رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نظرات فى كتاب الأضواء في مصادر علم الأنواء
الكتاب من تأليف بندر بن سعد زاكي الحربي وهو يدور حول ما سماه الكاتب علم الأنواء وقد استهل الحربى الكتاب بتعريف الأنواء فقال
"أما بعد:
الأنواء جمع نوء من ناء ينوء نوءا إذا مال وسقط قال الله تعالى "إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين "
" لتنوء " أي: تثقل "بالعصبة "، الباء للتعدية، يقال: ناء به الحمل أي: أثقله حتى أماله.
وهو سقوط نجم من أنجم منازل القمر من جهة المغرب فجرا وطلوع آخر يقابله في جهة المشرق في نفس الوقت وذلك قبل أمحاق النجوم بضوء الصبح وقيل انه الطالع لأنه إذا طلع ناء بثقل كما يقال ناء بحمله إذا نهض به وقد أثقله وقيل انه من ألفاظ التضاد.
والعرب جعلت النوء للساقط فجرا والشواهد على ذلك كثيرة
قال الله عز وجل :وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا "
نأى بجانبه أي تباعد عنا بنفسه بان ترك التقرب إلى الله ونفهم من هذا المعنى أن نأى تأتي بمعنى تباعد والطالع لا ينطبق عليه هذا المعنى بل ينطبق على الساقط فهو المتباعد عنا وذلك لان الطالع تدركه الرؤية يوما بعد يوم حتى يكون واضحا للرؤية بعكس الساقط الذي يتباعد بالأفق حتى يختفي.
يقول ذو الرمة
أصاب الناس منقمس الثريا ... بساحية وأتبعها طلالا
ومنقمس الثريا غروبها وذلك حين تنغمس في المغرب وتسقط يقال: قمس في الماء ,اذا غاص فيه ,والطلال من الطل وهو الندى
قال ابن منظور " قمس في الماء يقمس قموسا انغط ثم ارتفع وقمسه هو فانقمس أي غمسه فيه فانغمس يتعدى ولا يتعدى وكل شيء ينغط في الماء ثم يرتفع فقد قمس ولعل هذا يتوافق أيضا مع من قال انه من ألفاظ التضاد"
وما نقله الحربى من نقول يبين تعاريفا لغوية لن نفهم منها تعريفا جامعا وقد نقلت التعريف من موقع كن على تواصل فعال مع العالم وهو:
"واصطلاحاً هو سقوط نجم ينسب إليه النوء، أي المطر وهبوب الريح في المغرب وطلوع رقيبه في المشرق، وقد يكون النوء للطالع من النجوم مشرقاً، ويطلق عليه اسم البارح، فيما الآخر المقابل له في المغرب، هو الساقط، وذلك لأن الساقط في زعمهم لا قوة له ولا تأثير. لاحظ العرب من خلال مراقبتهم حركات النجوم وانتقالها في أفلاكها، ومن اختلاف مواقع الشمس والقمر في منطقة البروج، أن ثمة ثمانية وعشرين منزلاً، هي عدة أيام الشهر القمري، ينزل القمر في كل واحد منها مرة في اليوم، والشمس تنزل في كل واحد منها مرة في العام لتمكث فيه مدة ثلاثة عشر يوماً تقريباً باستثناء المنزل المسمى (بالجبهة) فإن مدته أربعة عشر يوماً، (مجموع المنازل 365 يوماً عدة أيام السنة الشمسية)... هذه المنازل بنجومها المعروفة جيداً عند العرب هي التي نسبوا إليها حدوث المطر والريح والأنواء، وإن العلم بها هو العلم المسمى بالأنواء"
ومن ثم فعلم الأنواء هو ما يسمى حاليا توقع حالة الطقس وهو علم يقوم على أساس خاطىء وهو ارتباط المطر والريح ..بالنجوم والنجوم فى السماء ولا علاقة لها بما يحدث فى الأرض كما قال تعالى:
"ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح"
وما يحدث من مطر وسحاب وريح وغيره من متعلقات المناخ يكون فى الجو بين السماء والأرض كما قال تعالى "
إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون"
ومن ثم لا ارتباط بين النجوم وطلوعها وغروبها وبين سقوط المطر وسواه من المناخ ولهذا ينسب للنبى(ص) النهى عن القول مطرنا بنوء كذا فى رواية:
"أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"
وهى رواية صحيحة المعنى وحتى لا نترك الأمور بلا بيان أقول:
إن الناس فى كل بلد وهم ليسوا فلكيين ولا علماء بالأنواء علموا من خلال معيشتهم سنوات عديدة أن المطر يسقط فى شهور معينة ومن ثم ربط الفلاحون والزراعون على وجه الخصوص بين الشهور وما يحدث فيها عبر تقاويم محلية متعلقة بالزراعة والجو على وجه الخصوص وهذا الربط يصدق فى أحيان ويكذب فى أحيان كثيرة ومن أراد الإطلاع على ذلك فليراجع الأمثال المرتبطة بشهور تقويمه المحلى فمثلا فى مصر الحالية التقويم القبطى يخبرنا أن شهر بابه يجب الدخول للبيت وقفل الباب بسبب شدة الريح فيقول " بابه ادخل واقفل البوابة"ويقول " أمشير أبو الزعابيب الكتير" والمراد اشتداد الريح العاصفة فى الشهر المسمة أمشير
وحدثنا الحربى عن الكتب التى ألفت فى علم الأنواء فقال:
”مصادر علم الأنواء
لاشك ان علم الفلك الإسلامي له تأثير واضح على الحضارات وذلك من خلال الثورة العلمية التي حققها العلماء في ذلك الوقت ولا زالت بعض النجوم في السماء كالدبران والنسر الطائر والمراق تحتفظ بأسمائها العربية، وهي اسماء ورثها العالم الاسلامي عن العرب قبل الاسلام، وكذلك هناك بعض المصطلحات الفلكية كالسمت والمقنطرة كلها اسماء عربية ظلت وما زالت على اصلها العربي عدد كبير من المؤلفات الفلكية الإسلامية بقيت صامدة حتى الآن ويبلغ عددها حوالي عشرة آلاف مخطوطة منتشرة حول العالم وكثير منها لم يقرأ أو يحقق، ورغم ذلك يمكن تقدير حجم النشاط الإسلامي في علم الفلك, هذا وقد كان لمادة الانواء الفلكية نصيبها من هذا التصنيف إلا ان نصيبها كان قليلا جدا ومع هذا فقد بعث الله لها من يخرجها من الظلمات, الى النور تحقيقا وتعليقا, ودراسة وشرحا , فقد كان لمحمد نايف الدليمي , الجهد الذي اسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعله في ميزان حسناته , فقد كان رحمه الله حريصا على تراث العرب وعلومه , وقد اخرج لنا هذه المادة نقية بعد ما كانت مليئة بالتصحيف والخلط ولم يصل إلينا من كتب الأنواء إلا القليل وبه اختلاف وتعارض بين الروايات, إلا أن هنالك أجزاء لابأس بها في كتب اللغة والأدب تحت مسمى الأنواء والأزمنة, وكذلك بعض التفاسير , وهذا مما يدل على أن العرب كانت على علم ودراية بالأنواء ,والمعرفة الفلكية وعلى رأس هذه الكتب وأشهرها كتاب الأنواء في مواسم العرب الذي يعد المرجع الأساسي لصلب المادة العلمية المكتوبة التي بقت من هذا الفن والذي على مذهب العرب ألفه الإمام ابن قتيبة الدينوري وذكر فيه ما كانت عليه العرب في علم الأنواء , هذا الكتاب من أفضل الكتب في الأنواء ويعد أهم مصدر لعلم الأنواء.
أيضا هنالك كتاب آخر في الأنواء قيم وفريد من نوعه ولكن لم يصل إلينا بل مع الأسف انه فقد وهو كتاب أبى حنيفة الدينوري ويبدو أن هذا الكتاب من أفضل كتب الأنواء حيث يتضمن كل ما للعرب من العلم بالسماء والأنواء ومهاب الرياح والأزمنة، يقول العالم الفلكي عبدالرحمن الصوفي المتوفى سنة 376 هـ في مقدمة كتابه صور الكواكب الثمانية والأربعين "ووجدنا في الأنواء كتبا كثيرة أتمها وأكملها في فنه كتاب أبي حنيفة الدينوري ", ويقول ياقوت الحموي في معجم الأدباء من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة، وبيان العرب، له في كل فن ساق وقدم، ورواء وحكم، وهذا كلامه في الأنواء، يدل على حظ وافر من علم النجوم، وأسرار الفلك، وقد عول ابن سيده عليه في تأليف كتابه المخصص بنقل مادة الأنواء من هذا الكتاب, حيث يعتبر الجزء التاسع من كتاب المخصص جزء من كتاب الأنواء لأبي حنيفة الدينوري وكذلك المرزوقي ,وابن منظور , والزبيدي صاحب تاج العروس.
وقد اتهم المسعودي ابن قتيبة في سرقة هذا الكتاب ونقله إلى كتابه حيث يقول في كتابه مروج الذهب «فأما قبلة أهل المشرق والمغرب والتيمن والجنوبي، فقد ذكرنا جملا من ذلك في كتابنا أخبار الزمان وقد حرر ذلك في كتابه أبو حنيفة الدينوري وقد سلب ذلك ابن قتيبة، ونقله إلى كتبه نثلا وجعله عن نفسه ,وقد فعل ذلك في كثير من كتب أبى حنيفة الدينوري هذا وكان أبو حنيفة ذا محل من العلم كبير»
ولاشك أن هذا الكلام باطل ولا دليل عليه, لاسيما أن ابن قتيبة رجل عرف بالعلم والمعرفة وكان إمام عصره وعلى كل حال فقد نقل عن أبي حنيفة ابن سيده، والمرزوقي، وابن منظور، وصاحب تاج العروس، وعبد القادر البغدادي وغيرهم, وهذه النقولات موجودة ومنصوص على نسبتها إلى أبي حنيفة , وبإمكان القاري أن يتجول بين هذه النصوص ويرى هل ما نقل عن ابي حنيفة هو ما في كتاب ابن قتيبة , في الحقيقة ان هنالك اختلاف بينهما وفرق كبير فمادة الأنواء المنسوبة لأبي حنيفة والموجودة والمتفرقة في كثير من الكتب تختلف تماما عن ما هو موجود عند ابن قتيبة إلا ما هو دارج به اللسان ومتفق عليه في لغة العرب ..
ولكن ربما لأن ابن قتيبة كان من العلماء المنتصرين لأهل السنة، مما جعل المسعودي يطعن في مصداقيته، ولا غرابة في ذلك فهم يطعنون بصحابة رسول الله صلى الله علية وسلم يقول ابن تيمية " وابن قتيبة هو من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة وله في ذلك مصنفات متعددة قال فيه صاحب " كتاب التحديث بمناقب أهل الحديث ": وهو أحد أعلام الأئمة والعلماء والفضلاء أجودهم تصنيفا وأحسنهم ترصيفا له زهاء ثلاثمائة مصنف وكان يميل إلى مذهب أحمد وإسحاق وكان معاصرا لإبراهيم الحربي ومحمد بن نصر المروزي وكان أهل المغرب يعظمونه ويقولون: من استجاز الوقيعة في ابن قتيبة يتهم بالزندقة ويقولون: كل بيت ليس فيه شيء من تصنيفه فلا خير فيه قلت: ويقال هو لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة فإنه خطيب السنة كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة " ومن الكتب ايضا كتاب الأزمنة وتلبية الجاهلية لقطرب وهو من المصنفات الرائدة في موضوعه ويتضمن الكتاب حديث الأيام والليالي والشمس والقمر والليل والنهار والحر والقر والنجوم والأنواء وأسجاع العرب وهو كتاب جيد إلا انه لم يشبع مادة الأنواء، واكتفاء بمنازل القمر ذكرا فقط ولم يفصل القول في ذلك كذلك من الكتب الهامة في هذا الفن كتاب الأزمنة والأمكنة للمرزوقي وقد تسامح صاحب كشف الظنون في نسبة هذا الكتاب إلى قطرب المتوفى سنة 206 هـ ... ويمكن أن يكون الكتاب في الأصل لقطرب، رآه المرزوقي غير واف فتممه بلواحق وزوائد) وقد ذكرنا سابقا أن المرزوقي قد نقل عن أبي حنيفة وقد يعد هذا الكتاب من الكتب القلائل الباقية في الأنواء على مذهب العرب والمذاهب الأخرى وقد حققه محمد نايف الدليمي رحمه الله كذلك كتاب الأنواء والأزمنة للثقفي قال ابن الأبار: عن هذا الكتاب انه مفيد ومعروف بأيدي الناس، وقد حققه ايضا محمد نايف الدليمي رحمه الله، وقد قيل ان فيه نقول من كتاب الزجاج علما ان كتاب الزجاج في الأنواء نقلت مادته في عدة مصادر من هذه المصادر تفسير رسالة أدب الكتاب، لأبي القاسم عبد الرحمن ابن إسحاق الزجاجي التي شرح فيها مقدمة أدب الكاتب لابن قتيبة ,حيث نقل من كتاب الأنواء للزجاج قطعة جيده ,في منازل القمر والزجاجي هو احد أهم الرواة , ومن أخص تلامذة الزجاج، وإليه نسب بسبب ملازمته له، وقد أكثر من الرواية عن شيخه, منها رواية الأنواء ,وهنالك أيضا كتاب شرح أدب الكاتب للجواليقي الذي هو الاخر يشرح كتاب ابن قتيبة "أدب الكاتب" ,نقل ما قاله الزجاج في كتابه, عند ذكر باب معرفة ما في السماء, والنجوم والأزمان والرياح وكذلك محمود شكري الألوسي في كتابه بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب, نقل هو الاخر أيضا عن الزجاج أيضا كتاب الأزمنة والأنواء , لابن الاجدابي, كتاب جيد ويعد من الكتب المهمة في علم الأنواء , والكتاب مطبوع بتحقيق عزت حسن ومن أهم الكتب, بل ويعد موسوعة في هذا العلم ,كتاب صور الكواكب الثمانية والأربعين للصوفي من أشهر مؤلفاته , وأحد أشمل وأهم الكتب التي وضعت في هذا العلم في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي. ويتحدث فيه عن النجوم والصور النجومية التي ترى في السماء, ويستدل بها الفلكيون والبحارة في سفرهم وأرصادهمألفه الصوفي لعضد الدولة البويهي لتلافي أخطاء الفلكيين السابقين يقول الصوفي: "إني رأيت كثيرا من الناس يخوضون في طلب معرفة الكواكب الثابتة ومواقعها من الفلك وصورها ووجدتهم على فرقتين إحداهما تسلك طريق المنجمين ومعولها على كرات مصورة من عمل من لم يعرف الكواكب بأعيانها وإنما عولوا على ما وجدوه في الكتب من أطوالها وعروضها فرسموه في الكرة من غير معرفة بصوابها من خطئها , وأما الفرقة الأخرى فإنها سلكت طريق العرب في معرفة الأنواء ومنازل القمر ومعولهم على ما وجدوه في الكتب المؤلفة في هذا المعنى يقول لما رأيت هؤلاء القوم مع ذكرهم في الآفاق وتقدمهم في الصناعة وإقتداء الناس بهم قد تبع كل واحد منهم من تقدمه من غير تأمل لخطئه وصوابه بالعيان والنظر حتى ظن كل من نظر في مؤلفاتهم أن ذلك عن معرفة بالكواكب ومواقعها ووجدت في كتبهم من التخلف ولا سيما في كتب الأنواء من حكاياتهم عن العرب والرواة عنهم أشياء من المنازل وسائر الكواكب ظاهره الفساد عزمت مرات كثيرة على إظهار ذلك وكشفه والكتاب يعتبر مراجعة لما رصد الفلكي اليوناني بطليموس وقد انتشر هذا الكتاب بشكل واسع وقد ترجم إلى اللاتينية , وترجمه نصير الدين الطوسي إلى الفارسية , كما ترجم إلى الفرنسية كذلك كذلك يوجد مادة جيده في كتاب الآثار الباقية للبيروني وقيل انه هو كتاب الأنواء لسنان بن ثابت بن قرة وقطعه أخرى لابأس بها أيضا في كتاب العمدة لابن رشيق القيرواني
كذلك يوجد ماده في الأنواء جدا مهمة, في كتابي صبح الأعشى للقلقشندى وروح المعاني في تفسير القران العظيم والسبع المثاني للألوسي وهذه القطعة الموجودة ,في هذين الكتابين غنية بالمادة العلمية ولم أرى بعد كتب الأنواء افضل منهما وقد جمعت هذه المادة من جميع الكتب المتقدمة وأفردتها في كتاب اسميته مذاهب العرب في الأنواء ولعلي ان شاء الله اظهره بالشكل الجيد الذي يجمع لنا ويقرب هذه المادة العلمية العربية الاصل والمنشأ وهذه السطور التي جرى بها القلم وتقدمت ماهي إلا اقتباس من مقدمته"
هذا الكلام الذى قاله الحربى عن كتب علم الأنواء وتحقيقها من قبل الدليمى وغيره هو من قبيل ما قيل فى أصناف الكتب كلها حيث المعظم ينقلون من مصادر معينة غالبا ما تكون مجهولة أو تعمد البعض إضاعتها والأغرب فى مجال علم الأنواء أن القليل منه مرتبط بالجو بينما الباقى وهو الجزء الأكبر فى تلك الكتب هو الجانب اللغوى من أشعار وأمثال جمعت من هنا وهناك لتؤلف المادة العلمية التى ليست بحقائق علمية وإنما مجرد خبرات حياتية أو خرافات
ثم حدثنا الحربى عن الكتب المعاصرة فى هذا الفن فقال:
"أما من الكتب المعاصرة التي تعنى بهذا الفن فهناك الكثير ولكن لا اعلم ما استطيع القول به إلا ان هنالك جهد مبارك من الأستاذ خالد العجاج الذي قام بشرح ارجوزة الكواكب على منتديات مكشات تحت مسمى أبهى المواكب شرح أرجوزة الكواكب فقد قام بشرح الأنواء والمجموعات النجمية , شرحا بديعا لم أرى له مثيل , فقد كان يتحرى الدقة بالرواية والدراية فأسال الله له التوفيق والسداد وان يلبسه ثوب الصحة والعافية فقد استفدنا من خلال شروحه الشيء الكثير وارتفع كل لبس بجهده المبارك.
وأسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يرحمني، وأن يعفو عني، وأن يتجاوز عما وقع مني من خطأ أو غفلة، {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}."
وما ذكره الحربى هنا أمر غريب فالمفروض فيما يسمونه عصر العلم زورا أن يقوم البعض بتجميع الحقائق والخرافات فى الموضوع معتمدا على رءوس الموضوعات التالية:
الموجود فى كتب التراث بدون تكرار للمعلومات
المناقشة العلمية لهذه المعلومات القديمة
تجميع أمثال كل بلد التى قيلت فى شهور تقويمها المحلى والمرتبطة بالجو والزراعة
مناقشة كل مثل مناقشة علمية
هناك كتيبات صغيرة تصدر عن مجموعة من الناس تقوم فيها بالتوقعات المناخية وكانت تباع قديما وقد اطلعت على بعض منها وأنا طفل وكذلك كانت التقاويم السنوية التى يسمونها نتيجة العام التى هى عبارة عن366 صفحة من القطع الصغيرة تكتب فى كل ورقة منها اليوم بالتاريخ الميلادى وفى جنب يكتب التاريخ الهجرى وفى جنب أخر يكتب التقويم المحلى وفى هامش فى أسفل الصفحة كان يكتب المتوقع مناخيا فى ذلك اليوم
هذا الكتيبات لابد من جمعها من مختلف البلاد ودراستها وهى كما قلت فى أول النقد يصدق بعضها ويكذب بعضها كما هو الحال فى النشرات الجوية التى تذاع يوميا فى التلفازات والمذياع
دراسة ما يسمى صور الأقمار الصناعية للسحب وغيرها لأنها هى التى حلت محل التوقعات فى تلك الكتيبات الصغيرة التى كان الفلكيون يصدرونها
الكتاب من تأليف بندر بن سعد زاكي الحربي وهو يدور حول ما سماه الكاتب علم الأنواء وقد استهل الحربى الكتاب بتعريف الأنواء فقال
"أما بعد:
الأنواء جمع نوء من ناء ينوء نوءا إذا مال وسقط قال الله تعالى "إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين "
" لتنوء " أي: تثقل "بالعصبة "، الباء للتعدية، يقال: ناء به الحمل أي: أثقله حتى أماله.
وهو سقوط نجم من أنجم منازل القمر من جهة المغرب فجرا وطلوع آخر يقابله في جهة المشرق في نفس الوقت وذلك قبل أمحاق النجوم بضوء الصبح وقيل انه الطالع لأنه إذا طلع ناء بثقل كما يقال ناء بحمله إذا نهض به وقد أثقله وقيل انه من ألفاظ التضاد.
والعرب جعلت النوء للساقط فجرا والشواهد على ذلك كثيرة
قال الله عز وجل :وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا "
نأى بجانبه أي تباعد عنا بنفسه بان ترك التقرب إلى الله ونفهم من هذا المعنى أن نأى تأتي بمعنى تباعد والطالع لا ينطبق عليه هذا المعنى بل ينطبق على الساقط فهو المتباعد عنا وذلك لان الطالع تدركه الرؤية يوما بعد يوم حتى يكون واضحا للرؤية بعكس الساقط الذي يتباعد بالأفق حتى يختفي.
يقول ذو الرمة
أصاب الناس منقمس الثريا ... بساحية وأتبعها طلالا
ومنقمس الثريا غروبها وذلك حين تنغمس في المغرب وتسقط يقال: قمس في الماء ,اذا غاص فيه ,والطلال من الطل وهو الندى
قال ابن منظور " قمس في الماء يقمس قموسا انغط ثم ارتفع وقمسه هو فانقمس أي غمسه فيه فانغمس يتعدى ولا يتعدى وكل شيء ينغط في الماء ثم يرتفع فقد قمس ولعل هذا يتوافق أيضا مع من قال انه من ألفاظ التضاد"
وما نقله الحربى من نقول يبين تعاريفا لغوية لن نفهم منها تعريفا جامعا وقد نقلت التعريف من موقع كن على تواصل فعال مع العالم وهو:
"واصطلاحاً هو سقوط نجم ينسب إليه النوء، أي المطر وهبوب الريح في المغرب وطلوع رقيبه في المشرق، وقد يكون النوء للطالع من النجوم مشرقاً، ويطلق عليه اسم البارح، فيما الآخر المقابل له في المغرب، هو الساقط، وذلك لأن الساقط في زعمهم لا قوة له ولا تأثير. لاحظ العرب من خلال مراقبتهم حركات النجوم وانتقالها في أفلاكها، ومن اختلاف مواقع الشمس والقمر في منطقة البروج، أن ثمة ثمانية وعشرين منزلاً، هي عدة أيام الشهر القمري، ينزل القمر في كل واحد منها مرة في اليوم، والشمس تنزل في كل واحد منها مرة في العام لتمكث فيه مدة ثلاثة عشر يوماً تقريباً باستثناء المنزل المسمى (بالجبهة) فإن مدته أربعة عشر يوماً، (مجموع المنازل 365 يوماً عدة أيام السنة الشمسية)... هذه المنازل بنجومها المعروفة جيداً عند العرب هي التي نسبوا إليها حدوث المطر والريح والأنواء، وإن العلم بها هو العلم المسمى بالأنواء"
ومن ثم فعلم الأنواء هو ما يسمى حاليا توقع حالة الطقس وهو علم يقوم على أساس خاطىء وهو ارتباط المطر والريح ..بالنجوم والنجوم فى السماء ولا علاقة لها بما يحدث فى الأرض كما قال تعالى:
"ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح"
وما يحدث من مطر وسحاب وريح وغيره من متعلقات المناخ يكون فى الجو بين السماء والأرض كما قال تعالى "
إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون"
ومن ثم لا ارتباط بين النجوم وطلوعها وغروبها وبين سقوط المطر وسواه من المناخ ولهذا ينسب للنبى(ص) النهى عن القول مطرنا بنوء كذا فى رواية:
"أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"
وهى رواية صحيحة المعنى وحتى لا نترك الأمور بلا بيان أقول:
إن الناس فى كل بلد وهم ليسوا فلكيين ولا علماء بالأنواء علموا من خلال معيشتهم سنوات عديدة أن المطر يسقط فى شهور معينة ومن ثم ربط الفلاحون والزراعون على وجه الخصوص بين الشهور وما يحدث فيها عبر تقاويم محلية متعلقة بالزراعة والجو على وجه الخصوص وهذا الربط يصدق فى أحيان ويكذب فى أحيان كثيرة ومن أراد الإطلاع على ذلك فليراجع الأمثال المرتبطة بشهور تقويمه المحلى فمثلا فى مصر الحالية التقويم القبطى يخبرنا أن شهر بابه يجب الدخول للبيت وقفل الباب بسبب شدة الريح فيقول " بابه ادخل واقفل البوابة"ويقول " أمشير أبو الزعابيب الكتير" والمراد اشتداد الريح العاصفة فى الشهر المسمة أمشير
وحدثنا الحربى عن الكتب التى ألفت فى علم الأنواء فقال:
”مصادر علم الأنواء
لاشك ان علم الفلك الإسلامي له تأثير واضح على الحضارات وذلك من خلال الثورة العلمية التي حققها العلماء في ذلك الوقت ولا زالت بعض النجوم في السماء كالدبران والنسر الطائر والمراق تحتفظ بأسمائها العربية، وهي اسماء ورثها العالم الاسلامي عن العرب قبل الاسلام، وكذلك هناك بعض المصطلحات الفلكية كالسمت والمقنطرة كلها اسماء عربية ظلت وما زالت على اصلها العربي عدد كبير من المؤلفات الفلكية الإسلامية بقيت صامدة حتى الآن ويبلغ عددها حوالي عشرة آلاف مخطوطة منتشرة حول العالم وكثير منها لم يقرأ أو يحقق، ورغم ذلك يمكن تقدير حجم النشاط الإسلامي في علم الفلك, هذا وقد كان لمادة الانواء الفلكية نصيبها من هذا التصنيف إلا ان نصيبها كان قليلا جدا ومع هذا فقد بعث الله لها من يخرجها من الظلمات, الى النور تحقيقا وتعليقا, ودراسة وشرحا , فقد كان لمحمد نايف الدليمي , الجهد الذي اسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعله في ميزان حسناته , فقد كان رحمه الله حريصا على تراث العرب وعلومه , وقد اخرج لنا هذه المادة نقية بعد ما كانت مليئة بالتصحيف والخلط ولم يصل إلينا من كتب الأنواء إلا القليل وبه اختلاف وتعارض بين الروايات, إلا أن هنالك أجزاء لابأس بها في كتب اللغة والأدب تحت مسمى الأنواء والأزمنة, وكذلك بعض التفاسير , وهذا مما يدل على أن العرب كانت على علم ودراية بالأنواء ,والمعرفة الفلكية وعلى رأس هذه الكتب وأشهرها كتاب الأنواء في مواسم العرب الذي يعد المرجع الأساسي لصلب المادة العلمية المكتوبة التي بقت من هذا الفن والذي على مذهب العرب ألفه الإمام ابن قتيبة الدينوري وذكر فيه ما كانت عليه العرب في علم الأنواء , هذا الكتاب من أفضل الكتب في الأنواء ويعد أهم مصدر لعلم الأنواء.
أيضا هنالك كتاب آخر في الأنواء قيم وفريد من نوعه ولكن لم يصل إلينا بل مع الأسف انه فقد وهو كتاب أبى حنيفة الدينوري ويبدو أن هذا الكتاب من أفضل كتب الأنواء حيث يتضمن كل ما للعرب من العلم بالسماء والأنواء ومهاب الرياح والأزمنة، يقول العالم الفلكي عبدالرحمن الصوفي المتوفى سنة 376 هـ في مقدمة كتابه صور الكواكب الثمانية والأربعين "ووجدنا في الأنواء كتبا كثيرة أتمها وأكملها في فنه كتاب أبي حنيفة الدينوري ", ويقول ياقوت الحموي في معجم الأدباء من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة، وبيان العرب، له في كل فن ساق وقدم، ورواء وحكم، وهذا كلامه في الأنواء، يدل على حظ وافر من علم النجوم، وأسرار الفلك، وقد عول ابن سيده عليه في تأليف كتابه المخصص بنقل مادة الأنواء من هذا الكتاب, حيث يعتبر الجزء التاسع من كتاب المخصص جزء من كتاب الأنواء لأبي حنيفة الدينوري وكذلك المرزوقي ,وابن منظور , والزبيدي صاحب تاج العروس.
وقد اتهم المسعودي ابن قتيبة في سرقة هذا الكتاب ونقله إلى كتابه حيث يقول في كتابه مروج الذهب «فأما قبلة أهل المشرق والمغرب والتيمن والجنوبي، فقد ذكرنا جملا من ذلك في كتابنا أخبار الزمان وقد حرر ذلك في كتابه أبو حنيفة الدينوري وقد سلب ذلك ابن قتيبة، ونقله إلى كتبه نثلا وجعله عن نفسه ,وقد فعل ذلك في كثير من كتب أبى حنيفة الدينوري هذا وكان أبو حنيفة ذا محل من العلم كبير»
ولاشك أن هذا الكلام باطل ولا دليل عليه, لاسيما أن ابن قتيبة رجل عرف بالعلم والمعرفة وكان إمام عصره وعلى كل حال فقد نقل عن أبي حنيفة ابن سيده، والمرزوقي، وابن منظور، وصاحب تاج العروس، وعبد القادر البغدادي وغيرهم, وهذه النقولات موجودة ومنصوص على نسبتها إلى أبي حنيفة , وبإمكان القاري أن يتجول بين هذه النصوص ويرى هل ما نقل عن ابي حنيفة هو ما في كتاب ابن قتيبة , في الحقيقة ان هنالك اختلاف بينهما وفرق كبير فمادة الأنواء المنسوبة لأبي حنيفة والموجودة والمتفرقة في كثير من الكتب تختلف تماما عن ما هو موجود عند ابن قتيبة إلا ما هو دارج به اللسان ومتفق عليه في لغة العرب ..
ولكن ربما لأن ابن قتيبة كان من العلماء المنتصرين لأهل السنة، مما جعل المسعودي يطعن في مصداقيته، ولا غرابة في ذلك فهم يطعنون بصحابة رسول الله صلى الله علية وسلم يقول ابن تيمية " وابن قتيبة هو من المنتسبين إلى أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة وله في ذلك مصنفات متعددة قال فيه صاحب " كتاب التحديث بمناقب أهل الحديث ": وهو أحد أعلام الأئمة والعلماء والفضلاء أجودهم تصنيفا وأحسنهم ترصيفا له زهاء ثلاثمائة مصنف وكان يميل إلى مذهب أحمد وإسحاق وكان معاصرا لإبراهيم الحربي ومحمد بن نصر المروزي وكان أهل المغرب يعظمونه ويقولون: من استجاز الوقيعة في ابن قتيبة يتهم بالزندقة ويقولون: كل بيت ليس فيه شيء من تصنيفه فلا خير فيه قلت: ويقال هو لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة فإنه خطيب السنة كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة " ومن الكتب ايضا كتاب الأزمنة وتلبية الجاهلية لقطرب وهو من المصنفات الرائدة في موضوعه ويتضمن الكتاب حديث الأيام والليالي والشمس والقمر والليل والنهار والحر والقر والنجوم والأنواء وأسجاع العرب وهو كتاب جيد إلا انه لم يشبع مادة الأنواء، واكتفاء بمنازل القمر ذكرا فقط ولم يفصل القول في ذلك كذلك من الكتب الهامة في هذا الفن كتاب الأزمنة والأمكنة للمرزوقي وقد تسامح صاحب كشف الظنون في نسبة هذا الكتاب إلى قطرب المتوفى سنة 206 هـ ... ويمكن أن يكون الكتاب في الأصل لقطرب، رآه المرزوقي غير واف فتممه بلواحق وزوائد) وقد ذكرنا سابقا أن المرزوقي قد نقل عن أبي حنيفة وقد يعد هذا الكتاب من الكتب القلائل الباقية في الأنواء على مذهب العرب والمذاهب الأخرى وقد حققه محمد نايف الدليمي رحمه الله كذلك كتاب الأنواء والأزمنة للثقفي قال ابن الأبار: عن هذا الكتاب انه مفيد ومعروف بأيدي الناس، وقد حققه ايضا محمد نايف الدليمي رحمه الله، وقد قيل ان فيه نقول من كتاب الزجاج علما ان كتاب الزجاج في الأنواء نقلت مادته في عدة مصادر من هذه المصادر تفسير رسالة أدب الكتاب، لأبي القاسم عبد الرحمن ابن إسحاق الزجاجي التي شرح فيها مقدمة أدب الكاتب لابن قتيبة ,حيث نقل من كتاب الأنواء للزجاج قطعة جيده ,في منازل القمر والزجاجي هو احد أهم الرواة , ومن أخص تلامذة الزجاج، وإليه نسب بسبب ملازمته له، وقد أكثر من الرواية عن شيخه, منها رواية الأنواء ,وهنالك أيضا كتاب شرح أدب الكاتب للجواليقي الذي هو الاخر يشرح كتاب ابن قتيبة "أدب الكاتب" ,نقل ما قاله الزجاج في كتابه, عند ذكر باب معرفة ما في السماء, والنجوم والأزمان والرياح وكذلك محمود شكري الألوسي في كتابه بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب, نقل هو الاخر أيضا عن الزجاج أيضا كتاب الأزمنة والأنواء , لابن الاجدابي, كتاب جيد ويعد من الكتب المهمة في علم الأنواء , والكتاب مطبوع بتحقيق عزت حسن ومن أهم الكتب, بل ويعد موسوعة في هذا العلم ,كتاب صور الكواكب الثمانية والأربعين للصوفي من أشهر مؤلفاته , وأحد أشمل وأهم الكتب التي وضعت في هذا العلم في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي. ويتحدث فيه عن النجوم والصور النجومية التي ترى في السماء, ويستدل بها الفلكيون والبحارة في سفرهم وأرصادهمألفه الصوفي لعضد الدولة البويهي لتلافي أخطاء الفلكيين السابقين يقول الصوفي: "إني رأيت كثيرا من الناس يخوضون في طلب معرفة الكواكب الثابتة ومواقعها من الفلك وصورها ووجدتهم على فرقتين إحداهما تسلك طريق المنجمين ومعولها على كرات مصورة من عمل من لم يعرف الكواكب بأعيانها وإنما عولوا على ما وجدوه في الكتب من أطوالها وعروضها فرسموه في الكرة من غير معرفة بصوابها من خطئها , وأما الفرقة الأخرى فإنها سلكت طريق العرب في معرفة الأنواء ومنازل القمر ومعولهم على ما وجدوه في الكتب المؤلفة في هذا المعنى يقول لما رأيت هؤلاء القوم مع ذكرهم في الآفاق وتقدمهم في الصناعة وإقتداء الناس بهم قد تبع كل واحد منهم من تقدمه من غير تأمل لخطئه وصوابه بالعيان والنظر حتى ظن كل من نظر في مؤلفاتهم أن ذلك عن معرفة بالكواكب ومواقعها ووجدت في كتبهم من التخلف ولا سيما في كتب الأنواء من حكاياتهم عن العرب والرواة عنهم أشياء من المنازل وسائر الكواكب ظاهره الفساد عزمت مرات كثيرة على إظهار ذلك وكشفه والكتاب يعتبر مراجعة لما رصد الفلكي اليوناني بطليموس وقد انتشر هذا الكتاب بشكل واسع وقد ترجم إلى اللاتينية , وترجمه نصير الدين الطوسي إلى الفارسية , كما ترجم إلى الفرنسية كذلك كذلك يوجد مادة جيده في كتاب الآثار الباقية للبيروني وقيل انه هو كتاب الأنواء لسنان بن ثابت بن قرة وقطعه أخرى لابأس بها أيضا في كتاب العمدة لابن رشيق القيرواني
كذلك يوجد ماده في الأنواء جدا مهمة, في كتابي صبح الأعشى للقلقشندى وروح المعاني في تفسير القران العظيم والسبع المثاني للألوسي وهذه القطعة الموجودة ,في هذين الكتابين غنية بالمادة العلمية ولم أرى بعد كتب الأنواء افضل منهما وقد جمعت هذه المادة من جميع الكتب المتقدمة وأفردتها في كتاب اسميته مذاهب العرب في الأنواء ولعلي ان شاء الله اظهره بالشكل الجيد الذي يجمع لنا ويقرب هذه المادة العلمية العربية الاصل والمنشأ وهذه السطور التي جرى بها القلم وتقدمت ماهي إلا اقتباس من مقدمته"
هذا الكلام الذى قاله الحربى عن كتب علم الأنواء وتحقيقها من قبل الدليمى وغيره هو من قبيل ما قيل فى أصناف الكتب كلها حيث المعظم ينقلون من مصادر معينة غالبا ما تكون مجهولة أو تعمد البعض إضاعتها والأغرب فى مجال علم الأنواء أن القليل منه مرتبط بالجو بينما الباقى وهو الجزء الأكبر فى تلك الكتب هو الجانب اللغوى من أشعار وأمثال جمعت من هنا وهناك لتؤلف المادة العلمية التى ليست بحقائق علمية وإنما مجرد خبرات حياتية أو خرافات
ثم حدثنا الحربى عن الكتب المعاصرة فى هذا الفن فقال:
"أما من الكتب المعاصرة التي تعنى بهذا الفن فهناك الكثير ولكن لا اعلم ما استطيع القول به إلا ان هنالك جهد مبارك من الأستاذ خالد العجاج الذي قام بشرح ارجوزة الكواكب على منتديات مكشات تحت مسمى أبهى المواكب شرح أرجوزة الكواكب فقد قام بشرح الأنواء والمجموعات النجمية , شرحا بديعا لم أرى له مثيل , فقد كان يتحرى الدقة بالرواية والدراية فأسال الله له التوفيق والسداد وان يلبسه ثوب الصحة والعافية فقد استفدنا من خلال شروحه الشيء الكثير وارتفع كل لبس بجهده المبارك.
وأسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يرحمني، وأن يعفو عني، وأن يتجاوز عما وقع مني من خطأ أو غفلة، {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}."
وما ذكره الحربى هنا أمر غريب فالمفروض فيما يسمونه عصر العلم زورا أن يقوم البعض بتجميع الحقائق والخرافات فى الموضوع معتمدا على رءوس الموضوعات التالية:
الموجود فى كتب التراث بدون تكرار للمعلومات
المناقشة العلمية لهذه المعلومات القديمة
تجميع أمثال كل بلد التى قيلت فى شهور تقويمها المحلى والمرتبطة بالجو والزراعة
مناقشة كل مثل مناقشة علمية
هناك كتيبات صغيرة تصدر عن مجموعة من الناس تقوم فيها بالتوقعات المناخية وكانت تباع قديما وقد اطلعت على بعض منها وأنا طفل وكذلك كانت التقاويم السنوية التى يسمونها نتيجة العام التى هى عبارة عن366 صفحة من القطع الصغيرة تكتب فى كل ورقة منها اليوم بالتاريخ الميلادى وفى جنب يكتب التاريخ الهجرى وفى جنب أخر يكتب التقويم المحلى وفى هامش فى أسفل الصفحة كان يكتب المتوقع مناخيا فى ذلك اليوم
هذا الكتيبات لابد من جمعها من مختلف البلاد ودراستها وهى كما قلت فى أول النقد يصدق بعضها ويكذب بعضها كما هو الحال فى النشرات الجوية التى تذاع يوميا فى التلفازات والمذياع
دراسة ما يسمى صور الأقمار الصناعية للسحب وغيرها لأنها هى التى حلت محل التوقعات فى تلك الكتيبات الصغيرة التى كان الفلكيون يصدرونها