رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة في كتاب الإنسان في الرؤية القرآنية
الكتاب أو المحاضرة مؤلفها وهو ملقيها تقي جعفري وهى على جزئين فى البداية بين وجود ثلاثة أبعاد تميز الإنسان كمخلوق فقال :
"القسم الأول
نجد عند التأمل في المفاهيم القرآنية أن للإنسان، الذي يمثل مفردة من مفردات الوجود، أبعادا ثلاثة تميزه عن باقي الموجودات - مجردة كانت أو مادية -، ولكل بعد من هذه الأبعاد ظهورات وتجليات يصفها القرآن بدقة فائقة تحير العقول.
أولا - أبعاد الإنسان:
وهذه الأبعاد يعرضها القرآن الكريم كما يلي:
1 - البعد الطبيعي (الحيواني): الإنسان في هذا البعد لا يرى سوى ذاته، بل هو مستعد أن يضحي بكل نفيس وجميل لأجل ذاته فقط ونشير في ما يلي إلى الخصوصيات التي يتجلى فيها الإنسان الطبيعي كما بينتها الرؤية القرآنية:
أ - يحب المال حبا شديدا: قال تعالى: (وإنه لحب الخير لشديد) العاديات/الآية 8. وقال تعالى: (ألهاكم التكاثر ... ) التكاثر/1، وقال تعالى: (وتحبون المال حبا جما) الفجر/ 20.
ب- فرار من الضرر: قال تعالى: (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ) وقال تعالى: (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه) الزمر/الآية 8.
ج- ذو مكر: قال تعالى: (إن رسلنا يكتبون ما تمكرون) يونس/ 21، وقال تعالى: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) الأنفال/30، وقال تعالى: (وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا) يونس/21.
د - الطغيان عن الاستغناء:، قال الله تعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى) العلق/6 - 7.
هـ - عجول: قال تعالى: (خلق الإنسان من عجل) الأنبياء / 37، وقال أيضا: (وكان الإنسان عجولا) الإسراء /11.
و- ضعيف: قال تعالى: (وخلق الإنسان ضعيفا) النساء/ 28.
ز- بخيل: قال تعالى: (وكان الإنسان قتورا) الإسراء/100.
ح - غير معتدل: قال تعالى: (إن الإنسان خلق هلوعا) المعا رج / 19.
ط - مجادل: قال تعالى: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) الكهف/ 54.
ي - كفور النعمة: قال تعالى: (فإن الإنسان كفور) الشورى/ 48."
الرجل اعتبر الإنسان حيوانا كبقية الحيوانات باعتبار صفات متناقضة فمرة ضعيف ومرة ماكر وهى كلام ليس عليه دليل من الوحى خاصة أن صفة الحيوان ألولى حب المال والحيوانات فيما يعرف الكل لا تتعامل بالنقود والأرض وغيرها من مفاهيم المال
كما أن الحيوانات لا يمكن أن تكون بخيلة أو كافرة بالنعمة لوجود شرع خاص به لا نعلمه كبشر
اعتبار الإنسان كحيوان هو باعتبار واحد وهو كونه ذو حياة كبقية الحيوانات
وحاول الرجل أن يبين هل هذه صفات حقيقية أم لا فقال:
"والسؤال المطروح هو: هل هذه الأوصاف المتعددة تبين ماهية الإنسان الحقيقية؟ أو هي عبارة عن ظواهر تعرض على الإنسان لعوامل خاصة؟ وكي يتضح الجواب على السؤال السابق نحاول كشف منشأ هذه الأوصاف في نفس الإنسان.
وعند التأمل يمكن إرجاع هذه الصفات المتعددة إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: إنها صفات ناتجة ونابعة من اختيار الإنسان، وتندرج تحت هذا القسم الصفات التالية:
1 - المكر.
2 - الجدال.
3 - كفران النعمة.
القسم الثاني: إنها تمثل نوعية من الصفات نابعة من خلقة الإنسان ذاتها، وتندرج تحت هذا القسم الصفات التالية:
1 - عجول.
2 - ضعيف.
3 - هلوع.
القسم الثالث: إن هذا السنخ من الصفات لا تبرز عن الخلقة بمفردها، بل تضاف إليها عوامل خارجية تجعلها تتصف بهذه الصفات:
1 - حب المال.
2 - الفرار من الضرر.
3 - الطغيان مع الغنى.
4 - البخل."
والخطأ في الكلام السابق هو :
الأول نفى مسئولية الإنسان عن بعض صفاته باعتبارها ليست من اختيار كغير القسم ألأول وهو ما يناقض حساب الله للإنسان على كل كسبه وهو عمله تعالى:
" كل نفس بما كسبت رعينة"
الثاتى اعتبار بعض الصفات من فطرة الإنسان وهى خلقته وهو ما يناقض أن الإنسان يولد وهو لا يعلم أى شىء مكما قال تعالى :
" والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
واستنتج الرجل مما سبق أن الإنسان هو كائن مادى يعبد نفسه فقال :
"وما نحصل عليها من هذه الرؤية القرآنية:
هو أن الإنسان في بعده الطبيعي - وبمعزل عن الوجدان - يختزل في حقيقتين:
الأولى: الإنسان حقيقة مادية تخضع للقوانين المادية الحاكمة على الوجود المادي.
الثانية: الإنسان في هذا البعد لا يرى سوى نفسه وذاته، حيث تمثل ذاته بالنسبة له المعبود المطلق الذي يتحرك من أجل تلبية مقتضياته ويسعى نحو جلب رضاه.
والنتيجة التي نحصل عليها من تحليل هذا البعد هي: أن الإنسان حقيقة ضائعة لا وزن و لا قيمة لها، كما يعبر القرآن الكريم: (إن الإنسان لفي خسر ... ) العصر/1."
وقد استبان تقى جعفرى وجود مشكلة في تقاسيمه السابقة فحاول أن يحلها فقال:
"طرح إشكالية:
تبقى مسألة تتصل بالمطالب السابقة، وهي أن الصفات الاختيارية لا تقع موردا للإشكال؛ لأن الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة /286، لكن الإشكال يرد على الأوصاف الناشئة عن الخلقة أو عن العوامل المضافة إلى الخلقة، فكيف تكون رذيلة وقبيحة؟!
للإجابة على الإشكالية السابقة، يحسن بنا التفكيك بين مسألتين، هما:
الأولى: بيان وضع الخلقة ومقتضياتها.
الثانية: البقاء على هذا الوضع وهذه الحالة.
ومن الواضح أن الذي يقع موردا للذم والتوبيخ هو البقاء على هذه الحالة وهذه الوضعية التي عليها الخلقة، وليس أصل الوضع والحالة. فإن أصل "الضعف" في الإنسان كما تبينه الآية المباركة من سورة النساء، وأصل "عدم الاعتدال" كما تعكسه الآية 19 من سورة المعارج، وكذا أصل "العجلة" التي خلق عليها الإنسان كما نرى ذلك في الآية 11 من سورة الإسراء ... كلها لا تشكل عيبا في الإنسان بوصفها مغروسة في خلقته، لكن البقاء على هذه الوضعية والخلود في حضنها هو الذي يشكل عيبا ونقصا في الإنسان.
إذن، ليس من شأن الإنسان البقاء على هذا المستوى، بل هو مطالب وفق الهدف الذي خلق لأجله أن يعرج ويعلو ويسمو فوق هذه الأوصاف وهذا الضعف.
وبالبيان نفسه يتضح الجواب على الإشكال الوارد على الصفات من القسم الثالث، فمن الواضح أن اللوم والتوبيخ لا ينصبان على الخلقة الساعية نحو تلبية متطلباتها، بل ينصب الذم على الإنسان الذي يتجاوز على حقوق الآخرين في أثناء تلبية مقتضيات الخلقة والطبيعة، فيسقط في ظلم الآخرين والتعدي على حقوقهم."
وكما سبق القول تقى هو من خلق الإشكالية السابقة التى لا وجود لها في نصوص القرآن فلم يقل الله بوجود صفات خلقية أى فطرية وإنما قال أن الإنسان هو من يخلق صفاته وبناء عليها تكون أقواله وأفعاله ولو عاد الرجل إلى مذهبه لوجد مقولة تنسب لعلى بن أبى طالب عن ولادة الإنسان صفحة بيضاء وهى فيما يسمى بخطبة نهج البلاغة على حد ذاكرتى الضعيفة
وتحدث عن البعد المعنوى مبينا أنه يظهر في حياته الاجتماعية فقال:
"2 - البعد المعنوي:
يتجلى هذا البعد في الحياة الاجتماعية للإنسان، حيث نجد ثمة معنى للعلاقات الاقتصادية و الحقوقية و الثقافية ... فعلى مستوى هذا البعد تبدأ إنسانية الإنسان بالظهور، ومن هنا يبدأ يحترم غيره ويشعر بهموم من حوله، ويتعامل مع غيره.
وبعبارة جامعة: تبدأ الحياة المعنوية في الإنسان بالظهور، حيث تتجلى فيه صفة مميزة تتمثل في ما يسمى: التربية.
وإذا تأملنا جيدا في الإنسان على مستوى هذا البعد، نجده يسعى - من خلال توفير هذه الأجواء من تربية و قوانين وحقوق متبادلة - نحو هدفين أساسيين:
الأول: المال والمقام (الجاه).
الثاني: الفرار من القصاص.
فهو يسعى نحو الهدف الأول حتى يوفر لنفسه سعة في التصرف وكسب قدر أكبر من النفوذ لرفع حاجياته ونقائصه، ويسعى لتوفير الهدف الثاني للحفاظ على ما اكتسبه من مال وجاه. والآن نأتي لنرى ما هو موقف القرآن من هذه الحالة في الإنسان.
عند الرجوع إلى الرؤية القرآنية، نجد الهدفين مقبولين من جهة ومرفوضين من جهة أخرى، فهما مقبولان بوصفهما وسيلة لغاية أسمى وأشرف، ومردودان بوصفهما غاية وهدفا، فمثلا يقول القرآن فيما يتصل بالقصاص: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون )، فالحياة في الآية الشريفة منوطة بالقصاص، أي أن الحياة لا تبقى ولا تدوم إلا بإقامة الحدود والقصاص. لكن السؤال الأساسي هو "أية حياة هي التي تبقى بإقامة القصاص والحدود؟ "، فإذا كان الجواب هو: الحياة الطبيعية المتمثلة في الأكل والشرب والنكاح والتفاخر ... ، فهي حياة لهو ولعب كما ينعتها بذلك القرآن الكريم، فلا قيمة لهذه الحياة في الرؤية القرآنية. وأما إذا كان المقصود من الحياة حياة أخرى "الحياة الطيبة": (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل/97، فنعم الحياة هي.
والحاصل أن الإنسان، وإن تجاوز بهذا البعد طبيعته ووصل إلى حياة تسودها الحقوق والفنون والتربية ومقتضيات الحضارة عامة، لكنه لم يصل إلى حقيقته الواقعية التي تتمثل في الإنسان الإلهي والمثالي."
وهذا الكلام عن سعى الإنسان لهدفين رئيسيين في حياته هما المال والمقام والفرار من القصاص هو كلام مناقض لكلام الله فالهدف للكافر هو متاع الدنيا بكل أنواعه وهو ليس مقتصر على المال والمقام وإنما يضاف له النساء والبنين والأكل والشرب كما قال تعالى :
"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا"
وعبر عن ذلك فقال :
"ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها"
وتحدث عن بعد ثالث سماه البعد الإلهى فقال:
3 - البعد الإلهي:
والآن، وبعدما تبين لنا معنى الإنسان في البعدين السابقين، ورأينا أن القرآن لا يرضى للإنسان أن يمكث ويبقى واقفا على هذا المستوى، نأتي ونسأل: هل ثمة مستوى آخر للإنسان في الرؤية القرآنية يختلف عن البعدين السالفين؟
لكي تتضح الإجابة على السؤال السابق، نعرض لأقسام النفس الإنسانية كما تصورها الرؤية القرآنية:
أ - النفس الأمارة: المتمثلة في البعد الطبيعي الذي تناولنا مواصفاته في البحوث السابقة. وهذه النفس خاضعة مقهورة تحت تأثير الغرائز، وبخاصة القوة الشهوية والغضبية، ولا يهمها إلا ذاتها تجذب بالقوة الشهوية ما ينسجم معها و تدفع بالقوة الغضبية ما لا يلائمها.
ب- النفس اللوامة: وهي عبارة عن تجل من تجليات الوجدان، و بفضل هذه القوة يشعر الإنسان بالسرور إذا قام بفعل حسن، وبالحزن إذا قام بفعل قبيح. والإنسان، على مستوى هذه النفس، لا يمثل تلك الحقيقة التي يصورها القرآن، أي البعد الإلهي الذي بفضله يتصل الإنسان بالحق تعالى الكمال المطلق.
ج- النفس المطمئنة: تعد النفس المطمئنة أعلى مقام يصل إليه الإنسان في حركته نحو الكمال و الرشد، يقول تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي) الفجر/ 27 - 30."
إذا جعفرى يقصد أن الإنسان يتكون من تلك الحالات الثلاث وهى الأمارة بالسوء واللوامة والمطمئنة فهو صادق ولكن إذا كان يريد بها أن كل إنسان له نفس واحدة من الثلاث فهى مخطىء فكلنا مسلمين وكفار نمر بالحالات الثلاث خاصة المسلمين فالإنسان يأمر نفسه بالسوء وهو يلوم نفسه على ارتكاب السوء وهو يطمئن إن أطاع الله حسب دينه ولكن المراد بالنفس المطمئنة هو النفس التى بها سكينة نتيجة طاعتها لدين الله الإسلام
وتساءل عما يوصل الإنسان للكمال فقال:
"والسؤال المطروح هو ما هو العامل الأساسي الذي بموجبه يصل الإنسان إلى هذا الكمال (النفس المطمئنة)؟
ثمة بعد آخر في حياة الإنسان تبرزه الرؤية القرآنية يتمثل في (حقيقة الإيمان)، وبفضل هذه البعد ينجذب الإنسان إلى الغيب ويتصل بالله تعالى الكمال المطلق.
وإليك مواصفات هذا البعد في حياة الإنسان كما تبينها وتشرحها الرؤية القرآنية:
1 - الإيمان نور إلهي: قال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) البقرة/ 257.
نلمح في الآية المباركة حقيقة رائعة، وهي أن "حقيقة الإيمان" ملازمة للخروج من الظلمة إلى النورانية، أية نورانية؟ نورانية تتجلى في:
أ- التربية.
ب- الأخلاق والسلوك.
ج- العلاقات.
د- المعاشرة.
والأهم من ذلك كله النورانية في الفكرة والمعتقد.
وبعبارة ثانية:
النورانية في الصراط - الشريعة السمحة - والمبدأ والمقصد، وهذا الأمر عبارة أخرى عن: التوحيد والمعاد، والطريق: النبوة ولوازمها.
2 - الإيمان والمودة: قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) مريم/96.
ومن آثار الإيمان - كما نلمح ذلك في الآية المباركة- المحبة المتمثلة في:
أ- محبة الله لعباده المؤمنين.
ب- محبة عباده له تعالى.
ج- محبة الناس بعضهم لبعض.
والنتيجة - التي نحصل عليها من الآثار الناتجة عن حقيقة الإيمان - هي: أن كل حركة وكل تعلق لا يتمحور حول هذه المحبة ولا يورث هذه المودة فهو بطلان في بطلان.
3 - الإيمان والتقوى والعلم: قال تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله ... ) البقرة/282، تربط الآية الكريمة بين الإيمان والعلم الذي يمثل الاتصال بالعلم المطلق.
4 - الإيمان ضد الخوف والحزن: قال تعالى: (فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) الأنعام/48. تربط الآية الكريمة بين الإيمان وعدم الخوف والحزن، وهذا من روائع البيانات القرآنية."
الكمال طبقا للكلام السابق هو طاعة أحكام الله والتى ينتج عنها حب من كل النواحى ولكن ما غاب عن جعفرى أنه ينتج عنه كراهية من جانب الكفار كما قال تعالى :
" ها أنتم تحبونهم ولا يحبونكم"
وأعاد الحديث عن الكمال الإنسان بصورة أخرى فقال :
"ثانيا - الكمال الإنساني:
والسؤال الذي يفرضه الذهن هو ماذا يترتب على الاتصاف بالإيمان ذي المواصفات المتعددة السابقة؟ نلتمس الإجابة على هذا السؤال من المفاهيم التي يثيرها القرآن الكريم، حيث يقول تعالى: (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) البقرة/ 186، ويقول تعالى أيضا : (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) الجن/14، وقال تعالى في موضع آخر: (ولقد آتينا إبراهيم رشده) الأنبياء/51، وأيضا يقول تعالى: (ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) الكهف/10.
نلحظ من مجموع الآيات السابقة العلاقة والملازمة بين " الإيمان " و" الرشد " أي العلاقة بين "الإيمان" كحالة نفسانية ووجودية، وبين "الكمال" كحالة وجودية أخرى. لكن "الرشد" ينطوي على خاصية من حيث المصداق غير موجود في "الكمال"، هي: أن الشيء الواصل إلى مقام الرشد قد انتقل من مرتبة دانية إلى مرتبة عالية.
وبعبارة ثانية: أن للشيء المتصف بالرشد مراتب متغيرة يصعد ويرقى فيها، فمثلا إذا قلنا: إن حبة الحنطة وصلت إلى حالة الرشد، يعنى هذا أنها لم تكن لها هذه الحالة من الرشد ووصلت إليها عن طريق تغيرها وتبدلها التي اكتسبتهما من خلال حركتها التكاملية، و لذا لا يتصف الله تعالى - الذي يمثل عين الكمال المطلق - بالرشد، فلا نقول: الله تعالى يرشد، في حين أنه تعالى مطلق الكمال."
وقد حاول جعفرى التفريق بين كمال الإلهى والكمال الإنسانى في الفقرة السابقة وهو مخطىء في اختياره تعبير الكمال الإنسانى فالتعبير ليس من تعابير القرآن وهو يسميه الرشد وقصد بها حالة النضج التى يصل إليها الفرد في حياته كوصول المحصول إلى درجة الرشد وهو النضج وهو معنى مأخوذ من معنى نضج النبات وهو لا يصلح للتعبير عن حالة الطمأنينة لأن نضج الطعام لا يظل فترة طويلة وإنما مدة قصيرة بعدها يصاب المحصول بالفساد نتيجة التسوس أو غيره من ألمضرات بينما الطمأنينة تظل حتى الوفاة ويتخللها أوقات قصيرة هى أوقات ارتكاب الذنوب
وتحدث جعفرى عن وجود كمال ظاهرى وباطنى فقال :
"ملاك الكمال الإنساني:
إن للإنسان أو المجتمع نوعين من الكمال (الرشد): أحدهما ظاهر للجميع، والثاني لا يتصف به إلا المؤمنون كما أشرنا إلى ذلك في الفصل السابق. ويتمثل الكمال الأول (الظاهري) في "صفة الجمال" و"صفة القدرة". من الواضح أن الجمال والقدرة هنا هما الجمال المادي والقدرة المادية، فكل من اتصف - فردا كان أو جماعة - بالجمال والقدرة ينال الكمال والرشد المسانخ لهاتين الصفتين.
لكن هذين الوصفين: "الجمال" و"القدرة" ترفضهما الرؤية القرآنية رفضا باتا، يقول القرآن الكريم: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون) المائدة/ 100، ويقول أيضا : (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) المنافقون/4، و قال تعالى: (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) التوبة/55، ويقول أيضا: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) طه/131.
الخلاصة:
إن ملاك الكمال والرشد الإنساني (الفردي والاجتماعي) لا يتمثل في الجمال والقوة الماديين، بل يتمثل في "الإيمان" بالكمال المطلق وما يتصل بالكمال المطلق من شؤوناته وتجلياته، وبفضل هذا النور الإلهي يصل الإنسان إلى رشده وكماله المطلوب - القرب الإلهي-، سواء كان في جامعة إنسانية أو في عزلة عن غيره."
ومما سبق يتمثل كمال الإنسان عند الرجل في الإيمان
وتعرض جعفرى للقسم الثانى وهو المجتمع الإنسانى فقال :
"القسم الثاني:
المجتمع الإنساني في الرؤية القرآنية
1 - السنن الكونية:
إذا تأملنا في مفاهيم القرآن فيما يتصل بالتكامل الاجتماعي، نجد أن هذا التكامل تحكمه قوانين لا يحيد عنها بحال من الأحوال. و تتمثل هذه القوانين في سنن كونية حاكمة على كل مفردة من مفردات الوجود، سواء كانت مفردة بمعزل عن الأخريات أو في إطار جماعة و في تماس مع باقي المفردات. نلمح هذه الحقيقة في قوله تعالى: (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا، لقد أحصاهم وعدهم عدا) مريم/ 93 - 94، وفي قوله تعالى: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) يس/ 12، وفي قوله تعالى: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) الحجر/21.
فيظهر من الآيات التي سقناها أن كل ظاهرة وجودية ــ فردية أو جماعية ــ تخضع لقانون وسنة كونية، وكل اعتلاء وسقوط يتم وفق قانون حاكم لا يختلف ولا يتخلف، وثمة آيات تبين الحقيقة السابقة نفسها فيما يتصل بالحضارات والأمم والمجتمعات، من قبيل قوله تعالى: (ما تسبق من أمة أجلها وما يستاخرون) الحجر/5، والمؤمنون/ 43، و قوله تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) آل عمران/140.
2ـ علل اعتلاء المجتمعات وسقوطها:
بينا في ما سبق أن الظواهر الإنسانية في بعديها: الفردي والاجتماعي تخضع لقوانين وسنن حاكمة ومسيطرة لا يمكن التخلص منها، وهي حقيقة ثبتتها الرؤية القرآنية نفسها. والآن نأتي لنرى في الرؤية نفسها ما هي العلل الأساس التي تقع وراء قيام الحضارات و سقوطها.
يظهر حين التأمل و النظر في بعض الآيات الكريمة أن علل سقوط المجتمعات و نهوضها ترجع في النهاية إلى الناس في حد ذاتهم، يقول الله تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الأنفال/ 53، ويقول أيضا: (إن الله لا يغير ما
بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد/11، وفي آية أخرى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ... ) الأعراف/96.
ويظهر من طائفة من الآيات أن علل سقوط واعتلاء الأمم ترجع إلى المجتمعات نفسها، يقول تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) البقرة / 134و141.
ومن هنا، يمكن لنا استخلاص النتائج التالية:
أ- إن علل التغيرات والتحولات الاجتماعية تكمن في حقيقة الإنسان.
ب- إن العامل المحرك والمغير للتاريخ هو نفس الإنسان.
ج- إن المجتمعات تشبه كثيرا الفرد الإنساني كما يظهر من قوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) المدثر/37، وقوله تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) البقرة / 134و141."
ومما سبق نجد أن الرجل يقول أن الناس هو سبب نهوضهم وهم سبب سقوطهم
وطرح تقى جعفرى إشكالية ناتجة من تقاسيمه وكلامه الغير مبنى على الوحى فقال :
"تبصرة:
يمكن أن يأتي في الذهن هذا السؤال:
إن الظواهر الكونية والاجتماعية على قسمين:
أ ــ ظاهرة تخضع لاختيار الإنسان، وظاهرة ضرورية لا دخل للإنسان في تحققها ووجودها. وعلى هذا، لمن ننسب السقوط والنهوض، للقسم الأول أو القسم الثاني؟
من الواضح أن عوامل السقوط والارتفاع مرتبطة بالأفعال الاختيارية، ولا علاقة لها بالظواهر الحتمية الاضطرارية، لكن الإشكالية تكمن في جهة أخرى، وهي أنه من الصعب تصور حركة اختيارية لمجتمع ما، فهل هي "فعالية اختيارية" لجميع الأفراد أو لبعض منهم؟ وغير خفي: إننا لم نر إلى الآن تحركا اختياريا لمجتمع ما بحيث يشمل جميع أفراده شريطة أن يكون تحركا واعيا قادرا بغية الوصول إلى حل للإشكالية السابقة، نحتاج إلى التأمل قليلا في مكونات الفرد الإنساني، حيث نجده متشكلا من جزئيات متعددة: رجل، رأس، ظفر، لون، ضحك، بكاء ... ، والأمر الذي يشكل حقيقة الفرد الإنساني هو مكونات تخضع لها هذه الجزئيات، ويمكن إرجاع هذه المكونات إلى ركنين أساسيين:
إحداهما: العقلانية.
ثانيهما: الوجدان (العاطفة).
فالعقلانية (التعقل) والوجدان (العاطفة) في تفاعلهما وتعاونهما على مستوى حقيقة الإنسان، يحددان عوامل الاعتلاء والسقوط. وهنا يثار السؤال الأساسي: من يضع المكونات لحقيقة الإنسان على الصراط المستقيم والمسلك الصحيح؟
للإجابة على السؤال الأساس، نرى أن الرؤية القرآنية تطرح حقيقة في غاية الأهمية والخطورة، وهي أن الأمة أو الجماعة لا يمكن لها التحرك اختياريا نحو التغيير إلا إذا حرك أفراد خارقيين للعادة عقلانيتها ووجدانها نحو هدف خاص، ونلمح هذه الحقيقة في قوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا ) النحل/120."
وهذا الكلام به خطأ ظاهر وهو اعتبار العاطفة وهى الوجدان مضاد العقل بينما مضادها في القرآن هو الشهوات وهو ما سماه في أول الكتاب عبادة الإنسان لنفسه فالعواطف كالفرح والسرور والحنان والسخط هى نواتج لعمل العقل أو لعمل الشهوات عندما يسيطر أحدهما على الفرد
وكلمتى العاطفة والوجدان لا وجود لهما في كتاب الله
وانتهى تقى جعفرى إلى التالى :
"فالخلاصة، أن المجتمع له بعدان:
الأول: ثبات المجتمع: وهذا يرجع إلى الشخصيات التي تمثل أئمة لأفراد الأمة الواعية العاقلة، فهي التي تحرك المجتمع نحو الاعتلاء أو السقوط.
والثاني: تغير المجتمع: وهذا يرجع إلى أفراد الأمة، بوعيها وفعاليتها وإعمال اختيارها في حركتها نحو الكمال والازدهار."
والمعروف فى القرآن كإجابة على سؤال النهزض والسقوط هو :
أن السقوط سببه اتباع المجتمع لمن يسميهم السادة والأكابر بدلا من طاعة الله وفى هذا قال تعالى في سبب دخولهم النار :
" نصيرا يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب وإلعنهم لعنا كبيرا"
فسبب السقوط طاعة الكبار وسبب النهوض طاعة الله والرسل
الكتاب أو المحاضرة مؤلفها وهو ملقيها تقي جعفري وهى على جزئين فى البداية بين وجود ثلاثة أبعاد تميز الإنسان كمخلوق فقال :
"القسم الأول
نجد عند التأمل في المفاهيم القرآنية أن للإنسان، الذي يمثل مفردة من مفردات الوجود، أبعادا ثلاثة تميزه عن باقي الموجودات - مجردة كانت أو مادية -، ولكل بعد من هذه الأبعاد ظهورات وتجليات يصفها القرآن بدقة فائقة تحير العقول.
أولا - أبعاد الإنسان:
وهذه الأبعاد يعرضها القرآن الكريم كما يلي:
1 - البعد الطبيعي (الحيواني): الإنسان في هذا البعد لا يرى سوى ذاته، بل هو مستعد أن يضحي بكل نفيس وجميل لأجل ذاته فقط ونشير في ما يلي إلى الخصوصيات التي يتجلى فيها الإنسان الطبيعي كما بينتها الرؤية القرآنية:
أ - يحب المال حبا شديدا: قال تعالى: (وإنه لحب الخير لشديد) العاديات/الآية 8. وقال تعالى: (ألهاكم التكاثر ... ) التكاثر/1، وقال تعالى: (وتحبون المال حبا جما) الفجر/ 20.
ب- فرار من الضرر: قال تعالى: (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ) وقال تعالى: (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه) الزمر/الآية 8.
ج- ذو مكر: قال تعالى: (إن رسلنا يكتبون ما تمكرون) يونس/ 21، وقال تعالى: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) الأنفال/30، وقال تعالى: (وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا) يونس/21.
د - الطغيان عن الاستغناء:، قال الله تعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى) العلق/6 - 7.
هـ - عجول: قال تعالى: (خلق الإنسان من عجل) الأنبياء / 37، وقال أيضا: (وكان الإنسان عجولا) الإسراء /11.
و- ضعيف: قال تعالى: (وخلق الإنسان ضعيفا) النساء/ 28.
ز- بخيل: قال تعالى: (وكان الإنسان قتورا) الإسراء/100.
ح - غير معتدل: قال تعالى: (إن الإنسان خلق هلوعا) المعا رج / 19.
ط - مجادل: قال تعالى: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) الكهف/ 54.
ي - كفور النعمة: قال تعالى: (فإن الإنسان كفور) الشورى/ 48."
الرجل اعتبر الإنسان حيوانا كبقية الحيوانات باعتبار صفات متناقضة فمرة ضعيف ومرة ماكر وهى كلام ليس عليه دليل من الوحى خاصة أن صفة الحيوان ألولى حب المال والحيوانات فيما يعرف الكل لا تتعامل بالنقود والأرض وغيرها من مفاهيم المال
كما أن الحيوانات لا يمكن أن تكون بخيلة أو كافرة بالنعمة لوجود شرع خاص به لا نعلمه كبشر
اعتبار الإنسان كحيوان هو باعتبار واحد وهو كونه ذو حياة كبقية الحيوانات
وحاول الرجل أن يبين هل هذه صفات حقيقية أم لا فقال:
"والسؤال المطروح هو: هل هذه الأوصاف المتعددة تبين ماهية الإنسان الحقيقية؟ أو هي عبارة عن ظواهر تعرض على الإنسان لعوامل خاصة؟ وكي يتضح الجواب على السؤال السابق نحاول كشف منشأ هذه الأوصاف في نفس الإنسان.
وعند التأمل يمكن إرجاع هذه الصفات المتعددة إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: إنها صفات ناتجة ونابعة من اختيار الإنسان، وتندرج تحت هذا القسم الصفات التالية:
1 - المكر.
2 - الجدال.
3 - كفران النعمة.
القسم الثاني: إنها تمثل نوعية من الصفات نابعة من خلقة الإنسان ذاتها، وتندرج تحت هذا القسم الصفات التالية:
1 - عجول.
2 - ضعيف.
3 - هلوع.
القسم الثالث: إن هذا السنخ من الصفات لا تبرز عن الخلقة بمفردها، بل تضاف إليها عوامل خارجية تجعلها تتصف بهذه الصفات:
1 - حب المال.
2 - الفرار من الضرر.
3 - الطغيان مع الغنى.
4 - البخل."
والخطأ في الكلام السابق هو :
الأول نفى مسئولية الإنسان عن بعض صفاته باعتبارها ليست من اختيار كغير القسم ألأول وهو ما يناقض حساب الله للإنسان على كل كسبه وهو عمله تعالى:
" كل نفس بما كسبت رعينة"
الثاتى اعتبار بعض الصفات من فطرة الإنسان وهى خلقته وهو ما يناقض أن الإنسان يولد وهو لا يعلم أى شىء مكما قال تعالى :
" والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
واستنتج الرجل مما سبق أن الإنسان هو كائن مادى يعبد نفسه فقال :
"وما نحصل عليها من هذه الرؤية القرآنية:
هو أن الإنسان في بعده الطبيعي - وبمعزل عن الوجدان - يختزل في حقيقتين:
الأولى: الإنسان حقيقة مادية تخضع للقوانين المادية الحاكمة على الوجود المادي.
الثانية: الإنسان في هذا البعد لا يرى سوى نفسه وذاته، حيث تمثل ذاته بالنسبة له المعبود المطلق الذي يتحرك من أجل تلبية مقتضياته ويسعى نحو جلب رضاه.
والنتيجة التي نحصل عليها من تحليل هذا البعد هي: أن الإنسان حقيقة ضائعة لا وزن و لا قيمة لها، كما يعبر القرآن الكريم: (إن الإنسان لفي خسر ... ) العصر/1."
وقد استبان تقى جعفرى وجود مشكلة في تقاسيمه السابقة فحاول أن يحلها فقال:
"طرح إشكالية:
تبقى مسألة تتصل بالمطالب السابقة، وهي أن الصفات الاختيارية لا تقع موردا للإشكال؛ لأن الله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة /286، لكن الإشكال يرد على الأوصاف الناشئة عن الخلقة أو عن العوامل المضافة إلى الخلقة، فكيف تكون رذيلة وقبيحة؟!
للإجابة على الإشكالية السابقة، يحسن بنا التفكيك بين مسألتين، هما:
الأولى: بيان وضع الخلقة ومقتضياتها.
الثانية: البقاء على هذا الوضع وهذه الحالة.
ومن الواضح أن الذي يقع موردا للذم والتوبيخ هو البقاء على هذه الحالة وهذه الوضعية التي عليها الخلقة، وليس أصل الوضع والحالة. فإن أصل "الضعف" في الإنسان كما تبينه الآية المباركة من سورة النساء، وأصل "عدم الاعتدال" كما تعكسه الآية 19 من سورة المعارج، وكذا أصل "العجلة" التي خلق عليها الإنسان كما نرى ذلك في الآية 11 من سورة الإسراء ... كلها لا تشكل عيبا في الإنسان بوصفها مغروسة في خلقته، لكن البقاء على هذه الوضعية والخلود في حضنها هو الذي يشكل عيبا ونقصا في الإنسان.
إذن، ليس من شأن الإنسان البقاء على هذا المستوى، بل هو مطالب وفق الهدف الذي خلق لأجله أن يعرج ويعلو ويسمو فوق هذه الأوصاف وهذا الضعف.
وبالبيان نفسه يتضح الجواب على الإشكال الوارد على الصفات من القسم الثالث، فمن الواضح أن اللوم والتوبيخ لا ينصبان على الخلقة الساعية نحو تلبية متطلباتها، بل ينصب الذم على الإنسان الذي يتجاوز على حقوق الآخرين في أثناء تلبية مقتضيات الخلقة والطبيعة، فيسقط في ظلم الآخرين والتعدي على حقوقهم."
وكما سبق القول تقى هو من خلق الإشكالية السابقة التى لا وجود لها في نصوص القرآن فلم يقل الله بوجود صفات خلقية أى فطرية وإنما قال أن الإنسان هو من يخلق صفاته وبناء عليها تكون أقواله وأفعاله ولو عاد الرجل إلى مذهبه لوجد مقولة تنسب لعلى بن أبى طالب عن ولادة الإنسان صفحة بيضاء وهى فيما يسمى بخطبة نهج البلاغة على حد ذاكرتى الضعيفة
وتحدث عن البعد المعنوى مبينا أنه يظهر في حياته الاجتماعية فقال:
"2 - البعد المعنوي:
يتجلى هذا البعد في الحياة الاجتماعية للإنسان، حيث نجد ثمة معنى للعلاقات الاقتصادية و الحقوقية و الثقافية ... فعلى مستوى هذا البعد تبدأ إنسانية الإنسان بالظهور، ومن هنا يبدأ يحترم غيره ويشعر بهموم من حوله، ويتعامل مع غيره.
وبعبارة جامعة: تبدأ الحياة المعنوية في الإنسان بالظهور، حيث تتجلى فيه صفة مميزة تتمثل في ما يسمى: التربية.
وإذا تأملنا جيدا في الإنسان على مستوى هذا البعد، نجده يسعى - من خلال توفير هذه الأجواء من تربية و قوانين وحقوق متبادلة - نحو هدفين أساسيين:
الأول: المال والمقام (الجاه).
الثاني: الفرار من القصاص.
فهو يسعى نحو الهدف الأول حتى يوفر لنفسه سعة في التصرف وكسب قدر أكبر من النفوذ لرفع حاجياته ونقائصه، ويسعى لتوفير الهدف الثاني للحفاظ على ما اكتسبه من مال وجاه. والآن نأتي لنرى ما هو موقف القرآن من هذه الحالة في الإنسان.
عند الرجوع إلى الرؤية القرآنية، نجد الهدفين مقبولين من جهة ومرفوضين من جهة أخرى، فهما مقبولان بوصفهما وسيلة لغاية أسمى وأشرف، ومردودان بوصفهما غاية وهدفا، فمثلا يقول القرآن فيما يتصل بالقصاص: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون )، فالحياة في الآية الشريفة منوطة بالقصاص، أي أن الحياة لا تبقى ولا تدوم إلا بإقامة الحدود والقصاص. لكن السؤال الأساسي هو "أية حياة هي التي تبقى بإقامة القصاص والحدود؟ "، فإذا كان الجواب هو: الحياة الطبيعية المتمثلة في الأكل والشرب والنكاح والتفاخر ... ، فهي حياة لهو ولعب كما ينعتها بذلك القرآن الكريم، فلا قيمة لهذه الحياة في الرؤية القرآنية. وأما إذا كان المقصود من الحياة حياة أخرى "الحياة الطيبة": (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل/97، فنعم الحياة هي.
والحاصل أن الإنسان، وإن تجاوز بهذا البعد طبيعته ووصل إلى حياة تسودها الحقوق والفنون والتربية ومقتضيات الحضارة عامة، لكنه لم يصل إلى حقيقته الواقعية التي تتمثل في الإنسان الإلهي والمثالي."
وهذا الكلام عن سعى الإنسان لهدفين رئيسيين في حياته هما المال والمقام والفرار من القصاص هو كلام مناقض لكلام الله فالهدف للكافر هو متاع الدنيا بكل أنواعه وهو ليس مقتصر على المال والمقام وإنما يضاف له النساء والبنين والأكل والشرب كما قال تعالى :
"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا"
وعبر عن ذلك فقال :
"ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها"
وتحدث عن بعد ثالث سماه البعد الإلهى فقال:
3 - البعد الإلهي:
والآن، وبعدما تبين لنا معنى الإنسان في البعدين السابقين، ورأينا أن القرآن لا يرضى للإنسان أن يمكث ويبقى واقفا على هذا المستوى، نأتي ونسأل: هل ثمة مستوى آخر للإنسان في الرؤية القرآنية يختلف عن البعدين السالفين؟
لكي تتضح الإجابة على السؤال السابق، نعرض لأقسام النفس الإنسانية كما تصورها الرؤية القرآنية:
أ - النفس الأمارة: المتمثلة في البعد الطبيعي الذي تناولنا مواصفاته في البحوث السابقة. وهذه النفس خاضعة مقهورة تحت تأثير الغرائز، وبخاصة القوة الشهوية والغضبية، ولا يهمها إلا ذاتها تجذب بالقوة الشهوية ما ينسجم معها و تدفع بالقوة الغضبية ما لا يلائمها.
ب- النفس اللوامة: وهي عبارة عن تجل من تجليات الوجدان، و بفضل هذه القوة يشعر الإنسان بالسرور إذا قام بفعل حسن، وبالحزن إذا قام بفعل قبيح. والإنسان، على مستوى هذه النفس، لا يمثل تلك الحقيقة التي يصورها القرآن، أي البعد الإلهي الذي بفضله يتصل الإنسان بالحق تعالى الكمال المطلق.
ج- النفس المطمئنة: تعد النفس المطمئنة أعلى مقام يصل إليه الإنسان في حركته نحو الكمال و الرشد، يقول تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي) الفجر/ 27 - 30."
إذا جعفرى يقصد أن الإنسان يتكون من تلك الحالات الثلاث وهى الأمارة بالسوء واللوامة والمطمئنة فهو صادق ولكن إذا كان يريد بها أن كل إنسان له نفس واحدة من الثلاث فهى مخطىء فكلنا مسلمين وكفار نمر بالحالات الثلاث خاصة المسلمين فالإنسان يأمر نفسه بالسوء وهو يلوم نفسه على ارتكاب السوء وهو يطمئن إن أطاع الله حسب دينه ولكن المراد بالنفس المطمئنة هو النفس التى بها سكينة نتيجة طاعتها لدين الله الإسلام
وتساءل عما يوصل الإنسان للكمال فقال:
"والسؤال المطروح هو ما هو العامل الأساسي الذي بموجبه يصل الإنسان إلى هذا الكمال (النفس المطمئنة)؟
ثمة بعد آخر في حياة الإنسان تبرزه الرؤية القرآنية يتمثل في (حقيقة الإيمان)، وبفضل هذه البعد ينجذب الإنسان إلى الغيب ويتصل بالله تعالى الكمال المطلق.
وإليك مواصفات هذا البعد في حياة الإنسان كما تبينها وتشرحها الرؤية القرآنية:
1 - الإيمان نور إلهي: قال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) البقرة/ 257.
نلمح في الآية المباركة حقيقة رائعة، وهي أن "حقيقة الإيمان" ملازمة للخروج من الظلمة إلى النورانية، أية نورانية؟ نورانية تتجلى في:
أ- التربية.
ب- الأخلاق والسلوك.
ج- العلاقات.
د- المعاشرة.
والأهم من ذلك كله النورانية في الفكرة والمعتقد.
وبعبارة ثانية:
النورانية في الصراط - الشريعة السمحة - والمبدأ والمقصد، وهذا الأمر عبارة أخرى عن: التوحيد والمعاد، والطريق: النبوة ولوازمها.
2 - الإيمان والمودة: قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) مريم/96.
ومن آثار الإيمان - كما نلمح ذلك في الآية المباركة- المحبة المتمثلة في:
أ- محبة الله لعباده المؤمنين.
ب- محبة عباده له تعالى.
ج- محبة الناس بعضهم لبعض.
والنتيجة - التي نحصل عليها من الآثار الناتجة عن حقيقة الإيمان - هي: أن كل حركة وكل تعلق لا يتمحور حول هذه المحبة ولا يورث هذه المودة فهو بطلان في بطلان.
3 - الإيمان والتقوى والعلم: قال تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله ... ) البقرة/282، تربط الآية الكريمة بين الإيمان والعلم الذي يمثل الاتصال بالعلم المطلق.
4 - الإيمان ضد الخوف والحزن: قال تعالى: (فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) الأنعام/48. تربط الآية الكريمة بين الإيمان وعدم الخوف والحزن، وهذا من روائع البيانات القرآنية."
الكمال طبقا للكلام السابق هو طاعة أحكام الله والتى ينتج عنها حب من كل النواحى ولكن ما غاب عن جعفرى أنه ينتج عنه كراهية من جانب الكفار كما قال تعالى :
" ها أنتم تحبونهم ولا يحبونكم"
وأعاد الحديث عن الكمال الإنسان بصورة أخرى فقال :
"ثانيا - الكمال الإنساني:
والسؤال الذي يفرضه الذهن هو ماذا يترتب على الاتصاف بالإيمان ذي المواصفات المتعددة السابقة؟ نلتمس الإجابة على هذا السؤال من المفاهيم التي يثيرها القرآن الكريم، حيث يقول تعالى: (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) البقرة/ 186، ويقول تعالى أيضا : (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) الجن/14، وقال تعالى في موضع آخر: (ولقد آتينا إبراهيم رشده) الأنبياء/51، وأيضا يقول تعالى: (ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا) الكهف/10.
نلحظ من مجموع الآيات السابقة العلاقة والملازمة بين " الإيمان " و" الرشد " أي العلاقة بين "الإيمان" كحالة نفسانية ووجودية، وبين "الكمال" كحالة وجودية أخرى. لكن "الرشد" ينطوي على خاصية من حيث المصداق غير موجود في "الكمال"، هي: أن الشيء الواصل إلى مقام الرشد قد انتقل من مرتبة دانية إلى مرتبة عالية.
وبعبارة ثانية: أن للشيء المتصف بالرشد مراتب متغيرة يصعد ويرقى فيها، فمثلا إذا قلنا: إن حبة الحنطة وصلت إلى حالة الرشد، يعنى هذا أنها لم تكن لها هذه الحالة من الرشد ووصلت إليها عن طريق تغيرها وتبدلها التي اكتسبتهما من خلال حركتها التكاملية، و لذا لا يتصف الله تعالى - الذي يمثل عين الكمال المطلق - بالرشد، فلا نقول: الله تعالى يرشد، في حين أنه تعالى مطلق الكمال."
وقد حاول جعفرى التفريق بين كمال الإلهى والكمال الإنسانى في الفقرة السابقة وهو مخطىء في اختياره تعبير الكمال الإنسانى فالتعبير ليس من تعابير القرآن وهو يسميه الرشد وقصد بها حالة النضج التى يصل إليها الفرد في حياته كوصول المحصول إلى درجة الرشد وهو النضج وهو معنى مأخوذ من معنى نضج النبات وهو لا يصلح للتعبير عن حالة الطمأنينة لأن نضج الطعام لا يظل فترة طويلة وإنما مدة قصيرة بعدها يصاب المحصول بالفساد نتيجة التسوس أو غيره من ألمضرات بينما الطمأنينة تظل حتى الوفاة ويتخللها أوقات قصيرة هى أوقات ارتكاب الذنوب
وتحدث جعفرى عن وجود كمال ظاهرى وباطنى فقال :
"ملاك الكمال الإنساني:
إن للإنسان أو المجتمع نوعين من الكمال (الرشد): أحدهما ظاهر للجميع، والثاني لا يتصف به إلا المؤمنون كما أشرنا إلى ذلك في الفصل السابق. ويتمثل الكمال الأول (الظاهري) في "صفة الجمال" و"صفة القدرة". من الواضح أن الجمال والقدرة هنا هما الجمال المادي والقدرة المادية، فكل من اتصف - فردا كان أو جماعة - بالجمال والقدرة ينال الكمال والرشد المسانخ لهاتين الصفتين.
لكن هذين الوصفين: "الجمال" و"القدرة" ترفضهما الرؤية القرآنية رفضا باتا، يقول القرآن الكريم: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون) المائدة/ 100، ويقول أيضا : (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم) المنافقون/4، و قال تعالى: (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) التوبة/55، ويقول أيضا: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) طه/131.
الخلاصة:
إن ملاك الكمال والرشد الإنساني (الفردي والاجتماعي) لا يتمثل في الجمال والقوة الماديين، بل يتمثل في "الإيمان" بالكمال المطلق وما يتصل بالكمال المطلق من شؤوناته وتجلياته، وبفضل هذا النور الإلهي يصل الإنسان إلى رشده وكماله المطلوب - القرب الإلهي-، سواء كان في جامعة إنسانية أو في عزلة عن غيره."
ومما سبق يتمثل كمال الإنسان عند الرجل في الإيمان
وتعرض جعفرى للقسم الثانى وهو المجتمع الإنسانى فقال :
"القسم الثاني:
المجتمع الإنساني في الرؤية القرآنية
1 - السنن الكونية:
إذا تأملنا في مفاهيم القرآن فيما يتصل بالتكامل الاجتماعي، نجد أن هذا التكامل تحكمه قوانين لا يحيد عنها بحال من الأحوال. و تتمثل هذه القوانين في سنن كونية حاكمة على كل مفردة من مفردات الوجود، سواء كانت مفردة بمعزل عن الأخريات أو في إطار جماعة و في تماس مع باقي المفردات. نلمح هذه الحقيقة في قوله تعالى: (إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا، لقد أحصاهم وعدهم عدا) مريم/ 93 - 94، وفي قوله تعالى: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) يس/ 12، وفي قوله تعالى: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) الحجر/21.
فيظهر من الآيات التي سقناها أن كل ظاهرة وجودية ــ فردية أو جماعية ــ تخضع لقانون وسنة كونية، وكل اعتلاء وسقوط يتم وفق قانون حاكم لا يختلف ولا يتخلف، وثمة آيات تبين الحقيقة السابقة نفسها فيما يتصل بالحضارات والأمم والمجتمعات، من قبيل قوله تعالى: (ما تسبق من أمة أجلها وما يستاخرون) الحجر/5، والمؤمنون/ 43، و قوله تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) آل عمران/140.
2ـ علل اعتلاء المجتمعات وسقوطها:
بينا في ما سبق أن الظواهر الإنسانية في بعديها: الفردي والاجتماعي تخضع لقوانين وسنن حاكمة ومسيطرة لا يمكن التخلص منها، وهي حقيقة ثبتتها الرؤية القرآنية نفسها. والآن نأتي لنرى في الرؤية نفسها ما هي العلل الأساس التي تقع وراء قيام الحضارات و سقوطها.
يظهر حين التأمل و النظر في بعض الآيات الكريمة أن علل سقوط المجتمعات و نهوضها ترجع في النهاية إلى الناس في حد ذاتهم، يقول الله تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الأنفال/ 53، ويقول أيضا: (إن الله لا يغير ما
بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد/11، وفي آية أخرى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ... ) الأعراف/96.
ويظهر من طائفة من الآيات أن علل سقوط واعتلاء الأمم ترجع إلى المجتمعات نفسها، يقول تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) البقرة / 134و141.
ومن هنا، يمكن لنا استخلاص النتائج التالية:
أ- إن علل التغيرات والتحولات الاجتماعية تكمن في حقيقة الإنسان.
ب- إن العامل المحرك والمغير للتاريخ هو نفس الإنسان.
ج- إن المجتمعات تشبه كثيرا الفرد الإنساني كما يظهر من قوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) المدثر/37، وقوله تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) البقرة / 134و141."
ومما سبق نجد أن الرجل يقول أن الناس هو سبب نهوضهم وهم سبب سقوطهم
وطرح تقى جعفرى إشكالية ناتجة من تقاسيمه وكلامه الغير مبنى على الوحى فقال :
"تبصرة:
يمكن أن يأتي في الذهن هذا السؤال:
إن الظواهر الكونية والاجتماعية على قسمين:
أ ــ ظاهرة تخضع لاختيار الإنسان، وظاهرة ضرورية لا دخل للإنسان في تحققها ووجودها. وعلى هذا، لمن ننسب السقوط والنهوض، للقسم الأول أو القسم الثاني؟
من الواضح أن عوامل السقوط والارتفاع مرتبطة بالأفعال الاختيارية، ولا علاقة لها بالظواهر الحتمية الاضطرارية، لكن الإشكالية تكمن في جهة أخرى، وهي أنه من الصعب تصور حركة اختيارية لمجتمع ما، فهل هي "فعالية اختيارية" لجميع الأفراد أو لبعض منهم؟ وغير خفي: إننا لم نر إلى الآن تحركا اختياريا لمجتمع ما بحيث يشمل جميع أفراده شريطة أن يكون تحركا واعيا قادرا بغية الوصول إلى حل للإشكالية السابقة، نحتاج إلى التأمل قليلا في مكونات الفرد الإنساني، حيث نجده متشكلا من جزئيات متعددة: رجل، رأس، ظفر، لون، ضحك، بكاء ... ، والأمر الذي يشكل حقيقة الفرد الإنساني هو مكونات تخضع لها هذه الجزئيات، ويمكن إرجاع هذه المكونات إلى ركنين أساسيين:
إحداهما: العقلانية.
ثانيهما: الوجدان (العاطفة).
فالعقلانية (التعقل) والوجدان (العاطفة) في تفاعلهما وتعاونهما على مستوى حقيقة الإنسان، يحددان عوامل الاعتلاء والسقوط. وهنا يثار السؤال الأساسي: من يضع المكونات لحقيقة الإنسان على الصراط المستقيم والمسلك الصحيح؟
للإجابة على السؤال الأساس، نرى أن الرؤية القرآنية تطرح حقيقة في غاية الأهمية والخطورة، وهي أن الأمة أو الجماعة لا يمكن لها التحرك اختياريا نحو التغيير إلا إذا حرك أفراد خارقيين للعادة عقلانيتها ووجدانها نحو هدف خاص، ونلمح هذه الحقيقة في قوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا ) النحل/120."
وهذا الكلام به خطأ ظاهر وهو اعتبار العاطفة وهى الوجدان مضاد العقل بينما مضادها في القرآن هو الشهوات وهو ما سماه في أول الكتاب عبادة الإنسان لنفسه فالعواطف كالفرح والسرور والحنان والسخط هى نواتج لعمل العقل أو لعمل الشهوات عندما يسيطر أحدهما على الفرد
وكلمتى العاطفة والوجدان لا وجود لهما في كتاب الله
وانتهى تقى جعفرى إلى التالى :
"فالخلاصة، أن المجتمع له بعدان:
الأول: ثبات المجتمع: وهذا يرجع إلى الشخصيات التي تمثل أئمة لأفراد الأمة الواعية العاقلة، فهي التي تحرك المجتمع نحو الاعتلاء أو السقوط.
والثاني: تغير المجتمع: وهذا يرجع إلى أفراد الأمة، بوعيها وفعاليتها وإعمال اختيارها في حركتها نحو الكمال والازدهار."
والمعروف فى القرآن كإجابة على سؤال النهزض والسقوط هو :
أن السقوط سببه اتباع المجتمع لمن يسميهم السادة والأكابر بدلا من طاعة الله وفى هذا قال تعالى في سبب دخولهم النار :
" نصيرا يوم تقلب وجوههم فى النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب وإلعنهم لعنا كبيرا"
فسبب السقوط طاعة الكبار وسبب النهوض طاعة الله والرسل