رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب رسالة في الخراج
الرسالة من تأليف ماجد بن فلاح الشيباني والرسالة هى رد على كتاب أو رسالة أخرى لفقيه أخر هو أحمد الأردبيلى فى موضوع الخراج وهو :
الخراج هو ضريبة مفروضة على الأرض التى استولى عليها المقاتلون بعد الحرب وتركوها فى يد الناس فمن يزرعها أو يستفيد منه يدفع مقابلها ضريبة أى أجر
وقد ذكر الله الخراج بمعنى الأجر على إبلاغ الدعوة وحرمه مذكرا النبى(ص) أنه أجر وهو ثواب الله خير من طلب الأجر على الدعوة فقال :
"أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين"
الخراج مسألة فى الأصل مسألة مخترعة اخترعها الناس بعد قرون من زوال دولة المسلمين لأن ألصلف ى الأرض التى فى حوزة المسلمين أنها أرضهم جميعا لا يحق لأحد منهم أو من سكان الدولة المسلمة تملكها فهى أرض شركة بين المسلمين لقوله تعالى :
" ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون"
وحكم الله فى الأرض كما فى كل شىء من المال هو أن قسمة بين الناس بالعدل كما قال تعالى " وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين" ومن ثم كل ما يخرج من الأرض من محاصيل او معادن أو غير ذلك يوزع على كل فرد قدر الأخر أو يقوم ثمنه ويقسم الثمن على عدد سكان الدولة ويعطى كل فرد نصيبه نقدا
ومن ثم لا يوجد ضريبة ولا خراج ولا شىء فى تلك الدولة العادلة التى انتهى وجودها
والشيبانى فى هذا الكتاب ينتقد الأردبيلى فى قوله أن الخراج به شبهة الحرام ومن ثم فهو حرام وكما قلت هو حرام من أصله وكل ما ترتب عليه من نتائج ونسير هنا خلف الشيبانى فى مناقشته لنعلم ما جرى
استهل الشيبانى الرسالة بذكر رأى الأردبيلى فقال:
"وبعد، فيقول الفقير الفاني ماجد بن فلاح الشيباني إنه قد اشتهر أن أحمد الأردبيلي يقول بتحريم الخراج، وقد سألني جماعة من أصحابه عن ذلك، فقلت لهم: المناسب أن يكتب مولانا في ذلك شيئا يدل على تحريمه فبعد مدة ظهرت منه رسالة محصلها أن الخراج فيه شبهة وأنا أنقل عبارته حرفا بحرف خوفا من التغيير والتبديل وكثرة الاقاويل فقال ومتعنا الله ببقائه وكثر من مثله وأمثاله: «إعلم وفقك الله لمرضاته أن الخراج لا يخلو عن شبهة، فإنه على ما فهم من كلامهم إنه كالأجرة المضروبة على الأرض التي فتحت عنوة، وكانت عامرة حين الفتح، وفي معناه: المقاسمة، سواء كانت من عين حاصل الأرض كالثلث أو من النقد بل غيره أيضا وقيل: إنه مختص بالقسم الثاني والمقاسمة بالأول، وقد يفرق بالمضروب على الأرض أو المواشي، وهي التي أخذت بالسيف والغلبة مع النبي (ص)أو مع الإمام أو نائبهما في الجهاد، وإلا يكون فيئا لهما على ما يفهم من عباراتهم، وإن كان دليلهم لا يخلو عن ضعف، إلا كلام المحقق في المعتبر والنافع، فإنه يدل على تردده في كون ما أخذه العسكر بغير إذنه فيئا ـ وقالوا: وهذه الأرض للمسلمين قاطبة، فيكون حاصلها لهم وأمرها إلى الإمام ويصرف حاصلها في مصارف المسلمين من المساجد والقناطر والقضاة والأئمة والمؤذنين وسد الثغور والغزاة وغيرها، وينبغي كون ذلك بعد إخراج الخمس، لأنه من الغنيمة، وكلام أكثر الأصحاب خال عنه، ونبه عليه الشيخ إبراهيم في نقض الرسالة الخراجية لعلي بن عبد العالي، وفي العبارة المنقولة عن المبسوط تصريح بوجوب الخمس في هذه الأراضي»
وأقول: إن المفهوم من قوله «فإنه الخ» كون هذا الكلام دليلا على كون الخراج فيه شبهة، ولا يخفى أن هذا الكلام بأسره لا دلالة له على مدعاه بشئ من الدلالات الثلاث، يعرف ذلك من كان سالكا طريق الانصاف، فإن كونه كالأجرة وكون المقاسمة في معناه واختصاصه بالقسم الثاني، والمقاسمة بالأول لا يدل على حل ولا تحريم ولا شبهة
وقوله: «وقد يفرق بالمضروب على الأرض أو المواشي» لا ربط له بما قبله ولا بما بعده
وقوله «وإلا يكون فيئا» إن أراد به غنيمة الغازي بغير إذن الإمام كما يفهم من آخر هذه العبارة، فالصواب تركه، لأن المفروض كون الجهاد مع النبي أو الإمام أو نائبه في الجهاد، على ما صرح به فكيف يكون ما أخذه فيئا؟ وإن أراد به غيره فلا بد من بيانه
وقوله «وهذه للمسلمين إلى قوله وينبغي كون ذلك بعد إخراج الخمس» لا دخل له في الاستدلال على التحريم ولا الشبهة، بل إن كان ولا بد يكون دليلا على كون الخراج حلالا "
والشيبانى محق فى نقده فقد أظهر عيوب قول الأردبيلى وأنها لا علاقة لها بالخراج ثم عرف الخراج تاريخيا فقال:
قال : «واعلم أيضا أنه ما ثبت كون الأرض فتحت عنوة على الوجه المذكور إلا ما ثبت في زمان النبي (ص) كونه كذلك، وأما غيره فالعراق وجد كونها مفتوحة عنوة في كثير من العبارات، حيث فتحت في زمان الثاني بالقهر، وقيل كان بإذن أمير المؤمنين وكان الحسنان مع العسكر وقد منع ذلك، وذلك منقول عن فخر الفقهاء ووالده في التنقيح، ويفهم ذلك من كلام المبسوط وإن يفهم خلافه أيضا، وبالجملة ما ثبت كونه كذلك»
وأقول: إن هذا الكلام مع قطع النظر عما فيه من عدم تحرير العبارة وربطها، لا يظهر المعطوف عليه ما هو؟ والمفهوم أن أرض العراق لم يثبت كونها خراجية، وهو مع تسليمه لا يدل على كون الخراج فيه شبهة، بل إن ثبت دل على أن المأخوذ منها بطريق الخراج حرام إن قلنا بأن القسمة للغازين أو قلنا بأنها للامام ولم نقل بأنه جعلها كأرض الخراج تفضلا منه كما يجئ في كلام هذا المصنف
وقوله: «وبالجملة لم يثبت كونه كذلك» بعد تصريح العلماء بأنها لا خلاف فيه أنها فتحت عنوة، مما لا يليق من مثل هذا الفاضل، فإن كون أرض العراق خراجية أشهر من الشمس وأبين من أمس لمن تصفح مساطير العلماء، مثل عبارة المبسوط والمنتهى، والتذكرة، والتحرير، والسرائر، وما رواه الشيخ بإسناده عن مصعب بن يزيد الأنصاري من قوله: استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الخ وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر من قوله: سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت عنوة بعد رسول الله (ص) فقال: إن أمير المؤمنين قد سار في أهل العراق مسيرة فهم إمام لسائر الأرضين وما روي أيضا عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله عما اختلف فيه ابن أبي ليلى، وابن شبرمة الخ ، فكل هذا لا يفيد الظن بأن أرض العراق خراجية؟! فكيف لنا بثبوت المعاني اللغوية التي نأخذها من كتب المخالفين؟! فليتأمل ذلك المنصف
قال : «نعم، فيما رواه الشيخ في الصحيح على ما قيل عن محمد الحلبي، قال: سئل أبو عبد الله عن السواد، ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين الخ دلالة على ذلك مع أنها قد تكون للتقية على ما قيل، أو يكون له جعلها كذلك تفضلا منه»
أقول: إن الحمل الثاني ينادي ويقول: مرحبا بالوفاق فإن المقصود حل ما يؤخذ من أرض العراق بطريق الخراج وأما الحمل الأول، فإنما يستقيم لو كان لهذا الخبر معارض أرجح منه، أما مع عدم المعارض فأي ضرورة إلى هذا الحمل
قال : «وأما ما سوى العراق مثل الشام، ونقل عن العلامة: وخراسان إلى كرمان، وخوزستان وهمدان وقزوين وحواليها، ونقل أنها خراجية عن قطب الراوندي في الخراجية، فقد علمت، أن حليته موقوفة على تحقيق كون الأرض التي يؤخذ منها الخراج أخذت عنوة وكانت معمورة حينئذ ومضروب الخراج ولم يدع أحد ملكيتها ولم تكن موقوفة لما سيجئ ودونه خرط القتاد إذ طريقه الخبر المتواتر أو خبر الواحد الصحيح وليس شئ من ذلك بمعلوم ولا مظنون بظن معتبر»
أقول: هذا الكلام يدل على حل الخراج وأنه لا شبهة فيه، وإنما الكلام في تحقيق أرض الخراج وليس هو المبحوث عنه ثم إن المتوقف عليه حل الخراج إنما هو فتح المعصوم أو نائبه للارض عنوة وكونها محياة، وأما عدم ضرب الخراج وادعاء أحد مليكتها لا ينافي كون الأرض خراجية، لأن المفتوح عنوة يملك تبعا لآثار التصرف، ولا يقتضي ذلك سقوط الخراج بل يقتضي قرارها في يده ما دام آثار التصرف موجودة "
ونقد الشيبانى هنا للأردبيلى حيث تكلم الأخير عن الأرض الخراجية وليس عن حكمها ثم أكمل نقد كلام الأردبيلى فقال:
"ثم دعوى انحصار الثبوت بالخبر المتواتر وخبر الواحد الصحيح دعوى خالية عن الدليل فلم لا يكفي فيها الشياع المفيد للظن؟ إذ لو لم يكف فيها ذلك لبطل هذا الحكم مع امتداد الأوقات وفناء الشهور وعدم حصول التواتر، وذلك ينافي حكمة الشارع
قال : «ولا يمكن إثباته بكونها معمورة الآن وأن الجائر يأخذ عنها الخراج كما قال الشيخ زين الدين في شرح الشرائع: حملا لفعل المسلمين على الصحة، إذ الأصل عدمه وذلك قرينة ضعيفة، إذ الجائر يرى عدم تقييده لأخذه مال الناس ولد خوله فيما ليس له كالقتل وغير ذلك، فكيف يمكن حمل ذلك منه على الصحة؟ ولأنه يأخذ الخراج من غير محله وفوق الحق ومن غير رضا المتصرف، بل وقد ينقص محصول من الخراج ولا يتمكن من الترك، بل لو ترك الزراعة يؤخذ منه الخراج، على أنهم صرحوا بأن أخذ الجائر غير جائز وأنه ظلم وحرام وهو آثم به، فكيف يحكم على الصحة والاباحة ولا يعتبر شرعا في أخذ ما في أيدي الناس الدالة على الملكية وقد يدعي الملكية أيضا؟ قال فيه في شرح قول المصنف «والنظر فيها أي في الأرض المفتوحة عنوة إلى الإمام» هذا مع ظهوره وبسط يده، أما مع غيبته كهذا الزمان فكل أرض يدعي أحد ملكيتها بشراء أو إرث ونحوها ولا يعلم فساد دعواه تقر في يده كذلك، لجواز صدقه وحملا لتصرفه على الصحة فإن الأرض المذكورة يمكن تملكها بوجوه وذكر وجهين»
أقول: الشيخ زين الدين ادعى أن كونها خراجية يثبت بكونها معمورة الآن وأخذ الجائر منها، واستدل عليه بحمل فعل المسلمين على الصحة، ولا يخفى تكرر هذا الدليل في كلام الفقهاء وأنهم استدلوا به على مطالب كثيرة من جملتها ما استشهد به المصنف من قول الشيخ زين الدين: «فكل أرض يدعي أحد ملكيتها إلى قوله: حملا لتصرفه على الصحة»، فقول المصنف: «الأصل عدمه» إن أراد به عدم الخراج فلا يضر هذا المستدل إذا سلم المصنف دليله، وإن لم يسلمه فلا حاجة إلى قوله «إذا الأصل عدمه»، وإن أراد أن الأصل عدم الصحة ففيه ما يكفيه
وقوله: «إن ذلك قرينة ضعيفة» بعد تسليم الدليل، لا وجه له إذ عدم تقيد الظالم وما ذكر فيه من المطاعن لا يخرجه عن الاسلام، ولا يقتضي تحريم ما في يده إذا لم نعلم تحريمه بعينه
وقوله: «من غير رضا المتصرف» لا وجه له بعد الاحاطة بأن الخراج خارج عن مالك المتصرف ومن أوهن المطاعن قوله: «بل وقد ينقص محصوله عن الخراج» مع قطع النظر عما في العبارة، لما قرر أن الخراج كالأجرة، والعلاوة التي ذكرها وهي التصريح بأن أخذ الجائر غير جائز لا يقتضي تحريمه على مستحقه ولا ينافي صحة أخذ المستحق له ولا إباحته له وإن كان أخذ الجائر له محرما
وقوله: «ولا يعتبر شرعا في أخذ ما في أيدي الناس الدالة على الملكية» إن أراد بما في أيدي الناس، الأموال التي يدعون ملكها فليس الكلام فيه وإن أراد به الأموال التي في أيديهم إذا طلبها السلطان دفعوها إليه على أنها عوضا عن زرع هذه الأرض، فنفي الاعتبار لا وجه له
وقوله: «قد يدعي الملكية إلى قوله وذكر وجهين» لا طائل بذكره لأن كلامنا في الأرض التي لا يدعي صاحب اليد ملكيتها أو يدعيها مع علم فساد دعواه "
والنقد مع سلامته فإنه يحل الخراج وكما قلت لا خراج فى الإسلام فهو معاملة من معاملات الكفار ويروى فى ذلك روايات صحيحة المعنى تقول لا مكس أو لا مكوس فى الإسلام ثم أكمل نقده فقال:
قال : «ثم على تقدير الثبوت فلا دليل يعتد به عليه وإن كان ظاهر عبارات الأصحاب يفيده، لكن الأخذ بمجرد ذلك من غير ظهور دليل وثبوت إجماعهم بحيث تقنع النفس به وإن ادعى الشيخ علي بن عبد الغالي الاجماع على ذلك في الخراجية لما تعلم في الاجماع، ودعواه في هذا الزمان في مثل هذه المسألة مشكل، لأن الظاهر أن المال لمن في يده من غير أن يكون لأحد شيئا، إذ ثبوت الخراج في أرضه من الإمام وقبوله على ذلك المقدار الآن غير واضح وإن سلم أن أرضها مما يجب فيه الخراج، فيكون هو غاصبا يلزمه أجرة المثل وليس بمعلوم كونها المقدار المقرر المأخوذ باسمه» "
وبين الشيبانى أن الرجل كان يكفيه فى حرمة الخراج أن يقول لا دليل عليه ولكنه أدخل نفسه فى متاهات فقال:
أقول وبالله التوفيق: لا يخفى أن هذا المصنف يدعي أن الخراج محرم أو فيه شبهة، فكيف يكفيه في ذلك أن لا دليل يدل على تحليله نعم، لو كان مانعا كفاه ذلك وعدم قبوله دعوى الاجماع من مثل الشيخ علي ، أو مثل الشيخ زين الدين ومثل المقداد لا يلائم ما هو مقرر من أن الاجماع المنقول بخبر الواحد بل ولا المنقول بنقل مستفيض حجة
وأعظم من بالغ في دعوى الاجماع شيخنا الشيخ زين الدين الذي بالغ في تتبع الروايات وكلام الفقهاء فقال تعالى: «ما يأخذه الجائر في زمن الغلبة قد أذن أئمتنا في تناوله منه، وأطبق عليه علماؤنا، لا نعلم فيه مخالفا وإن كان ظالما في أخذه، ولاستلزام تركه والقول بتحريمه الضرر العظيم على هذه الطائفة
وقال المقداد «إنما قلنا بجواز الشراء من الجائر مع كونه غير مستحق للنص الوارد عنهم بذلك، وللاجماع وإن لم يعلم مستنده أن ما يأخذه الجائر حق لائمة العدل وقد أذنوا لشيعتهم في ذلك فيكون تصرف الجائر كالفضولي إذا إنضم إليه إذن المالك»"
وبين الشيبانى أن الروايات الواردة فى أمر الخراج ضعيفة لا يعول عليها فقال:
أقول: ومن ذلك يفهم جواز غير الشراء فتأمل وما ورد من الروايات التي يدل بعضها صريحا وبعضها بالفكر الصائب وإن كان في بعضها ضعف، وعبارات الفقهاء التي هي صريحة بحله مما يدل على تحليله وأصرح ما وجدناه في هذا الباب ما رواه محمد بن الحسن الصفار، عن محمد ابن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن وعن المفضل ابن صالح عن أبي عبد الله قال: إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه إنما أخذ حقه، فإذا كان منع إمام عادل فعليه القتل ولكنه وإن كان ضعيفا فهو مع غيره من الأحاديث الدالة على حل الخراج قد اعتضد بعمل الفقهاء وتوافق عباراتهم فضلا عن الاجماع المدعى على أن الخراج حل للمسلمين قاطبة "
وبين الشيبانى أن الأردبيلى أخطأ النقل عن إبراهيم أو افترى عليه فقال:
"ومن أعجب الأمور أن هذا الخراج لم يذهب إلى تحريمه أحد من المسلمين فضلا عن المؤمنين حتى أن الشيخ إبراهيم ـ الذي نسب إليه الخلاف في ذلك قال في نقض الخراجية بما يدل على اعتقاده بأن الخراج حلال للمسلمين وإن حرم أخذ الجائر له، وهذه عبارته: «ولو شئت أن أقول إن اختيار الدفع إلى الظالم مع التمكن من الكتمان والسرقة والجحود مما علم عدم جوازه من الدين بالضرورة لقلت، لأن ذلك حق للمسلمين يجب إيصاله إلى واليهم، فإذا كان غائبا وجب أن يوصل إلى نائبه وهو حاكم الشرع، فإن لم يمكن فإلى مستحقه حسبة كالمال الذي في يده لغيره فإنه يدفعه إلى من يستحق قبضه شرعا» فإذا كان الأمر كذلك فلا فرق مع غيبة الحاكم الشرعي أن يأخذ الخراج من الظالم أو من غيره، وكثيرا ما نسمع الفقهاء رحمهم الله تعالى يقولون: لو نجد الرفيق لقلنا كذا، فمسألة لم يوجد دليل على تحريمها ولا قائل به فكيف يجوز التجري على القول به؟ وما أشبه الخراج بالمتعة التي كانت على عهد رسول الله (ص)والأول وكرهوه من زمن الثاني، بل هو في حكمه أعلى مرتبة حيث إن المخالفين نقلوا في تحريم المتعة من النبي (ص)وعن بعض الصحابة، ولم ينقل مخالف ولا مؤالف حديثا ولا قولا في تحريمه، بل كان حله شائعا في زمن النبي (ص) والصحابة والتابعين وجميع أهل العلم وقوله: «فإن سلم أن أرضها مما يجب فيه الخراج إلى قوله ـ وليس بمعلوم كونه المقدار المقدر» ولا وجه له بعد التسليم بأن الخراج هو الأجرة اللائقة بتلك الأرض "
ثم نقل عن الأردبيلى كلاما هو دليل على أن يحله وليس يحرمه فقال:
"قال : «ثم إن ذلك دين في ذمته فلا يمكن الأخذ إلا برضاه ولا يتعين كون المأخوذ لذلك إلا بأخذهم أو أخذ وكيلهم وهو متعذر حينئذ فيكون ثابتا في ذمته يوصي به إلى أن يصل إلى صاحبه أو الحاكم لو أمكن، ويكون له ذلك، إذ الإمام ناظر ولا يلزم من كون الحاكم نائبا عنه في الجملة كونه نائبا في ذلك أو يوصل هو إلى أهله أي يصرفه في مصالح المسلمين أو يكون ساقطا سيما مع الاحتياج إذ هو من المسلمين فقد يكون هذا من نصيبه، حيث إن المفهوم من كلام الشيخ علي أن الآخذ إنما يأخذه لأنه من بيت مال المسلمين، وللآخذ نصيب فيه وحصة، ولا شك أن ذا اليد أيضا كذلك» انتهى كلامه
أقول: هذا الكلام لا دخل له في تحريم الخراج، بل يدل على تحليله، إنما الكلام في التوصل إلى أخذه إذا لم يسمح به المستعمل للارض، ولا يخفى أن للامام الأخذ من ذلك المستعمل ولو بالقهر إذا لم يسمح به ذلك المستعمل، وأما الجائر فقد دلت الأحاديث والفتاوى والاجماع على أن ما يأخذه الجائر جائز لنا تناوله من يده وهو أعم من الأخذ طوعا أو كرها لأن «ما» من أدوات العموم حتى أن في بعضها «ولو كان يتظلم»، فلا يبعد أن يقال بالأخذ بتعين ذلك المأخوذ للخراج ويكون مغايرا للدين، على أنا نقول: إن الدائن إذ امتنع من عليه الدين جاز الأخذ منه قهرا، ويتعين ذلك عوضا عنه، وتحريم السرقة والامتناع من أدائه إذا طلبه دليل على عدم جواز الأخذ من دون إذن الحاكم ومن ثبت أنه قائم مقامه في جواز الأخذ من يده، ويدل على عدم سقوطه عن ذلك المستعمل، نعم لو أذن له في تبعيته لأجله فلا كلام في سقوطه وليس كل من له نصيب في بيت المال يجوز له الأخذ منه من دون إذن الحاكم ومن يقوم مقامه ألا يرى أن الوقف العام كالوقف على الفقراء لكل فقير نصيب فيه ولم يجز له الأخذ إلا بإذن من له ولاية التفريق، وبعد الاحاطة بما قلناه، فلا وجه لقوله: «ولا يلزم من كون الحاكم نائبا عنه إلى قوله في مصالح المسلمين» "
والكلام هنا خلط بين الدين وبين الخراج فالدين حق بينما الخراج حرام ثم تحدث عن الخمس والخراج فقال:
قال : «ثم بعد ذلك [كله] كيف يصنع الآخذ بالخمس وكيف يقسمه في هذا الزمان من غير إذن الحاكم؟ وأي شئ يفعل بحصته »؟
أقول: إن أراد أن الخمس أقل من الأجرة اللائقة بتلك الأرض فلا ضرر فيه، لأن الآخذ أخذ أقل من حقه فلا يكون حراما، لأنه أخذ بعض حقه وإن أراد أنه أزيد فلا نزاع في تحريم الزائد، وقوله «وكيف يقسمه في هذا الزمان من غير إذن الحاكم» إن أراد به الحاكم الشرعي بأن يكون المعنى: وكيف يقسم الجائر للخراج من غير إذن الحاكم الشرعي، فإن سئل عن أن هذا التصرف هل هو جائز للحاكم الجائر أم لا؟ قلنا: هو غير جائز له ولا يقتضي هو عدم جواز أخذنا من يده لاذن أئمتنا في الأخذ من يده، وإن أراد به حاكم الجور قلنا: الأخذ من غيره مع طلب حاكم الجور له لا يجوز وقوله «وأي شئ يفعل بحصته » إن أراد بالحصة الخمس الواجب له ولقبيله قلنا: الخمس لا يتعلق بالعين كما صرحوا به حتى يكون المأخوذ فيه الخمس، ولو سلمنا أنه متعلق بالعين فالمصنف يرى عدم وجوب الخمس في زمن الغيبة، وإن أراد أن له حصة في الخراج فغير معلوم استحقاقه بشئ منه، ولو سلم ذلك فقد أباحوه لنا بإذنهم في تناول الخراج من يد الجائر، أو نقول إنه لا يجب البسط على جميع المستحقين كالزكاة، بل بسطه على جميع المسلمين متعسر بل متعذر "
والكلام عن الخمس هو نفس الكلام عن الدين فكلاهما مقرر فى الشرع وأما الخراج فحرام بحكمه الشرع ثم حدثنا عن غفلة الناس ورد عليه فقال:
"قال : «ونجد أهل هذا الزمان غافلا عن ذلك كله واعتمدوا على ما في رسالة الخراجية لعلي بن عبد العالي وغيره مع قوله: لا يجوز العمل بقول الميت بوجه»
أقول: لا وجه لتخصيص الغفلة بأهل هذا الزمان بل هي شاملة لجميع أهل الاعصار، وذلك من أدل الدلائل على أن ذلك كله لا يمنع من حل الخراج، لأن ما أفاده ـ ليس في كمال الدقة حتى لم يصل إليه إلا هو بل لأجل أنها أوهام لا يعتد بها ولا يلتفت إليها "
ثم جرنا الأردبيلى لمسائل أخرى خارج الموضوع منها العمل بقول الميت ناقشها الشيبانى فقال:
"وقوله: «إنه لا يجوز العمل بقول الميت» إن أراد به التقليد للميت والاخلاد إلى قوله وترك الحث في تحصيل الاجتهاد فهو مسلم، لكن لا يمنع من تقليده في المسائل التي يضطر إليها قبل تحصيل الاجتهاد، وإن أراد أنه لا يجوز العمل بقوله وإن اضطر فما قوله فيمن ضاق عليه وقت الصلاة ويريد أن يصلي فهل يترك الصلاة أو يقلد الميت ويصلي؟ على أن نقول إن هذه المسألة ليس للاجتهاد فيها دخل لأنها من المسائل الاجماعية ولهذا لم يذكرها العلامة في مختلفه الذي اجتهد فيه على ذكر المسائل الخلافية "
ثم ناقش اختلاف إحلال أخذ الجائر وتحريمه فقال:
"قال ـ : «ويفهم من كلامه دعوى الاتفاق ودليله عليه عباراتهم المنقولة في الرسالة ومعلوم أنها ليست عبارات جميعهم ولا بعضهم الذي فيه من يظن كونه الإمام ولو بجهل النسب على ما قالوه، مع أنه لا يفيد الظن، على أن أكثر العبارات التي فيها لا تخلو عن شئ كما ذكر في نقضها، مع أن الأصحاب إنما جوزوا أخذ ما قبضه الجائر على ما يظهر من كلامهم، فإن الاجماع على تقديره إنما يكون على ذلك لا مطلقا، لأن بعض الأصحاب صرح بعدم جواز التناول بغير ذلك»
أقول: لا يخفى أن الشيخ علي وغيره ادعى الاتفاق على حل الخراج، وجعل المصنف دليل الاجماع عباراتهم قدح في مثل هذا العالم المتبحر على أنا نقول ذكر العبارات بعد دعوى الاتفاق لا يدل على كونه دليلا، لجواز أن يكون سبب دعواه الاجماع الاطلاع عليه، وذكر العبارات مؤيد لذلك كما جرت عادة السلف بتأييد الدليل برواية أبي هريرة وعائشة وغيرهما، ومما يؤيد ما قلناه، قوله قبل هذا الكلام الذي ادعى فيه الاتفاق وذكر عبارات الفقهاء بعده «والحاصل أن هذا مما وردت به النصوص وأجمع عليه الأصحاب بل المسلمون فالمنكر له والمنازع فيه مدافع للنص منازع للاجماع، فإذا بلغ معه الكلام إلى هذا المقام فالأولى الاقتصار معه على قول سلام» وكأن هذا المصنف ـ دام بقاه ولم يطلع على هذا الكلام
وقوله «على أن أكثر عباراتهم لا تخلو من شئ على ما ذكر في نقضها» والذي ذكر في نقضها أنه قول عدد قليل، بعضهم ذكر الابتياع وبعضهم عمم وقد قال الشيخ علي إنه إذا جاز الابتياع جاز غيره واستدل عليه والجماعة الذين ذكرت عباراتهم مثل الشيخ في النهاية ونجم الدين في الشرائع والعلامة في المنتهى والتذكرة والتحرير والقواعد والشهيد في حاشية القواعد ، والعلامة في الارشاد ، والشهيد في دروسه ، والمقداد في تنقيحه فهؤلاء الجماعة لم ينقلوا في هذه الكتب خلافا لأحد من المسلمين فضلا عن المؤمنين مع شدة حرصهم على إيراد الخلاف وإن ضعف، فلا أقل أن يكون ذلك قرينة من القرائن الدالة على أنه لا خلاف في هذا الحكم مع قطع النظر عن الاجماع الذي قد ذكر مرارا
وقوله «مع أن الأصحاب إنما جوزوا أخذ ما قبضه الجائر» إن أراد جمعهم فهو غير صحيح، وإن أراد بعضهم فمسلم ويمكن حمله على ما إذا ـ منع منه ولم يأذن فيه قبل القبض، ولو سلم ذلك كله فكيف كان الاجماع إنما هو على القبض ومن أعجب الأمور استدلاله على أن الاجماع إنما هو على ذلك بقوله لأن بعض الأصحاب صرح بعدم جواز التناول بغير ذلك بعد الاحاطة بأن الاجماع هو الاتفاق في العصر الواحد وأن معلوم النسب لا يقدح في الاجماع، تقدم أو تأخر أو قارن
قال : «ونقل في النقض: أن السيد ابن عبد الحميد قال في شرحه للنافع: «وإنما يحل بعد قبض السلطان أو نائبه، ولهذا قال المصنف ما يأخذه باسم المقاسمة فقيده بالأخذ» ويفهم من الدروس أيضا ذلك، بل أخص منه على ما نقله فيه، إذ يفهم عدم الجواز عنده إلا في المعاوضة حيث قال فيه «وكما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات كالهبة والصدقة والوقف ولا يحل تناولها بغير ذلك» ومنه يعلم أن جواز التناول مطلقا ليس بمجمع عليه أيضا، بل فيه خلاف حيث يفهم عدمه عند الشهيد، وعند السيد المذكور، وفي النافع أيضا على ما فهمه» إنتهى كلامه
أقول: لا يخفى أن المفهوم من الروايات ومن كلام الفقهاء أن وجه الحل كون الخراج حقا من حقوق المسلمين، وأئمتنا أذنوا لنا في تناوله، فعلى هذا لا وجه لتوقف حله على قبض الجائر له أو نائبه، نعم له منع منه الجائر أمكن توقفه على ذلك، على أنا نقول: من أذن له الجائر في أخذه كان نائبا للجائر قبضه كقبضه، ولو سلم ذلك كله فأي دخل له في تحريم الخراج المأخوذ من يد الظالم أو نائبه؟ ومن الغرائب قوله «ويفهم من الدروس ذلك» مع أن التصريح فيها بقوله «ولا فرق بين قبض الجائر إياها أو وكيله، وبين عدم القبض» وأغرب من ذلك قوله «ومنه يعلم أن جواز التناول مطلقا ليس بمجمع عليه إلى آخر ما ذكره» مع تصريحه هو فضلا عن غيره أن معلوم النسب لا يضر خلافه في الاجماع "
ومما سبق نجد اختلاف القوم فى مسألة الخراج فى حكاية أخذ الحاكم الظالم للخراج ثم حدثنا عن أدلة المختلفين فقال:
قال : «وأما أدلتهم فهي بعض الأخبار، ولا دلالة ظاهرة فيها، وادعى النصوصية فيها الشيخ علي بن عبد العالي وهي خبر أبي بكر الحضرمي الذي روى الشيخ عنه، عن أبي عبد الله ، وموضع الدلالة منه قوله «ما منع ابن أبي سماك يبعث إليك بعطائك، أما علم أن لك في بيت المال نصيبا» وقال الشيخ علي بن عبد العالي فيها «قلت: هذا نص في الباب ـ إلى قوله: حيث إنه يستحق في بيت المال نصيبا، وقد تقرر في الأصول تعدي الحكم بالعلة المنصوصة» قلت: الحديث غير معلوم الصحة، وعدم ظهور الدلالة إذ غايتها جواز قبول الحضرمي عطاء ابن أبي سماك، لأن له في بيت المال نصيبا، فهم بالقياس جواز الأخذ منه لمن كان مثل الحضرمي في الاستحقاق من بيت المال، بأن يكون من المصالح، فلم يدل على جواز أخذ الخراج من كل جائز، مؤمنا وغيره لكل أحد، سواء كان ممن يستحق من بيت المال أو لا، فالاستدلال بمثله في هذه المسألة لا يخلو عن إشكال، وأشد منه تسميته بالنص، نعم يمكن الاستدلال به في الجملة على جواز أخذ الجوائز من الجائر كما استدل به عليه العلامة في المنتهى وليس بتام أيضا»
أقول: قوله «الحديث غير معلوم الصحة» لو سلم لا يقتضي عدم جواز الاستدلال به لجواز اعتضاده بما يجبر ضعفه من إجماع أو غيره، وأما ظهور دلالته على حمل الخراج للمسلمين فنقول: إن الحضرمي إنما استحق العطاء من بيت المال الذي من جملته الخراج لكونه صاحب نصيب في بيت المال، ومعلوم أن استحقاقه للنصيب إنما هو من جهة كونه من جملة المسلمين، لأنه لو كان له جهة غير ذلك لنقلتها الرواة وأهل التاريخ، بل المجتهدون الذين اشتهر حرصهم على نقل أقل من ذلك، ولو نقلوه لشاع وذاع، وإذا كان الأمر كذلك فكل مسلم له نصيب في بيت المال وما ليس له نصيب لا يستحق الأخذ، فانتفى الاشكال، والأشد منه ومن العجب قوله «نعم يمكن الاستدلال به على جواز أخذ الجوائز من الجائر» فكيف يعمل بقوله «ألم يعلم أن لك في بيت المال نصيبا» لأن النصيب في بيت المال لا يقتضي حل الجوائز من غيره، فالدليل حينئذ أخص من المدعى، إذ المدعى جواز أخذ جوائز الظالم مطلقا إذا لم يعلم كونها
قال : «وأيضا صحيحة هشام الدالة على جواز شراء مال الصدقة من الجائر حتى يعرف أنه حرام ولا خفاء في عدم دلالتها على المدعى وهو ظاهر، وأيضا ما روي أن الحسنين قبلا جوائز معاوية، وعدم الدلالة ظاهر»
أقول: لا يخفى أن هذه الرواية كما دلت على جواز شراء مال الصدقة دلت على جواز شراء ما يأخذه باسم المقاسمة من الحنطة والشعير، وذلك مصرح به فيها وهو يشمل الخراج من حاصل الأرض، وقد بين أن الجائر لا يستحقه ولا يجوز أخذه له، فجواز الشراء منه ليس إلا لكونه حقا لنا، وإذا كان الأمر كذلك فأين ظهور عدم دلالتها على المدعى؟ وأما قبول الحسنين جوائز معاوية فهو كما قال المصنف لكن لا حاجة للقائل بحله إلى ذلك لوجود ما يكفيه
قال : «وأيضا صحيحة عبد الرحمن حين قال له أبو الحسن : ما لك لا تدخل مع علي في شراء الطعام، إني أظنك ضيقا؟ قال: قلت: نعم، فإن شئت وسعت علي، قال: اشتره ومعلوم أن ليس فيه إلا الدلالة على جواز شراء طعام كان عبد الرحمن ضيقا من شرائه، ولا يدل على جواز أخذ الخراج من كل جائر لكل أحد بكل وجه وهو المدعى»
أقول: لا يخفى أن الطعام عام، وقد سلم الناقض عمومه، فيشمل الخراج وقد جوز الإمام شراءه، وإذا جاز شراء الطعام الذي هو أعم من الخراج من الجائر الذي لا يستحقه ولا يجوز له أخذه كان دليلا على حل الخراج لنا، لأن جواز الشراء منه إنما هو لكون الخراج حقا لنا
وفي قول الشيخ علي «وقد احتج بها العلامة في التذكرة على تناول ما يأخذه الجائر باسم الخراج والمقاسمة» دقيقة وهي أن دلالة هذه الروايات على حل الخراج غير ظاهرة فلولا علم العلامة بأن هذا الطعام من مال الخراج والمقاسمة لما استدل بها، وإذا كان الأمر كذلك دل على جواز أخذ الخراج من كل جائر لكل واحد من المسلمين لا لكل أحد، فتأمل
قال : «وأيضا صحيحة جميل بن صالح قال: أرادوا بيع تمر عين أبي زياد فأردت أن اشتريه، ثم قلت: حتى أستأذن أبا عبد الله ، فأمرت مصادفا فسأله فقال: قل له: يشتريه فإن لم يشتره اشتراه غيره هذه مثل ما قبلها في الدلالة، بل أقل، على أنه قد يكون صحتهما موقوفة على توثيق عبد الرحمن ومصادف ونقلها الشيخ علي بن عبد العالي في الخراجية، وقال: «وقد استدل بالأخير في المنتهى على هذه الدعوى» ثم اعترض الشيخ علي على نفسه: «بأن جواز الشراء لا يدل على غيره، وأجاب إن حل الشراء يستلزم حل جميع أسباب النقل» وأنت تعلم أنه غير واضح، وقد يكون جواز الشراء لحصول العوض وغير ذلك، ألا ترى أن المكاتب يجوز له الشراء ولا يجوز له الهبة! وأيضا أجاب عن عدم لزوم جواز الأخذ بأمر الجائر من جواز أخذ ما قبضه على تقدير تسليمه بنحو ذلك وهو غير ظاهر» إنتهى كلامه
أقول: قد قال الشيخ بعد نقل هذه الرواية: «إن العلامة احتج على حل ذلك بهذه الرواية في المنتهى، وصححه» وهذا اعتراف منه، إذ دلالتها على ذلك غير ظاهرة، فلولا أن العلامة اطلع على أن ذلك التمر من الخراج لما استدل بها، ولو لم تدل على ذلك فنحن لا إحتياج بنا إليها بعد الاحاطة بأن جواز الشراء ليس إلا لكون نصيب لنا فيه، وأن أئمتنا أذنوا لنا في أخذه، فلا شبهة في جواز غير الشراء بل الأخذ مجانا
ومن العجب قوله: «وقد يكون جواز الشراء لحصول العوض»، إذ حصول العوض للجائر الذي لا يجوز له أخذ الخراج ولا تملكه لا يقتضي جواز التسلط على مال الغير والتمثيل بالمكاتب الذي يملك ما في يده لكنه محجور عليه بغير المعاوضة أعجب من ذلك، لأن الجائر غير مالك بالاجماع بل لا ولاية له، وإذا ثبت أن المأخوذ حق بالأصالة فلا فرق بين الأخذ من أيدي الجائر والأخذ بأمره، وذلك ظاهر لمن تدبره
قال : «وبالجملة هذه المسألة في الغاية من الاشكال، حيث إنهم حكموا بها بهذه الأدلة، وقالوا: لا يجوز الأخذ إلا بإذن الجائر بل نقل الشيخ علي ابن عبد العالي عن البعض أنه لا يجوز السرقة والكتمان للزارع مع قولهم بعدم جواز الأخذ للجائر، وأنه ظالم فلا يجوز البيع منه حينئذ، بل لا يمكن تحقق البيع، وكيف يجوز بيع مال المسلمين الذي الناظر فيه الإمام ومصرفه المصالح أخذه الظالم ظلما أن يشترى منه أو يتهب، إلا أن يقال هذا استنقاذ لا بيع حقيقة، ولا صدقة، ولكن حينئذ شرط القبض أو الاذن غير ظاهر»
أقول: لا يخفى أنه لا منافاة بين حل الخراج وعدم جواز الأخذ بدون إذن الجائر، ولا يصلح أن يكون ذلك منشأ لمجرد الاشكال فضلا عن كونه منشأ للغاية من الاشكال، إذ لا قبح أن يقول الشارع للانسان: لك في بيت المال نصيب ولا يجوز لك أخذه إلا بإذن الجائر لمصلحة يعلمها، ونظائر ذلك كثيرة، فإن الوقوف العام والزكوات والوصايا والمنتشرين كذلك بل ملك الانسان المختص به كالمحجور عليه للسفه كذلك، بل غير المحجور عليه كذلك، كما لو استولى الظالم على مال الانسان، وخاف على نفسه أن يتصرف بغير إذن الظالم فإنه لا يجوز لأحد من هؤلاء السرقة والكتمان، وإن أراد أن منشأ الاشكال الدلائل المذكورة فقط، فمعلوم أيضا عدم صلاحيتها له، لأن هذه الدلائل إن أفادت الحل فلا إشكال، وإن لم تفده فلا إشكال أيضا وإن أراد إذن الجائر الذي لا يجوز له الأخذ ولا التصرف، وكيف يجامع حل الخراج ويكون منشأ للاشكال؟ فهو مما لا وجه له بعد الاحاطة بما قلناه ونفي جواز البيع بعد دلالة الروايات والعبارات عليه عجيب لا يليق بهذا الفاضل وقوله «بل لا يمكن تحقق البيع» مع ورود الروايات به ونقل الاجماع عليه أعجب، ولو سلم يكون استنقاذا، وإطلاق البيع عليه ليس بعزيز، بل هو موجود في عبارات الفقهاء، كما لو قهر الحربي من ينعتق عليه وباعه ونفي ظهور اشتراط قبض الجائر له أو إذنه لا دخل في التحريم والشبهة، بل هو مما يحقق مطلوبنا من حل الخراج وكون منشأ حله أن لنا فيه نصيبا "
دخلت المسائل فى بعضها مبتعدة عن موضوع الخراج ومعظم الكتاب هو مناقشة لتلك المسائل البعيدة عن الخراج وحتى ما قالوا أنه ادلة ليست فى المسألة وإنما فى أمور بعيدة فما سبق هو حديث عن سرقة الحاكم الظالم أموال المسلمين وهل يجوز لهم سرقة المال ممن سرقه أو كتمانه عنه وهو ما أكملته الرسالة فى القول التالى:
"قال : «وكيف لا يجوز لمن في ذمته السرقة والكتمان، بل ينبغي، بل يجب عدم جواز الاعطاء له إن أمكن، لأنه لا تبرأ ذمته على تقدير قدرته على المنع، ولا يتعين ما أخذ منه مالا للخراج والزكاة، لكن ما جزم بهذا النقل بل قال أظن سماعا عن علي بن هلال، وما نقلوا دليلا على عدم الجواز إلا بإذن الجائر والجواز به سوى ما مر» إنتهى كلامه دامت أيامه وكثر الله من مثله وأمثاله
أقول: إن جميع ما قاله المصنف إن لم يساعد من يقول بحل ما يؤخذ باسم الخراج والزكاة، فلا أقل أن لا يضره، إذ المقصود حل تناول ما يأخذه الجائر سواء جاز للجائر أخذه أم لا، وسواء حرم على المالك دفعه أم لا، وسواء تعين ما أخذه للخراج والزكاة أم لا، ولا يتوقف إثبات مطلوبنا على شئ من ذلك، على أنا نقل: الروايات دلت على تعيين ما أخذه للخراج لقول الإمام : أما علم أن لك نصيبا في بيت المال، وبيت المال إن لم يعم الخراج والزكاة وغيرهما فلا أقل أن يكون مختصا بهما
ولا يخفى أن الشيخ علي جازم بالنقل عن الشيخ علي بن هلال وإنما تردده بين كونه مشافهة أو بواسطة، بل الراجح عنده أنه مشافهة، حيث قال «غالب ظني بالمشافهة» واستدل على عدم جواز السرقة والجحود والمنع لذلك أو لشئ منه لمن هو عليه، لكونه حقا، فأين قول المصنف إنه ما جزم بهذا النقل؟
قال : «فلولا خوف خلاف الاجماع، لأمكن المبحوث عنه نعم قد يوجد في بعض الأخبار جواز شراء الزكاة فيحتمل زكاة مال المشتري على طريق الاستنقاذ، وأن يكون المراد ممن عنده الزكاة لاعين الزكاة، وأن يكون العامل مأذونا من الإمام ، وما كان معلوما ظاهرا للتقية أو يكون للتقية أو قضية في واقعة، فلا يتعدى وأمثالها كثيرة، وأن يكون لطفا من الله تعالى تسهيلا للشريعة ونفيا للحرج على تقدير عدم ثبوت براءة الذمة والضرورة واستحقاق الزكاة فيؤول كلام الأصحاب على بعض تلك الوجوه على تقدير الاجماع مثل كون الأخذ من المصالح والمصرف، أو الذي يقدر أن يأخذه ويصرفه في مصرفه، وغير ذلك وقد احتمل الشيخ إبراهيم القطيفي في النقض كون الجائر مخالفا بظن إمامته وكذا المعطي ويفهم من شرح الشرائع أيضا» "
والكلام السابق هو كلام غير مستقيم فالقوم يحلون للحاكم سرقة مال المسلمين له ولمن معه ويحرمون على المسلمين أخذ بعض حقهم سواء سموا ذلك سرقة أو كتمان ثم حدثنا الشيبانى أن الأدلة أحلت الخراج ولم تحرمه فقال:
"أقول: قول المصنف «لولا خوف خلاف الاجماع» لا وجه لاختصاصه بهذه المسألة، إذا كل مسألة من مسائل الشرع يمكننا أن نقول فيها لولا خوف مخالفة الدليل لأمكننا القول ببطلانها وهذا اعتراف منه بثبوت الاجماع بعد الانكار له ورجوع إلى الحق، ولا يخفى أن صحيحة هشام وصحيحة عبد الرحمن صريحان في جواز بيع مال الخراج وقد بينا ذلك فيما مضى بل بينا دلالة باقي الروايات فليراجع ولا يخفى أن هذه المحامل التي ذكرها المصنف قاصرة على ما فيها، إنما تحسن لو كان في المسألة خلاف أو رواية تدل على عدم جواز أخذ الخراج أو مشتراه، أما مع عدم ذلك فأي ضرورة على الحمل على تلك المحامل
وقوله: «وأن يكون لطفا من الله الخ» مما ينادي ويصرح بالوفاق، لأنا متى منعنا كون حله لطفا وعدم حله حرجا؟ بل صرح بعض من ادعى الاجماع على حله أنه لولا الحل لزم الحرج على هذه الطائفة، وقد أسلفنا، وما رأيت أقل طالعا من هذه المسألة لما قرروا من أن جواز العمل يكفي فيه الظن الحاصل من الدليل، وكثير من المسائل يثبتونها بالخبر الضعيف، ويقولون إنه وإن كان ضعيفا إلا أنه قد انجبر بعمل الأصحاب أو بغيره، وهذه المسألة قد ادعى على حلها الاجماع جماعة من العلماء مثل المحقق المدقق فريد عصره وزمانه الشيخ علي بن عبد العالي والشيخ المرحوم المبرور الشهيد الثاني الشيخ زين الدين والفاضل المقداد ودلت عليه الروايات قول أحد ممن يسمى باسم العلم بتحريمها ولا دلت عليه رواية حتى أن الشيخ إبراهيم المنسوب إليه الخلاف معترف بحله وأثبت ذلك في نقضه كما حكيناه عنه سابقا، فرحم الله من أحسن النظر وتفكر في أمر دينه واعتبر وجعل ضالته الحق، ونزه نفسه عن التعصب والجدال، واعترف لأهل الفضل بفضلهم، ونزل الناس بمنازلهم، وليكن هذا آخر ما خطر لهذا الفقير القاصر"
وكل الكلام هو تقليد من الفقهاء لأقوال بعضهم فهم بنوا الأمر على باطل ولم ينظروا فى كتاب الله الذى هو أساس التحليل والتحريم فالخراج طبقا له حرام وإنما الأرض التى فى حوزة دولة المسلمين يقيم المسلمون بعضا منهم لزراعتها أو تعدينها أو وما شابه وما يخرج منها يقسم ربحه على كل المسلمين بالعدل
الرسالة من تأليف ماجد بن فلاح الشيباني والرسالة هى رد على كتاب أو رسالة أخرى لفقيه أخر هو أحمد الأردبيلى فى موضوع الخراج وهو :
الخراج هو ضريبة مفروضة على الأرض التى استولى عليها المقاتلون بعد الحرب وتركوها فى يد الناس فمن يزرعها أو يستفيد منه يدفع مقابلها ضريبة أى أجر
وقد ذكر الله الخراج بمعنى الأجر على إبلاغ الدعوة وحرمه مذكرا النبى(ص) أنه أجر وهو ثواب الله خير من طلب الأجر على الدعوة فقال :
"أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين"
الخراج مسألة فى الأصل مسألة مخترعة اخترعها الناس بعد قرون من زوال دولة المسلمين لأن ألصلف ى الأرض التى فى حوزة المسلمين أنها أرضهم جميعا لا يحق لأحد منهم أو من سكان الدولة المسلمة تملكها فهى أرض شركة بين المسلمين لقوله تعالى :
" ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون"
وحكم الله فى الأرض كما فى كل شىء من المال هو أن قسمة بين الناس بالعدل كما قال تعالى " وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين" ومن ثم كل ما يخرج من الأرض من محاصيل او معادن أو غير ذلك يوزع على كل فرد قدر الأخر أو يقوم ثمنه ويقسم الثمن على عدد سكان الدولة ويعطى كل فرد نصيبه نقدا
ومن ثم لا يوجد ضريبة ولا خراج ولا شىء فى تلك الدولة العادلة التى انتهى وجودها
والشيبانى فى هذا الكتاب ينتقد الأردبيلى فى قوله أن الخراج به شبهة الحرام ومن ثم فهو حرام وكما قلت هو حرام من أصله وكل ما ترتب عليه من نتائج ونسير هنا خلف الشيبانى فى مناقشته لنعلم ما جرى
استهل الشيبانى الرسالة بذكر رأى الأردبيلى فقال:
"وبعد، فيقول الفقير الفاني ماجد بن فلاح الشيباني إنه قد اشتهر أن أحمد الأردبيلي يقول بتحريم الخراج، وقد سألني جماعة من أصحابه عن ذلك، فقلت لهم: المناسب أن يكتب مولانا في ذلك شيئا يدل على تحريمه فبعد مدة ظهرت منه رسالة محصلها أن الخراج فيه شبهة وأنا أنقل عبارته حرفا بحرف خوفا من التغيير والتبديل وكثرة الاقاويل فقال ومتعنا الله ببقائه وكثر من مثله وأمثاله: «إعلم وفقك الله لمرضاته أن الخراج لا يخلو عن شبهة، فإنه على ما فهم من كلامهم إنه كالأجرة المضروبة على الأرض التي فتحت عنوة، وكانت عامرة حين الفتح، وفي معناه: المقاسمة، سواء كانت من عين حاصل الأرض كالثلث أو من النقد بل غيره أيضا وقيل: إنه مختص بالقسم الثاني والمقاسمة بالأول، وقد يفرق بالمضروب على الأرض أو المواشي، وهي التي أخذت بالسيف والغلبة مع النبي (ص)أو مع الإمام أو نائبهما في الجهاد، وإلا يكون فيئا لهما على ما يفهم من عباراتهم، وإن كان دليلهم لا يخلو عن ضعف، إلا كلام المحقق في المعتبر والنافع، فإنه يدل على تردده في كون ما أخذه العسكر بغير إذنه فيئا ـ وقالوا: وهذه الأرض للمسلمين قاطبة، فيكون حاصلها لهم وأمرها إلى الإمام ويصرف حاصلها في مصارف المسلمين من المساجد والقناطر والقضاة والأئمة والمؤذنين وسد الثغور والغزاة وغيرها، وينبغي كون ذلك بعد إخراج الخمس، لأنه من الغنيمة، وكلام أكثر الأصحاب خال عنه، ونبه عليه الشيخ إبراهيم في نقض الرسالة الخراجية لعلي بن عبد العالي، وفي العبارة المنقولة عن المبسوط تصريح بوجوب الخمس في هذه الأراضي»
وأقول: إن المفهوم من قوله «فإنه الخ» كون هذا الكلام دليلا على كون الخراج فيه شبهة، ولا يخفى أن هذا الكلام بأسره لا دلالة له على مدعاه بشئ من الدلالات الثلاث، يعرف ذلك من كان سالكا طريق الانصاف، فإن كونه كالأجرة وكون المقاسمة في معناه واختصاصه بالقسم الثاني، والمقاسمة بالأول لا يدل على حل ولا تحريم ولا شبهة
وقوله: «وقد يفرق بالمضروب على الأرض أو المواشي» لا ربط له بما قبله ولا بما بعده
وقوله «وإلا يكون فيئا» إن أراد به غنيمة الغازي بغير إذن الإمام كما يفهم من آخر هذه العبارة، فالصواب تركه، لأن المفروض كون الجهاد مع النبي أو الإمام أو نائبه في الجهاد، على ما صرح به فكيف يكون ما أخذه فيئا؟ وإن أراد به غيره فلا بد من بيانه
وقوله «وهذه للمسلمين إلى قوله وينبغي كون ذلك بعد إخراج الخمس» لا دخل له في الاستدلال على التحريم ولا الشبهة، بل إن كان ولا بد يكون دليلا على كون الخراج حلالا "
والشيبانى محق فى نقده فقد أظهر عيوب قول الأردبيلى وأنها لا علاقة لها بالخراج ثم عرف الخراج تاريخيا فقال:
قال : «واعلم أيضا أنه ما ثبت كون الأرض فتحت عنوة على الوجه المذكور إلا ما ثبت في زمان النبي (ص) كونه كذلك، وأما غيره فالعراق وجد كونها مفتوحة عنوة في كثير من العبارات، حيث فتحت في زمان الثاني بالقهر، وقيل كان بإذن أمير المؤمنين وكان الحسنان مع العسكر وقد منع ذلك، وذلك منقول عن فخر الفقهاء ووالده في التنقيح، ويفهم ذلك من كلام المبسوط وإن يفهم خلافه أيضا، وبالجملة ما ثبت كونه كذلك»
وأقول: إن هذا الكلام مع قطع النظر عما فيه من عدم تحرير العبارة وربطها، لا يظهر المعطوف عليه ما هو؟ والمفهوم أن أرض العراق لم يثبت كونها خراجية، وهو مع تسليمه لا يدل على كون الخراج فيه شبهة، بل إن ثبت دل على أن المأخوذ منها بطريق الخراج حرام إن قلنا بأن القسمة للغازين أو قلنا بأنها للامام ولم نقل بأنه جعلها كأرض الخراج تفضلا منه كما يجئ في كلام هذا المصنف
وقوله: «وبالجملة لم يثبت كونه كذلك» بعد تصريح العلماء بأنها لا خلاف فيه أنها فتحت عنوة، مما لا يليق من مثل هذا الفاضل، فإن كون أرض العراق خراجية أشهر من الشمس وأبين من أمس لمن تصفح مساطير العلماء، مثل عبارة المبسوط والمنتهى، والتذكرة، والتحرير، والسرائر، وما رواه الشيخ بإسناده عن مصعب بن يزيد الأنصاري من قوله: استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الخ وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر من قوله: سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت عنوة بعد رسول الله (ص) فقال: إن أمير المؤمنين قد سار في أهل العراق مسيرة فهم إمام لسائر الأرضين وما روي أيضا عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله عما اختلف فيه ابن أبي ليلى، وابن شبرمة الخ ، فكل هذا لا يفيد الظن بأن أرض العراق خراجية؟! فكيف لنا بثبوت المعاني اللغوية التي نأخذها من كتب المخالفين؟! فليتأمل ذلك المنصف
قال : «نعم، فيما رواه الشيخ في الصحيح على ما قيل عن محمد الحلبي، قال: سئل أبو عبد الله عن السواد، ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين الخ دلالة على ذلك مع أنها قد تكون للتقية على ما قيل، أو يكون له جعلها كذلك تفضلا منه»
أقول: إن الحمل الثاني ينادي ويقول: مرحبا بالوفاق فإن المقصود حل ما يؤخذ من أرض العراق بطريق الخراج وأما الحمل الأول، فإنما يستقيم لو كان لهذا الخبر معارض أرجح منه، أما مع عدم المعارض فأي ضرورة إلى هذا الحمل
قال : «وأما ما سوى العراق مثل الشام، ونقل عن العلامة: وخراسان إلى كرمان، وخوزستان وهمدان وقزوين وحواليها، ونقل أنها خراجية عن قطب الراوندي في الخراجية، فقد علمت، أن حليته موقوفة على تحقيق كون الأرض التي يؤخذ منها الخراج أخذت عنوة وكانت معمورة حينئذ ومضروب الخراج ولم يدع أحد ملكيتها ولم تكن موقوفة لما سيجئ ودونه خرط القتاد إذ طريقه الخبر المتواتر أو خبر الواحد الصحيح وليس شئ من ذلك بمعلوم ولا مظنون بظن معتبر»
أقول: هذا الكلام يدل على حل الخراج وأنه لا شبهة فيه، وإنما الكلام في تحقيق أرض الخراج وليس هو المبحوث عنه ثم إن المتوقف عليه حل الخراج إنما هو فتح المعصوم أو نائبه للارض عنوة وكونها محياة، وأما عدم ضرب الخراج وادعاء أحد مليكتها لا ينافي كون الأرض خراجية، لأن المفتوح عنوة يملك تبعا لآثار التصرف، ولا يقتضي ذلك سقوط الخراج بل يقتضي قرارها في يده ما دام آثار التصرف موجودة "
ونقد الشيبانى هنا للأردبيلى حيث تكلم الأخير عن الأرض الخراجية وليس عن حكمها ثم أكمل نقد كلام الأردبيلى فقال:
"ثم دعوى انحصار الثبوت بالخبر المتواتر وخبر الواحد الصحيح دعوى خالية عن الدليل فلم لا يكفي فيها الشياع المفيد للظن؟ إذ لو لم يكف فيها ذلك لبطل هذا الحكم مع امتداد الأوقات وفناء الشهور وعدم حصول التواتر، وذلك ينافي حكمة الشارع
قال : «ولا يمكن إثباته بكونها معمورة الآن وأن الجائر يأخذ عنها الخراج كما قال الشيخ زين الدين في شرح الشرائع: حملا لفعل المسلمين على الصحة، إذ الأصل عدمه وذلك قرينة ضعيفة، إذ الجائر يرى عدم تقييده لأخذه مال الناس ولد خوله فيما ليس له كالقتل وغير ذلك، فكيف يمكن حمل ذلك منه على الصحة؟ ولأنه يأخذ الخراج من غير محله وفوق الحق ومن غير رضا المتصرف، بل وقد ينقص محصول من الخراج ولا يتمكن من الترك، بل لو ترك الزراعة يؤخذ منه الخراج، على أنهم صرحوا بأن أخذ الجائر غير جائز وأنه ظلم وحرام وهو آثم به، فكيف يحكم على الصحة والاباحة ولا يعتبر شرعا في أخذ ما في أيدي الناس الدالة على الملكية وقد يدعي الملكية أيضا؟ قال فيه في شرح قول المصنف «والنظر فيها أي في الأرض المفتوحة عنوة إلى الإمام» هذا مع ظهوره وبسط يده، أما مع غيبته كهذا الزمان فكل أرض يدعي أحد ملكيتها بشراء أو إرث ونحوها ولا يعلم فساد دعواه تقر في يده كذلك، لجواز صدقه وحملا لتصرفه على الصحة فإن الأرض المذكورة يمكن تملكها بوجوه وذكر وجهين»
أقول: الشيخ زين الدين ادعى أن كونها خراجية يثبت بكونها معمورة الآن وأخذ الجائر منها، واستدل عليه بحمل فعل المسلمين على الصحة، ولا يخفى تكرر هذا الدليل في كلام الفقهاء وأنهم استدلوا به على مطالب كثيرة من جملتها ما استشهد به المصنف من قول الشيخ زين الدين: «فكل أرض يدعي أحد ملكيتها إلى قوله: حملا لتصرفه على الصحة»، فقول المصنف: «الأصل عدمه» إن أراد به عدم الخراج فلا يضر هذا المستدل إذا سلم المصنف دليله، وإن لم يسلمه فلا حاجة إلى قوله «إذا الأصل عدمه»، وإن أراد أن الأصل عدم الصحة ففيه ما يكفيه
وقوله: «إن ذلك قرينة ضعيفة» بعد تسليم الدليل، لا وجه له إذ عدم تقيد الظالم وما ذكر فيه من المطاعن لا يخرجه عن الاسلام، ولا يقتضي تحريم ما في يده إذا لم نعلم تحريمه بعينه
وقوله: «من غير رضا المتصرف» لا وجه له بعد الاحاطة بأن الخراج خارج عن مالك المتصرف ومن أوهن المطاعن قوله: «بل وقد ينقص محصوله عن الخراج» مع قطع النظر عما في العبارة، لما قرر أن الخراج كالأجرة، والعلاوة التي ذكرها وهي التصريح بأن أخذ الجائر غير جائز لا يقتضي تحريمه على مستحقه ولا ينافي صحة أخذ المستحق له ولا إباحته له وإن كان أخذ الجائر له محرما
وقوله: «ولا يعتبر شرعا في أخذ ما في أيدي الناس الدالة على الملكية» إن أراد بما في أيدي الناس، الأموال التي يدعون ملكها فليس الكلام فيه وإن أراد به الأموال التي في أيديهم إذا طلبها السلطان دفعوها إليه على أنها عوضا عن زرع هذه الأرض، فنفي الاعتبار لا وجه له
وقوله: «قد يدعي الملكية إلى قوله وذكر وجهين» لا طائل بذكره لأن كلامنا في الأرض التي لا يدعي صاحب اليد ملكيتها أو يدعيها مع علم فساد دعواه "
والنقد مع سلامته فإنه يحل الخراج وكما قلت لا خراج فى الإسلام فهو معاملة من معاملات الكفار ويروى فى ذلك روايات صحيحة المعنى تقول لا مكس أو لا مكوس فى الإسلام ثم أكمل نقده فقال:
قال : «ثم على تقدير الثبوت فلا دليل يعتد به عليه وإن كان ظاهر عبارات الأصحاب يفيده، لكن الأخذ بمجرد ذلك من غير ظهور دليل وثبوت إجماعهم بحيث تقنع النفس به وإن ادعى الشيخ علي بن عبد الغالي الاجماع على ذلك في الخراجية لما تعلم في الاجماع، ودعواه في هذا الزمان في مثل هذه المسألة مشكل، لأن الظاهر أن المال لمن في يده من غير أن يكون لأحد شيئا، إذ ثبوت الخراج في أرضه من الإمام وقبوله على ذلك المقدار الآن غير واضح وإن سلم أن أرضها مما يجب فيه الخراج، فيكون هو غاصبا يلزمه أجرة المثل وليس بمعلوم كونها المقدار المقرر المأخوذ باسمه» "
وبين الشيبانى أن الرجل كان يكفيه فى حرمة الخراج أن يقول لا دليل عليه ولكنه أدخل نفسه فى متاهات فقال:
أقول وبالله التوفيق: لا يخفى أن هذا المصنف يدعي أن الخراج محرم أو فيه شبهة، فكيف يكفيه في ذلك أن لا دليل يدل على تحليله نعم، لو كان مانعا كفاه ذلك وعدم قبوله دعوى الاجماع من مثل الشيخ علي ، أو مثل الشيخ زين الدين ومثل المقداد لا يلائم ما هو مقرر من أن الاجماع المنقول بخبر الواحد بل ولا المنقول بنقل مستفيض حجة
وأعظم من بالغ في دعوى الاجماع شيخنا الشيخ زين الدين الذي بالغ في تتبع الروايات وكلام الفقهاء فقال تعالى: «ما يأخذه الجائر في زمن الغلبة قد أذن أئمتنا في تناوله منه، وأطبق عليه علماؤنا، لا نعلم فيه مخالفا وإن كان ظالما في أخذه، ولاستلزام تركه والقول بتحريمه الضرر العظيم على هذه الطائفة
وقال المقداد «إنما قلنا بجواز الشراء من الجائر مع كونه غير مستحق للنص الوارد عنهم بذلك، وللاجماع وإن لم يعلم مستنده أن ما يأخذه الجائر حق لائمة العدل وقد أذنوا لشيعتهم في ذلك فيكون تصرف الجائر كالفضولي إذا إنضم إليه إذن المالك»"
وبين الشيبانى أن الروايات الواردة فى أمر الخراج ضعيفة لا يعول عليها فقال:
أقول: ومن ذلك يفهم جواز غير الشراء فتأمل وما ورد من الروايات التي يدل بعضها صريحا وبعضها بالفكر الصائب وإن كان في بعضها ضعف، وعبارات الفقهاء التي هي صريحة بحله مما يدل على تحليله وأصرح ما وجدناه في هذا الباب ما رواه محمد بن الحسن الصفار، عن محمد ابن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن وعن المفضل ابن صالح عن أبي عبد الله قال: إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه إنما أخذ حقه، فإذا كان منع إمام عادل فعليه القتل ولكنه وإن كان ضعيفا فهو مع غيره من الأحاديث الدالة على حل الخراج قد اعتضد بعمل الفقهاء وتوافق عباراتهم فضلا عن الاجماع المدعى على أن الخراج حل للمسلمين قاطبة "
وبين الشيبانى أن الأردبيلى أخطأ النقل عن إبراهيم أو افترى عليه فقال:
"ومن أعجب الأمور أن هذا الخراج لم يذهب إلى تحريمه أحد من المسلمين فضلا عن المؤمنين حتى أن الشيخ إبراهيم ـ الذي نسب إليه الخلاف في ذلك قال في نقض الخراجية بما يدل على اعتقاده بأن الخراج حلال للمسلمين وإن حرم أخذ الجائر له، وهذه عبارته: «ولو شئت أن أقول إن اختيار الدفع إلى الظالم مع التمكن من الكتمان والسرقة والجحود مما علم عدم جوازه من الدين بالضرورة لقلت، لأن ذلك حق للمسلمين يجب إيصاله إلى واليهم، فإذا كان غائبا وجب أن يوصل إلى نائبه وهو حاكم الشرع، فإن لم يمكن فإلى مستحقه حسبة كالمال الذي في يده لغيره فإنه يدفعه إلى من يستحق قبضه شرعا» فإذا كان الأمر كذلك فلا فرق مع غيبة الحاكم الشرعي أن يأخذ الخراج من الظالم أو من غيره، وكثيرا ما نسمع الفقهاء رحمهم الله تعالى يقولون: لو نجد الرفيق لقلنا كذا، فمسألة لم يوجد دليل على تحريمها ولا قائل به فكيف يجوز التجري على القول به؟ وما أشبه الخراج بالمتعة التي كانت على عهد رسول الله (ص)والأول وكرهوه من زمن الثاني، بل هو في حكمه أعلى مرتبة حيث إن المخالفين نقلوا في تحريم المتعة من النبي (ص)وعن بعض الصحابة، ولم ينقل مخالف ولا مؤالف حديثا ولا قولا في تحريمه، بل كان حله شائعا في زمن النبي (ص) والصحابة والتابعين وجميع أهل العلم وقوله: «فإن سلم أن أرضها مما يجب فيه الخراج إلى قوله ـ وليس بمعلوم كونه المقدار المقدر» ولا وجه له بعد التسليم بأن الخراج هو الأجرة اللائقة بتلك الأرض "
ثم نقل عن الأردبيلى كلاما هو دليل على أن يحله وليس يحرمه فقال:
"قال : «ثم إن ذلك دين في ذمته فلا يمكن الأخذ إلا برضاه ولا يتعين كون المأخوذ لذلك إلا بأخذهم أو أخذ وكيلهم وهو متعذر حينئذ فيكون ثابتا في ذمته يوصي به إلى أن يصل إلى صاحبه أو الحاكم لو أمكن، ويكون له ذلك، إذ الإمام ناظر ولا يلزم من كون الحاكم نائبا عنه في الجملة كونه نائبا في ذلك أو يوصل هو إلى أهله أي يصرفه في مصالح المسلمين أو يكون ساقطا سيما مع الاحتياج إذ هو من المسلمين فقد يكون هذا من نصيبه، حيث إن المفهوم من كلام الشيخ علي أن الآخذ إنما يأخذه لأنه من بيت مال المسلمين، وللآخذ نصيب فيه وحصة، ولا شك أن ذا اليد أيضا كذلك» انتهى كلامه
أقول: هذا الكلام لا دخل له في تحريم الخراج، بل يدل على تحليله، إنما الكلام في التوصل إلى أخذه إذا لم يسمح به المستعمل للارض، ولا يخفى أن للامام الأخذ من ذلك المستعمل ولو بالقهر إذا لم يسمح به ذلك المستعمل، وأما الجائر فقد دلت الأحاديث والفتاوى والاجماع على أن ما يأخذه الجائر جائز لنا تناوله من يده وهو أعم من الأخذ طوعا أو كرها لأن «ما» من أدوات العموم حتى أن في بعضها «ولو كان يتظلم»، فلا يبعد أن يقال بالأخذ بتعين ذلك المأخوذ للخراج ويكون مغايرا للدين، على أنا نقول: إن الدائن إذ امتنع من عليه الدين جاز الأخذ منه قهرا، ويتعين ذلك عوضا عنه، وتحريم السرقة والامتناع من أدائه إذا طلبه دليل على عدم جواز الأخذ من دون إذن الحاكم ومن ثبت أنه قائم مقامه في جواز الأخذ من يده، ويدل على عدم سقوطه عن ذلك المستعمل، نعم لو أذن له في تبعيته لأجله فلا كلام في سقوطه وليس كل من له نصيب في بيت المال يجوز له الأخذ منه من دون إذن الحاكم ومن يقوم مقامه ألا يرى أن الوقف العام كالوقف على الفقراء لكل فقير نصيب فيه ولم يجز له الأخذ إلا بإذن من له ولاية التفريق، وبعد الاحاطة بما قلناه، فلا وجه لقوله: «ولا يلزم من كون الحاكم نائبا عنه إلى قوله في مصالح المسلمين» "
والكلام هنا خلط بين الدين وبين الخراج فالدين حق بينما الخراج حرام ثم تحدث عن الخمس والخراج فقال:
قال : «ثم بعد ذلك [كله] كيف يصنع الآخذ بالخمس وكيف يقسمه في هذا الزمان من غير إذن الحاكم؟ وأي شئ يفعل بحصته »؟
أقول: إن أراد أن الخمس أقل من الأجرة اللائقة بتلك الأرض فلا ضرر فيه، لأن الآخذ أخذ أقل من حقه فلا يكون حراما، لأنه أخذ بعض حقه وإن أراد أنه أزيد فلا نزاع في تحريم الزائد، وقوله «وكيف يقسمه في هذا الزمان من غير إذن الحاكم» إن أراد به الحاكم الشرعي بأن يكون المعنى: وكيف يقسم الجائر للخراج من غير إذن الحاكم الشرعي، فإن سئل عن أن هذا التصرف هل هو جائز للحاكم الجائر أم لا؟ قلنا: هو غير جائز له ولا يقتضي هو عدم جواز أخذنا من يده لاذن أئمتنا في الأخذ من يده، وإن أراد به حاكم الجور قلنا: الأخذ من غيره مع طلب حاكم الجور له لا يجوز وقوله «وأي شئ يفعل بحصته » إن أراد بالحصة الخمس الواجب له ولقبيله قلنا: الخمس لا يتعلق بالعين كما صرحوا به حتى يكون المأخوذ فيه الخمس، ولو سلمنا أنه متعلق بالعين فالمصنف يرى عدم وجوب الخمس في زمن الغيبة، وإن أراد أن له حصة في الخراج فغير معلوم استحقاقه بشئ منه، ولو سلم ذلك فقد أباحوه لنا بإذنهم في تناول الخراج من يد الجائر، أو نقول إنه لا يجب البسط على جميع المستحقين كالزكاة، بل بسطه على جميع المسلمين متعسر بل متعذر "
والكلام عن الخمس هو نفس الكلام عن الدين فكلاهما مقرر فى الشرع وأما الخراج فحرام بحكمه الشرع ثم حدثنا عن غفلة الناس ورد عليه فقال:
"قال : «ونجد أهل هذا الزمان غافلا عن ذلك كله واعتمدوا على ما في رسالة الخراجية لعلي بن عبد العالي وغيره مع قوله: لا يجوز العمل بقول الميت بوجه»
أقول: لا وجه لتخصيص الغفلة بأهل هذا الزمان بل هي شاملة لجميع أهل الاعصار، وذلك من أدل الدلائل على أن ذلك كله لا يمنع من حل الخراج، لأن ما أفاده ـ ليس في كمال الدقة حتى لم يصل إليه إلا هو بل لأجل أنها أوهام لا يعتد بها ولا يلتفت إليها "
ثم جرنا الأردبيلى لمسائل أخرى خارج الموضوع منها العمل بقول الميت ناقشها الشيبانى فقال:
"وقوله: «إنه لا يجوز العمل بقول الميت» إن أراد به التقليد للميت والاخلاد إلى قوله وترك الحث في تحصيل الاجتهاد فهو مسلم، لكن لا يمنع من تقليده في المسائل التي يضطر إليها قبل تحصيل الاجتهاد، وإن أراد أنه لا يجوز العمل بقوله وإن اضطر فما قوله فيمن ضاق عليه وقت الصلاة ويريد أن يصلي فهل يترك الصلاة أو يقلد الميت ويصلي؟ على أن نقول إن هذه المسألة ليس للاجتهاد فيها دخل لأنها من المسائل الاجماعية ولهذا لم يذكرها العلامة في مختلفه الذي اجتهد فيه على ذكر المسائل الخلافية "
ثم ناقش اختلاف إحلال أخذ الجائر وتحريمه فقال:
"قال ـ : «ويفهم من كلامه دعوى الاتفاق ودليله عليه عباراتهم المنقولة في الرسالة ومعلوم أنها ليست عبارات جميعهم ولا بعضهم الذي فيه من يظن كونه الإمام ولو بجهل النسب على ما قالوه، مع أنه لا يفيد الظن، على أن أكثر العبارات التي فيها لا تخلو عن شئ كما ذكر في نقضها، مع أن الأصحاب إنما جوزوا أخذ ما قبضه الجائر على ما يظهر من كلامهم، فإن الاجماع على تقديره إنما يكون على ذلك لا مطلقا، لأن بعض الأصحاب صرح بعدم جواز التناول بغير ذلك»
أقول: لا يخفى أن الشيخ علي وغيره ادعى الاتفاق على حل الخراج، وجعل المصنف دليل الاجماع عباراتهم قدح في مثل هذا العالم المتبحر على أنا نقول ذكر العبارات بعد دعوى الاتفاق لا يدل على كونه دليلا، لجواز أن يكون سبب دعواه الاجماع الاطلاع عليه، وذكر العبارات مؤيد لذلك كما جرت عادة السلف بتأييد الدليل برواية أبي هريرة وعائشة وغيرهما، ومما يؤيد ما قلناه، قوله قبل هذا الكلام الذي ادعى فيه الاتفاق وذكر عبارات الفقهاء بعده «والحاصل أن هذا مما وردت به النصوص وأجمع عليه الأصحاب بل المسلمون فالمنكر له والمنازع فيه مدافع للنص منازع للاجماع، فإذا بلغ معه الكلام إلى هذا المقام فالأولى الاقتصار معه على قول سلام» وكأن هذا المصنف ـ دام بقاه ولم يطلع على هذا الكلام
وقوله «على أن أكثر عباراتهم لا تخلو من شئ على ما ذكر في نقضها» والذي ذكر في نقضها أنه قول عدد قليل، بعضهم ذكر الابتياع وبعضهم عمم وقد قال الشيخ علي إنه إذا جاز الابتياع جاز غيره واستدل عليه والجماعة الذين ذكرت عباراتهم مثل الشيخ في النهاية ونجم الدين في الشرائع والعلامة في المنتهى والتذكرة والتحرير والقواعد والشهيد في حاشية القواعد ، والعلامة في الارشاد ، والشهيد في دروسه ، والمقداد في تنقيحه فهؤلاء الجماعة لم ينقلوا في هذه الكتب خلافا لأحد من المسلمين فضلا عن المؤمنين مع شدة حرصهم على إيراد الخلاف وإن ضعف، فلا أقل أن يكون ذلك قرينة من القرائن الدالة على أنه لا خلاف في هذا الحكم مع قطع النظر عن الاجماع الذي قد ذكر مرارا
وقوله «مع أن الأصحاب إنما جوزوا أخذ ما قبضه الجائر» إن أراد جمعهم فهو غير صحيح، وإن أراد بعضهم فمسلم ويمكن حمله على ما إذا ـ منع منه ولم يأذن فيه قبل القبض، ولو سلم ذلك كله فكيف كان الاجماع إنما هو على القبض ومن أعجب الأمور استدلاله على أن الاجماع إنما هو على ذلك بقوله لأن بعض الأصحاب صرح بعدم جواز التناول بغير ذلك بعد الاحاطة بأن الاجماع هو الاتفاق في العصر الواحد وأن معلوم النسب لا يقدح في الاجماع، تقدم أو تأخر أو قارن
قال : «ونقل في النقض: أن السيد ابن عبد الحميد قال في شرحه للنافع: «وإنما يحل بعد قبض السلطان أو نائبه، ولهذا قال المصنف ما يأخذه باسم المقاسمة فقيده بالأخذ» ويفهم من الدروس أيضا ذلك، بل أخص منه على ما نقله فيه، إذ يفهم عدم الجواز عنده إلا في المعاوضة حيث قال فيه «وكما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات كالهبة والصدقة والوقف ولا يحل تناولها بغير ذلك» ومنه يعلم أن جواز التناول مطلقا ليس بمجمع عليه أيضا، بل فيه خلاف حيث يفهم عدمه عند الشهيد، وعند السيد المذكور، وفي النافع أيضا على ما فهمه» إنتهى كلامه
أقول: لا يخفى أن المفهوم من الروايات ومن كلام الفقهاء أن وجه الحل كون الخراج حقا من حقوق المسلمين، وأئمتنا أذنوا لنا في تناوله، فعلى هذا لا وجه لتوقف حله على قبض الجائر له أو نائبه، نعم له منع منه الجائر أمكن توقفه على ذلك، على أنا نقول: من أذن له الجائر في أخذه كان نائبا للجائر قبضه كقبضه، ولو سلم ذلك كله فأي دخل له في تحريم الخراج المأخوذ من يد الظالم أو نائبه؟ ومن الغرائب قوله «ويفهم من الدروس ذلك» مع أن التصريح فيها بقوله «ولا فرق بين قبض الجائر إياها أو وكيله، وبين عدم القبض» وأغرب من ذلك قوله «ومنه يعلم أن جواز التناول مطلقا ليس بمجمع عليه إلى آخر ما ذكره» مع تصريحه هو فضلا عن غيره أن معلوم النسب لا يضر خلافه في الاجماع "
ومما سبق نجد اختلاف القوم فى مسألة الخراج فى حكاية أخذ الحاكم الظالم للخراج ثم حدثنا عن أدلة المختلفين فقال:
قال : «وأما أدلتهم فهي بعض الأخبار، ولا دلالة ظاهرة فيها، وادعى النصوصية فيها الشيخ علي بن عبد العالي وهي خبر أبي بكر الحضرمي الذي روى الشيخ عنه، عن أبي عبد الله ، وموضع الدلالة منه قوله «ما منع ابن أبي سماك يبعث إليك بعطائك، أما علم أن لك في بيت المال نصيبا» وقال الشيخ علي بن عبد العالي فيها «قلت: هذا نص في الباب ـ إلى قوله: حيث إنه يستحق في بيت المال نصيبا، وقد تقرر في الأصول تعدي الحكم بالعلة المنصوصة» قلت: الحديث غير معلوم الصحة، وعدم ظهور الدلالة إذ غايتها جواز قبول الحضرمي عطاء ابن أبي سماك، لأن له في بيت المال نصيبا، فهم بالقياس جواز الأخذ منه لمن كان مثل الحضرمي في الاستحقاق من بيت المال، بأن يكون من المصالح، فلم يدل على جواز أخذ الخراج من كل جائز، مؤمنا وغيره لكل أحد، سواء كان ممن يستحق من بيت المال أو لا، فالاستدلال بمثله في هذه المسألة لا يخلو عن إشكال، وأشد منه تسميته بالنص، نعم يمكن الاستدلال به في الجملة على جواز أخذ الجوائز من الجائر كما استدل به عليه العلامة في المنتهى وليس بتام أيضا»
أقول: قوله «الحديث غير معلوم الصحة» لو سلم لا يقتضي عدم جواز الاستدلال به لجواز اعتضاده بما يجبر ضعفه من إجماع أو غيره، وأما ظهور دلالته على حمل الخراج للمسلمين فنقول: إن الحضرمي إنما استحق العطاء من بيت المال الذي من جملته الخراج لكونه صاحب نصيب في بيت المال، ومعلوم أن استحقاقه للنصيب إنما هو من جهة كونه من جملة المسلمين، لأنه لو كان له جهة غير ذلك لنقلتها الرواة وأهل التاريخ، بل المجتهدون الذين اشتهر حرصهم على نقل أقل من ذلك، ولو نقلوه لشاع وذاع، وإذا كان الأمر كذلك فكل مسلم له نصيب في بيت المال وما ليس له نصيب لا يستحق الأخذ، فانتفى الاشكال، والأشد منه ومن العجب قوله «نعم يمكن الاستدلال به على جواز أخذ الجوائز من الجائر» فكيف يعمل بقوله «ألم يعلم أن لك في بيت المال نصيبا» لأن النصيب في بيت المال لا يقتضي حل الجوائز من غيره، فالدليل حينئذ أخص من المدعى، إذ المدعى جواز أخذ جوائز الظالم مطلقا إذا لم يعلم كونها
قال : «وأيضا صحيحة هشام الدالة على جواز شراء مال الصدقة من الجائر حتى يعرف أنه حرام ولا خفاء في عدم دلالتها على المدعى وهو ظاهر، وأيضا ما روي أن الحسنين قبلا جوائز معاوية، وعدم الدلالة ظاهر»
أقول: لا يخفى أن هذه الرواية كما دلت على جواز شراء مال الصدقة دلت على جواز شراء ما يأخذه باسم المقاسمة من الحنطة والشعير، وذلك مصرح به فيها وهو يشمل الخراج من حاصل الأرض، وقد بين أن الجائر لا يستحقه ولا يجوز أخذه له، فجواز الشراء منه ليس إلا لكونه حقا لنا، وإذا كان الأمر كذلك فأين ظهور عدم دلالتها على المدعى؟ وأما قبول الحسنين جوائز معاوية فهو كما قال المصنف لكن لا حاجة للقائل بحله إلى ذلك لوجود ما يكفيه
قال : «وأيضا صحيحة عبد الرحمن حين قال له أبو الحسن : ما لك لا تدخل مع علي في شراء الطعام، إني أظنك ضيقا؟ قال: قلت: نعم، فإن شئت وسعت علي، قال: اشتره ومعلوم أن ليس فيه إلا الدلالة على جواز شراء طعام كان عبد الرحمن ضيقا من شرائه، ولا يدل على جواز أخذ الخراج من كل جائر لكل أحد بكل وجه وهو المدعى»
أقول: لا يخفى أن الطعام عام، وقد سلم الناقض عمومه، فيشمل الخراج وقد جوز الإمام شراءه، وإذا جاز شراء الطعام الذي هو أعم من الخراج من الجائر الذي لا يستحقه ولا يجوز له أخذه كان دليلا على حل الخراج لنا، لأن جواز الشراء منه إنما هو لكون الخراج حقا لنا
وفي قول الشيخ علي «وقد احتج بها العلامة في التذكرة على تناول ما يأخذه الجائر باسم الخراج والمقاسمة» دقيقة وهي أن دلالة هذه الروايات على حل الخراج غير ظاهرة فلولا علم العلامة بأن هذا الطعام من مال الخراج والمقاسمة لما استدل بها، وإذا كان الأمر كذلك دل على جواز أخذ الخراج من كل جائر لكل واحد من المسلمين لا لكل أحد، فتأمل
قال : «وأيضا صحيحة جميل بن صالح قال: أرادوا بيع تمر عين أبي زياد فأردت أن اشتريه، ثم قلت: حتى أستأذن أبا عبد الله ، فأمرت مصادفا فسأله فقال: قل له: يشتريه فإن لم يشتره اشتراه غيره هذه مثل ما قبلها في الدلالة، بل أقل، على أنه قد يكون صحتهما موقوفة على توثيق عبد الرحمن ومصادف ونقلها الشيخ علي بن عبد العالي في الخراجية، وقال: «وقد استدل بالأخير في المنتهى على هذه الدعوى» ثم اعترض الشيخ علي على نفسه: «بأن جواز الشراء لا يدل على غيره، وأجاب إن حل الشراء يستلزم حل جميع أسباب النقل» وأنت تعلم أنه غير واضح، وقد يكون جواز الشراء لحصول العوض وغير ذلك، ألا ترى أن المكاتب يجوز له الشراء ولا يجوز له الهبة! وأيضا أجاب عن عدم لزوم جواز الأخذ بأمر الجائر من جواز أخذ ما قبضه على تقدير تسليمه بنحو ذلك وهو غير ظاهر» إنتهى كلامه
أقول: قد قال الشيخ بعد نقل هذه الرواية: «إن العلامة احتج على حل ذلك بهذه الرواية في المنتهى، وصححه» وهذا اعتراف منه، إذ دلالتها على ذلك غير ظاهرة، فلولا أن العلامة اطلع على أن ذلك التمر من الخراج لما استدل بها، ولو لم تدل على ذلك فنحن لا إحتياج بنا إليها بعد الاحاطة بأن جواز الشراء ليس إلا لكون نصيب لنا فيه، وأن أئمتنا أذنوا لنا في أخذه، فلا شبهة في جواز غير الشراء بل الأخذ مجانا
ومن العجب قوله: «وقد يكون جواز الشراء لحصول العوض»، إذ حصول العوض للجائر الذي لا يجوز له أخذ الخراج ولا تملكه لا يقتضي جواز التسلط على مال الغير والتمثيل بالمكاتب الذي يملك ما في يده لكنه محجور عليه بغير المعاوضة أعجب من ذلك، لأن الجائر غير مالك بالاجماع بل لا ولاية له، وإذا ثبت أن المأخوذ حق بالأصالة فلا فرق بين الأخذ من أيدي الجائر والأخذ بأمره، وذلك ظاهر لمن تدبره
قال : «وبالجملة هذه المسألة في الغاية من الاشكال، حيث إنهم حكموا بها بهذه الأدلة، وقالوا: لا يجوز الأخذ إلا بإذن الجائر بل نقل الشيخ علي ابن عبد العالي عن البعض أنه لا يجوز السرقة والكتمان للزارع مع قولهم بعدم جواز الأخذ للجائر، وأنه ظالم فلا يجوز البيع منه حينئذ، بل لا يمكن تحقق البيع، وكيف يجوز بيع مال المسلمين الذي الناظر فيه الإمام ومصرفه المصالح أخذه الظالم ظلما أن يشترى منه أو يتهب، إلا أن يقال هذا استنقاذ لا بيع حقيقة، ولا صدقة، ولكن حينئذ شرط القبض أو الاذن غير ظاهر»
أقول: لا يخفى أنه لا منافاة بين حل الخراج وعدم جواز الأخذ بدون إذن الجائر، ولا يصلح أن يكون ذلك منشأ لمجرد الاشكال فضلا عن كونه منشأ للغاية من الاشكال، إذ لا قبح أن يقول الشارع للانسان: لك في بيت المال نصيب ولا يجوز لك أخذه إلا بإذن الجائر لمصلحة يعلمها، ونظائر ذلك كثيرة، فإن الوقوف العام والزكوات والوصايا والمنتشرين كذلك بل ملك الانسان المختص به كالمحجور عليه للسفه كذلك، بل غير المحجور عليه كذلك، كما لو استولى الظالم على مال الانسان، وخاف على نفسه أن يتصرف بغير إذن الظالم فإنه لا يجوز لأحد من هؤلاء السرقة والكتمان، وإن أراد أن منشأ الاشكال الدلائل المذكورة فقط، فمعلوم أيضا عدم صلاحيتها له، لأن هذه الدلائل إن أفادت الحل فلا إشكال، وإن لم تفده فلا إشكال أيضا وإن أراد إذن الجائر الذي لا يجوز له الأخذ ولا التصرف، وكيف يجامع حل الخراج ويكون منشأ للاشكال؟ فهو مما لا وجه له بعد الاحاطة بما قلناه ونفي جواز البيع بعد دلالة الروايات والعبارات عليه عجيب لا يليق بهذا الفاضل وقوله «بل لا يمكن تحقق البيع» مع ورود الروايات به ونقل الاجماع عليه أعجب، ولو سلم يكون استنقاذا، وإطلاق البيع عليه ليس بعزيز، بل هو موجود في عبارات الفقهاء، كما لو قهر الحربي من ينعتق عليه وباعه ونفي ظهور اشتراط قبض الجائر له أو إذنه لا دخل في التحريم والشبهة، بل هو مما يحقق مطلوبنا من حل الخراج وكون منشأ حله أن لنا فيه نصيبا "
دخلت المسائل فى بعضها مبتعدة عن موضوع الخراج ومعظم الكتاب هو مناقشة لتلك المسائل البعيدة عن الخراج وحتى ما قالوا أنه ادلة ليست فى المسألة وإنما فى أمور بعيدة فما سبق هو حديث عن سرقة الحاكم الظالم أموال المسلمين وهل يجوز لهم سرقة المال ممن سرقه أو كتمانه عنه وهو ما أكملته الرسالة فى القول التالى:
"قال : «وكيف لا يجوز لمن في ذمته السرقة والكتمان، بل ينبغي، بل يجب عدم جواز الاعطاء له إن أمكن، لأنه لا تبرأ ذمته على تقدير قدرته على المنع، ولا يتعين ما أخذ منه مالا للخراج والزكاة، لكن ما جزم بهذا النقل بل قال أظن سماعا عن علي بن هلال، وما نقلوا دليلا على عدم الجواز إلا بإذن الجائر والجواز به سوى ما مر» إنتهى كلامه دامت أيامه وكثر الله من مثله وأمثاله
أقول: إن جميع ما قاله المصنف إن لم يساعد من يقول بحل ما يؤخذ باسم الخراج والزكاة، فلا أقل أن لا يضره، إذ المقصود حل تناول ما يأخذه الجائر سواء جاز للجائر أخذه أم لا، وسواء حرم على المالك دفعه أم لا، وسواء تعين ما أخذه للخراج والزكاة أم لا، ولا يتوقف إثبات مطلوبنا على شئ من ذلك، على أنا نقل: الروايات دلت على تعيين ما أخذه للخراج لقول الإمام : أما علم أن لك نصيبا في بيت المال، وبيت المال إن لم يعم الخراج والزكاة وغيرهما فلا أقل أن يكون مختصا بهما
ولا يخفى أن الشيخ علي جازم بالنقل عن الشيخ علي بن هلال وإنما تردده بين كونه مشافهة أو بواسطة، بل الراجح عنده أنه مشافهة، حيث قال «غالب ظني بالمشافهة» واستدل على عدم جواز السرقة والجحود والمنع لذلك أو لشئ منه لمن هو عليه، لكونه حقا، فأين قول المصنف إنه ما جزم بهذا النقل؟
قال : «فلولا خوف خلاف الاجماع، لأمكن المبحوث عنه نعم قد يوجد في بعض الأخبار جواز شراء الزكاة فيحتمل زكاة مال المشتري على طريق الاستنقاذ، وأن يكون المراد ممن عنده الزكاة لاعين الزكاة، وأن يكون العامل مأذونا من الإمام ، وما كان معلوما ظاهرا للتقية أو يكون للتقية أو قضية في واقعة، فلا يتعدى وأمثالها كثيرة، وأن يكون لطفا من الله تعالى تسهيلا للشريعة ونفيا للحرج على تقدير عدم ثبوت براءة الذمة والضرورة واستحقاق الزكاة فيؤول كلام الأصحاب على بعض تلك الوجوه على تقدير الاجماع مثل كون الأخذ من المصالح والمصرف، أو الذي يقدر أن يأخذه ويصرفه في مصرفه، وغير ذلك وقد احتمل الشيخ إبراهيم القطيفي في النقض كون الجائر مخالفا بظن إمامته وكذا المعطي ويفهم من شرح الشرائع أيضا» "
والكلام السابق هو كلام غير مستقيم فالقوم يحلون للحاكم سرقة مال المسلمين له ولمن معه ويحرمون على المسلمين أخذ بعض حقهم سواء سموا ذلك سرقة أو كتمان ثم حدثنا الشيبانى أن الأدلة أحلت الخراج ولم تحرمه فقال:
"أقول: قول المصنف «لولا خوف خلاف الاجماع» لا وجه لاختصاصه بهذه المسألة، إذا كل مسألة من مسائل الشرع يمكننا أن نقول فيها لولا خوف مخالفة الدليل لأمكننا القول ببطلانها وهذا اعتراف منه بثبوت الاجماع بعد الانكار له ورجوع إلى الحق، ولا يخفى أن صحيحة هشام وصحيحة عبد الرحمن صريحان في جواز بيع مال الخراج وقد بينا ذلك فيما مضى بل بينا دلالة باقي الروايات فليراجع ولا يخفى أن هذه المحامل التي ذكرها المصنف قاصرة على ما فيها، إنما تحسن لو كان في المسألة خلاف أو رواية تدل على عدم جواز أخذ الخراج أو مشتراه، أما مع عدم ذلك فأي ضرورة على الحمل على تلك المحامل
وقوله: «وأن يكون لطفا من الله الخ» مما ينادي ويصرح بالوفاق، لأنا متى منعنا كون حله لطفا وعدم حله حرجا؟ بل صرح بعض من ادعى الاجماع على حله أنه لولا الحل لزم الحرج على هذه الطائفة، وقد أسلفنا، وما رأيت أقل طالعا من هذه المسألة لما قرروا من أن جواز العمل يكفي فيه الظن الحاصل من الدليل، وكثير من المسائل يثبتونها بالخبر الضعيف، ويقولون إنه وإن كان ضعيفا إلا أنه قد انجبر بعمل الأصحاب أو بغيره، وهذه المسألة قد ادعى على حلها الاجماع جماعة من العلماء مثل المحقق المدقق فريد عصره وزمانه الشيخ علي بن عبد العالي والشيخ المرحوم المبرور الشهيد الثاني الشيخ زين الدين والفاضل المقداد ودلت عليه الروايات قول أحد ممن يسمى باسم العلم بتحريمها ولا دلت عليه رواية حتى أن الشيخ إبراهيم المنسوب إليه الخلاف معترف بحله وأثبت ذلك في نقضه كما حكيناه عنه سابقا، فرحم الله من أحسن النظر وتفكر في أمر دينه واعتبر وجعل ضالته الحق، ونزه نفسه عن التعصب والجدال، واعترف لأهل الفضل بفضلهم، ونزل الناس بمنازلهم، وليكن هذا آخر ما خطر لهذا الفقير القاصر"
وكل الكلام هو تقليد من الفقهاء لأقوال بعضهم فهم بنوا الأمر على باطل ولم ينظروا فى كتاب الله الذى هو أساس التحليل والتحريم فالخراج طبقا له حرام وإنما الأرض التى فى حوزة دولة المسلمين يقيم المسلمون بعضا منهم لزراعتها أو تعدينها أو وما شابه وما يخرج منها يقسم ربحه على كل المسلمين بالعدل