- المشاركات
- 19,998
- الإقامة
- تركيا
“الحكومة”، هذا اللقب الساخر الذي تطلقه جماهير ريال مدريد في المنطقة العربية على المهاجم الفرنسي كريم بنزيما خلال السنوات الأخيرة، وذلك لوجود اعتقاد سائد أن اللاعب يفرض نفسه على الجميع في النادي، ولا يمكن لأحد طرده من التشكيلة الأساسية رغم مستواه المتواضع في بعض الفترات.
على مدار 11 عاماً، رحل العديد من اللاعبين الكبار عن ريال مدريد، مثل مسعود أوزيل، آنخيل دي ماريا، تشابي ألونسو، سامي خضيرة، حتى كريستيانو رونالدو نفسه قرر وضع حد لتجربته في سانتياجو برنابيو وخوض تحدٍ جديد في يوفنتوس بعد دخوله في خلاف مع فلورنتينو بيريز.
وباستثناء سيرجيو راموس ومارسيلو، يعد بنزيما أقدم لاعب في ريال مدريد، حيث وصل الفريق عام 2009، ودائماً ما كان لاعباً أساسياً في عهد جميع المدربين الذين مروا على النادي في العقد الأخير، حتى أنه كان السبب وراء رحيل فان نيستلروي، راؤول جونزاليس، جونزالو هيجواين وألفارو موراتا، الجميع يرحل وبنزيما مستمر بدون سبب منطقي، هذا لسان حال عاشق ريال مدريد الذي يرى البنز ليس مهاجماً بمستوى الفريق.
إذاً، لماذا لا يرحل بنزيما عن ريال مدريد؟
الجواب متشعب، ويمكن تلخصيه بمحورين، الأول متعلق باللاعب نفسه، حيث لم يطلب أبداً مغادرة النادي رغم العروض العديدة التي وصلته قبل بضعة سنوات من آرسنال وباريس سان جيرمان ومانشستر يونايتد.
عدا عن ذلك، كريم بنزيما لاعب ملتزم جداً داخل وخارج الملعب، فبعيداً عن قصة ماتيو فالبونيو التي لا علاقة لها بريال مدريد لا من قريب ولا من بعيد، لم نسمع أبداً عن وقائع مثيرة للجدل تخص حياته الشخصية على مدار 10 أعوام، كما لم يتم الكشف عن أي خلاف بينه وبين أي لاعب أو مدرب أو إداري، بنزيما دائماً ملتزم ويركز على كرة القدم فقط.
بالإضافة إلى كل هذا، بنزيما من نوعية اللاعبين الغير متطلبين كثيراً، يوافق على أي عرض يقدمه له ريال مدريد لتجديد العقد، ولا يشترط رواتب خيالية تفوق قدراته وخدماته للنادي، وهذا سبب رئيسي ومهم في استمراره لغاية الآن، لأنه ببساطة لم يصطدم مع فلورنتينو بيريز مثلما حدث مع لاعبين آخرين أمثال أوزيل ودي ماريا ورونالدو، وهذا ما يقودنا للشق الثاني.
من جهة أخرى، يحظى بنزيما بتأييد وثقة أهم الشخصيات في كيان ريال مدريد، الأول هو فلورنتينو بيريز المعجب كثيراً به لأسباب فنية أولاً، ولالتزامه بالعقد المبرم ثانياً، أضف إلى ذلك أن بيريز يثق برؤية زين الدين زيدان، وجميعنا يعلم أن الأخير يعشق بنزيما حتى قبل أن يصبح مدرباً للفريق، سواء عندما كان يعمل كمدير رياضي أو مساعد للمدرب كارلو أنشيلوتي.
كما يجب أن نتذكر أن بنزيما في بعض الفترات كان مرشحاً للرحيل عن ريال مدريد، لكن حصوله على دعم كريستيانو رونالدو الذي كان لديه كلمة مسموعة في النادي قبل أن تتوتر علاقته ببيريز حصن المهاجم الفرنسي من التضحية به.
رونالدو كان سعيداً بالعمل مع بنزيما، وهناك انسجام عالي بينهما على أرض الملعب، ولم تكن الإدارة ترغب في إفساد هذه المنظومة حتى لو كانت أرقام بنزيما ليست بالمستوى المطلوب، طالما أن رونالدو كان يسجل 50 هدفاً بالموسم جزء منها بمساعدة البنز، فلم يكن هناك داعٍ لإحداث أي تغيير.
صفقة الأحلام لريال مدريد التي لم تتحقق
من الأسباب المهمة التي مدت في مسيرة بنزيما مع ريال مدريد، أن النادي كان دائماً يبحث عن مهاجم يمتاز بقدرة تهديفية كبيرة داخل الصندوق، وكان هناك 3 لاعبين رئيسين يسعى لهم بيريز، الأول هو لويس سواريز الذي حاول ضمه عام 2013 لكن ليفربول أقنعه بالبقاء، ثم قرر الرئيس المدريدي الانسحاب من الصفقة بعد عضة جورجيو كيليني الشهيرة بكأس العالم التي شوهت سمعة المهاجم الأوروجوياني، وترك اللاعب يذهب لبرشلونة بكل بساطة.
المهاجم الثاني الذي لطالما كان بيريز يطمح للتعاقد معه هو سيرجيو أجويرو، لكن المهمة لم تكن سهلة أبداً في ظل رفض مانشستر سيتي التخلي عنه أولاً، ولعدم رغبة النادي منح اللاعب راتباً كبيراً يفوق ما يجنيه مع السيتيزنز.
أما المهاجم الثالث والأخير هو روبرت ليفاندوفسكي، حيث كان المهاجم البولندي الأكثر تفضيلاً لدى بيريز، ودائماً ما كانت تفشل الصفقة لأسباب مختلفة، إما لأن بايرن ميونخ يرفض بيعه، أو بسبب قيمة الصفقة الكبيرة، والسبب الثالث والأخير يتعلق بتقدم اللاعب بالسن مؤخراً.
عدم تعاقد ريال مدريد مع مهاجم أفضل من بنزيما على الصعيد التهديفي، جعل الأخير يستمر مع الفريق، لأنه ببساطة لا يوجد خيار متاح أفضل منه، ولو قارنا المهاجم الفرنسي بجميع مهاجمي العالم باستثناء الأسماء الثلاثة التي حاول النادي ضمها، سنجد أنه يتفوق على الجميع فنياً وحتى على معظمهم تهديفياً.
أسباب فنية .. ما لا يريد سماعه عشاق ريال مدريد
لن نكرر أسطوانة فتح المساحات التي يرددها البعض بشكل تلقائي للدفاع عن بنزيما، لأن معظم من يقول هذه الجملة لا يدرك أبعادها، سنسلط الضوء على أمور أخرى يقوم بها المهاجم الفرنسي ولا يمكن لأي مهاجم آخر بالعالم القيام بها.
راقب جميع هجمات ريال مدريد في أي مباراة، ستجد أن بنزيما عنصر أساسي بالهجمة دائماً، وهذا لا يفعله أي مهاجم آخر يتمركز في الثلث الأخير بالملعب، لا مشكلة عند البنز العودة للخلف واستلام الكرة، من ثم الصعود مع لاعبي خط الوسط من جديد، هذه تضحية بدنية لا يقوم بها اي مهاجم، وحتى إن حاول فعلها، لن يتقنها بكفاءة بنزيما.
البعض سيقول أن المهاجم مطلوب منه تسجيل الأهداف وليس صناعة اللعب، نعم هذا صحيح، لكن طالما أن بنزيما يساهم بتسجيل الأهداف إما بتمريرة حاسمة أو تمريرة مفتاحية أو تمركز ذكي أو تحرك ماكر أو بناء هجمة، فما المشكلة إن لم يسجل 50 و40 هدفاً بالموسم؟ الأفضل أن يكون معدل الفريق التهديفي مرتفع، بدلاً أن يكون هناك مهاجم يسجل الكثير من الأهداف، لكن معدل فريقه التهديفي منخفض.
ريال مدريد مع بنزيما لا يعاني من مشاكل هجومية، في كل موسم يجتاز حاجز 100 هدف بسهولة، البعض سيقول أن ذلك لم يتحقق بعد رحيل كريستيانو رونالدو، في الحقيقة نعم، وهنا يتضح دور بنزيما، أجلب هداف للفريق وسيكون بنزيما أفضل شريك له.
جميع مدربي ريال مدريد أدركوا أن امتلاك مهاجم يقوم بأدوار عديدة، ويساعد في رفع الحصيلة التهديفية، أهم من امتلاك مهاجم تقليدي يجعل الفريق يلعب منقوص عددياً في بناء الهجمة، لن نفهم دور بنزيما إن لم نشاهد هجمات ريال مدريد من بدايتها وكيف وصلت الكرة لمنطقة الجزاء.
بنزيما أكثر مهاجم في الدوريات الأوروبية الكبرى يمرر الكرة خلال المباراة بمعدل 33 تمريرة، وأكثر مهاجم في أوروبا يقدم تمريرات مفتاحية بمعدل 1.7 تمريرة في المباراة الواحدة، هذه ليست مجرد أرقام، لأنها تدل على ما يقوم به على أرض الملعب ولا يجيده باقي المهاجمين، حتى لو كان بعضهم يتفوق عليه تهديفياً، فبالنهاية نحن لا نتحدث عن لاعب متكامل مثل ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، فكل مهاجم بالعالم هناك إيجابيات وسلبيات في طريقة لعبه، وريال مدريد ما زال يرى أن فوائد بنزيما أكثر من عيوبه، حتى لو كان عشاق النادي يرون عكس ذلك.