رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب الإجهاض
المؤلف محمد محروس آل علاقه بند الأعظمي الطائيِّ الحنفيِّ وهو يدور حول مسألة الاجهاض وقد استغرق الحديث عن الزواج نصف الكتاب تقريبا بينما تناول فى النصف الأخر الإجهاض وقد تحدث عن سبب تأليف الكتاب فقال:
"أما بعد
فقد سألني حضرة الأخ العزيز الأستاذ شاكر العادلي النجفي ، عن أمر من الشرع رأيته به حفي ، طالبا بيان رأي علماء سادتنا الحنفية ، عليهم رضوان رب البرية ، سواء أكانوا من الأسبقين ، أم من المعاصرين ، مؤكدا على رأي هذا العاجز الفقير ، مستطلعا رأيي في هذا الأمر الخطير ، ألا وهو [ الإجهاض ] …"
وقد استهل الكتاب بالحديث عن الزواج وأن الحكمة منه التناسل فقال :
"إن الله - عز وجل - قد حث على التناسل والتكاثر ، وخاصة المسلمين منهم ، ليعمروا الكون ويعبدوا الله - عز وجل - ، ويعزروه ويوقروه ، ويذكروه بكرة وأصيلا ، وهذه هي سنة الله - عز وجل - { .. ولن تجد لسنتنا تحويلا } ، فجعل جل وعلا التناسل سبيلا لهذا بحكم القرآن وضعا ، فيقول - عز وجل - :
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا }
ويقول تعالى :
{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون }
وقد حث الإسلام وحض على الزواج في محكم الكتاب المبين ، حتى أضحى من الأمور المعلومة بالضرورة من الدين ، فلا يعذر المسلم بالجهل بها ، ولعلي أورد ـ مما يؤيد هذا بعضها ـ .. يقول تعالى :
{ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله والله واسع عليم * وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله … }.
ووسع الله - جل جلاله - فيه توسعة ظاهرة .. حتى قال - عز وجل - :
{ ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات }.
ويفهم الجواز بالإشارة من نصوص سيقت لبيان بعض الأحكام المتعلقة به ، ففي ذكر المحرمات ، إشارة إلى جواز غيرها ، ولولا وجود الإباحة ما ذكر التحريم ، وكذا العكس ، فعلمنا بإباحة النكاح طورا ، وبندبه في أحوال أخرى .. ويقول جل من قائل :
{ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا * حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم … * والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم } وشرع المهور في الأنكحة ، وكل ما ذكر فيه [ الأجر ] في خلال أحكامه ، فالمقصود به [ المهر ] ، وكذلك الإبتغاء بالمال فالمقصود به [ المهر ] أيضا .. ومن ذلك ما تقدم في الآيات السابقات ، وكذلك في قوله تعالى :
{ اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان }.
ويقول تعالى :
{ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء شيئا فكلوه هنيئا مريئا }
ويقول تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فأن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا * وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا }
وجعل عدم القدرة على دفع المهر سببا مبررأ لنكاح [ الإماء ] .. يقول تعالى :
{ ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحهون بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان … } وشرع العدد لأجل حفظ الأنساب ، مما يدلل على أن مقصود الشارع الحكيم هو الإنجاب ، مع حفظ الأنساب ..يقول تعالى :
{ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله " وشرع الطلاق ، ولعل من أسبابه الملجئة عدم القدرة على الإنجاب مثلا ..
ودعا الشارع الحكيم إلى إتيان الزوجة من الموضع المخصوص ، لأن ذلك سببا للإنجاب ، وخاصة بعد انتهاء الحيض ، ومجيء الطهر الذي هو مظنة تهيؤ المرأة للحمل ..
{ فأتوهن من حيث أمركم الله }
وإذ أباح الله الزواج وجعله سببا للإنجاب ، فالقول بتحريمه هو خلاف مقصود الشارع الحكيم ، أسوة بتحريم كل مباح .. يقول تعالى :
{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم }
فإذا كان الله - عز وجل - عاتب نبيه على تحريم المباح ، فهو في حق غيره من باب أولى ..
ونهى عن نكاح الزانيات ، خشية اختلاط النسب إلا ما كان من نفس الزاني ، أو بعد الإستبراء .. وكذا المشركات .. لاختلاف الدين ، ولعدم تحرزهن من الزنا والوقوع في الحرام مما يؤدي إلى اختلاط الأنساب .."
والخطأ هو النهى عن نكاح الزانيات فالمنهى هو نكاح الزانيات ممن العفيفيين ونكاح العفيفات من الزناة بقوله " وحرم ذلك على المؤمنين"
وأما من تاب من الزناة ومن تابت من الزانيات فيحل لهم الزواج من بعضهم مع عودتهن لحظيرة الإيمان كما قال تعالى :
"الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك"
ثم قال :
يقول تعالى :{ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه … }
وجعل للآباء منزلة ، وأوصى بهم ، ومدح من طاعهم من الأبناء ، وجعل التوارث بين الآباء والأبناء ، وبين الأزواج والزوجات ، لتبقى الوشائج ، وتتواصل الحياة , ويرغب الراغبون في الإنجاب حينما علموا بانتقال ما يملكون إلى ذراريهم وأبنائهم … والنصوص في كل هذا معروفة مشهورة .
كما جعل لهم في بداية التشريع نصيبا في ميراث الأبناء ، ثم جعله نصيبا مفروضا ، وما ذلك إلا للحض على الإنجاب ، حين يعلم الأب أن ابنه سيرثه ، ويعلم إنه هو كافله إن أحوجه الزمان لهذا .. والنصوص في كل هذا معروفة مشهورة .. فليراجعها من يبتغيها ."
وانتهى الأعظمى مما سبق إلى كون المقصود من النكاح هو الإنجاب فقال:
"فكل الأحكام المتقدمة دلت بما لا يقبل الشك ، كون المقصود من النكاح هو الإنجاب ، وما جعله الله - عز وجل - سبيلا لقضاء الشهوة فقط ، بل أودع الله - عز وجل - الشهوة في الإنسان لتكون دافعا للاقتران بين نوعي بني البشر .. فيكون ذلك سببا للإنجاب ، الذي به يعمر الكون ، وتتواصل الحياة ، ويستطيع بنو البشر التغلب على قوة عواتي الدهر ومعوقاته عن طريق التواصل والامتداد ، ولو كتب على الإنسان التقطع في التجربة والممارسة ، لغلبه الزمن و.."
وقطعا الزواج لها مقصودات عدة أولها ألا يزنى الأزواج وهو ما سماه المؤلف قضاء الشهوة ويماه الله السكن وثانيها الإنجاب وثالثها المودة والرحمة
واستهل الأعظمى موضوع الكتاب كالعادة بمعنى الإجهاض اللغوى فقال :
"من الأساسيات المتقدمة التي قررناها بعجالة تامة ، نستطيع أن نلج إلى حكم [ الإحهاض ]..
فالإجهاض : اسم من .. أجهضت الناقة والمرأة ولدها ناقص الخلق .
والمجهض : المسقطة للحمل .
والولد : مجهض وجهيض . [ مجمع البحرين / للطريحي النجفي ـ مادة جهض ] .
والإجهاض أيضا مأخوذ في اللغة من : جهض .. بمعنى غلب ، يقال :
جهض فلان فلانا .. إذا غلبه ، وجهضه عن الأمر .. غلبه عليه ونحاه عنه .
وأجهضت الحامل : ألقت ولدها لغير تمام . فيقال .. أجهضت جنينا .
وفي الحديث الشريف : { .. فأجهضت جنينها } .
وهي مجهض ومجهضة ، والولد مجهض .
وأضاف مجمع اللغة العربية معنى آخر فقال .. الإجهاض : خروج الجنين من الرحم قبل الشهر الرابع ! . [ راجع : المعجم الوسيط / إصدار مجمع اللغة العربية ـ القاهرة ط2 1392 هـ ـ 1972م .. مادة / جهض ] .
فالإجهاض : مصدر للفعل المذكور .
وهو: إلقاء المرأة أو الحيوان حمله ناقص الخلق ، أو ناقص المدة.[ معجم لغة الفقهاء ـ45]
أو : إسقاط الجنين ناقص الخلق .
و : أجهضت الحامل ، ألقت ولدها لغير التمام .
والولد : مجهض ، وجهيض .
والمرأة : مجهض وجهيض ، وجمعها .. مجاهيض ، ومجاهض . [ راجع : القاموس الفقهي لغة واصطلاحا / سعدي أبو جيب ـ 71 إلى 72 ، ط1 ـ دار الفكر 1402 ـ 1972 ] .
ولم يرد تعريف شرعي لهذه اللفظة ، فيبدو أنها لا تخرج عن المعاني اللغوية .."
وانتهى الرجل إلى أن الشرع لم يعرف الإجهاض وهو اتهام لوحى الله بالنقص مع أنه لم ينسى شىء وبين كل شىء كما قال تعالى:
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وعرف الرجل الإجهاض بكونه سقوط الحمل سقوطا عاديا أو متعمدا فقال :
"فيمكننا القول … أن لفظ [ الإجهاض ] يطلق على :
سقوط الحمل في الحيوان والإنسان ، سواء بفعل فاعل ، أم لأمر عارض
إذن … فاستعمال لفظة [ المجهض ] ، سيعني :
المرأة التي تسقط جنينها عمدا ، بنفسها أم بواسطة غيرها .
فالإجهاض هو : ذات السقوط .. عمدا أم عرضا ، فكأنهم أطلقوا العام وأرادوا به الخاص ، وإلا كان الكلام عما ليس من فعلها ، وقد يؤدي إلى الالتباس .
نعم … إذا فعلت ما يؤدي إلى الإسقاط ، دون مباشرة ذات الإسقاط ، قد تكون متسببة لا مباشرة للفعل ، وإذن تختلف المؤاخذة حينئذ ."
وتحدث الأعظمى عما جاء فى نصوص المذهب الحنيفى فى الموضوع فنقل التالى :
وبالنسبة للسادة الحنفية عليهم رضوان رب البرية ، فإننا نجد عندهم من النصوص المذهبية ، الآتي :
1. ورد في متن القدوري ـ وهو أحد المتون الأربعة المعتمدة في المذهب ـ ما يأتي :
[ ويعزل عن أمته بغير إذنها ، ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها ]
راجع : متن القدوري ـ كتاب الحظر والإباحة / 118 ، طبعة البابي الحلبي 1377 .
2 . ورد في هداية المهتدي شرح بداية المبتدي لشيخ الإسلام برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني [ ت سنة 593 هـ ] .. ما يأتي :
[ ويعزل عن أمته بغير إذنها ، ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها ـ وهذه عبارة القدوري البغدادي المتقدمة ـ … لأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها . وقال لمولى أمة : اعزل عنها إن شئت . ولأن الوطء حق الحرة قضاء للشهوة ، وتحصيلا للولد ، ولهذا تخير في الجب والعنة . ولا حق للأمة في الوطء ، فلهذا لا ينقص حق الحرة بغير إذنها ، ويستبد به المولى … ] . الهداية مع فتح القدير ـ / .
3. رفي متن المختار للفتوى ـ وهو أحد المتون الأربعة المعتمدة في المذهب ـ ، لأبي الفضل مجد الدين عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي .. الآتي :
[ ويعزل عن أمته بغير إذنها ، وعن زوجته بإذنها ] المختار للفتوى ـ 4 / 163 .
وقال في شرحه :
[ لأن للزوجة حقا في الوطء لقضاء الشهوة ، وتحصيل الولد ، حتى يثبت لها الخيار في .. الجب والعنة ، ولا حق للأمة.
وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العزل عن الحرة إلا بإذنها ، وقال لمولى الأمة :
{ إعزل عنها إن شئت } ] الإختيار ـ 4 / 163 ."
وكل ما سبق من النصوص التى نقلها الأعظمى لا علاقة له بمسألة الإجهاض وإنما يتحدث عن عملية العزل
ثم نقل التالى فى المسألة :
"وفي الاختيار شرح المختار ـ المتقدم ذكره ـ :
[ إمرأة عالجت في إسقاط ولدها لا تأثم ما لم يستبن شيء من خلقه ] الإختيار ـ 4 / 168
وفيه :
[ إمرأة حامل اعترض الولد في بطنها ولا يمكن إخراجه إلا بأن يقطع ، ويخاف على الأم .. إن كان ميتا لا بأس به ، وإن كان حيا لا يجوز .
إمرأة ماتت وهي حامل فاضطرب الولد في بطنها ، فإن كان أكبر الرأي أنه حي ، فيشق بطنها من الجانب الأيسر ، لأنه تسبيب إلى إحياء نفس محترمة ] الإختيار ـ 4 / 167 .
4. وفي الفتاوى الهندية ـ المعروفة بالعالم كيرية ـ 5 / 355 و 356 ورد الآتي : [ لا ينبغي للحامل أن تحتجم ، ولا تفتصد ، ما لم يتحرك الولد ، فإذا تحرك جاز ، ما لم تقرب الولادة ، محافظة على الولد ، إلا إذا لحقها بتركه ضرر بين .. كذا في القنية ] .
وفيها : [ إمرأة أتى على حملها شهر فأرادت إلقاء العلق على الظهر ، لأجل الدم . تسأل أهل الطب ، فإن قالوا يضر بالحمل لا تفعل .. كذا في الكبرى ] .
وفيها : [ وإن شربت المرأة دواء لتصح نفسها ـ وهي حامل ـ فلا بأس بذلك ، وهو أولى. وإن سقط الولد حيا أو ميتا فلا شيء عليها .. كذا في الينابيع ] .
وفيها : [ وإن أسقطت بعدما استبان خلقه ، وجبت الغرة .. كذا في فتاوى قاضيخان ] .
وفيها : [ العلاج لإسقاط الولد ان استبان خلقه ، كالشعر والظفر ونحوهما لا يجوز . وإن كان غير مستبين الخلق يجوز ، وفي زماننا يجوز على كل حال ، وعليه الفتوى .. كذا في جواهر الأخلاطي ] .
وفيها : [ وفي اليتيمة .. سألت علي بن أحمد عن إسقاط الولد قبل أن يصور فقال .. أما في الحرة ، فلا يجوز قولا واحدا ، أما في الأمة فقد اختلفوا فيه ، والصحيح هو المنع ..كذا في التتارخانية ] .
وفيها : [ امرأة مرضعة ظهر بها حبل وانقطع لبنها وتخاف على ولدها الهلاك ، وليس لأبي هذا الولد سعة حتى يستأجر الظئر ، يباح لها أن تعالج في استنزال الدم ما دام نطفة ، أو مضغة ، أو علقة لم يخلق له عضو ، وخلقه لا يستبين إلا بعد مائة وعشرين يوما ، أربعون نطفة ، وأربعون علقة ، وأربعون مضغة … كذا في خزائن المفتين ، وهكذا في فتاوى قاضيخان ] ."
وبعد أن نقل تلك النصوص القليلة فى المسألة عاد لنقل نصوص العزل فقال :
"5. ونقل صاحب الدرر المباحة في الحظر والإباحة الشيخ خليل بن عبد القادر الشيباني الشهير بالنحلاوي الشامي [ ت 1350 هـ ] ، وذلك عن الهدية العلائية ما يأتي :
[ ويحرم الترهب وهو الاعتزال عن النساء ، وتحريم غشيانهن ] ـ 30 .
ونقل عنها أيضا في الصفحة 31 ما يأتي :
[ وجاز عزله عن أمته بغير إذنها ، وعن زوجته بإذنها وجاز لها سد فم رحمها لئلا تحبل إن بإذنه ، وإلا لا يجوز ويكره لها أن تشرب دواء لإسقاط حملها قبل التصور وبعده ، إلا لعذر كالمرضعة إذا ظهر بها الحمل ، وانقطع لبنها وليس لأبي الصبي ما يستأجر به المرضعة ، ويخاف هلاك الولد ، ما دام الحمل مضغة ، أو علقة ، ولم يخلق له عضو ] "
ولخص الرجل ما قيل فى الإجهاض فقال :
"تلخيص الرأي الفقهي عند المتقدمين :
يفهم مما تقدم ، أن إجمال ما تقدم .. هو الآتي :
العزل قبل الحمل ، جائز في المذهب ، قولا واحدا بلا خلاف بين أئمته .
العزل في الحرة يكون بإذنها .
العزل في الأمة يجوز أن يكون بغير إذنها .
ويفهم مما تقدم .. جواز اتخاذ أية وسيلة تؤدي إلى عدم اختلاط النطف في الأرحام ، كسد الرحم ، واتخاذ الحائل الذي يحول دون دخول المني إلى الرحم بعد الإراقة ، وهو الكيس الذي تدخل فيه آلة الرجل تحقيقا لما ذكر .. وشبههما ، بشرط عدم الأذى له أو لها ، والقول فيه لهما ، أو للمتأذي منهما ، أو للطبيب الحاذق ."
وهذا الكلام عن كون العزل إجهاض يتناقض مع تعريفه للإجهاض بكونه سقوط الحمل ففى العزل لا يوجد عمل أو مظنة حمل ثم قال :
"الإسقاط قبل التخليق ، جائز مع الكراهة ، بإجماع أئمة المذهب
والإسقاط بعد التخليق ، مكروه إلا لضرورة ، كحفظ حياتها ، أو حياة رضيعها إذا خيف انقطاع اللبن ، والطفل لا يأخذ غير ثدي أمه . إذ حفظ المتيقن أوجب من حفظ المحتمل ، فالجنين قد يعتريه الإسقاط ، أو الموت في البطن أو عند الولادة ."
وفى الفقرة السابقة تحدث عن مسألتين :
الأولى اسقاط الحمل فى الشهور الثلاث ألأولى قبل التخليق ونقل جوازه مع الكراهة وهى من ألفاظ الفقهاء التى تعارض كتاب الله فالمكروه محرم لكونه سيئة كما قال تعالى :
"كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها "
الثانية الاسقاط بعد التخليق فى الشهور الست المتبقية وهو محرك إلا لضرورة الحفاظ على حياة الأم أو رضيع أخر
وتحدث عن أدلة الكلام فقال :
"ومجمل استدلالاتهم .. هي :
أ. قول الصحابة الكرام - رضي الله عنه - : [ كنا نعزل والقرآن ينزل ] .
قلت : ووجه الاستدلال : إن العزل لو لم يكن مباحا لأنزل الله - عز وجل - قرآنا بمنعه .. فالله - عز وجل - يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فالدواعي للبيان متوافرة .. وهي فترة التشريع للأحكام ، وضرورة بيان حكم الله - عز وجل - في كل ما يعرض لهم آنيا .
والعوارض منتفية .. إذ الله - عز وجل - لا يؤخر حكما دعت الوقائع لبيانه ، خصوصا في فترة التشريع لا في فترة تثبيت العقيدة والإيمان . وكذلك علمه - جل جلاله - اليقيني لما يحدث ، حتى ولو لم يصرحوا بما يفعلون .
أ رأيت .. نزول الإذن منه - عز وجل - بمباشرة النساء بعد الإفطار وحتى الفجر ، بعد أن علم - جل جلاله - أنهم يفعلونه ولا يمسكون أنفسهم عنه .. يقول تعالى في البقرة / 187 :
{ أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كمتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل .. }
ونستطيع أن نستنتج من ذلك قاعدة هي : [ كل ما علم لأربابه ، أو كان بوسعهم العلم به ، وسكتوا .. كان ذلك رضا منهم ، ما لم تحل الحوائل دون ذلك ] .
ب.إذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعزل عن الأمة ولو من غير إذنها ـ وقد تقدم ـ ، ويفهم منه اشتراط الإذن في الحرة ، بل نقل عنه - صلى الله عليه وسلم - التصريح بعدم العزل عن الحرة إلا بإذنها ـ وقد تقدم ـ ."
وما سبق لا يوجد فيه أى دليل فى الإجهاض فالعزل كما سبق القول ليس إجهاضا حسب تعريف الأعظمى للإجهاض بكونه سقوط الحمل وركز مرة ثالثة على موضوع العزل فقال :
"ما نراه في المسألة:
1. العزل ، وما يؤدي دوره في عدم اختلاط النطف في الأرحام ، جائز .. بشروط :
عدم حصول الضرر ـ كما تقدم بيانه ـ ، ومن أشده الموانع التي يمارسها الشباب أول زواجهم ، طمعا بقضاء أطول مدة من أوقات التمتع المشروع من غير تنغيص الأطفال .. والحمل .. والنفقات اللاحقة .. الخ والحقيقة أن التجربة المتكررة أثبتت أن هذا مما يؤدي إلى الضرر البليغ ، لكون الدوافع للحمل في المرأة في أشد حالات التهيؤ والاستعداد لذلك ، فمعارضتها بكوابح وكوابت ، معارض للغريزة الإنسانية ، فذلك التدافع يؤذي المرأة أشد الإيذاء ، وغالبا ما يؤدي إلى الإسقاط المتكرر بعدئذ عند إرادة الزوجين الحصول على الولد ، وقد لا يستطيع رحم الكثيرات تحمل أعباء الحمل نهائيا ، وفي ذلك أشد أنواع الضرر الخاص بهما ، والضرر العام بحرمان الأمة من نسلهما ، إذ قد يخرج الله - عز وجل - من نسلهما من يعبده ، ومن فيه نفع للدين المبين .. فليحذر ذلك المتزوجون الجدد ..
بل / أستطيع القول بالحرمة بحق أمثال من ذكرنا ، فأصل الجواز مشروط بعدم الضرر ،
لما عرف ذلك من أحكام الشرع الشريف ، وفروعه الكثيرة ، ولعل قول الطبيب في تجويزه لأمثالهما لا يقبل في هذه الحالة ، لمخالفته للظاهر ، و [ لا عبرة بالظن البين خطؤه ] ـ قاعدة فقهية كلية ـ .
ب. ألا يؤدي ذلك إلى تقليل أفراد الأمة وقت الحاجة إلى كثرة النسل ، وتحدد الحاجة بحسب كل زمن ، وبحسب كل بقعة .. والأمر تقديري بحت
2. كل ما يؤدي دور العزل ـ من أساليب منع الحمل ـ جائز بالشروط المتقدمة ."
والعزل هو ما يسمى حاليا تحديد النسل وحكمه أنه مرتبط بوجود مدة بين الطفل والطفل حوالى ثلاث سنوات فسنة للحمل مع كونه تسعة أشهر أو يزيد أياما قليلة وسنتين للرضاعة كما قال تعالى :
" والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"
وتحدث عن الإجهاض فقال :
3. جواز الإسقاط [ الإجهاض ] بعد العلوق ، وفي أية مرحلة من مراحل الحمل ، إذا :
أ. أدى إلى ضرر بالأم ، بحيث يخشى عليها الهلاك ، أو ما يشابهه من .. شدة المرض المؤدي إلى حال مستديمة من الأذى ـ وهو أشبه بالموت ـ ، وبه سيتضرر المولود نفسه ، فالضرر ضرران ، مع أن الضرر الواحد مدفوع بحكم الشرع ، [ فالضرر يزال ] ، وهو نوع ضرورة [ والضرورة تقدر بقدرها ] . والقول في كل ما تقدم إلى : الطبيب ، المسلم ، العدل ، غير المجرب بالتعجل ، أو التساهل ووجهه / .. أن [ حفظ المتيقن أولى من حفظ المحتمل ] ، وهذه نستطيع عدها قاعدة كلية تستفاد من مجمل أحكام الشرع ، بل إن قواعد الضرر تومئ إليها ، أ ليس [ إذا تعارضت مفسدتان روعيت أعظمهما ضررا ، ويزال الضرر الأشد بتحمل الأخف ] ، و [ درء المفاسد مقدم على جلب المنافع ] ، وخوف الهلاك مفسدة ـ بلا خلاف ـ ، وحياة الأم يقينية ، وحياة الجنين احتمالية ، فلا نترك المتيقن بالمحتمل .. فافقه هذا وشبهه هدانا الله - عز وجل - وإياك .
ب. إذا كان الحمل يؤدي إلى انقطاع لبن الأم المرضع ، ولم يكن للأب ما يستطيع به استئجار ظئر ، أو الحصول على ما تقوم به حياة الرضيع .. وعدم الحصول بانعدام القدرة المالية ، وبانعدام الشيء المقيم لحياة الرضيع ، من حليب مجفف أو شبهه .
ج. وقد يلحق بهذين الحالين ، حالة جزم الطب بوسائله الحديثة المبنية على الظن الغالب المتاخم لليقين ـ وبه تجرى الأحكام وعليه تبنى ـ ، بأن المولود سيكون ذا عوق شديد يسبب له الأذى الدائم ، بحيث لا يجني من حياته غير البؤس والشقاء ، لمرض ملازم غير طارئ ، لا يمكن تلافيه لا قبل الولادة ولا بعدها بحسب الوسائل المتيسرة ، مع ملاحظة المستقبل المنظور الداخل في تقدير الخبراء من احتمالات الوصول إلى بلسم شاف ، أو دواء كاف ، أو جراحة ناجحة ناجعة .. والأمر متروك تقديره لأولي الخبرة غير المتهمين ، من العدول المسلمين ، المشهود لهم بالخبرة الفائقة … وقد يقبل رأي الكافر غير المتهم بإيذاء المؤمنين ، أو المشهورين بكرههم لزيادة عدد المؤمنين ، وسواء أكان الطبيب في بلاد المسلمين وهو من المشهود لهم بما ذكر ، أم في بلاد الكفر .. بل الجواز في تلك البلاد أظهر لاشتهارهم بالقدرة الفائقة ، وتوفر الوسائل المساعدة .. والله أعلم ."
مما سبق نجد الأعظمى يجيز الإجهاض فى ثلاث حالات :
1- الحفاظ على حياة الأم
2- الحفاظ على حياة الرضيع
3- القضاء على الجنين المشوه
والإجهاض للجنين المشوه أى المعوق لا يجوز فكثير من حالات الإعاقة لا تظهر فى تصوير الأجنة فى رحم ألأم والكثير من الإعاقات لا تظهر إلا بعد الولادة كالصمم والخرس والعمى وكذلك الاعاقات العقلية أو النفسية وقد حرم الله قتل الإنسان إلا بسببين وهما :
قتل المقتول لإنسان أخر
الفساد فى الأرض
وفى هذا قال تعالى :
" من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا"
وكثير من الأجنة المشوهة تموت فور ولادتها أو بعدها بأيام ولا يتبقى سوى القليل وهو من ضمن الابتلاء بالشر الذى قال الله قفيه:
" ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
وتحدث عن حرمة الإجهاض فى غير الثلاث حالات فقال :
4. في ما عدا ما ذكر .. فلا أرى جواز الإسقاط بعد العلوق بحال من الأحوال ، أي بعد أن تكون النطفة أمشاجا ـ مختلطة ـ ، سواء بعد التخليق ـ أي : استبانة الأعضاء في الرحم ـ المحدد بأربعة أشهر ، أم دون ذلك من المدد ولو بعد يوم واحد من العلوق.. وذلك:
أ. إن أصل خلق الإنسان في الأرحام هو من اختلاط النطف ـ وهما ماء الرجل وماء المرأة ـ ، فتكون النطفة نطفة واحدة أمشاجا ـ أي : مختلطة ـ ، بدليل قوله تعالى :
{ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا } الإنسان /2 .
وقوله تعالى :
{ أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين }
وقوله تعالى :
{ قتل الإنسان ما أكفره * من أي شيء خلقه * من نطفة خلقه فقدره }
وقوله تعالى : { .. فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة .. }
ومجمل الاستدلال .. هو أن الله - عز وجل - من على المؤمنين بخلقهم من : نطفة أمشاج . إذن هي أصل الخلق ، فبعد بدء الخلق لا أرى وجها لمضاددة إرادة الله - عز وجل - ـ إلا ما أجزناه لضرورة وكما تقدم ـ .
والخلق في بطون الأمهات يكون في مراحل .. خلقا بعد خلق ، يقول تعالى :
{ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا بعد خلق في ظلمات ثلاث .. }
وأصل الخلق هو من الماء الدافق للزوجين ، وذلك بمجرد التقائهما .. يقول تعالى :
{ فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب } بل الأبعد مما ذكر ، مما نستطيع أن نستند إليه .. هو قوله تعالى :
{ أ رأيتم ما تمنون أ أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون }
فالله - عز وجل - أضاف خلق [ المني ] إلى نفسه ، لبيان أهميته في التناسل ، فهو الخالق له ، قبل أن يجعل سببا لخلق الإنسان في بطن أمه .. فعملية الخلق تبدأ به قبل اختلاطه بماء المرأة .. .
إن جواز منع الحمل قبل الاختلاط ، فهو شبه المراق في الأحلام ، أو بعد معالجة من صاحبه لكسر حدة الشهوة لأجل عدم الوقوع في الحرام ، وبغير هذا لا تجوز ، ولا قائل بإثم المحتلم ، مع الخلاف والتفصيل في المعالجة باليد ، وقد أشرنا إلى شرط الجواز توا .
ب. إن استقرار الحمل في الأرحام هو بفعل الله - عز وجل - تصريحا وعلى وجه الخصوص ، وإن كان كل ما يفعل الإنسان مخلوقا له { .. والله خلقكم وما تعملون } فكل ما تقدم عام ، لكن ما ذكر تخصيصا فهو لمزيد الاعتناء به ، أو لبيان أهميته … ومثاله من قول الله - عز وجل -
{ والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا .. }
وقوله تعالى :
{ ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى .. }
فإضافته - جل جلاله - الفعل لنفسه ، هو شبيه قوله تعالى :
{ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء .. }
وهو شبيه قوله تعالى أيضا :
{ … قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم … }.
وهذا اعتبر علماؤنا هذا من مزيد الاهتمام منه - عز وجل - بهذا الأمر ، حتى قالوا : إن الاشتغال بعقد النكاح أولى من الاشتغال بالعبادة النافلة ، لأن لهذا العقد وجه تعبدي حين أضافه الله - عز وجل - لنفسه ومن ذلك قوله تعالى :
{ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما .. }.وذاك مثل هذا .. بعلة الإضافة لذات الله - عز وجل - تخصيصا ، وليس على سبيل التعميم .. فافهم ."
وهناك حالة أخرى ينبغى فيها إجهاض الجنين وهى حالات اغتصاب المرأة وهى على أحوال :
الأول : اغتصاب البكر ويجب فيها الإجهاض وجوبا لتسبب ذلك فى مشاكل كبرى لها قد تؤدى لانتحارها وغير الإجهاض يجب فى تلك الحالة تركيب غشاء بكارة جديد
الثانى اغتصاب المتزوجة وهنا الحمل لا يمكن معرفة صاحبه ومن ثم يجل التخلص من الحمل خوفا من قتل الأم أو الزوج له وخوفا من أن يرث من لا يحق لهم وراثته
الثالث اغتصاب مطلقة أو أرملة ويجب فيه الإجهاض لتسببه أيضا فى مشاكل
وهذا من باب قوله تعالى :
" وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
وفى قضايا الاغتصاب لا يحدث ذلك إلا بعد ثبوت الاغتصاب وقتل المغتصب
المؤلف محمد محروس آل علاقه بند الأعظمي الطائيِّ الحنفيِّ وهو يدور حول مسألة الاجهاض وقد استغرق الحديث عن الزواج نصف الكتاب تقريبا بينما تناول فى النصف الأخر الإجهاض وقد تحدث عن سبب تأليف الكتاب فقال:
"أما بعد
فقد سألني حضرة الأخ العزيز الأستاذ شاكر العادلي النجفي ، عن أمر من الشرع رأيته به حفي ، طالبا بيان رأي علماء سادتنا الحنفية ، عليهم رضوان رب البرية ، سواء أكانوا من الأسبقين ، أم من المعاصرين ، مؤكدا على رأي هذا العاجز الفقير ، مستطلعا رأيي في هذا الأمر الخطير ، ألا وهو [ الإجهاض ] …"
وقد استهل الكتاب بالحديث عن الزواج وأن الحكمة منه التناسل فقال :
"إن الله - عز وجل - قد حث على التناسل والتكاثر ، وخاصة المسلمين منهم ، ليعمروا الكون ويعبدوا الله - عز وجل - ، ويعزروه ويوقروه ، ويذكروه بكرة وأصيلا ، وهذه هي سنة الله - عز وجل - { .. ولن تجد لسنتنا تحويلا } ، فجعل جل وعلا التناسل سبيلا لهذا بحكم القرآن وضعا ، فيقول - عز وجل - :
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا }
ويقول تعالى :
{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون }
وقد حث الإسلام وحض على الزواج في محكم الكتاب المبين ، حتى أضحى من الأمور المعلومة بالضرورة من الدين ، فلا يعذر المسلم بالجهل بها ، ولعلي أورد ـ مما يؤيد هذا بعضها ـ .. يقول تعالى :
{ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله والله واسع عليم * وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله … }.
ووسع الله - جل جلاله - فيه توسعة ظاهرة .. حتى قال - عز وجل - :
{ ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات }.
ويفهم الجواز بالإشارة من نصوص سيقت لبيان بعض الأحكام المتعلقة به ، ففي ذكر المحرمات ، إشارة إلى جواز غيرها ، ولولا وجود الإباحة ما ذكر التحريم ، وكذا العكس ، فعلمنا بإباحة النكاح طورا ، وبندبه في أحوال أخرى .. ويقول جل من قائل :
{ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا * حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم … * والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم } وشرع المهور في الأنكحة ، وكل ما ذكر فيه [ الأجر ] في خلال أحكامه ، فالمقصود به [ المهر ] ، وكذلك الإبتغاء بالمال فالمقصود به [ المهر ] أيضا .. ومن ذلك ما تقدم في الآيات السابقات ، وكذلك في قوله تعالى :
{ اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان }.
ويقول تعالى :
{ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء شيئا فكلوه هنيئا مريئا }
ويقول تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فأن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا * وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا }
وجعل عدم القدرة على دفع المهر سببا مبررأ لنكاح [ الإماء ] .. يقول تعالى :
{ ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحهون بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان … } وشرع العدد لأجل حفظ الأنساب ، مما يدلل على أن مقصود الشارع الحكيم هو الإنجاب ، مع حفظ الأنساب ..يقول تعالى :
{ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله " وشرع الطلاق ، ولعل من أسبابه الملجئة عدم القدرة على الإنجاب مثلا ..
ودعا الشارع الحكيم إلى إتيان الزوجة من الموضع المخصوص ، لأن ذلك سببا للإنجاب ، وخاصة بعد انتهاء الحيض ، ومجيء الطهر الذي هو مظنة تهيؤ المرأة للحمل ..
{ فأتوهن من حيث أمركم الله }
وإذ أباح الله الزواج وجعله سببا للإنجاب ، فالقول بتحريمه هو خلاف مقصود الشارع الحكيم ، أسوة بتحريم كل مباح .. يقول تعالى :
{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم }
فإذا كان الله - عز وجل - عاتب نبيه على تحريم المباح ، فهو في حق غيره من باب أولى ..
ونهى عن نكاح الزانيات ، خشية اختلاط النسب إلا ما كان من نفس الزاني ، أو بعد الإستبراء .. وكذا المشركات .. لاختلاف الدين ، ولعدم تحرزهن من الزنا والوقوع في الحرام مما يؤدي إلى اختلاط الأنساب .."
والخطأ هو النهى عن نكاح الزانيات فالمنهى هو نكاح الزانيات ممن العفيفيين ونكاح العفيفات من الزناة بقوله " وحرم ذلك على المؤمنين"
وأما من تاب من الزناة ومن تابت من الزانيات فيحل لهم الزواج من بعضهم مع عودتهن لحظيرة الإيمان كما قال تعالى :
"الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك"
ثم قال :
يقول تعالى :{ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه … }
وجعل للآباء منزلة ، وأوصى بهم ، ومدح من طاعهم من الأبناء ، وجعل التوارث بين الآباء والأبناء ، وبين الأزواج والزوجات ، لتبقى الوشائج ، وتتواصل الحياة , ويرغب الراغبون في الإنجاب حينما علموا بانتقال ما يملكون إلى ذراريهم وأبنائهم … والنصوص في كل هذا معروفة مشهورة .
كما جعل لهم في بداية التشريع نصيبا في ميراث الأبناء ، ثم جعله نصيبا مفروضا ، وما ذلك إلا للحض على الإنجاب ، حين يعلم الأب أن ابنه سيرثه ، ويعلم إنه هو كافله إن أحوجه الزمان لهذا .. والنصوص في كل هذا معروفة مشهورة .. فليراجعها من يبتغيها ."
وانتهى الأعظمى مما سبق إلى كون المقصود من النكاح هو الإنجاب فقال:
"فكل الأحكام المتقدمة دلت بما لا يقبل الشك ، كون المقصود من النكاح هو الإنجاب ، وما جعله الله - عز وجل - سبيلا لقضاء الشهوة فقط ، بل أودع الله - عز وجل - الشهوة في الإنسان لتكون دافعا للاقتران بين نوعي بني البشر .. فيكون ذلك سببا للإنجاب ، الذي به يعمر الكون ، وتتواصل الحياة ، ويستطيع بنو البشر التغلب على قوة عواتي الدهر ومعوقاته عن طريق التواصل والامتداد ، ولو كتب على الإنسان التقطع في التجربة والممارسة ، لغلبه الزمن و.."
وقطعا الزواج لها مقصودات عدة أولها ألا يزنى الأزواج وهو ما سماه المؤلف قضاء الشهوة ويماه الله السكن وثانيها الإنجاب وثالثها المودة والرحمة
واستهل الأعظمى موضوع الكتاب كالعادة بمعنى الإجهاض اللغوى فقال :
"من الأساسيات المتقدمة التي قررناها بعجالة تامة ، نستطيع أن نلج إلى حكم [ الإحهاض ]..
فالإجهاض : اسم من .. أجهضت الناقة والمرأة ولدها ناقص الخلق .
والمجهض : المسقطة للحمل .
والولد : مجهض وجهيض . [ مجمع البحرين / للطريحي النجفي ـ مادة جهض ] .
والإجهاض أيضا مأخوذ في اللغة من : جهض .. بمعنى غلب ، يقال :
جهض فلان فلانا .. إذا غلبه ، وجهضه عن الأمر .. غلبه عليه ونحاه عنه .
وأجهضت الحامل : ألقت ولدها لغير تمام . فيقال .. أجهضت جنينا .
وفي الحديث الشريف : { .. فأجهضت جنينها } .
وهي مجهض ومجهضة ، والولد مجهض .
وأضاف مجمع اللغة العربية معنى آخر فقال .. الإجهاض : خروج الجنين من الرحم قبل الشهر الرابع ! . [ راجع : المعجم الوسيط / إصدار مجمع اللغة العربية ـ القاهرة ط2 1392 هـ ـ 1972م .. مادة / جهض ] .
فالإجهاض : مصدر للفعل المذكور .
وهو: إلقاء المرأة أو الحيوان حمله ناقص الخلق ، أو ناقص المدة.[ معجم لغة الفقهاء ـ45]
أو : إسقاط الجنين ناقص الخلق .
و : أجهضت الحامل ، ألقت ولدها لغير التمام .
والولد : مجهض ، وجهيض .
والمرأة : مجهض وجهيض ، وجمعها .. مجاهيض ، ومجاهض . [ راجع : القاموس الفقهي لغة واصطلاحا / سعدي أبو جيب ـ 71 إلى 72 ، ط1 ـ دار الفكر 1402 ـ 1972 ] .
ولم يرد تعريف شرعي لهذه اللفظة ، فيبدو أنها لا تخرج عن المعاني اللغوية .."
وانتهى الرجل إلى أن الشرع لم يعرف الإجهاض وهو اتهام لوحى الله بالنقص مع أنه لم ينسى شىء وبين كل شىء كما قال تعالى:
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
وعرف الرجل الإجهاض بكونه سقوط الحمل سقوطا عاديا أو متعمدا فقال :
"فيمكننا القول … أن لفظ [ الإجهاض ] يطلق على :
سقوط الحمل في الحيوان والإنسان ، سواء بفعل فاعل ، أم لأمر عارض
إذن … فاستعمال لفظة [ المجهض ] ، سيعني :
المرأة التي تسقط جنينها عمدا ، بنفسها أم بواسطة غيرها .
فالإجهاض هو : ذات السقوط .. عمدا أم عرضا ، فكأنهم أطلقوا العام وأرادوا به الخاص ، وإلا كان الكلام عما ليس من فعلها ، وقد يؤدي إلى الالتباس .
نعم … إذا فعلت ما يؤدي إلى الإسقاط ، دون مباشرة ذات الإسقاط ، قد تكون متسببة لا مباشرة للفعل ، وإذن تختلف المؤاخذة حينئذ ."
وتحدث الأعظمى عما جاء فى نصوص المذهب الحنيفى فى الموضوع فنقل التالى :
وبالنسبة للسادة الحنفية عليهم رضوان رب البرية ، فإننا نجد عندهم من النصوص المذهبية ، الآتي :
1. ورد في متن القدوري ـ وهو أحد المتون الأربعة المعتمدة في المذهب ـ ما يأتي :
[ ويعزل عن أمته بغير إذنها ، ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها ]
راجع : متن القدوري ـ كتاب الحظر والإباحة / 118 ، طبعة البابي الحلبي 1377 .
2 . ورد في هداية المهتدي شرح بداية المبتدي لشيخ الإسلام برهان الدين علي بن أبي بكر المرغيناني [ ت سنة 593 هـ ] .. ما يأتي :
[ ويعزل عن أمته بغير إذنها ، ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها ـ وهذه عبارة القدوري البغدادي المتقدمة ـ … لأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها . وقال لمولى أمة : اعزل عنها إن شئت . ولأن الوطء حق الحرة قضاء للشهوة ، وتحصيلا للولد ، ولهذا تخير في الجب والعنة . ولا حق للأمة في الوطء ، فلهذا لا ينقص حق الحرة بغير إذنها ، ويستبد به المولى … ] . الهداية مع فتح القدير ـ / .
3. رفي متن المختار للفتوى ـ وهو أحد المتون الأربعة المعتمدة في المذهب ـ ، لأبي الفضل مجد الدين عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي .. الآتي :
[ ويعزل عن أمته بغير إذنها ، وعن زوجته بإذنها ] المختار للفتوى ـ 4 / 163 .
وقال في شرحه :
[ لأن للزوجة حقا في الوطء لقضاء الشهوة ، وتحصيل الولد ، حتى يثبت لها الخيار في .. الجب والعنة ، ولا حق للأمة.
وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العزل عن الحرة إلا بإذنها ، وقال لمولى الأمة :
{ إعزل عنها إن شئت } ] الإختيار ـ 4 / 163 ."
وكل ما سبق من النصوص التى نقلها الأعظمى لا علاقة له بمسألة الإجهاض وإنما يتحدث عن عملية العزل
ثم نقل التالى فى المسألة :
"وفي الاختيار شرح المختار ـ المتقدم ذكره ـ :
[ إمرأة عالجت في إسقاط ولدها لا تأثم ما لم يستبن شيء من خلقه ] الإختيار ـ 4 / 168
وفيه :
[ إمرأة حامل اعترض الولد في بطنها ولا يمكن إخراجه إلا بأن يقطع ، ويخاف على الأم .. إن كان ميتا لا بأس به ، وإن كان حيا لا يجوز .
إمرأة ماتت وهي حامل فاضطرب الولد في بطنها ، فإن كان أكبر الرأي أنه حي ، فيشق بطنها من الجانب الأيسر ، لأنه تسبيب إلى إحياء نفس محترمة ] الإختيار ـ 4 / 167 .
4. وفي الفتاوى الهندية ـ المعروفة بالعالم كيرية ـ 5 / 355 و 356 ورد الآتي : [ لا ينبغي للحامل أن تحتجم ، ولا تفتصد ، ما لم يتحرك الولد ، فإذا تحرك جاز ، ما لم تقرب الولادة ، محافظة على الولد ، إلا إذا لحقها بتركه ضرر بين .. كذا في القنية ] .
وفيها : [ إمرأة أتى على حملها شهر فأرادت إلقاء العلق على الظهر ، لأجل الدم . تسأل أهل الطب ، فإن قالوا يضر بالحمل لا تفعل .. كذا في الكبرى ] .
وفيها : [ وإن شربت المرأة دواء لتصح نفسها ـ وهي حامل ـ فلا بأس بذلك ، وهو أولى. وإن سقط الولد حيا أو ميتا فلا شيء عليها .. كذا في الينابيع ] .
وفيها : [ وإن أسقطت بعدما استبان خلقه ، وجبت الغرة .. كذا في فتاوى قاضيخان ] .
وفيها : [ العلاج لإسقاط الولد ان استبان خلقه ، كالشعر والظفر ونحوهما لا يجوز . وإن كان غير مستبين الخلق يجوز ، وفي زماننا يجوز على كل حال ، وعليه الفتوى .. كذا في جواهر الأخلاطي ] .
وفيها : [ وفي اليتيمة .. سألت علي بن أحمد عن إسقاط الولد قبل أن يصور فقال .. أما في الحرة ، فلا يجوز قولا واحدا ، أما في الأمة فقد اختلفوا فيه ، والصحيح هو المنع ..كذا في التتارخانية ] .
وفيها : [ امرأة مرضعة ظهر بها حبل وانقطع لبنها وتخاف على ولدها الهلاك ، وليس لأبي هذا الولد سعة حتى يستأجر الظئر ، يباح لها أن تعالج في استنزال الدم ما دام نطفة ، أو مضغة ، أو علقة لم يخلق له عضو ، وخلقه لا يستبين إلا بعد مائة وعشرين يوما ، أربعون نطفة ، وأربعون علقة ، وأربعون مضغة … كذا في خزائن المفتين ، وهكذا في فتاوى قاضيخان ] ."
وبعد أن نقل تلك النصوص القليلة فى المسألة عاد لنقل نصوص العزل فقال :
"5. ونقل صاحب الدرر المباحة في الحظر والإباحة الشيخ خليل بن عبد القادر الشيباني الشهير بالنحلاوي الشامي [ ت 1350 هـ ] ، وذلك عن الهدية العلائية ما يأتي :
[ ويحرم الترهب وهو الاعتزال عن النساء ، وتحريم غشيانهن ] ـ 30 .
ونقل عنها أيضا في الصفحة 31 ما يأتي :
[ وجاز عزله عن أمته بغير إذنها ، وعن زوجته بإذنها وجاز لها سد فم رحمها لئلا تحبل إن بإذنه ، وإلا لا يجوز ويكره لها أن تشرب دواء لإسقاط حملها قبل التصور وبعده ، إلا لعذر كالمرضعة إذا ظهر بها الحمل ، وانقطع لبنها وليس لأبي الصبي ما يستأجر به المرضعة ، ويخاف هلاك الولد ، ما دام الحمل مضغة ، أو علقة ، ولم يخلق له عضو ] "
ولخص الرجل ما قيل فى الإجهاض فقال :
"تلخيص الرأي الفقهي عند المتقدمين :
يفهم مما تقدم ، أن إجمال ما تقدم .. هو الآتي :
العزل قبل الحمل ، جائز في المذهب ، قولا واحدا بلا خلاف بين أئمته .
العزل في الحرة يكون بإذنها .
العزل في الأمة يجوز أن يكون بغير إذنها .
ويفهم مما تقدم .. جواز اتخاذ أية وسيلة تؤدي إلى عدم اختلاط النطف في الأرحام ، كسد الرحم ، واتخاذ الحائل الذي يحول دون دخول المني إلى الرحم بعد الإراقة ، وهو الكيس الذي تدخل فيه آلة الرجل تحقيقا لما ذكر .. وشبههما ، بشرط عدم الأذى له أو لها ، والقول فيه لهما ، أو للمتأذي منهما ، أو للطبيب الحاذق ."
وهذا الكلام عن كون العزل إجهاض يتناقض مع تعريفه للإجهاض بكونه سقوط الحمل ففى العزل لا يوجد عمل أو مظنة حمل ثم قال :
"الإسقاط قبل التخليق ، جائز مع الكراهة ، بإجماع أئمة المذهب
والإسقاط بعد التخليق ، مكروه إلا لضرورة ، كحفظ حياتها ، أو حياة رضيعها إذا خيف انقطاع اللبن ، والطفل لا يأخذ غير ثدي أمه . إذ حفظ المتيقن أوجب من حفظ المحتمل ، فالجنين قد يعتريه الإسقاط ، أو الموت في البطن أو عند الولادة ."
وفى الفقرة السابقة تحدث عن مسألتين :
الأولى اسقاط الحمل فى الشهور الثلاث ألأولى قبل التخليق ونقل جوازه مع الكراهة وهى من ألفاظ الفقهاء التى تعارض كتاب الله فالمكروه محرم لكونه سيئة كما قال تعالى :
"كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها "
الثانية الاسقاط بعد التخليق فى الشهور الست المتبقية وهو محرك إلا لضرورة الحفاظ على حياة الأم أو رضيع أخر
وتحدث عن أدلة الكلام فقال :
"ومجمل استدلالاتهم .. هي :
أ. قول الصحابة الكرام - رضي الله عنه - : [ كنا نعزل والقرآن ينزل ] .
قلت : ووجه الاستدلال : إن العزل لو لم يكن مباحا لأنزل الله - عز وجل - قرآنا بمنعه .. فالله - عز وجل - يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فالدواعي للبيان متوافرة .. وهي فترة التشريع للأحكام ، وضرورة بيان حكم الله - عز وجل - في كل ما يعرض لهم آنيا .
والعوارض منتفية .. إذ الله - عز وجل - لا يؤخر حكما دعت الوقائع لبيانه ، خصوصا في فترة التشريع لا في فترة تثبيت العقيدة والإيمان . وكذلك علمه - جل جلاله - اليقيني لما يحدث ، حتى ولو لم يصرحوا بما يفعلون .
أ رأيت .. نزول الإذن منه - عز وجل - بمباشرة النساء بعد الإفطار وحتى الفجر ، بعد أن علم - جل جلاله - أنهم يفعلونه ولا يمسكون أنفسهم عنه .. يقول تعالى في البقرة / 187 :
{ أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كمتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل .. }
ونستطيع أن نستنتج من ذلك قاعدة هي : [ كل ما علم لأربابه ، أو كان بوسعهم العلم به ، وسكتوا .. كان ذلك رضا منهم ، ما لم تحل الحوائل دون ذلك ] .
ب.إذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعزل عن الأمة ولو من غير إذنها ـ وقد تقدم ـ ، ويفهم منه اشتراط الإذن في الحرة ، بل نقل عنه - صلى الله عليه وسلم - التصريح بعدم العزل عن الحرة إلا بإذنها ـ وقد تقدم ـ ."
وما سبق لا يوجد فيه أى دليل فى الإجهاض فالعزل كما سبق القول ليس إجهاضا حسب تعريف الأعظمى للإجهاض بكونه سقوط الحمل وركز مرة ثالثة على موضوع العزل فقال :
"ما نراه في المسألة:
1. العزل ، وما يؤدي دوره في عدم اختلاط النطف في الأرحام ، جائز .. بشروط :
عدم حصول الضرر ـ كما تقدم بيانه ـ ، ومن أشده الموانع التي يمارسها الشباب أول زواجهم ، طمعا بقضاء أطول مدة من أوقات التمتع المشروع من غير تنغيص الأطفال .. والحمل .. والنفقات اللاحقة .. الخ والحقيقة أن التجربة المتكررة أثبتت أن هذا مما يؤدي إلى الضرر البليغ ، لكون الدوافع للحمل في المرأة في أشد حالات التهيؤ والاستعداد لذلك ، فمعارضتها بكوابح وكوابت ، معارض للغريزة الإنسانية ، فذلك التدافع يؤذي المرأة أشد الإيذاء ، وغالبا ما يؤدي إلى الإسقاط المتكرر بعدئذ عند إرادة الزوجين الحصول على الولد ، وقد لا يستطيع رحم الكثيرات تحمل أعباء الحمل نهائيا ، وفي ذلك أشد أنواع الضرر الخاص بهما ، والضرر العام بحرمان الأمة من نسلهما ، إذ قد يخرج الله - عز وجل - من نسلهما من يعبده ، ومن فيه نفع للدين المبين .. فليحذر ذلك المتزوجون الجدد ..
بل / أستطيع القول بالحرمة بحق أمثال من ذكرنا ، فأصل الجواز مشروط بعدم الضرر ،
لما عرف ذلك من أحكام الشرع الشريف ، وفروعه الكثيرة ، ولعل قول الطبيب في تجويزه لأمثالهما لا يقبل في هذه الحالة ، لمخالفته للظاهر ، و [ لا عبرة بالظن البين خطؤه ] ـ قاعدة فقهية كلية ـ .
ب. ألا يؤدي ذلك إلى تقليل أفراد الأمة وقت الحاجة إلى كثرة النسل ، وتحدد الحاجة بحسب كل زمن ، وبحسب كل بقعة .. والأمر تقديري بحت
2. كل ما يؤدي دور العزل ـ من أساليب منع الحمل ـ جائز بالشروط المتقدمة ."
والعزل هو ما يسمى حاليا تحديد النسل وحكمه أنه مرتبط بوجود مدة بين الطفل والطفل حوالى ثلاث سنوات فسنة للحمل مع كونه تسعة أشهر أو يزيد أياما قليلة وسنتين للرضاعة كما قال تعالى :
" والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين"
وتحدث عن الإجهاض فقال :
3. جواز الإسقاط [ الإجهاض ] بعد العلوق ، وفي أية مرحلة من مراحل الحمل ، إذا :
أ. أدى إلى ضرر بالأم ، بحيث يخشى عليها الهلاك ، أو ما يشابهه من .. شدة المرض المؤدي إلى حال مستديمة من الأذى ـ وهو أشبه بالموت ـ ، وبه سيتضرر المولود نفسه ، فالضرر ضرران ، مع أن الضرر الواحد مدفوع بحكم الشرع ، [ فالضرر يزال ] ، وهو نوع ضرورة [ والضرورة تقدر بقدرها ] . والقول في كل ما تقدم إلى : الطبيب ، المسلم ، العدل ، غير المجرب بالتعجل ، أو التساهل ووجهه / .. أن [ حفظ المتيقن أولى من حفظ المحتمل ] ، وهذه نستطيع عدها قاعدة كلية تستفاد من مجمل أحكام الشرع ، بل إن قواعد الضرر تومئ إليها ، أ ليس [ إذا تعارضت مفسدتان روعيت أعظمهما ضررا ، ويزال الضرر الأشد بتحمل الأخف ] ، و [ درء المفاسد مقدم على جلب المنافع ] ، وخوف الهلاك مفسدة ـ بلا خلاف ـ ، وحياة الأم يقينية ، وحياة الجنين احتمالية ، فلا نترك المتيقن بالمحتمل .. فافقه هذا وشبهه هدانا الله - عز وجل - وإياك .
ب. إذا كان الحمل يؤدي إلى انقطاع لبن الأم المرضع ، ولم يكن للأب ما يستطيع به استئجار ظئر ، أو الحصول على ما تقوم به حياة الرضيع .. وعدم الحصول بانعدام القدرة المالية ، وبانعدام الشيء المقيم لحياة الرضيع ، من حليب مجفف أو شبهه .
ج. وقد يلحق بهذين الحالين ، حالة جزم الطب بوسائله الحديثة المبنية على الظن الغالب المتاخم لليقين ـ وبه تجرى الأحكام وعليه تبنى ـ ، بأن المولود سيكون ذا عوق شديد يسبب له الأذى الدائم ، بحيث لا يجني من حياته غير البؤس والشقاء ، لمرض ملازم غير طارئ ، لا يمكن تلافيه لا قبل الولادة ولا بعدها بحسب الوسائل المتيسرة ، مع ملاحظة المستقبل المنظور الداخل في تقدير الخبراء من احتمالات الوصول إلى بلسم شاف ، أو دواء كاف ، أو جراحة ناجحة ناجعة .. والأمر متروك تقديره لأولي الخبرة غير المتهمين ، من العدول المسلمين ، المشهود لهم بالخبرة الفائقة … وقد يقبل رأي الكافر غير المتهم بإيذاء المؤمنين ، أو المشهورين بكرههم لزيادة عدد المؤمنين ، وسواء أكان الطبيب في بلاد المسلمين وهو من المشهود لهم بما ذكر ، أم في بلاد الكفر .. بل الجواز في تلك البلاد أظهر لاشتهارهم بالقدرة الفائقة ، وتوفر الوسائل المساعدة .. والله أعلم ."
مما سبق نجد الأعظمى يجيز الإجهاض فى ثلاث حالات :
1- الحفاظ على حياة الأم
2- الحفاظ على حياة الرضيع
3- القضاء على الجنين المشوه
والإجهاض للجنين المشوه أى المعوق لا يجوز فكثير من حالات الإعاقة لا تظهر فى تصوير الأجنة فى رحم ألأم والكثير من الإعاقات لا تظهر إلا بعد الولادة كالصمم والخرس والعمى وكذلك الاعاقات العقلية أو النفسية وقد حرم الله قتل الإنسان إلا بسببين وهما :
قتل المقتول لإنسان أخر
الفساد فى الأرض
وفى هذا قال تعالى :
" من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا"
وكثير من الأجنة المشوهة تموت فور ولادتها أو بعدها بأيام ولا يتبقى سوى القليل وهو من ضمن الابتلاء بالشر الذى قال الله قفيه:
" ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
وتحدث عن حرمة الإجهاض فى غير الثلاث حالات فقال :
4. في ما عدا ما ذكر .. فلا أرى جواز الإسقاط بعد العلوق بحال من الأحوال ، أي بعد أن تكون النطفة أمشاجا ـ مختلطة ـ ، سواء بعد التخليق ـ أي : استبانة الأعضاء في الرحم ـ المحدد بأربعة أشهر ، أم دون ذلك من المدد ولو بعد يوم واحد من العلوق.. وذلك:
أ. إن أصل خلق الإنسان في الأرحام هو من اختلاط النطف ـ وهما ماء الرجل وماء المرأة ـ ، فتكون النطفة نطفة واحدة أمشاجا ـ أي : مختلطة ـ ، بدليل قوله تعالى :
{ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا } الإنسان /2 .
وقوله تعالى :
{ أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين }
وقوله تعالى :
{ قتل الإنسان ما أكفره * من أي شيء خلقه * من نطفة خلقه فقدره }
وقوله تعالى : { .. فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة .. }
ومجمل الاستدلال .. هو أن الله - عز وجل - من على المؤمنين بخلقهم من : نطفة أمشاج . إذن هي أصل الخلق ، فبعد بدء الخلق لا أرى وجها لمضاددة إرادة الله - عز وجل - ـ إلا ما أجزناه لضرورة وكما تقدم ـ .
والخلق في بطون الأمهات يكون في مراحل .. خلقا بعد خلق ، يقول تعالى :
{ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا بعد خلق في ظلمات ثلاث .. }
وأصل الخلق هو من الماء الدافق للزوجين ، وذلك بمجرد التقائهما .. يقول تعالى :
{ فلينظر الإنسان مم خلق * خلق من ماء دافق * يخرج من بين الصلب والترائب } بل الأبعد مما ذكر ، مما نستطيع أن نستند إليه .. هو قوله تعالى :
{ أ رأيتم ما تمنون أ أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون }
فالله - عز وجل - أضاف خلق [ المني ] إلى نفسه ، لبيان أهميته في التناسل ، فهو الخالق له ، قبل أن يجعل سببا لخلق الإنسان في بطن أمه .. فعملية الخلق تبدأ به قبل اختلاطه بماء المرأة .. .
إن جواز منع الحمل قبل الاختلاط ، فهو شبه المراق في الأحلام ، أو بعد معالجة من صاحبه لكسر حدة الشهوة لأجل عدم الوقوع في الحرام ، وبغير هذا لا تجوز ، ولا قائل بإثم المحتلم ، مع الخلاف والتفصيل في المعالجة باليد ، وقد أشرنا إلى شرط الجواز توا .
ب. إن استقرار الحمل في الأرحام هو بفعل الله - عز وجل - تصريحا وعلى وجه الخصوص ، وإن كان كل ما يفعل الإنسان مخلوقا له { .. والله خلقكم وما تعملون } فكل ما تقدم عام ، لكن ما ذكر تخصيصا فهو لمزيد الاعتناء به ، أو لبيان أهميته … ومثاله من قول الله - عز وجل -
{ والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا .. }
وقوله تعالى :
{ ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى .. }
فإضافته - جل جلاله - الفعل لنفسه ، هو شبيه قوله تعالى :
{ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء .. }
وهو شبيه قوله تعالى أيضا :
{ … قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم … }.
وهذا اعتبر علماؤنا هذا من مزيد الاهتمام منه - عز وجل - بهذا الأمر ، حتى قالوا : إن الاشتغال بعقد النكاح أولى من الاشتغال بالعبادة النافلة ، لأن لهذا العقد وجه تعبدي حين أضافه الله - عز وجل - لنفسه ومن ذلك قوله تعالى :
{ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما .. }.وذاك مثل هذا .. بعلة الإضافة لذات الله - عز وجل - تخصيصا ، وليس على سبيل التعميم .. فافهم ."
وهناك حالة أخرى ينبغى فيها إجهاض الجنين وهى حالات اغتصاب المرأة وهى على أحوال :
الأول : اغتصاب البكر ويجب فيها الإجهاض وجوبا لتسبب ذلك فى مشاكل كبرى لها قد تؤدى لانتحارها وغير الإجهاض يجب فى تلك الحالة تركيب غشاء بكارة جديد
الثانى اغتصاب المتزوجة وهنا الحمل لا يمكن معرفة صاحبه ومن ثم يجل التخلص من الحمل خوفا من قتل الأم أو الزوج له وخوفا من أن يرث من لا يحق لهم وراثته
الثالث اغتصاب مطلقة أو أرملة ويجب فيه الإجهاض لتسببه أيضا فى مشاكل
وهذا من باب قوله تعالى :
" وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
وفى قضايا الاغتصاب لا يحدث ذلك إلا بعد ثبوت الاغتصاب وقتل المغتصب