رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتيب أداء العمل بين ضعف الاحتساب وخوف المحاسبة
المؤلف أنور بن سعيد الكناني وهو يدور حول أداء الناس العمل إما خوفا من العقاب الدنيوى وإما بسبب ضعف الاحتساب وهو يشير إلى مشكلة فى العمل الوظيفى بالمؤسسات حيث يؤدى العامل عمله ليس بسبب ارضاء الله وإنما بسبب خوفه من العقوبات الوظيفية أو بسبب المكاسب التى يحصل عليها من امتياز عمله وفى هذا قال :
"لا تكاد تطلع على أي عمل من الأعمال- تنتسب إليه أو لا تنتسب إليه -إلا وتمتد من أمامه ومن خلفه شباك ؛ تختلف من مكان لآخر ومن عمل لآخر في سمكها وقوتها وعظمها –تشبه شبكة الصياد ‘ تلك التي يقع في شراكها ما هب ودب وما صغر وكبر ،ومن قصدت ومن لم تقصد
ما نوع تلك الشراك وما هدفها ؟؟؟ إن المتأمل في البون الشاسع بين ما يتم تنفيذه من الأعمال كلفة وآخر احتساب ،تجد أن الناس يتفاوتون في مدى الجدية ومن جهة أخرى في الإنتاج وحصول الثمرة،لأن مسألة الرقابة الدنيوية تعطي طابعا آخر للعمل من ناحية الانضباط من عدمه ، ربما بلغت أوجها في نفوس المغرر بهم أو من سقط في أيديهم
بينما الرقابة السماوية لا تسهم في توجيه العمل عند البعض إلى الصواب وتحري القبول، ولا تزرع في سلوكهم فضلا عن قلوبهم معاني الخوف والمراقبة
قال تعالى:
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون،وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون"
لماذا؟؟ هل هناك أسباب عكسية من واقع العمل تحتم علينا أن نغلق باب المراقبة ؟؟
لعلك تجيب بـ لا!! وأنا أخالفك القول بأن الميدان التربوي وغير التربوي في مجتمعاتنا تفوح بالنتائج العكسية السلبية الغير منضبطة -جراء سلوك نجم عن خطأ أو سلوك غير مستقصد أو كلمة أريد بها حق دبلجها الموقف باطلا، أو سوء فهم من الوجه الآخر،التي ولو قدر لنتائجها أنها ! تخالف أمرا أو نهيا شرعيا لما رأينا للغضب مسرحا ، ولم يتمعر لها وجه ينطق "بكلمة الحق" -وقد انتهكت محارم الله-أو قيل ما لا يحمد عقباه "
وكلام الكنانى يتحدث عن واقع مجتمعاتنا التى تحكم بغير ما أنزل الله فالمجتمع المسلم غير ما يتحدث عنه الكنانى ففى المجتمع المسلم لابد لكل واحد أن يتقن عمله ومن يخالف واجبات وظيفته بإرادته يحاكم إما باعتباره سارقا أو متلفا أو مهملا محاربا لله والعقوبة قطع أيدى أو اعادة التالف لأصله أو القتل وليس خصم من المرتب وهو ما يسمى بالعقوبات الإدارية فى القانون الوضعى
ومن ثم فهناك أحكام رادعة لكل مهمل أو متعدى على المال العام وفى سبيل ذلك يحب أن يراقب الموظف نفسه طمعا فى رضا الله
ولا توجد فى أحكام الإسلام حوافز أو كادرات أو مكافآت أو ما شابه مما يوجد فى القانون الوضعى والتى وضعت أساسا للتفرقة بين الناس فى المعاملة المالية عصيانا لقوله تعالى :
"وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين"
إن الحافز الوحيد للمسلم هو دخول الجنة فى الآخرة فهو يعمل خوفا من العقاب دنيوى وأخروى ويعمل طمها أو رجاء فى ثواب الله الأخروى وهو الجنة
وأرجع الكنانى النمو البطىء فى بلادنا فى العمل إلى انعدام الخوف من الله فى نفوس العاملين وعدم الاهتمام بالمرجعية العليا وعدم وجود دافعية وقلة العلم والانغلاق على المجتمع وسوى ذلك فقال :
"إن من أهم أسباب التباطؤ في الأداء وسلبية الانتاج :
أولا : انعدام الرقابة الإلهية في نفوس العاملين وعدم استشعارها كما هو الحال في الرقابة الدنيوية كما هو ملموس
ثانيا :عدم الإيمان بأهمية المرجعية في أي عمل أو مهنة سواء المرجعية العليا أو سلطة اتخاذ القرار؛ حيث أن لها دور كبير في توجيه العمل وفق الضوابط ، ودورها يبرز في كونها تنظم سير العمل وفق آلية وتقيمه ، فتجد أن من المعوقات النفسية عند العاطل هي القوانين التي تتحكم في كثير من الأعمال أو الرئيس أو المسئول
ثالثا: ما سبق الإشارة إليه -من كون الدافعية للعمل الإلزامي تفوق قابلية العمل التطوعي –في كثير من الأحوال-والالتواء عند قبوله ، والتقاعس عن الاهتمام به ، والانهزام عند الإخفاق فيه، والاتكالية في تنفيذه – ربما يكون ذلك طوعا للذات الأمارة بالسوء أو المتقاعسة عن فعل الخير للغير ؛الموطنة بحب المحفزات والمرغبات أيا كان نوعها ،وقد قال الله تعالى " ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" وقال عليه الصلاة والسلام "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"
رابعا: قلة الاطلاع ، والابتعاد عن القراءة ،التي تسبب انعدام المصادر التي تثري العمل وتلم بجوانبه، والتعصب للرأي دون الرأي الآخر، والتباطؤ في إصدار القرار ،وفي ذلك إشكالية كبيرة ربما تقف دون نضوج العمل أو تلحق به البوار أو تؤدي إلى إنزال الناس أكبر أو أصغر من منازلهم ومما يدل على أهمية الاطلاع أول ما أنزل من القرآن قوله تعالى في سورة الأعلى "اقرأ" وقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم " من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم" وإذا فقهك الله في الدين فقد أراد الله بك خيرا سواء لنفسك أو للآخرين
ولن ينال الانسان العلم حتى يحقق مطالبه التي تدل عليه كما قال الشاعر:
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
فبالعلم ترفع الجهل عن نفسك وتسمو تسمو إلى معالي الأمور
خامسا : الانغلاق عن المجتمع والإحجام عن فهم كثير من المسلمات أو غير المسلمات ،وعدم الانفتاح على الآخرين لتدارس أفكارهم والنهوض بخبراتهم لسبب أو لآخر؛ سببه القوقعة حول الذات ، والنظرة السلبية أو عدمها للآخرين ،مما يسبب انفصام الشخصية، وعدم تفهمها لأهمية التعاون الذي دعا الله إليه في كتابه بقولة "وتعاونوا "وأهمية التواصل مع الآخرين حتى تبدأ من حيث انتهى إليه الآخرون " ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف "
سادسا : عدم النظر إلى قيمة العمل وأهميته ،وخاصة الأعمال الخيرية التي لا يحدها ضابط ولا يشملها قرار أو نظر مسئول ، فحينما لا يعطى العمل حقه ومستحقة من المكانة والأهمية ، ينقص ذلك من مكانته وأهميته ،وحينما لايراعى أي عمل من ناحية توثيقه، أو دراسته،أو إمعان النظر فيه وتحري النجاح من ورائه والوصول إلى إتقانه وتحقيق أهدافه ، حينها لن تستطيع أن تقدره حق قدره أو تصل إلى ثمرته ،أو تؤديه كما ينبغي على أقل تقدير وقد قال عليه الصلاة والسلام " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه "
سابعا : إسناد العمل لغير أهله ،وذلك من وجوه متعددة بحيث يسند إلى شخص عملا لا يستطيع أن يلم بجوانبه لوحده ،أو يكون العمل لا يناسب درجته العلمية ، أو يحتاج العمل لجدية أكبر عند تنفيذه لا تناسب ذلك الذي يقلل من أهمية كثير من الأعمال ،أو يوضع الرجل في تخصص لا يناسبه وهكذا فالأمي لن يمتهن التعليم قبل أن يؤهل ولكل مقام مقال "
فإسناد الأعمال لمن هم أهل لإدارتها والقيام بها خطوة كبيرة في طريق النجاح ،وبداية لنهاية واعده بالإتقان وبلوغ المرام
أما حينما نراعي ضوابط أي عمل نريد تنفيذه أو نسعى إلى إنجاحه ،فاننا بإذن الله نبلغ القصد ، ونصل إلى المطلوب وننتظر النجاح "
ثامنا : الخوف من النتائج السلبية للعمل أيا كان نوعه ، أو الخوف من الظهور بمظهر لا يحقق النجاح والتفوق فتجد طاقته محدودة، خائفا من الاحراجات واحتقار الآخرين له ، مع أن المتطلب منا جميعا بعد الاستعانة بالله أن نحدد الأهداف بوضوح ، وندير المشروع والمهمة بنجاح ، ثم نمضي قدما متفائلين ولنعلم جميعا أن من اهم قوانين الابداع في الأعمال هو "الاصرار" "
وكما سبق القول هذه الأسباب معظمها لا علاقة لها بقلة الإنتاج وتباطؤ النمو فكل الأسباب الرئيسية تعود لسبب واحد وهو النظام الحاكم الذى لا يعمل على زيادة الإنتاج عندما يكون هدفه سرقة المال العام أو القضاء عليه من خلال وضع قيادات فاسدة على رأس كل المؤسسات ومن خلال وضع قوانين وضعية تعطى المدراء ومجالس الإدارات معظم الأرباح بينما تفرق الفتات على أساس العمل وهى القاعدة العمالية فنجد الكبار يحصلون على عشرات الملايين بينما العمال وهم أساس العمل يحصلون على عشرات أو مئات الجنيهات ومن خلال بيع الشركات الرابحة لرجال أعمال ليس عندهم اساسا مال للشراء وإنما تم أخذهم قروض من البنوك فاشتروا مال الشعب بمال الشعب وعندما يشترون إما أن يسرحوا العمالة وإما ان يخفضوا الحوافز أو يقضوا عليها تماما ...
عندما يرى أى عامل أو موظف هذه الوضعية ويرى أن أى واحد يطالب بالحقوق أو عدم بيع الشركات وما شابه ذلك يتم القبض عليه أو طرده من الوظيفة فهذا يشيع فى المجتمع الوظيفى والمجتمع ككل روح اليأس من التقدم ومن الإصلاح ومن ثم يصاب الكل بروح اللامبالاة ولا يعملون كما يجب وفى النهاية نفاجىء بالانهيار ليس نتيجة الموظفين وإنما نتيجة تصرفات النخبة الحاكمة
هذه هى حقيقة انخفاض الإنتاج وسوء العمل الوظيفى فى المؤسسات الإنتاجية وأما المؤسسات الخدمية فتصرفات النظام الحاكم هى السبب أيضا فى سوء العمل وتفشى الرشوة وترك الكثير من الموظفين العمل فى الدوام الرسمى للعمل فى أعمال أخرى لأن الحكومة تعتمد سياسة تخفيض الرواتب فى تلك المؤسسات فى تلك المؤسسات خالصة التعليم والصحة والمحليات بحجة أنها وزارات غير إنتاجية مع أن الجيش والشرطة والقضاء والمالية ...مؤسسات غير إنتاجية فهم يحصلون على أعلى الرواتب والحوافز والبدلات والمكافآت وهو ما يحبط موظفى باقى الوزارات
وتحدث الرجل عن مسألة الاحتساب احتساب العمل لله فقال :
"وأخيرا: قلة الحوافز ليست معيارا للنجاح في أي عمل على كل حال وليست سببا للإخفاق ، فالحاجة إلى ما يكفل بتنظيم العمل ويضمن تأمين احتياجاته ،هي الأولى بالاهتمام من أن يكون هناك حافزا يقلل من أهمية العمل حال حجب ذلك الحافز ، أو يزيد من قيمة عمل لا وزن له ،لأنا نحتاج إلى مسألة الاحتساب وخاصة في الأعمال الخيرية التي تؤتي أكلها كل حين وتنتج ثمرتها ويرتجى النفع من ورائها
وعلى كل حال فمتى ما قدمت لعمل ما القليل أعطاك الكثير ، ومتى ما سعيت في عمل لإنجاحه و استعنت على ذلك بعد الله بأسباب النجاح حينها سترى تلك الايجابية الكبيرة في النهوض بمستواه والرقي به
الله عز وجل يقول " وإذا عزمت فتوكل على الله " وهم يقولون :"لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد" وكلام الله أبلغ في اللفظ والمعنى وأقوى في الحجة والبرهان وأقرب إلى الوضوح والدلالة ، لأنه لا غنى للعزيمة عن التوكل والتوكل أقوى أسباب النجاح
والمبادرة إلى العمل وخاصة العمل الذي فيه الخير للغير وفيه النفع للناس والطير والدواب مما يحث عليه الشارع الكريم ومما تحمده الشريعة الإسلامية ،فقد قال عز وجل "سابقوا " وقال "وسارعوا" وقال"وقل اعملوا " كلها آيات عظيمات تحث على المبادرة إلى الخيرات و الأعمال الصالحة النافعة والمتعدية النفع "
وحكاية الاحتساب يفعلها الكثير من الموظفين ولكن دون إرادة البعض منهم يهملون أعمالهم لأنهم لا يقدرون على الانفاق على أسرهم بسبب قلة الرواتب ومن ثم يضطر بعضهم لعمل ثانى وأحيانا ثالث لكى يكفى حاجة أسرته وهناك أناس يعملون أكثر من16 ساعة يوميا ولا يرون أولادهم بسبب ذلك
ومن ثم المسألة فى البدء والختام هى مسألة تطبيق أحكام الله وهى العدل فلو طبقناها فلم يكون هناك نمو بطىء ولا قلة إنتاج وإنما كل ما يحدث فى مجتمعاتنا الحالية سببه الكفار الذين يحكمون بغير أحكام الله
وتحدث الرجل عن البطالة وعن إهمال العمل فقال :
"وفي الختام دعوني اهمس في أذن كل قاعد عن العمل أو متقاعس عن نفع الآخرين والى كل من أبى الحسبة ولذة الاحتساب ورضي بالإشادة وإشارة البنان ، أهمس في آذانهم وأقول اعملوا وجددوا الثقة بأنفسكم وليكن طموحكم عليا يصل الثريا، واخلصوا في أعمالكم فكل ميسر لما خلق له "و ما عند الله خير وأبقى والعمل للباقية خير وأبقى من العمل للفانية ،والعمل محمدة و شرف للمرء وعون له عل حصول الخير ، ولا يعوق سعيك الآخرين ، ولتكن خشيتك من الرقيب الأعلى مقدمة على الخوف من الرقيب الأدنى
وليعلم أرباب البطالة أن الفرد الايجابي في المجتمع خير وأحب إلى الناس من العاجز الكسول"
والبطالة كما سبق القول لها سبب واحدة وهو النظام الحاكم من خلال سوء التخطيط ومن خلال حجز الوظائف لأولاد الأغنياء والوسائط والمحسوبيات فوظائف الضباط محصورة فى عائلات معينة وأحيانا العساكر للفشلة علميا من أبناء تلك العائلات وكذلك وظائف القضاء والعمل فى المصارف وكل ما فيه مرتبات عالية
ولا يترك لباقى الشعب سوى الوظائف التى مرتباتها منخفضة أو هى مهينة لأبناء النخبة الحاكمة
هذه هى حقيقة ما نحن فيه حاليا ولا يوجد من باقى الشعب من يريد التبطل سوى قلة نادرة
العودة لحكم الله هى الحل لكل مشاكلنا
المؤلف أنور بن سعيد الكناني وهو يدور حول أداء الناس العمل إما خوفا من العقاب الدنيوى وإما بسبب ضعف الاحتساب وهو يشير إلى مشكلة فى العمل الوظيفى بالمؤسسات حيث يؤدى العامل عمله ليس بسبب ارضاء الله وإنما بسبب خوفه من العقوبات الوظيفية أو بسبب المكاسب التى يحصل عليها من امتياز عمله وفى هذا قال :
"لا تكاد تطلع على أي عمل من الأعمال- تنتسب إليه أو لا تنتسب إليه -إلا وتمتد من أمامه ومن خلفه شباك ؛ تختلف من مكان لآخر ومن عمل لآخر في سمكها وقوتها وعظمها –تشبه شبكة الصياد ‘ تلك التي يقع في شراكها ما هب ودب وما صغر وكبر ،ومن قصدت ومن لم تقصد
ما نوع تلك الشراك وما هدفها ؟؟؟ إن المتأمل في البون الشاسع بين ما يتم تنفيذه من الأعمال كلفة وآخر احتساب ،تجد أن الناس يتفاوتون في مدى الجدية ومن جهة أخرى في الإنتاج وحصول الثمرة،لأن مسألة الرقابة الدنيوية تعطي طابعا آخر للعمل من ناحية الانضباط من عدمه ، ربما بلغت أوجها في نفوس المغرر بهم أو من سقط في أيديهم
بينما الرقابة السماوية لا تسهم في توجيه العمل عند البعض إلى الصواب وتحري القبول، ولا تزرع في سلوكهم فضلا عن قلوبهم معاني الخوف والمراقبة
قال تعالى:
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون،وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون"
لماذا؟؟ هل هناك أسباب عكسية من واقع العمل تحتم علينا أن نغلق باب المراقبة ؟؟
لعلك تجيب بـ لا!! وأنا أخالفك القول بأن الميدان التربوي وغير التربوي في مجتمعاتنا تفوح بالنتائج العكسية السلبية الغير منضبطة -جراء سلوك نجم عن خطأ أو سلوك غير مستقصد أو كلمة أريد بها حق دبلجها الموقف باطلا، أو سوء فهم من الوجه الآخر،التي ولو قدر لنتائجها أنها ! تخالف أمرا أو نهيا شرعيا لما رأينا للغضب مسرحا ، ولم يتمعر لها وجه ينطق "بكلمة الحق" -وقد انتهكت محارم الله-أو قيل ما لا يحمد عقباه "
وكلام الكنانى يتحدث عن واقع مجتمعاتنا التى تحكم بغير ما أنزل الله فالمجتمع المسلم غير ما يتحدث عنه الكنانى ففى المجتمع المسلم لابد لكل واحد أن يتقن عمله ومن يخالف واجبات وظيفته بإرادته يحاكم إما باعتباره سارقا أو متلفا أو مهملا محاربا لله والعقوبة قطع أيدى أو اعادة التالف لأصله أو القتل وليس خصم من المرتب وهو ما يسمى بالعقوبات الإدارية فى القانون الوضعى
ومن ثم فهناك أحكام رادعة لكل مهمل أو متعدى على المال العام وفى سبيل ذلك يحب أن يراقب الموظف نفسه طمعا فى رضا الله
ولا توجد فى أحكام الإسلام حوافز أو كادرات أو مكافآت أو ما شابه مما يوجد فى القانون الوضعى والتى وضعت أساسا للتفرقة بين الناس فى المعاملة المالية عصيانا لقوله تعالى :
"وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين"
إن الحافز الوحيد للمسلم هو دخول الجنة فى الآخرة فهو يعمل خوفا من العقاب دنيوى وأخروى ويعمل طمها أو رجاء فى ثواب الله الأخروى وهو الجنة
وأرجع الكنانى النمو البطىء فى بلادنا فى العمل إلى انعدام الخوف من الله فى نفوس العاملين وعدم الاهتمام بالمرجعية العليا وعدم وجود دافعية وقلة العلم والانغلاق على المجتمع وسوى ذلك فقال :
"إن من أهم أسباب التباطؤ في الأداء وسلبية الانتاج :
أولا : انعدام الرقابة الإلهية في نفوس العاملين وعدم استشعارها كما هو الحال في الرقابة الدنيوية كما هو ملموس
ثانيا :عدم الإيمان بأهمية المرجعية في أي عمل أو مهنة سواء المرجعية العليا أو سلطة اتخاذ القرار؛ حيث أن لها دور كبير في توجيه العمل وفق الضوابط ، ودورها يبرز في كونها تنظم سير العمل وفق آلية وتقيمه ، فتجد أن من المعوقات النفسية عند العاطل هي القوانين التي تتحكم في كثير من الأعمال أو الرئيس أو المسئول
ثالثا: ما سبق الإشارة إليه -من كون الدافعية للعمل الإلزامي تفوق قابلية العمل التطوعي –في كثير من الأحوال-والالتواء عند قبوله ، والتقاعس عن الاهتمام به ، والانهزام عند الإخفاق فيه، والاتكالية في تنفيذه – ربما يكون ذلك طوعا للذات الأمارة بالسوء أو المتقاعسة عن فعل الخير للغير ؛الموطنة بحب المحفزات والمرغبات أيا كان نوعها ،وقد قال الله تعالى " ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" وقال عليه الصلاة والسلام "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"
رابعا: قلة الاطلاع ، والابتعاد عن القراءة ،التي تسبب انعدام المصادر التي تثري العمل وتلم بجوانبه، والتعصب للرأي دون الرأي الآخر، والتباطؤ في إصدار القرار ،وفي ذلك إشكالية كبيرة ربما تقف دون نضوج العمل أو تلحق به البوار أو تؤدي إلى إنزال الناس أكبر أو أصغر من منازلهم ومما يدل على أهمية الاطلاع أول ما أنزل من القرآن قوله تعالى في سورة الأعلى "اقرأ" وقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم " من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم" وإذا فقهك الله في الدين فقد أراد الله بك خيرا سواء لنفسك أو للآخرين
ولن ينال الانسان العلم حتى يحقق مطالبه التي تدل عليه كما قال الشاعر:
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
فبالعلم ترفع الجهل عن نفسك وتسمو تسمو إلى معالي الأمور
خامسا : الانغلاق عن المجتمع والإحجام عن فهم كثير من المسلمات أو غير المسلمات ،وعدم الانفتاح على الآخرين لتدارس أفكارهم والنهوض بخبراتهم لسبب أو لآخر؛ سببه القوقعة حول الذات ، والنظرة السلبية أو عدمها للآخرين ،مما يسبب انفصام الشخصية، وعدم تفهمها لأهمية التعاون الذي دعا الله إليه في كتابه بقولة "وتعاونوا "وأهمية التواصل مع الآخرين حتى تبدأ من حيث انتهى إليه الآخرون " ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف "
سادسا : عدم النظر إلى قيمة العمل وأهميته ،وخاصة الأعمال الخيرية التي لا يحدها ضابط ولا يشملها قرار أو نظر مسئول ، فحينما لا يعطى العمل حقه ومستحقة من المكانة والأهمية ، ينقص ذلك من مكانته وأهميته ،وحينما لايراعى أي عمل من ناحية توثيقه، أو دراسته،أو إمعان النظر فيه وتحري النجاح من ورائه والوصول إلى إتقانه وتحقيق أهدافه ، حينها لن تستطيع أن تقدره حق قدره أو تصل إلى ثمرته ،أو تؤديه كما ينبغي على أقل تقدير وقد قال عليه الصلاة والسلام " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه "
سابعا : إسناد العمل لغير أهله ،وذلك من وجوه متعددة بحيث يسند إلى شخص عملا لا يستطيع أن يلم بجوانبه لوحده ،أو يكون العمل لا يناسب درجته العلمية ، أو يحتاج العمل لجدية أكبر عند تنفيذه لا تناسب ذلك الذي يقلل من أهمية كثير من الأعمال ،أو يوضع الرجل في تخصص لا يناسبه وهكذا فالأمي لن يمتهن التعليم قبل أن يؤهل ولكل مقام مقال "
فإسناد الأعمال لمن هم أهل لإدارتها والقيام بها خطوة كبيرة في طريق النجاح ،وبداية لنهاية واعده بالإتقان وبلوغ المرام
أما حينما نراعي ضوابط أي عمل نريد تنفيذه أو نسعى إلى إنجاحه ،فاننا بإذن الله نبلغ القصد ، ونصل إلى المطلوب وننتظر النجاح "
ثامنا : الخوف من النتائج السلبية للعمل أيا كان نوعه ، أو الخوف من الظهور بمظهر لا يحقق النجاح والتفوق فتجد طاقته محدودة، خائفا من الاحراجات واحتقار الآخرين له ، مع أن المتطلب منا جميعا بعد الاستعانة بالله أن نحدد الأهداف بوضوح ، وندير المشروع والمهمة بنجاح ، ثم نمضي قدما متفائلين ولنعلم جميعا أن من اهم قوانين الابداع في الأعمال هو "الاصرار" "
وكما سبق القول هذه الأسباب معظمها لا علاقة لها بقلة الإنتاج وتباطؤ النمو فكل الأسباب الرئيسية تعود لسبب واحد وهو النظام الحاكم الذى لا يعمل على زيادة الإنتاج عندما يكون هدفه سرقة المال العام أو القضاء عليه من خلال وضع قيادات فاسدة على رأس كل المؤسسات ومن خلال وضع قوانين وضعية تعطى المدراء ومجالس الإدارات معظم الأرباح بينما تفرق الفتات على أساس العمل وهى القاعدة العمالية فنجد الكبار يحصلون على عشرات الملايين بينما العمال وهم أساس العمل يحصلون على عشرات أو مئات الجنيهات ومن خلال بيع الشركات الرابحة لرجال أعمال ليس عندهم اساسا مال للشراء وإنما تم أخذهم قروض من البنوك فاشتروا مال الشعب بمال الشعب وعندما يشترون إما أن يسرحوا العمالة وإما ان يخفضوا الحوافز أو يقضوا عليها تماما ...
عندما يرى أى عامل أو موظف هذه الوضعية ويرى أن أى واحد يطالب بالحقوق أو عدم بيع الشركات وما شابه ذلك يتم القبض عليه أو طرده من الوظيفة فهذا يشيع فى المجتمع الوظيفى والمجتمع ككل روح اليأس من التقدم ومن الإصلاح ومن ثم يصاب الكل بروح اللامبالاة ولا يعملون كما يجب وفى النهاية نفاجىء بالانهيار ليس نتيجة الموظفين وإنما نتيجة تصرفات النخبة الحاكمة
هذه هى حقيقة انخفاض الإنتاج وسوء العمل الوظيفى فى المؤسسات الإنتاجية وأما المؤسسات الخدمية فتصرفات النظام الحاكم هى السبب أيضا فى سوء العمل وتفشى الرشوة وترك الكثير من الموظفين العمل فى الدوام الرسمى للعمل فى أعمال أخرى لأن الحكومة تعتمد سياسة تخفيض الرواتب فى تلك المؤسسات فى تلك المؤسسات خالصة التعليم والصحة والمحليات بحجة أنها وزارات غير إنتاجية مع أن الجيش والشرطة والقضاء والمالية ...مؤسسات غير إنتاجية فهم يحصلون على أعلى الرواتب والحوافز والبدلات والمكافآت وهو ما يحبط موظفى باقى الوزارات
وتحدث الرجل عن مسألة الاحتساب احتساب العمل لله فقال :
"وأخيرا: قلة الحوافز ليست معيارا للنجاح في أي عمل على كل حال وليست سببا للإخفاق ، فالحاجة إلى ما يكفل بتنظيم العمل ويضمن تأمين احتياجاته ،هي الأولى بالاهتمام من أن يكون هناك حافزا يقلل من أهمية العمل حال حجب ذلك الحافز ، أو يزيد من قيمة عمل لا وزن له ،لأنا نحتاج إلى مسألة الاحتساب وخاصة في الأعمال الخيرية التي تؤتي أكلها كل حين وتنتج ثمرتها ويرتجى النفع من ورائها
وعلى كل حال فمتى ما قدمت لعمل ما القليل أعطاك الكثير ، ومتى ما سعيت في عمل لإنجاحه و استعنت على ذلك بعد الله بأسباب النجاح حينها سترى تلك الايجابية الكبيرة في النهوض بمستواه والرقي به
الله عز وجل يقول " وإذا عزمت فتوكل على الله " وهم يقولون :"لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد" وكلام الله أبلغ في اللفظ والمعنى وأقوى في الحجة والبرهان وأقرب إلى الوضوح والدلالة ، لأنه لا غنى للعزيمة عن التوكل والتوكل أقوى أسباب النجاح
والمبادرة إلى العمل وخاصة العمل الذي فيه الخير للغير وفيه النفع للناس والطير والدواب مما يحث عليه الشارع الكريم ومما تحمده الشريعة الإسلامية ،فقد قال عز وجل "سابقوا " وقال "وسارعوا" وقال"وقل اعملوا " كلها آيات عظيمات تحث على المبادرة إلى الخيرات و الأعمال الصالحة النافعة والمتعدية النفع "
وحكاية الاحتساب يفعلها الكثير من الموظفين ولكن دون إرادة البعض منهم يهملون أعمالهم لأنهم لا يقدرون على الانفاق على أسرهم بسبب قلة الرواتب ومن ثم يضطر بعضهم لعمل ثانى وأحيانا ثالث لكى يكفى حاجة أسرته وهناك أناس يعملون أكثر من16 ساعة يوميا ولا يرون أولادهم بسبب ذلك
ومن ثم المسألة فى البدء والختام هى مسألة تطبيق أحكام الله وهى العدل فلو طبقناها فلم يكون هناك نمو بطىء ولا قلة إنتاج وإنما كل ما يحدث فى مجتمعاتنا الحالية سببه الكفار الذين يحكمون بغير أحكام الله
وتحدث الرجل عن البطالة وعن إهمال العمل فقال :
"وفي الختام دعوني اهمس في أذن كل قاعد عن العمل أو متقاعس عن نفع الآخرين والى كل من أبى الحسبة ولذة الاحتساب ورضي بالإشادة وإشارة البنان ، أهمس في آذانهم وأقول اعملوا وجددوا الثقة بأنفسكم وليكن طموحكم عليا يصل الثريا، واخلصوا في أعمالكم فكل ميسر لما خلق له "و ما عند الله خير وأبقى والعمل للباقية خير وأبقى من العمل للفانية ،والعمل محمدة و شرف للمرء وعون له عل حصول الخير ، ولا يعوق سعيك الآخرين ، ولتكن خشيتك من الرقيب الأعلى مقدمة على الخوف من الرقيب الأدنى
وليعلم أرباب البطالة أن الفرد الايجابي في المجتمع خير وأحب إلى الناس من العاجز الكسول"
والبطالة كما سبق القول لها سبب واحدة وهو النظام الحاكم من خلال سوء التخطيط ومن خلال حجز الوظائف لأولاد الأغنياء والوسائط والمحسوبيات فوظائف الضباط محصورة فى عائلات معينة وأحيانا العساكر للفشلة علميا من أبناء تلك العائلات وكذلك وظائف القضاء والعمل فى المصارف وكل ما فيه مرتبات عالية
ولا يترك لباقى الشعب سوى الوظائف التى مرتباتها منخفضة أو هى مهينة لأبناء النخبة الحاكمة
هذه هى حقيقة ما نحن فيه حاليا ولا يوجد من باقى الشعب من يريد التبطل سوى قلة نادرة
العودة لحكم الله هى الحل لكل مشاكلنا