رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب الانتصار على من أزرى بالنبي(ص) والمهاجرين والأنصار
المؤلف حمود بن عبدالله التويجري وهو يدور حول نقد مقال كتبه من يسمى عبد الله السعد مسيئا للنبى (ص) والمؤمنين به وفى مقدمته قال :
"مخالفة عبدالله السعد للكتاب والسنة وأئمة اللغة والمعلوم بالضرورة في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والخوف على الكاتب أن يكون مرتدا والتحدي أن يقول ما قاله في النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في الأسرة المالكة وفيها واجب ولي الأمر نحوه وأنه لا يجوز العفو عنه
وفيها أن مقاله إساءة لشعور المسلمين وتصديق للغربيين والمغرضين ومهزلة ومضحكة وكذب في النقل وعمى في البصيرة وخطأ في الفتيا وقياس فاسد وتهجم على أهل الخير عامة.
إلى غير ذلك من محتويات هذه الرسالة العظيمة في معانيها وأدلتها المدعمة بالكتاب والسنة والعقل، وفيها الحث على وجوب المسارعة إلى محو هذه الخطيئة التي شاركت فيها صحيفة البلاد."
وأما ما ناقشه السعد هو كون الرسول(ص) وقومه بدو وهو قوله:
"أما بعد: فقد رأيت مقالا (لعبدالله السعد) نشر في جريدة البلاد عدد 1993 وتاريخ 28 ربيع الثاني سنة 1385 هـ، زعم فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدوي، وأن الخلفاء الراشدين والصحابة قوم من البدو وهذا خطأ ظاهر وغلط فاحش، وقول باطل معلوم البطلان بالضرورة عند كل عاقل شم أدنى رائحة من العلم.
ولا يصدر هذا القول عن رجل يعلم ما يقول. إذ من المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد في مكة ونشأ بها إلى أن تم له ثلاث وخمسون سنة، ثم هاجر من مكة إلى المدينة وتوفي بها صلوات الله وسلامه عليه فهو حضري لا بدوي وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من المهاجرين من قريش فإنهم كانوا من أهل مكة ثم تحولوا منها إلى المدينة ثم تفرقوا بعد ذلك في الأمصار فهم من الحضر لا من البدو وكذلك الأنصار فإنهم كانوا في المدينة ثم تفرقوا بعد ذلك في الأمصار فهم من الحضر لا من البدو."
وقد نفى التويجرى في الفقرة السابقة كون النبى(ص) والمهاجرين بدو لأنهم كانوا يعيشون في البلد الأمين وهى أم القرى كما قال تعالى:
" وهذا البلد الأمين"
وقال :
" لتنذر أم القرى ومن حولها"
والبدو لا يجتمعون في بلد وإنما هم أوزاع متفرقون في بيوت متباعدة حتى لو كانت البيوت في منطقة واحدة وذلك لامتدادهم وعيشتهم في غير البيوت المبنية إلا قليلا
وأما أهل المدينة وهم الأنصار فقد عاشوا في بلدة اسمها المدينة واسمها كافى في نفى البداوة عن سكانها ومعهم المهاجرين الذين عاشوا معهم لأن الله اعتبر البدو وهم الأعراب من يعيشون خارجها فقال :
"وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم"
وتحدث التويجرى عن انقسام المؤمنون بالنبى(ص) إلى قسمين حاضرة وبدو فقال :
"وسائر الصحابة على قسمين.
حاضرة وهم سكان المدن والقرى.
وأعراب وهم سكان البادية.
وقد هاجر كثير من الأعراب وسكنوا القرى فكانوا من الحضر لا من البدو.
وبالجملة فكل من كان ساكنا في مدينة أو قرية فهو حضري ومن كان مقيما في البرية فهو بدوي وقد نص أهل اللغة على هذا"
وهذا الاستنتاج صحيح وأما الاستدلال عليه باللغة فليس دليلا من الوحى ولا اعتبار سوى لأدلة الوحى
وقد نقل من كتب اللغة التالى فقال :
"قال الجوهري الحضر خلاف البدو.
وقال أيضا والحاضر خلاف البادي، والحاضرة خلاف البادية، وهي مدن والقرى والريف والبادية خلاف ذلك يقال: فلان من أهل الحاضرة، وفلان من أهل البادية، وفلان حضري، وفلان بدوي.
وقال أيضا: والبدو البادية والنسبة إليها بدوي، وفي الحديث من بدا جفا، أي من نزل البادية صار فيه جفاء الأعراب والبداوة الإقامة بالبادية، وهو خلاف الحضارة وتبدى الرجل أقام بالبادية، وتبادى تشبه بأهل البادية.
وقال ابن الأثير الحاضر المقيم في المدن والقرى والبادي المقيم بالبادية، وكذا قال ابن منظور وغيره من أهل اللغة وهذا شيء معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم من حاضرة وبادية أن من كان ساكنا في مدينة أو قرية فهو حضري. ومن كان مقيما في البرية فهو بدوي"
وإذا كان دفاع التويجرى عن كون النبى(ص) والمهاجرين وألأنصار من الحضر وهم أهل المدن والقرى فهو دفاع صحيح ومرحب به لأنه دفاع عن حقيقة ثابتة بالوحى
وأما إذا كان دفاعه ذما للبدو والبادية فهو دفاع خاطىء وسوف نسير معه في بحثه حيث نفى أن من بقى في البادية سنتين أو شهورا لا يمكن تسميته بدويا فقال :
"وأما كونه - صلى الله عليه وسلم - رضع من حليمة السعدية وهي بدوية وأقام عندها سنتين وشهرين أو ثلاثة أشهر في البرية فلا يلزم من هذا الرضاع وهذه الإقامة القصيرة أن يكون بدويا فيما بعد ذلك. وعكس هذا لو أن صبيا من أهل البادية ارتضع من امرأة حضرية وأقام عندها مدة ثم تحول إلى البادية واستمر بها فهو معدود من البدو لا من الحضر ولا عبرة برضاعه وإقامته عند المرضعة مدة قصيرة.
ومثل هذا من خرج إلى البادية لطلب علم أو مال ثم رجع إلى الحاضرة فهو معدود من الحضر لا من البدو وقد خرج الأصمعي والأزهري وغيرهما من أهل اللغة والأدب إلى البادية وأقاموا بها مدة ثم رجعوا إلى الحاضرة ولم يقل أحد من أهل العلم أن الأصمعي والأزهري كانا بدويين من أجل خروجها إلى البادية لطلب اللغة والأدب وقد قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى}"
ونجد أن التويجرى قد أخطأ الدفاع في الفقرة السابقة حيث اعتبر البدو أسوأ الناس أخلاقا فقال :
"قال ابن كثير في تفسيره المراد بالقرى المدن، لا أنهم من أهل البوادي الذين هم من أجفى الناس طبعا وأخلاقا.
وهذا هو المعهود المعروف أن أهل المدن أرق طباعا وألطف من أهل بواديهم وأهل الريف والسواد أقرب حالا من الذين يسكنون في البوادي ولهذا قال تعالى: {الأعراب أشد كفرا ونفاقا} الآية.
وقال قتادة في قوله. (من أهل القرى) لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمود، وقال تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا}.
وقال تعالى: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم}. وفي هاتين الآيتين دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حضريا لا بدويا."
وهذا الكلام خطأ فاحش فالأخلاف حسنها أو سوءها ليس بمكان الإقامة فنبى الله يعقوب عاش في البدو فترة طويلة كما قال ابنه يوسف(ص):
"ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى"
كما أن موسى(ص) عاش بدويا فترة هروبه يرعى الغنم نهارا خارج مدين فالبداوة ليست مدعاة لسوء الخلق ولا لحسنه وكذلك المدنية أو الحضرية لأن الله وصف الأقوام وغالبهم كان حضريا كعاد وثمود وقوم نوح(ص) وقوم لوط(ص)بأوصاف سيئة مثل أنهم أظلم وأطغى وأهوى فقال:
"أنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا أظلم وأطغى والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى"
وقد ناقض التويجرى كلامه في الفقرة السابقة عن سوء أخلاق البدو بذكر مؤمن بدوى أخلاقه حسنة من خلال الأحاديث فقال :
"وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر كان يهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية من البادية فيجهزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج فقال النبي إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه. الحديث وإسناده صحيح على شرط الشيخين وقد رواه الترمذي في الشمائل عن إسحاق بن منصور عن عبدالرزاق به وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه أيضا أبو يعلى والبزار وغيرهما.
وروى البزار أيضا والطبراني عن سالم بن أبي الجعد عن رجل من أشجع يقال له زاهر بن حرام الأشجعي رجل بدوي وكان لا يزال يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بطرفة أو هدية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكل حاضر بادية وبادية آل محمد زاهر بن حرام قال الهيثمي رجاله موثقون.
وفي هذين الحديثين دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حضريا ولم يكن بدويا وهذا شيء معلوم بالضرورة ومقطوع به عند كل عاقل، ومثله لا يحتاج إلى دليل لأنه أوضح من الشمس في رابعة النهار والأمر فيه كما قيل:
وكيف يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل"
أقول إن الأخلاق لا يتدخل فيها مكان المعيشة وإنما ألخلاق بالمشيئة الإنسانية وهى الإرادة كما قال تعالى :
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
وقد ساق التويجرى أدلة من الوحى تحمد له عن كون كل الرسل(ص) من أهل القرى فقال :
"وإنما سقت الدليل من الكتاب والسنة ليعلم ما في مقال عبدالله السعد من مخالفة الكتاب والسنة مع مخالفته أيضا للغة العرب, ولما هو معلوم بالضرورة عند كل عاقل ولا يخفى ما في مقال عبدالله السعد من الإزراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين وسائر المهاجرين والأنصار والغض منهم، لأن البداوة صفة نقص بالنسبة إلى الحضارة، ولهذا ما بعث الله نبيا إلا من أهل ولم يبعث نبيا من البادية.
قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى}
وقال تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا)."
ولكنه عاد للتخريف وهو اتهام البدو بالنقص فقال :
"ومما يدل أيضا على أن البداوة صفة نقص قوله تعالى: {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله}، وقوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} الآيات وروى أبو داود وابن ماجة والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية» رواته كلهم ثقات وإسناد ابن ماجة صحيح على شرط مسلم.
قال الخطابي يشبه أن يكون إنما كره شهادة أهل البدو لما فيهم من الجفاء في الدين والجهالة بأحكام الشريعة ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها ولا يقيمونها على حقها لقصور علمهم عما يحيلها ويغيرها عن جهتها انتهى.
وروى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من بدا جفا» رجاله ثقات.
وروى الإمام أحمد أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – مثله وروى الإمام أحمد أيضا. والبخاري في الكنى وأهل السنن إلا ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من سكن البادية جفا. قال الترمذي حسن غريب.
وفي هذه الأحاديث دليل على أن البداوة صفة نقص."
والأحاديث السابقة كلها باطلة والخطأ فيها ظاهر فمثلا عدم جواز شهادة البدوى على الحضرة تتناقض مع قبول كل الشهادات من المسلمين على بعضهم في قوله تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين"
ومثلا من بدا جفا اتهام لنبى الله يعقوب(ص) بالجفاء لأنه عاش في البدو فترة كما قال تعالى:
" وجاء بكم من البدو"
والتويجرى تناسى أو تغافل متعمدا مدح الله لبعض ألعراب بالإيمان فقال فيهم :
"ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا أنها قربة لهم سيدخلهم الله فى رحمته إن الله غفور رحيم"
وقال :
"وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم"
وتحدث التويجرى عن ما قاله السعد يعد استخفافا بالنبى(ص) وهو ما يجعله مرتدا ونقل في ذلك كلاما قال فيه:
"ومع هذا يتجرأ (عبدالله السعد) فيصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبداوة ويصف بذلك الخلفاء الراشدين وسائر المهاجرين والأنصار الذين كانوا ساكنين في المدن والقرى.
أما يخشى عبدالله السعد أن يكون مرتدا عن الإسلام من أجل استخفافه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإزرائه به وبالمهاجرين والأنصار وهو لا يشعر.
فقد ذكر ابن حجر الهيتمي في كتاب الزواجر أن من استخف بالرسول - صلى الله عليه وسلم - واستهزأ به أو بشيء من أفعاله كلحس الأصابع أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو فعله أو عرض بذلك أو شبه بشيء على الطريق الإزراء أو التصغير لشأنه أو الغض منه أنه يكفر إجماعا
ولا يخفى ما في كلام عبدالله السعد من الاستخفاف بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والغض منه التصغير لشأنه.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - أولى الخلق كلهم بصفات الكمال اللائقة بالمخلوقات وأبعدهم عن صفات النقص وأحق من غيره بالتوقير والاحترام، وأولى بالذب عنه وتأديب من أزرى به وغض منه وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»."
وطالب التويجرى حكومته وحكامه بوجوب عقاب السعد على هذا الخطأ فقال :
"فيجب على ولي الأمر أيده الله أن يذب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وينتصر له أعظم مما ينتصر لنفسه ووالديه والناس أجمعين.
ولا يجوز العفو في مثل هذا لأنه حق للغير بل حق لأفضل الخلق وإنما يجوز للمرء العفو في حق نفسه
وأيضا فإن كثير من المنتسبين إلى الإسلام قد وقر في أنفسهم ما نشره دحلان وأمثاله من علماء الزيغ والضلال من أن الفرقة الوهابية يبغضون الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا يرون توقيره واحترامه.
وإذا رأوا ما قاله عبدالله السعد في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين وسائر المهاجرين والأنصار منشورا في جريدة البلاد التي هي من أشهر الصحف في البلاد العربية لم يبق عندهم شك في صحة ما قاله دحلان وأمثاله في النجديين من بغض الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
فالواجب المسارعة إلى محو هذه الخطيئة وتكذيب ما فتراه دحلان وأشباهه."
والتويجرى بهذا الكلام إما جاهل بما يجرى من الحكام فلا تنشر كلمة في جريدة أو صحيفة أو كتاب ...إلا بإذنهم وأمثال هذا الكلام إنما هو نوع من اشتغال الناس ليظل تفكيرهم بعيدا عن خروج الحكام عن الإسلام يتوارثهم الحكم في المملكة فهم يشغلونهم بأمثال تلك المقالات والتى أحيانا يكتبها أعضاء المخابرات أو الأمن وتعطى للكاتب ليضع عليها اسمه ومن ثم ينشغل الناس في مجتمعاتهم بالانتصار للمقالة أو للهجوم عليها وإما أن يكون رجلا حسن النية
وفيما قبل الختام سأل التويجرى السعد فقال :
"وقبل الختام نسأل عبدالله السعد ماذا يقول في سكان مكة والمدينة الآن، هل يقول أنهم من البدو أو من الحضر، فإن قال إنهم من البدو فكل عاقل يكذبه في ذلك ويضحك من قوله قال إن قال إنهم من الحضر طولب بالفرق بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وبين أهل هذه الأزمان، ولن يجد إلى لفرق الصحيح سبيلا البتة لأن الجميع من سكان المدن والقرى ومن كان ساكنا في المدن والقرى فهو حضري لا بدوي كما تقدم تقريره وإذا كان الجميع من سكان المدن والقرى فما هو السبب الذي دعا عبدالله السعد إلى أن يخص النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأصحابه بالبداوة دون أهل هذه الأزمان مع أن الجميع على حد سواء لا سبب لذلك إلا اتباع ملاحدة الإفرنج من المبشرين وغيرهم وتقليدهم في قولهم أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بدوي وأن أصحابه قوم من البدو ومرادهم بذلك الإزراء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والغض منهم.
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
والقول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا بدوا يلزم منه أن يكون سكان القرى وأهل البادية سواء في صفة البداوة. وهذا خلاف لغة العرب.ط
وهذا الكلام هو تكرار لما قاله سابقا وأما الجديد فهو دفاعه التالى:
"وقد زعم عبدالله السعد أن البدو من بني سعد كانوا يلقنون النبي - صلى الله عليه وسلم - لغتهم السليمة الفصيحة ويدربونه على الحياة البدوية البسيطة وهذا خطأ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أقام عند بني سعد إلا مدة الرضاع وزيادة شهرين أو ثلاثة ذكره ابن إسحاق وغيره وهذه السن لا يمكن الصبي أن يتلقن فيها اللغة الفصيحة والحياة البدوية، فإن الغالب أن الصبي لا يتلقن إلا إذا بلغ سبع سنين فما فوقها.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أمه آمنة بنت وهب منذ بلغ سنتين وشهرين أو ثلاثة أشهر، وماتت أمه وله من العمر ست سنين فكفله جده عبدالمطلب ومات وله من العمر ثمان سنين، ثم كفله عمه أبو طالب إلى أن بلغ فكان يتلقن اللغة السليمة الفصيحة والشيم العربية من جده وأعمامه وغيرهم من قريش. ولغة قريش هي أفصح اللغات وبها نزل القرآن وقد قال الله تعالى: {بلسان عربي مبين}.
وليس الأمر كما زعمه عبدالله السعد من أن لغة البدو هي اللغة السليمة الفصيحة."
وهذا دفاع صحيح لا غبار عليه وناقش مقولة أخرى خاطئة رادا عليها وهى اعتبار كل أهل الجزيرة بدوا فقال :
"وزعم عبدالله السعد أيضا أن سكان الجزيرة العربية قوم من البادية وهذا خطأ. فإن سكان الجزيرة العربية من زمن الجاهلية إلى زماننا هذا على قسمين.
حاضرة وهم من أهل القرى.
وبادية وهم سكان البوادي.
فمن الحاضرة أهل مكة والمدينة والطائف وخيبر ووادي القرى واليمامة وهجر والبحرين وصنعاء ونجران وغيرها من القرى الكثيرة. وأهل مكة معدودون من الحاضرة منذ بنيت مكة في زمان إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام إلى زمننا هذا. وإني أنصح عبدالله السعد وغيره من الكتاب أن لا يطلقوا أقلامهم فيما لا يعرفونه وما لا يعنيهم فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه"
وتحدث التويجرى عن كون السعد كثير الأخطاء في مقالاته فذكر التالى :
"وقد سبق لعبدالله السعد أن كتب مقالا عرض فيه بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر واتهمهم بما هو أولى به هو وأمثاله وقد رد عليه أخونا الشيخ الفاضل عبدالرحمن بن فريان فأجاد وأفاد ورد عليه أيضا أخونا الشيخ الفاضل نائب رئيس الجامعة الإسلامية (الشيخ عبدالعزيز بن باز) ودمغ عبدالله السعد بالرد المقنع من الكتاب والسنة.
وقد أحببت أن أشاركهما البحث في موضوعين.
أحدهما في شأن كعب الأحبار حيث قال فيه عبدالله السعد أنه كان يهوديا متظاهر بالإسلام كعبدالله بن سبأ، وأنه كان يكتب إلى الأمصار باسم عائشة وكبار الصحابة في التحريض على عثمان إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه.
والجواب أن يقال كان كعب الأحبار يهوديا ثم أسلم وحسن إسلامه ولم يزل على حسن الإسلام إلى أن مات وكان عمر رضي الله عنه يدنيه ويستمع إلى حديثه.
وكان عمر رضي الله عنه أعقل من أن يخدعه الناس أو يغتر بالمتصنعين منهم وقد روى عن كعب الأحبار غير واحد من الصحابة وروى عنه أيضا جماعة من التابعين، وأخرج حديثة أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم من المحدثين النقاد الذين يعرفون الناس حق المعرفة ويميزون بين الصادقين منهم والكاذبين وبين الأثبات والمجروحين ولا يخفى عليهم تصنع المتصنعين. وقد ميزوا بين كعب الأحبار وبين عبدالله بن سبأ فألحقوا كعبا بأهل الديانة والصدق والأمانة وألحقوا عبدالله بن سبأ بأهل النفاق والكذب والخيانة.
ويلزم على قول عبدالله السعد أن يكون عمر رضي الله عنه مغفلا حيث كان يدني كعب الأحبار ويستمع إلى حديثه، وأن يكون من روى عن كعب من الصحابة والتابعين مغفلين وكذلك من خرج حديثه من الأئمة حيث كانوا يروون عن يهودي متظاهر بالإسلام وهذا قول باطل مردود.
وقد روى الإمام أحمد والشيخان وغيرهم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما».
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. زاد مسلم إن كان كما قال وإلا رجعت عليه.
ورواه البخاري في الأدب المفرد ولفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قال للآخر كافر فقد كفر أحدهما إن كان الذي قال له كافر فقد صدق وإن لم يكن كما قال له فقد باء الذي قال له بالكفر» ورواه الإمام أحمد في مسنده بنحوه.
وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه». كذلك هذا لفظ البخاري.
ولفظ مسلم: «من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه» - أي رجع إليه ما نسب إليه. ورواه البخاري بهذا اللفظ في الأدب المفرد.
وله أيضا في الصحيح عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله. وإذا علم هذا فنقول أما يخشى عبدالله السعد أن يكون قوله في كعب الأحبار راجعا عليه وهو لا يشعر.
وأما قوله أن كعبا كان يكتب إلى الأمصار باسم عائشة وكبار الصحابة في التحريض على عثمان رضي الله عنه إلى أن قتل فجوابه أن يقال هذا قول ظاهر البطلان لأن كعبا مات في خلافة عثمان رضي الله عنه قال ابن سعد مات كعب سنة اثنتين وثلاثين. وذكر البخاري عن ابن عياش وابن معين أنه مات لسنة بقيت من خلافة عثمان رضي الله عنه.
قلت: ومقتل عثمان رضي الله عنه كان في آخر سنة خمس وثلاثين من الهجرة.
وحينئذ فنقول لعبدالله السعد أما تخاف من الله تعالى أن تبهت امرأ مسلما بما ليس فيه ألست تقرأ قول الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ذكر امرأ بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاذ ما قال فيه» رواه الطبراني قال المنذري وإسناده جيد, وفي رواية له: «أيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها برئ يشينه بها في الدنيا كان حقا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال».
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال» رواه الإمام أحمد وأبو داود والطبراني."
وهذا الكلام في كعب الأحبار هو كلام فيما لا نعلمه فمن كان مؤمنا لا يحق اتهامه ومن كان كافرا يحق اتهامه ولكننا لسنا الله الذى يعلم كل شىء ويعلم ما في الصدور من الخفايا وكل ما أمامنا من روايات هو كلام متناقض وبالفعل هناك روايات تتهم كعبا بادعاء علم الغيب حيث أخبر عمر بمقتله قبل أن يقتل ومن ثم ينبغى ألا نناقش تلك الروايات لأنها تزيد من حجم الخلافات ونكتفى بما أمر الله به المسلمين في الشخصيات التاريخية كإبراهيم (ص) وأولاده وأحفاده وهو أن نقول في الصحابة مثل ما قال الله فيهم :
"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون"
فنحن لن يحاسبنا على أعمالهم سواء كانت حسنة أو سيئة ونحن لا نعلم ما حدث بالضبط حتى نحكم ومن ثم وجب السكوت عن الخوض في تلك الأحاديث التى تزيد حدة الخلافات بين الناس
والموضوع الثانى هو إباحة السعد للتصوير الفوتوغرافى وهى الصور الورقية التى تخرج عن طريق القمرة التى يسمونها الكاميرا وفيه قال التويجرى:
"وزاد وليس بخارج الموضوع الثاني: في إفتاء عبدالله السعد بحل التصوير الفوتوغرافي قياسا على انعكاس الصورة في المرآة وهذا أفسد القياس فإن الصورة التي تنعكس في المرآة لا تثبت فيها بل تزول إذا زال عنها الذي هو مقابلها فلا يبقى لها رسم، وبهذا فارقت الصورة الثابتة سواء كانت بعمل اليد أو الفوتوغراف.
وما يعرض في التلفزيون والسينما هو من الصور الثابتة في الآلة التي تنشر الصور فيراها الحاضرون عند السينما وعند الآلات التي تأخذ من التلفزيون ورسمها حرام بلا ريب ونشرها نشر لما هو مرسوم ثابت, وليس ذلك مثل المرآة ومن سوى بين الصور الثابتة وبين ما يرى في الماء والمرآة وغيرها من الأشياء الصقيلة فقد سوى بين مفترقين وقاس في مقابلة النصوص الكثيرة على تحريم التصوير.
وقد روى الدارمي وابن وضاح وغيرهما عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لا يأتي عليكم عام إلا وهو شر من الذي كان قبله أما أني لست أعني عاما أخصب من عام ولا أميرا خير من أمير، ولكن علماءكم وخياركم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفا، ويجئ قوم يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم) وروى الدارمي أيضا عن ابن سيرين أنه قال: أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس وروى أيضا عن الحسن أنه تلا هذه الآية: {خلقتني من نار وخلقته من طين} قال قاس إبليس وهو أول من قاس، وروى أيضا عن الشعبي أنه قال: والله لئن أخذتم بالمقاييس لتحرمن الحلال ولتحلن الحرام.
وقد فرقت السنة بين رسم التصوير وبين ما ينعكس في المرآة، فأما رسم التصوير فقد جاء في تحريمه أكثر من ثلاثين حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها اللعن للمصورين، والنص على أنهم من أظلم الظالمين، وأنهم من أشد الناس عذابا يوم القيامة وفي رواية منها تكفير من يصنع الصور، وقد ذكرتها في كتابي إعلان النكير على المفتونين بالتصوير فلتراجع، وأما ما ينعكس في المرآة ونحوها من الأشياء الصقيلة، فقد دل حديث ابن عباس وحديث أنس على أنه لا بأس به لأنه ليس برسم ثابت:
فأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فرواه أبو يعلى والطبراني عنه رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كان إذا نظر في المرآة قال الحمدلله الذي حسن خلقي وخلقي وزان مني ما شان من غيري».
وأما حديث أنس رضي الله عنه فرواه الطبراني وغيره عنه رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كان إذا نظر في المرآة قال الحمدلله الذي سوى خلقي فعدله وكرم صورة وجهي فحسنها وجعلني من المسلمين».
وهذا يدل على أن ما ينعكس في المرآة لا يكون مثل ما يرسم بالأيدي أو بالآلات الفوتوغرافية وقد حرم الشارع التصوير ولم يحرم النظر في المرآة وغيرها من الأشياء التي تنعكس فيها صورة المقابل لها ولا تثبت. فالواجب على المسلم أن يتبع ما جاء في الأحاديث ولا يبتدع شيئا من تلقاء نفسه ولا يأخذ بأقوال المتخرصين وأهل القياس الفاسد. وإني أنصح عبدالله السعد وغيره من الكتاب أن لا يتهجموا على الفتيا بمجرد الرأي والقياس الفاسد فقد قال الله تعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون}.
وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أفتى بفتيا بغير علم كان إثم ذلك على من أفتاه» هذا لفظ أحمد ونحوه لفظ أبي داود.
ولفظ ابن ماجه: «من أفتى بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه» ورواه البخاري في الأدب المفرد بنحو رواية ابن ماجه. ورواه الحاكم باللفظين جميعا وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه
في تلخيصه.
وفي مقال عبدالله السعد الذي عرض فيه بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وأفتى فيه بجواز التصوير الفوتوغرافي تصديق لحديث علي رضي الله عنه الذي رواه رزين وغيره أنرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا؟، قالوا يا رسول الله: وإن ذلك لكائن؟. قال: نعم»."
ومسألة التصوير مسألة متشعبة فهناك تصوير بالقلم الرصاص وتصوير الأقلام الملونة وهناك ما تنقله القمرة وهناك ما تنقله العدسة المتحركة ومنها ما يتم نحته ومنه ما يتم طباعته على نسيج أو ورق أو غيره والحكم في كل واحد منها قد يكون مختلف فالحرمة ليست فيها كلها فالتصوير يكون مباحا للفائدة مثل صورة البطاقة الشخصية فعن طريقها يتم التأكد في القضايا المختلفة من الجانى وعن طريقها يتم البحث عن المفقودين وعن طريقها يتعرف الأولاد على صورة الأم أو الأب أو الجد أو الجدة الموتى ويكون محرما إذا كان لغير فائدة كالنحت المجسم أو رسم جسم عارى وما شابه ذلك
المؤلف حمود بن عبدالله التويجري وهو يدور حول نقد مقال كتبه من يسمى عبد الله السعد مسيئا للنبى (ص) والمؤمنين به وفى مقدمته قال :
"مخالفة عبدالله السعد للكتاب والسنة وأئمة اللغة والمعلوم بالضرورة في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والخوف على الكاتب أن يكون مرتدا والتحدي أن يقول ما قاله في النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في الأسرة المالكة وفيها واجب ولي الأمر نحوه وأنه لا يجوز العفو عنه
وفيها أن مقاله إساءة لشعور المسلمين وتصديق للغربيين والمغرضين ومهزلة ومضحكة وكذب في النقل وعمى في البصيرة وخطأ في الفتيا وقياس فاسد وتهجم على أهل الخير عامة.
إلى غير ذلك من محتويات هذه الرسالة العظيمة في معانيها وأدلتها المدعمة بالكتاب والسنة والعقل، وفيها الحث على وجوب المسارعة إلى محو هذه الخطيئة التي شاركت فيها صحيفة البلاد."
وأما ما ناقشه السعد هو كون الرسول(ص) وقومه بدو وهو قوله:
"أما بعد: فقد رأيت مقالا (لعبدالله السعد) نشر في جريدة البلاد عدد 1993 وتاريخ 28 ربيع الثاني سنة 1385 هـ، زعم فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدوي، وأن الخلفاء الراشدين والصحابة قوم من البدو وهذا خطأ ظاهر وغلط فاحش، وقول باطل معلوم البطلان بالضرورة عند كل عاقل شم أدنى رائحة من العلم.
ولا يصدر هذا القول عن رجل يعلم ما يقول. إذ من المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد في مكة ونشأ بها إلى أن تم له ثلاث وخمسون سنة، ثم هاجر من مكة إلى المدينة وتوفي بها صلوات الله وسلامه عليه فهو حضري لا بدوي وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من المهاجرين من قريش فإنهم كانوا من أهل مكة ثم تحولوا منها إلى المدينة ثم تفرقوا بعد ذلك في الأمصار فهم من الحضر لا من البدو وكذلك الأنصار فإنهم كانوا في المدينة ثم تفرقوا بعد ذلك في الأمصار فهم من الحضر لا من البدو."
وقد نفى التويجرى في الفقرة السابقة كون النبى(ص) والمهاجرين بدو لأنهم كانوا يعيشون في البلد الأمين وهى أم القرى كما قال تعالى:
" وهذا البلد الأمين"
وقال :
" لتنذر أم القرى ومن حولها"
والبدو لا يجتمعون في بلد وإنما هم أوزاع متفرقون في بيوت متباعدة حتى لو كانت البيوت في منطقة واحدة وذلك لامتدادهم وعيشتهم في غير البيوت المبنية إلا قليلا
وأما أهل المدينة وهم الأنصار فقد عاشوا في بلدة اسمها المدينة واسمها كافى في نفى البداوة عن سكانها ومعهم المهاجرين الذين عاشوا معهم لأن الله اعتبر البدو وهم الأعراب من يعيشون خارجها فقال :
"وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم"
وتحدث التويجرى عن انقسام المؤمنون بالنبى(ص) إلى قسمين حاضرة وبدو فقال :
"وسائر الصحابة على قسمين.
حاضرة وهم سكان المدن والقرى.
وأعراب وهم سكان البادية.
وقد هاجر كثير من الأعراب وسكنوا القرى فكانوا من الحضر لا من البدو.
وبالجملة فكل من كان ساكنا في مدينة أو قرية فهو حضري ومن كان مقيما في البرية فهو بدوي وقد نص أهل اللغة على هذا"
وهذا الاستنتاج صحيح وأما الاستدلال عليه باللغة فليس دليلا من الوحى ولا اعتبار سوى لأدلة الوحى
وقد نقل من كتب اللغة التالى فقال :
"قال الجوهري الحضر خلاف البدو.
وقال أيضا والحاضر خلاف البادي، والحاضرة خلاف البادية، وهي مدن والقرى والريف والبادية خلاف ذلك يقال: فلان من أهل الحاضرة، وفلان من أهل البادية، وفلان حضري، وفلان بدوي.
وقال أيضا: والبدو البادية والنسبة إليها بدوي، وفي الحديث من بدا جفا، أي من نزل البادية صار فيه جفاء الأعراب والبداوة الإقامة بالبادية، وهو خلاف الحضارة وتبدى الرجل أقام بالبادية، وتبادى تشبه بأهل البادية.
وقال ابن الأثير الحاضر المقيم في المدن والقرى والبادي المقيم بالبادية، وكذا قال ابن منظور وغيره من أهل اللغة وهذا شيء معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم من حاضرة وبادية أن من كان ساكنا في مدينة أو قرية فهو حضري. ومن كان مقيما في البرية فهو بدوي"
وإذا كان دفاع التويجرى عن كون النبى(ص) والمهاجرين وألأنصار من الحضر وهم أهل المدن والقرى فهو دفاع صحيح ومرحب به لأنه دفاع عن حقيقة ثابتة بالوحى
وأما إذا كان دفاعه ذما للبدو والبادية فهو دفاع خاطىء وسوف نسير معه في بحثه حيث نفى أن من بقى في البادية سنتين أو شهورا لا يمكن تسميته بدويا فقال :
"وأما كونه - صلى الله عليه وسلم - رضع من حليمة السعدية وهي بدوية وأقام عندها سنتين وشهرين أو ثلاثة أشهر في البرية فلا يلزم من هذا الرضاع وهذه الإقامة القصيرة أن يكون بدويا فيما بعد ذلك. وعكس هذا لو أن صبيا من أهل البادية ارتضع من امرأة حضرية وأقام عندها مدة ثم تحول إلى البادية واستمر بها فهو معدود من البدو لا من الحضر ولا عبرة برضاعه وإقامته عند المرضعة مدة قصيرة.
ومثل هذا من خرج إلى البادية لطلب علم أو مال ثم رجع إلى الحاضرة فهو معدود من الحضر لا من البدو وقد خرج الأصمعي والأزهري وغيرهما من أهل اللغة والأدب إلى البادية وأقاموا بها مدة ثم رجعوا إلى الحاضرة ولم يقل أحد من أهل العلم أن الأصمعي والأزهري كانا بدويين من أجل خروجها إلى البادية لطلب اللغة والأدب وقد قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى}"
ونجد أن التويجرى قد أخطأ الدفاع في الفقرة السابقة حيث اعتبر البدو أسوأ الناس أخلاقا فقال :
"قال ابن كثير في تفسيره المراد بالقرى المدن، لا أنهم من أهل البوادي الذين هم من أجفى الناس طبعا وأخلاقا.
وهذا هو المعهود المعروف أن أهل المدن أرق طباعا وألطف من أهل بواديهم وأهل الريف والسواد أقرب حالا من الذين يسكنون في البوادي ولهذا قال تعالى: {الأعراب أشد كفرا ونفاقا} الآية.
وقال قتادة في قوله. (من أهل القرى) لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمود، وقال تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا}.
وقال تعالى: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم}. وفي هاتين الآيتين دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حضريا لا بدويا."
وهذا الكلام خطأ فاحش فالأخلاف حسنها أو سوءها ليس بمكان الإقامة فنبى الله يعقوب عاش في البدو فترة طويلة كما قال ابنه يوسف(ص):
"ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينى وبين إخوتى"
كما أن موسى(ص) عاش بدويا فترة هروبه يرعى الغنم نهارا خارج مدين فالبداوة ليست مدعاة لسوء الخلق ولا لحسنه وكذلك المدنية أو الحضرية لأن الله وصف الأقوام وغالبهم كان حضريا كعاد وثمود وقوم نوح(ص) وقوم لوط(ص)بأوصاف سيئة مثل أنهم أظلم وأطغى وأهوى فقال:
"أنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا أظلم وأطغى والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى"
وقد ناقض التويجرى كلامه في الفقرة السابقة عن سوء أخلاق البدو بذكر مؤمن بدوى أخلاقه حسنة من خلال الأحاديث فقال :
"وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر كان يهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية من البادية فيجهزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج فقال النبي إن زاهرا باديتنا ونحن حاضروه. الحديث وإسناده صحيح على شرط الشيخين وقد رواه الترمذي في الشمائل عن إسحاق بن منصور عن عبدالرزاق به وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه أيضا أبو يعلى والبزار وغيرهما.
وروى البزار أيضا والطبراني عن سالم بن أبي الجعد عن رجل من أشجع يقال له زاهر بن حرام الأشجعي رجل بدوي وكان لا يزال يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بطرفة أو هدية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكل حاضر بادية وبادية آل محمد زاهر بن حرام قال الهيثمي رجاله موثقون.
وفي هذين الحديثين دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حضريا ولم يكن بدويا وهذا شيء معلوم بالضرورة ومقطوع به عند كل عاقل، ومثله لا يحتاج إلى دليل لأنه أوضح من الشمس في رابعة النهار والأمر فيه كما قيل:
وكيف يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل"
أقول إن الأخلاق لا يتدخل فيها مكان المعيشة وإنما ألخلاق بالمشيئة الإنسانية وهى الإرادة كما قال تعالى :
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
وقد ساق التويجرى أدلة من الوحى تحمد له عن كون كل الرسل(ص) من أهل القرى فقال :
"وإنما سقت الدليل من الكتاب والسنة ليعلم ما في مقال عبدالله السعد من مخالفة الكتاب والسنة مع مخالفته أيضا للغة العرب, ولما هو معلوم بالضرورة عند كل عاقل ولا يخفى ما في مقال عبدالله السعد من الإزراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين وسائر المهاجرين والأنصار والغض منهم، لأن البداوة صفة نقص بالنسبة إلى الحضارة، ولهذا ما بعث الله نبيا إلا من أهل ولم يبعث نبيا من البادية.
قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى}
وقال تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا)."
ولكنه عاد للتخريف وهو اتهام البدو بالنقص فقال :
"ومما يدل أيضا على أن البداوة صفة نقص قوله تعالى: {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله}، وقوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} الآيات وروى أبو داود وابن ماجة والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية» رواته كلهم ثقات وإسناد ابن ماجة صحيح على شرط مسلم.
قال الخطابي يشبه أن يكون إنما كره شهادة أهل البدو لما فيهم من الجفاء في الدين والجهالة بأحكام الشريعة ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها ولا يقيمونها على حقها لقصور علمهم عما يحيلها ويغيرها عن جهتها انتهى.
وروى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من بدا جفا» رجاله ثقات.
وروى الإمام أحمد أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – مثله وروى الإمام أحمد أيضا. والبخاري في الكنى وأهل السنن إلا ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من سكن البادية جفا. قال الترمذي حسن غريب.
وفي هذه الأحاديث دليل على أن البداوة صفة نقص."
والأحاديث السابقة كلها باطلة والخطأ فيها ظاهر فمثلا عدم جواز شهادة البدوى على الحضرة تتناقض مع قبول كل الشهادات من المسلمين على بعضهم في قوله تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين"
ومثلا من بدا جفا اتهام لنبى الله يعقوب(ص) بالجفاء لأنه عاش في البدو فترة كما قال تعالى:
" وجاء بكم من البدو"
والتويجرى تناسى أو تغافل متعمدا مدح الله لبعض ألعراب بالإيمان فقال فيهم :
"ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا أنها قربة لهم سيدخلهم الله فى رحمته إن الله غفور رحيم"
وقال :
"وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم"
وتحدث التويجرى عن ما قاله السعد يعد استخفافا بالنبى(ص) وهو ما يجعله مرتدا ونقل في ذلك كلاما قال فيه:
"ومع هذا يتجرأ (عبدالله السعد) فيصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبداوة ويصف بذلك الخلفاء الراشدين وسائر المهاجرين والأنصار الذين كانوا ساكنين في المدن والقرى.
أما يخشى عبدالله السعد أن يكون مرتدا عن الإسلام من أجل استخفافه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وإزرائه به وبالمهاجرين والأنصار وهو لا يشعر.
فقد ذكر ابن حجر الهيتمي في كتاب الزواجر أن من استخف بالرسول - صلى الله عليه وسلم - واستهزأ به أو بشيء من أفعاله كلحس الأصابع أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو فعله أو عرض بذلك أو شبه بشيء على الطريق الإزراء أو التصغير لشأنه أو الغض منه أنه يكفر إجماعا
ولا يخفى ما في كلام عبدالله السعد من الاستخفاف بالرسول - صلى الله عليه وسلم - والغض منه التصغير لشأنه.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - أولى الخلق كلهم بصفات الكمال اللائقة بالمخلوقات وأبعدهم عن صفات النقص وأحق من غيره بالتوقير والاحترام، وأولى بالذب عنه وتأديب من أزرى به وغض منه وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»."
وطالب التويجرى حكومته وحكامه بوجوب عقاب السعد على هذا الخطأ فقال :
"فيجب على ولي الأمر أيده الله أن يذب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وينتصر له أعظم مما ينتصر لنفسه ووالديه والناس أجمعين.
ولا يجوز العفو في مثل هذا لأنه حق للغير بل حق لأفضل الخلق وإنما يجوز للمرء العفو في حق نفسه
وأيضا فإن كثير من المنتسبين إلى الإسلام قد وقر في أنفسهم ما نشره دحلان وأمثاله من علماء الزيغ والضلال من أن الفرقة الوهابية يبغضون الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا يرون توقيره واحترامه.
وإذا رأوا ما قاله عبدالله السعد في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين وسائر المهاجرين والأنصار منشورا في جريدة البلاد التي هي من أشهر الصحف في البلاد العربية لم يبق عندهم شك في صحة ما قاله دحلان وأمثاله في النجديين من بغض الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
فالواجب المسارعة إلى محو هذه الخطيئة وتكذيب ما فتراه دحلان وأشباهه."
والتويجرى بهذا الكلام إما جاهل بما يجرى من الحكام فلا تنشر كلمة في جريدة أو صحيفة أو كتاب ...إلا بإذنهم وأمثال هذا الكلام إنما هو نوع من اشتغال الناس ليظل تفكيرهم بعيدا عن خروج الحكام عن الإسلام يتوارثهم الحكم في المملكة فهم يشغلونهم بأمثال تلك المقالات والتى أحيانا يكتبها أعضاء المخابرات أو الأمن وتعطى للكاتب ليضع عليها اسمه ومن ثم ينشغل الناس في مجتمعاتهم بالانتصار للمقالة أو للهجوم عليها وإما أن يكون رجلا حسن النية
وفيما قبل الختام سأل التويجرى السعد فقال :
"وقبل الختام نسأل عبدالله السعد ماذا يقول في سكان مكة والمدينة الآن، هل يقول أنهم من البدو أو من الحضر، فإن قال إنهم من البدو فكل عاقل يكذبه في ذلك ويضحك من قوله قال إن قال إنهم من الحضر طولب بالفرق بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وبين أهل هذه الأزمان، ولن يجد إلى لفرق الصحيح سبيلا البتة لأن الجميع من سكان المدن والقرى ومن كان ساكنا في المدن والقرى فهو حضري لا بدوي كما تقدم تقريره وإذا كان الجميع من سكان المدن والقرى فما هو السبب الذي دعا عبدالله السعد إلى أن يخص النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأصحابه بالبداوة دون أهل هذه الأزمان مع أن الجميع على حد سواء لا سبب لذلك إلا اتباع ملاحدة الإفرنج من المبشرين وغيرهم وتقليدهم في قولهم أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بدوي وأن أصحابه قوم من البدو ومرادهم بذلك الإزراء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والغض منهم.
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
والقول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا بدوا يلزم منه أن يكون سكان القرى وأهل البادية سواء في صفة البداوة. وهذا خلاف لغة العرب.ط
وهذا الكلام هو تكرار لما قاله سابقا وأما الجديد فهو دفاعه التالى:
"وقد زعم عبدالله السعد أن البدو من بني سعد كانوا يلقنون النبي - صلى الله عليه وسلم - لغتهم السليمة الفصيحة ويدربونه على الحياة البدوية البسيطة وهذا خطأ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أقام عند بني سعد إلا مدة الرضاع وزيادة شهرين أو ثلاثة ذكره ابن إسحاق وغيره وهذه السن لا يمكن الصبي أن يتلقن فيها اللغة الفصيحة والحياة البدوية، فإن الغالب أن الصبي لا يتلقن إلا إذا بلغ سبع سنين فما فوقها.
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أمه آمنة بنت وهب منذ بلغ سنتين وشهرين أو ثلاثة أشهر، وماتت أمه وله من العمر ست سنين فكفله جده عبدالمطلب ومات وله من العمر ثمان سنين، ثم كفله عمه أبو طالب إلى أن بلغ فكان يتلقن اللغة السليمة الفصيحة والشيم العربية من جده وأعمامه وغيرهم من قريش. ولغة قريش هي أفصح اللغات وبها نزل القرآن وقد قال الله تعالى: {بلسان عربي مبين}.
وليس الأمر كما زعمه عبدالله السعد من أن لغة البدو هي اللغة السليمة الفصيحة."
وهذا دفاع صحيح لا غبار عليه وناقش مقولة أخرى خاطئة رادا عليها وهى اعتبار كل أهل الجزيرة بدوا فقال :
"وزعم عبدالله السعد أيضا أن سكان الجزيرة العربية قوم من البادية وهذا خطأ. فإن سكان الجزيرة العربية من زمن الجاهلية إلى زماننا هذا على قسمين.
حاضرة وهم من أهل القرى.
وبادية وهم سكان البوادي.
فمن الحاضرة أهل مكة والمدينة والطائف وخيبر ووادي القرى واليمامة وهجر والبحرين وصنعاء ونجران وغيرها من القرى الكثيرة. وأهل مكة معدودون من الحاضرة منذ بنيت مكة في زمان إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام إلى زمننا هذا. وإني أنصح عبدالله السعد وغيره من الكتاب أن لا يطلقوا أقلامهم فيما لا يعرفونه وما لا يعنيهم فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه"
وتحدث التويجرى عن كون السعد كثير الأخطاء في مقالاته فذكر التالى :
"وقد سبق لعبدالله السعد أن كتب مقالا عرض فيه بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر واتهمهم بما هو أولى به هو وأمثاله وقد رد عليه أخونا الشيخ الفاضل عبدالرحمن بن فريان فأجاد وأفاد ورد عليه أيضا أخونا الشيخ الفاضل نائب رئيس الجامعة الإسلامية (الشيخ عبدالعزيز بن باز) ودمغ عبدالله السعد بالرد المقنع من الكتاب والسنة.
وقد أحببت أن أشاركهما البحث في موضوعين.
أحدهما في شأن كعب الأحبار حيث قال فيه عبدالله السعد أنه كان يهوديا متظاهر بالإسلام كعبدالله بن سبأ، وأنه كان يكتب إلى الأمصار باسم عائشة وكبار الصحابة في التحريض على عثمان إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه.
والجواب أن يقال كان كعب الأحبار يهوديا ثم أسلم وحسن إسلامه ولم يزل على حسن الإسلام إلى أن مات وكان عمر رضي الله عنه يدنيه ويستمع إلى حديثه.
وكان عمر رضي الله عنه أعقل من أن يخدعه الناس أو يغتر بالمتصنعين منهم وقد روى عن كعب الأحبار غير واحد من الصحابة وروى عنه أيضا جماعة من التابعين، وأخرج حديثة أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم من المحدثين النقاد الذين يعرفون الناس حق المعرفة ويميزون بين الصادقين منهم والكاذبين وبين الأثبات والمجروحين ولا يخفى عليهم تصنع المتصنعين. وقد ميزوا بين كعب الأحبار وبين عبدالله بن سبأ فألحقوا كعبا بأهل الديانة والصدق والأمانة وألحقوا عبدالله بن سبأ بأهل النفاق والكذب والخيانة.
ويلزم على قول عبدالله السعد أن يكون عمر رضي الله عنه مغفلا حيث كان يدني كعب الأحبار ويستمع إلى حديثه، وأن يكون من روى عن كعب من الصحابة والتابعين مغفلين وكذلك من خرج حديثه من الأئمة حيث كانوا يروون عن يهودي متظاهر بالإسلام وهذا قول باطل مردود.
وقد روى الإمام أحمد والشيخان وغيرهم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما».
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. زاد مسلم إن كان كما قال وإلا رجعت عليه.
ورواه البخاري في الأدب المفرد ولفظه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قال للآخر كافر فقد كفر أحدهما إن كان الذي قال له كافر فقد صدق وإن لم يكن كما قال له فقد باء الذي قال له بالكفر» ورواه الإمام أحمد في مسنده بنحوه.
وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه». كذلك هذا لفظ البخاري.
ولفظ مسلم: «من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه» - أي رجع إليه ما نسب إليه. ورواه البخاري بهذا اللفظ في الأدب المفرد.
وله أيضا في الصحيح عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله. وإذا علم هذا فنقول أما يخشى عبدالله السعد أن يكون قوله في كعب الأحبار راجعا عليه وهو لا يشعر.
وأما قوله أن كعبا كان يكتب إلى الأمصار باسم عائشة وكبار الصحابة في التحريض على عثمان رضي الله عنه إلى أن قتل فجوابه أن يقال هذا قول ظاهر البطلان لأن كعبا مات في خلافة عثمان رضي الله عنه قال ابن سعد مات كعب سنة اثنتين وثلاثين. وذكر البخاري عن ابن عياش وابن معين أنه مات لسنة بقيت من خلافة عثمان رضي الله عنه.
قلت: ومقتل عثمان رضي الله عنه كان في آخر سنة خمس وثلاثين من الهجرة.
وحينئذ فنقول لعبدالله السعد أما تخاف من الله تعالى أن تبهت امرأ مسلما بما ليس فيه ألست تقرأ قول الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا}، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ذكر امرأ بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاذ ما قال فيه» رواه الطبراني قال المنذري وإسناده جيد, وفي رواية له: «أيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها برئ يشينه بها في الدنيا كان حقا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال».
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال» رواه الإمام أحمد وأبو داود والطبراني."
وهذا الكلام في كعب الأحبار هو كلام فيما لا نعلمه فمن كان مؤمنا لا يحق اتهامه ومن كان كافرا يحق اتهامه ولكننا لسنا الله الذى يعلم كل شىء ويعلم ما في الصدور من الخفايا وكل ما أمامنا من روايات هو كلام متناقض وبالفعل هناك روايات تتهم كعبا بادعاء علم الغيب حيث أخبر عمر بمقتله قبل أن يقتل ومن ثم ينبغى ألا نناقش تلك الروايات لأنها تزيد من حجم الخلافات ونكتفى بما أمر الله به المسلمين في الشخصيات التاريخية كإبراهيم (ص) وأولاده وأحفاده وهو أن نقول في الصحابة مثل ما قال الله فيهم :
"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون"
فنحن لن يحاسبنا على أعمالهم سواء كانت حسنة أو سيئة ونحن لا نعلم ما حدث بالضبط حتى نحكم ومن ثم وجب السكوت عن الخوض في تلك الأحاديث التى تزيد حدة الخلافات بين الناس
والموضوع الثانى هو إباحة السعد للتصوير الفوتوغرافى وهى الصور الورقية التى تخرج عن طريق القمرة التى يسمونها الكاميرا وفيه قال التويجرى:
"وزاد وليس بخارج الموضوع الثاني: في إفتاء عبدالله السعد بحل التصوير الفوتوغرافي قياسا على انعكاس الصورة في المرآة وهذا أفسد القياس فإن الصورة التي تنعكس في المرآة لا تثبت فيها بل تزول إذا زال عنها الذي هو مقابلها فلا يبقى لها رسم، وبهذا فارقت الصورة الثابتة سواء كانت بعمل اليد أو الفوتوغراف.
وما يعرض في التلفزيون والسينما هو من الصور الثابتة في الآلة التي تنشر الصور فيراها الحاضرون عند السينما وعند الآلات التي تأخذ من التلفزيون ورسمها حرام بلا ريب ونشرها نشر لما هو مرسوم ثابت, وليس ذلك مثل المرآة ومن سوى بين الصور الثابتة وبين ما يرى في الماء والمرآة وغيرها من الأشياء الصقيلة فقد سوى بين مفترقين وقاس في مقابلة النصوص الكثيرة على تحريم التصوير.
وقد روى الدارمي وابن وضاح وغيرهما عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لا يأتي عليكم عام إلا وهو شر من الذي كان قبله أما أني لست أعني عاما أخصب من عام ولا أميرا خير من أمير، ولكن علماءكم وخياركم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفا، ويجئ قوم يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم) وروى الدارمي أيضا عن ابن سيرين أنه قال: أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس وروى أيضا عن الحسن أنه تلا هذه الآية: {خلقتني من نار وخلقته من طين} قال قاس إبليس وهو أول من قاس، وروى أيضا عن الشعبي أنه قال: والله لئن أخذتم بالمقاييس لتحرمن الحلال ولتحلن الحرام.
وقد فرقت السنة بين رسم التصوير وبين ما ينعكس في المرآة، فأما رسم التصوير فقد جاء في تحريمه أكثر من ثلاثين حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها اللعن للمصورين، والنص على أنهم من أظلم الظالمين، وأنهم من أشد الناس عذابا يوم القيامة وفي رواية منها تكفير من يصنع الصور، وقد ذكرتها في كتابي إعلان النكير على المفتونين بالتصوير فلتراجع، وأما ما ينعكس في المرآة ونحوها من الأشياء الصقيلة، فقد دل حديث ابن عباس وحديث أنس على أنه لا بأس به لأنه ليس برسم ثابت:
فأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فرواه أبو يعلى والطبراني عنه رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كان إذا نظر في المرآة قال الحمدلله الذي حسن خلقي وخلقي وزان مني ما شان من غيري».
وأما حديث أنس رضي الله عنه فرواه الطبراني وغيره عنه رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كان إذا نظر في المرآة قال الحمدلله الذي سوى خلقي فعدله وكرم صورة وجهي فحسنها وجعلني من المسلمين».
وهذا يدل على أن ما ينعكس في المرآة لا يكون مثل ما يرسم بالأيدي أو بالآلات الفوتوغرافية وقد حرم الشارع التصوير ولم يحرم النظر في المرآة وغيرها من الأشياء التي تنعكس فيها صورة المقابل لها ولا تثبت. فالواجب على المسلم أن يتبع ما جاء في الأحاديث ولا يبتدع شيئا من تلقاء نفسه ولا يأخذ بأقوال المتخرصين وأهل القياس الفاسد. وإني أنصح عبدالله السعد وغيره من الكتاب أن لا يتهجموا على الفتيا بمجرد الرأي والقياس الفاسد فقد قال الله تعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون}.
وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أفتى بفتيا بغير علم كان إثم ذلك على من أفتاه» هذا لفظ أحمد ونحوه لفظ أبي داود.
ولفظ ابن ماجه: «من أفتى بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه» ورواه البخاري في الأدب المفرد بنحو رواية ابن ماجه. ورواه الحاكم باللفظين جميعا وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه
في تلخيصه.
وفي مقال عبدالله السعد الذي عرض فيه بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وأفتى فيه بجواز التصوير الفوتوغرافي تصديق لحديث علي رضي الله عنه الذي رواه رزين وغيره أنرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا؟، قالوا يا رسول الله: وإن ذلك لكائن؟. قال: نعم»."
ومسألة التصوير مسألة متشعبة فهناك تصوير بالقلم الرصاص وتصوير الأقلام الملونة وهناك ما تنقله القمرة وهناك ما تنقله العدسة المتحركة ومنها ما يتم نحته ومنه ما يتم طباعته على نسيج أو ورق أو غيره والحكم في كل واحد منها قد يكون مختلف فالحرمة ليست فيها كلها فالتصوير يكون مباحا للفائدة مثل صورة البطاقة الشخصية فعن طريقها يتم التأكد في القضايا المختلفة من الجانى وعن طريقها يتم البحث عن المفقودين وعن طريقها يتعرف الأولاد على صورة الأم أو الأب أو الجد أو الجدة الموتى ويكون محرما إذا كان لغير فائدة كالنحت المجسم أو رسم جسم عارى وما شابه ذلك