رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نظرات فى خطبة دعوة المظلوم: تبشير وتحذير
الخطيب عبد الله العواضى والخطبة تدور حول دعوة المظلوم فتحدث عما يصيب الناس من مظالم مختلفة فلا يجدون سوى الدعاء على ظالميهم وهو قوله حيث قال :
"أيها الناس، حينما يُقتل الأبرياء، ويُقهر الضعفاء، ويتجبر الأقوياء، فلا يشتد الحزن؛ فهناك مدعوٌ، وهناك دعوة، وعندما تُسلب الحقوق، فيأخذ القويُّ حقَ الضعيف، والغنيُّ حق الفقير، وصاحب الجاه حقَ من تحته فلا أسى؛ فهناك مدعو، وهناك دعوة، ويوم تكثر دموعُ المظلومين، ويشتد أنين المكروبين؛ لفشو ظلم الظالمين، وجور الجائرين، فلا كمدَ؛ فهناك مدعو، وهناك دعوة، ولما يبلغ الضرُّ منتهاه، والضيق مَداه، فلا حَزَن؛ فهناك مدعو، وهناك دعوة.
عباد الله، نَعمْ، حينما تتكاثف هذه الليالي المدلهمّة، والأوجاع الخاصة والعامة فإنها تفتح بابَ أملٍ فسيح يخفف الحزن أو يذهبه، وترفع رأسَ الإنسان إلى السماء، وتعلّق قلبه بخالق الحياة والأحياء، ليرجوَه ويدعوه."
وتحدث الرجل عن رحمة الله بالمظلومين فقال :
"فهناك هناك يجد مدعواً يدعوه، وربّاً قادراً يرجوه. يجد مدعواً رحيمًا هو الله سبحانه وتعالى، الذي هو أرحم بالعبد من نفسه، وأرحم به من أبيه وأمه، وأرحم به من كل راحم؛ فيرحم حالَه، ويجيب سؤاله، ويعطيه نواله، رحمة به ورأفة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} ويجد المظلوم مدعواً عليمًا محيطًا علمُه بكل شيء، فيعلم ما مسّه، ويعلم مَن ظلمه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} ويجد المظلوم مدعواً خبيراً بصيراً يرى بطش من ظلمه، وجورَ من جار عليه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. ويجد المظلوم مدعواً سميعًا قريبًا مجيبًا، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
قال الشاعر:
لا تظلمنَّ إذا ما كنتَ مقتدراً ... فالظلمُ مصدُره يُفضي إليهِ الندم
تنامُ عيناكَ والمظلومُ مُنتبهٌ ... يدعوْ عليكَ وعينُ اللهِ لم تَنم
ويجد المظلوم مدعواً قويًا قادراً، عزيزاً قاهراً، سيأخذ له حقه، وينتقم له ممن ظلمه، قال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} وقال: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} ، ويجد المظلوم مدعواً حكمًا عدلاً، سينصف له، ويستوفي له حقه ممن تعدى عليه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}
إذن كيف يحزن مظلوم له رب رحيم، سميع عليم، قدير قريب، قوي مجيب، حكم عدل، خبير بصير؟!"
بالقطع هذا الكلام عن المظلوم هو نصف الحقيقة فكما أن الله رحيم بالمظلومين فهو منتقم منهم بسبب ركونهم وهو سكوتهم على ظلم الظالمين حيث يدخلهم النار وفى هذا قال تعالى :
"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار"
وتحدث عن عقاب الظالم فقال :
"فيا ويل من يظلم إنسانًا لا يجد له ناصراً إلا الله تعالى، ويا ويل من يظلم إنسانًا لا يجد له معينًا إلا الله، ويا ويل من يظلم إنسانًا لا قوةَ له إلا بالله.
قال رسول الله (ص): (اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تُحمل على الغمام يقول الله جل جلاله: وعزتي وجلالي لأنصرنكِ ولو بعد حين)
قال الشاعر:
ألا قولوا لِمنْ قد تَقوَّى ... عَلى ضعفيْ ولم يخشَ رقيبَهْ
خبَأَتُ لهُ سهامًا في الليالي ... وأرجوْ أن تكونَ له مُصيبهْ"
ثم تحدث عن دعوة المظلوم فقال :
"أيها المسلمون، وفي خضم تلك المظالم هناك دعوة، ولكنها ليست ككل دعوة، إنها دعوة المظلوم التي تُرفع إلى الحي القيوم. إنها أقوى الأسلحة في ردع الظلم، وإهلاك الظالمين، إنها سلاح فتّاك يلاحق الظالمين إلى كل مكان كانوا فيه-مهما امتد بهم الزمن-، ولا يمكنهم ردُّه أو دفعه بأي سلاح، إن دعوة المظلوم لهبٌ حارق، ونار مضطرمة، ترمي الظالمين بشررٍ كالقصر، قال رسول الله (ص): (اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة) قال ابن القيم في بدائع الفوائد: "لا تحتقر دعاء المظلوم؛ فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك، ويحك! نبال أدعيته مصيبة، وإن تأخر الوقت، قوسه قلبُه المقروح، ووتره سواد الليل، وأستاذه صاحب:" لأنصرنك ولو بعد حين"، وقد رأيتَ، ولكن لستَ تعتبر، احذر عداوة من ينام وطرفه باكٍ يقلب وجهه في السماء، يرمي سهامًا ما لها غرض سوى الأحشاء منك".
دعوة المظلوم سفينة فضائية سريعة أسرع من الضوء، بل لا تقاس بسرعة أسرع شيء في حياتنا، هذه السفينة تنطلق حاملة أنين المكلومين، ودموع المقهورين، وتوجع المتوجعين، وآهات المتأوهين، ورجاء الآملين بمن لا يظلم عنده أحد، وبمن حرم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرمًا، الذي قال عن نفسه: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} "
قيل لعلي: " كم بين العرش والتراب؟ فقال: دعوة مظلوم مستجابة".
إنها دعوة لا تقف أمامها الأبواب، ولا تصدّها الشُرَط ولا الحُجّاب، وكلما قوي الظلم قويت ضراعة المظلوم فالتهبت دعوته فكانت أسرع نفاذاً، وأقرب قبولاً؛ لأنها اتجهت إلى باب الله، ولم تتجه إلى أبواب رؤساء الدنيا وملوكها:
وأفنيةُ الملوكِ محجَّباتٌ ... وبابُ اللهِ ليسَ لهُ فَنَاءُ"
وحكاية أن دعوة المظلوم مستجابة ليست قطعية فأى دعوة إما أن تستجاب وإما أن لا تستجاب حسب مشيئة الله كما قال تعالى :
"بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء"
فالله يستجيب للدعوات التى قضى من قبل أن تستجاب وأما التى لم يقضى باستجابتها فلا تستجاب حتى لو كانت دعوة مظلوم
وتحدث مرة أخرى عن استجابة الدعوة فقال :
"أيها الأحبة الفضلاء، إن دعوة المظلوم دعوة مستجابة مسموعة لا تُرد؛ لأنها صدرت من لسان الاضطرار، ولسان التفويض الكامل من العبد الفقير الضعيف العاجز إلى المعبود الغني القوي القادر، قال تعالى {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}
قال رسول الله (ص): (وإياك ودعوة المظلوم فإنها تستجاب) وقال عليه الصلاة والسلام: (ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم)
ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن يحيى بن خالد البرمكي-أحد وزراء بني عباس- قال له أحد بنيه -وهما في السجن والقيود-: يا أبت، بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال؟! فقال: يا بنى، دعوة مظلوم سرتْ بليلٍ ونحن عنها غافلون، ولم يغفل الله عنها! ثم أنشأ يقول:
رُبَّ قومٍ قدْ غدوا في نعمةٍ ... زمنًا والدهرُ ريَّانٌ غَدقْ
سكتَ الدهرُ زمانًا عنهمُ ... ثم أبكاهمْ دمًا حينَ نَطق! معشر المسلمين، إن دعوة المظلوم مستجابة ولو كانت من فاجر أو من كافر، قال رسول الله (ص) لمعاذ رضي الله عنه-حينما بعثه إلى أهل اليمن- وكان أهل اليمن آنذاك أهل كتاب-: (اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)
وقال عليه الصلاة والسلام: (اتقوا دعوة المظلوم -وإن كان كافرا -؛ فإنه ليس دونها حجاب)
وقال: دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه) "
وكما سبق القول الدعوة بين الاستجابة وعدمها ثم قال :
"يا أيها المظلومُ سَلِّ شَجاكا ... بُشراكَ هلَّتْ من سَما مَولاكا
وتنزّلتْ -والظلمُ يبسطُ عَسفَهُ- ... تروي غليلَك في عتوِّ صَداكا
الله أرحمُ مَنْ تلوذُ ببابِه ... والله أقربُ من يَليْ شكواكا
والله يسمعُ كلَّ حرفٍ موجَعٍ ... فاهتْ لسانُك قائلاً رُحماكا
والله يبصرُ أُفْقَكَ المنهوكَ ما ... يبدو عليه ضياؤه لأساكا
والله يعلمُ من رماك بجَورِه ... ويرى على موجِ العَنا بلواكا
وهو القديرُ المستعانُ به على ... قهرِ الذي أشجاك في نُعماكا
وهو القويُّ وذو الكمال فإن تَعُذْ ... بجنابه وبعزّه نجَّاكا
فانزعْ لباسَ الحُزْنِ والْبسْ باسمًا ... ثوبَ السرور فلن يخيب رجاكا
واقبرْ عنادَ اليأسِ وابعثْ للعلا ... رُوحَ التفاؤلِ في جسومِ مُناكا
واعلمْ بأنَّ الظلمَ يُسرعُ بالفتى ... نحوَ الهلاكِ ويحصدُ السفّاكا
فانعَمْ فإنّ اللهَ ليس بغافلٍ ... أو مُهمِلٍ ذاك الذي أشقاكا
واصبرْ فعُقبى الصبرِ تُشِرقُ بالذي ... يُطفي لهيبًا ظلَّ جُرحَ حشاكا"
وتحدث عن وقوع الظلم بين الكل وتعدد أنواعه فقال :
"أيها المسلمون، إن الظلم جريمة عظيمة، لا تقع في مجال واحد أو في جهة معينة، بل يقع مع جهات متعددة، ومجالات كثيرة، فالظلم يقع بين الأقربين، كما يقع بين الأبعدين، فيقع من الأولاد لوالديهم، ويقع بين الزوجين، ويقع بين الأقارب، وبين الجيران، وبين الأصدقاء، وبين الراعي والرعية، وبين الناس ممن ليست بينهم هذه الوشائج. فمن الأولاد من يظلم والديه بقلة بره، وكثرة عقوقه، فكم من ابن عق أباه أو أمه، وكم من بنت عقت أباها أو أمها، فصبر الوالدان، لكن لما استمر لهيب العقوق، واختفت ظلال البر، لم يجد الوالدان أو أحدهما-عند ذلك- إلا الدعاء على الابن العاق أو البنت العاقة، فتصعد دعوة مظلوم -وأيُّ مظلوم! إنه أب أو أم! - إلى السماء فتستنزل من ربها العقوبة على الأولاد الظالمين بالعقوق.
قال رسول الله (ص): (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم) "
والحديث باطل والخطأ إستجابة الله لدعاء الثلاثة ويخالف هذا أن إستجابة الله للدعاء مرهونة بما كتبه الله مسبقا ومن ثم لا تتحقق كثير من الدعوات فى هذه الليالى أو غيرها لأنها معلقة على مشيئته مصداق لقوله تعالى "فيكشف ما تدعون إليه إن شاء "كما أن الله لم يحدد وقت معين للإستجابة لدعاء الإستغفار وأما الأدعية الأخرى فيحددها فى الإستجابة ما كتبه الله فى السابق كما أن لو كان هذا القول صحيح ما احتاج المسلمون لتنفيذ أمر الله بإعداد القوة ورباط الخيل لأنهم ساعتها سينتصرون بالدعوات فى تلك الليالى وهو ما لم يحدث بدليل أننا نعيش عصر الهزائم الآن
ثم قال :
"وقد يكون الظلم بين الزوجين، فيقهر زوج زوجته القائمة بحقوق الله وحقوقه، فيمنعها ما يجب عليه من الحقوق، ويتعدى عليها بما يؤذيها، وليس لها من يردعه عن غيه، ويعيده إلى رشده، فلا تجد لها ناصراً إلا دعوة مظلوم ترفعها إلى الحي القيوم، وقد تكون الزوجة هي الظالمة لزوجها بإيذائها له، وتسلطها عليه، ومنعها حقوقه، وليس من قدرة لكبح جماح ظلمها؛ لضعفه، أو لقوتها بقرابتها، فيرفع يديه إلى السماء تحملان معهما دعوة مظلوم لم يجد من ينصف له في الأرض.
وقد يكون الظلم بين الجيران، فيظلم جارٌ قويٌ قادر جاراً ضعيفًا عاجزاً، أو يكذب عليه حتى يأخذ حقه، ويستولي عليه ظلمًا وعدوانًا، ولا مغيث لذلك الجار يرد له حقه، إلا دعوة مظلوم يرسلها إلى عَنان السماء إلى الحكم العدل سبحانه وتعالى، جاء في الصحيحين عن محمد بن عبد الله بن عمر أن أباه حدثه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أن أروى خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وإياها؛ فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: (من أخذ شبراً من الأرض بغير حقه طوقه في سبع أرضين يوم القيامة)، اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واجعل قبرها في دارها، قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها)."
والحديث باطل والخطأ فيه تطويق الله للمنتقص من سبع أرضين ويخالف هذا أن التطويق الوحيد هو التطويق بالذهب والفضة أى المبخول به مصداق لقوله "سيطوقون ما بخلوا "كما أن الأرض تبدل يوم القيامة ومن ثم لا تكون سبع أرضين مصداق لقوله تعالى "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات "
ثم أكمل الكلام عن بقية أنواع الظلم :
"أيها المسلمون، وقد يكون الظلم بين الأقارب، فرُبَّ قريبٍ يظلم أخاه، أو أخته، أو عمه، أو عمته، أو خالته، أو أولادهم، وليس للمظلوم قدرة على الانتصار، وأخذ الحق من الظالم، فتخرج عند ذلك من القلب المكلوم دعوة مظلوم، ترتفع إلى من لا يظلم عنده أحد.
إن رسولنا (ص) لم يسلم من ظلم أقاربه، فقد أخرج الحاكم في مستدركه-بسند صحيح- عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه قال: كان لهب بن أبي لهب يسب النبي (ص): فقال النبي (ص): (اللهم سلط عليه كلبك)، فخرج في قافلة يريد الشام، فنزل منزلاً فقال: إني أخاف دعوة محمد (ص)، قالوا له: كلّا، فحطوا متاعهم حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء الأسد فانتزعه فذهب به"
والحديث باطل لوجود آية معجزة وهى أكل ألأسد وهو ما سماه كلبا وكأن الكلب هو أسد وهو استهبال على القراء والسامعين وقد منع الله ألايات وهى المعجزات فى عهد النبى(ص) فقال:
" وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
ثم قال فى ظلم الراعى للرعية :
" وقد يكون الظلم بين الراعي والراعية، فقد يوجد راعٍ يحكم رعيته بالجور والعسف، وسلب الحقوق، وكثرة الإضرار بهم، ورعيةٍ يظلمون راعيهم بعدم السمع والطاعة في المعروف، أو بالطعن فيه، وإحداث الأعمال المحظورة التي تؤذيه، فعند ذلك تصعد دعوة مظلوم إلى السماء تستنزل العقوبة على الظالم راعيًا كان أو مرعيًا. ففي محنة خلق القرآن التي ابتلى بها المأمون العباسي الناسَ وثبت فيها بعض العلماء، كان على رأسهم: الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنهما حُملا على بعير وسيرَ بهما إلى الخليفة عن أمره بذلك، وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد ... فلما اقترابا من جيش الخليفة ونزلوا بمرحلة جاء خادم -وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه- ويقول: يعز عليّ -أبا عبدالله- أن المأمون قد سلّ سيفًا لم يسله قبل ذلك، وإنه يقسم بقرابته من رسول الله (ص) لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف، قال: فجثا الإمام أحمد على ركبتيه، ورمق بطرفه إلى السماء، وقال: سيدي، غرَّ حلمُك هذا الفاجرَ حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن لم يكن القرآن كلامُك غيرَ مخلوق فاكفنا مؤنته، قال: فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل، قال: أحمد ففرحنا .
وعن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر ، فعزله واستعمل عليهم عماراً، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي؟ قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله (ص) ما أخرم عنها: أصلي صلاة العشاء فأركد في الأولين، وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجداً إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجداً لبني عبس فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة قال: أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سُئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعدُ قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن) "
وهذا الكلام من ضمن حكايات الخبل التى ابتليت بها الأمة فمن قال فى حق أحد شىء بدون إثبات فإنه يحاكم ويجلد ثمانين جلدة لكذبه خاصة أن القول كان أمام الناس فى سعد وهنا لا توجد محاكمة ولا شىء وإنما اكتفى المظلوم بالدعاء وكأن سعد وهو من علماء الإسلام لسبقه جاهل بحكم الله هو ومن سمعوا الظلم من الصحابة والتابعين
وطالب الرجل المظلوم أن يشكو إلى الله وحده فقال :
"أيها الإخوة الأفاضل، نقول لكل مظلوم: أبشر، ولكن اشكُ مظلمتك إلى الله تعالى وحده، ولا تعرض مصيبتك من ظالمك على من لا يقدر على نصرك، أما من يعين على استرجاع الحق ودفع الظلم فلا بأس."
والشكوى لله تكون بوسائل متعددة منها الدعاء ومنها الشكوى إلى القضاء وإلا فلماذا شرع الله وجود القضاة ؟
وتحدث عن الاخلاص فى الدعاء فقال :
"وعليك أن تدعو مخلصًا متضرعًا، مستمراً بلا استعجال؛ فقد يكون تأخير العقوبة على من ظلمك وظلم غيرك خيراً للمظلوم، وشراً على الظالم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، قال تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}"
وتحدث عن عدم الاعتداء فى الدعاء فقال :
"وعليك أن لا تعتدي في الدعاء على من ظلمك، فلتكن دعوتك على قدر مظلمتك.
وعليك أن لا تظلم أحداً؛ لكي تنال نصر الله لك، فهو نعم المولى، ونعم النصير لمن لم يكن من الظالمين. أيها المسلمون، نداء لكل ظالم، ونصيحة لكل غاشم، ارفع يد الظلم، واكفف عن الإيذاء لخلق الله، قبل أن تدركك دعوات المظلومين، وتحيط بك عقوبة رب العالمين، وقبل أن تغادر الدنيا حاملاً مظالم الناس على ظهرك لتقف بين يدي الحكم العدل لينتصف لمظلوميك منك."
وطالب الظالم برد المظالم فقال :
"فسارع إلى التوبة إلى الله، وردّ المظالم إلى أهلها-إن كانت مما يُرد- قبل أن يفجأك الموت فتقضي المظلومين من حسانتك، وتحمل من سيئاتهم.
قال رسول الله (ص): (يجيء الرجل يوم القيامة من الحسنات ما يظن أن ينجو بها، فلا يزال يقوم رجل قد ظلمه مظلمة فيؤخذ من حسناته فيعطى المظلوم، حتى لا تبقى له حسنة، ثم يجيء من قد ظلمه، ولم يبق من حسناته شيء، فيؤخذ من سيئات المظلوم فتوضع على سيئاته)
وقال رسول الله (ص): (من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) "
والأحاديث السابقة باطلة والخطأ فيها هو الأخذ من حسنات الظالم اعطائها للمظلوم ويخالف هذا أن الإنسان ليس له سوى جزاء سعيه مصداق لقوله تعالى "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى "
ثم قال مطالبا بالتوبة ونصرة المسلمين للمظلوم :
"فخفِ القصاصَ غداً إذا وفّيتَ ما ... كسبتَ يداك اليوم بالقسطاس
إن تمطلِ اليومَ الحقوقَ مع الغنى ... فغداً تؤديها مع الإفلاس
عباد الله، ومما ينبغي أن يسارع إليه الظالم التائب وغيرُه من المسلمين: نصرةُ المظلومين، ودفعُ الظلم عنهم، وإعانتهم، والتفريج عنهم؛ فقد كان من الأوامر التي أمر بها رسول الله (ص): نصرُ المظلوم
وقال عليه الصلاة والسلام: (وأعينوا المظلوم)
وقال أيضًا: (ومن مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزول الأقدام) "
واعانة الظالم تكون بتقديمه للقضاء أو قتاله كما فى الاصلاح بين المتخاصمين حتى يفىء للحق
الخطيب عبد الله العواضى والخطبة تدور حول دعوة المظلوم فتحدث عما يصيب الناس من مظالم مختلفة فلا يجدون سوى الدعاء على ظالميهم وهو قوله حيث قال :
"أيها الناس، حينما يُقتل الأبرياء، ويُقهر الضعفاء، ويتجبر الأقوياء، فلا يشتد الحزن؛ فهناك مدعوٌ، وهناك دعوة، وعندما تُسلب الحقوق، فيأخذ القويُّ حقَ الضعيف، والغنيُّ حق الفقير، وصاحب الجاه حقَ من تحته فلا أسى؛ فهناك مدعو، وهناك دعوة، ويوم تكثر دموعُ المظلومين، ويشتد أنين المكروبين؛ لفشو ظلم الظالمين، وجور الجائرين، فلا كمدَ؛ فهناك مدعو، وهناك دعوة، ولما يبلغ الضرُّ منتهاه، والضيق مَداه، فلا حَزَن؛ فهناك مدعو، وهناك دعوة.
عباد الله، نَعمْ، حينما تتكاثف هذه الليالي المدلهمّة، والأوجاع الخاصة والعامة فإنها تفتح بابَ أملٍ فسيح يخفف الحزن أو يذهبه، وترفع رأسَ الإنسان إلى السماء، وتعلّق قلبه بخالق الحياة والأحياء، ليرجوَه ويدعوه."
وتحدث الرجل عن رحمة الله بالمظلومين فقال :
"فهناك هناك يجد مدعواً يدعوه، وربّاً قادراً يرجوه. يجد مدعواً رحيمًا هو الله سبحانه وتعالى، الذي هو أرحم بالعبد من نفسه، وأرحم به من أبيه وأمه، وأرحم به من كل راحم؛ فيرحم حالَه، ويجيب سؤاله، ويعطيه نواله، رحمة به ورأفة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} ويجد المظلوم مدعواً عليمًا محيطًا علمُه بكل شيء، فيعلم ما مسّه، ويعلم مَن ظلمه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} ويجد المظلوم مدعواً خبيراً بصيراً يرى بطش من ظلمه، وجورَ من جار عليه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. ويجد المظلوم مدعواً سميعًا قريبًا مجيبًا، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
قال الشاعر:
لا تظلمنَّ إذا ما كنتَ مقتدراً ... فالظلمُ مصدُره يُفضي إليهِ الندم
تنامُ عيناكَ والمظلومُ مُنتبهٌ ... يدعوْ عليكَ وعينُ اللهِ لم تَنم
ويجد المظلوم مدعواً قويًا قادراً، عزيزاً قاهراً، سيأخذ له حقه، وينتقم له ممن ظلمه، قال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} وقال: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} ، ويجد المظلوم مدعواً حكمًا عدلاً، سينصف له، ويستوفي له حقه ممن تعدى عليه، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}
إذن كيف يحزن مظلوم له رب رحيم، سميع عليم، قدير قريب، قوي مجيب، حكم عدل، خبير بصير؟!"
بالقطع هذا الكلام عن المظلوم هو نصف الحقيقة فكما أن الله رحيم بالمظلومين فهو منتقم منهم بسبب ركونهم وهو سكوتهم على ظلم الظالمين حيث يدخلهم النار وفى هذا قال تعالى :
"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار"
وتحدث عن عقاب الظالم فقال :
"فيا ويل من يظلم إنسانًا لا يجد له ناصراً إلا الله تعالى، ويا ويل من يظلم إنسانًا لا يجد له معينًا إلا الله، ويا ويل من يظلم إنسانًا لا قوةَ له إلا بالله.
قال رسول الله (ص): (اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تُحمل على الغمام يقول الله جل جلاله: وعزتي وجلالي لأنصرنكِ ولو بعد حين)
قال الشاعر:
ألا قولوا لِمنْ قد تَقوَّى ... عَلى ضعفيْ ولم يخشَ رقيبَهْ
خبَأَتُ لهُ سهامًا في الليالي ... وأرجوْ أن تكونَ له مُصيبهْ"
ثم تحدث عن دعوة المظلوم فقال :
"أيها المسلمون، وفي خضم تلك المظالم هناك دعوة، ولكنها ليست ككل دعوة، إنها دعوة المظلوم التي تُرفع إلى الحي القيوم. إنها أقوى الأسلحة في ردع الظلم، وإهلاك الظالمين، إنها سلاح فتّاك يلاحق الظالمين إلى كل مكان كانوا فيه-مهما امتد بهم الزمن-، ولا يمكنهم ردُّه أو دفعه بأي سلاح، إن دعوة المظلوم لهبٌ حارق، ونار مضطرمة، ترمي الظالمين بشررٍ كالقصر، قال رسول الله (ص): (اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة) قال ابن القيم في بدائع الفوائد: "لا تحتقر دعاء المظلوم؛ فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك، ويحك! نبال أدعيته مصيبة، وإن تأخر الوقت، قوسه قلبُه المقروح، ووتره سواد الليل، وأستاذه صاحب:" لأنصرنك ولو بعد حين"، وقد رأيتَ، ولكن لستَ تعتبر، احذر عداوة من ينام وطرفه باكٍ يقلب وجهه في السماء، يرمي سهامًا ما لها غرض سوى الأحشاء منك".
دعوة المظلوم سفينة فضائية سريعة أسرع من الضوء، بل لا تقاس بسرعة أسرع شيء في حياتنا، هذه السفينة تنطلق حاملة أنين المكلومين، ودموع المقهورين، وتوجع المتوجعين، وآهات المتأوهين، ورجاء الآملين بمن لا يظلم عنده أحد، وبمن حرم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرمًا، الذي قال عن نفسه: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} "
قيل لعلي: " كم بين العرش والتراب؟ فقال: دعوة مظلوم مستجابة".
إنها دعوة لا تقف أمامها الأبواب، ولا تصدّها الشُرَط ولا الحُجّاب، وكلما قوي الظلم قويت ضراعة المظلوم فالتهبت دعوته فكانت أسرع نفاذاً، وأقرب قبولاً؛ لأنها اتجهت إلى باب الله، ولم تتجه إلى أبواب رؤساء الدنيا وملوكها:
وأفنيةُ الملوكِ محجَّباتٌ ... وبابُ اللهِ ليسَ لهُ فَنَاءُ"
وحكاية أن دعوة المظلوم مستجابة ليست قطعية فأى دعوة إما أن تستجاب وإما أن لا تستجاب حسب مشيئة الله كما قال تعالى :
"بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء"
فالله يستجيب للدعوات التى قضى من قبل أن تستجاب وأما التى لم يقضى باستجابتها فلا تستجاب حتى لو كانت دعوة مظلوم
وتحدث مرة أخرى عن استجابة الدعوة فقال :
"أيها الأحبة الفضلاء، إن دعوة المظلوم دعوة مستجابة مسموعة لا تُرد؛ لأنها صدرت من لسان الاضطرار، ولسان التفويض الكامل من العبد الفقير الضعيف العاجز إلى المعبود الغني القوي القادر، قال تعالى {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}
قال رسول الله (ص): (وإياك ودعوة المظلوم فإنها تستجاب) وقال عليه الصلاة والسلام: (ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم)
ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن يحيى بن خالد البرمكي-أحد وزراء بني عباس- قال له أحد بنيه -وهما في السجن والقيود-: يا أبت، بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال؟! فقال: يا بنى، دعوة مظلوم سرتْ بليلٍ ونحن عنها غافلون، ولم يغفل الله عنها! ثم أنشأ يقول:
رُبَّ قومٍ قدْ غدوا في نعمةٍ ... زمنًا والدهرُ ريَّانٌ غَدقْ
سكتَ الدهرُ زمانًا عنهمُ ... ثم أبكاهمْ دمًا حينَ نَطق! معشر المسلمين، إن دعوة المظلوم مستجابة ولو كانت من فاجر أو من كافر، قال رسول الله (ص) لمعاذ رضي الله عنه-حينما بعثه إلى أهل اليمن- وكان أهل اليمن آنذاك أهل كتاب-: (اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)
وقال عليه الصلاة والسلام: (اتقوا دعوة المظلوم -وإن كان كافرا -؛ فإنه ليس دونها حجاب)
وقال: دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه) "
وكما سبق القول الدعوة بين الاستجابة وعدمها ثم قال :
"يا أيها المظلومُ سَلِّ شَجاكا ... بُشراكَ هلَّتْ من سَما مَولاكا
وتنزّلتْ -والظلمُ يبسطُ عَسفَهُ- ... تروي غليلَك في عتوِّ صَداكا
الله أرحمُ مَنْ تلوذُ ببابِه ... والله أقربُ من يَليْ شكواكا
والله يسمعُ كلَّ حرفٍ موجَعٍ ... فاهتْ لسانُك قائلاً رُحماكا
والله يبصرُ أُفْقَكَ المنهوكَ ما ... يبدو عليه ضياؤه لأساكا
والله يعلمُ من رماك بجَورِه ... ويرى على موجِ العَنا بلواكا
وهو القديرُ المستعانُ به على ... قهرِ الذي أشجاك في نُعماكا
وهو القويُّ وذو الكمال فإن تَعُذْ ... بجنابه وبعزّه نجَّاكا
فانزعْ لباسَ الحُزْنِ والْبسْ باسمًا ... ثوبَ السرور فلن يخيب رجاكا
واقبرْ عنادَ اليأسِ وابعثْ للعلا ... رُوحَ التفاؤلِ في جسومِ مُناكا
واعلمْ بأنَّ الظلمَ يُسرعُ بالفتى ... نحوَ الهلاكِ ويحصدُ السفّاكا
فانعَمْ فإنّ اللهَ ليس بغافلٍ ... أو مُهمِلٍ ذاك الذي أشقاكا
واصبرْ فعُقبى الصبرِ تُشِرقُ بالذي ... يُطفي لهيبًا ظلَّ جُرحَ حشاكا"
وتحدث عن وقوع الظلم بين الكل وتعدد أنواعه فقال :
"أيها المسلمون، إن الظلم جريمة عظيمة، لا تقع في مجال واحد أو في جهة معينة، بل يقع مع جهات متعددة، ومجالات كثيرة، فالظلم يقع بين الأقربين، كما يقع بين الأبعدين، فيقع من الأولاد لوالديهم، ويقع بين الزوجين، ويقع بين الأقارب، وبين الجيران، وبين الأصدقاء، وبين الراعي والرعية، وبين الناس ممن ليست بينهم هذه الوشائج. فمن الأولاد من يظلم والديه بقلة بره، وكثرة عقوقه، فكم من ابن عق أباه أو أمه، وكم من بنت عقت أباها أو أمها، فصبر الوالدان، لكن لما استمر لهيب العقوق، واختفت ظلال البر، لم يجد الوالدان أو أحدهما-عند ذلك- إلا الدعاء على الابن العاق أو البنت العاقة، فتصعد دعوة مظلوم -وأيُّ مظلوم! إنه أب أو أم! - إلى السماء فتستنزل من ربها العقوبة على الأولاد الظالمين بالعقوق.
قال رسول الله (ص): (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم) "
والحديث باطل والخطأ إستجابة الله لدعاء الثلاثة ويخالف هذا أن إستجابة الله للدعاء مرهونة بما كتبه الله مسبقا ومن ثم لا تتحقق كثير من الدعوات فى هذه الليالى أو غيرها لأنها معلقة على مشيئته مصداق لقوله تعالى "فيكشف ما تدعون إليه إن شاء "كما أن الله لم يحدد وقت معين للإستجابة لدعاء الإستغفار وأما الأدعية الأخرى فيحددها فى الإستجابة ما كتبه الله فى السابق كما أن لو كان هذا القول صحيح ما احتاج المسلمون لتنفيذ أمر الله بإعداد القوة ورباط الخيل لأنهم ساعتها سينتصرون بالدعوات فى تلك الليالى وهو ما لم يحدث بدليل أننا نعيش عصر الهزائم الآن
ثم قال :
"وقد يكون الظلم بين الزوجين، فيقهر زوج زوجته القائمة بحقوق الله وحقوقه، فيمنعها ما يجب عليه من الحقوق، ويتعدى عليها بما يؤذيها، وليس لها من يردعه عن غيه، ويعيده إلى رشده، فلا تجد لها ناصراً إلا دعوة مظلوم ترفعها إلى الحي القيوم، وقد تكون الزوجة هي الظالمة لزوجها بإيذائها له، وتسلطها عليه، ومنعها حقوقه، وليس من قدرة لكبح جماح ظلمها؛ لضعفه، أو لقوتها بقرابتها، فيرفع يديه إلى السماء تحملان معهما دعوة مظلوم لم يجد من ينصف له في الأرض.
وقد يكون الظلم بين الجيران، فيظلم جارٌ قويٌ قادر جاراً ضعيفًا عاجزاً، أو يكذب عليه حتى يأخذ حقه، ويستولي عليه ظلمًا وعدوانًا، ولا مغيث لذلك الجار يرد له حقه، إلا دعوة مظلوم يرسلها إلى عَنان السماء إلى الحكم العدل سبحانه وتعالى، جاء في الصحيحين عن محمد بن عبد الله بن عمر أن أباه حدثه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أن أروى خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وإياها؛ فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: (من أخذ شبراً من الأرض بغير حقه طوقه في سبع أرضين يوم القيامة)، اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واجعل قبرها في دارها، قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها)."
والحديث باطل والخطأ فيه تطويق الله للمنتقص من سبع أرضين ويخالف هذا أن التطويق الوحيد هو التطويق بالذهب والفضة أى المبخول به مصداق لقوله "سيطوقون ما بخلوا "كما أن الأرض تبدل يوم القيامة ومن ثم لا تكون سبع أرضين مصداق لقوله تعالى "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات "
ثم أكمل الكلام عن بقية أنواع الظلم :
"أيها المسلمون، وقد يكون الظلم بين الأقارب، فرُبَّ قريبٍ يظلم أخاه، أو أخته، أو عمه، أو عمته، أو خالته، أو أولادهم، وليس للمظلوم قدرة على الانتصار، وأخذ الحق من الظالم، فتخرج عند ذلك من القلب المكلوم دعوة مظلوم، ترتفع إلى من لا يظلم عنده أحد.
إن رسولنا (ص) لم يسلم من ظلم أقاربه، فقد أخرج الحاكم في مستدركه-بسند صحيح- عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه قال: كان لهب بن أبي لهب يسب النبي (ص): فقال النبي (ص): (اللهم سلط عليه كلبك)، فخرج في قافلة يريد الشام، فنزل منزلاً فقال: إني أخاف دعوة محمد (ص)، قالوا له: كلّا، فحطوا متاعهم حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء الأسد فانتزعه فذهب به"
والحديث باطل لوجود آية معجزة وهى أكل ألأسد وهو ما سماه كلبا وكأن الكلب هو أسد وهو استهبال على القراء والسامعين وقد منع الله ألايات وهى المعجزات فى عهد النبى(ص) فقال:
" وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
ثم قال فى ظلم الراعى للرعية :
" وقد يكون الظلم بين الراعي والراعية، فقد يوجد راعٍ يحكم رعيته بالجور والعسف، وسلب الحقوق، وكثرة الإضرار بهم، ورعيةٍ يظلمون راعيهم بعدم السمع والطاعة في المعروف، أو بالطعن فيه، وإحداث الأعمال المحظورة التي تؤذيه، فعند ذلك تصعد دعوة مظلوم إلى السماء تستنزل العقوبة على الظالم راعيًا كان أو مرعيًا. ففي محنة خلق القرآن التي ابتلى بها المأمون العباسي الناسَ وثبت فيها بعض العلماء، كان على رأسهم: الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أنهما حُملا على بعير وسيرَ بهما إلى الخليفة عن أمره بذلك، وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد ... فلما اقترابا من جيش الخليفة ونزلوا بمرحلة جاء خادم -وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه- ويقول: يعز عليّ -أبا عبدالله- أن المأمون قد سلّ سيفًا لم يسله قبل ذلك، وإنه يقسم بقرابته من رسول الله (ص) لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف، قال: فجثا الإمام أحمد على ركبتيه، ورمق بطرفه إلى السماء، وقال: سيدي، غرَّ حلمُك هذا الفاجرَ حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن لم يكن القرآن كلامُك غيرَ مخلوق فاكفنا مؤنته، قال: فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل، قال: أحمد ففرحنا .
وعن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر ، فعزله واستعمل عليهم عماراً، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي؟ قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله (ص) ما أخرم عنها: أصلي صلاة العشاء فأركد في الأولين، وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجداً إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجداً لبني عبس فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة قال: أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سُئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعدُ قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن) "
وهذا الكلام من ضمن حكايات الخبل التى ابتليت بها الأمة فمن قال فى حق أحد شىء بدون إثبات فإنه يحاكم ويجلد ثمانين جلدة لكذبه خاصة أن القول كان أمام الناس فى سعد وهنا لا توجد محاكمة ولا شىء وإنما اكتفى المظلوم بالدعاء وكأن سعد وهو من علماء الإسلام لسبقه جاهل بحكم الله هو ومن سمعوا الظلم من الصحابة والتابعين
وطالب الرجل المظلوم أن يشكو إلى الله وحده فقال :
"أيها الإخوة الأفاضل، نقول لكل مظلوم: أبشر، ولكن اشكُ مظلمتك إلى الله تعالى وحده، ولا تعرض مصيبتك من ظالمك على من لا يقدر على نصرك، أما من يعين على استرجاع الحق ودفع الظلم فلا بأس."
والشكوى لله تكون بوسائل متعددة منها الدعاء ومنها الشكوى إلى القضاء وإلا فلماذا شرع الله وجود القضاة ؟
وتحدث عن الاخلاص فى الدعاء فقال :
"وعليك أن تدعو مخلصًا متضرعًا، مستمراً بلا استعجال؛ فقد يكون تأخير العقوبة على من ظلمك وظلم غيرك خيراً للمظلوم، وشراً على الظالم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، قال تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}"
وتحدث عن عدم الاعتداء فى الدعاء فقال :
"وعليك أن لا تعتدي في الدعاء على من ظلمك، فلتكن دعوتك على قدر مظلمتك.
وعليك أن لا تظلم أحداً؛ لكي تنال نصر الله لك، فهو نعم المولى، ونعم النصير لمن لم يكن من الظالمين. أيها المسلمون، نداء لكل ظالم، ونصيحة لكل غاشم، ارفع يد الظلم، واكفف عن الإيذاء لخلق الله، قبل أن تدركك دعوات المظلومين، وتحيط بك عقوبة رب العالمين، وقبل أن تغادر الدنيا حاملاً مظالم الناس على ظهرك لتقف بين يدي الحكم العدل لينتصف لمظلوميك منك."
وطالب الظالم برد المظالم فقال :
"فسارع إلى التوبة إلى الله، وردّ المظالم إلى أهلها-إن كانت مما يُرد- قبل أن يفجأك الموت فتقضي المظلومين من حسانتك، وتحمل من سيئاتهم.
قال رسول الله (ص): (يجيء الرجل يوم القيامة من الحسنات ما يظن أن ينجو بها، فلا يزال يقوم رجل قد ظلمه مظلمة فيؤخذ من حسناته فيعطى المظلوم، حتى لا تبقى له حسنة، ثم يجيء من قد ظلمه، ولم يبق من حسناته شيء، فيؤخذ من سيئات المظلوم فتوضع على سيئاته)
وقال رسول الله (ص): (من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) "
والأحاديث السابقة باطلة والخطأ فيها هو الأخذ من حسنات الظالم اعطائها للمظلوم ويخالف هذا أن الإنسان ليس له سوى جزاء سعيه مصداق لقوله تعالى "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى "
ثم قال مطالبا بالتوبة ونصرة المسلمين للمظلوم :
"فخفِ القصاصَ غداً إذا وفّيتَ ما ... كسبتَ يداك اليوم بالقسطاس
إن تمطلِ اليومَ الحقوقَ مع الغنى ... فغداً تؤديها مع الإفلاس
عباد الله، ومما ينبغي أن يسارع إليه الظالم التائب وغيرُه من المسلمين: نصرةُ المظلومين، ودفعُ الظلم عنهم، وإعانتهم، والتفريج عنهم؛ فقد كان من الأوامر التي أمر بها رسول الله (ص): نصرُ المظلوم
وقال عليه الصلاة والسلام: (وأعينوا المظلوم)
وقال أيضًا: (ومن مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزول الأقدام) "
واعانة الظالم تكون بتقديمه للقضاء أو قتاله كما فى الاصلاح بين المتخاصمين حتى يفىء للحق