- المشاركات
- 19,998
- الإقامة
- تركيا
أصبح مؤخراً مطوري العملات الإلكترونية منشغلين بأمر لم يكن متاحاً سابقاً وهو "الاستقرار".
وتقول إيزابيلا كامينسكا في تحليل نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" إن ذلك كان متوقعاً إلى حد ما، حيث أن جاذبية العملات مرتفعة التقلب التي لا تعتمد سوى على المضاربات "دائماً ما يكون محدوداً".
وإذا استخدم كل شخص نوعا مختلفا من العملات مع قيمة مختلفة فإن المغزى الحقيقي من المال - وهو الأرضية المشتركة لكل المستخدمين - يتم تقويضه.
ومن أجل تفادي ذلك، بدأ القطاع في تبني أمر ما يُدعي العملات المستقرة (عملات مشفرة مصممة لتقليل تقلب سعر العملة المستقرة، بالنسبة لبعض الأصول المستقرة أو سلة الأصول) من أجل محاربة ذلك.
ولتجنب التقلبات الشديدة والمعروفة للعملات الإلكترونية التقليدية فإن العملات المستقرة تدعمها الأصول وتسمح لقيمها بأن يتم ربطها بالعملات التي تصدرها الحكومات مثل الدولار واليورو أو اليوان، وأفضل مثال على ذلك هو العملة التي اقترحتها "فيسبوك" والتي تُدعى "ليبرا".
وتتباهي العملات الإلكترونية المستقرة مثل "تاثر" والتي تعمل على غرار أنظمة دفع شبيهة بالعملات غير مشفرة بأنها تمتلك بالفعل ما يزيد عن أصول دولارية تتجاوز قيمتها 4 مليارات دولار.
وقد يتم النظر إلى زيادة ذلك النوع من العملات على أنه انتصار للعملات الحكومية التي هي مرتبطة بها، ولكن مثلما ترتفع شعبيتها فإن العملات المستقرة غير المدعمة من البنوك تفرض تحديات للبنوك المركزية بشأن السيطرة على المعروض النقدي.
وقد يكون ذلك حقيقي بشكل خاص إذا كانت العملات المستقرة يتم دعمها بالأصول الآمنة مثل السندات الحكومية بدلاً من الودائع النقدية.
وأوصت بالفعل بعض البنوك المركزية مثل بنك الشعب الصيني بضرورة قيام بعض المصدرين غير المصرفيين مثل "ووي شات" بأن تمتلك سيولة نقدية "كاش" وليس سندات من أجل دعم عملات الدفع الخاصة بها، والإبقاء عليها في البنك المركزي بدلاً من المؤسسات الخاصة.
عملات إلكترونية رسمية؟
بينما تدرس بعض البنوك المركزية الأخرى إصدار عملات إلكترونية منافسة خاصة بها، فهم يعتقدون بأن نمو العملات المشفرة المصممة لتقليل المخاطر يعكس فجوة في السوق نتجت عن فشل القطاع المصرفي الرسمي في إرضاء الطلب على أنظمة دفع منخفضة التكلفة.
ونظراً لأن القطاع الرسمي لن يتدخل في الأمر فإن النظرية تقول إنه يجب على البنوك المركزية ملئ الفجوة وإبطاء نمو المنافسة غير المصرفية عبر إصدار عملات إلكترونية للجمهور العام.
ومن السهل تفنيد هذه الحجة لأن البنوك المركزية توفر بالفعل خدمات تسوية آنية رقمية فعالة للبنوك التي تشرف عليها.
لكن المتفائلين بضرورة إصدار عملات مشفرة خاصة بالبنوك المركزية يرون أن هناك فوائد أخرى قد تتحقق، فهي ستسمح للبنوك بأن تفرض معدلات فائدة سالبة على نطاق واسع للغاية حينما تقتضي الضرورة كما أنها ستزود السوق بأصول ملاذ آمن غير محدودة.
ومع ذلك يوجد أسباب وجيهة حول تجنب المؤسسات الدخول في مجال خدمات التجزئة مفضلة بدلاً من ذلك التركيز على معاملات الجملة مع المؤسسات التي تسمح لها بالعمل وتسيطر عليها.
لماذا لا يجب تنفيذ الفكرة؟
والسبب الأول يتمثل في إنه توجد مخاوف متعلقة بالمنافسة والخصوصية، حيث أن هناك خطر حقيقي بأن العملات الإلكترونية التابعة للبنوك المركزية يمكن أن تتسبب في مزيد من المصاعب للبنوك لجذب التمويل وبالتبعية تخفض قدرتها على تقديم القروض.
وفي المقابل فإن ذلك قد يشكل ضغطاً على البنوك المركزية للدخول في سوق الإقراض بشكل مباشر من أجل تعويض أثر ذلك.
وقد يبدأ البنك المركزي الذي هو أرخص موفر لكل من مدفوعات التجزئة والقروض في محاكاة المصارف المحلية الاحتكارية، وبالكاد يمثل هذا تطوراً ما.
وحتى بعيداً عن مشكلة المنافسة، على البنوك المركزية أن يكون لديها وعي بشأن الانتقال نحو قطاع التجزئة، فتوفير خدمات جيدة للجودة تتماثل مع معايير تنظيمية حديثة في بيئة شديدة التنافسية ليس مهمة سهلة.
فالبنوك المركزية ليست مسعدة لأن تكون مؤسسات هادفة للربح ومتخصصة في مواجهة المستهلك.
ومن شأن إصدار البنوك المركزية لعملات إلكترونية أن يجبرها على التعامل مع كل شيء بداية من الشكاوى العامة واستفسارات المستخدم حتى تنفيذ استراتيجية "أعرف عميلك" والشيكات المتعلقة بغسل الأموال.
وبالنظر إلى افتقارهم إلى الخبرة، فإنه ليس هناك ما يضمن أن البنوك المركزية قادرة على إدارة هذه المهمة بتكلفة أقل وبكفاءة أكبر من القطاع المصرفي الأساسي.
كما أن عملات البنوك المركزية قد تواجه مفارقة للخصوصية، وإذا هي ضمنت أن المعاملات ستكون خاصة فإن ذلك سيجعل المؤسسات الحكومية متورطة في تسهيلات غسل الأموال والتي لن يتم التسامح بشأنها.
وبدلاً من الاستعجال نحو منافسة العملات المشابهة الخاصة بفيسبوك وتيثر ووي شات، أو منعها تماماً، يجب على البنوك المركزية أن تتبع نموذج بنك الشعب الصيني لجلب المدفوعات الرقمية إلى الحظيرة المصرفية المركزية والتركيز على ما تتميز به بشكل خاص وهو إدارة الاستقرار الخاص بهم.
وإذا أصبحت العملات المستقرة شائعة جدًا لدرجة أن الحجم الهائل لاحتياطاتها يبدأ في تقييد التمويل المقدم للقروض، فإن البنوك المركزية سيكون لديها حلاً لحماية النظام، حيث يمكنها آنذاك فرض معدلات فائدة سالبة على الاحتياطات، مع السماح للقوى التنافسية بتحديد التكلفة التي سيتم فرضها على العملاء بدورهم.