رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نظرات فى كتاب صور من الاعتداء في الدعاء
المؤلف خالد بن عثمان السبت وقد استهل الكلام بأن من الإسلام الطلب من الله فقال :
"أما بعد:
فلا ريب أن اللجوء إلى الله تعالى فطرة فطر الله العباد عليها، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة، كما أن الدعاء عبادة عظيمة تعد من أجل الطاعات وأفضل القربات، بل عده النبي هو العبادة كما روى ذلك أبو داود وغيره من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه مرفوعا:
"الدعاء هو العبادة، قال ربكم ادعوني أستجب لكم"
والخطأ هو الاستشهاد بالحديث على أن العبادة هى الدعاء أى طلب الأمور كالرزق والصحة من الله بينما الدعاء هنا طاعة أحكام الله
وحدثنا عن الاعتداء فى الدعاء من خلال آية فقال:
"وقد تظافرت النصوص من الكتاب والسنة في طلبه والثناء على أربابه وهذا أمر معلوم لكل أحد إلا أن هذه العبادة الشريفة التي تقرب العبد إلى ربه تبارك وتعالى قد يشوبها ما يجعلها موجبة لمقت الله عز وجل وغضبه. قال الله تعالى ((ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين)) فهذه الآية تضمنت الأمر بالدعاء بالوصفين المذكورين أولا، كما تضمن ما يدل على النهي وذلك في قوله (إنه لا يحب المعتدين) فهذا يدل على النهي عن الاعتداء في الدعاء."
ثم عرف الاعتداء فقال :
وحقيقة الاعتداء: مجاوزة حد ما وقيل: تجاوز الحد في كل شيء.
وقد تقاربت أقوال العلماء في بيان معناه هنا - أي المتعلق بالدعاء - وذلك عند تفسيرهم لقوله تعالى (إنه لا يحب المعتدين) .
فقال ابن جرير رحمه الله: »إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حده الذي حده لبعاده في دعائه وفي غير ذلك من الأمور«.
وقال الطرطوشي: »يعني المجاوزين في الدعاء ما أمروا به«.
وقال القرطبي: »والمعتدي هو المجاوز للحد ومرتكب الحظر«.
وقال ابن القيم بعد أن ذكر بعض أنواع الاعتداء في الدعاء: »فكل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله"
وألآية التى استدل بها وتحدث عن تفسير القوم لها ليست فى الدعاء الطلبى وإنما فى طاعة الله وهو الإصلاح لأن ألاية بعدها تحدثت عن الإصلاح وهو طاعة حكم الله والنهى عن الفساد وهو عصيان حكم الله وهى :
"ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا فى الأرض بعد اصلاحها"
فالاعتداء هنا معناه الكفر وهو عصيان حكم الله لأنه لو كان المقصود به الدعاء ما نهى الله عن الفساد
ودخل السبت لنا على صور الاعتداء فى الدعاء الطلبى فقال :
"ولما كان هذا الأمر - أعني الاعتداء في الدعاء - يكثر وقوعه، رأيت أن الحاجة ماسة للحديث عن هذه الآفة ليحذرها المسلم.
والاعتداء في الدعاء تارة يكون في الأداء والطريقة، وتارة يكون في الألفاظ والمعاني، ويتفرع عن ذلك أمور كثيرة، وسوف أذكر في هذا المقام عشرين نوعا من أنواع الاعتداء التي يدخل تحت كل نوع منها صور كثيرة:
النوع الأول: أن يشتمل الدعاء على شيء من الشرك: وهذا من أسوأ الاعتداء وأشنعه كما لا يخفى لأن الدعاء عبادة لا يجوز صرفه لغير الله عز وجل.
النوع الثاني: أن يطلب نفي ما دل السمع على ثبوته: كأن يدعو لكافر أن لا يعذب أو يخلد في النار، أو يسأل ربه أن لا يبتليه أبدا، أو لا يبعثه، أو أن لا يدخل أحدا من المسلمين النار، أو أن لا تقوم الساعة...، ونحو ذلك.
النوع الثالث: أن يطلب ثبوت ما دل السمع على نفيه كأن يدعو على مؤمن أن يخلده الله في النار، أو يدعو لكافر أن يدخله الله الجنة، أو يدعوا لنفسه أو لغيره - غير النبي -صلى الله عليه وسلم- - أن يكون أول من تنشق عنه الأرض، أو أول من يدخل الجنة.
أو يسأل ربه الخلود إلى يوم القيامة، أو يطلب الاطلاع على الغيب، أو يسأل العصمة من الخطأ والذنوب مطلقا.
النوع الرابع: أن يطلب نفي ما دل العقل على ثبوته.
النوع الخامس: أن يطلب إثبات ما دل العقل على نفيه، كأن يسأل ربه أن يجعله في مكانين في وقت واحد، أو كأن يشهد الحج وفي نفس الوقت يكون مرابطا في الثغور، أو يدعوا على عدوه أن يكون غير موجود ولا معدوم، أو غير حي ولا ميت »أعني الحياة والموت الحقيقية«.
وهذا النوع والذي قبله ذكرتهما تكملة للقسمة في مقام التفصيل والتبيين الذي يغتفر فيه ما لا يغتفر في مقام الإجمال، ولا يخفى ما بين العقل والنقل من الموافقة.
النوع السادس: أن يسأل ما هو من قبيل المحال عادة: كأن يطلب ربه أن يرفع عنه لوازم البشرية بأن يستغنى عن الطعام والشراب، أو النفس،. أو يطلب الولد ولم يتزوج أو يتسرى، أو يسأل الثمر من غير زرع، أو يدعو ربه أن يعطيه جبلا من ذهب، أو يمطر عليه السماء ذهبا وفضة، أو يسأل الطيران دون فعل أسبابه العادية المعروفة، أو النصر على الأعداء (وأن يجعلهم الله غنيمة للمسلمين) ولم يعد لذلك العدة، وكأن يسأل النجاح دون دراسة.
النوع السابع: أن يطلب نفي أمر دل السمع على نفيه، فهذا من قبيل تحصيل الحاصل.
كأن يقول: اللهم لا تهلك هذه الأمة بعامة، ولا تسلط عليها عدوا من سوى أنفسها فيستبيح بيضتها فهذان أمران دعا بهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وأجيبت دعوته وأخبرنا بذلك، فإن دعوت بذلك كان من قبيل ما ذكرت والله أعلم، ومن ذلك أن يدعو ربه أن لا يدخل الكفار الجنة إن ماتوا على كفرهم."
والخطأ فى النوع السابع هو أن هذه الأمة لا يستبيح بيضتها سوى أبناءها وهو ما يخالف أن الله سلط عليها أعدائها أيضا مثلما حدث فى غزوات بدر وأحد والأحزاب وحنين والذى قال فيه :
" ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين"
ثم أكمل بقية أنواع الدعاء الطلبى المحرمة فقال :
النوع الثامن: طلب ثبوت أمر دل السمع على ثبوته، وهذا مثل الذي قبله، لكن يفرق في صور عدة بين الدعاء لمعين وبين الدعاء العام.
"النوع التاسع: أن يعلق الدعاء على المشيئة، قال البخاري في صحيحه: »باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له« وذكر تحته حديثين:
الأول: حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : »إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له والثاني: حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت -، ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له .
النوع العاشر: الدعاء على من لا يستحقه. (أي: يظلم في دعائه): أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: »لا يزال يستجاب للعبد مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم""
والخطأ هو الاستجابة للعيد ما لم يدع بلإثم أو قطيعة رحم وهو ما يخالف أن الاستجابة لا تتوقف على نوعية الدعاء وإنما تتوقف على مشيئة الله المسبقة التى نسميها القضاء والقدر قما قدره الله يقع مهما دعونا وفى هذا قال تعالى :
" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"
وقال فى توقف الإجابة على مشيئته :
"بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء"
ثم قال :
وقد جاء في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- - كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: »رب أعني ولا تعن علي - إلى أن قال - وانصرني على من بغي علي..«.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: »فقوله: وانصرني على من بغى علي« دعاء عادل لا دعاء معتد يقول: انصرني على عدوى مطلقا.
ومن الاعتداء قول الأعرابي: »اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا« فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- : »لقد تحجرت واسعا« يريد رحمة الله«.
النوع الحادي عشر: طلب تحصيل المحرم شرعا: كأن يسأل ربه أن ييسر له خمرا يشربها، أو خنزيرا يأكله، أو امرأة يزني بها، أو مالا يسرقه، أو وقتا ومالا ليسافر إلى بلاد الكفر أو الفسق بلا حاجة معتبرة.
النوع الثاني عشر: رفع الصوت فوق الحاجة .
فإذا كان الإنسان يدعو بمفردة فالأصل في ذلك الإسرار بالمناجاة كما قال تعالى: ((ادعوا ربكم تضرعا وخفية ))».
لكن إن كان معه من يؤمن على دعائه، كالإمام في القنوت، أو الاستسقاء أو نحو ذلك، فإنه يرفع صوته على قدر الحاجة، ويؤمن من خلفه على دعائه دون صياح ورفع زائد على القدر المحتاج إليه؛ لأن ذلك قد يتنافى والأدب مع الله عز وجل."
وعاد السبت إلى التفاسير التى اجتمعت على كون ألاية فى الدعاء الطلبى وليس فى الدعاء بمعنى طاعة أحكام الله فقال :
"وقد فسر بعض السلف قوله تعالى: (إنه لا يحب المعتدين) بالذين يرفعون أصواتهم رفعا زائدا على الحاجة .
قال ابن المنير »وحسبك في تعين الإسرار في الدعاء اقترانه بالتضرع في الآية، فالإخلال به كالإخلال بالضراعة إلى الله في الدعاء، وإن دعاء لا تضرع فيه ولا خشوع لقليل الجدوى، فكذلك دعاء لا خفية ولا وقار يصحبه.
فائدة: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم فوائد كثيرة تتعلق بخفض الصوت والإسرار بالدعاء."
والحقيقة أن الدعاء يكون بالجهر والإسرار والتوسط بينها على حسب حالة الداعى
ثم قال :
النوع الثالث عشر: أن يدعو ربه دعاء غير متضرع، بل دعاء مدل كالمستغني بما عنده المدل على ربه به.
قال ابن القيم: »وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد«.
النوع الرابع عشر: أن يسمي الله بغير أسمائه، ويثني عليه بما لم يثن به على نفسه ولم يأذن فيه، وهذا ظاهر لا يخفى.
النوع الخامس عشر: أن يسأل ما لا يصلح له: مثل أن يسأل منازل الأنبياء، أو أن يكون ملكا لا يحتاج إلى طعام ولا شراب، أو أن يعطى خزائن الأرض، أو يكشف له عن الغيب، أو غير ذلك مما هو من خصائص الربوبية أو النبوة.
النوع السادس عشر: تكثير الكلام الذي لا حاجة له، والتطويل في تشقيق العبارات، والتكلف في ذكر التفاصيل، كأن يدعو ربه أن يرحمه إذا وضع في اللحد تحت التراب والثرى، وبين الصديد والدود، وأن يرحمه إذا سالت العيون وبليت اللحوم، وأن يرحمه إذا تولى الأصحاب، وقسم ماله وترك دنياه، أو يدعو على عدوه أن يخرس الله لسانه، ويشل يده، ويجمد الدم في عروقه وأن يسلب عقله فيكون مع المجانين.. إلخ.
أخرج أبو داود وغيره عن أبى نعامة عن ابن سعد »ابن ابي وقاص« أنه قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها، وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، وكذا وكذا، فقال: يابني: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: »سيكون قوم يعتدون في الدعاء« فإياك أن تكون منهم، إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر«.
وأخرج أيضا عن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: »اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني، سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: »إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء«.
ولا شك أن هذا مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتخير من الدعاء أجمعه.
أخرج أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: »كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك«.
وأخرج أيضا عن قتادة أنه سأل أنسا رضي الله عنه: أي دعوة كان يدعو بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها. »اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار«.
وجاء عند البخاري من حديث أنس: »كان أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- : »ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار«.
النوع السابع عشر: أن يتقصد السجع في الدعاء ويتكلفه.
قال البخاري في صحيحه: »باب ما يكره من السجع في الدعاء« ثم ذكر أثرا عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: »حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثرت فثلاث مرات، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملهم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه. فانظر السجع في الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب«.
قال الحافظ: »ولا يرد على ذلك ما وقع في الأحاديث الصحيحة؛ لأن ذلك كان يصدر من غير قصد إليه، ولأجل هذا يجيء في غاية الانسجام كقوله -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد: »اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب« وكقوله -صلى الله عليه وسلم- : »صدق وعده، وأعز جنده« الحديث، وكقوله: »أعوذ بك من عين لا تدمع، ونفس لا تشبع، وقلب لا يخشع« وكلها صحيحة، قال الغزالي: »المكروه من السجع هو المتكلف، لأنه لا يلائم الضراعة والذلة، وإلا ففي الأدعية المأثورة كلمات متوازية لكنها غير متكلفة«.
ثم ذكر كلاما قال بعده: »وقد تتبعت دعوات الأنبياء والمرسلين، والمصطفين من عبادة المخبتين، واستخرجت ما وجدت في القرآن من ذلك فوجدت جميعها: (ربنا ربنا) أو »رب«، ثم أورد جملة من الأدعية الواردة في القرآن ليدلل على ذكره
النوع الثامن عشر: قصد التشهق كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بحيث لا يكون ذلك بسبب غلبة البكاء وإنما هو أمر يعتمده ويطلبه.
النوع التاسع عشر: أن يتخذ دعاء من غير الوارد في الكتاب والسنة بحيث يصير ذلك شعارا له يداوم عليه كمن يخصص دعاء معينا بقوله عند ختم القرآن أو غير ذلك.
النوع العشرون: التغني والتلحين والمطيط، قال المناوي: »قال الكمال ابن الهمام: ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط، والمبالغة في الصياح، والاشتغال بتحريرات النغم إظهارا للصناعة النغمية، لا إقامة للعبودية، فإنه لا يقتضي الإجابة، بل هو من مقتضيات الرد، وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس به، فكأنه قال أعجبوا من حسن صوتي وتحريري"
وما ذكره السبت من الاعتداءات الكثير جدا منه صحيح عدا ما علقنا عليه
المؤلف خالد بن عثمان السبت وقد استهل الكلام بأن من الإسلام الطلب من الله فقال :
"أما بعد:
فلا ريب أن اللجوء إلى الله تعالى فطرة فطر الله العباد عليها، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة، كما أن الدعاء عبادة عظيمة تعد من أجل الطاعات وأفضل القربات، بل عده النبي هو العبادة كما روى ذلك أبو داود وغيره من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه مرفوعا:
"الدعاء هو العبادة، قال ربكم ادعوني أستجب لكم"
والخطأ هو الاستشهاد بالحديث على أن العبادة هى الدعاء أى طلب الأمور كالرزق والصحة من الله بينما الدعاء هنا طاعة أحكام الله
وحدثنا عن الاعتداء فى الدعاء من خلال آية فقال:
"وقد تظافرت النصوص من الكتاب والسنة في طلبه والثناء على أربابه وهذا أمر معلوم لكل أحد إلا أن هذه العبادة الشريفة التي تقرب العبد إلى ربه تبارك وتعالى قد يشوبها ما يجعلها موجبة لمقت الله عز وجل وغضبه. قال الله تعالى ((ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين)) فهذه الآية تضمنت الأمر بالدعاء بالوصفين المذكورين أولا، كما تضمن ما يدل على النهي وذلك في قوله (إنه لا يحب المعتدين) فهذا يدل على النهي عن الاعتداء في الدعاء."
ثم عرف الاعتداء فقال :
وحقيقة الاعتداء: مجاوزة حد ما وقيل: تجاوز الحد في كل شيء.
وقد تقاربت أقوال العلماء في بيان معناه هنا - أي المتعلق بالدعاء - وذلك عند تفسيرهم لقوله تعالى (إنه لا يحب المعتدين) .
فقال ابن جرير رحمه الله: »إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حده الذي حده لبعاده في دعائه وفي غير ذلك من الأمور«.
وقال الطرطوشي: »يعني المجاوزين في الدعاء ما أمروا به«.
وقال القرطبي: »والمعتدي هو المجاوز للحد ومرتكب الحظر«.
وقال ابن القيم بعد أن ذكر بعض أنواع الاعتداء في الدعاء: »فكل سؤال يناقض حكمة الله، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله"
وألآية التى استدل بها وتحدث عن تفسير القوم لها ليست فى الدعاء الطلبى وإنما فى طاعة الله وهو الإصلاح لأن ألاية بعدها تحدثت عن الإصلاح وهو طاعة حكم الله والنهى عن الفساد وهو عصيان حكم الله وهى :
"ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا فى الأرض بعد اصلاحها"
فالاعتداء هنا معناه الكفر وهو عصيان حكم الله لأنه لو كان المقصود به الدعاء ما نهى الله عن الفساد
ودخل السبت لنا على صور الاعتداء فى الدعاء الطلبى فقال :
"ولما كان هذا الأمر - أعني الاعتداء في الدعاء - يكثر وقوعه، رأيت أن الحاجة ماسة للحديث عن هذه الآفة ليحذرها المسلم.
والاعتداء في الدعاء تارة يكون في الأداء والطريقة، وتارة يكون في الألفاظ والمعاني، ويتفرع عن ذلك أمور كثيرة، وسوف أذكر في هذا المقام عشرين نوعا من أنواع الاعتداء التي يدخل تحت كل نوع منها صور كثيرة:
النوع الأول: أن يشتمل الدعاء على شيء من الشرك: وهذا من أسوأ الاعتداء وأشنعه كما لا يخفى لأن الدعاء عبادة لا يجوز صرفه لغير الله عز وجل.
النوع الثاني: أن يطلب نفي ما دل السمع على ثبوته: كأن يدعو لكافر أن لا يعذب أو يخلد في النار، أو يسأل ربه أن لا يبتليه أبدا، أو لا يبعثه، أو أن لا يدخل أحدا من المسلمين النار، أو أن لا تقوم الساعة...، ونحو ذلك.
النوع الثالث: أن يطلب ثبوت ما دل السمع على نفيه كأن يدعو على مؤمن أن يخلده الله في النار، أو يدعو لكافر أن يدخله الله الجنة، أو يدعوا لنفسه أو لغيره - غير النبي -صلى الله عليه وسلم- - أن يكون أول من تنشق عنه الأرض، أو أول من يدخل الجنة.
أو يسأل ربه الخلود إلى يوم القيامة، أو يطلب الاطلاع على الغيب، أو يسأل العصمة من الخطأ والذنوب مطلقا.
النوع الرابع: أن يطلب نفي ما دل العقل على ثبوته.
النوع الخامس: أن يطلب إثبات ما دل العقل على نفيه، كأن يسأل ربه أن يجعله في مكانين في وقت واحد، أو كأن يشهد الحج وفي نفس الوقت يكون مرابطا في الثغور، أو يدعوا على عدوه أن يكون غير موجود ولا معدوم، أو غير حي ولا ميت »أعني الحياة والموت الحقيقية«.
وهذا النوع والذي قبله ذكرتهما تكملة للقسمة في مقام التفصيل والتبيين الذي يغتفر فيه ما لا يغتفر في مقام الإجمال، ولا يخفى ما بين العقل والنقل من الموافقة.
النوع السادس: أن يسأل ما هو من قبيل المحال عادة: كأن يطلب ربه أن يرفع عنه لوازم البشرية بأن يستغنى عن الطعام والشراب، أو النفس،. أو يطلب الولد ولم يتزوج أو يتسرى، أو يسأل الثمر من غير زرع، أو يدعو ربه أن يعطيه جبلا من ذهب، أو يمطر عليه السماء ذهبا وفضة، أو يسأل الطيران دون فعل أسبابه العادية المعروفة، أو النصر على الأعداء (وأن يجعلهم الله غنيمة للمسلمين) ولم يعد لذلك العدة، وكأن يسأل النجاح دون دراسة.
النوع السابع: أن يطلب نفي أمر دل السمع على نفيه، فهذا من قبيل تحصيل الحاصل.
كأن يقول: اللهم لا تهلك هذه الأمة بعامة، ولا تسلط عليها عدوا من سوى أنفسها فيستبيح بيضتها فهذان أمران دعا بهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وأجيبت دعوته وأخبرنا بذلك، فإن دعوت بذلك كان من قبيل ما ذكرت والله أعلم، ومن ذلك أن يدعو ربه أن لا يدخل الكفار الجنة إن ماتوا على كفرهم."
والخطأ فى النوع السابع هو أن هذه الأمة لا يستبيح بيضتها سوى أبناءها وهو ما يخالف أن الله سلط عليها أعدائها أيضا مثلما حدث فى غزوات بدر وأحد والأحزاب وحنين والذى قال فيه :
" ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين"
ثم أكمل بقية أنواع الدعاء الطلبى المحرمة فقال :
النوع الثامن: طلب ثبوت أمر دل السمع على ثبوته، وهذا مثل الذي قبله، لكن يفرق في صور عدة بين الدعاء لمعين وبين الدعاء العام.
"النوع التاسع: أن يعلق الدعاء على المشيئة، قال البخاري في صحيحه: »باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له« وذكر تحته حديثين:
الأول: حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : »إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له والثاني: حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت -، ليعزم المسألة فإنه لا مستكره له .
النوع العاشر: الدعاء على من لا يستحقه. (أي: يظلم في دعائه): أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: »لا يزال يستجاب للعبد مالم يدع بإثم أو قطيعة رحم""
والخطأ هو الاستجابة للعيد ما لم يدع بلإثم أو قطيعة رحم وهو ما يخالف أن الاستجابة لا تتوقف على نوعية الدعاء وإنما تتوقف على مشيئة الله المسبقة التى نسميها القضاء والقدر قما قدره الله يقع مهما دعونا وفى هذا قال تعالى :
" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"
وقال فى توقف الإجابة على مشيئته :
"بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء"
ثم قال :
وقد جاء في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- - كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: »رب أعني ولا تعن علي - إلى أن قال - وانصرني على من بغي علي..«.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: »فقوله: وانصرني على من بغى علي« دعاء عادل لا دعاء معتد يقول: انصرني على عدوى مطلقا.
ومن الاعتداء قول الأعرابي: »اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا« فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- : »لقد تحجرت واسعا« يريد رحمة الله«.
النوع الحادي عشر: طلب تحصيل المحرم شرعا: كأن يسأل ربه أن ييسر له خمرا يشربها، أو خنزيرا يأكله، أو امرأة يزني بها، أو مالا يسرقه، أو وقتا ومالا ليسافر إلى بلاد الكفر أو الفسق بلا حاجة معتبرة.
النوع الثاني عشر: رفع الصوت فوق الحاجة .
فإذا كان الإنسان يدعو بمفردة فالأصل في ذلك الإسرار بالمناجاة كما قال تعالى: ((ادعوا ربكم تضرعا وخفية ))».
لكن إن كان معه من يؤمن على دعائه، كالإمام في القنوت، أو الاستسقاء أو نحو ذلك، فإنه يرفع صوته على قدر الحاجة، ويؤمن من خلفه على دعائه دون صياح ورفع زائد على القدر المحتاج إليه؛ لأن ذلك قد يتنافى والأدب مع الله عز وجل."
وعاد السبت إلى التفاسير التى اجتمعت على كون ألاية فى الدعاء الطلبى وليس فى الدعاء بمعنى طاعة أحكام الله فقال :
"وقد فسر بعض السلف قوله تعالى: (إنه لا يحب المعتدين) بالذين يرفعون أصواتهم رفعا زائدا على الحاجة .
قال ابن المنير »وحسبك في تعين الإسرار في الدعاء اقترانه بالتضرع في الآية، فالإخلال به كالإخلال بالضراعة إلى الله في الدعاء، وإن دعاء لا تضرع فيه ولا خشوع لقليل الجدوى، فكذلك دعاء لا خفية ولا وقار يصحبه.
فائدة: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم فوائد كثيرة تتعلق بخفض الصوت والإسرار بالدعاء."
والحقيقة أن الدعاء يكون بالجهر والإسرار والتوسط بينها على حسب حالة الداعى
ثم قال :
النوع الثالث عشر: أن يدعو ربه دعاء غير متضرع، بل دعاء مدل كالمستغني بما عنده المدل على ربه به.
قال ابن القيم: »وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد«.
النوع الرابع عشر: أن يسمي الله بغير أسمائه، ويثني عليه بما لم يثن به على نفسه ولم يأذن فيه، وهذا ظاهر لا يخفى.
النوع الخامس عشر: أن يسأل ما لا يصلح له: مثل أن يسأل منازل الأنبياء، أو أن يكون ملكا لا يحتاج إلى طعام ولا شراب، أو أن يعطى خزائن الأرض، أو يكشف له عن الغيب، أو غير ذلك مما هو من خصائص الربوبية أو النبوة.
النوع السادس عشر: تكثير الكلام الذي لا حاجة له، والتطويل في تشقيق العبارات، والتكلف في ذكر التفاصيل، كأن يدعو ربه أن يرحمه إذا وضع في اللحد تحت التراب والثرى، وبين الصديد والدود، وأن يرحمه إذا سالت العيون وبليت اللحوم، وأن يرحمه إذا تولى الأصحاب، وقسم ماله وترك دنياه، أو يدعو على عدوه أن يخرس الله لسانه، ويشل يده، ويجمد الدم في عروقه وأن يسلب عقله فيكون مع المجانين.. إلخ.
أخرج أبو داود وغيره عن أبى نعامة عن ابن سعد »ابن ابي وقاص« أنه قال: سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها، وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، وكذا وكذا، فقال: يابني: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: »سيكون قوم يعتدون في الدعاء« فإياك أن تكون منهم، إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر«.
وأخرج أيضا عن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: »اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني، سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: »إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء«.
ولا شك أن هذا مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتخير من الدعاء أجمعه.
أخرج أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: »كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك«.
وأخرج أيضا عن قتادة أنه سأل أنسا رضي الله عنه: أي دعوة كان يدعو بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها. »اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار«.
وجاء عند البخاري من حديث أنس: »كان أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- : »ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار«.
النوع السابع عشر: أن يتقصد السجع في الدعاء ويتكلفه.
قال البخاري في صحيحه: »باب ما يكره من السجع في الدعاء« ثم ذكر أثرا عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: »حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثرت فثلاث مرات، ولا تمل الناس هذا القرآن، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملهم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه. فانظر السجع في الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب«.
قال الحافظ: »ولا يرد على ذلك ما وقع في الأحاديث الصحيحة؛ لأن ذلك كان يصدر من غير قصد إليه، ولأجل هذا يجيء في غاية الانسجام كقوله -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد: »اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب« وكقوله -صلى الله عليه وسلم- : »صدق وعده، وأعز جنده« الحديث، وكقوله: »أعوذ بك من عين لا تدمع، ونفس لا تشبع، وقلب لا يخشع« وكلها صحيحة، قال الغزالي: »المكروه من السجع هو المتكلف، لأنه لا يلائم الضراعة والذلة، وإلا ففي الأدعية المأثورة كلمات متوازية لكنها غير متكلفة«.
ثم ذكر كلاما قال بعده: »وقد تتبعت دعوات الأنبياء والمرسلين، والمصطفين من عبادة المخبتين، واستخرجت ما وجدت في القرآن من ذلك فوجدت جميعها: (ربنا ربنا) أو »رب«، ثم أورد جملة من الأدعية الواردة في القرآن ليدلل على ذكره
النوع الثامن عشر: قصد التشهق كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بحيث لا يكون ذلك بسبب غلبة البكاء وإنما هو أمر يعتمده ويطلبه.
النوع التاسع عشر: أن يتخذ دعاء من غير الوارد في الكتاب والسنة بحيث يصير ذلك شعارا له يداوم عليه كمن يخصص دعاء معينا بقوله عند ختم القرآن أو غير ذلك.
النوع العشرون: التغني والتلحين والمطيط، قال المناوي: »قال الكمال ابن الهمام: ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط، والمبالغة في الصياح، والاشتغال بتحريرات النغم إظهارا للصناعة النغمية، لا إقامة للعبودية، فإنه لا يقتضي الإجابة، بل هو من مقتضيات الرد، وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس به، فكأنه قال أعجبوا من حسن صوتي وتحريري"
وما ذكره السبت من الاعتداءات الكثير جدا منه صحيح عدا ما علقنا عليه