رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نظرات في رسالة الملائكة
الرسالة من تأليف أبو العلاء أحمد بن عبد الله ابن سليمان التنوخي المعري وهى رسالة نقدية لبعض اللغويات وإن كان الرجل يتخيل في بعضها تخيلات محالة ككلامه مع الملائكة عن النحو والصرف والمعانى
يقول المعرى أن سبب تأليف الرسالة مسائل طرحها أبو القاسم علي بن محمد بن همام عليه والرجل رغم كون الكثير من نقده صحيح فهو يعترف بجهله وأن على القراء ألا يأخذوا برأيه مع أنه هو الرأى الصحيح وفى هذا قال :
"وافى شيخنا أبو القاسم علي بن محمد بن همام بتلك المسائل ألفيتها في اللذة كأنها الراح يستفز من سمعها المراح فكانت الصبهاء الجرجانية طرق بها عميد كفر بعد ميل الجوزاء وسقوط الغفر وكان علي يحياها جلب إلينا الشمس وإياها فلما جليت الهدي ذكرت ما قال الأسدي:
فقلت اصطحبها أو لغيري فاهدها فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر
تجاللت عنها في السنين التي مضت فكيف التصابي بعدما كلا العمر
وما رغبتي في كوني كبعض الكروان تكلم في الخطب جرى والظليم يسمع ويرى فقال الأخنس أو الفرا اطرق كرا اطرق كرا ان النعام في القرى وحق لمثلي ألا يسال فان سئل تعين عليه ألا يجيب فإن أجاب ففرض على السامع ألا يسمع منه فان خالف باستماعة فريض إلا يكتب ما يقول فان كتبه فواجب ألا ينظر فيه فان نظر فيه فقد خبط في عشواء"
ويبدأ المعرى الرسالة بالكلام عن أصل كلمة الملائكة وملك ويذكر ما يمكن أن يكون أصلها فيقول:
"وقد بلغت سن الأشياخ وما حار يبدي نفع من هذا الهذيان والطعن إلى الآخرة قريب أفتراني أدافع ملك النفوس فأقول أصل ملك مالك وإنما أخّذ من الألوكة وهي الرسالة ثم قلب ويدلنا على ذلك قولهم الملائكة في الجمع لات الجموع ترد الأشياء إلى أصولها وأنشده قول الشاعر:
فلست لأنسي ولكن لملاك تنزل من جو السماء يصوب
فيعجبه ما سمع فينظر في ساعة لاشتغاله بما قلت فإذا هم بالقبض قلت وزن ملك على هذا القول معل لأن الميم زائدة وإذا كان الملك من ألألوكة فهو مقلوب من ألك إلى لأك والقاب في الهمزة وحروف العلة معروف عند أهل المقاييس فأما جذب وجبذ ولقم الطرق ولمقه فهو عند أهل اللغة قلب والنحويون لا يرونه مقلوبا بل يرون اللفظين كل واحد منهما أصل في بابه فوزن الملائكة عد هذا معافلة لأنها مقلوبة عن مآلكة ومنه قالوا الكني إلى فلان قال الشاعر:
الكني إلى قومي السلام رسالة بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا
وقال الأعشى في المألكة
أبلغ يزيد بني شيبان مألكة أبا ثبيت أما تنفك تأتكل
فكأنهم فروا في الملائكة من ابتدائهم بالهمزة ثم يجيئون بعدها بالألف فرأوا إن مجيء الألف أولا أخف كما فروا من شأي إلى شاء ومن نأي إلى ناء قال عمر بن أبي ربيعة:
بان الحمول فما شأونك نقرة ولقد أراك تشاء بالأظعان
أقول وقد ناءت بهم غربة النوى نوى خيتعور لا تشط ديارُك"
والمعرى يتخيل أنه وجماعة كبيرة من الأدباء مع أنهم يستحقون دخول النار إلا أن الله عفا عنهم ولم يدخلهم الجنة ولا النار ومن ثم وقفوا على أبواب الجنة يتكلمون مع الملائكة فيطلبون دخول الجنة
"وأجيء في جماعة من خمان الأدباء قصرت أعمالهم عن دخول الجنة ولحقهم عفو الله فزحزحوا عن النار فنقف على باب الجنة فنقول يا رضو لنا إليك حاجة ويقول بعضنا يا رضو ...فيقول رضوان ما حاجتكم فيقول بعضنا إنا لم نصل إلى دخول الجنة لتقصير أعمالنا وأدركنا عفو الله عز وجل فنجونا من النار فبقينا بين الدارين "
ونحن نسألك إن تكون واسطتنا إلى أهل الجنة فإنهم لا يستغنون عن مثلنا
ومع هذا لم يدخلوا فطلبوا مقابلة بعض الأدباء الذين دخلوا الجنة ليتحدثوا معهم في أمور الأدب بالجدال وهو كلام سوء وفى هذا قال:
"قالوا رحمك الله نحن نسألك إن تعرف بعض علمائنا الذين حصلوا في الجنة بأنا واقفون على الباب نريد إن نخاطبه في أمر"
وهم يريدون دخول الجنة بأى طريقة حتى ولو كانت تعليم الولدن المخلدين وفى هذا قال :
"وان كان أهل الجنة عارفين بهذه الأشياء قد ألهمهم الله العلم بما يحتاجون إليه فلن يستغني عن معرفته الولدان المخلدون، فان ذلك لم يقع إليهم وأنا لنرضى بالقليل مما عندهم جزاء على تعليم الولدان "
وهذا التخيل يخالف التالى :
-الجنة لا يتكلم فيها أحد كلام باطل ككلام النحو والصرف كما قال تعالى "لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما"
-أن الناس في الجنة أو في النار ولا يوجد أحد خارجهم كما قال تعالى "فريق في الجنة وفريق في السعير "
-أن الجنة ليس فيها عمل دنيوى كتعليم الولدان لكونها دار جزاء كما أن الولدان متعلمون من الله الذى علم كل شىء
وفى ذلك الهراء يقول:
"فيقول الملك من ابن أبي ربيعة وما أبو عبيدة وما هذه الأباطيل إن كان لك عمل صالح فأنت السعيد وإلا فاخسا وراءك فأقول أمهلني ساعة حتى أخبرك بوزن عزرائيل فأقيم الدليل على إن الهمزة زائدة فيه فيقول الملك هيهات ليس الأمر ألي إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون أم تراني أداري منكرا ونكيرا فأقول كيف جاء اسماكما عربيين منصرفين وأسماء الملائكة أكثرها من الأعجمية مثل اسرافيل وجبريل وميكاييل فيقولان هات حجتك وخل الزخرف عنك فأقول متقربا إليهما قد كان ينبعي لكما إن تعرفا ما وزن ميكاييل وجبريل على اختلاف اللغات فيهما إذ كانا أخويكما في عبادة الله فلا يزيدهما ذلك على إلا غلظة ولو علمت أنهما يرغبان في مثل هذه العلل لأعددت لهما شيئا كثيرا من ذلك ولقت لهما ما تريان في وزن موسى كليم الله الذي سألتماه عن دينه وحجته فألان وأوضح فإن قالا موسى أسم أعجمي إلا أنه يوافق من العربية وزن مفعل و فعلى أما مفعل فإذا كان من ذوات الواو مثل أوسيت وأوريت فانك تقول موسى ومورى وإذا كان من ذوات الهمزة فانك تخفف حتى تكون خالصة من مفعل ...
قد حكى بعضهم همز مؤسى إذا كان اسما وزعم النحويون إن ذلك لمجاورة الواو الضمة لأن الواو إذا كانت مضمومة ضما لغير أعراب وغير ما يشابه الأعراب جازان تحول همزة
.....وإذا قيل موسى فُعلى فان جعل أصله الهمز وافق فعلى من ماس بين القوم إذا افسد بينهم قال الأفوه:
إما تري رأسي ازرى به ماس زمان ذي انتكاس مؤوس
ويجوز إن يكون فعلى من ماس يميس فقلبت الياء واواً للضمة كما قالوا الكوسى وهي من الكيس ....قلت لله أنتما لم أكن احسب أن الملائكة تنطق بمثل هذا الكلام ولا تعرف أحكام العربية فإن غشي علي من الخيفة فأفقت وقد أشارا إلي بالإرزبة قلت تثبتا رحمكا الله كيف تصغران الإرزبة وتجمعانها جمع التكسير فأن قالا أريزبة بالتشديد قلت هذا وهم إنما ينبغي أن اريزبة بالتخفيف وكذلك في جمع التكسير أرازب، بالتخفيف فان قالا كيف قالوا علابي فشددوا كما قال القريعي:
وذي نخوات طامح الطرف جاذبت حبالى فلوى من علابيه مدي
قلت ليس الياء كغيرها من الحروف لأنها وان لحقها التشديد ففيها عنصرين اللين فان قالا أليس قد زعم صاحبكم عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه إن الياء إذا شددت ذهب منها اللين وأجاز في القوافي حيا مع ظبي قلت قد زعم ذلك إلا إن السماع من العرب لم يأت فيه نحو ما قال إلا يكون شاذا قليلا فإذا عجبت مما قالاه أظهرا لي تهاونا بما يعلمه بنو آدم وقالا لو جمع ما علمه أهل الأرض على اختلاف الأزمنة أكل بلغ علم واحد من الملائكة يعدونه فيهم ليس بعالم فأسبح الله وأمجده وأقول قد صارت لي بكما وسيلة فوسعا لي في الجدف إن شئتما بالفاء وان شئتما بالثاء لان إحداهما تبدل من الأخرى كما قالوا مغاثير ومفافير وأثافي وافافي وثوم وفوم وكيف تقران رحمكما الله هذه الآية وفومها وعدسها وبصلها أبالثاء كما في مصحف عبد الله بن مسعود ام بالفاء كما في قراءة الناس وما الذي كيف تبنيان رحمكما الله من الريم مثل إبراهيم أتريان فيه رأي الخليل وسيبويه فلا تبنيان مثله من الأسماء العربية أم تذهبان إلى ما قاله سعيد بن مسعدة فتجيزان إن تبنيا من العربي مثل الأعجمي فيقولان تربا لك ولمن سميت أي علم في ولد آدم إنهم للقوم الجاهلون وهل أتودد إلى مالك خازن النار فأقول رحمك الله ما أوحد الزبانية فأن بني آدم فيهم مختلفون بعضهم الزبانية لا واحمد لهم من لفظهم وإنما يجبرون مجرى السواسية أي القوم المستوين في الشر قال الشاعر:
سواسية سود الوجوه كأنما بطونهم من كثرة الزاد أوطب
ومنهم من يقول واحد الزبانية زبنية وقال آخرون واحدهم زَّبنُّي أو زُبْنيٌّ فيعبس لما سمع ويكفهر فأقول يا مال رحمك الله ما ترى في نون غسلين وما حقيقة هذا اللفظ أهو مصدر كما قال بعض الناس أم واحد أم جمع أعربت نونه تشبيها بنون مسكين كما اثبتوا نون قلين وسنين في الإضافة كما سحيم بن وثيل:
وماذا يدري الشعراء مني وقد جاوزت حد الأربعين
فأعرب النون وهل النون في جهنم زائدة أما سيبويه فلم يذكر في الأبنية فعنلا وجهنم اسم أعجمي ولو حملناه على الاشتقاق لجاز إن يكون من الجهامة في الوجه أو من قولهم تجهمت الأمر ....وقال قوم يقال ركية جهنام إذا كانت بعيدة القعر فان كانت جهنم عربية فيجوز أن تكون من هذا ....فيقول مالك ما أجهلك وأقل تمييز ما جلست ها هنا للتصريف وإنما جلست لعقاب الكفرة القاسطين
وهل أقول للسائق والشهيد اللذين ذكرا في الكتاب الكريم قوله وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد يا صاح أنظراني فيقولان لم تخاطبنا خطاب الواحد ونحن اثنان فأقول ألم تعلما إن ذلك جائز من الكلام وفي الكتاب العزيز وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار عنيد فوحد القرين وثنى في الآخر كما قال الشاعر
فان تزجراني يابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعاً
وكما قال امرؤ القيس:
خليلي مرا بي على أم جندب لأقضي حاجات الفؤاد المعذب
ألم ترياني كلما جئت طارقا وجدت بها طيبا وان لم تطيب
فهذا كله يدل على إن الخروج من مخاطبة الواحد إلى الاثنين أو من مخاطبة الاثنين إلى الواحد سائغ عند الفصحاء وهل أجيء في جماعة من خمان الأدباء قصرت أعمالهم عن دخول الجنة ولحقهم عفو الله فزحزحوا عن النار فنقف على باب الجنة فنقول يا رضو لنا إليك حاجة ويقول بعضنا يا رضو فيضم الواو فيقول رضوان (ص) ما هذه المخاطبة التي ما خاطبني بها أحد قبلكم فنقول أنا كنا في الدار العاجلة نتكلم بكلام العرب وأنهم يرخون الاسم الذي في آخره ألف ونون فيحذفونهما
يا عُثم أدركني فات ركّيتي صلدت فأعيت إن تبض بمائها
فيقول رضوان ما حاجتكم فيقول بعضنا إنا لم نصل إلى دخول الجنة لتقصير أعمالنا وأدركنا عفو الله عز وجل فنجونا من النار فبقينا بين الدارين ونحن نسألك إن تكون واسطتنا إلى أهل الجنة فإنهم لا يستغنون عن مثلنا، وأنه قبيح بالعبد المؤمن إن ينال هذه النعم وهو إذا سبح لله لحن ولا يحسن بساكن الجنان إن يصيب من ثمارها في الخلود وهو لا يعرف حقائق تسميتها ولعل في الفردوس قوما لا يدرون أحروف كمثرى كلها أصلية أم بعضها زائد ....
وما يجمل بالرجل من الصالحين إن يصيب من سفرجل الجنة في النعيم وهو لا يدري كيف تصغيره وجمعه ولا يشعر أيجوز إن يشتق منه فعل أم لا، والأفعال لا تشتق من الخماسية لأنهم نقصوها عن مزية الأسماء فلم يبلغوا بها بنات الخمسة وليس في كلامهم مثل اسفرجل يسفرجل اسفرجالا
...وهذا السندس الذي يطؤه المؤمنون ويفترشونه كم فيهم من رجل لا يدري أوزنه فعُلُلٌ أم فنُعُلٌ والذي اعتقد فيه إن النون زائدة وأنه من السدوس وهو الطيلسان الأخضر قال العبدي
وداويتها حتى شتت حبشية كان عليها سنُدسا وسُدوساً
ولا امنع إن يكون سندس فعللا ولكن الاشتقاق موجب ما ذكرت
وشجرة طوبى كيف يستظل بها المتقون ويجتنونها آخر الأبد وفيهم كثير لا يعرفون أمن ذوات الواو هي أم من ذوات الياء والذي نذهب إليه إذا حملناه على الاشتقاق أنها من ذوات الياء وأنها طاب يطيب بدليل على إن طوبى من ذوات الياء لأننا إذا بنينا فعلا ونحوه من ذوات الواو وقلبناها إلى الياء فقلنا عيد، وقيل وهو من عاد يعود وقال يقول فان قال قائل فلعل قولهم طاب يطيب من ذوات الواو وجاء على مثال حسب يحسب وقد ذهب إلى ذلك قوم في تاه يتيه وهو من توهت قيل له يمنع من ذلك انهم قالوا طيبت الرجل بالطيب ولم يحك أحد طوبته والمطيبون أحياء من قريش احتلفوا وغمسوا أيديم في طيب فهذا يدلك على أن الطيب من ذوات الياء وكذلك قولهم هذا أطيب من هذا، فأما حكاية أهل اللغة أنهم يقولون أوبة وطوبة فإنما ذلك على معنى الإتباع كما يعتقد بعض الناس في قولهم حياك الله وبياك انه إتباع وأن أصل بياك بوَّاك أي بوّأك منزلا ترضاه فخفف الهمز فأما قولهم للأجر طوب فان كان عربياَ صحيحاً فيجوز إن يكون اشتقاقه من غير لفظ الطيب إلا على رأي أبي الحسن سعيد بن مسعود فانه إذا بنى فُعْلاً من ذوات الياء مثل عاش يعيش وطاب يطيب فانه يقلبه إلى الواو فيقول الطوب والعوش فأن كان الطوب الأجر اشتقاقه من الطيب فإنما أريد به والله اعلم إن الموضع إذا بني به طابت الإقامة فيه ولعلنا لو سألنا من يرى طوبى في كل حين لم حذفت منها الألف واللام لم يحر جواباً ...
والذين يشربون ماء الحيوان في النعيم المقيم هل يعلمون ما هذه الواو التي بعد الياء وهل هي منقلبة كما قال الخليل أم هي على الأصل كما يرى غيره من أهل العلم
ومن هو مع الحور العين مخلد هل يدري ما معنى الحور ومن أي شيء اشتقت هذه اللفظة فان الناس يختلفون في الحور فيقول بعضهم هو البياض ومنه اشتقاق الحواري من الخبز و الحواريين إذا أريد بهم القصارون والحواريات إذا عني بهن نساء الأمصار وقال قوم الحور في العين إن تكون كلها سوداء وذلك لا يكون في الأنس وإنما يكون في الوحوش وقال آخرون الحور شدة سواد سواد العين في شدة بياض بياضها وقال بعض الحور سعة العين وعظم المقلة وهل يجوز أيها المتمتع بالحور العين إن يقال حير كما يقال حور ...
حوراء عيناء من العين الحير وكيف يستجيز من فرشه من الإستبرق إن يمضي عليه ابد وهو لا يدري كيف يجمعه جمع التكسير ولا كيف يصغره والنحويون يقولون في جمعه أبارق وفي تصغيره أيبرق وكان أبو إسحاق الزجاج يزعم أنه في الأصل مسمى بالفعل الماضي وذلك الفعل استفعل من البرق أو البرق وهذه دعوى من أبي إسحاق وإنما هو اسم أعجمي عرب وهو العبقري الذي عليه اتكاء المؤمنين إلى أي شيء نسب فأنا كنا نقول في الدار الأولى إن العرب كانت تقول عبقر بلاد تسكنها الجن وأنهم إذا رأوا شيئاً جيداً قالوا عبقري كأنه من عمل الجن إذ كانت الإنس لا تقدر على مثله ثم كثر ذلك حتى قالوا سيد عبقري وظلم عبقري قال ذو الرمة:
حتى كأن جزون القف ألبسها من وشي عبقر تجليل وتنجيد
وقال زهير:
بخيل عليها جنة عبقرية جديرون يوماً إن ينالوا أو يستعلو
وان كان أهل الجنة عارفين بهذه الأشياء قد ألهمهم الله العلم بما يحتاجون إليه فلن يستغني عن معرفته الولدان المخلدون، فان ذلك لم يقع إليهم وأنا لنرضى بالقليل مما عندهم جزاء على تعليم الولدان فيبتسم إليهم رضوان ويقول لهم إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون فانصرفوا رحمكم الله فقد أكثرتم الكلام فيما لا منفعة فيه وإنما كانت هذه الأشياء أباطيل زخرفت في الدار الفانية فذهبت مع الباطل فإذا رأوا جده في ذلك قالوا رحمك الله نحن نسألك إن تعرف بعض علمائنا الذين حصلوا في الجنة بأنا واقفون على الباب نريد إن نخاطبه في أمر فيقول رضوان من تؤثرون إن أعلم بمكانكم من أهل العلم الذين غفر الله لهم فيشتورون طويلاً ثم يقولون عرف بموقفنا هذا الخليل بن أحمد الفراهيدي فيرسل إليه رضوان بعض أصحابه فيقول له على باب الجنة قوم قد أكثروا الكلام وأنهم يريدون إن يخاطبوك فيشرف عليهم الخليل فيقول أنا الذي سألتم عنه فما الذي تريدون فيعرضون عليه مثل ما عرضوا على رضوان فيقول الخليل إن الله جلت قدرته جعل من يسكن الجنة ممن يتكلم بكلام العرب ناطقا بأفصح اللغات كما نطق بها يعرب بن قحطان أو معد بن عدنان وأبناؤه لصبه لا يدركهم الزلل ولا الزيغ وإنما افتقر الناس في الدار الغرارة إلى علم اللغة والنحو لأن العربية الأولى أصابها تغيير فأما الآن فقد رفع عن أهل الجنة كل الخطأ والوهم فاذهبوا راشدين إن شاء الله، فيذهبون وهم مخفقون مما طلبوه"
وفيما سبق من المتخيلة يعلن على لسان الملاك أن كل ما ذكر أباطيل لا أصل لها مثل :
"فيبتسم إليهم رضوان ويقول لهم إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون فانصرفوا رحمكم الله فقد أكثرتم الكلام فيما لا منفعة فيه وإنما كانت هذه الأشياء أباطيل زخرفت في الدار الفانية فذهبت مع الباطل"
ويعلن على لسان الخليل سبب وجود اللغويين في الدنيا فيقول:
"فيشرف عليهم الخليل فيقول أنا الذي سألتم عنه فما الذي تريدون فيعرضون عليه مثل ما عرضوا على رضوان فيقول الخليل إن الله جلت قدرته جعل من يسكن الجنة ممن يتكلم بكلام العرب ناطقا بأفصح اللغات كما نطق بها يعرب بن قحطان أو معد بن عدنان وأبناؤه لصبه لا يدركهم الزلل ولا الزيغ وإنما افتقر الناس في الدار الغرارة إلى علم اللغة والنحو لأن العربية الأولى أصابها تغيير فأما الآن فقد رفع عن أهل الجنة كل الخطأ والوهم فاذهبوا راشدين إن شاء الله"
ومن النقد اللغوى للمعرى فيما سبق سخريته من كون بعض أسماء الملائكة عربى وبعضهما أعجمى كما يزعم اللغويين بقوله:
"أم تراني أداري منكرا ونكيرا فأقول كيف جاء اسماكما عربيين منصرفين وأسماء الملائكة أكثرها من الأعجمية"
وهو سيعلن أن اللغوى مثله لا يقدر على قول فصل في وز ن كلمة سندس فيقول:
"وهذا السندس الذي يطؤه المؤمنون ويفترشونه كم فيهم من رجل لا يدري أوزنه فعُلُلٌ أم فنُعُلٌ والذي اعتقد فيه إن النون زائدة وأنه من السدوس وهو الطيلسان الأخضر قال العبدي
وداويتها حتى شتت حبشية كان عليها سنُدسا وسُدوساً
ولا امنع إن يكون سندس فعللا ولكن الاشتقاق موجب ما ذكرت"
والقارىء يرى فيما سبق حديثه عن الاختلاف الظاهر في أصول الكلمات ومعانيها وهو اختلاف لا يهم أحد لكونه باطل كما قال على لسان الملائكة إنها أباطيل
والرجل يعلن انه جاهل طلق الكلام في هذا الخبل من الاختلاف فيقول:
"قد ناديت بتكذيب القالة نداء خص وعم واعتذرت من التقصير إلى من هزل وجد واعترفت بالجهالة عند من نقص ومن ابر وقد حرم علي الكلام في هذه الأشياء لأني طلقتها طلاقا بائنا لا أملك فيه الرجعة وذلك أني وجدتها فوارك فقابلت فركها بالصلف والقيت المرامي إلى النازع وخليت الخطب لرقاة المنابر وكنت في عدان المهكة أحد إذا زاولت الأدب كأنني عار يعتم أو أقطع الكفين يتختم وينبغي له أدام الله تمكينه إن ذكرني عنده ذاكر إن يقول دهدرين سعد القين إنما ذلك أجهل من صعل الدو خال من الحلية كخلو البو ولو كنت في جن العمر كما قيل كنت قد أنسيت ونسيت لأن حديثي لا يجهل في لزوم عطني الضيق وانقطاعي عن المعاشر ذهاب السيق "
وبين أن أبا القاسم يسأله امتحانا له فيقول:
"ومثله لا يسال مثلي بل للامتحان والحبرة فان سكت جاز إن يسبق إلى الظن الحسن لان السكوت ستر يسبل على الجهول وما أحب إن تفتري على الظنون كما افترت الألسن في ذكرها أني في ذكرها أني من أهل العلم "
والمسألة الثانية في الكتاب كلمة إياك والمعرى يرى فيها مذهب الخليل ولكنه يجرنا إلى أن التصريف هو ضرب من الخبل فيقول :
"القول في إياك
أما موضع الكاف فهو عارف بما قال للناس فيه والذي اعتقده مذهب الخليل وأن الكاف في موضع جر لأننا وجدنا هذه اللفظة لا تنفرد بنفسها في حال وإنما هي مضافة إلى الظاهر أو المضمور وليست كافها مناسبة لكاف ذاك والنجاك ورويدك وأرأيتك لان هذه حروف تنفرد فيقال ذا ورويد والنجا وأرأيت ويقال إن في مصحف ابن مسعد كافا زائدة في الخط في كل أرأيت في القرآن ...
وأما وزن إيا فان المتقدمين الذين وضعوا أحكام التصريف وزنوا الأفعال والأسماء بالفاء والعين واللام فجعلوهن أصولا في الأوزان ولم يحتاجوا في الثلاثي إلى غيرهن فلما جازوا الثلثة رأوا إن يكرروا أ إلام وكانوا في تكريرها مضطرين وذلك اصطلاح وقع بين أهل القياس لأنهم إذا قالوا وزن جمل فعل ووزن جذع فعل لم يحتاجوا إلى غير الحروف الثلاثة فإذا وزنوا جعفرا ونحوه ضاقت الثلاثة إن تسعه فلزمهم إن يجيئوا بحرف رابع فكرهوا إن يجعلوه فاء من الفعل أو عينا فيجيئوا ببناء مستنكر فأضافوا إلى اللام مثلها لأنه قد ورد مثل ذلك في الملحقة من الأسماء الأفعال كقولهم قردد وشملل في مشيته
والذي عليه المتقدمون إلا يزنوا الحروف التي جاءت لمعنى ولا الأسماء المضمرة لأنها لا تشتق فيحكم عليها بالحذف والسلامة من الزوائد أو كونها من المزيدات ولو قال قائل ما وزن إن وهو الأمر من آن يؤون أي رفق في السير لقيل وزنه فل ولأصله أفعل ....ولو قال قائل ما وزن أنا من قولك أنا خير منك لم يجب إن يمثل له ذلك بالفعل إذ كانت هذه كلمة موضوعة بغير اشتقاق ولا يجوز إن يوزن إلا إن يكره على ذلك مجبر وكذلك أنت وهو وهي وما جرى مجراهن لما لم ينطق منهن بفعل وجب ألا يجرين مجرى زيد وعمر قال وضرب
والناس في الاشتقاق فرقتان فطائفة تقول إن الأسماء والأفعال كلها مشتقة وطائفة تذهب إلى إن بعض الأسماء مشتق وبعضها ليس بمشتق فأما الأفعال فيلزم أصحاب القياس اشتقاقها كلها من اسماء الفاعلين ومن المصادر واما الأسماء فبعضها مشقق من بعض ومن زعم ان الأسماء قبل الأفعال لزمه إلا يجعل اسما مشتقاً من فعل على إن أهل هذا الشأن يسامحون بالعبارة في ذلك اختلف المتأخرون في اشتقاق الحروف فقال بعضهم الحروف لا تشتق وقال آخرون بل لها اشتقاق وانما ينبغي إن يطلق هذا على ما عدده منها ثلاثة أحرف فما زاد، فأما ما عدده حرفان أو هو حرف واحد لا ينفرد فلا يمكن في ذلك إلا إن يحكموا على الحرف بعد أخراجه من الباب فيقولون إذا سمينا الرجل بمن الخافضة ثم صغرناه فلا بد إن زيد فيه حرفا كما فعلنا بدم ويدٍ في التصغير فإذا قلنا في تحقير من بعد التسمية بها مني ومنين وجب إن يقال وزن من فع ووزن كم على هذا فع ووزن رب فعل فإذا خففت فوزنها، فع وأسماء الأضمار جرت عندهم مجرى الحروف المفردة في أنها لا توزن ولو فعلنا بأنا ما فعلنا بمن لجاز إن نقول وزنه فعل إلا إن ذلك خروج من الباب...
ومن زعم إن اياك مضافة فللسائل إن يسأله عن اشتقاقها كما يسأله عن اشتقاق معزى ووزنها إذا قال معزاك والألفاظ تتقارب وتتفق في السمع وهي مختلفة في المعنى والوزن وليس ذلك في كل الألفاظ وانما هو في بعض دون بعض ..."
انتقد المعرى المتكلمين في الصرف انتقادا لاذعا ذاكرا الخلافات الكثيرة في وزن الكلمة الواحدة وكون الحروف توزن أو لا توزن وهى خلافات جنونية ما زالت تدرس في المدارس وبسببها يفقد المتميزون درجات عدة لأن المجانين الذين يضعون الامتحانات لا يقولون لهم كل الأصول في المناهج فمن يعتقد في صحة رأى أحدهم يجعل إجابات من لم يتفق معه فى الرأى خطأ مع أن القوم ذكروا هذا وذاك والطالب لن يعرف معتقد واضع الامتحان لأنه ليس مذكور فى المنهج
وتعرض المعرى للمسألة الثالثة وهى :
القول في آية وغاية وثاية فقال :
للنحويين في آية ثلاثة أقوال الأول قول الخليل وهو ان آية وزنها فعلة بتحريك العين وأصلها ايية فلما قلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها وحركتها في نفسا وجب ان تصبح الياء التي هي في موضع اللام
فان قيل فما يمنع ان تكون آية فعلة أو فعلة لأنا إذا بنينا شيئا على هذا الوزن لزمنا فيه القلب إذ كان الذي يوجبه حركة المنقلب وانفتاح ما قبله ولو بنينا مثل معدة من باع وقال لقلنا باعة وقالة ....ولم يصرفوا الفعل من آية أعني فعل الثلاثة لأنهم لو نطقوا به صاروا إلى ما يتثقلون إذ كانوا لو بنوه مثل بارع لزمهم ان يقولوا في الماضي آي فيجيئوا بآخر الفعل على هيئة لم تنطق بمثلها العرب ... وهذا القول في آية قول الفراء وقد حكاه سيبويه عن قوم من النحويين لم يسمهم ولاشك ان الفراء تبعهم في ذلك والقول الثالث في آية قول ينسب إلى الكسائي وهو أن آية أصلها فاعلة فإذا صح ذلك فلا بد من حذف ولا يكون المحذوف الهمزة إلا أحد حرفين الهمزة أو الياء فإذا قيل ان المحذوف همزة فاصلها آئية فحذفوا الهمزة وكان حذفها هاهنا أقيس منه في قولهم هو شاك السلاح ومكان هار
غاية استدل على انها من ياءين بقولهم غييت غاية وهو نحو الراية وقالوا غياية للسحابة ولولا ذلك لجاز ان تقول في غاية إذا عني بها الراية انها من ذوات الواو مأخوذة من قولهم تغاوى القوم إذا اجتمعوا كأنهم يريدون الاجتماع إلى الراية المنصوبة
ورابة يذكرها النحويون في هذا الباب وقد همزها بعض العرب وإذا همزت فهي من رأيت وليست من باب آية ...
وهذه الأسماء التي ظهرت فيها الياء وهي على مثل آية تجري في النسب مجراها القول في اسم وحقيقة الحذف منه كان أصل الأسماء ان تجيء غير محذوفات وإنما يستدل على حذفها بالاشتقاق والتصغير والجمع والعلل الجارية عليها في أنحاء العربية فكأن قائلا في الأصل قيل له ما فرس أو ما رجلٌ فقال اسم فوقع للسامع أن الهمزة من الأصل لأنه سمع جرسا على مثل إذن وإبط وإدل والإدل اللبن الحامض فقال السامع هذه همزة أصلية فيجب ان يكون اشتقاقها من اسم ياسم فرجع إلى أصل الكلام
وقال آخر:
لقيت ابنة البكري زينب عن عُفر ونحن حرام مسي عاشرة شر
فقبلتها ثنتين كالثلج منهما وأخرى على لوح أحر من الجمر
فقولهم ثنتان استدل به النحويون على أن أصل الثآء في قولهم اثنان أن تكون مكسورة واستدلوا بقولهم ثنوي على ان الثآء يجب أن تكون مفتوحة فتنازع في اثنين أصلان أحدهما أن يكون وأحدهما على فعل مثل ثني والآخر أن يكون على ثني مثل رحى إلا أنه لحقه التغيير وقد يجوز ان يجيء الاسم الواحد على فعل وفعل كما قالوا حرج وحرج وحلس وحَلَسُ وشبه وشبه واستدلوا بقولهم ثنيت وثني على أن المحذوف ياء وقد حكي أن بعض العرب تقول الاثن فيجيء به على لفظ ابن ووزن اثن على هذا القول إفع ووزن اثنين يجب أن يكون افعين واثنتان وزنهما افعتان وثنتان وزنهما فعتان، وقد حكي ثنوت في معنى ثنيت فإذا صح ذلك جاز ان يكون المحذوف واوا فأما ابن فبعض الناس يذهب إلى ان الذي حذف منه واو وذلك اختيار سعيد بن مسعده "
كالعادة حكى المعرى اختلاف القوم فى مصادر الاشتقاق والوزن وذكره هو من باب القول لأنها أباطيل لا فائدة منها
وأما الموضوع التالى فهو القول في سيد وميتٍ حيث ذكر الخلافات فقال:
"الترخيم لا يجب أن ترد به الأمثله إلى أصولها لأن الرد إنما يقع فراراً من مجيء شيء على غير أمثله العرب وليس ذلك في سيدٍ وبابه لأن سيدا وميتاً على وزن فيعل في رأي البصريين وزعم الرؤاسي أن أصله فيعل فنقل إلى فيعل وهذا راجع إلى القول الأول وزعم الفراء أن أصله سويد ومويت وكذلك يزعم في جميع هذه المعتلات وكأن مذهبه أن ا لواو سكنت وأدغمت في الياء و الإدغام يغير الأول إلى حال الثاني فأصل سيد على القولين الأولين سيودٌ وأصله على القول الثاني سويدُ ثم نُقل إلى سويد والفراء يعتل لمذهبه بقولهم طّيبٌ وطُياب فجاؤا به على فعيل و فُعال كما قالوا طويلٌ وطوّال وأنشد:
إنا بذلنا دونها الضرابا لما وجدنا ماءها طُيابا
وقال الآخر:
جاء بصيد عجب من العجب ازيرق العينين طُوّال الذنب"
والموضوع التالى هو القول في ترك القُراء إمالة يا إذا كان حرف النداء وفيه قال :
الإمالة اصلها للأفعال لأنها كثيرة التغير لأنك تقول مضى ويمضي ويبنى الفعل على أبنية مختلفة فتظهر حالُ الياء ثم اتسعوا في ذلك فأجروا الاسماء لقوتها مجرى الافعال والإمالة توجد في كلامهم على سبعة انحاء إمالة لياء موجودة كإمالة شيبان وعيمان وإمالة لياء غير موجودة في الللفظ وهي في البناء منقلبة كإمالة باع وسار لأنه من البيع والسير وإمالة لكسرة موجودة كإمالة كإمالتهم ألف عماد وكافر وإمالة لكسرة غير موجودة ولكنها مقدرة في أصل ابناء كإمالتهم خاف لأجل الكسرة التي في خفت وإمالة لإمالة كقولك رأيت عمادا فأمالوا الألف التي بعد الدال إذا وقفوا لإمالتهم الألف التي بعد الميم وإمالة للتشبيه وهى إمالة ألف غزا والمكا كأنهم شبهوا ذوات الواو بذوات الياء وإمالة شاذة نحو قولهم الحجاج أمالوا الاسم من هذا النوع دون الوصف"
والرجل لا يقول كلامى فيما ذكره دليل على عدم اعترافه وإنما يقول كلامهم فى قوله " والإمالة توجد في كلامهم على سبعة انحاء"
ثم ذكر القول في قول الراجز
أين الشظاظان وأين المربعه وأين وسق الناقة الجلنفعه فقال:
"الأبيات التي يسأل عنها على أربعة أضرب بيت فارد وهو الذي ليس بعده شيئ ولا قبله وبيت فاتح وهو المبتدأ به وبعده بيت اخر وبيت واسط وهو الذي قبله بيت وبعده بيت وبيت خاتم وهو الذي يكون آخر الأبيات وكل بيت يسأل عنه فانه لا يخلو من أحد أمرين إما إن يكون معناه قد كمل فيه وإما أن يكون معناه يكمل في الذي بعده أو الذي قبله أو فيهما جميعاً وإنما قدمت ذلك لأن هذا الشعر الذي سأل عنه يتردد في كتب اللغة وهو على ما ذكر ليس قبله شيء ولا بعده وهو بيتان لان قوله: (أين الشظاظان وأين المرْبعَه) بيت على رأي النحويين المتقدمين و المتأخرين ألا ترى الذين عدوا شواهد كتاب سيبويه عدوا قول العجاج:
قواطفا مكة من ورق الحمي
بيتا وكذلك قول الآخر دار لسعدى إذه من هواكا
وعدوا قول الآخر: رُبَّ ابن عم لسليمى مُشمعل طباخ ساعات الكرى زاد الكسل بيتين وكذلك جميع ما تسميه العرب رجزا إذا عده أهل العلم بالعربية جرى عدده على ما تقدم ذكره "
وهو يطالب بإعمال قول العرب فى أبيات الرجز
ثم ذكر القول في المسألة التي ذكرها ابن كيسان في كتابه المهذب فقال:
"وهو قوله هذا هذا هذا هذا أربع مرات فذكر على قول الكوفيين إن الأولى تقريبٌ والثانية مثال وهو اسم الفاعل والثالثة فعلٌ والرابعة مفعول وهذه المسالة بينة وأما قوله تقريب فهو من قرب الشيء كقولهم من كان يريد الماء، فهذا النهر، ومن كان يريد الكسوة فهذه البرودُ ومنهُ، قول جرير:
هذا ابنُ عُمي في دمشق خليفةٌ لو شئت ساقكم إلي قطينا"
وهذا الكلام من الألغاز فأوله اسم إشارة وثانيه فعل بمعنى خرف وثالثه اسم بمعنى خرافات ورابعه مفعول مطلق فيكون المعنى :
هذا خرف خرافات تخريفا
ثم ذكر القول في قول الراجز يا أيها الضب الخذوذان :
"هذا البيت ينشد على أنه خاطب الواحد ثم خرج إلى خطاب اثنين وهو على معنى قوله رب أرجعون ومثل ذلك موجود إلا أن هذا البيت قبح فيه مثل ذلك لأن التثنية وقعت موقع النعت فتبين الخلل في اللفظ وإذا أنشدوا الخذوذان فاشتقاقه من الخذاذات وهي ما يقطع من أطراف الفضة والمعنى أن هذين الضبيين يحتفران فيقطعان الصخر والجندل كما تقطع الفضة، والضبّ معروف بالحفر ولذلك قالوا ضب دامي الأظافير، قال الشاعر:
كضب الكدى أدمى أنامله الحفر
وإذا قيل الخذوذيان فهو تثنية خذوذى مأخوذ من الخذاء وهو الاسترخاء يقال وقعوا في ينمة خذواء وهي ضرب من النبت، أي قد طالت واسترخت ومنه قيل الخذا في الأذن ووزن خذوذ فعول ووزن خذوذى على رأي سيبويه فعوعل وعلى رأي غيره فعلعل وكلا الوجهين له مذهب وجهة"
ثم ذكر القول في مهيمن وهو :
"جاءت في القرآن أشياء لم يكتر مجيئها في كلام العرب فمنها مهيمن وأجمع الناس على أنه مفيعل وانه مكبر وإن رافق لفظه لفظ التصغير وهو جار على فيعل وإذا حمل على الاشتقاق فانه لا يخلو من أمرين أحدهما أن يكون من همن وهذا فعل ممات وان كان كذلك فليس يجب إن يخرج من كلام العرب لأن اللغة واسعة جدا ولا يمكن أن يدعي حصولها في الكتب عن آخرها وقد تكون الكلمة حقيقة في اللفظ ولم ينطقوا بها فيما اشتهر من الكلام كقولهم المدع فهذه الكلمة تشبه كلام العرب ويذكر المتقدمون انهم نطقوا بها وكذلك الرمج "
البحق عن الوزن والأصل كله خبل فالمطلوب هو المعنى وبيس هذا الحبل ومعنى مهيمنا عليه أى مصلحا له
ثم ذكر القول في اللفظ المنقول من كتاب المراغي:
إذا أشكلت الألفاظ في كتب والغرض معلوم فما ينبغي للناظر أن يحفل بذلك وليقصد أخذ المعنى والفاء ما يظهر من اللفظ الفاسد وان كان الغرض غير مفهوم فعند ذلك يجب التوقف والذي قصده المراغي بين واضح والكرم الذي نقل قد سقط منه شيء يحتمل أن يكون عبارة من عبارات مختلفةٍ ولا يفتقر إلى تمثيله لأن الباب في هذا إن الياء إذا كانت في الواحد مخففة فهي في الجمع كذلك وإذا كانت مشددة في الآحاد رجع التشديد في الجموع "
وما ذكره من وجود السقط فى الكتب كلام صحيح
الرسالة من تأليف أبو العلاء أحمد بن عبد الله ابن سليمان التنوخي المعري وهى رسالة نقدية لبعض اللغويات وإن كان الرجل يتخيل في بعضها تخيلات محالة ككلامه مع الملائكة عن النحو والصرف والمعانى
يقول المعرى أن سبب تأليف الرسالة مسائل طرحها أبو القاسم علي بن محمد بن همام عليه والرجل رغم كون الكثير من نقده صحيح فهو يعترف بجهله وأن على القراء ألا يأخذوا برأيه مع أنه هو الرأى الصحيح وفى هذا قال :
"وافى شيخنا أبو القاسم علي بن محمد بن همام بتلك المسائل ألفيتها في اللذة كأنها الراح يستفز من سمعها المراح فكانت الصبهاء الجرجانية طرق بها عميد كفر بعد ميل الجوزاء وسقوط الغفر وكان علي يحياها جلب إلينا الشمس وإياها فلما جليت الهدي ذكرت ما قال الأسدي:
فقلت اصطحبها أو لغيري فاهدها فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر
تجاللت عنها في السنين التي مضت فكيف التصابي بعدما كلا العمر
وما رغبتي في كوني كبعض الكروان تكلم في الخطب جرى والظليم يسمع ويرى فقال الأخنس أو الفرا اطرق كرا اطرق كرا ان النعام في القرى وحق لمثلي ألا يسال فان سئل تعين عليه ألا يجيب فإن أجاب ففرض على السامع ألا يسمع منه فان خالف باستماعة فريض إلا يكتب ما يقول فان كتبه فواجب ألا ينظر فيه فان نظر فيه فقد خبط في عشواء"
ويبدأ المعرى الرسالة بالكلام عن أصل كلمة الملائكة وملك ويذكر ما يمكن أن يكون أصلها فيقول:
"وقد بلغت سن الأشياخ وما حار يبدي نفع من هذا الهذيان والطعن إلى الآخرة قريب أفتراني أدافع ملك النفوس فأقول أصل ملك مالك وإنما أخّذ من الألوكة وهي الرسالة ثم قلب ويدلنا على ذلك قولهم الملائكة في الجمع لات الجموع ترد الأشياء إلى أصولها وأنشده قول الشاعر:
فلست لأنسي ولكن لملاك تنزل من جو السماء يصوب
فيعجبه ما سمع فينظر في ساعة لاشتغاله بما قلت فإذا هم بالقبض قلت وزن ملك على هذا القول معل لأن الميم زائدة وإذا كان الملك من ألألوكة فهو مقلوب من ألك إلى لأك والقاب في الهمزة وحروف العلة معروف عند أهل المقاييس فأما جذب وجبذ ولقم الطرق ولمقه فهو عند أهل اللغة قلب والنحويون لا يرونه مقلوبا بل يرون اللفظين كل واحد منهما أصل في بابه فوزن الملائكة عد هذا معافلة لأنها مقلوبة عن مآلكة ومنه قالوا الكني إلى فلان قال الشاعر:
الكني إلى قومي السلام رسالة بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا
وقال الأعشى في المألكة
أبلغ يزيد بني شيبان مألكة أبا ثبيت أما تنفك تأتكل
فكأنهم فروا في الملائكة من ابتدائهم بالهمزة ثم يجيئون بعدها بالألف فرأوا إن مجيء الألف أولا أخف كما فروا من شأي إلى شاء ومن نأي إلى ناء قال عمر بن أبي ربيعة:
بان الحمول فما شأونك نقرة ولقد أراك تشاء بالأظعان
أقول وقد ناءت بهم غربة النوى نوى خيتعور لا تشط ديارُك"
والمعرى يتخيل أنه وجماعة كبيرة من الأدباء مع أنهم يستحقون دخول النار إلا أن الله عفا عنهم ولم يدخلهم الجنة ولا النار ومن ثم وقفوا على أبواب الجنة يتكلمون مع الملائكة فيطلبون دخول الجنة
"وأجيء في جماعة من خمان الأدباء قصرت أعمالهم عن دخول الجنة ولحقهم عفو الله فزحزحوا عن النار فنقف على باب الجنة فنقول يا رضو لنا إليك حاجة ويقول بعضنا يا رضو ...فيقول رضوان ما حاجتكم فيقول بعضنا إنا لم نصل إلى دخول الجنة لتقصير أعمالنا وأدركنا عفو الله عز وجل فنجونا من النار فبقينا بين الدارين "
ونحن نسألك إن تكون واسطتنا إلى أهل الجنة فإنهم لا يستغنون عن مثلنا
ومع هذا لم يدخلوا فطلبوا مقابلة بعض الأدباء الذين دخلوا الجنة ليتحدثوا معهم في أمور الأدب بالجدال وهو كلام سوء وفى هذا قال:
"قالوا رحمك الله نحن نسألك إن تعرف بعض علمائنا الذين حصلوا في الجنة بأنا واقفون على الباب نريد إن نخاطبه في أمر"
وهم يريدون دخول الجنة بأى طريقة حتى ولو كانت تعليم الولدن المخلدين وفى هذا قال :
"وان كان أهل الجنة عارفين بهذه الأشياء قد ألهمهم الله العلم بما يحتاجون إليه فلن يستغني عن معرفته الولدان المخلدون، فان ذلك لم يقع إليهم وأنا لنرضى بالقليل مما عندهم جزاء على تعليم الولدان "
وهذا التخيل يخالف التالى :
-الجنة لا يتكلم فيها أحد كلام باطل ككلام النحو والصرف كما قال تعالى "لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما"
-أن الناس في الجنة أو في النار ولا يوجد أحد خارجهم كما قال تعالى "فريق في الجنة وفريق في السعير "
-أن الجنة ليس فيها عمل دنيوى كتعليم الولدان لكونها دار جزاء كما أن الولدان متعلمون من الله الذى علم كل شىء
وفى ذلك الهراء يقول:
"فيقول الملك من ابن أبي ربيعة وما أبو عبيدة وما هذه الأباطيل إن كان لك عمل صالح فأنت السعيد وإلا فاخسا وراءك فأقول أمهلني ساعة حتى أخبرك بوزن عزرائيل فأقيم الدليل على إن الهمزة زائدة فيه فيقول الملك هيهات ليس الأمر ألي إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون أم تراني أداري منكرا ونكيرا فأقول كيف جاء اسماكما عربيين منصرفين وأسماء الملائكة أكثرها من الأعجمية مثل اسرافيل وجبريل وميكاييل فيقولان هات حجتك وخل الزخرف عنك فأقول متقربا إليهما قد كان ينبعي لكما إن تعرفا ما وزن ميكاييل وجبريل على اختلاف اللغات فيهما إذ كانا أخويكما في عبادة الله فلا يزيدهما ذلك على إلا غلظة ولو علمت أنهما يرغبان في مثل هذه العلل لأعددت لهما شيئا كثيرا من ذلك ولقت لهما ما تريان في وزن موسى كليم الله الذي سألتماه عن دينه وحجته فألان وأوضح فإن قالا موسى أسم أعجمي إلا أنه يوافق من العربية وزن مفعل و فعلى أما مفعل فإذا كان من ذوات الواو مثل أوسيت وأوريت فانك تقول موسى ومورى وإذا كان من ذوات الهمزة فانك تخفف حتى تكون خالصة من مفعل ...
قد حكى بعضهم همز مؤسى إذا كان اسما وزعم النحويون إن ذلك لمجاورة الواو الضمة لأن الواو إذا كانت مضمومة ضما لغير أعراب وغير ما يشابه الأعراب جازان تحول همزة
.....وإذا قيل موسى فُعلى فان جعل أصله الهمز وافق فعلى من ماس بين القوم إذا افسد بينهم قال الأفوه:
إما تري رأسي ازرى به ماس زمان ذي انتكاس مؤوس
ويجوز إن يكون فعلى من ماس يميس فقلبت الياء واواً للضمة كما قالوا الكوسى وهي من الكيس ....قلت لله أنتما لم أكن احسب أن الملائكة تنطق بمثل هذا الكلام ولا تعرف أحكام العربية فإن غشي علي من الخيفة فأفقت وقد أشارا إلي بالإرزبة قلت تثبتا رحمكا الله كيف تصغران الإرزبة وتجمعانها جمع التكسير فأن قالا أريزبة بالتشديد قلت هذا وهم إنما ينبغي أن اريزبة بالتخفيف وكذلك في جمع التكسير أرازب، بالتخفيف فان قالا كيف قالوا علابي فشددوا كما قال القريعي:
وذي نخوات طامح الطرف جاذبت حبالى فلوى من علابيه مدي
قلت ليس الياء كغيرها من الحروف لأنها وان لحقها التشديد ففيها عنصرين اللين فان قالا أليس قد زعم صاحبكم عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه إن الياء إذا شددت ذهب منها اللين وأجاز في القوافي حيا مع ظبي قلت قد زعم ذلك إلا إن السماع من العرب لم يأت فيه نحو ما قال إلا يكون شاذا قليلا فإذا عجبت مما قالاه أظهرا لي تهاونا بما يعلمه بنو آدم وقالا لو جمع ما علمه أهل الأرض على اختلاف الأزمنة أكل بلغ علم واحد من الملائكة يعدونه فيهم ليس بعالم فأسبح الله وأمجده وأقول قد صارت لي بكما وسيلة فوسعا لي في الجدف إن شئتما بالفاء وان شئتما بالثاء لان إحداهما تبدل من الأخرى كما قالوا مغاثير ومفافير وأثافي وافافي وثوم وفوم وكيف تقران رحمكما الله هذه الآية وفومها وعدسها وبصلها أبالثاء كما في مصحف عبد الله بن مسعود ام بالفاء كما في قراءة الناس وما الذي كيف تبنيان رحمكما الله من الريم مثل إبراهيم أتريان فيه رأي الخليل وسيبويه فلا تبنيان مثله من الأسماء العربية أم تذهبان إلى ما قاله سعيد بن مسعدة فتجيزان إن تبنيا من العربي مثل الأعجمي فيقولان تربا لك ولمن سميت أي علم في ولد آدم إنهم للقوم الجاهلون وهل أتودد إلى مالك خازن النار فأقول رحمك الله ما أوحد الزبانية فأن بني آدم فيهم مختلفون بعضهم الزبانية لا واحمد لهم من لفظهم وإنما يجبرون مجرى السواسية أي القوم المستوين في الشر قال الشاعر:
سواسية سود الوجوه كأنما بطونهم من كثرة الزاد أوطب
ومنهم من يقول واحد الزبانية زبنية وقال آخرون واحدهم زَّبنُّي أو زُبْنيٌّ فيعبس لما سمع ويكفهر فأقول يا مال رحمك الله ما ترى في نون غسلين وما حقيقة هذا اللفظ أهو مصدر كما قال بعض الناس أم واحد أم جمع أعربت نونه تشبيها بنون مسكين كما اثبتوا نون قلين وسنين في الإضافة كما سحيم بن وثيل:
وماذا يدري الشعراء مني وقد جاوزت حد الأربعين
فأعرب النون وهل النون في جهنم زائدة أما سيبويه فلم يذكر في الأبنية فعنلا وجهنم اسم أعجمي ولو حملناه على الاشتقاق لجاز إن يكون من الجهامة في الوجه أو من قولهم تجهمت الأمر ....وقال قوم يقال ركية جهنام إذا كانت بعيدة القعر فان كانت جهنم عربية فيجوز أن تكون من هذا ....فيقول مالك ما أجهلك وأقل تمييز ما جلست ها هنا للتصريف وإنما جلست لعقاب الكفرة القاسطين
وهل أقول للسائق والشهيد اللذين ذكرا في الكتاب الكريم قوله وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد يا صاح أنظراني فيقولان لم تخاطبنا خطاب الواحد ونحن اثنان فأقول ألم تعلما إن ذلك جائز من الكلام وفي الكتاب العزيز وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار عنيد فوحد القرين وثنى في الآخر كما قال الشاعر
فان تزجراني يابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعاً
وكما قال امرؤ القيس:
خليلي مرا بي على أم جندب لأقضي حاجات الفؤاد المعذب
ألم ترياني كلما جئت طارقا وجدت بها طيبا وان لم تطيب
فهذا كله يدل على إن الخروج من مخاطبة الواحد إلى الاثنين أو من مخاطبة الاثنين إلى الواحد سائغ عند الفصحاء وهل أجيء في جماعة من خمان الأدباء قصرت أعمالهم عن دخول الجنة ولحقهم عفو الله فزحزحوا عن النار فنقف على باب الجنة فنقول يا رضو لنا إليك حاجة ويقول بعضنا يا رضو فيضم الواو فيقول رضوان (ص) ما هذه المخاطبة التي ما خاطبني بها أحد قبلكم فنقول أنا كنا في الدار العاجلة نتكلم بكلام العرب وأنهم يرخون الاسم الذي في آخره ألف ونون فيحذفونهما
يا عُثم أدركني فات ركّيتي صلدت فأعيت إن تبض بمائها
فيقول رضوان ما حاجتكم فيقول بعضنا إنا لم نصل إلى دخول الجنة لتقصير أعمالنا وأدركنا عفو الله عز وجل فنجونا من النار فبقينا بين الدارين ونحن نسألك إن تكون واسطتنا إلى أهل الجنة فإنهم لا يستغنون عن مثلنا، وأنه قبيح بالعبد المؤمن إن ينال هذه النعم وهو إذا سبح لله لحن ولا يحسن بساكن الجنان إن يصيب من ثمارها في الخلود وهو لا يعرف حقائق تسميتها ولعل في الفردوس قوما لا يدرون أحروف كمثرى كلها أصلية أم بعضها زائد ....
وما يجمل بالرجل من الصالحين إن يصيب من سفرجل الجنة في النعيم وهو لا يدري كيف تصغيره وجمعه ولا يشعر أيجوز إن يشتق منه فعل أم لا، والأفعال لا تشتق من الخماسية لأنهم نقصوها عن مزية الأسماء فلم يبلغوا بها بنات الخمسة وليس في كلامهم مثل اسفرجل يسفرجل اسفرجالا
...وهذا السندس الذي يطؤه المؤمنون ويفترشونه كم فيهم من رجل لا يدري أوزنه فعُلُلٌ أم فنُعُلٌ والذي اعتقد فيه إن النون زائدة وأنه من السدوس وهو الطيلسان الأخضر قال العبدي
وداويتها حتى شتت حبشية كان عليها سنُدسا وسُدوساً
ولا امنع إن يكون سندس فعللا ولكن الاشتقاق موجب ما ذكرت
وشجرة طوبى كيف يستظل بها المتقون ويجتنونها آخر الأبد وفيهم كثير لا يعرفون أمن ذوات الواو هي أم من ذوات الياء والذي نذهب إليه إذا حملناه على الاشتقاق أنها من ذوات الياء وأنها طاب يطيب بدليل على إن طوبى من ذوات الياء لأننا إذا بنينا فعلا ونحوه من ذوات الواو وقلبناها إلى الياء فقلنا عيد، وقيل وهو من عاد يعود وقال يقول فان قال قائل فلعل قولهم طاب يطيب من ذوات الواو وجاء على مثال حسب يحسب وقد ذهب إلى ذلك قوم في تاه يتيه وهو من توهت قيل له يمنع من ذلك انهم قالوا طيبت الرجل بالطيب ولم يحك أحد طوبته والمطيبون أحياء من قريش احتلفوا وغمسوا أيديم في طيب فهذا يدلك على أن الطيب من ذوات الياء وكذلك قولهم هذا أطيب من هذا، فأما حكاية أهل اللغة أنهم يقولون أوبة وطوبة فإنما ذلك على معنى الإتباع كما يعتقد بعض الناس في قولهم حياك الله وبياك انه إتباع وأن أصل بياك بوَّاك أي بوّأك منزلا ترضاه فخفف الهمز فأما قولهم للأجر طوب فان كان عربياَ صحيحاً فيجوز إن يكون اشتقاقه من غير لفظ الطيب إلا على رأي أبي الحسن سعيد بن مسعود فانه إذا بنى فُعْلاً من ذوات الياء مثل عاش يعيش وطاب يطيب فانه يقلبه إلى الواو فيقول الطوب والعوش فأن كان الطوب الأجر اشتقاقه من الطيب فإنما أريد به والله اعلم إن الموضع إذا بني به طابت الإقامة فيه ولعلنا لو سألنا من يرى طوبى في كل حين لم حذفت منها الألف واللام لم يحر جواباً ...
والذين يشربون ماء الحيوان في النعيم المقيم هل يعلمون ما هذه الواو التي بعد الياء وهل هي منقلبة كما قال الخليل أم هي على الأصل كما يرى غيره من أهل العلم
ومن هو مع الحور العين مخلد هل يدري ما معنى الحور ومن أي شيء اشتقت هذه اللفظة فان الناس يختلفون في الحور فيقول بعضهم هو البياض ومنه اشتقاق الحواري من الخبز و الحواريين إذا أريد بهم القصارون والحواريات إذا عني بهن نساء الأمصار وقال قوم الحور في العين إن تكون كلها سوداء وذلك لا يكون في الأنس وإنما يكون في الوحوش وقال آخرون الحور شدة سواد سواد العين في شدة بياض بياضها وقال بعض الحور سعة العين وعظم المقلة وهل يجوز أيها المتمتع بالحور العين إن يقال حير كما يقال حور ...
حوراء عيناء من العين الحير وكيف يستجيز من فرشه من الإستبرق إن يمضي عليه ابد وهو لا يدري كيف يجمعه جمع التكسير ولا كيف يصغره والنحويون يقولون في جمعه أبارق وفي تصغيره أيبرق وكان أبو إسحاق الزجاج يزعم أنه في الأصل مسمى بالفعل الماضي وذلك الفعل استفعل من البرق أو البرق وهذه دعوى من أبي إسحاق وإنما هو اسم أعجمي عرب وهو العبقري الذي عليه اتكاء المؤمنين إلى أي شيء نسب فأنا كنا نقول في الدار الأولى إن العرب كانت تقول عبقر بلاد تسكنها الجن وأنهم إذا رأوا شيئاً جيداً قالوا عبقري كأنه من عمل الجن إذ كانت الإنس لا تقدر على مثله ثم كثر ذلك حتى قالوا سيد عبقري وظلم عبقري قال ذو الرمة:
حتى كأن جزون القف ألبسها من وشي عبقر تجليل وتنجيد
وقال زهير:
بخيل عليها جنة عبقرية جديرون يوماً إن ينالوا أو يستعلو
وان كان أهل الجنة عارفين بهذه الأشياء قد ألهمهم الله العلم بما يحتاجون إليه فلن يستغني عن معرفته الولدان المخلدون، فان ذلك لم يقع إليهم وأنا لنرضى بالقليل مما عندهم جزاء على تعليم الولدان فيبتسم إليهم رضوان ويقول لهم إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون فانصرفوا رحمكم الله فقد أكثرتم الكلام فيما لا منفعة فيه وإنما كانت هذه الأشياء أباطيل زخرفت في الدار الفانية فذهبت مع الباطل فإذا رأوا جده في ذلك قالوا رحمك الله نحن نسألك إن تعرف بعض علمائنا الذين حصلوا في الجنة بأنا واقفون على الباب نريد إن نخاطبه في أمر فيقول رضوان من تؤثرون إن أعلم بمكانكم من أهل العلم الذين غفر الله لهم فيشتورون طويلاً ثم يقولون عرف بموقفنا هذا الخليل بن أحمد الفراهيدي فيرسل إليه رضوان بعض أصحابه فيقول له على باب الجنة قوم قد أكثروا الكلام وأنهم يريدون إن يخاطبوك فيشرف عليهم الخليل فيقول أنا الذي سألتم عنه فما الذي تريدون فيعرضون عليه مثل ما عرضوا على رضوان فيقول الخليل إن الله جلت قدرته جعل من يسكن الجنة ممن يتكلم بكلام العرب ناطقا بأفصح اللغات كما نطق بها يعرب بن قحطان أو معد بن عدنان وأبناؤه لصبه لا يدركهم الزلل ولا الزيغ وإنما افتقر الناس في الدار الغرارة إلى علم اللغة والنحو لأن العربية الأولى أصابها تغيير فأما الآن فقد رفع عن أهل الجنة كل الخطأ والوهم فاذهبوا راشدين إن شاء الله، فيذهبون وهم مخفقون مما طلبوه"
وفيما سبق من المتخيلة يعلن على لسان الملاك أن كل ما ذكر أباطيل لا أصل لها مثل :
"فيبتسم إليهم رضوان ويقول لهم إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون فانصرفوا رحمكم الله فقد أكثرتم الكلام فيما لا منفعة فيه وإنما كانت هذه الأشياء أباطيل زخرفت في الدار الفانية فذهبت مع الباطل"
ويعلن على لسان الخليل سبب وجود اللغويين في الدنيا فيقول:
"فيشرف عليهم الخليل فيقول أنا الذي سألتم عنه فما الذي تريدون فيعرضون عليه مثل ما عرضوا على رضوان فيقول الخليل إن الله جلت قدرته جعل من يسكن الجنة ممن يتكلم بكلام العرب ناطقا بأفصح اللغات كما نطق بها يعرب بن قحطان أو معد بن عدنان وأبناؤه لصبه لا يدركهم الزلل ولا الزيغ وإنما افتقر الناس في الدار الغرارة إلى علم اللغة والنحو لأن العربية الأولى أصابها تغيير فأما الآن فقد رفع عن أهل الجنة كل الخطأ والوهم فاذهبوا راشدين إن شاء الله"
ومن النقد اللغوى للمعرى فيما سبق سخريته من كون بعض أسماء الملائكة عربى وبعضهما أعجمى كما يزعم اللغويين بقوله:
"أم تراني أداري منكرا ونكيرا فأقول كيف جاء اسماكما عربيين منصرفين وأسماء الملائكة أكثرها من الأعجمية"
وهو سيعلن أن اللغوى مثله لا يقدر على قول فصل في وز ن كلمة سندس فيقول:
"وهذا السندس الذي يطؤه المؤمنون ويفترشونه كم فيهم من رجل لا يدري أوزنه فعُلُلٌ أم فنُعُلٌ والذي اعتقد فيه إن النون زائدة وأنه من السدوس وهو الطيلسان الأخضر قال العبدي
وداويتها حتى شتت حبشية كان عليها سنُدسا وسُدوساً
ولا امنع إن يكون سندس فعللا ولكن الاشتقاق موجب ما ذكرت"
والقارىء يرى فيما سبق حديثه عن الاختلاف الظاهر في أصول الكلمات ومعانيها وهو اختلاف لا يهم أحد لكونه باطل كما قال على لسان الملائكة إنها أباطيل
والرجل يعلن انه جاهل طلق الكلام في هذا الخبل من الاختلاف فيقول:
"قد ناديت بتكذيب القالة نداء خص وعم واعتذرت من التقصير إلى من هزل وجد واعترفت بالجهالة عند من نقص ومن ابر وقد حرم علي الكلام في هذه الأشياء لأني طلقتها طلاقا بائنا لا أملك فيه الرجعة وذلك أني وجدتها فوارك فقابلت فركها بالصلف والقيت المرامي إلى النازع وخليت الخطب لرقاة المنابر وكنت في عدان المهكة أحد إذا زاولت الأدب كأنني عار يعتم أو أقطع الكفين يتختم وينبغي له أدام الله تمكينه إن ذكرني عنده ذاكر إن يقول دهدرين سعد القين إنما ذلك أجهل من صعل الدو خال من الحلية كخلو البو ولو كنت في جن العمر كما قيل كنت قد أنسيت ونسيت لأن حديثي لا يجهل في لزوم عطني الضيق وانقطاعي عن المعاشر ذهاب السيق "
وبين أن أبا القاسم يسأله امتحانا له فيقول:
"ومثله لا يسال مثلي بل للامتحان والحبرة فان سكت جاز إن يسبق إلى الظن الحسن لان السكوت ستر يسبل على الجهول وما أحب إن تفتري على الظنون كما افترت الألسن في ذكرها أني في ذكرها أني من أهل العلم "
والمسألة الثانية في الكتاب كلمة إياك والمعرى يرى فيها مذهب الخليل ولكنه يجرنا إلى أن التصريف هو ضرب من الخبل فيقول :
"القول في إياك
أما موضع الكاف فهو عارف بما قال للناس فيه والذي اعتقده مذهب الخليل وأن الكاف في موضع جر لأننا وجدنا هذه اللفظة لا تنفرد بنفسها في حال وإنما هي مضافة إلى الظاهر أو المضمور وليست كافها مناسبة لكاف ذاك والنجاك ورويدك وأرأيتك لان هذه حروف تنفرد فيقال ذا ورويد والنجا وأرأيت ويقال إن في مصحف ابن مسعد كافا زائدة في الخط في كل أرأيت في القرآن ...
وأما وزن إيا فان المتقدمين الذين وضعوا أحكام التصريف وزنوا الأفعال والأسماء بالفاء والعين واللام فجعلوهن أصولا في الأوزان ولم يحتاجوا في الثلاثي إلى غيرهن فلما جازوا الثلثة رأوا إن يكرروا أ إلام وكانوا في تكريرها مضطرين وذلك اصطلاح وقع بين أهل القياس لأنهم إذا قالوا وزن جمل فعل ووزن جذع فعل لم يحتاجوا إلى غير الحروف الثلاثة فإذا وزنوا جعفرا ونحوه ضاقت الثلاثة إن تسعه فلزمهم إن يجيئوا بحرف رابع فكرهوا إن يجعلوه فاء من الفعل أو عينا فيجيئوا ببناء مستنكر فأضافوا إلى اللام مثلها لأنه قد ورد مثل ذلك في الملحقة من الأسماء الأفعال كقولهم قردد وشملل في مشيته
والذي عليه المتقدمون إلا يزنوا الحروف التي جاءت لمعنى ولا الأسماء المضمرة لأنها لا تشتق فيحكم عليها بالحذف والسلامة من الزوائد أو كونها من المزيدات ولو قال قائل ما وزن إن وهو الأمر من آن يؤون أي رفق في السير لقيل وزنه فل ولأصله أفعل ....ولو قال قائل ما وزن أنا من قولك أنا خير منك لم يجب إن يمثل له ذلك بالفعل إذ كانت هذه كلمة موضوعة بغير اشتقاق ولا يجوز إن يوزن إلا إن يكره على ذلك مجبر وكذلك أنت وهو وهي وما جرى مجراهن لما لم ينطق منهن بفعل وجب ألا يجرين مجرى زيد وعمر قال وضرب
والناس في الاشتقاق فرقتان فطائفة تقول إن الأسماء والأفعال كلها مشتقة وطائفة تذهب إلى إن بعض الأسماء مشتق وبعضها ليس بمشتق فأما الأفعال فيلزم أصحاب القياس اشتقاقها كلها من اسماء الفاعلين ومن المصادر واما الأسماء فبعضها مشقق من بعض ومن زعم ان الأسماء قبل الأفعال لزمه إلا يجعل اسما مشتقاً من فعل على إن أهل هذا الشأن يسامحون بالعبارة في ذلك اختلف المتأخرون في اشتقاق الحروف فقال بعضهم الحروف لا تشتق وقال آخرون بل لها اشتقاق وانما ينبغي إن يطلق هذا على ما عدده منها ثلاثة أحرف فما زاد، فأما ما عدده حرفان أو هو حرف واحد لا ينفرد فلا يمكن في ذلك إلا إن يحكموا على الحرف بعد أخراجه من الباب فيقولون إذا سمينا الرجل بمن الخافضة ثم صغرناه فلا بد إن زيد فيه حرفا كما فعلنا بدم ويدٍ في التصغير فإذا قلنا في تحقير من بعد التسمية بها مني ومنين وجب إن يقال وزن من فع ووزن كم على هذا فع ووزن رب فعل فإذا خففت فوزنها، فع وأسماء الأضمار جرت عندهم مجرى الحروف المفردة في أنها لا توزن ولو فعلنا بأنا ما فعلنا بمن لجاز إن نقول وزنه فعل إلا إن ذلك خروج من الباب...
ومن زعم إن اياك مضافة فللسائل إن يسأله عن اشتقاقها كما يسأله عن اشتقاق معزى ووزنها إذا قال معزاك والألفاظ تتقارب وتتفق في السمع وهي مختلفة في المعنى والوزن وليس ذلك في كل الألفاظ وانما هو في بعض دون بعض ..."
انتقد المعرى المتكلمين في الصرف انتقادا لاذعا ذاكرا الخلافات الكثيرة في وزن الكلمة الواحدة وكون الحروف توزن أو لا توزن وهى خلافات جنونية ما زالت تدرس في المدارس وبسببها يفقد المتميزون درجات عدة لأن المجانين الذين يضعون الامتحانات لا يقولون لهم كل الأصول في المناهج فمن يعتقد في صحة رأى أحدهم يجعل إجابات من لم يتفق معه فى الرأى خطأ مع أن القوم ذكروا هذا وذاك والطالب لن يعرف معتقد واضع الامتحان لأنه ليس مذكور فى المنهج
وتعرض المعرى للمسألة الثالثة وهى :
القول في آية وغاية وثاية فقال :
للنحويين في آية ثلاثة أقوال الأول قول الخليل وهو ان آية وزنها فعلة بتحريك العين وأصلها ايية فلما قلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها وحركتها في نفسا وجب ان تصبح الياء التي هي في موضع اللام
فان قيل فما يمنع ان تكون آية فعلة أو فعلة لأنا إذا بنينا شيئا على هذا الوزن لزمنا فيه القلب إذ كان الذي يوجبه حركة المنقلب وانفتاح ما قبله ولو بنينا مثل معدة من باع وقال لقلنا باعة وقالة ....ولم يصرفوا الفعل من آية أعني فعل الثلاثة لأنهم لو نطقوا به صاروا إلى ما يتثقلون إذ كانوا لو بنوه مثل بارع لزمهم ان يقولوا في الماضي آي فيجيئوا بآخر الفعل على هيئة لم تنطق بمثلها العرب ... وهذا القول في آية قول الفراء وقد حكاه سيبويه عن قوم من النحويين لم يسمهم ولاشك ان الفراء تبعهم في ذلك والقول الثالث في آية قول ينسب إلى الكسائي وهو أن آية أصلها فاعلة فإذا صح ذلك فلا بد من حذف ولا يكون المحذوف الهمزة إلا أحد حرفين الهمزة أو الياء فإذا قيل ان المحذوف همزة فاصلها آئية فحذفوا الهمزة وكان حذفها هاهنا أقيس منه في قولهم هو شاك السلاح ومكان هار
غاية استدل على انها من ياءين بقولهم غييت غاية وهو نحو الراية وقالوا غياية للسحابة ولولا ذلك لجاز ان تقول في غاية إذا عني بها الراية انها من ذوات الواو مأخوذة من قولهم تغاوى القوم إذا اجتمعوا كأنهم يريدون الاجتماع إلى الراية المنصوبة
ورابة يذكرها النحويون في هذا الباب وقد همزها بعض العرب وإذا همزت فهي من رأيت وليست من باب آية ...
وهذه الأسماء التي ظهرت فيها الياء وهي على مثل آية تجري في النسب مجراها القول في اسم وحقيقة الحذف منه كان أصل الأسماء ان تجيء غير محذوفات وإنما يستدل على حذفها بالاشتقاق والتصغير والجمع والعلل الجارية عليها في أنحاء العربية فكأن قائلا في الأصل قيل له ما فرس أو ما رجلٌ فقال اسم فوقع للسامع أن الهمزة من الأصل لأنه سمع جرسا على مثل إذن وإبط وإدل والإدل اللبن الحامض فقال السامع هذه همزة أصلية فيجب ان يكون اشتقاقها من اسم ياسم فرجع إلى أصل الكلام
وقال آخر:
لقيت ابنة البكري زينب عن عُفر ونحن حرام مسي عاشرة شر
فقبلتها ثنتين كالثلج منهما وأخرى على لوح أحر من الجمر
فقولهم ثنتان استدل به النحويون على أن أصل الثآء في قولهم اثنان أن تكون مكسورة واستدلوا بقولهم ثنوي على ان الثآء يجب أن تكون مفتوحة فتنازع في اثنين أصلان أحدهما أن يكون وأحدهما على فعل مثل ثني والآخر أن يكون على ثني مثل رحى إلا أنه لحقه التغيير وقد يجوز ان يجيء الاسم الواحد على فعل وفعل كما قالوا حرج وحرج وحلس وحَلَسُ وشبه وشبه واستدلوا بقولهم ثنيت وثني على أن المحذوف ياء وقد حكي أن بعض العرب تقول الاثن فيجيء به على لفظ ابن ووزن اثن على هذا القول إفع ووزن اثنين يجب أن يكون افعين واثنتان وزنهما افعتان وثنتان وزنهما فعتان، وقد حكي ثنوت في معنى ثنيت فإذا صح ذلك جاز ان يكون المحذوف واوا فأما ابن فبعض الناس يذهب إلى ان الذي حذف منه واو وذلك اختيار سعيد بن مسعده "
كالعادة حكى المعرى اختلاف القوم فى مصادر الاشتقاق والوزن وذكره هو من باب القول لأنها أباطيل لا فائدة منها
وأما الموضوع التالى فهو القول في سيد وميتٍ حيث ذكر الخلافات فقال:
"الترخيم لا يجب أن ترد به الأمثله إلى أصولها لأن الرد إنما يقع فراراً من مجيء شيء على غير أمثله العرب وليس ذلك في سيدٍ وبابه لأن سيدا وميتاً على وزن فيعل في رأي البصريين وزعم الرؤاسي أن أصله فيعل فنقل إلى فيعل وهذا راجع إلى القول الأول وزعم الفراء أن أصله سويد ومويت وكذلك يزعم في جميع هذه المعتلات وكأن مذهبه أن ا لواو سكنت وأدغمت في الياء و الإدغام يغير الأول إلى حال الثاني فأصل سيد على القولين الأولين سيودٌ وأصله على القول الثاني سويدُ ثم نُقل إلى سويد والفراء يعتل لمذهبه بقولهم طّيبٌ وطُياب فجاؤا به على فعيل و فُعال كما قالوا طويلٌ وطوّال وأنشد:
إنا بذلنا دونها الضرابا لما وجدنا ماءها طُيابا
وقال الآخر:
جاء بصيد عجب من العجب ازيرق العينين طُوّال الذنب"
والموضوع التالى هو القول في ترك القُراء إمالة يا إذا كان حرف النداء وفيه قال :
الإمالة اصلها للأفعال لأنها كثيرة التغير لأنك تقول مضى ويمضي ويبنى الفعل على أبنية مختلفة فتظهر حالُ الياء ثم اتسعوا في ذلك فأجروا الاسماء لقوتها مجرى الافعال والإمالة توجد في كلامهم على سبعة انحاء إمالة لياء موجودة كإمالة شيبان وعيمان وإمالة لياء غير موجودة في الللفظ وهي في البناء منقلبة كإمالة باع وسار لأنه من البيع والسير وإمالة لكسرة موجودة كإمالة كإمالتهم ألف عماد وكافر وإمالة لكسرة غير موجودة ولكنها مقدرة في أصل ابناء كإمالتهم خاف لأجل الكسرة التي في خفت وإمالة لإمالة كقولك رأيت عمادا فأمالوا الألف التي بعد الدال إذا وقفوا لإمالتهم الألف التي بعد الميم وإمالة للتشبيه وهى إمالة ألف غزا والمكا كأنهم شبهوا ذوات الواو بذوات الياء وإمالة شاذة نحو قولهم الحجاج أمالوا الاسم من هذا النوع دون الوصف"
والرجل لا يقول كلامى فيما ذكره دليل على عدم اعترافه وإنما يقول كلامهم فى قوله " والإمالة توجد في كلامهم على سبعة انحاء"
ثم ذكر القول في قول الراجز
أين الشظاظان وأين المربعه وأين وسق الناقة الجلنفعه فقال:
"الأبيات التي يسأل عنها على أربعة أضرب بيت فارد وهو الذي ليس بعده شيئ ولا قبله وبيت فاتح وهو المبتدأ به وبعده بيت اخر وبيت واسط وهو الذي قبله بيت وبعده بيت وبيت خاتم وهو الذي يكون آخر الأبيات وكل بيت يسأل عنه فانه لا يخلو من أحد أمرين إما إن يكون معناه قد كمل فيه وإما أن يكون معناه يكمل في الذي بعده أو الذي قبله أو فيهما جميعاً وإنما قدمت ذلك لأن هذا الشعر الذي سأل عنه يتردد في كتب اللغة وهو على ما ذكر ليس قبله شيء ولا بعده وهو بيتان لان قوله: (أين الشظاظان وأين المرْبعَه) بيت على رأي النحويين المتقدمين و المتأخرين ألا ترى الذين عدوا شواهد كتاب سيبويه عدوا قول العجاج:
قواطفا مكة من ورق الحمي
بيتا وكذلك قول الآخر دار لسعدى إذه من هواكا
وعدوا قول الآخر: رُبَّ ابن عم لسليمى مُشمعل طباخ ساعات الكرى زاد الكسل بيتين وكذلك جميع ما تسميه العرب رجزا إذا عده أهل العلم بالعربية جرى عدده على ما تقدم ذكره "
وهو يطالب بإعمال قول العرب فى أبيات الرجز
ثم ذكر القول في المسألة التي ذكرها ابن كيسان في كتابه المهذب فقال:
"وهو قوله هذا هذا هذا هذا أربع مرات فذكر على قول الكوفيين إن الأولى تقريبٌ والثانية مثال وهو اسم الفاعل والثالثة فعلٌ والرابعة مفعول وهذه المسالة بينة وأما قوله تقريب فهو من قرب الشيء كقولهم من كان يريد الماء، فهذا النهر، ومن كان يريد الكسوة فهذه البرودُ ومنهُ، قول جرير:
هذا ابنُ عُمي في دمشق خليفةٌ لو شئت ساقكم إلي قطينا"
وهذا الكلام من الألغاز فأوله اسم إشارة وثانيه فعل بمعنى خرف وثالثه اسم بمعنى خرافات ورابعه مفعول مطلق فيكون المعنى :
هذا خرف خرافات تخريفا
ثم ذكر القول في قول الراجز يا أيها الضب الخذوذان :
"هذا البيت ينشد على أنه خاطب الواحد ثم خرج إلى خطاب اثنين وهو على معنى قوله رب أرجعون ومثل ذلك موجود إلا أن هذا البيت قبح فيه مثل ذلك لأن التثنية وقعت موقع النعت فتبين الخلل في اللفظ وإذا أنشدوا الخذوذان فاشتقاقه من الخذاذات وهي ما يقطع من أطراف الفضة والمعنى أن هذين الضبيين يحتفران فيقطعان الصخر والجندل كما تقطع الفضة، والضبّ معروف بالحفر ولذلك قالوا ضب دامي الأظافير، قال الشاعر:
كضب الكدى أدمى أنامله الحفر
وإذا قيل الخذوذيان فهو تثنية خذوذى مأخوذ من الخذاء وهو الاسترخاء يقال وقعوا في ينمة خذواء وهي ضرب من النبت، أي قد طالت واسترخت ومنه قيل الخذا في الأذن ووزن خذوذ فعول ووزن خذوذى على رأي سيبويه فعوعل وعلى رأي غيره فعلعل وكلا الوجهين له مذهب وجهة"
ثم ذكر القول في مهيمن وهو :
"جاءت في القرآن أشياء لم يكتر مجيئها في كلام العرب فمنها مهيمن وأجمع الناس على أنه مفيعل وانه مكبر وإن رافق لفظه لفظ التصغير وهو جار على فيعل وإذا حمل على الاشتقاق فانه لا يخلو من أمرين أحدهما أن يكون من همن وهذا فعل ممات وان كان كذلك فليس يجب إن يخرج من كلام العرب لأن اللغة واسعة جدا ولا يمكن أن يدعي حصولها في الكتب عن آخرها وقد تكون الكلمة حقيقة في اللفظ ولم ينطقوا بها فيما اشتهر من الكلام كقولهم المدع فهذه الكلمة تشبه كلام العرب ويذكر المتقدمون انهم نطقوا بها وكذلك الرمج "
البحق عن الوزن والأصل كله خبل فالمطلوب هو المعنى وبيس هذا الحبل ومعنى مهيمنا عليه أى مصلحا له
ثم ذكر القول في اللفظ المنقول من كتاب المراغي:
إذا أشكلت الألفاظ في كتب والغرض معلوم فما ينبغي للناظر أن يحفل بذلك وليقصد أخذ المعنى والفاء ما يظهر من اللفظ الفاسد وان كان الغرض غير مفهوم فعند ذلك يجب التوقف والذي قصده المراغي بين واضح والكرم الذي نقل قد سقط منه شيء يحتمل أن يكون عبارة من عبارات مختلفةٍ ولا يفتقر إلى تمثيله لأن الباب في هذا إن الياء إذا كانت في الواحد مخففة فهي في الجمع كذلك وإذا كانت مشددة في الآحاد رجع التشديد في الجموع "
وما ذكره من وجود السقط فى الكتب كلام صحيح