- المشاركات
- 19,998
- الإقامة
- تركيا
لا يبدي المواطن الأردني جمال الشعراوي أي استغراب لأي شيء اليوم غير كونه لا يزال حيا بعد 17 شهرا من الاعتقال في السجون السورية، أطولها كان في سجن المخابرات الجوية بمطار المزة العسكري في العاصمة دمشق.
الشعراوي -الذي يحمل أيضا الجنسية الإيطالية- كان يعيش مع عائلته وأشقائه في دمشق، حيث كانوا يملكون مصنعا في منطقة السبينة بريف العاصمة، وشركة للتصميم الداخلي في الأردن، بدأت حكايته مع رحلة الموت في 6 أغسطس/آب 2012 عندما كان عائدا من دمشق إلى عمان بعد أن نقل عائلته إليها إثر اضطراب الأوضاع بسوريا.
يقول جمال -الذي التقته قناة الجزيرة بعمان قبل أيام- "على الحدود السورية الأردنية في نصيب صعد رجل مدني إلى الحافلة التي كنت أستقلها مع مسافرين آخرين وطلب منا إنزال أي جهاز نحمله سواء كان هاتفا أو جهاز حاسوب أو غيره"، بحسب ما جاء في تقرير للقناة.
ويضيف "أنزلت حاسوبي بسرعة، فقام أحد الضباط بفتحه وتصفحه، وبعدها أمر باعتقالي لأفهم في ما بعد أنه وجد أن هناك من شاهد فيديوهات للثورة السورية من جهازي".
مكث جمال الشعراوي 19 يوما محتجزا في مستودع تابع للمخابرات الجوية السورية دون أن يعرف أي شيء عن العالم الخارجي، لينقل بعدها إلى الشرطة العسكرية في دمشق ومنها إلى فرع الإيداع التابع للمخابرات الجوية إلى أن استقر به المقام في الفرع الرئيس للمخابرات الجوية بمنطقة المزة.
كانت النصيحة التي تلقاها جمال ممن وجدهم في سجن المخابرات الجوية بأن عليه أن "ينسج قصصا" عن "الإرهاب" وعلاقاته بالمجموعات المسلحة وإلا فإنه قد يموت تحت التعذيب.
وقال الشعراوي "كان يتم استدعائي للتحقيق بين الفينة والأخرى، فكان التحدي أمامي أن أنسج القصص وأن أحفظ ما قمت بتأليفه حتى لا أنساه أمام المحقق أو أي محقق آخر". وعن التعذيب، يذكر الشعراوي أنه تعرض للضرب بين الفينة والأخرى، غير أنه يصف وضعه بالجيد مقارنة بما تعرض له غيره خاصة ممن خرجوا من الزنازين ولم يعودوا، وتبين أنهم ماتوا تحت التعذيب.
لا ينسى جمال من فترة الاعتقال هذه عدم قدرته والمعتقلين على النوم على ظهورهم أو على جنوبهم، فالحياة تستمر داخل الزنزانة ليلا ونهارا عبر جلسة القرفصاء فقط.
وقال "كنا نحو 120 شخصا في غرفة لا تتجاوز مساحتها الأربعين مترا مربعا، وكان للغرفة رئيس مخول بالتعامل مع السجانين، عانينا الطعام السيئ جدا، وانعدام النظافة، والبرد الشديد، والمرض الذي طال الجميع تقريبا داخل السجن".
الفصل الثالث من رحلة اعتقال الشعراوي تمثل في نقله للمستشفى العسكري في المزة بعد أن أصيب بأمراض عدة نتيجة التعب والإرهاق، حيث أبلغه الأطباء بأنه مصاب بأزمة قلبية وقصور كلوي والاستسقاء ومرض الضغط.
يتحدث الشعراوي عن "الفرع 601" وهو طابق ضمن المستشفى مخصص للسجناء المرضى، وهو تحت سيطرة سجانين أشهرهم على الإطلاق سجان كان يسمي نفسه "عزرائيل"، وكان متخصصا في قتل الجرحى والسجناء.
ويشير إلى أن السجناء المرضى كانوا دائما معصوبي الأعين، وأن من يثبت أنه كان بإمكانه مشاهدة من حوله فإنه يعاقب بالتعذيب الشديد.
يروي مشاهدته لأناس قتلوا في هذا الطابق، ويشير بالذات إلى الصيدلاني "أسامة براوي" الذي قال إنه قتل على يد "عزرائيل" في سرير مجاور له، كما أنه كان شاهدا على مقتل 16 من جرحى الجيش الحر الذين أحضروا للمشفى، لكنهم قتلوا ليلا وألقيت جثثهم في حمامات الطابق، حيث شاهد كل ذلك بصمت ومن تحت عصابة عينيه التي يقول إنه كان مرعوبا من أن يلاحظ أحد أنه يرى من خلالها.
ما ساهم بعلاج جمال من أمراضه لم يكن "فرع الموت" داخل المستشفى وإنما كما يقول أحد السجانين الذين استلموه مع ثلاثة آخرين بعد رحلة علاج، حيث نقلهم إلى حمامات وسمح لهم بالاستحمام بعد أربعة أشهر لم يكن خلالها قد استحم.
ويشيد جمال بهذا السجان الذي يصفه بالإنسان، حيث نقله لزنزانة أخرى كانت أوسع من السابقة، وأوصى رئيس الغرفة به، مما ساهم في علاجه إلى حد كبير.
في شهر أبريل/نيسان من عام 2013 نقل جمال من سجن القوات الجوية إلى سجن عدرا، والذي يصنفه بأنه "فندق خمس نجوم" مقارنة بفرع المخابرات، حيث مكث فيه إلى أن أحيل في 20 أغسطس/آب 2013 إلى المحاكمة أمام "محكمة الإرهاب"، حيث وجه له قاضٍ كبير هناك تهم تشكيل مجموعات مسلحة وتجارة السلاح، فأنكر التهم التي أبلغ الشعراوي القاضي أنها أخذت منه تحت التعذيب، ليقرر القاضي توقيفه مدة شهر أبلغه أنه يحق له تقديم طلب كفالة بعدها.
تمكن جمال الشعراوي عبر محامٍ كان يتردد على السجن من دفع رشوى كما يقول للقاضي قيمتها خمسة آلاف دولار أفرج عنها بسببها بالكفالة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، لينقل بعدها للهجرة والجوازات التي مكث فيها نحو أربعين يوما صدر بعدها قرار بالإفراج عنه مع منعه من السفر من سوريا، ليتمكن في نهاية يناير/كانون الثاني من هذا العام من الوصول للأردن بعد رحلة معاناة وعذاب طويلة.
يحمل الشعراوي بشدة على السلطات الأردنية، خاصة السفارة الأردنية في دمشق ووزارة الخارجية في عمان اللتين اتهمها بأنهما لم تستجيبا له ولعائلته. بالمقابل، يمتدح بشدة القائم بالأعمال الإيطالي في دمشق والذي يقيم ببيروت، حيث يقول إنه وموظفي السفارة تابعوه من لحظة اعتقاله حتى بعد عودته للأردن.
وأجرى الشعراوي عملية لإزالة غضروف من رجله تسببت به الجلسة الإجبارية للسجناء، كما يتابع علاجه من الأمراض التي ورثها من تجربة اعتقال قاسية.