المنطقة في الداخل والخارج، تعزيهم في المصاب وتعرب عن الأسى والحزن للفاجعة الأليمة
وانهالت أيضاً برقيات العزاء وبيانات المواساة من سائر المؤمنين في مختلف أقطار العالم، كما أقيمت مجالس العزاء والتأبين في مناطق عديدة من العالم، وقصدت المنطقة وفود للتعزية من البحرين والكويت وغيرهما من المناطق، فما الذي جعل كل هؤلاء الناس في سوريا وإيران وفي لبنان وباكستان والهند وفي كل مكان من العالم، ما الذي جعلهم يتعاطفون معنا في هذه الحادثة؟ أو ليس هو الإيمان الذي يوحد مشاعر الجميع، أو ليس هو شعورهم بأن هؤلاء مؤمنين يماثلونهم في العقيدة والمبدأ ؟
لقد كان كل ذلك أكبر دليل على التعاطف الإيماني، والشعور الواحد، كما ورد في الحديث عن رسول الله (ص) : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى)
التلاحم الوطني:
وأبرزت هذه الحادثة الأليمة تلاحماً وطنياً رائعاً، فالمسؤولون في الحكومة وعلى رأسهم حاكم المنطقة بادر إلى تعزية أهالي المنطقة ببيان رائع يفيض محبة وعطفاً وأصبح كالبلسم الذي آسى جراح المصابين والمنكوبين، كما أمر باتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة المصابين، ثم توج كل تلك الألطاف الكريمة بقرار إنشاء صالة للأفراح لأهالي القديح وتحت إشراف جمعيتهم الخيرية فجزاه الله خيراً وجعله ذخراً للشعب والوطن
والمواطنون باختلاف مناطقهم وقبائلهم ومذاهبهم، أبدوا تعاطفهم الكبير، وقدموا دعمهم المادي والمعنوي للقرية المنكوبة، وقد عبر الكتاب والأدباء والصحفيون من مختلف المناطق والتوجهات عن هذه الروح الوطنية الوحدوية، في كتاباتهم وقصائدهم وتحقيقاتهم الصحفية ومتابعتهم الخبرية هذا التلاحم الوطني الواسع رصيد معنوي هام، يجب الحفاظ عليه وتنميته وتطويره إلى حالة تواصل دائم يتجاوز المناطقية والقبلية والمذهبية
التكافل الاجتماعي والمؤسسات الأهلية
وتجلى من خلال الحدث الأليم مستوى عال من التكافل الاجتماعي، حيث هب أهالي القديح بالدرجة الأولى ليتعاملوا مع الحدث كعائلة واحدة، ولتصبح القرية بمختلف أسرها وطبقات ساكنيها بيتاً واحداً، وكان تعاطيهم مع مجريات الحدث واستيعابهم لمضاعفاته وإدارتهم لآثاره على درجة طيبة من التنسيق والأداء، فمحاولة الإنقاذ للمصابين ونقلهم إلى المستشفيات والتشييع الحاشد الذي حصل للضحايا ومجلس العزاء الضخم الذي أقيم في القديح ثم التفاف كل أبناء المنطقة حولهم واندفاعهم إليهم منذ اللحظات الأولى للحادث وتعاون الجميع من صفوى إلى سيهات ...وساعد الجمعية على القيام بأعباء هذه الأزمة وقوف سائر الجمعيات الخيرية في المنطقة معها ووضع إمكانياتها تحت تصرفها
وهذا يؤكد أهمية دور الجمعيات الخيرية كمؤسسات أهلية رسمية، تستطيع أن تلعب دوراً كبيراً في خدمة المجتمع، ومواجهة مشاكل الحياة، وأحداث الزمن وهنا لابد لنا أن نوجه دعوة لكل أفراد المجتمع حتى يلتفوا أكثر حول الجمعيات الخيرية الاجتماعية في مناطقهم ويدعمونها بالمال الرأي والدعم المعنوي...
أما الدرس الأخير الذي يمكن لنا أن نشير إليه فهو أن علينا أن نقيم بواقعية وشجاعة بعض سلوكياتنا وتصرفاتنا وبما أن المناسبة التي حدثت في خضمها هي مناسبة زواج فلا بد لنا هنا من أن نشير إلى المبالغة والتضخم في مراسيم الزواج، بما يسبب إرهاقاً مالياً، وعناءً وإرباكاً اجتماعياً، وكل فترة تضاف عادات جديدة وأعرافاً مستحدثة ، تجعل من عملية الزواج مناسبة أكثر كلفة وتعقيداً..."
ما قاله الرجل عن التعاطف الإيمانى والتلاحم الوطنى والتكافل الاجتماعى هو كلام عام لا يعبر عن حقيقة الإسلام الذى يوجب على المجتمع ان يوجد فى كل بلدة كل المؤسسات اللازمة من مشافى ومدارس ونقاط إطفاء ونجدة وإغاثة وغيرها وأن يتواجد فى تلك المؤسسات أناس متقنون لأعمالهم كما أن كل فى البلدة عليه واجب أن يكون من أمة الخير فساعة يجد اى مصيبة يسارع إلى حلهها والقضاء عليها
الحادث الآن هو أن الناس يعتمدون على الحكومات فى حل المشاكل ومن ثم يتركون الحرائق تستفحل لأن الثقافة المجتمعية ليست ثقافة إسلامية وإنما ثقافة كفرة فالكل يقول إنها أعمال موظفين يقبضون رواتب عليهم فلماذا أتدخل ومن ثم يحدث الدمار ؟
ثقافة الكفار الحالية تجعل الناس أو الأطفال يرمون الحجارة فى الطريق والقمامة بدلا من أن يمنعوا الأذى من الطريق لأن العبيد أو الكناسين هذه وظيفتهم تنظيف الطريق
نقل وظيفة الكناسين من الدول الأخرى هى السبب فى كوارث الشوارع فالمطلوب من المسلم وأهل بيته أن ينظف كل واحد أمام بيته ولو فعلناها ما حدثت تلك الكوارث من انكسار عظام فلان أو علان لأنه داس على قشرة موز أو حجر صغير
هذه الوظائف لا تلائم مجتمعات تطالب كل أفرادها بعزل الذى عن الطرق فبدلا من الكنس يكونون جامعوا قمامة فقط من البيوت أو المؤسسات
ما زال فى كل مجتمع أهل خير وفى قريتنا كان أى حريق يتم اطفائه قبل أن تصل المطافىء من قبل أهل الشارع والشوارع المجاورة ولكن بمرور الأيام وعمل الحكومات على تكريس الفردية ومسئولية الموظفين بدأ ذلك يضعف شعور الناس أتذكر حريقين الأول كان وأنا طفل فمن كثرة الذين يطفئون فوق سطح الدار وكان السطح أيامها عليها أحطاب قطن وذرة حجمها كبير سقط السطح بالعديدين منهم فكان الإنسان يرىعجبا النساء فى البيوت تجلب حلل الطبخ ويجتمعن فى البيوت التى بها طلمبات فى الشارع ويقمن أو بعض الأطفال أو الشباب بتشغيل الطلمبة بخفض ورفع الذراع لملء الحلل ويقوم الأطفال والشباب والرجال بالوقوف فى صفوف يناولون الحلل حتى الدار التى بها الحريق والثانى وأنا قد تجاوزت الأربعين وكان فى شارع خلفنا ونتيجة التقدم فى بناء المبانى وغياب أهل المنزل لم نقدر على الدخول إلا بعد فتح شباك يطل على الشارع ونتيجة لطف من الله تم إطفاء الحريق قبل أن يطول أنابيب الغاز وكانت ستكون كارثة ساعتها يروح ضحيتها من يطفئون
تغير المجتمع فأيام زمان كان الجيران يتركون مفاتيح دورهم عند الجيران إذا غابوا عنها حتى إذا حضر أحد غائب من اهل الدار أخذ المفتاح وفتح
الحريق الثانى استمر ساعتين فى داخل البيت وأتى على حجرتين بسبب المفتاح فالناس شموا الدخان ولم يروا نارا والمصيبة الثانية هى نظام المكعب أو الحق أو البلوك الذى يجعل البيت مقفل تماما بعكس البيوت القديمة التى كانت مفتوحة حيث تنزل من سطح الجيران فتجد البيت مفتوح على بعضه ما عدا حجرة أو اثنين
هذا البيت المكعب كان سيتسبب فى كارثة نتيجة البناء ونتيجة الأجهزة الحديثة كأنابيب الغاز ومن ثم فمن ينقلون إلينا أنظمة البناء لا يراعون فى البناء أمور الأمان وإنما يراعون أن يصعبوا على اللص السرقة مع أنه لا يوجد شىء على لص مدرب
وبين الصفار مسئولية كل فرد فى مواجهة الكوارث فقال:
"أنا وأنت نقطة البداية:
إننا جميعاً نعرف الأخطاء والنواقص التي يعيشها المجتمع، ونعرف في كثير من الأحيان الطريق إلى معالجتها والتخلص منها، ولكن المشكلة أن بعض السلوكيات الخاطئة تتجذر في المجتمع حتى تصبح عرفاً قائماً لا يتمكن الفرد منا من تجاوزه والعمل بما يخالفه وفي قضية الزواج هنالك الكثير من هذه الأمور بدءاً بزيادة المهور وتكاليف الحفلات المتعددة، ..
ولو أخذت في أعداد استبيان حول عدد الناس الذين لا يريدون هذه الأمور أو الذين يستثقلونها بل يتمنون زوالها عاجلاً لرأيت أنهم أغلبية ساحقة في المجتمع، ولكن المشكلة أن كل واحد يقول لك: إن فلان حينما تزوج فعل كذا وكذا وأنا استحي أن لا أفعل كما فعل هو، وهكذا تجدنا نرفض هذه الأخطاء قولاً ونمارسها سلوكاً (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ))"
ما قاله الصفار عن المغالاة فى الأعراس من حيث الجهاز والمهور والحفلات لا يتعلق بموضوع الكوارث وإن كان صحيحا
ثم بين الجوانب التى يجب مراعاتها لتفادى الكوارث فقال :
الأمن والسلامة:
وجانب آخر من النواقص عندنا، يتعلق بتفكيرنا حول إجراءات الأمن والسلامة في تجمعاتنا ففي المجتمعات المتطورة مدنياً يعد التفكير في عناصر الأمن والسلامة واحداً من شروط انعقاد أي اجتماع حاشد بينما نجد التفكير في هذا الأمر غائباً عندنا، بل يعتبره البعض نوعاً من الترف المخملي لذلك تجد اجتماعاتنا في مناسباتنا الاجتماعية أو الدينية تجري من دون التفات لهذا الأمر صحيح أن الأمور كلها بيد الله عز وجل ، لكن الحذر والحيطة مطلوب، يقول تعالى (( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم )) ، فلماذا لا نفكر في وضع حل لحصول أي طارئ؟ ماذا لو حدث خلل كهربائي؟ ماذا لو حدث حريق؟ وهل يجوز ان يكون للمسجد مدخل واحد فقط ودون توفر أي وسائل إطفاء؟ ما هي حالة الجاهزية في المرافق العامة والخدمات؟
إن البعض حينما تطلب منه الدوائر الحكومية توفير بعض الاحتياطات والشروط يتذمر ويحاول الالتفاف على تلك المتطلبات ويعتبرها تعقيداً في الإجراءات وهذا تصور خاطئ إن الإجراءات الأمنية ووسائل السلامة شيء مهم وضروري وخاصة لأماكن التجمعات"
الكلام صحيح ولكن الهوة بين الناس والحكومات هى التى صنعت تلك الهوة فالحكومات ليست هى حكومات الناس لأنها تقتصر على فئة معينة من المجتمع والمفترض فى الإسلام أن كل الناس حكومة ومن ثم يعتبر الكثير من الناس الحكومة جهة معادية لأنها لا تفعل لهم من الخير سوى القليل وتعمل على امتصاص أموالهم والقضاء على مصالحهم ومن ثم يعملون على عدم طاعة الحكومات
وتحت عنوان دروس من الكوارث قال :
"دروس في مواجهة الكوارث:
قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ( : (في تصاريف الأحوال تعرف جواهر الرجال)
من الواضح أن الإنسان حينما يعيش ظرفاً عادياً وطبيعياً فان ذلك قد لا يكشف عن جوهر شخصيته، ولكنه حينما يعيش وضعاً غير طبيعي فان تصرفاته – على الأغلب – ستكون تصرفات عادية وغير محسوبة تصرفات تلقائية عفوية أكثر منها تصرفات محسوبة وتنطلق من معادلات ربح أو خسارة كما هو الحال في التصرفات التي تصدر منه في الوضع الطبيعي المستقر ومن أمثلة الوضع غير الطبيعي ، تلك الحالة التي تمر على الانسان في حالة الغضب والمصيبة والشدة وحدوث المأساة والكارثة، ففي مثل هذه الحالات تنطلق تصرفاته بشكل عفوي مما يمكن ان يعطيك عينة صافية لمعرفة شخصيته ومقوماتها
يقول امير المؤمنين علي ( : ( ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد )
وكما تكشف هذه الحالة جوهر الافراد كذلك تكشف جوهر المجتمعات، ومن خلال تعاطي المجتمع مع الحالة غير الطبيعية يمكن تصنيف المجتمع على ان مجتمع متحضر ام متخلف، وقد برز في السنوات الماضية تخصص في المؤسسات العلمية والادارية يسمى علم إدارة الأزمات
وعلى ضوء هذه الحادثة يجب أن نتساءل : كيف نتصرف كأفراد وكمجتمع تجاه الأزمات والنكبات؟
أولاً: تجنب الحوادث والكوارث قبل وقوعها من خلال العمل بمنهج الحذر والحيطة وأعمال اجراءات الأمن والسلامة والإصرار على اتخاذ كل سبل الوقاية والمحافظة على النفس والعرض والمصالح
أن التساهل والتسيب امر مرفوض شرعاً وعقلاً، واعتقاد المؤمن ان الأمور بيد الله، وتسليمه بالقضاء والقدر، لا يعني التفريط بالوقاية والاحتياط، روي أن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عدل من عند حائط مائل يوشك على الانهيار الى حائط آخر، فقيل له : ياا مير المؤمنين أتفرّ من قضاء الله؟ فقال ( : افرّ من قضاء الله الى قدر الله عز وجل ذلك ان القضاء يعني الابرام والحسم، بينما القدر يعني السنن والحدود
ثانياً: الاستعداد والتهيؤ للطوارئ، فرغم كل اجراءات الاحتياط والاحتراز الا أن الكوارث قد تحصل، غيران الفرق في حالة الاستعداد وعدم الاستعداد كبير جداً، ان البعض من الناس لا يهيئون أنفسهم لحالة طارئة فلا يضعون مبلغاً من المال خصيصاً للطوارئ ، ولا خطة عندهم ، ولا تفكير لمواجهة حالة طارئة ، على مستوى الافراد والمجتمعات
ثالثاً: اذا حصلت المصيبة والكارثة لا يجوز اتخاذ دور المتفرج والمشاهد، كما لا يجدي نفعاً الانفعال العاطفي، بحيث يفقد الانسان القدرة على التفكير والقيام بالتصرف المناسب، بل ينبغي السيطرة على النفس والمبادرة للقيام بالخطوة الاولى الضرورية لعلاج هذا الطارئ
...والشرع المقدس يأمر بوجوب المبادرة لانقاذ الارواح اذا تعرضت للخطر حتى ولو تعارض ذلك مع واجب شرعي آخر كما اذا تضيّق وقت الصلاة وكان هنالك غريق ، حيث يجب ترك الصلاة والمبادرة الى انقاذه
واذا ما وجد الانسان نفسه امام شخص مشرف على الموت في حالة الاحتضار فان الشرع يأمره بالقيام بالخطوات المناسبة لهذا الموقف ، حيث لا ينبغي له ان يتعامل مع الموقف عاطفياً وينهمك في البكاء والنحيب ، فذلك مكروه عند المحتضر ، بل عليه المسارعة الى توجيه المحتضر الى القبلة، كما يستحب له ان يلقنّه الشهادتين وسائر المعتقدات ، وبعض الادعية المأثورة، وان يقرأ عنده سورة يس والصافات ، الى سائر المستحبات المذكورة في مواردها ، ليتعلم الانسان المسلم كيف يتعامل مع الحالات الطارئة برباطة جأش ، ويقوم بالمهام التي تستلزمها
رابعاً: العطاء والبذل والتضحية بالمال والجهد : ان المشاركة في مراسيم العزاء والمصيبة في حادث القديح كان مشهوداً وملموساً غير أن هذا وحده ليس كافياً بل يجب العطاء والبذل على كافة الصعد من مالية وعملية ، ...لقد كان من الممكن ان تكون المصابة في هذا الحادث هي زوجتي او زوجتك ، اختي او اختك ، ابنتي او بنتك، ولكن الله دفع البلاء عن بعض وحصره في بعض ولله الامر من قبل ومن بعد ولكن حتى يدفع الله البلاء عنا فينبغي ان يكون عندنا بذل وعطاء فقد ورد عن رسول الله (ص) : ( الصدقة تدفع سبعين نوعاً من انواع البلاء ) وحتى يشفي الله مرضانا ومرضى المؤمنين ينبغي ان نتقرب الى الله بالصدقة والعطاء كما جاء عنه : (ص) : ( تصدقوا وداووا مرضاكم بالصدقة فان الصدقة تدفع عن الاعراض والامراض وهي زيادة في اعماركم وحسناتكم ) وحتى يزيد الله في ارزاقنا ويقضي لنا ديوننا فلنبادر الىالعطاء بشكل عام، ولأجل هذا الحادث خصوصاً ، عن رسول الله (ص) : ( استنزلوا الرزق بالصدقة )...
خامساً: القدرة على التنسيق والنظام ، لان أول مشكلة تواجه الذين تقع عليهم الكارثة انهم يبقون لفترة من الزمن غير مصدقين وغير مستوعبين لما حدث فيصابون بذهول وارباك فينبغي منذ البداية - بل ودائماً - تنسيق الجهود، وترتيب المسئوليات، بأن تكون لكل جهة دوراً معيناً، ولكل شخص مسئولية محددة ، حتى لا تحدث اصطدامات في الأدوار والمسؤليات، وحتى لا يقع تعارض واختلاف ...
سادساً: استيعاب الطاقات والكفاءات تحت شعار الأولوية للانقاذ وتجميد الحساسيات ، فلا يصح وضع أي نوع من الحسابات عقبة دون خدمة المصابين والتقليل من مضاعفات الحادث..."
التعامل مع أى كارثة علاجه شىء واحد وهو تطبيق أحكام الله فعندما ينتظم المجتمع ويكون جسدا واحدا كله متناغم مع بعضه فلن توجد كارثة
فعندما يتقن كل إنسان عمله ويقوم كل إنسان بواجباته التى قررها الله فإنه حتى لو حدثت كارثة ستكون الخسائر قليلة
وعلى المسلمين أن يفكروا بدلا من أن ينقلوا عن الغير تنظيمات البلدات فالتنظيم الحالى هو كارثة حيث شبكات الطاقة والمياه والغاز وغيرها شبكات موحدة ومن ثم إذا حدثت كارثة فى المحطة أيا كان نوعها فإن اهل البلدة كلهم سيعانون
المفترض أن تتنوع المصادر وتنفصل عن بعضها فمثلا بدلا من محطة الكهرباء التى تعمل بالنفط أو الغاز أو الفحم أو شىء أخر يكون على كل بيت مولد طاقة شمسية أو طاقة ريح وبدلا من محطة المياه يكون فى كل بيت طلمبة
بالقطع لهذا الانفصال والتنوع فوائد متعددة فهو يمنع العدو من التركيز على أهداف قليلة وساعتها ستكون كلفة الحرب عليه أكثر لأنه بدلا من عدة صواريخ لضرب المحطات سيحتاج لمئات أو آلاف الصواريخ وبدلا من أن تنقطع الكهرباء أو المياه عن كل البلدة ستتواجد فى مناطق كثيرة وبدلا من الراحة التى أتت للناس بالأمراض سيقوم الناس بتشغيل عضلاتهم فى تشغيل الطلمبات وبدلا أن يتسبب ضرب محطة الغاز فى كارثة حرائقية لن تحدث فى حالة تعدد وكثرة المصادر
الكتاب من تأليف حسن موسى الصفار وهو يدور حول الوقاية من الكوارث وعلاجها وقد بين الصفار أن الكوارث هى نوع من الابتلاءات ابتلاءات الشر التى يبتلى بها البشر فقال:
"يتعرض الإنسان في الحياة إلى كافة الاحتمالات والتقلبات فكما أن الله تعالى يفيض عليه من نعمه ومن خيراته، فإنه جل وعلا يعرضه للابتلاء والامتحان بالمشاكل والمحن ومختلف أنواع الابتلاءات يقول تعالى : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) وهذه الآية الكريمة تعتبر أن أي شيء يواجه الإنسان في حياته إنما هو يندرج ضمن عملية الامتحان أو " الابتلاء " بقسميه : الخير والشر( ونبلوكم ): أي نمتحنكم (بالشر والخير): إن الشر والخير هو ما يعتقده الإنسان شراً أو خيراً، وليس هو الشر والخير بالمعنى المجرد والمحض لهما، بل ما يعتبره الإنسان كذلك"
ويبين الصفار كون أن الشر قد ينتج عنه خير فيقول:
" فالله جل وعلا يمتحنك بما تعتبره أنت شراً، ولكن هل هو في الحقيقة شرٌ أم ليس كذلك، هذا بحث آخر فالمرض - مثلاً - ابتلاء يعتبره الإنسان شراً، ولكنه في الحقيقة ليس كذلك بالمعنى المطلق بل هو شر نسبي فكم مرض أورث مناعة لصاحبه، وكم من مرض صغير قاد إلى اكتشاف مرض خطير في جسم حامله ولولا فحوصات أجريت لعلاج المرض الصغير لما تم اكتشاف المرض الخطير وتداركه"
وبالقطع الشر هو شر لمن يصيبه لا يرى فيه خير وأما وجود خير فيما بعد من هذا الشر سواء بعد وقت قليل أو وقت طويل فهذا أمر لا يكون فى اعتبار الإنسان فى ساعة الإصابة
وبين الصفار كون الفتنة سبب لتطوير الفرد والأمة فقال:
( فتنة ): أي أن كل ما يجري عليكم إنما هو امتحان وافتتان لكم
الامتحان يطور الفرد والأمة
إن الامتحان يمكن تصوره على معنيين: امتحان للدنيا، وامتحان للآخرة أما امتحان الدنيا فإنه من المفروض أن يؤدي إلى تطوير قدرة الإنسان على مواجهة تحديات الحياة، وذلك عندما يشعر الإنسان أنه أصبح في مواجهة تحدٍ ما لا بد له من التغلب عليه، وإلا فكيف استطاع الإنسان أن يطور وسائل الحياة وأساليب المعيشة ونوع السكن ووسائل التنقل الخ لولا أنه وجد نفسه في حاجة إلى التغلب على التحديات الطبيعية التي كان يواجهها"
والابتلاء ليس سببا للتطور وإنما هو اختبار لمعرفة من الأحسن عملا أى من يطيع الله ممن يعصاه كما قال تعالى " ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
ويبين أن الشرور هى سبب الاختراعات والاكتشافات فيقول:
"إن أكثر الاكتشافات والاختراعات إنما حصل استجابة لتحديات وحاجات، فتطور علم الطب مثلاً وخاصة ما نجده الآن من تسارع في تقدم أبحاث الهندسة الوراثية ما كان ليحصل لولا ما واجهه الإنسان من مشاكل الأمراض ومخاطر الإصابات وكما قيل: الحاجة أم الاختراع وكلما أصاب الإنسان خطر أو مصيبة اهتم بالتفكير في تجاوز ذلك الخطر وتلافي تلك المصيبة
إننا نتصور أن الله خلق الحياة بمشاكلها وصعوباتها حتى يبتلي هذا الإنسان فهل يفجر طاقاته ويستشير مواهبه من أجل مواجهتها أم لا ؟"
وهذا الكلام ليس صحيحا فليست المشاكل والمصائب هى سبب الاختراعات والاكتشافات دوما وإنما هى أمور متعددة فالبعض قد يخترع أو يكتشف لإراحة الناس كمن اختراع الجرار ذو المحراث بدلا من محراث الحيوان أو ليكسب ماديا مثل شركات الأجهزة الكهربية الحالية كالشاشات والتلفازات أو ليضل الناس مثل من يخترع القضبان الصناعية كى تمارس النساء الزنى مع بعضهن أو وحدهن
ويبين الصفار أن الناس نوعين فى مواجهة مشاكلهم فيقول:
"وها أنت تجد أن لديك نوعين من الناس في مواجهة هذه الحقيقة :
النوع الأول: الذي لا يتصدى لحل مشاكله إلا إذا ألحت عليه المشكلة إلحاحاً شديداً وجعلته في حال من البأساء والضراء لا يمكن تحمله، حينئذ يفكر في حل المشكلة
النوع الثاني : هو الذي يفكر في حل المشكلة حتى قبل أن تحدث أو تتفجر، أو قل الذي يفكر بمنهج الوقاية لا العلاج ويعتقد أن درهم وقاية خير من قنطار علاج
إن احتمال المشكلة – لا وجودها فقط – هو الذي يدفعه للتفكير في تخطيها "
ونسى الصفار نوع أخر من الناس وهم من يتركون المشاكل بلا مواجهة على الإطلاق حيث يصابون بحالة من الجنون أو يتركون مقر إقامتهم ويهيمون فى البلاد
وبين الصفار أن المعنى الثانى للابتلاء هو من يحدد مصير الإنسان فى الأخرة وهو كلام ليس صحيحا فالابتلاء واحد يهدف لحسن كلا الدارين فيقول :
"والمعنى الآخر الذي يمكن تصوره للامتحان هو أنه امتحان لتحديد مصير الإنسان في الآخرة، ذلك أن هذه الابتلاءات تكشف جوهر القيم والعقائد التي يحملها الإنسان في داخله تجاه خالقه، بل وتكشف معدن المثل والقناعات التي يتحلى بها تجاه هذه الابتلاءات هل يحمل الصبر والشكر أم الكفر والجحود، هل لديه شيء من الرضى والتسليم أم أنه مشحون بالضجر والسخط، هل يفوض أموره كلها لله أم تراه يبحث حتى عن الشيطان حتى يخلصه، وهل أن يقينه برحمة الله وحكمته يجعلانه مطمئناً راضياً أم غير ذلك
ان الإنسان لن يخلد في هذه الحياة، إنما خلوده في الحياة الأخرى (( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون )) فحتى تحصل على الخلود في جنات النعيم لا بد من مواجهة افتتان الخير والشر بنجاح
وقد يساعدك أيها الإنسان في مواجهة ضغوط الحياة أن تعلم أن ضغوطها مؤقتة ولن تستمر طويلاً ثم إلى الله ترجع الأمور أي أنها (( فتنة وإلينا ترجعون ))"
بالقطع وضع الله أحكام الابتلاءات المختلفة فبين ما يفعله الإنسان عند كل مصيبة فمن أطاع الله بتلك الأحكام عرف أن مصيره الجنة ومن عصى فهو حسب ما يعتقد فى نفسه
تساءل الصفار عن كيفية مواجهة الكوارث فقال:
كيف نواجه الكوارث؟
إن المشاكل والابتلاءات التي تصيب الناس أنواع :-
فمنه ما تسببه الطبيعة بحسب نظامها وتركيبها
ومنه ما يتسبب به مستخدم الطبيعة ومستثمرها
ومن قبيل الصنف الأول تلك الكوارث الطبيعية التي تحدث بين آونة وأخرى، كالزلازل والبراكين والفيضانات، والانهيارات الرملية أو الثلجية والأعاصير الخ
والزلزال الذي ضرب مدينة أزميت واستنبول التركية مؤخراً هو واحد من تلك الكوارث، فقد راح ضحية الزلزال أكثر من 14 ألف إنسان أما المصابون فأكثر من أربعين ألف مصاب، وأما الخسائر المادية فيكفي أن نعلم أن المبالغ المطلوبة لتغطية الخسائر الناجمة عن الدمار والخلل في الإنتاج وشلل الحركة الاقتصادية تزيد عن 25 بليون دولار
وكما تختلف مواجهة الإنسان الفرد لابتلاءاته، تختلف أيضاً مواجهة الشعوب لابتلاءاتها وهكذا نجد في هذا الزلزال مصداقاً آخر من مصاديق الفشل في مواجهة الابتلاء قبل وقوعه وبعد وقوعه
فرغم أن تركيا تقع على خط الزلزال إلا أنه لا الحكومة ولا الشعب التركي كانوا مستعدين لمواجهة الكارثة والمضحك المبكي أن الحكومة التركية تمثلت صراعها مع الحركات الإسلامية حتى في أوج وذروة الهلع والفزع الذي عم الناس بعد الزلزال، فقد حالت الحكومة دون مبادرة المؤسسات الأهلية والاجتماعية الإسلامية في المساعدة في تخفيف آثار الزلزال، لأن الحكومة لا تريد لهذه المؤسسات الإسلامية أن تكسب رصيداً شعبياً ومعنوياً يضاف إلى رصيدها المتنامي أصلاً، بل تريد أن تصفي حسابها معهم حتى في مثل هذه الكارثة، حتى ولو كان الشعب التركي الذي يفترض أن الطرفين يتنافسان لخدمته، أصبح في هذه الحالة هو الضحية
أما الصنف الثاني من الكوارث فهي ما يتسبب به مستخدم الطبيعة، وما قد يمكن أن نسميه بـ: الكوارث الصناعية مثل حوادث السيارات، والقطارات والطائرات وغرق العبارات والحرائق، وحدوث الانفجارات في مصانع السلاح وتسرب نفط الناقلات العملاقة في البحار وغير ذلك كثير مما يكون سببه حدوث خلل ما يؤدي إلى وقوع تلك الكارثة فيسقط الضحايا، وتتضرر البيئة، وتنتشر الأمراض وكما حصل في كارثة مصنع المبيدات الحشرية في بلدة (( بهوبال )) الهندية في 17 ديسمبر 1984 م حينما حدث تسرب خطير لغاز ( ايزوسيانات الميتيل ) نتيجة لخطأ فني بسبب سوء المراقبة، ويعتبر هذا المصنع ثاني مصنع في العالم لإنتاج هذا الغاز الشديد السمية، وهو غاز سائل بلا لون سريع التبخر وقد فقد الألوف بصرهم في منطقة بهوبال البالغ عدد سكانها 672,000نسمة ، وقد توفي أكثر من 2500 شخص وأصيب أكثر من 3000 بأمراض خطيرة !!وكذلك كارثة تشرنوبل في المفاعل النووي السوفيتي
المنطقة
من لطف الله تعالى فإنه جنب بلادنا الكثير من الحوادث والكوارث، ولعل من أبرز ما أصاب المنطقة كارثتان :
الأولى: كارثة طبيعية وهي الإعصار الشديد الذي حصل ليلة الجمعة 13/ 3 /1344هـ أي قبل حوالي 76 سنة، واستمر لمدة نصف ساعة تقريباً، وأدى إلى سقوط آلاف النخيل والأشجار، وهدم الأكواخ وبعض المنازل، والأسوأ من ذلك غرق العشرات من الغواصين والبحارين الذين كانوا يعملون في الغوص والملاحة البحرية، وأطلق على تلك السنة التي حصلت فيها الحادثة سنة الطبعة وأصبحت تاريخاً يؤرخ بها
حريق القديح الدامي أما الكارثة الثانية التي منيت بها المنطقة، وهي من الصنف الثاني من الكوارث فهي الحريق الدامي والمؤلم في القديح بتاريخ 16/4/1420هـ ولعله أسوأ وآلم حادث مر على المنطقة فقد وصل عدد الضحايا إلى 70 شخصاً حتى الآن، أما المصابون فأكثر من 154 شخصاً بينهم حوالي 80 شخصاً إصاباتهم خطيرة
وإذا كان الذين غرقوا في سنة الطبعة من الرجال الأشداء الأقوياء المستعدين لمكافحة الأهوال والأخطار فإن الذين قضوا نحبهم في حريق القديح لم يكونوا سوى نساء ضعيفات وأطفال صغار وشابات يافعات في عمر الورود ولا يستطيع الإنسان في مثل هذا المصاب الجلل إلا أن يفوض أمره إلى الله ويردد قوله تعالى ( إنا لله و إنا إليه راجعون )"
بين الصفار فيما سبق أن سبب الكارثة إما فعل الطبيعة أو فعل الإنسان والمسلم لا يقول على الكارثة أنه فعل الطبيعة فإنما هى شىء قدره الله تعالى وكذلك ما يفعله الإنسان
الكوارث الكبيرة التى تسببها مخلوقات الله غير الإنسان كالريح والسيول والبراكين والزلازل هى كوارث سببها هو معاصى الناس المستمرة كما قال تعالى :
" ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون"
وهذه الكوارث لا يقدر احد على أن يوقفها مهما اتخذ من اجراءات ومن ثم لا علاج لها إلا طاعة أحكام الله وهى الإيمان والتقوى كما قال تعالى "
ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض"
ومن ضمن الطاعات مثلا أن تبنى البيوت على مناطق مرتفعة وليس الارتفاع البناء على الجبال وإنما يكون موقع البلدة مرتفع ذراعين عن الأرض حولها حتى لا تغرق البيوت من المطر أو السيول
وأما السبب الإنسانى فعلاجه إتقان العمل فلو أتقن كل شىء عمله ما حدثت الكوارث التى حكاها الصفار وإتقان العمل هو من ضمن التقوى هو الأخر
وبين الصفار أن الكوارث تعلمنا دروسا فقال:
"دروس من الكارثة:
ومع هول المصاب وعظم الكارثة فلا ينبغي لنا أن نتعامل مع ما جرى في حدود التعامل العاطفي، بل يجب علينا أخذ الدروس والعبر وأن نتعاطى مع آثار هذه الحادثة ونتائجها، بحيث نضيف إلى رصيدنا التربوي والإيماني، ولنستفيد من هذا المصاب في مختلف الصعد والجوانب
لقد تجلت هذه الحادثة عن الكثير من نقاط القوة ، كما أنها لا بد وقد كشفت بعضاً من نقاط الضعف وعلينا أن نستجلي هذه النقاط حتى نتعرف على مواطن قوتنا ومواقع ضعفنا، فننمي نقاط القوة فينا ونطورها، ونعالج نقاط الضعف ونتجاوز آثارها
تعاطف إيماني لا يعترف بالحدود:
إن أول الدروس التي كشفت عنها هذه الحادثة هو أن هناك حالة من التعاطف الإيماني الذي يتجاوز كل حدود التجزئة السياسية والجغرافية
لقد وقعت الحادثة في قرية من قرى المنطقة غير أن المؤمنين في كل مكان من الذين وصل إليهم هذا الخبر تفاعلوا وتعاطفوا معه، وكأن الفاجعة قد ألمت بهم مباشرة، فراحوا يتابعون تفاصيل الحادث لحظة بلحظة، وتوالت برقيات العلماء الكبار والمراجع العظام لأهالي القديح ولعلماء المنطقة في الداخل والخارج، تعزيهم في المصاب وتعرب عن الأسى والحزن للفاجعة الأليمة
وانهالت أيضاً برقيات العزاء وبيانات المواساة من سائر المؤمنين في مختلف أقطار العالم، كما أقيمت مجالس العزاء والتأبين في مناطق عديدة من العالم، وقصدت المنطقة وفود للتعزية من البحرين والكويت وغيرهما من المناطق، فما الذي جعل كل هؤلاء الناس في سوريا وإيران وفي لبنان وباكستان والهند وفي كل مكان من العالم، ما الذي جعلهم يتعاطفون معنا في هذه الحادثة؟ أو ليس هو الإيمان الذي يوحد مشاعر الجميع، أو ليس هو شعورهم بأن هؤلاء مؤمنين يماثلونهم في العقيدة والمبدأ ؟
لقد كان كل ذلك أكبر دليل على التعاطف الإيماني، والشعور الواحد، كما ورد في الحديث عن رسول الله (ص) : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى)
التلاحم الوطني:
وأبرزت هذه الحادثة الأليمة تلاحماً وطنياً رائعاً، فالمسؤولون في الحكومة وعلى رأسهم حاكم المنطقة بادر إلى تعزية أهالي المنطقة ببيان رائع يفيض محبة وعطفاً وأصبح كالبلسم الذي آسى جراح المصابين والمنكوبين، كما أمر باتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة المصابين، ثم توج كل تلك الألطاف الكريمة بقرار إنشاء صالة للأفراح لأهالي القديح وتحت إشراف جمعيتهم الخيرية فجزاه الله خيراً وجعله ذخراً للشعب والوطن
والمواطنون باختلاف مناطقهم وقبائلهم ومذاهبهم، أبدوا تعاطفهم الكبير، وقدموا دعمهم المادي والمعنوي للقرية المنكوبة، وقد عبر الكتاب والأدباء والصحفيون من مختلف المناطق والتوجهات عن هذه الروح الوطنية الوحدوية، في كتاباتهم وقصائدهم وتحقيقاتهم الصحفية ومتابعتهم الخبرية هذا التلاحم الوطني الواسع رصيد معنوي هام، يجب الحفاظ عليه وتنميته وتطويره إلى حالة تواصل دائم يتجاوز المناطقية والقبلية والمذهبية
التكافل الاجتماعي والمؤسسات الأهلية
وتجلى من خلال الحدث الأليم مستوى عال من التكافل الاجتماعي، حيث هب أهالي القديح بالدرجة الأولى ليتعاملوا مع الحدث كعائلة واحدة، ولتصبح القرية بمختلف أسرها وطبقات ساكنيها بيتاً واحداً، وكان تعاطيهم مع مجريات الحدث واستيعابهم لمضاعفاته وإدارتهم لآثاره على درجة طيبة من التنسيق والأداء، فمحاولة الإنقاذ للمصابين ونقلهم إلى المستشفيات والتشييع الحاشد الذي حصل للضحايا ومجلس العزاء الضخم الذي أقيم في القديح ثم التفاف كل أبناء المنطقة حولهم واندفاعهم إليهم منذ اللحظات الأولى للحادث وتعاون الجميع من صفوى إلى سيهات ...وساعد الجمعية على القيام بأعباء هذه الأزمة وقوف سائر الجمعيات الخيرية في المنطقة معها ووضع إمكانياتها تحت تصرفها
وهذا يؤكد أهمية دور الجمعيات الخيرية كمؤسسات أهلية رسمية، تستطيع أن تلعب دوراً كبيراً في خدمة المجتمع، ومواجهة مشاكل الحياة، وأحداث الزمن وهنا لابد لنا أن نوجه دعوة لكل أفراد المجتمع حتى يلتفوا أكثر حول الجمعيات الخيرية الاجتماعية في مناطقهم ويدعمونها بالمال الرأي والدعم المعنوي...
أما الدرس الأخير الذي يمكن لنا أن نشير إليه فهو أن علينا أن نقيم بواقعية وشجاعة بعض سلوكياتنا وتصرفاتنا وبما أن المناسبة التي حدثت في خضمها هي مناسبة زواج فلا بد لنا هنا من أن نشير إلى المبالغة والتضخم في مراسيم الزواج، بما يسبب إرهاقاً مالياً، وعناءً وإرباكاً اجتماعياً، وكل فترة تضاف عادات جديدة وأعرافاً مستحدثة ، تجعل من عملية الزواج مناسبة أكثر كلفة وتعقيداً..."
ما قاله الرجل عن التعاطف الإيمانى والتلاحم الوطنى والتكافل الاجتماعى هو كلام عام لا يعبر عن حقيقة الإسلام الذى يوجب على المجتمع ان يوجد فى كل بلدة كل المؤسسات اللازمة من مشافى ومدارس ونقاط إطفاء ونجدة وإغاثة وغيرها وأن يتواجد فى تلك المؤسسات أناس متقنون لأعمالهم كما أن كل فى البلدة عليه واجب أن يكون من أمة الخير فساعة يجد اى مصيبة يسارع إلى حلهها والقضاء عليها
الحادث الآن هو أن الناس يعتمدون على الحكومات فى حل المشاكل ومن ثم يتركون الحرائق تستفحل لأن الثقافة المجتمعية ليست ثقافة إسلامية وإنما ثقافة كفرة فالكل يقول إنها أعمال موظفين يقبضون رواتب عليهم فلماذا أتدخل ومن ثم يحدث الدمار ؟
ثقافة الكفار الحالية تجعل الناس أو الأطفال يرمون الحجارة فى الطريق والقمامة بدلا من أن يمنعوا الأذى من الطريق لأن العبيد أو الكناسين هذه وظيفتهم تنظيف الطريق
نقل وظيفة الكناسين من الدول الأخرى هى السبب فى كوارث الشوارع فالمطلوب من المسلم وأهل بيته أن ينظف كل واحد أمام بيته ولو فعلناها ما حدثت تلك الكوارث من انكسار عظام فلان أو علان لأنه داس على قشرة موز أو حجر صغير
هذه الوظائف لا تلائم مجتمعات تطالب كل أفرادها بعزل الذى عن الطرق فبدلا من الكنس يكونون جامعوا قمامة فقط من البيوت أو المؤسسات
ما زال فى كل مجتمع أهل خير وفى قريتنا كان أى حريق يتم اطفائه قبل أن تصل المطافىء من قبل أهل الشارع والشوارع المجاورة ولكن بمرور الأيام وعمل الحكومات على تكريس الفردية ومسئولية الموظفين بدأ ذلك يضعف شعور الناس أتذكر حريقين الأول كان وأنا طفل فمن كثرة الذين يطفئون فوق سطح الدار وكان السطح أيامها عليها أحطاب قطن وذرة حجمها كبير سقط السطح بالعديدين منهم فكان الإنسان يرىعجبا النساء فى البيوت تجلب حلل الطبخ ويجتمعن فى البيوت التى بها طلمبات فى الشارع ويقمن أو بعض الأطفال أو الشباب بتشغيل الطلمبة بخفض ورفع الذراع لملء الحلل ويقوم الأطفال والشباب والرجال بالوقوف فى صفوف يناولون الحلل حتى الدار التى بها الحريق والثانى وأنا قد تجاوزت الأربعين وكان فى شارع خلفنا ونتيجة التقدم فى بناء المبانى وغياب أهل المنزل لم نقدر على الدخول إلا بعد فتح شباك يطل على الشارع ونتيجة لطف من الله تم إطفاء الحريق قبل أن يطول أنابيب الغاز وكانت ستكون كارثة ساعتها يروح ضحيتها من يطفئون
تغير المجتمع فأيام زمان كان الجيران يتركون مفاتيح دورهم عند الجيران إذا غابوا عنها حتى إذا حضر أحد غائب من اهل الدار أخذ المفتاح وفتح
الحريق الثانى استمر ساعتين فى داخل البيت وأتى على حجرتين بسبب المفتاح فالناس شموا الدخان ولم يروا نارا والمصيبة الثانية هى نظام المكعب أو الحق أو البلوك الذى يجعل البيت مقفل تماما بعكس البيوت القديمة التى كانت مفتوحة حيث تنزل من سطح الجيران فتجد البيت مفتوح على بعضه ما عدا حجرة أو اثنين
هذا البيت المكعب كان سيتسبب فى كارثة نتيجة البناء ونتيجة الأجهزة الحديثة كأنابيب الغاز ومن ثم فمن ينقلون إلينا أنظمة البناء لا يراعون فى البناء أمور الأمان وإنما يراعون أن يصعبوا على اللص السرقة مع أنه لا يوجد شىء على لص مدرب
وبين الصفار مسئولية كل فرد فى مواجهة الكوارث فقال:
"أنا وأنت نقطة البداية:
إننا جميعاً نعرف الأخطاء والنواقص التي يعيشها المجتمع، ونعرف في كثير من الأحيان الطريق إلى معالجتها والتخلص منها، ولكن المشكلة أن بعض السلوكيات الخاطئة تتجذر في المجتمع حتى تصبح عرفاً قائماً لا يتمكن الفرد منا من تجاوزه والعمل بما يخالفه وفي قضية الزواج هنالك الكثير من هذه الأمور بدءاً بزيادة المهور وتكاليف الحفلات المتعددة، ..
ولو أخذت في أعداد استبيان حول عدد الناس الذين لا يريدون هذه الأمور أو الذين يستثقلونها بل يتمنون زوالها عاجلاً لرأيت أنهم أغلبية ساحقة في المجتمع، ولكن المشكلة أن كل واحد يقول لك: إن فلان حينما تزوج فعل كذا وكذا وأنا استحي أن لا أفعل كما فعل هو، وهكذا تجدنا نرفض هذه الأخطاء قولاً ونمارسها سلوكاً (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ))"
ما قاله الصفار عن المغالاة فى الأعراس من حيث الجهاز والمهور والحفلات لا يتعلق بموضوع الكوارث وإن كان صحيحا
ثم بين الجوانب التى يجب مراعاتها لتفادى الكوارث فقال :
الأمن والسلامة:
وجانب آخر من النواقص عندنا، يتعلق بتفكيرنا حول إجراءات الأمن والسلامة في تجمعاتنا ففي المجتمعات المتطورة مدنياً يعد التفكير في عناصر الأمن والسلامة واحداً من شروط انعقاد أي اجتماع حاشد بينما نجد التفكير في هذا الأمر غائباً عندنا، بل يعتبره البعض نوعاً من الترف المخملي لذلك تجد اجتماعاتنا في مناسباتنا الاجتماعية أو الدينية تجري من دون التفات لهذا الأمر صحيح أن الأمور كلها بيد الله عز وجل ، لكن الحذر والحيطة مطلوب، يقول تعالى (( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم )) ، فلماذا لا نفكر في وضع حل لحصول أي طارئ؟ ماذا لو حدث خلل كهربائي؟ ماذا لو حدث حريق؟ وهل يجوز ان يكون للمسجد مدخل واحد فقط ودون توفر أي وسائل إطفاء؟ ما هي حالة الجاهزية في المرافق العامة والخدمات؟
إن البعض حينما تطلب منه الدوائر الحكومية توفير بعض الاحتياطات والشروط يتذمر ويحاول الالتفاف على تلك المتطلبات ويعتبرها تعقيداً في الإجراءات وهذا تصور خاطئ إن الإجراءات الأمنية ووسائل السلامة شيء مهم وضروري وخاصة لأماكن التجمعات"
الكلام صحيح ولكن الهوة بين الناس والحكومات هى التى صنعت تلك الهوة فالحكومات ليست هى حكومات الناس لأنها تقتصر على فئة معينة من المجتمع والمفترض فى الإسلام أن كل الناس حكومة ومن ثم يعتبر الكثير من الناس الحكومة جهة معادية لأنها لا تفعل لهم من الخير سوى القليل وتعمل على امتصاص أموالهم والقضاء على مصالحهم ومن ثم يعملون على عدم طاعة الحكومات
وتحت عنوان دروس من الكوارث قال :
"دروس في مواجهة الكوارث:
قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ( : (في تصاريف الأحوال تعرف جواهر الرجال)
من الواضح أن الإنسان حينما يعيش ظرفاً عادياً وطبيعياً فان ذلك قد لا يكشف عن جوهر شخصيته، ولكنه حينما يعيش وضعاً غير طبيعي فان تصرفاته – على الأغلب – ستكون تصرفات عادية وغير محسوبة تصرفات تلقائية عفوية أكثر منها تصرفات محسوبة وتنطلق من معادلات ربح أو خسارة كما هو الحال في التصرفات التي تصدر منه في الوضع الطبيعي المستقر ومن أمثلة الوضع غير الطبيعي ، تلك الحالة التي تمر على الانسان في حالة الغضب والمصيبة والشدة وحدوث المأساة والكارثة، ففي مثل هذه الحالات تنطلق تصرفاته بشكل عفوي مما يمكن ان يعطيك عينة صافية لمعرفة شخصيته ومقوماتها
يقول امير المؤمنين علي ( : ( ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد )
وكما تكشف هذه الحالة جوهر الافراد كذلك تكشف جوهر المجتمعات، ومن خلال تعاطي المجتمع مع الحالة غير الطبيعية يمكن تصنيف المجتمع على ان مجتمع متحضر ام متخلف، وقد برز في السنوات الماضية تخصص في المؤسسات العلمية والادارية يسمى علم إدارة الأزمات
وعلى ضوء هذه الحادثة يجب أن نتساءل : كيف نتصرف كأفراد وكمجتمع تجاه الأزمات والنكبات؟
أولاً: تجنب الحوادث والكوارث قبل وقوعها من خلال العمل بمنهج الحذر والحيطة وأعمال اجراءات الأمن والسلامة والإصرار على اتخاذ كل سبل الوقاية والمحافظة على النفس والعرض والمصالح
أن التساهل والتسيب امر مرفوض شرعاً وعقلاً، واعتقاد المؤمن ان الأمور بيد الله، وتسليمه بالقضاء والقدر، لا يعني التفريط بالوقاية والاحتياط، روي أن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ( عدل من عند حائط مائل يوشك على الانهيار الى حائط آخر، فقيل له : ياا مير المؤمنين أتفرّ من قضاء الله؟ فقال ( : افرّ من قضاء الله الى قدر الله عز وجل ذلك ان القضاء يعني الابرام والحسم، بينما القدر يعني السنن والحدود
ثانياً: الاستعداد والتهيؤ للطوارئ، فرغم كل اجراءات الاحتياط والاحتراز الا أن الكوارث قد تحصل، غيران الفرق في حالة الاستعداد وعدم الاستعداد كبير جداً، ان البعض من الناس لا يهيئون أنفسهم لحالة طارئة فلا يضعون مبلغاً من المال خصيصاً للطوارئ ، ولا خطة عندهم ، ولا تفكير لمواجهة حالة طارئة ، على مستوى الافراد والمجتمعات
ثالثاً: اذا حصلت المصيبة والكارثة لا يجوز اتخاذ دور المتفرج والمشاهد، كما لا يجدي نفعاً الانفعال العاطفي، بحيث يفقد الانسان القدرة على التفكير والقيام بالتصرف المناسب، بل ينبغي السيطرة على النفس والمبادرة للقيام بالخطوة الاولى الضرورية لعلاج هذا الطارئ
...والشرع المقدس يأمر بوجوب المبادرة لانقاذ الارواح اذا تعرضت للخطر حتى ولو تعارض ذلك مع واجب شرعي آخر كما اذا تضيّق وقت الصلاة وكان هنالك غريق ، حيث يجب ترك الصلاة والمبادرة الى انقاذه
واذا ما وجد الانسان نفسه امام شخص مشرف على الموت في حالة الاحتضار فان الشرع يأمره بالقيام بالخطوات المناسبة لهذا الموقف ، حيث لا ينبغي له ان يتعامل مع الموقف عاطفياً وينهمك في البكاء والنحيب ، فذلك مكروه عند المحتضر ، بل عليه المسارعة الى توجيه المحتضر الى القبلة، كما يستحب له ان يلقنّه الشهادتين وسائر المعتقدات ، وبعض الادعية المأثورة، وان يقرأ عنده سورة يس والصافات ، الى سائر المستحبات المذكورة في مواردها ، ليتعلم الانسان المسلم كيف يتعامل مع الحالات الطارئة برباطة جأش ، ويقوم بالمهام التي تستلزمها
رابعاً: العطاء والبذل والتضحية بالمال والجهد : ان المشاركة في مراسيم العزاء والمصيبة في حادث القديح كان مشهوداً وملموساً غير أن هذا وحده ليس كافياً بل يجب العطاء والبذل على كافة الصعد من مالية وعملية ، ...لقد كان من الممكن ان تكون المصابة في هذا الحادث هي زوجتي او زوجتك ، اختي او اختك ، ابنتي او بنتك، ولكن الله دفع البلاء عن بعض وحصره في بعض ولله الامر من قبل ومن بعد ولكن حتى يدفع الله البلاء عنا فينبغي ان يكون عندنا بذل وعطاء فقد ورد عن رسول الله (ص) : ( الصدقة تدفع سبعين نوعاً من انواع البلاء ) وحتى يشفي الله مرضانا ومرضى المؤمنين ينبغي ان نتقرب الى الله بالصدقة والعطاء كما جاء عنه : (ص) : ( تصدقوا وداووا مرضاكم بالصدقة فان الصدقة تدفع عن الاعراض والامراض وهي زيادة في اعماركم وحسناتكم ) وحتى يزيد الله في ارزاقنا ويقضي لنا ديوننا فلنبادر الىالعطاء بشكل عام، ولأجل هذا الحادث خصوصاً ، عن رسول الله (ص) : ( استنزلوا الرزق بالصدقة )...
خامساً: القدرة على التنسيق والنظام ، لان أول مشكلة تواجه الذين تقع عليهم الكارثة انهم يبقون لفترة من الزمن غير مصدقين وغير مستوعبين لما حدث فيصابون بذهول وارباك فينبغي منذ البداية - بل ودائماً - تنسيق الجهود، وترتيب المسئوليات، بأن تكون لكل جهة دوراً معيناً، ولكل شخص مسئولية محددة ، حتى لا تحدث اصطدامات في الأدوار والمسؤليات، وحتى لا يقع تعارض واختلاف ...
سادساً: استيعاب الطاقات والكفاءات تحت شعار الأولوية للانقاذ وتجميد الحساسيات ، فلا يصح وضع أي نوع من الحسابات عقبة دون خدمة المصابين والتقليل من مضاعفات الحادث..."
التعامل مع أى كارثة علاجه شىء واحد وهو تطبيق أحكام الله فعندما ينتظم المجتمع ويكون جسدا واحدا كله متناغم مع بعضه فلن توجد كارثة
فعندما يتقن كل إنسان عمله ويقوم كل إنسان بواجباته التى قررها الله فإنه حتى لو حدثت كارثة ستكون الخسائر قليلة
وعلى المسلمين أن يفكروا بدلا من أن ينقلوا عن الغير تنظيمات البلدات فالتنظيم الحالى هو كارثة حيث شبكات الطاقة والمياه والغاز وغيرها شبكات موحدة ومن ثم إذا حدثت كارثة فى المحطة أيا كان نوعها فإن اهل البلدة كلهم سيعانون
المفترض أن تتنوع المصادر وتنفصل عن بعضها فمثلا بدلا من محطة الكهرباء التى تعمل بالنفط أو الغاز أو الفحم أو شىء أخر يكون على كل بيت مولد طاقة شمسية أو طاقة ريح وبدلا من محطة المياه يكون فى كل بيت طلمبة
بالقطع لهذا الانفصال والتنوع فوائد متعددة فهو يمنع العدو من التركيز على أهداف قليلة وساعتها ستكون كلفة الحرب عليه أكثر لأنه بدلا من عدة صواريخ لضرب المحطات سيحتاج لمئات أو آلاف الصواريخ وبدلا من أن تنقطع الكهرباء أو المياه عن كل البلدة ستتواجد فى مناطق كثيرة وبدلا من الراحة التى أتت للناس بالأمراض سيقوم الناس بتشغيل عضلاتهم فى تشغيل الطلمبات وبدلا أن يتسبب ضرب محطة الغاز فى كارثة حرائقية لن تحدث فى حالة تعدد وكثرة المصادر