- المشاركات
- 7,533
- الإقامة
- عرب فوركس
من المتوقّع أن تؤدّي الصفقة التي تلوح في الأفق بين منظمة الدول المصدرة للنفط، أوبك وروسيا وتقضي بخفض الإنتاج، إلى إعادة رفع أسعار النفط في العالم والتي تدهورت بنسبة٣٠ بالمئة في الأسابيع الأخيرة، وهو ما يشير إلى استمرار دور أوبك في استقرار أسواق النفط العالمية والتأثير فيها، ولكن هل سيستمرّ ذلك لفترة طويلة؟
على الرغم من أن خروج قطر من أوبك لا يؤثّر على الكثير من طاقة إنتاج النفط في أوبك، خصوصاً أن مساهمة الإمارة في القدرة الإنتاجية للمنظّمة لا تزيد عن ٢ بالمئة، إلا أنها تطرح أسئلة جدّية حول مستقبل المنظّمة والدور المتوقّع أن تلعبه في أسواق النفط العالمية.
قد يكون قرار قطر بالانسحاب من أوبك مدفوعاً باعتبارات سياسية. لكنّه يعكس أيضاً إشارات استياء متزايدة بين أعضاء المنظمة حول كيفية إدارتها وسياسات الإنتاج الخاصّة بها التي لا تتماشى بالضرورة مع مصالح بعض الدول الأعضاء.
بالإضافة الى ذلك، تشكّل التحوّلات الهيكلية في أسواق النفط، ووجود اختلالات رئيسية في احتياجات وسياسات أعضاء أوبك تحدياً خطيراً لاستمرار وحدة المنظّمة وقدرتها على الالتزام في "تنسيق السياسات النفطية للدول الأعضاء بها وتوحيد هذه السياسات".
ومن المرجّح أن تستمر أوبك كمنظّمة، ولكن دورها ضعف بالفعل وسيستمرّ في التقلّص خصوصاً أن الاختلافات بين أعضائها أصبحت أكثر وضوحاً، وهناك منتجون آخرون للنفط مثل روسيا والولايات المتحدة يسعون لزيادة حصصهم في السوق.
ماهي أوبك وكيف تُحكم؟
يمكن تعريف منظّمة أوبك بأنها نادٍ يضمّ بعض البلدان المُنتجة للنفط، وهي مكلّفة بالدرجة الأولى بحماية مصالح الدول الأعضاء فيها وضمان "دخل ثابت للمنتجين". عند تأسيسها في عام 1960، كان ينظر إليها على أنها "ثورة" ضدّ شركات النفط الكبرى التي تتجاهل مصالح الدول المُنتجة وتتحكم بمفردها في أسعار النفط.
اليوم، مع خروج قطر، باتت المنظّمة تضمّ ١٤ عضواً من بينهم السعودية وإيران والعراق وفنزويلا، وهم أيضاً أعضاء مؤسّسون فيها. في عام 2017، أنتج أعضاء أوبك نحو ٤٢ بالمئة من مجمل إمدادات النفط العالمية - وهو ما يشكّل أكثر من 39 مليون برميل نفط في اليوم - وقد ساهمت السعودية، وحدها، بنحو ثلث إنتاج أوبك. أمّا من ناحية احتياطات النفط، يستحوذ أعضاء أوبك على ٧٠ في المئة من مجمل احتياطي النفط العالمي المثبت.
من حيث المبدأ، تقتضي آلية الحوكمة وصنع القرار في أوبك موافقة جميع الدول الأعضاء فيها. إلّا أن السعودية طُوِّبت زعيمة فعلية للمنظّمة بحكم الواقع، نتيجة لحصّتها السوقية وقدرتها الاحتياطية التي يمكن استخدامها لتنفيذ سياسات أوبك. عملياً، قدرة السعودية على تغيير إنتاجها بشكل كبير وبالتالي التأثير بشكل مباشر في أسواق النفط جعلتها أداة للتحكم بالأسعار.
لصراع الداخلي والغش
على الرغم من كونها دولا مُنتجة للنفط، إلّا أن بلدان أوبك لديها اختلافات سياسية واجتماعية واقتصادية. تُترجم هذه الاختلافات إلى احتياجات متباينة في أوقات مختلفة، وهو ما يخلق بطبيعة الحال، توتراً وسخطاً داخل المجموعة. وتتجلّى هذه الاحتياجات المختلفة من خلال تحديد سعر النفط الذي يعتمد بشكل كبير على كمية الإنتاج في كل بلد.
على سبيل المثال، يرتبط السعر المرتفع للغاية في فنزويلا بانخفاض حصّتها الإنتاجية إلى نحو ٤ في المئة فقط من مجمل السلّة الإنتاجية في أوبك إذ تشكّل نحو 500 ألف برميل يومياً، وهو أقلّ من الهدف الذي وضعته لها المنظّمة. أيضاً، تقبع ليبيا في موقع مماثل فهي تتطلع إلى زيادة الإنتاج لتلبية احتياجات ميزانيتها.
بسبب هذه الاختلالات، يستمرّ أعضاء أوبك في ممارسة الغشّ لتعظيم مكاسبهم. وعادة يكون الغش مجزياً، عندما يخفّض الإنتاج وترتفع الأسعار بحيث تأكل البلدان المنخفضة الإنتاجية من الحصة السوقية لمنتجي النفط الآخرين.
قد حاولت كلّ من إيران والعراق وليبيا ونيجيريا الغشّ كلّ على طريقتها بغية إنتاج المزيد من النفط المفترض بهم إنتاجه، وقد اعتبرت الكثير من التحاليل الأكاديمية بأن هذه الممارسات واحدة من الأسباب الرئيسية التي تؤدّى إلى انهيار كارتلات مماثلة في نهاية المطاف.
النفط الصخري
في عام 2014 تجاوزت كميات النفط المعروضة في السوق الطلب كثيراً، رغبة من السعودية في الضغط على شركات النفط الصخري الأميركية، على الرغم من المقاومة التي أبداها أعضاء أوبك الآخرون من أصحاب الحصص السوقية المنخفضة.
وكانت النتيجة انخفاض سعر برميل النفط إلى أقل من 30 دولاراً، في أعقاب ذلك، أعلنت الكثير من الشركات الأميركية العاملة في النفط الصخري إفلاسها، إلّا أن هذه الصناعة استمرّت وباتت محصّنة بشكل أكبر بعد تلك الأزمة بعد أن تمكّنت من التكيّف بشكل أفضل مع انخفاض الأسعار وخفّضت تكاليفها وزادت من كفاءتها التكنولوجية.
أمّا ما يجعل من النفط الصخري عاملاً مزعزعاً للاستقرار بالنسبة لأوبك، فهو قدرة منتجيه على التكيف السريع مع تقلبات أسعار النفط، مما حدّ من قدرة أوبك على التحكم بالأسعار.
بمقدور شركات النفط الصخري الأمريكية المستقلة في الوقت أن تزيد العرض تدريجياً استجابة لارتفاع الأسعار، مما سيؤدي إلى ضغط هبوطي على الأسعار، واضعة حداً لمقدرة أوبك على رفع الأسعار.
إضافة إلى ذلك، فإن التقدّم المحرز في تقنيات الصخر الزيتي وانخفاض تكاليف التنقيب والإنتاج في البحر مكّن دول جديدة من التحوّل إلى منتجة للنفط والغاز، وهو ما قلّل بالتالي من اعتمادها على الوقود المستورد.
لكن هل لا تزال أوبك قوية؟ نعم، ولكن قوتها تتضاءل، مع استمرارها لاعباً مهيمناً في أسواق النفط العالمية بمرونة إنتاجية كافية للتحكّم بتقلبات الأسعار. فضلاً عن أن أعضاء أوبك لا يزالون يتمتعون بمزايا كبيرة في تكلفة الإنتاج مقارنة مع البلدان الأخرى المنتجة للنفط وشركات النفط الصخري في الولايات المتحدة.
إلّا أن التحوّلات الكامنة في السوق من زيادة حصة النفط والغاز غير التقليديين لا سيّما في البلدان المستهلكة للنفط، وصولاً إلى زيادة استخدام الغاز الطبيعي في إنتاج الطاقة، تقيّد بشكل متزايد قدرة أوبك على التحكّم بأسعار النفط كما كانت تفعل في السابق. حالياً، يراقب منتجو الوقود الصخري الأسعار بدقة شديدة ليكونوا على أهبّة الاستعداد للردّ على أي تغيّرات.