رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,709
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان
الكتاب من تأليف عبد الله بن عبد الرحمن السعد وهو يدور حول وجوب اللجوء إلى الله وحده فى المطالب المختلفة وليس اللجوء إلى غيره خاصة الأموات حتى لو كانوا رسلا أو أئمة أو غيرهم وفى المقدمة قال السعد:
" أما بعد فإن مما انتشر بين الناس وذاع، دعاء غير الله -سبحانه وتعالى- فيما لا يقدر عليه إلا الله -عز وجل- في قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وشفاء الأمراض، ورزق الأولاد، وهذا لا شك أنه محرم في دين الإسلام، بل هو من دين الجاهلية ومن الشرك بالله -عز وجل-."
وقبل الدخول فى الموضوع يجب أن نبين أن مفهوم اللجوء لله وحده لا يعنى كما هو المشهور مجرد أن ندعوه طالبين وإنما يعنى الأخذ بالأسباب التى أوجبها مع الدعاء الطلبى من الله فمثلا طلب الشفاء يتمثل فى الدعاء والذهاب إلى الطبيب كما فى الأمر " تداووا عباد الله "ومثلا طلب الرزق يتمثل فى الدعاء والذهاب إلى العمل أو البحث عن عمل طلبا للرزق كما قال تعالى "فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه" ومن هنا جاءت القولة المشهورة " قد علمتم أن السماء لا نمطر ذهبا ولا فضة" أو الاستدانة عند عدم وجود رزق يسد الحاجة
وموضوع الكتاب هو الاستدلال على عدم اللجوء لغير الله وفيه قال السعد:
"والدليل على بطلان ذلك من عشرة أوجه:
الوجه الأول: أن الله -عز وجل- نهى عن دعاء غيره، فقال لنبيه الكريم (ص): (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) وقال عز وجل: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) وقال تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا) والآيات في هذا المعنى كثيرة."
الدعاء هنا لا يعنى الدعاء الكلامى وهو سؤال الله الرزق والصحة والعفو وغيره فكل ما استدل به يعنى طاعة الله أو طاعة سواه وأما الدعاء الكلامى فهو فى أقوال مثل قوله ""فيكشف ما تدعون إليه إن شاء"
ثم قال:
"الوجه الثاني: أن الله -عز وجل- أمر بدعائه وحده دون ما سواه.
فقال: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)
وقال تعالى:: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون) أي: هل هناك مع الله أحدا يستطيع ذلك سواه؟!! الجواب: لا، بل هو المتفرد وحده بذلك.
وقال تعالى: (قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون) وقال تعالى: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين)
وقال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين)
وروى الترمذي بإسناد جيد من حديث قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس قال: كنت خلف النبي (ص) فقال: "يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف". قال الترمذي: حديث حسن صحيح"
نفس الكلام فى الاستدلال فمعظم ما استدل به هنا لا يصلح سوى قوله "أمن يجيب المضطر إذا دعاه"والرواية فى قولها " إذا سألت فاسأل الله" والرواية أساسا تخالف كتاب الله فى جملتها الأخيرة رفعت الأقلام وجفت الصحف فالله يكتب كل شىء كما قال تعالى "فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون"وهذا الأمر عن طريق الكتبة كما قال تعالى " ما يلفظ من قول لديه رقيب عتيد"
ومن ثم فالأقلام لم توضع والصحف لم تجف
ثم استدل بالتالى :
"الوجه الثالث: أن الله -عز وجل- قد بين في كتابه العظيم أن من دعا غيره -تعالى- فقد وقع في الكفر والشرك بالله -عز وجل-
فقال تعالى: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) فمن فعل ذلك فهو من الكافرين كما في الآية الكريمة.
وقال تعالى: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) فبين -عز وجل- أنه لا أحد أظلم ممن دعا غير الله.
وقال تعالى: (قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا) أي: لا أشرك به في دعاء غيره من المخلوقين"
نفس الأملا كل ما استدل به السعد على الدعاء الكلامى لله وحده لا يصلح لأنه كله يتحدث عن الدعاء بمعنى طاعة الله أو طاعة سواه والغريب أنه تغافل عن قوله " وكانوا بعبادتهم كافرين" التى تعنى طاعة الكفار للآلهة المزعومة
ثم استدل بالتالى:
"الوجه الرابع: أن الله -عز وجل- بين أن الخلق مهما بلغوا من المكانة عنده، فهم لا يقدرون على شيء، إلا ما أقدرهم عليه، وأنهم فقراء إليه، وأنهم بشر مثلهم ويعتريهم ما يعتري البشر، فيأكلون ويشربون ويمرضون ويموتون.
فقال تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) وقال تعالى عن موسى (ص): (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)
وقال تعالى عن إبراهيم (ص) (وإذا مرضت فهو يشفين)
وحكى عن عيسى (ص) وأمه أنهما كانا يأكلان الطعام، فقال: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون) وقال: (قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا) وقال: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق)
وقال عن نبيه محمد (ص): (إنك ميت وإنهم ميتون) وقال: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا، إلا أن يشاء الله) وقال: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)
بل أخبر تعالى أن بعض الأنبياء قد قتله قومه، فقال: (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون)
فالذي نصل إليه: أن الدعاء لا يكون إلا له -سبحانه وتعالى-؛ لأنه هو الرب القادر على كل شيء، والمتفرد بذلك دون من سواه من الخلق.
قال تعالى: (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين) وقال: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) وقال: (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما) "
والاستدلال هنا صحيح فالعباد مفتقرون جميعا لله لأنهم من يقدرهم على الفعل ويعطى لهم الأشياء ثم قال :
"الوجه الخامس: أن الله -عز وجل- أخبر أن الأنبياء والرسل الكرام (ص) والصالحين من عباده، بل والملائكة، أنهم لا يدعون غير الله -عز وجل- في جميع أمورهم ومختلف أحوالهم، فالواجب اتباعهم والاقتداء بهم.
فقال -تعالى- عن نبيه يونس (ص)لما كان في بطن الحوت: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) وقال عن زكريا: (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين، فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) وقال تعالى عن نبيه أيوب إذ دعاه، فقال: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) وقال تعالى: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم)
وفي الصحيح عن ابن عباس قال: قال النبي (ص) يوم بدر: "اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد" فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك، فخرج وهو يقول: "سيهزم الجمع ويولون الدبر".
قال الحافظ في "الفتح": وعند الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: ما سمعنا مناشدا ينشد ضالة أشد مناشدة من محمد لربه يوم بدر: "اللهم إني أنشدك ما وعدتني".
الاستدلال هنا صحيح فالمسلمون رسلا وغير رسل لا ينادون أى يدعون سوى الله ثم قال:
"الوجه السادس: أن الكون وما فيه كله لله تعالى وبيده وتحت تصرفه وتدبيره، إذن هو الذي يجب أن يدعى وحده؛ لأن الملك ملكه والخلق خلقه، والأمر أمره.
قال تعالى: (الرحمن على العرش استوى، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى) وقال تعالى: (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير) وقال تعالى: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) وقال تعالى: (الله الصمد) والصمد: هو الذي تصمد إليه الخلائق في طلب حاجاتها."
كلام صحيح فالمالك لكل شىء هو من يطلب منه لملكة كل شىء ثم قال :
"الوجه السابع: أن الله تعالى ذكر عن أنبياءه ورسله الكرام (ص) أنهم قد سألوا الله تعالى في بعض أمورهم فلم يستجب لهم، ولم يتحقق لهم مرادهم، كما قال تعالى عن نبيه محمد (ص): (إنك لا تهدي من أحببت) وقال أيضا: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) وقال: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم)
وقال عن إبراهيم -(ص): (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه)ومعلوم أن الله تعالى لم يستجب لإبراهيم في هذا.
وقال عن نوح: (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين، قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين)
فكيف وهذه حالهم يدعون من دون الله تعالى؟!
وانظر أيضا إلى ما حصل يوم أحد، لما قاتل المسلمون بقيادة رسول الله (ص) المشركين وأرادوا النصر عليهم، فلم يتم ذلك، مع ما بذلوه من الأسباب، وقد أنزل الله -عز وجل- آيات كثيرة في سورة آل عمران فيها تربية وتوجيه للمسلمين، بسبب ما حصل منهم.
وانظر أيضا إلى ما حصل من علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معركة صفين، حاول أن ينتصر على الطرف المقابل وبذل وسعه، فلم يتم له هذا المراد.
وهذا علي بن أبي طالب وابنه الحسين لم يستطيعا أن يدفعا عن نفسيهما ولا عن أهل بيتهما ولا أن يردوا قدر الله السابق فيهم؛ فأين عقول هؤلاء الذين يدعون عليا والحسين من دون الله عز وجل فأين هؤلاء الذين يدعون عليا والحسين من دون الله -عز وجل-؟ لم يستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم أو يردوا قدر الله السابق فيهم وعن أهل بيتهم وهذا أمر معلوم بالعقل لا يستطيع أحد من الناس أن ينفك عنه، وأمر مشاهد محسوس لا يمكن دفعه، وقد كان علي والحسين -رضي الله عنهما- يلجئون إلى ربهم في حالات الشدة ويدعونه، فعلى من يزعم محبتهم أن يسلك سبيلهم ويتبع طريقتهم.
وقد وصل الأمر ببعض الناس أنه في بيت الله الحرام وعند الكعبة، عندما أراد أن يقوم قال: يا علي؟! فسمعه بعض أهل العلم، فقال له: لو كنت في بيت أحد من الناس واحتجت إلى حاجة من البيت، هل تذهب إلى جار صاحب البيت أو تسأل صاحب البيت نفسه، فما كان منه إلا أن قال: أسأل صاحب البيت نفسه، فانظر بارك الله فيك أنه لم يستطع دفع ذلك، بل اعترف بالحق ولذا قال تعالى: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا)
وأضرب مثلا آخر يعقله كل الناس: لو أن رجلا أغناه الله -عز وجل- وأعطاه من الأموال الشيء الكثير وله أولاد، وكان دائما يقول لأولاده: إذا احتجتم إلى شيء من المال أو الطعام أو الكساء فأخبروني، فكان هؤلاء الأولاد لا يطلبون منه، بل يذهبون إلى الجيران ويسألونهم، فهل فعلهم موافق للعقل؟! أو من السفه المنافي للعقل، وهذا فيما يتعلق بالخلق فكيف بالله -عز وجل- الذي له المثل الأعلى.
فعلى العبد أن يتجه إلى ربه الذي هو خالقه وسيده ومولاه في قضاء حاجاته وتفريج كرباته وقد يحتج بعض الناس بمعجزات الأنبياء (ص) في دعاءهم من دون الله، وأن موسى (ص)مثلا كان يضرب الحجر فيخرج منه الماء، وأن عيسى(ص) كان يحي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص فأقول جوابا عن ذلك:
أولا: أن هذه المعجزات إنما هي من الله، قال تعالى: (قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله) فعلى العبد أن يسأل الله الذي أعطى هذه المعجزات لهم.
ثانيا: أن هؤلاء الأنبياء (ص)كانوا يسألون الله -عز وجل- كما تقدم في الآيات، فعليك يا أيها المرء أن تقتدي بهم، فهم القدوة والأسوة الحسنة.
ثالثا: أن الأدلة السابقة واضحة في الدلالة على المنع من ذلك، بل حتى فيما يقدر عليه الإنسان الأولى بالمرء أن يبدأ بسؤال الله -عز وجل- أولا.
وقد حكي عن أبي جعفر محمد الباقر -رحمه الله تعالى- أنه قال: من عرضت له حاجة إلى مخلوق، فليبدأ بالله -عز وجل-"
والاستدلال هنا صحيح فالمخلوقات رسلا أو أئمة أو غيرهم لا يقدرون على نقع أنفسهم ولذا طلبوا من الله ومع هذا رفض الله بعض طلباتهم فلو كانوا يقدرون على نفع أنفسهم ما طلبوا من الله ثم قال :
"الوجه الثامن: أن الله -عز وجل- كما أمر عباده أن يدعوه وحده ونهى عن دعاء غيره، فهو يحب من عباده أن يدعوه ويستغيثوا به ويلجئوا إليه في جميع أمورهم ومختلف شؤونهم، فالدعاء عبادة محبوبة لله تعالى فالذي يدعو ربه تعالى يفعل شيئا محبوبا له مقربا لديه، ودليل ذلك: الحديث القدسي، وهو حديث عظيم، قال (ص)"ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " وقد جاء هذا الحديث عن جمع من الصحابة، وهو مخرج في الصحيحين والسنن والمسانيد، وهو حديث صحيح متواتر، وللدارقطني جزء في طرق هذا الحديث ورواياته فانظر إلى هذا الكرم الإلهي، يدعو عباده لكي يسألوه ويدعوه، وذلك في كل ليلة، وهو غني عنهم، فعلى العبد أن يغتنم هذا الكرم العظيم من قبل الرب -عز وجل- فيكثر من دعائه، وسوف يجد انشراحا في قلبه وراحة في نفسه، وزيادة في إيمانه.
قال تعالى: (واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما) وقد أخرج مسلم من حديث أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري عن النبي (ص) فيما يرويه عن ربه -عز وجل- أنه قال: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم".
وفي "سنن ابن ماجه" من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): "من لم يسأل الله يغضب عليه" وقد قوى هذا الحديث بعض أهل العلم، والحديث فيه ضعف، ولكن نصوص الكتاب والسنة تشهد لمعناه، فالذي لا يسأل الله تعالى مطلقا ولا في شيء من أموره، لا شك أن الله تعالى يغضب عليه، لأنه لم يتخذ الله ربا وإلها، والدعاء: منه ما هو واجب مثل سؤال الله الهداية، لقوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم) وسؤال الله المغفرة، ومثل الدعاء بين السجدتين.
وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال:
الرب يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسأل يغضب
وقال بعضهم:
أبا هانئ لا تسأل الناس والتمس ... بكفيك فضل الله والله أوسع ...
ولو تسأل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قلت هاتوا أن يملوا ويمنعوا"
الاستدلال هنا صحيح فيما عدا رواية نزول الله الكون وهى رواية بائنة العوار لكونها تجعل الله يحل فى الكون وهو المكان كالخلق وتجعله جسما يتواجد فى مكان وتجعله محدودا بحدود وهو ما يخالف قوله تعالى " ليس كمثله شىء"
ثم قال :
الوجه التاسع: كما أن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة دلت على منع سؤال غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ففطرة الإنسان دلت على ذلك؛ لأن الله -عز وجل- فطر العباد على التوجه إليه ودعاءه في وقت الشدة وحلول المصيبة، وهذا في كل الناس حتى الكافر منهم، كما ذكر الله -تعالى- عن المشركين، فقال: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) وقال عنهم: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا)
بل حتى الحيوانات مفطورة على التوجه إلى ربها وفاطرها، قال تعالى عن هدهد سليمان -(ص): (فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين،إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله)
فانظر كيف أنكر هذا الحيوان الطائر على هؤلاء الذين توجهوا لغير الله؛ لأن ذلك فطرة فطر الله -عز وجل- عليها جميع الخلق، إنسهم وجنهم وناطقهم وأعجمهم"
والاستدلال الأخير بقصة الهدهد على الدعاء الكلامى لا يصلح لأنه يتحدث عن عبادة القوم للشمس وهى أمور عديدة مثل السجود والدعاء الكلامى وعن أنها من الفت التشريعات
ثم قال:
"الوجه العاشر: كما أن الشرع والفطرة قد دلا على ذلك، فكذلك العقل كما تقدم، فالإنسان بعقله يعلم أن هؤلاء المدعوين مثله في الخلق والبشرية، فكيف يستغيث بهم من دون الله ويلتجئ إليهم ويسألهم الشفاء والرزق، وهم مثله؟
قال تعالى عن نبيه (ص): (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وقال تعالى: (قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن ناتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وتقدم في الآية: (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم) حتى فيما يقدر عليه العباد ويكون في وسعهم القيام به ينبغي سؤال الله تعالى، وقطع الالتفات إلى الخلق، لكن نجد -مع الأسف- أن بعض الناس إذا أصيب بمرض مثلا ذهب إلى من يرقيه، بينما كان ينبغي عليه أن يرقي نفسه ابتداء، وما من أحد من المسلمين -بحمد الله- إلا يستطيع أن يقرأ على نفسه بالفاتحة وآية الكرسي والمعوذات، ونحو ذلك من السور والآيات ولا يخفى أن الإنسان عندما يرقي نفسه بنفسه، لا شك أنه سوف يجتهد بالرقية، وتكون قراءاته بحضور قلب وتعلق بالله -عز وجل-، وهي أحرى بالإجابة، فكم من شخص رقى نفسه فشفاه الله -عز وجل-.ومن ذلك أيضا: أن بعض الناس إذا احتاج إلى وظيفة، أخذ يبحث عن واسطة، ولا يلجأ إلى ربه أولا في أن ييسر له هذه الوظيفة، وأذكر هنا قصة واقعية سمعتها من إذاعة القرآن الكريم، وهي: أن شخصا أراد وظيفة ما، فذهب إلى أصحاب الشأن، فلم يلتفتوا إليه، فضاق به الأمر، فذهب إلى أحد أهل العلم يريد شفاعته، فأرشده إلى اللجوء إلى الله –عز وجل-، فأخذ بنصيحته، فقام قبل الفجر، فأخذ يصلي ويدعو الله -عز وجل-، ثم بعد ذلك ذهب إلى من كان قد ذهب إليهم فيما سبق في طلب الوظيفة، فتيسرت له هذه الوظيفة، حتى قال له أحد المسؤولين الذين قد ذهب إليه في المرة الأولى ولم يلتفت إليه، قال له: أين أنت؟
بل أنك تجد بعض الناس حتى في الدعاء لنفسه يطلب من الناس أن يدعوا له، وربنا يقول: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) وقال: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)
وقد جاء عن بعض السلف -وهو أصبغ بن زيد الوراق- أنه قال: مكثت أنا ومن عندي ثلاثا لم نطعم طعاما، فخرجت إلي ابنتي الصغيرة، فقالت: يا أبت الجوع، فتركتها وأتيت الميضأة فتوضأت للصلاة وصليت ركعتين، ومددت يدي لأدعو فأنسيت ما كنت أحسنه في الدعاء، فقلت: اللهم إن كنت حرمتني الرزق فلا تحرمني الدعاء، فألهمت أن قلت: اللهم خشعت الأصوات لك، وضلت الأحلام فيك، وضاقت الأشياء دونك، وهرب كل شيء منك إليك، وتوكل كل مؤمن عليك، فأنت الرفيع في جلالك، وأنت البهي في جمالك، وأنت العلي في قدرك، يا من هو في علوه دان، وفي دنوه عال، وفي سلطانه قوي، صل على محمد وعلى آله محمد، وافتح علي منك رزقا، لا تجعل علي فيه منة، ولا لك علي فيه في الآخرة تبعة، برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم انصرفت إلى البيت، فإذا ابنتي الكبيرة قد قامت إلي وقالت: يا أبي قد جاء الساعة عمي بهذه الصرة من الدراهم، بجمل عليه دقيق، وجمل عليه من كل شيء في السوق، وقال: أقرؤوا أخي السلام، وقولوا له: إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء: تأتك حاجتك.قال أصبغ: والله ما كان لي أخ قط، ولا أعرف من كان هذا القائل، ولكن الله على كل شيء قدير! والحمد لله رب العالمين؟!
قلت: وموضع العبرة في هذه القصة: أن هذا الرجل توجه إلى ربه، وصلى ركعتين، ومد يديه إليه، فجاءه الفرج سريعا من قبل ربه عز وجل.
وهذه قصة ذكرها أبو محمد ابن حزم، وقعت لأبيه، وكان وزيرا لأحد الملوك في بلاد الأندلس، وهو المنصور بن أبي عامر، وهي قصة ثابتة، فقد قال ابن حزم: أخبرني هشام بن محمد عن أبي، أنه كان بين يدي المنصور أبي عامر محمد بن أبي عامر في بعض مجالسه العامة، فرفعت إليه رقعة استعطاف لأم رجل مسجون، كان ابن أبي عامر حنق عليه بجرم استعظمه، فلما قرأها اشتد غضبه، وقال: ذكرتني والله به، وأخذ القلم يوقع، وأراد أن يكتب: يصلب، فكتب: يطلق، ورمى الكتابة إلى الوزير، فأخذ أبوك القلم، وتناول رقعة، وجعل يكتب بمقتضى التوقيع إلى صاحب الشرط، فقال له ابن أبي عامر: ما هذا الذي تكتب؟ قال: بإطلاق فلان، فحرد وقال: من أمر بهذا؟ فناوله التوقيع، فلما رآه وقال: وهمت، ثم خط على ما كتب وأراد أن يكتب: يصلب، فكتب: يطلق، فأخذ والدك الرقعة، فلما رأى التوقيع: تمادى على ما بدأ به من الأمر بإطلاقه، ونظر إليه المنصور متماديا على الكتاب! فقال: ما تكتب؟ قال: بإطلاق الرجل، فغضب غضبا أشد من الأول، وقال: من أمر بهذا؟ فناوله الرقعة، فرأى خطه، فخط على ما كتب، وأراد أن يكتب: يصلب، فكتب: يطلق، فأخذ والدك الكتاب، فنظر ما وقع به، ثم تمادى فيما كان بدأ به، فقال له: ماذا تكتب؟ قال: بإطلاق الرجل وهذا الخطاب كان ثالثا بذلك، فلما رآه عجب، وقال: نعم يطلق على رغمي، فمن أراد الله إطلاقه لا أقدر أنا على صنعه، أو كما قال .
فانظر إلى هذا الملك أراد أن يكتب يصلب فلم يمكنه الله عز وجل في ذلك مع حرصه في فعل ذلك ثلاثة وهو لا يستطيع أن يكتب ذلك ذات الأحرف الأربعة ففي جميعها يكتب يطلق بدل يصلب حتى انتبه في المرة الأخيرة فأمر بإخراجه وقال من أراد الله إطلاقه لا أقدر على صنعه. وصدق الله تعالى: (أن الله يحول بين المرء وقلبه)، ولعل أم هذا الرجل توجهت إلى الله عز وجل بالدعاء بإطلاق ولدها فاستجاب لها.
قال أبو العباس أحمد بن عبد الحليم: "وأصل سؤال الخلق الحاجات الدنيوية التي لا يجب عليهم فعلها، ليس واجبا على السائل ولا مستحبا، بل المأمور به سؤال الله تعالى والرغبة إليه والتوكل عليه، وسؤال الخلق في الأصل محرم، لكنه أبيح للضرورة، وتركه توكلا على الله أفضل، قال تعالى: ((فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب) أي: ارغب إلى الله لا إلى غيره"
السعد هنا قهم فهما خاطئا أن الأخذ بالأسباب هو لجوء لغير الله وهو لم يستدل على ما ذهب إليه إلا بحكايات من الناس حكايات ليست من كتاب الله وليست فى الروايات فطلب الوظيفة لابد أن يكون بالسعى للبحث عن عمل فى المجتمعات التى نعيش فيها حاليا وهى كلها ليست مجتمعات محكومة بحكم الله ومن ثم اللجوء للناس للحصول على الوظيفة هو من ضمن الأخذ بالأسباب التى أمر الله بها ومثلا الرجل الذى طلب الرزق بالصلاة والدعاء هو مخطىء فلابد له من الأخذ بالسبب وهو " فامشوا فى مناكبها" فلابد أن يعمل أو لابد أن يأخذ بسبب أخر كالاستدانة كما قال تعالى "إذا تداينتم بدين"أو سؤال الناس كما قال " لا يسألون الناس إلحافا " وقال "والذين فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم "
وأما قصة ابن حزم فهى من ضمن الخبل وهى لم تقع حتى لو قال الكل أنها وقعت
الكتاب من تأليف عبد الله بن عبد الرحمن السعد وهو يدور حول وجوب اللجوء إلى الله وحده فى المطالب المختلفة وليس اللجوء إلى غيره خاصة الأموات حتى لو كانوا رسلا أو أئمة أو غيرهم وفى المقدمة قال السعد:
" أما بعد فإن مما انتشر بين الناس وذاع، دعاء غير الله -سبحانه وتعالى- فيما لا يقدر عليه إلا الله -عز وجل- في قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وشفاء الأمراض، ورزق الأولاد، وهذا لا شك أنه محرم في دين الإسلام، بل هو من دين الجاهلية ومن الشرك بالله -عز وجل-."
وقبل الدخول فى الموضوع يجب أن نبين أن مفهوم اللجوء لله وحده لا يعنى كما هو المشهور مجرد أن ندعوه طالبين وإنما يعنى الأخذ بالأسباب التى أوجبها مع الدعاء الطلبى من الله فمثلا طلب الشفاء يتمثل فى الدعاء والذهاب إلى الطبيب كما فى الأمر " تداووا عباد الله "ومثلا طلب الرزق يتمثل فى الدعاء والذهاب إلى العمل أو البحث عن عمل طلبا للرزق كما قال تعالى "فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه" ومن هنا جاءت القولة المشهورة " قد علمتم أن السماء لا نمطر ذهبا ولا فضة" أو الاستدانة عند عدم وجود رزق يسد الحاجة
وموضوع الكتاب هو الاستدلال على عدم اللجوء لغير الله وفيه قال السعد:
"والدليل على بطلان ذلك من عشرة أوجه:
الوجه الأول: أن الله -عز وجل- نهى عن دعاء غيره، فقال لنبيه الكريم (ص): (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) وقال عز وجل: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) وقال تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا) والآيات في هذا المعنى كثيرة."
الدعاء هنا لا يعنى الدعاء الكلامى وهو سؤال الله الرزق والصحة والعفو وغيره فكل ما استدل به يعنى طاعة الله أو طاعة سواه وأما الدعاء الكلامى فهو فى أقوال مثل قوله ""فيكشف ما تدعون إليه إن شاء"
ثم قال:
"الوجه الثاني: أن الله -عز وجل- أمر بدعائه وحده دون ما سواه.
فقال: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) وقال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)
وقال تعالى:: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون) أي: هل هناك مع الله أحدا يستطيع ذلك سواه؟!! الجواب: لا، بل هو المتفرد وحده بذلك.
وقال تعالى: (قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون) وقال تعالى: (هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين)
وقال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين)
وروى الترمذي بإسناد جيد من حديث قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس قال: كنت خلف النبي (ص) فقال: "يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف". قال الترمذي: حديث حسن صحيح"
نفس الكلام فى الاستدلال فمعظم ما استدل به هنا لا يصلح سوى قوله "أمن يجيب المضطر إذا دعاه"والرواية فى قولها " إذا سألت فاسأل الله" والرواية أساسا تخالف كتاب الله فى جملتها الأخيرة رفعت الأقلام وجفت الصحف فالله يكتب كل شىء كما قال تعالى "فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون"وهذا الأمر عن طريق الكتبة كما قال تعالى " ما يلفظ من قول لديه رقيب عتيد"
ومن ثم فالأقلام لم توضع والصحف لم تجف
ثم استدل بالتالى :
"الوجه الثالث: أن الله -عز وجل- قد بين في كتابه العظيم أن من دعا غيره -تعالى- فقد وقع في الكفر والشرك بالله -عز وجل-
فقال تعالى: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) فمن فعل ذلك فهو من الكافرين كما في الآية الكريمة.
وقال تعالى: (ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين) فبين -عز وجل- أنه لا أحد أظلم ممن دعا غير الله.
وقال تعالى: (قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا) أي: لا أشرك به في دعاء غيره من المخلوقين"
نفس الأملا كل ما استدل به السعد على الدعاء الكلامى لله وحده لا يصلح لأنه كله يتحدث عن الدعاء بمعنى طاعة الله أو طاعة سواه والغريب أنه تغافل عن قوله " وكانوا بعبادتهم كافرين" التى تعنى طاعة الكفار للآلهة المزعومة
ثم استدل بالتالى:
"الوجه الرابع: أن الله -عز وجل- بين أن الخلق مهما بلغوا من المكانة عنده، فهم لا يقدرون على شيء، إلا ما أقدرهم عليه، وأنهم فقراء إليه، وأنهم بشر مثلهم ويعتريهم ما يعتري البشر، فيأكلون ويشربون ويمرضون ويموتون.
فقال تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) وقال تعالى عن موسى (ص): (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير)
وقال تعالى عن إبراهيم (ص) (وإذا مرضت فهو يشفين)
وحكى عن عيسى (ص) وأمه أنهما كانا يأكلان الطعام، فقال: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون) وقال: (قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا) وقال: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق)
وقال عن نبيه محمد (ص): (إنك ميت وإنهم ميتون) وقال: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا، إلا أن يشاء الله) وقال: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)
بل أخبر تعالى أن بعض الأنبياء قد قتله قومه، فقال: (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون)
فالذي نصل إليه: أن الدعاء لا يكون إلا له -سبحانه وتعالى-؛ لأنه هو الرب القادر على كل شيء، والمتفرد بذلك دون من سواه من الخلق.
قال تعالى: (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين) وقال: (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) وقال: (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما) "
والاستدلال هنا صحيح فالعباد مفتقرون جميعا لله لأنهم من يقدرهم على الفعل ويعطى لهم الأشياء ثم قال :
"الوجه الخامس: أن الله -عز وجل- أخبر أن الأنبياء والرسل الكرام (ص) والصالحين من عباده، بل والملائكة، أنهم لا يدعون غير الله -عز وجل- في جميع أمورهم ومختلف أحوالهم، فالواجب اتباعهم والاقتداء بهم.
فقال -تعالى- عن نبيه يونس (ص)لما كان في بطن الحوت: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) وقال عن زكريا: (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين، فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) وقال تعالى عن نبيه أيوب إذ دعاه، فقال: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) وقال تعالى: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم)
وفي الصحيح عن ابن عباس قال: قال النبي (ص) يوم بدر: "اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد" فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك، فخرج وهو يقول: "سيهزم الجمع ويولون الدبر".
قال الحافظ في "الفتح": وعند الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: ما سمعنا مناشدا ينشد ضالة أشد مناشدة من محمد لربه يوم بدر: "اللهم إني أنشدك ما وعدتني".
الاستدلال هنا صحيح فالمسلمون رسلا وغير رسل لا ينادون أى يدعون سوى الله ثم قال:
"الوجه السادس: أن الكون وما فيه كله لله تعالى وبيده وتحت تصرفه وتدبيره، إذن هو الذي يجب أن يدعى وحده؛ لأن الملك ملكه والخلق خلقه، والأمر أمره.
قال تعالى: (الرحمن على العرش استوى، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى) وقال تعالى: (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير) وقال تعالى: (إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) وقال تعالى: (الله الصمد) والصمد: هو الذي تصمد إليه الخلائق في طلب حاجاتها."
كلام صحيح فالمالك لكل شىء هو من يطلب منه لملكة كل شىء ثم قال :
"الوجه السابع: أن الله تعالى ذكر عن أنبياءه ورسله الكرام (ص) أنهم قد سألوا الله تعالى في بعض أمورهم فلم يستجب لهم، ولم يتحقق لهم مرادهم، كما قال تعالى عن نبيه محمد (ص): (إنك لا تهدي من أحببت) وقال أيضا: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) وقال: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم)
وقال عن إبراهيم -(ص): (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه)ومعلوم أن الله تعالى لم يستجب لإبراهيم في هذا.
وقال عن نوح: (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين، قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين)
فكيف وهذه حالهم يدعون من دون الله تعالى؟!
وانظر أيضا إلى ما حصل يوم أحد، لما قاتل المسلمون بقيادة رسول الله (ص) المشركين وأرادوا النصر عليهم، فلم يتم ذلك، مع ما بذلوه من الأسباب، وقد أنزل الله -عز وجل- آيات كثيرة في سورة آل عمران فيها تربية وتوجيه للمسلمين، بسبب ما حصل منهم.
وانظر أيضا إلى ما حصل من علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معركة صفين، حاول أن ينتصر على الطرف المقابل وبذل وسعه، فلم يتم له هذا المراد.
وهذا علي بن أبي طالب وابنه الحسين لم يستطيعا أن يدفعا عن نفسيهما ولا عن أهل بيتهما ولا أن يردوا قدر الله السابق فيهم؛ فأين عقول هؤلاء الذين يدعون عليا والحسين من دون الله عز وجل فأين هؤلاء الذين يدعون عليا والحسين من دون الله -عز وجل-؟ لم يستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم أو يردوا قدر الله السابق فيهم وعن أهل بيتهم وهذا أمر معلوم بالعقل لا يستطيع أحد من الناس أن ينفك عنه، وأمر مشاهد محسوس لا يمكن دفعه، وقد كان علي والحسين -رضي الله عنهما- يلجئون إلى ربهم في حالات الشدة ويدعونه، فعلى من يزعم محبتهم أن يسلك سبيلهم ويتبع طريقتهم.
وقد وصل الأمر ببعض الناس أنه في بيت الله الحرام وعند الكعبة، عندما أراد أن يقوم قال: يا علي؟! فسمعه بعض أهل العلم، فقال له: لو كنت في بيت أحد من الناس واحتجت إلى حاجة من البيت، هل تذهب إلى جار صاحب البيت أو تسأل صاحب البيت نفسه، فما كان منه إلا أن قال: أسأل صاحب البيت نفسه، فانظر بارك الله فيك أنه لم يستطع دفع ذلك، بل اعترف بالحق ولذا قال تعالى: (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا)
وأضرب مثلا آخر يعقله كل الناس: لو أن رجلا أغناه الله -عز وجل- وأعطاه من الأموال الشيء الكثير وله أولاد، وكان دائما يقول لأولاده: إذا احتجتم إلى شيء من المال أو الطعام أو الكساء فأخبروني، فكان هؤلاء الأولاد لا يطلبون منه، بل يذهبون إلى الجيران ويسألونهم، فهل فعلهم موافق للعقل؟! أو من السفه المنافي للعقل، وهذا فيما يتعلق بالخلق فكيف بالله -عز وجل- الذي له المثل الأعلى.
فعلى العبد أن يتجه إلى ربه الذي هو خالقه وسيده ومولاه في قضاء حاجاته وتفريج كرباته وقد يحتج بعض الناس بمعجزات الأنبياء (ص) في دعاءهم من دون الله، وأن موسى (ص)مثلا كان يضرب الحجر فيخرج منه الماء، وأن عيسى(ص) كان يحي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص فأقول جوابا عن ذلك:
أولا: أن هذه المعجزات إنما هي من الله، قال تعالى: (قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله) فعلى العبد أن يسأل الله الذي أعطى هذه المعجزات لهم.
ثانيا: أن هؤلاء الأنبياء (ص)كانوا يسألون الله -عز وجل- كما تقدم في الآيات، فعليك يا أيها المرء أن تقتدي بهم، فهم القدوة والأسوة الحسنة.
ثالثا: أن الأدلة السابقة واضحة في الدلالة على المنع من ذلك، بل حتى فيما يقدر عليه الإنسان الأولى بالمرء أن يبدأ بسؤال الله -عز وجل- أولا.
وقد حكي عن أبي جعفر محمد الباقر -رحمه الله تعالى- أنه قال: من عرضت له حاجة إلى مخلوق، فليبدأ بالله -عز وجل-"
والاستدلال هنا صحيح فالمخلوقات رسلا أو أئمة أو غيرهم لا يقدرون على نقع أنفسهم ولذا طلبوا من الله ومع هذا رفض الله بعض طلباتهم فلو كانوا يقدرون على نفع أنفسهم ما طلبوا من الله ثم قال :
"الوجه الثامن: أن الله -عز وجل- كما أمر عباده أن يدعوه وحده ونهى عن دعاء غيره، فهو يحب من عباده أن يدعوه ويستغيثوا به ويلجئوا إليه في جميع أمورهم ومختلف شؤونهم، فالدعاء عبادة محبوبة لله تعالى فالذي يدعو ربه تعالى يفعل شيئا محبوبا له مقربا لديه، ودليل ذلك: الحديث القدسي، وهو حديث عظيم، قال (ص)"ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " وقد جاء هذا الحديث عن جمع من الصحابة، وهو مخرج في الصحيحين والسنن والمسانيد، وهو حديث صحيح متواتر، وللدارقطني جزء في طرق هذا الحديث ورواياته فانظر إلى هذا الكرم الإلهي، يدعو عباده لكي يسألوه ويدعوه، وذلك في كل ليلة، وهو غني عنهم، فعلى العبد أن يغتنم هذا الكرم العظيم من قبل الرب -عز وجل- فيكثر من دعائه، وسوف يجد انشراحا في قلبه وراحة في نفسه، وزيادة في إيمانه.
قال تعالى: (واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما) وقد أخرج مسلم من حديث أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري عن النبي (ص) فيما يرويه عن ربه -عز وجل- أنه قال: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم".
وفي "سنن ابن ماجه" من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): "من لم يسأل الله يغضب عليه" وقد قوى هذا الحديث بعض أهل العلم، والحديث فيه ضعف، ولكن نصوص الكتاب والسنة تشهد لمعناه، فالذي لا يسأل الله تعالى مطلقا ولا في شيء من أموره، لا شك أن الله تعالى يغضب عليه، لأنه لم يتخذ الله ربا وإلها، والدعاء: منه ما هو واجب مثل سؤال الله الهداية، لقوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم) وسؤال الله المغفرة، ومثل الدعاء بين السجدتين.
وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال:
الرب يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسأل يغضب
وقال بعضهم:
أبا هانئ لا تسأل الناس والتمس ... بكفيك فضل الله والله أوسع ...
ولو تسأل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قلت هاتوا أن يملوا ويمنعوا"
الاستدلال هنا صحيح فيما عدا رواية نزول الله الكون وهى رواية بائنة العوار لكونها تجعل الله يحل فى الكون وهو المكان كالخلق وتجعله جسما يتواجد فى مكان وتجعله محدودا بحدود وهو ما يخالف قوله تعالى " ليس كمثله شىء"
ثم قال :
الوجه التاسع: كما أن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة دلت على منع سؤال غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ففطرة الإنسان دلت على ذلك؛ لأن الله -عز وجل- فطر العباد على التوجه إليه ودعاءه في وقت الشدة وحلول المصيبة، وهذا في كل الناس حتى الكافر منهم، كما ذكر الله -تعالى- عن المشركين، فقال: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) وقال عنهم: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا)
بل حتى الحيوانات مفطورة على التوجه إلى ربها وفاطرها، قال تعالى عن هدهد سليمان -(ص): (فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين،إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله)
فانظر كيف أنكر هذا الحيوان الطائر على هؤلاء الذين توجهوا لغير الله؛ لأن ذلك فطرة فطر الله -عز وجل- عليها جميع الخلق، إنسهم وجنهم وناطقهم وأعجمهم"
والاستدلال الأخير بقصة الهدهد على الدعاء الكلامى لا يصلح لأنه يتحدث عن عبادة القوم للشمس وهى أمور عديدة مثل السجود والدعاء الكلامى وعن أنها من الفت التشريعات
ثم قال:
"الوجه العاشر: كما أن الشرع والفطرة قد دلا على ذلك، فكذلك العقل كما تقدم، فالإنسان بعقله يعلم أن هؤلاء المدعوين مثله في الخلق والبشرية، فكيف يستغيث بهم من دون الله ويلتجئ إليهم ويسألهم الشفاء والرزق، وهم مثله؟
قال تعالى عن نبيه (ص): (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وقال تعالى: (قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن ناتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) وتقدم في الآية: (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم) حتى فيما يقدر عليه العباد ويكون في وسعهم القيام به ينبغي سؤال الله تعالى، وقطع الالتفات إلى الخلق، لكن نجد -مع الأسف- أن بعض الناس إذا أصيب بمرض مثلا ذهب إلى من يرقيه، بينما كان ينبغي عليه أن يرقي نفسه ابتداء، وما من أحد من المسلمين -بحمد الله- إلا يستطيع أن يقرأ على نفسه بالفاتحة وآية الكرسي والمعوذات، ونحو ذلك من السور والآيات ولا يخفى أن الإنسان عندما يرقي نفسه بنفسه، لا شك أنه سوف يجتهد بالرقية، وتكون قراءاته بحضور قلب وتعلق بالله -عز وجل-، وهي أحرى بالإجابة، فكم من شخص رقى نفسه فشفاه الله -عز وجل-.ومن ذلك أيضا: أن بعض الناس إذا احتاج إلى وظيفة، أخذ يبحث عن واسطة، ولا يلجأ إلى ربه أولا في أن ييسر له هذه الوظيفة، وأذكر هنا قصة واقعية سمعتها من إذاعة القرآن الكريم، وهي: أن شخصا أراد وظيفة ما، فذهب إلى أصحاب الشأن، فلم يلتفتوا إليه، فضاق به الأمر، فذهب إلى أحد أهل العلم يريد شفاعته، فأرشده إلى اللجوء إلى الله –عز وجل-، فأخذ بنصيحته، فقام قبل الفجر، فأخذ يصلي ويدعو الله -عز وجل-، ثم بعد ذلك ذهب إلى من كان قد ذهب إليهم فيما سبق في طلب الوظيفة، فتيسرت له هذه الوظيفة، حتى قال له أحد المسؤولين الذين قد ذهب إليه في المرة الأولى ولم يلتفت إليه، قال له: أين أنت؟
بل أنك تجد بعض الناس حتى في الدعاء لنفسه يطلب من الناس أن يدعوا له، وربنا يقول: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) وقال: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)
وقد جاء عن بعض السلف -وهو أصبغ بن زيد الوراق- أنه قال: مكثت أنا ومن عندي ثلاثا لم نطعم طعاما، فخرجت إلي ابنتي الصغيرة، فقالت: يا أبت الجوع، فتركتها وأتيت الميضأة فتوضأت للصلاة وصليت ركعتين، ومددت يدي لأدعو فأنسيت ما كنت أحسنه في الدعاء، فقلت: اللهم إن كنت حرمتني الرزق فلا تحرمني الدعاء، فألهمت أن قلت: اللهم خشعت الأصوات لك، وضلت الأحلام فيك، وضاقت الأشياء دونك، وهرب كل شيء منك إليك، وتوكل كل مؤمن عليك، فأنت الرفيع في جلالك، وأنت البهي في جمالك، وأنت العلي في قدرك، يا من هو في علوه دان، وفي دنوه عال، وفي سلطانه قوي، صل على محمد وعلى آله محمد، وافتح علي منك رزقا، لا تجعل علي فيه منة، ولا لك علي فيه في الآخرة تبعة، برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم انصرفت إلى البيت، فإذا ابنتي الكبيرة قد قامت إلي وقالت: يا أبي قد جاء الساعة عمي بهذه الصرة من الدراهم، بجمل عليه دقيق، وجمل عليه من كل شيء في السوق، وقال: أقرؤوا أخي السلام، وقولوا له: إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء: تأتك حاجتك.قال أصبغ: والله ما كان لي أخ قط، ولا أعرف من كان هذا القائل، ولكن الله على كل شيء قدير! والحمد لله رب العالمين؟!
قلت: وموضع العبرة في هذه القصة: أن هذا الرجل توجه إلى ربه، وصلى ركعتين، ومد يديه إليه، فجاءه الفرج سريعا من قبل ربه عز وجل.
وهذه قصة ذكرها أبو محمد ابن حزم، وقعت لأبيه، وكان وزيرا لأحد الملوك في بلاد الأندلس، وهو المنصور بن أبي عامر، وهي قصة ثابتة، فقد قال ابن حزم: أخبرني هشام بن محمد عن أبي، أنه كان بين يدي المنصور أبي عامر محمد بن أبي عامر في بعض مجالسه العامة، فرفعت إليه رقعة استعطاف لأم رجل مسجون، كان ابن أبي عامر حنق عليه بجرم استعظمه، فلما قرأها اشتد غضبه، وقال: ذكرتني والله به، وأخذ القلم يوقع، وأراد أن يكتب: يصلب، فكتب: يطلق، ورمى الكتابة إلى الوزير، فأخذ أبوك القلم، وتناول رقعة، وجعل يكتب بمقتضى التوقيع إلى صاحب الشرط، فقال له ابن أبي عامر: ما هذا الذي تكتب؟ قال: بإطلاق فلان، فحرد وقال: من أمر بهذا؟ فناوله التوقيع، فلما رآه وقال: وهمت، ثم خط على ما كتب وأراد أن يكتب: يصلب، فكتب: يطلق، فأخذ والدك الرقعة، فلما رأى التوقيع: تمادى على ما بدأ به من الأمر بإطلاقه، ونظر إليه المنصور متماديا على الكتاب! فقال: ما تكتب؟ قال: بإطلاق الرجل، فغضب غضبا أشد من الأول، وقال: من أمر بهذا؟ فناوله الرقعة، فرأى خطه، فخط على ما كتب، وأراد أن يكتب: يصلب، فكتب: يطلق، فأخذ والدك الكتاب، فنظر ما وقع به، ثم تمادى فيما كان بدأ به، فقال له: ماذا تكتب؟ قال: بإطلاق الرجل وهذا الخطاب كان ثالثا بذلك، فلما رآه عجب، وقال: نعم يطلق على رغمي، فمن أراد الله إطلاقه لا أقدر أنا على صنعه، أو كما قال .
فانظر إلى هذا الملك أراد أن يكتب يصلب فلم يمكنه الله عز وجل في ذلك مع حرصه في فعل ذلك ثلاثة وهو لا يستطيع أن يكتب ذلك ذات الأحرف الأربعة ففي جميعها يكتب يطلق بدل يصلب حتى انتبه في المرة الأخيرة فأمر بإخراجه وقال من أراد الله إطلاقه لا أقدر على صنعه. وصدق الله تعالى: (أن الله يحول بين المرء وقلبه)، ولعل أم هذا الرجل توجهت إلى الله عز وجل بالدعاء بإطلاق ولدها فاستجاب لها.
قال أبو العباس أحمد بن عبد الحليم: "وأصل سؤال الخلق الحاجات الدنيوية التي لا يجب عليهم فعلها، ليس واجبا على السائل ولا مستحبا، بل المأمور به سؤال الله تعالى والرغبة إليه والتوكل عليه، وسؤال الخلق في الأصل محرم، لكنه أبيح للضرورة، وتركه توكلا على الله أفضل، قال تعالى: ((فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب) أي: ارغب إلى الله لا إلى غيره"
السعد هنا قهم فهما خاطئا أن الأخذ بالأسباب هو لجوء لغير الله وهو لم يستدل على ما ذهب إليه إلا بحكايات من الناس حكايات ليست من كتاب الله وليست فى الروايات فطلب الوظيفة لابد أن يكون بالسعى للبحث عن عمل فى المجتمعات التى نعيش فيها حاليا وهى كلها ليست مجتمعات محكومة بحكم الله ومن ثم اللجوء للناس للحصول على الوظيفة هو من ضمن الأخذ بالأسباب التى أمر الله بها ومثلا الرجل الذى طلب الرزق بالصلاة والدعاء هو مخطىء فلابد له من الأخذ بالسبب وهو " فامشوا فى مناكبها" فلابد أن يعمل أو لابد أن يأخذ بسبب أخر كالاستدانة كما قال تعالى "إذا تداينتم بدين"أو سؤال الناس كما قال " لا يسألون الناس إلحافا " وقال "والذين فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم "
وأما قصة ابن حزم فهى من ضمن الخبل وهى لم تقع حتى لو قال الكل أنها وقعت