رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب حجب التوبة عن المبتدع
استهل المؤلف الكتاب بمقدمة تقليدية تكررت فى كثير من الكتب المعاصرة التى يكتبها مؤلفون من دولة السعودية غالبا ودول الخليج عامة وبعض السلفية وكأن هناك توصية أن تكتب تلك المقدمة فى أى كتاب يتناول مسألة من مسائل الدين والمقدمة هى :
" إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران:102ٍ].
(يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [سورة النساء:1].
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [سورة الأحزاب:70-71]."
وتحدث المؤلف فى المقدمة الثانية وهى حديث إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة وهى موضوع الكتاب فقال :
"أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة
الحديث أخرجه أبو الشيخ في "تاريخ أصبهان"، والطبراني في "الأوسط" (4202) ولفظه: (( إن الله حجب التوبة عن صاحب كل بدعة ))، والهروي في "ذم الكلام" (960)، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وابن أبي عاصم في "السنة"(37)، وهو في الصحيحة (1620).
وأورد المنذري الحديث في "الترغيب والترهيب" (54 ـ صحيح الترغيب والترهيب) كتاب السنة، الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء."
والحديث بذلك النص ظاهر البطلان لتعارضه مع كتاب الله فى قوله:
"إن الله يغفر الذنوب جميعا"
فالذنوب كلها يغفرها الله لمن تاب والغريب أن لذلك الحديث رواية أخر جملها وهى محذوفة هنا هى :
"حتى يتوب من بدعته"
وهذه الرواية معناه موافق لما فى كتاب فكل الذنوب تغفر لمن استغفر منها مخلصا أى تاب منها كما قال تعالى :
" ومن يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما"
وحدثنا المؤلف عن ترهيب الله لأهل البدع فقال :
"فالحديث فيه ما فيه من الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدعة، والحديث في عمومه دال على عدم توبة المبتدع والحيال بينه وبين التوبة وحجبه عنها.
قال الله عز وجل في سورة النور:63 (..فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )، قال ابن كثير في قوله تعالى: (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) قال: " أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة ".
وقال الله تعالى في سورة الأنفال:24 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
قال الشيخ السعدي :
يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو: الاستجابة لله وللرسول، أي الانقياد لما أمر به، والمبادرة إلى ذلك، والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه، والنهي عنه.
وقوله: (إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) وصف ملازم، لكل ما دعا الله ورسوله إليه، وبيان لفائدته وحكمته، فإن حياة القلب والروح بعبودية الله، ولزوم طاعته، وطاعة رسوله، على الدوام.
ثم حذر من عدم الاستجابة لله وللرسول فقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) فإياكم أن تردوا أمر الله، أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك. وتختلف قلوبكم فإن الله يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث يشاء، ويصرفها أنى شاء.
فليكثر العبد من قول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك".
وقال الشيخ سلطان المعصومي في كتابه "تمييز المحظوظين من المحرومين" (ص:192):
(وَاعْلَمُوا) أيها المؤمنون (أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) وهذا تنبيه لأمرين عظيمين أمرنا الله تعالى أن نعلمهما علماً يقيناً:
الأول: أن من سنة الله في البشر الحيلولة بين المرء وقلبه، الذي هو مركز الوجدان والإدراك ذي السلطان على إرادته وعمله، وهذا أخوف ما يخافه المتقي على نفسه إذا لم ييأس من روح الله فيه.
ومعرفة هذه الجملة تثمر الخوف والرجاء، فكم من متق مهتد يضل عن الصراط المستقيم، ويميل إلى مهاوي الجحيم، بسبب شبهة تزعزع الاعتقاد، أو شهوة يغلب بها الغي على الرشاد، فيطيع هواه، ويتخذه إلهاً من دون الله، على أنه فيه مختار بلا جبر ولا اضطرار؛ كما وقع في هذا العصر من بعض معاصرينا، كعبد الله القصيمي في كتابه "هذي هي الأغلال" فإنه قد خالف النصوص الصريحة القرآنية، والأحاديث الصحيحة النبوية، في أحد وعشرين موضعاً من هذا الكتاب، ظاهره الكفر والزندقة، بعد أن كان مؤمناً موحداً يدافع عن الإيمان والتوحيد وأهله، ويصارع أهل الشرك والخرافات، كما في مؤلفاته السابقة، ككتابه "الصراع بين الإسلام والوثنية" و "البروق النجدية" و "شيوخ الأزهر" وغيرها، ولكن قد صدق الله العظيم (أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)"
وهذا الكلام من المؤلف والذى نقل معظمه هو من كتب فيره لا علاقة به بالبدعة إلا قليلا وهو كلام عام فى ذنوب الناس والتى لا تتوب منها فليس مخترع البدعة وحده من لا يتوب فى الغالب وإنما كل مصر على الذنب وهو يعلم أنه مذنب يرتكب ذنبا ومع هذا يكرر عمل الذنب كما قال تعالى :
"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروه لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"
وأما كلامه عن القصيمى فالرجل كان فى بدايته منتقدا للفقه التقليدى وقد أفلح فيما كتب فى العديد من المواضع ولكن الكم الكبير الذى وجده من التناقضات بسبب روايات الحديث وحدوث ما يسمى بنكسة67 أثرا على الرجل تأثيرا جعله يكفر بكل شىء تقريبا وقد كتب كتابا جنونيا اسمه محاكمة الإله ينضح بالكفر الظاهر ولكنه فى كتاب بعده قال أنه لا يقصد الكفر بالله وإنما يقصد الكفر بالحكام والحكومات وما تفعله من مظالم فى الناس
وقال :
"ومن جملة الأسباب الظاهرة مصاحبة المتفرنجين والزنادقة، والطمع فيما عندهم من مال الدنيا.
اللهم ثبت قلوبنا على دينك، (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [سورة آل عمران:8]."
وتحدث عن أن المبتدعة لا يمكن لهم أن يتوبوا فقال :
"المبتدعة يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون فيه
فعلى المسلم أن يحذر أن تصيبه فتنة من الله تعالى، أو أن يحول الله بينه وبين قلبه.
فمن الأحاديث الدالة على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في وصف الخوارج من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ " ..الحديث.
وفي رواية لمسلم من حديث أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي، أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي، قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَلاقِيمَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ ".. الحديث.
أخرج ابن وضاح في كتابه "البدع والنهي عنها" (ص:62)، عن حماد بن زيد عن أيوب ـ يعني السختياني ـ قال: كان رجل يرى رأياً فرجع عنه فأتيت محمداً فرحاً بذلك أخبره، فقلت: أشعرت أن فلاناً ترك رأيه الذي كان يرى؟ فقال: انظروا إلى ما يتحول إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله، يمرقون من الإسلام لا يعودون فيه.
وأخرجه اللالكائي في "شرح اعتقاد أصول أهل السنة والجماعة" (286) ولفظه: قال رجل لأيوب:
يا أبا بكر إن عمرو بن عبيد قد رجع عن رأيه !!
قال: إنه لم يرجع.
قال: بلى يا أبا بكر إنه قد رجع.
قال أيوب: إنه لم يرجع ـ ثلاث مرات ـ أما أنه لم يرجع، أما سمعت إلى قوله: (يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ).
وأيوب صاحب الأثر يرى أن كل الأهواء خوارج ينطبق عليهم هذا الأثر، فقد أخرج اللالكائي (290) عن سلام بن أبي مطيع قال: وكان أيوب يسمي أهل الأهواء كلهم خوارج ويقول: الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف.
وأخرج ابن وضاح عن أبي عمرو الشيباني قال: كان يقال: (( يأبى الله لصاحب بدعة بتوبة، وما انتقل صاحب بدعة إلا إلى شر منها )).
وأخرج عن عبد الله بن القاسم وهو يقول: (( ما كان عبد على هوى فتركه إلا إلى ما هو شر منه ))، قال: فذكرت هذا الحديث لبعض أصحابنا فقال: تصديقه في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مروق السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لا يرجعونِ حَتَّى يرجع السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ).
وأخرج اللالكائي (285)، عن الحسن البصري قال: "أبى الله تبارك وتعالى أن يأذن لصاحب هوى بتوبة". ولفظه عند ابن وضاح: "أبى الله لصاحب بدعة بتوبة"."
والمؤلف يستشهد بحديث مخالف لكتاب الله فى أن الرسول (ص)يعلم الغيب ممثل فى خروج فئة من الدين من جهة الشرق أو خروج قئى من أمته بعده من الدين وهو ما يخالف أنه لا يعلم الغيب أيا كان حتى ما يفعله الله به أو بغيره وفى ذلك قال تعالى على لسانه:
" ولا أدرى ما يفعل بى ولا بكم"
وقال "
" ولا أعلم الغيب"
وقال :
" لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
والعجيب هو نسبة المبتدعة إلى أمته بعده والرسول (ص) ليس أمة سوى الأمة التى كان فى عصرها وحتى الله لم ينسب الأمة له وإنما نسبها للمسلمين جميعا فقال:
" وأن هذه أمتكم أمة واحدة"
ولذا يشهد الرسول (ص) على من فى عصره فقط كما قال تعالى :
"ويكون الرسول عليكم شهيدا"
والرسول0ص) لا يشهد عمن بعده لأنه لم يعش معهم ولا رأى ما عملوا من خير أو شر
وحدثنا المؤلف عن مضار البدعة فنقل عن سليم الهلالى فقال :
"وفي كتاب "البدعة وأثرها السيء في الأمة" بيًّن الشيخ سليم الهلالي ـ حفظه الله ـ في الفصل الثامن، خطورة البدع ، ومما قاله بعد ذكر حديث الخوارج يبين أن صاحب البدعة لا يزداد من الله إلا بعداً: "يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّة "..الحديث؛
قال: فبيًّن اجتهادهم في بدعتهم، ثم بيًّن آخراً بُعدهم من الله تعالى.
وقال: التوبة عن المبتدع محجوبة، ما دام مصراً على معصيته، وما برح مقيماً على بدعته، لذلك يخشى عليه سوء الخاتمة. واستشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: " إن الله حجب التوبة عن صاحب كل بدعة "
وما نقله المؤلف من عبارة" التوبة عن المبتدع محجوبة، ما دام مصراً على معصيته، وما برح مقيماً على بدعته" هى مناقضة للحديث الذى نقله فى البداية والذى يمنع التوبة عن المبتدع دون تحديد توبته من غير توبته
وقد ذكر الله مثال لتوبة المبتدعة فى كتابه وهم :
سحرة فرعون عندما أعلنوا إيمانهم برسالة موسى(ص) وهارون(ص) وتحملهم كل صنوف العذاب التى سينزلها فرعون بهم وهو قوله تعالى :
"فألقى السحرة سجدا قالوا أمنا برب موسى وهارون قال أأمنتم له قبل أن أذن لكم إنه لكبيركم الذى علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم فى جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذى فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا إنا أمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر"
والمثال عبدة العجل فقد تاب الله على من تاب منهم بقتله نفسه أو بتوبته العادية فقال :
"وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم"
وأما من لم يتب كالسامرى فقد عاقبة الله فى الدنيا والآخرة
استهل المؤلف الكتاب بمقدمة تقليدية تكررت فى كثير من الكتب المعاصرة التى يكتبها مؤلفون من دولة السعودية غالبا ودول الخليج عامة وبعض السلفية وكأن هناك توصية أن تكتب تلك المقدمة فى أى كتاب يتناول مسألة من مسائل الدين والمقدمة هى :
" إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران:102ٍ].
(يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [سورة النساء:1].
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [سورة الأحزاب:70-71]."
وتحدث المؤلف فى المقدمة الثانية وهى حديث إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة وهى موضوع الكتاب فقال :
"أما بعد،
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة
الحديث أخرجه أبو الشيخ في "تاريخ أصبهان"، والطبراني في "الأوسط" (4202) ولفظه: (( إن الله حجب التوبة عن صاحب كل بدعة ))، والهروي في "ذم الكلام" (960)، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وابن أبي عاصم في "السنة"(37)، وهو في الصحيحة (1620).
وأورد المنذري الحديث في "الترغيب والترهيب" (54 ـ صحيح الترغيب والترهيب) كتاب السنة، الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدع والأهواء."
والحديث بذلك النص ظاهر البطلان لتعارضه مع كتاب الله فى قوله:
"إن الله يغفر الذنوب جميعا"
فالذنوب كلها يغفرها الله لمن تاب والغريب أن لذلك الحديث رواية أخر جملها وهى محذوفة هنا هى :
"حتى يتوب من بدعته"
وهذه الرواية معناه موافق لما فى كتاب فكل الذنوب تغفر لمن استغفر منها مخلصا أى تاب منها كما قال تعالى :
" ومن يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما"
وحدثنا المؤلف عن ترهيب الله لأهل البدع فقال :
"فالحديث فيه ما فيه من الترهيب من ترك السنة وارتكاب البدعة، والحديث في عمومه دال على عدم توبة المبتدع والحيال بينه وبين التوبة وحجبه عنها.
قال الله عز وجل في سورة النور:63 (..فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )، قال ابن كثير في قوله تعالى: (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) قال: " أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة ".
وقال الله تعالى في سورة الأنفال:24 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
قال الشيخ السعدي :
يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو: الاستجابة لله وللرسول، أي الانقياد لما أمر به، والمبادرة إلى ذلك، والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه، والنهي عنه.
وقوله: (إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) وصف ملازم، لكل ما دعا الله ورسوله إليه، وبيان لفائدته وحكمته، فإن حياة القلب والروح بعبودية الله، ولزوم طاعته، وطاعة رسوله، على الدوام.
ثم حذر من عدم الاستجابة لله وللرسول فقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) فإياكم أن تردوا أمر الله، أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك. وتختلف قلوبكم فإن الله يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث يشاء، ويصرفها أنى شاء.
فليكثر العبد من قول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك".
وقال الشيخ سلطان المعصومي في كتابه "تمييز المحظوظين من المحرومين" (ص:192):
(وَاعْلَمُوا) أيها المؤمنون (أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) وهذا تنبيه لأمرين عظيمين أمرنا الله تعالى أن نعلمهما علماً يقيناً:
الأول: أن من سنة الله في البشر الحيلولة بين المرء وقلبه، الذي هو مركز الوجدان والإدراك ذي السلطان على إرادته وعمله، وهذا أخوف ما يخافه المتقي على نفسه إذا لم ييأس من روح الله فيه.
ومعرفة هذه الجملة تثمر الخوف والرجاء، فكم من متق مهتد يضل عن الصراط المستقيم، ويميل إلى مهاوي الجحيم، بسبب شبهة تزعزع الاعتقاد، أو شهوة يغلب بها الغي على الرشاد، فيطيع هواه، ويتخذه إلهاً من دون الله، على أنه فيه مختار بلا جبر ولا اضطرار؛ كما وقع في هذا العصر من بعض معاصرينا، كعبد الله القصيمي في كتابه "هذي هي الأغلال" فإنه قد خالف النصوص الصريحة القرآنية، والأحاديث الصحيحة النبوية، في أحد وعشرين موضعاً من هذا الكتاب، ظاهره الكفر والزندقة، بعد أن كان مؤمناً موحداً يدافع عن الإيمان والتوحيد وأهله، ويصارع أهل الشرك والخرافات، كما في مؤلفاته السابقة، ككتابه "الصراع بين الإسلام والوثنية" و "البروق النجدية" و "شيوخ الأزهر" وغيرها، ولكن قد صدق الله العظيم (أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)"
وهذا الكلام من المؤلف والذى نقل معظمه هو من كتب فيره لا علاقة به بالبدعة إلا قليلا وهو كلام عام فى ذنوب الناس والتى لا تتوب منها فليس مخترع البدعة وحده من لا يتوب فى الغالب وإنما كل مصر على الذنب وهو يعلم أنه مذنب يرتكب ذنبا ومع هذا يكرر عمل الذنب كما قال تعالى :
"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروه لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"
وأما كلامه عن القصيمى فالرجل كان فى بدايته منتقدا للفقه التقليدى وقد أفلح فيما كتب فى العديد من المواضع ولكن الكم الكبير الذى وجده من التناقضات بسبب روايات الحديث وحدوث ما يسمى بنكسة67 أثرا على الرجل تأثيرا جعله يكفر بكل شىء تقريبا وقد كتب كتابا جنونيا اسمه محاكمة الإله ينضح بالكفر الظاهر ولكنه فى كتاب بعده قال أنه لا يقصد الكفر بالله وإنما يقصد الكفر بالحكام والحكومات وما تفعله من مظالم فى الناس
وقال :
"ومن جملة الأسباب الظاهرة مصاحبة المتفرنجين والزنادقة، والطمع فيما عندهم من مال الدنيا.
اللهم ثبت قلوبنا على دينك، (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [سورة آل عمران:8]."
وتحدث عن أن المبتدعة لا يمكن لهم أن يتوبوا فقال :
"المبتدعة يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون فيه
فعلى المسلم أن يحذر أن تصيبه فتنة من الله تعالى، أو أن يحول الله بينه وبين قلبه.
فمن الأحاديث الدالة على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في وصف الخوارج من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ " ..الحديث.
وفي رواية لمسلم من حديث أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي، أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي، قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَلاقِيمَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ ".. الحديث.
أخرج ابن وضاح في كتابه "البدع والنهي عنها" (ص:62)، عن حماد بن زيد عن أيوب ـ يعني السختياني ـ قال: كان رجل يرى رأياً فرجع عنه فأتيت محمداً فرحاً بذلك أخبره، فقلت: أشعرت أن فلاناً ترك رأيه الذي كان يرى؟ فقال: انظروا إلى ما يتحول إن آخر الحديث أشد عليهم من أوله، يمرقون من الإسلام لا يعودون فيه.
وأخرجه اللالكائي في "شرح اعتقاد أصول أهل السنة والجماعة" (286) ولفظه: قال رجل لأيوب:
يا أبا بكر إن عمرو بن عبيد قد رجع عن رأيه !!
قال: إنه لم يرجع.
قال: بلى يا أبا بكر إنه قد رجع.
قال أيوب: إنه لم يرجع ـ ثلاث مرات ـ أما أنه لم يرجع، أما سمعت إلى قوله: (يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ).
وأيوب صاحب الأثر يرى أن كل الأهواء خوارج ينطبق عليهم هذا الأثر، فقد أخرج اللالكائي (290) عن سلام بن أبي مطيع قال: وكان أيوب يسمي أهل الأهواء كلهم خوارج ويقول: الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف.
وأخرج ابن وضاح عن أبي عمرو الشيباني قال: كان يقال: (( يأبى الله لصاحب بدعة بتوبة، وما انتقل صاحب بدعة إلا إلى شر منها )).
وأخرج عن عبد الله بن القاسم وهو يقول: (( ما كان عبد على هوى فتركه إلا إلى ما هو شر منه ))، قال: فذكرت هذا الحديث لبعض أصحابنا فقال: تصديقه في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مروق السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لا يرجعونِ حَتَّى يرجع السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ).
وأخرج اللالكائي (285)، عن الحسن البصري قال: "أبى الله تبارك وتعالى أن يأذن لصاحب هوى بتوبة". ولفظه عند ابن وضاح: "أبى الله لصاحب بدعة بتوبة"."
والمؤلف يستشهد بحديث مخالف لكتاب الله فى أن الرسول (ص)يعلم الغيب ممثل فى خروج فئة من الدين من جهة الشرق أو خروج قئى من أمته بعده من الدين وهو ما يخالف أنه لا يعلم الغيب أيا كان حتى ما يفعله الله به أو بغيره وفى ذلك قال تعالى على لسانه:
" ولا أدرى ما يفعل بى ولا بكم"
وقال "
" ولا أعلم الغيب"
وقال :
" لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء"
والعجيب هو نسبة المبتدعة إلى أمته بعده والرسول (ص) ليس أمة سوى الأمة التى كان فى عصرها وحتى الله لم ينسب الأمة له وإنما نسبها للمسلمين جميعا فقال:
" وأن هذه أمتكم أمة واحدة"
ولذا يشهد الرسول (ص) على من فى عصره فقط كما قال تعالى :
"ويكون الرسول عليكم شهيدا"
والرسول0ص) لا يشهد عمن بعده لأنه لم يعش معهم ولا رأى ما عملوا من خير أو شر
وحدثنا المؤلف عن مضار البدعة فنقل عن سليم الهلالى فقال :
"وفي كتاب "البدعة وأثرها السيء في الأمة" بيًّن الشيخ سليم الهلالي ـ حفظه الله ـ في الفصل الثامن، خطورة البدع ، ومما قاله بعد ذكر حديث الخوارج يبين أن صاحب البدعة لا يزداد من الله إلا بعداً: "يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّة "..الحديث؛
قال: فبيًّن اجتهادهم في بدعتهم، ثم بيًّن آخراً بُعدهم من الله تعالى.
وقال: التوبة عن المبتدع محجوبة، ما دام مصراً على معصيته، وما برح مقيماً على بدعته، لذلك يخشى عليه سوء الخاتمة. واستشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: " إن الله حجب التوبة عن صاحب كل بدعة "
وما نقله المؤلف من عبارة" التوبة عن المبتدع محجوبة، ما دام مصراً على معصيته، وما برح مقيماً على بدعته" هى مناقضة للحديث الذى نقله فى البداية والذى يمنع التوبة عن المبتدع دون تحديد توبته من غير توبته
وقد ذكر الله مثال لتوبة المبتدعة فى كتابه وهم :
سحرة فرعون عندما أعلنوا إيمانهم برسالة موسى(ص) وهارون(ص) وتحملهم كل صنوف العذاب التى سينزلها فرعون بهم وهو قوله تعالى :
"فألقى السحرة سجدا قالوا أمنا برب موسى وهارون قال أأمنتم له قبل أن أذن لكم إنه لكبيركم الذى علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم فى جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذى فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا إنا أمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر"
والمثال عبدة العجل فقد تاب الله على من تاب منهم بقتله نفسه أو بتوبته العادية فقال :
"وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم"
وأما من لم يتب كالسامرى فقد عاقبة الله فى الدنيا والآخرة