- المشاركات
- 7,533
- الإقامة
- عرب فوركس
اعتبر اقتصاديون مصريون خطة طرح الحكومة المصرية أسهما بشركات مملوكة للدولة بسوق المال نمطا جديدا من أنماط الخصخصة، يستهدف مواجهة عجز الموازنة وجذب الاستثمار، فيما رفض معارضون التوجه الحكومي باعتباره "خضوعا لإملاءات صندوق النقد".
يأتي ذلك عقب إعلان الحكومة المصرية طرح نسب من أكثر من عشرين شركة من شركات القطاع العام في البورصة، في مدى زمني لن يتجاوز ثلاثين شهرا، ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي تبنته منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
وعلى عكس الحالات السابقة لبيع شركات القطاع العام، فإن عددا كبيرا من الشركات المطروحة تحقق أرباحا، وتعدها الحكومة من نقاط القوة لديها، إذ تصل القيمة السوقية لهذه الشركات 430 مليار جنيه مصري.
وذكرت وزارة المالية المصرية أن طرح أسهم هذه الشركات سيحقق إيرادات تصل إلى ثمانين مليار جنيه مصري، توجَه لسد عجز الموازنة. كما قالت الحكومة إن الطروحات الحكومية تساهم في توسيع قاعدة الملكية، وتوفير تمويل إضافي للشركات المصرية، ما يساهم في جذب مزيد من التدفقات الاستثمارية إلى داخل البلاد.
ويُنظر إلى هذه العملية كموجة جديدة من خصخصة القطاع العام، حتى وإن اختلفت طريقة البيع عن تجارب الخصخصة السابقة، إذ يقول الدكتور عمرو عادلي، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأمريكية بالقاهرة أنه: "لا شك أن طرح الشركات المملوكة للدولة، سواء بشكل كامل أو جزئي للتداول في البورصة المصرية، يعد نوعا من أنواع الخصخصة. وهو إجراء يؤدي إلى زيادة رأس المال المتداول في سوق الأوراق المالية، وسيكون له أثر إيجابي على البورصة".
وستطرح الحكومة النسب المقرر بيعها من الشركات المذكورة للبيع بطريقتين؛ الأولى، طرح أسهم مباشرة من رأس مال هذه الشركات في البورصة، والثانية: زيادة رأس مال هذه الشركات، ثم طرح هذه الزيادة في البورصة. وهي خطوة يرى البعض أنها سترفع من قيمة الأسهم.
ويقول عادلي: "قد تساهم فكرة الطرح في البورصة (بدلا من البيع المباشر لمستثمر رئيسي)، في رفع قيمة الأسهم، خاصة في الخصخصة الجزئية، لأنه بالطبع ليس سهلا الإتيان بمستثمر واحد ليدخل في شراكة مع أطراف حكومية ستحتفظ بالأغلبية، وبالتالي بحق الإدارة. وقد يكون الهدف من الطرح بهذه الطريقة هو درء الشبهات حول عمليات تقييم الأصول، التي قيل إنه شابها الفساد، أو سوء الإدارة، أو انعدام الكفاءه في فترة حكم مبارك".
هل تمثل القطاعات المطروحة عامل جذب؟
عند النظر إلى الشركات المطروحة للبيع، نرى أنها شركات ناحجة وتحقق أرباحا. كما تشمل قطاع البنوك الوطنية، الذي ستُطرح منه نسب مختلفة من ثلاثة بنوك، بالإضافة إلى واحدة من أكبر شركات التأمين في مصر، وهي "مصر للتأمين"، التي تسيطر علي 52 في المئة من السوق المحلي.
كذلك ستُطرح نسبة من الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني"، التي يبلغ رأسمالها المتداول في البورصة 1.5 مليار جنية مصري، وبلغت مبيعاتها 570 مليون جنية مصري العام الماضي،
وقد وصفت الشركات المطروحة بأنها تمتلك قاعدة سوقية ومالية ضخمة.
ورغم قوة الشركات المطروحه، إلا أن البعض يشير إلى أن الطرح الجزئي، مع احتفاظ الحكومة بالنسبة الأكبر، وبالتالي إدارة هذه الشركات، قد يدفع المستثمرين للعزوف عن عمليات الشراء.
وفي المقابل، يرى البعض أن طريقة البيع هذه تعطي الحكومة ميزة نسبية، وتسهم في إنعاش الاقتصاد المحلي. ويقول عماد غنيم، نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية، والمتخصص في الشأن الاقتصادي، إن قوة الأسهم المطروحة من شركات قوية بالفعل تمثل عامل جذب في حد ذاتها. وأضاف أن جملة الأصول المتداولة في البورصة المصرية لا تتجاوز 32 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة متدنية للغاية، وتحتاج لطرح أصول قوية لرفع قيمة الأسهم وتنشيط البورصة، وهو ما يتحقق من خلال عملية البيع المعلن عنها.
مخاوف وانتقادات
وأعلن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي رفضه لقرار البيع الذي أعلنته الحكومة، ووصف الشركات المطروحة بـ "القطاعات الاستراتيجية الحاكمة للاقتصاد الوطني".
وقال الحزب في بيان إن عمليات الخصخصة التي تنفذها السلطة الحاكمة "يمكن أن تفتح طريقا يتضمن خطوات أخرى، من السكة الحديد، للكهرباء، والمياه. ولم لا، فربما لقناة السويس ذاتها".
كما انتقد البيان توجيه عائد عملية البيع هذه لسد عجز الموازنة إذ أن "الـ 80 مليار جنيه مصرى لن تكفى لسداد سوى نسبة محدودة، لا تزيد عن 18 فى المائة، من عجز الموازنة الضخم، الذى يصل مبدئيا هذا العام إلى 432 مليار جنيه".
ويرى معارضون لعملية البيع أن الطرح يشوبه خرق دستوري، إذ يقول يحيى حسين عبد الهادي، المتحدث باسم الحركة المدنية الديموقراطية، إن الخصخصة تتطلب شرطين أساسيين؛ الشرط الأول هو أن تتم بموافقة صاحب هذه الأصول، وهو الشعب. واستشهد عبدالهادي ببرنامج الخصخصة الذي طبقته رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت ثاتشر، الذي وافق الشعب عليه عند انتخابها، وهو ما يعتبر استفتاءا من الشعب على أكبر عملية خصخصة تمت في تاريخ بريطانيا.
أما الشرط الثاني، هو أن تتم الخصخصة في مناخ كامل من الشفافية، يضمن ألا يتسلل لها فساد، وهو ما لم يحدث على الإطلاق في فترة حكم مبارك، التي شهدت ثاني أسوأ برنامج خصخصة علي مستوى العالم، بعد تجربة الخصخصة التي شهدتها روسيا في عهد الرئيس الروسي السابق، بوريس يلتسين.
كما اعترض عبد الهادي على بيع شركات رابحة، لا تعاني من سوء الإدارة، أو العوز المالي، وقال: "ليس هناك أي مبرر لبيع هذه الشركات، خاصة وأنها تباع لسداد ديون الحكومة، وليس لعلميات التطوير الخاصة بهذه الشركات. والمرحلة الأولى من هذه الخصخصة هي عمليات طرح نسب في البورصة، إلى أن يتم الإجهاز عليها جميعا، طبقا للبرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد".
وفي تجارب الخصخصة السابقة، في أوائل التسعينيات، اعتمدت الحكومة المصرية عمليات بيع 314 شركة من شركات القطاع العام بنسبة مائة في المائة، بطريقة البيع لمستثمر رئيسي خارج البورصة. وانتهى الحال ببعض عمليات البيع هذه بأحكام قضائية لإبطال بعضها، بسبب التقييم غير الحقيقي للأصول المباعة.
وتلقي هذه التجارب بظلالها على أي طرح لعمليات بيع القطاع العام، ويقول غنيم: "نحن متأثرون بالتجربة السابقة للخصخصة، والتي كانت تشوبها سلبيات مثل عمليات التقييم بأقل من القيم الحقيقية، أو الشركات التي طالتها التصفية بعد الخصخصة، وتحول بعض الشركات إلى أنشطة أخرى، وهي تجربة كانت لها مخاوفها. إلا أن هذه التجربة انتهت بكل ما فيها".
وبالنظر إلى هذه المخاوف، يرى بعض الخبراء ضرورة تنظيم العلاقة مع القطاع الخاص بعد أن يصبح شريكا في مجالات وخدمات كان يحتكرها القطاع العام. ويشير عمرو عادلي "إلى أن القطاعات الاحتكارية [التي تحتكر الدولة إدارتها، مثل الكهرباء والمياه والسكك الحديدية]، تحتاج إلى أطر تنظيمية وتشريعية للتعامل مع القطاع الخاص بعد أن تتم عملية الخصخصة، للحفاظ على جوده المنتج وتنافسية الأسعار".
وتضع الحكومة المصرية عمليات طرح نسب في شركات القطاع العام ضمن برنامجها المعتمد للإصلاح الاقتصادي.
وكانت الحكومة قد حصلت على قرض من صندوق النقد الدولي بـ 12 مليار دولار، بعد اعتمادها برنامج إصلاح اقتصادي، ألغت بموجبه شرائح من الدعم على المحروقات. ويُنتظر أن تلغي شريحة أخرى من الدعم على المحروقات هذا العام، طبقا للاتفاق مع صندوق النقد.