إفتح حسابك مع شركة XM  برعاية عرب اف اكس
إفتح حسابك مع تيكيمل

قراءة فى كتاب كيف نشأت مسألة القضاء والقدر؟

رضا البطاوى

عضو فعال
المشاركات
2,704
الإقامة
مصر

xm    xm

 

 

قراءة فى كتاب كيف نشأت مسألة القضاء والقدر؟
الكتاب بلا مؤلف فى مكتبة الإكسير الشاملة وهو يبحث فى مسألة القضاء والقدر خاصة عند المعتزلة ويستهل المؤلف الكتاب بذكر كيفية سمى المعتزلة بهذا الاسم فيقول:
"إذا استثنينا مسألة مرتكب الكبيرة التي اعتزل بها واصل بن عطاء أما قصة مرتكب الكبيرة التي أجاب واصل عليها واعتزل بها حلقة الحسن البصري، فهي كما رواها الشهرستاني في الملل والنحل: ج 1 ص48: (أنه دخل رجل على الحسن البصري فقال: يا إمام الدين، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة، وهم وعيدية الخوارج وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الإيمان ولا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأمة فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادا؟ فتفكر الحسن في ذلك وقبل أن يجيب، قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا، ولا كافر مطلقا، بل هو في منزلة بين المنزلتين: لا مؤمن ولا كافر ثم قام واعتزل إلى اسطوانة من اسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن فقال الحسن: اعتزل عنا واصل فسمي هو وأصحابه معتزلة)"
وتحدث عن أن مسائل علم الكلام سبق وأن تناولها فلاسفة اليونان تحت نفس الأسماء أو تحت أسماء أخرى وفى هذا قال:
"رأس المعتزلة حلقة الحسن البصري، فإننا لا نكاد نجد مسألة من مسائل علم الكلام إلا كانت ناشئة عن مسألة سبق للفلاسفة اليونان أن بحثوها ومسألة (القضاء والقدر) بهذا الاسم وبالمسمى الذي بحثوه قد بحثها الفلاسفة اليونان واختلفوا فيها فإن هذه المسألة تسمى (القضاء والقدر) وتسمى (الجبر والاختيار) وتسمى (حرية الإرادة) وكلها تعني مسمى واحدا وهو: أن ما يحدث من الإنسان من أفعال هل الإنسان حر في إحداثها وعدم إحداثها أو مجبور؟ وهذا المعنى لم يخطر ببال المسلمين - قبل ترجمة الفلسفة اليونانية- أن يبحثوه وإنما بحثه الفلاسفة اليونان واختلفوا فيه فالأبيقوريون يرون أن الإرادة حرة في الاختيار، والإنسان يفعل جميع الأفعال بإرادته واختياره دون أي إكراه أما الرواقيون فإنهم يرون أن الإرادة مجبرة على السير في طريق لا يمكنها أن تتعداها، والإنسان لا يفعل شيئا بإرادته وإنما هو مجبور على فعل أي شيء ولا يملك أن يفعل ولا يفعله فلما جاء الإسلام وتسربت الأفكار الفلسفية كانت من أهم المسائل مسألة صفة العدل بالنسبة إلى الله فالله عادل ويترتب على هذا العدل مسألة الثواب والعقاب، وترتب على ذلك مسألة قيام العبد بأفعاله جريا على منهج البحث الذي ساروا عليه من بحث المسألة وما يتفرع عنها والتأثر بأبحاث الفلاسفة، أي بما درسوه من أفكار فلسفية تتعلق في موضوعاتهم التي يردون عليها"
وبالقطع علم الكلام عند اليونان يعتمد على أقوال الفلاسفة بينما كلام أهل الكلام يعتمد على القرآن وعلى الروايات فى أحيان قليلة ومن ثم هناك اختلاف بين بين كلام اليونان وكلام المتكلمين المنسوبين للإسلام لأن هؤلاء يؤسسون على كلامهم ,أديانهم الوثنية وغيرها بينما الآخرين يؤسسون كلامهم على كلام الله
وتحدث المؤلف مبينا أن مسألة القضاء والقدر أول من تحدث فيها المعتزلة وكل الفرق ردت عليهم بعد ذلك فقال :
"وأظهر ما في هذا الموضوع هو بحث المعتزلة، فإنه هو الأصل في هذه المسألة وأبحاث باقي المتكلمين إنما جاءت للرد على المعتزلة، ولذلك يعتبر المعتزلة هم الأصل في بحث مسألة القضاء والقدر، بل في جميع أبحاث علم الكلام وقد كانت نظرة المعتزلة إلى عدل الله نظرة تنزيه له عن الظلم ووقفوا أمام مسألة المثوبة والعقوبة الموقف الذي يتفق مع تنزيه الله ومع عدل الله فرأوا أن عدل الله لا يكون له معنى إلا بتقرير حرية الإرادة في الإنسان، وأنه يخلق أعمال نفسه، وأن في إمكانه أن يفعل الشيء أو لا يفعل فإذا فعل بإرادته وترك بإرادته، كانت مثوبته أو عقوبته معقولة وعادلة أما إن كان الله يخلق الإنسان ويضطره إلى العمل على نحو خاص، فيضطر المطيع إلى الطاعة، والعاصي إلى العصيان، ثم يعاقب هذا ويثيب ذلك فليس من العدالة في شيء فهم قاسوا الغائب على الشاهد، قاسوا الله تعالى على الإنسان، وأخضعوا الله تعالى لقوانين هذا العالم تماما كما فعل فريق من فلاسفة اليونان فقد ألزموا الله بالعدل كما يتصوره الإنسان، فأصل البحث هو الثواب والعقاب من الله على فعل العبد، وهذا هو موضوع البحث الذي أطلق عليه اسم (القضاء والقدر) أو (الجبر والاختيار) أو (حرية الإرادة) وقد اتجهوا في بحثهم اتجاه الفلاسفة اليونان فبحثوا في الإرادة وفي خلق الأفعال فقالوا في مسألة الإرادة: إنا نرى أن مريد الخير خير ومريد الشر شرير، ومريد العدل عادل، ومريد الظلم ظالم فلو كانت إرادة الله تتعلق بكل ما في العالم من خير وشر، لكان الخير والشر مرادين لله تعالى، فيكون المريد موصوفا بالخيرية والشرية والعدل والظلم وذلك محال في حق الله تعالى
ويقولون: بأن الله لو كان مريدا لكفر الكافر، ومعاصي العاصي، ما نهاه عن الكفر والعصيان، وكيف يتصور أن يريد الله من أبي لهب أن يكفر ثم يأمره بالإيمان، وينهاه عن الكفر؟ ولو فعل هذا أحد من الخلق لكان سفيها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولو كان كفر الكافر وعصيان العاصي مرادا من الله تعالى ما استحقا عقوبة، ولكان عملهما طاعة لإرادته
وهكذا يمضون في الدليل في قضايا منطقية، ثم يعقبون ذلك بأدلة نقلية من القرآن الكريم فيستدلون بقوله تعالى: {وما الله يريد ظلما للعباد} وبقوله تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم} وبقوله تعالى {قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} وقوله: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقوله: {ولا يرضى لعباده الكفر} وأولوا ما ورد من آيات تخالف رأيهم هذا مثل قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} ومثل قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى بصارهم غشاوة} وقوله: {بل طبع الله عليها بكفرهم} وخلصوا من ذلك إلى الرأي الذي اعتنقوه ودعوا له، وهو رأيهم المعروف من أن الإنسان له حرية الإرادة في أن يفعل الفعل أو يتركه فإذا فعل فبإرادته وإذا ترك فبإرادته وأما مسألة خلق الأفعال، فقد قال المعتزلة إن أفعال العباد مخلوقة لهم ومن عملهم هم لا من عمل الله، ففي قدرتهم أن يفعلوها وأن يتركوها من غير دخل لقدرة الله ودليل ذلك ما يشعر به الإنسان من التفرقة بين الحركة الاختيارية والاضطرارية، كحركة من أراد أن يحرك يده وكحركة المرتعش، وكالفرق بين الصاعد إلى منارة والساقط منها، فالحركة الاختيارية مقدورة للإنسان فهو الذي يخلقها، والحركة الاضطرارية لا دخل له فيها وأيضا لو لم يكن الإنسان خالق أفعاله لبطل التكليف إذ لو لم يكن قادرا على أن يفعل وألا يفعل ما صح عقلا أن يقال له إفعل ولا تفعل، ولما كان هذا محل المدح والذم والثواب والعقاب وهكذا يمضون في الدليل في قضايا منطقية على رأيهم ثم يعقبون ذلك بأدلة نقلية، فيستدلون على رأيهم هذا بآيات كثيرة كقوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله} وقوله: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وقوله {من يعمل سوءا يجز به} وقوله: {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت} وقوله: {قال رب ارجعوني لعلي أعمل صالحا} وأولوا ما ورد من آيات تخالف رأيهم هذا مثل قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} وقوله تعالى: {الله خالق كل شيء}وخلصوا من ذلك كله إلى الرأي الذي اعتنقوه في مسألة خلق الأفعال، وهو أن الإنسان يخلق أفعال نفسه وأنه قادر على أن يفعل الشيء وقادر على أن لا يفعله"
والملاحظ فى الفقرة السابقة هو تسلسل الكلام أى ترتيب بعضه على بعض وتحدث المؤلف مبينا أن المسألة تولد عنها مسائل أخرى كالتولد فقال :
"وجريا وراء منهج المتكلمين في البحث؛ في بحث المسألة وما يتفرع عنها، تفرع لديهم عن مسألة خلق الأفعال مسألة التولد فإن المعتزلة لما قرروا أن أفعال الإنسان مخلوقة له تفرع عن ذلك سؤال وهو: ما الرأي في الأعمال التي تتولد عن عمله؟ أهي كذلك من خلقه؟ أم من خلق الله؟ وذلك كالألم الذي يحسه المضروب والطعم الذي يحصل للشيء من فعل الإنسان، والقطع الذي يحصل من السكين، واللذة والصحة والشهوة، والحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، والجبن، والشجاعة، والجوع، والشبع، وغير ذلك، فإنهم قالوا إنها كلها من فعل الإنسان لأن الإنسان هو الذي أحدثها حين فعل الفعل، فهي متولدة من فعل الإنسان، فهي مخلوقة له"
وما سبق ذكره فى البحث هو كلام المعتزلة فى المسألة كما قال المؤلف فى الفقرة التالية:
"هذه هي مسألة (القضاء والقدر) وهذا هو رأي المعتزلة فيها وفحواها أنها مسألة إرادة فعل العبد وما يحدث في الأشياء من خاصيات نتيجة فعل الإنسان وفحوى رأيهم أن العبد حر الإرادة في أفعاله كلها، وأنه هو الذي يخلق أفعاله ويخلق الخواص التي تحدث في الأشياء من أفعاله"
وبين المؤلف أن الحركة المضادة لرأى المعتزلة يميت الجبرية وكان رد فعل على حرية الإرادة التى قال بها المعتزلة وفى هذا قال :
"وهذا الرأي من المعتزلة أثار ثائرة المسلمين، وكان رأيا جديدا عليهم ورأيا جريئا في الأساس الأول في الدين وهو العقيدة ولذلك انبروا يردون عليه فقام جماعة يطلق عليهم (الجبرية) ومن أشهرهم جهم بن صفوان، فقال هؤلاء الجبريون: إن الإنسان مجبور وليست له إرادة حرة، ولا قدرة على خلق أفعاله، وهو كالريشة في مهب الريح أو كالخشبة بين يدي الأمواج، وإنما يخلق الله الأعمال على يديه وقالوا: إذا قلنا إن العبد خالق أعماله ترتب عليه تحديد قدرة الله وإنها لم تشمل كل شيء وإن العبد شريك لله تعالى في إيجاد ما في هذا العالم والشيء الواحد لا يمكن أن تتعاون عليه قدرتان فإن كانت قدرة الله هي التي خلقته فلا شأن للإنسان فيه، وإن كانت قدرة الإنسان هي التي خلقته فلا شأن فيه لقدرة الله ولا يمكن أن يكون بعضه بقدرة الله وبعضه بقدرة العبد فالله هو خالق فعل العبد وبإرادته وحده فعل العبد الفعل ويرون أن أفعال العباد واقعة بقدرة الله وحدها وليس لقدرة العبد تأثير فيها، وليس الإنسان إلا محلا لما يجريه الله على يديه، فهو مجبر جبرا مطلقا، وهو والجماد سواء لا يختلفون إلا في المظهر وهكذا يمضون في البرهان على رأيهم ويستدلون عليه كذلك بآيات من القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} وقوله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} وقوله: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} وقوله: {والله خلقكم وما تعملون} وقوله: {الله خالق كل شيء} ويؤولون الآيات الدالة على إرادة العبد وخلقه للأفعال، وتبعا لذلك يقولون إن ما تولد من فعل العبد من خواص الأشياء كاللذة، والجوع، والشجاعة، والقطع، والإحراق، وغير ذلك هو من الله تعالى"
وبعد أن رد الجبرية ردا خاطئا على رأى المعتزلة الخاطىء كان رد أهل السنة كالتالى :
"وقام أهل السنة والجماعة أيضا يردون على المعتزلة فقال أهل السنة إن أفعال العباد كلها بإرادة الله ومشيئته، والإرادة والمشيئة بمعنى واحد وهي صفة أزلية في الحي توجب تخصيص أحد المقدورين في أحد الأوقات بالوقوع مع استواء نسبة القدرة إلى الكل وأفعال العباد بحكمه، إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وقضيته أي قضاؤه وهو عبارة عن الفعل مع زيادة أحكام قال تعالى: {فقضاهن سبع سموات} {وقضى ربك} والمراد بالقضاء المقضي، لا صفة من صفات الله وفعل العبد بتقدير الله وهو تحديد كل مخلوق بحده الذي يوجد من حسن وقبح ونفع وضر وما يحويه من زمان ومكان وما يترتب عليه من ثواب وعقاب والمقصود تعميم إرادة الله وقدرته لأن الكل بخلق الله وهو يستدعي القدرة والإرادة لعدم الإكراه والإجبار وقالوا: إن قيل: فإن على قولكم يكون الكافر مجبورا في كفره والفاسق في فسقه فلا يصح تكليفهما بالإيمان والطاعة، قلنا - أي أجابوا- إن الله تعالى أراد منهما الكفر والفسق باختيارهما فلا جبر، كما أنه تعالى علم منهما الكفر والفسق بالاختيار ولم يلزم تكليف المحال وقالوا عن أفعال العباد في الرد على المعتزلة والجبرية: للعباد أفعال اختيارية يثابون بها إن كانت طاعة، ويعاقبون عليها إن كانت معصية وبينوا وجه كونها اختيارية مع أنهم يقولون إن الله مستقل بخلق الأفعال وأيجادها فقالوا: إن الخالق لفعل العبد هو الله تعالى
وإن لقدرة العبد وإرادته مدخلا في بعض الأفعال كحركة البطش، دون البعض كحركة الارتعاش وإن الله تعالى خالق كل شيء، والعبد كاسب ثم وضحوا ذلك فقالوا: إن صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل كسب، وإيجاد الله الفعل عقيب ذلك خلق والمقدور الواحد داخل تحت القدرتين لكن بجهتين مختلفتين، فالفعل مقدور لله تعالى بجهة الإيجاد ومقدور العبد بجهة الكسب، وبعبارة أخرى إن الله تعالى أجرى العادة بخلق الفعل عند قدرة العبد وإرادته لا بقدرة العبد وإرادته، فهذا الاقتران هو الكسب واستدلوا على قولهم بالآيات التي أستدل بها الجبرية على خلق الله للأفعال وإرادته لها، واستدلوا على الكسب من العبد بقوله تعالى: {جزاء بما كانوا يعملون} وقوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} وقوله: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} "
وبين المؤلف أن أهل السنة رأيهم هو نفسه رأى الجبرية ومن ثم فهم فشلوا فى الرد على المعتزلة وهو قوله:
" واعتبروا أنفسهم أنهم ردوا على المعتزلة والجبرية والحقيقة هو أن رأيهم ورأي الجبرية واحد فهم جبريون وقد أخفقوا كل الإخفاق في مسألة الكسب، فلا هي جارية على طريق العقل، إذ ليس عليها أي برهان عقلي، ولا على طريق النقل، إذ ليس عليها أي دليل من النصوص الشرعية، وإنما هي محاولة مخفقة للتوفيق بين رأي المعتزلة ورأي الجبرية"
وتحدث المؤلف مبينا خطأ الكل فى دراسة المسألة فقال :
"والخلاصة أن مسألة القضاء والقدر أخذت دورا هاما لدى المتكلمين، وكانوا جميعا يجعلون موضع البحث هو فعل العبد وما تولد من هذا الفعل من خاصيات، أي الخاصيات التي يحدثها العبد من فعله في الأشياء، ويجعلون أساس البحث هو هل فعل العبد والخاصيات التي يحدثها العبد من فعله قد خلقه الله وخلقها أم أن ذلك من خلق العبد؟ وهل ذلك حصل بإرادة الله أم بإرادة العبد؟ وسبب وجود هذا البحث هو أخذ المعتزلة لهذه المسألة عن الفلسفة اليونانية كما هي باسمها ومسماها (القضاء والقدر) أو (حرية الإرادة) أو (الجبر والإختيار) وبحثهم لها من وجهة نظر رأوها تتفق مع ما يجب لله تعالى من صفة العدل، فأدى هذا إلى قيام الجبرية وأهل السنة يردون على المعتزلة آراءهم على نفس الصعيد وعلى ذات الأساس، وبحثوها جميعا من ناحية صفات الله لا من ناحية موضوعها وحده، فسلطوا إرادة الله وقدرته على فعل العبد وعلى الخاصيات التي يحدثها العبد في الأشياء وصاروا يبحثون: هل هي بقدرة الله وإرادته أم هي بقدرة العبد وإرادته؟ فالقضاء والقدر إذن هو أفعال العباد وخاصيات الأشياء التي يحدثها الإنسان من فعله في الأشياء فالقضاء هو أفعال العباد والقدر هو خاصيات الأشياء أما كون القضاء هو أفعال العباد فظاهر من بحثهم له وخلافهم فيه، أي من قولهم إن العبد يقوم بالفعل بقدرته وإرادته، وقول من رد عليهم أن فعل العبد يوجد بقدرة الله وإرادته لا بقدرة العبد وإرادته، وقول من رد على الاثنين أن فعل العبد يوجد بخلق الله للفعل عند قدرة الفعل وإرادته لا بقدرة العبد وإرادته
فهذا يدل على أن معنى القضاء هو أفعال العباد، وأما كون القدر هو الخاصيات التي يحدثها العبد في الأشياء فظاهر من بحثهم له وخلافهم فيه فإنهم حين بحثوا ما تولد من أفعال العبد بحثوا في الخاصيات التي يحدثها فقد قالوا: (إذا أضفنا نشا وسكرا وأنضجناها تولد من ذلك الفالوذج فهل طعم الفالوذج ولونه من خلقنا أم من خلق الله؟ هل خروج الروح عند الذبح وذهاب الحجر عند الدفعة، والإبصار إذا فتحنا أبصارنا، وكسر الرجل عند السقوط وصحتها إذا جبرت، ونحو ذلك، هل هو من خلقنا أم من خلق الله؟)
فهذا البحث هو بحث في الخواص، ويدل على ذلك اختلافهم في حكم هذه المتولدات فقد قال بشر بن المعتمر رئيس معتزلة بغداد: كل ما تولد من فعلنا مخلوق لنا فإذا فتحت أنا عين الإنسان فأبصر الشيء، فإن إبصاره للشيء هو فعلي أنا، لأنه متولد من فعلي، وكذلك لون ما نصنع من المأكولات، وطعومها، ورائحتها، هو فعلنا وكذلك الألم واللذة والصحة والشهوة الخ كل ذلك من فعل الإنسان وقال أبو الهذيل العلاف أحد شيوخ المعتزلة: هنالك فرق بين المتولدات فكل ما تولد من أفعال الإنسان مما يعلم كيفيته هو من فعله وما لا فلا فالألم الحاصل من الضرب، وذهاب الحجر صعدا إذا رماه إلى أعلى، وسفلا إذا رماه إلى أسفل ونحو ذلك، هو من فعل الإنسان أما الألوان والطعوم والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والجبن والشجاعة والجوع والشبع، فكلها من فعل الله
وقال النظام إن الإنسان لا يفعل إلا الحركة فما ليس بحركة فليس من صنعه، ولا يفعل الإنسان الحركة إلا في نفسه، فأما في غيره فلا، فإذا حرك إنسان يده فذلك فعله، وأما إذا رمى حجرا فتحرك الحجر إلى فوق أو إلى تحت، فتحرك الحجر ليس من فعل الإنسان، وإنما هو من فعل الله، بمعنى أنه طبع الحجر أن يتحرك إذا دفعه دافع وهكذا، فتكون الألوان والطعوم والرائحة والألم واللذة ليست من فعل الإنسان لأنها ليست حركات فهذا الاختلاف في النظر إلى التولد واقعه يبين أنه اختلاف في خاصيات الأشياء: هل هي من فعل الإنسان أم من الله؟ فالبحث إذن والخلاف في هذا البحث إنما هو في الخاصيات التي يحدثها الإنسان في الأشياء وهكذا سار البحث في موضوع واحد وعلى صعيد واحد عند جميع المتكلمين ونظرا لأن البحث في متولدات الأفعال أي في الخاصيات التي يحدثها الإنسان في الأشياء كان فرعيا لأنه مترتب على بحث فعل العبد، فقد كان بحثا ثانويا في الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة والجبرية فكان بحث فعل العبد هو البحث الطاغي بين المتكلمين، والجدل والنقاش كان مسلطا عليه أكثر مما كان مسلطا على الخاصيات ولما كان (القضاء والقدر) إسما واحدا لمسمى، ولو كان مركبا من كلمتين فهما مندمجتان مع بعضهما ومندرجة أحداهما تحت الأخرى، فقد غلب ظهور بحث القضاء والقدر فيما بعد على بحث فعل العبد أكثر منه على بحث الخاصيات التي يحدثها الإنسان واستمر النقاش في (القضاء والقدر) وصار كل يفهمه على وجه يخالف الوجه الآخر"
وبين المؤلف أن تاريخيا انتصر أهل السنة بسبب اختفاء المعتزلة من الوجود إلا نادرا فقال:
وقد جاء بعد شيوخ المعتزلة وشيوخ أهل السنة تلامذتهم وأتباعهم واستمر النقاش بينهم وتجدد في كل عصر، ونظرا لضمور المعتزلة وغلبة أهل السنة صار النقاش يميل إلى جانب رأي أهل السنة، وصار المتناقشون يختلفون في القضاء والقدر وصاروا يضعون لها معاني جديدة يتخيلونها من عند أنفسهم ويحاولون تطبيق ألفاظ اللغة أو ألفاظ شرعية عليه فصار بعضهم يقول (القضاء والقدر) سر من أسرار الله لا يعرفه أحد وصار بعضهم يقول لا يجوز البحث في القضاء والقدر مطلقا لأن الرسول ? نهى عن ذلك ويستدل بحديث [إذا ذكر القدر فأمسكوا] وصار بعضهم يفرق بين القضاء والقدر فيقول إن القضاء هو الحكم الكلي في الكليات فقط، والقدر هو الحكم الجزئي في الجزئيات وتفاصيله وبعضهم يقول: إن القدر هو التصميم، والقضاء هو الإنجاز، وعلى هذا الرأي أن الله يصمم العمل، أي يرسمه ويضع تصميمه، فيكون قد قدر العمل فهو القدر، وأنه تعالى ينفذ العمل وينجزه فيكون قد قضى العمل فهو القضاء ومنهم من قال إن المراد بالقدر التقدير وبالقضاء الخلق وبعضهم يجعل الكلمتين متلازمتين فيقول إن القضاء والقدر أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن أحدهما بمنزلة الأساس وهو القدر والآخر بمنزلة البناء وهو القضاء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه ومنهم من فرق بينهما فجعل القضاء شيئا والقدر شيئا آخر"
وبين المؤلف أن المسألة انتهت إلى أن القضاء والقدر أصبح له معنى واحد فقال :
"وهكذا ظل النقاش يدور في موضوع (القضاء والقدر) كمسمى معين سواء عند الذين فرقوا بينهما أو جعلوهما متلازمين إلا أنه كان له مدلول واحد عند الجميع؛ وعلى أي تفسير من التفاسير هو فعل العبد من حيث إيجاده هل أوجده الله أم أوجده العبد أم خلقه الله عندما قام به العبد؟ وتبلور البحث وتركز على هذا المدلول وظل النقاش يدور على نفس الصعيد وصار بعد وجود هذا البحث توضع مسألة (القضاء والقدر) في بحث العقيدة وجعلت أمرا سادسا من أمور العقيدة لأنها صارت تدل على أمر يتعلق بالله من أنه هو الذي يخلق الفعل ويخلق خاصيات الأشياء سواء أكان هذا الفعل وهذه الخاصيات خيرا أم شرا
ومن ذلك يتبين أن (القضاء والقدر) باعتبارهما إسما واحدا لمسمى واحد أو على حد تعبيرهم باعتبارهما أمرين متلازمين، لم توجد في أبحاث المسلمين إلا بعد وجود المتكلمين وأنه ليس في مسألتها أي (القضاء والقدر) إلا رأيان اثنان أحدهما حرية الاختيار وهو رأي المعتزلة والثاني الإجبار وهو رأي الجبرية وأهل السنة مع اختلاف بينهما بالتعابير والاحتيال على الألفاظ واستقر المسلمون على هذين الرأيين وحولوا عن رأي القرآن ورأي الحديث وما كان يفهمه الصحابة منهما إلى المناقشة في اسم جديد هو (القضاء والقدر) أو (الجبر والاختيار) أو (حرية الإرادة) "
بالقطع دون الدخول فى متاهات الحقيقة هى:
المسألة موجودة فى كتاب الله تحت مسميات مختلفة منها المشيئة ومنها المصيبة ومنها القضاء ومنها القدر ومن ثم لا علاقة لها باليونان إلا أن يكون الله أو وحيه يونانيا أى مسروق بلفظ أوضح من عندهم والعياذ بالله
حقائق المسألة :
1-قال تعالى "الله خالق كل شىء " ومن ثم كل ما يحدث فى الكون من أحداث من المخلوقين هو خلق الله بمعنى :
أن الله يشاء العمل فى نفس الوقت الذى يشاءه المخلوق كما قال تعالى :
" وما تشاءون إلا أن يشاء الله"
ولذا وصف إبراهيم عمل المخلوق بأنه مخلوق هو وصاحبه فقال :
" والله خلقكم وما تعملون"
وبناء على هذا خلق الهداية والضلال والصلاح والفساد ....وغير هذا
2- الله يخلق ما نسميه شر أى فساد أى كفر وهو لا يرضى عنه والمراد لم يشرع عمله أى لم يبحه وإنما جعله باطل وفى هذا قال تعالى :
"إن تكفروا فإن الله غنى عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم"
3- أعمال الإنسان على نوعين :
الأول العمل الإرادى وهو الذى يختاره بمشيئته من خير أو شر كما قال تعالى :
"فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها"
الثانى العمل الإجبارى وهو العمل المرتبط بأجهزة الجسم الداخلية كهضم المعدة للطعام والتنفس وهذا لا يتحكم فيه الإنسان
 
عودة
أعلى