رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب الرد على من ذهب إلى تصحيح علم الغيب من جهة الخط لما روي في ذلك من أحاديث ووجه تأويلها
الكتاب من تأليف أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي وهو عبارة عن سؤال وجهه أحدهم لابن رشد عن علم بعض الأنبياء الغيب من خلال ما يسمى الخط فى الرمل ونص السؤال هو :
" ما تقول وفقك الله في هذا الخط الذي يخطه الحساب في التراب في ضرب القرعة هل أخذ الأجرة عليه حلال أم لا وهل ضربها بغير أجر مباح أم لا وعلى هذه الحجج التي يحتجون بها هل تصح أم لا وهي ما روي عن ابن عباس أنه قال سألت رسول الله (ص)في علم الخط في التراب فقال كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه علم ومن رواية معاوية بن الحكم كذلك عن النبي (ص)وقال فمن وافق فهو الخط ويقال إن النبي الذي كان يخط في الرمل كان إدريس ويقال إبراهيم على نبينا وعليهما السلام فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم معناه في الخط
وذكر عن إسماعيل القاضي وعلي بن المثنى وسفيان بن عيينة وصفوان بن سليم عن عطاء بن يسار سئل رسول الله (ص)عن الخط في التراب فقال علم علمه نبي من الأنبياء (ص)فمن وافق علمه علم فقال صفوان فحدثت به أبا سلمة بن عبد الرحمن فقال حدثني به ابن عباس
وروي عن سفيان أنه أمر رجلا يخط له في الرمل فسئل عن ذلك فقال لحديث صفوان اقترحت عليه بأن يخط لي وقال علي بن المثنى حدثت سفيان أن محمد بن صدقة كان يخط له في الرمل لحديث صفوان
وقيل في قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء أنه الخط في الرمل وقيل في قوله تعالى أو أثرة من علم أنه الخط في الرمل قاله ابن عباس وأكثر المفسرين كمل السؤال "
وكان الجواب من ابن رشد:
"فأجاب أيده الله على ذلك بهذا الجواب تصفحت عصمنا الله وإياك من الاعتقادات المضلة ولا عدل بنا وبك عن سواء المحجة وجعلنا لكتابه متبعين ولهدي أهل السنة والجماعة مهتدين سؤالك ووقفت عليه وادعاء مشاركة الله تعالى في علم غيبه وما استأثر بمعرفته من ذلك دون غيره ولم يطلع عليه إلا أنبياؤه ورسله بواسطة زجر أو بتنجيم أو خط في غبار أو غير ذلك أو بغير واسطة والتصديق بشيء منه كفر وقد أكذب الله عز و جل مدعي علم ذلك وأخبر أنه المستبد بعلم ما كان أو يكون في غير ما آية من كتابه فقال تعالى علم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا وقال تعالى إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي ارض تموت إن الله عليم خبير وقال قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون وقال تعالى في قصة عيسى وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لأية لكم إن كنتم مؤمنين فجعل ذلك من دليل النبوة وما لا يطلع عليه إلا من أوحي به إليه فادعاء معرفة ما يستسر الناس به من أسرارهم وما ينطوون عليه من أخبارهم أو ما يحدثه الله من غلاء الأسعار ورخصها ونزول المطر ووقوع القتل وحلول الفتن وارتفاعها وغير ذلك من المغيبات إبطال لدلائل النبوة وتكذيب للآيات المنزلات وقد روي عن النبي (ص)أنه قال من صدق كاهنا أو منجما فقد كفر بما أنزل على قلب محمد وقال (ص)أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا بفضل الله فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بكوكب كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب في أمثال هذه الروايات يطول جلبها فلا جائز أن يخبر أحد بشيء من المغيبات إخبارا متواليا من غير أن يتخلله غلط وكذب إلا من يخبر عن الله تعالى من نبي أو رسول واحذر أن تشكك في ذلك أو يخلط عليك فيه لأن بعض من يدعي علم ذلك يخبر عن الشيء فيكون على ما يقول فإنما يمكن أن يصادف المغيب في بعض الجمل وأكثرها واقع فيها الغلط والكذب وأما تفصيل شيء منها فلا يعرفه ولا يدريه ولا يمكنه تعاطيه وهذه صفة الحزر التخمين الذي يشاركهم فيه جميع الناس كمثل ما روي أن النبي (ص)خبأ لصاف بن صياد وكان رجلا يتكهن من سورة الدخان يوم تأتي السماء بدخان مبين فقال هو الدخ فقال له النبي (ص)اخسأ فلن تعدو قدرك يريد إنه لا يمكنك الإخبار بالشيء على تفاصيله كما يخبر به الأنبياء (ص)ومثل ما روي عن هرقل أنه أخبر أنه نظر في النجوم رأى ملك الختان قد ظهر فإنما أخبر بهذه الجملة المنغلقة التي أهمته وحيرته وكدرت حاله وخشي أن يكون ذلك سببا إلى خلع مملكته ولم يعلم من جهة نظره في النجوم وتخرصه في علم الغيوب بشيء من حال النبي (ص)وبعثه وظهور أمره وما ينتهي إليه شأنه حتى يخبر به على وجهه لأن الله تبارك وتعالى لم يجعل شيئا من خلقه دليلا على غيبه وما يحدثه من فعله كما يعتقد من أضله الله وأغواه ولم يرد هداه أعاذنا الله من الشيطان الرجيم ولا نكب بنا على المنهج المستقيم برحمته إنه هو الغفور الرحيم
وأما ما ذكرت أنه روي عن النبي (ص)في الخط فلا يصح عنه من طريق صحيح وإن صح فلا بد من أن يتأول على ما يطابق القرآن ولا يخرج عما انعقد عليه بين أهل السنة الإجماع فنقول إن معنى قول النبي (ص)فمن وافق خطه علم الإنكار لا الإخبار وذلك أن الحديث خرج على سؤال سائل سمع أن نبيا من الأنبياء كان يخط فاعتقد صحة معرفة المغيبات من جهة الخط على ما كانت تعتقده العرب فأجابه (ص)بكلام معناه الإنكار لاعتقاده والإنباء أن ذلك من خواص ذلك النبي ومعجزاته الدالة على نبوته وهو قوله كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه علم فقوله كان نبي من الأنبياء يخط إعلام منه بذلك وإخبار به وقوله فمن وافق خطه علم معناه أي لا يكون ذلك فهو كلام ظاهره الإخبار والمراد به النهي على اعتقاد ذلك والإنكار له ومثل هذا في القرآن وفي السنن الواردة عن النبي (ص)كثير ومن ذلك قوله تعالى
قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه فظاهر هذا الكلام الأمر بعبادة ما شاءوا من دون الله والمراد به النهي عن ذلك والوعيد عليه ومنه قوله تعالى لإبليس وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطن إلا غرورا فظاهره أيضا الأمر والمراد به النهي والوعيد عليه ومن ذلك ما روي عن النبي (ص)انه قال نحن أحق بالشك من إبراهيم فظاهر هذا الكلام من النبي (ص)الإخبار بتحقيق الشك عليه في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى إذ شك إبراهيم في ذلك والمراد به تحقيق نفي الشك عن إبراهيم إذ لا يشك هو في ذلك فلو لم يعدل بهذه الألفاظ الواردة في القران والسنن وما شاكلها عن ظاهرها بالتأويل إلى ما يصح من معانيها لعاد الإسلام شركا والدين لعبا ومما يبطل حمل قوله (ص)فمن وافق خطه علم على ظاهره إبطالا لائحا ويؤيد تأويلنا فيه أنه ليس على طريق الإخبار تأييدا ظاهرا أنه قد روي في بعض الأخبار فمن وافق خطه علم الذي علم وفي بعضها أن نبيا من الأنبياء كان يأتيه أمره في الخط فلو كان على سبيل الإخبار لوجب إذا وافق خطه أن يعلم من جهته الأشياء المغيبات بأعيانها التي علم ذلك النبي من جهة ذلك الخط في وقته الذي كان فيه لقوله علم الذي علم ولوجب أيضا إذا وافق خطه الذي علم منه أن الله أمره بكذا ونهاه عن كذا وحرم عليه كذا على ما روي أنه يأتيه أمره في الخط أن يعلم هو من جهته إذا وافقه أنه مأمور بمثل ذلك ومنهي عما نهي عنه ومحلل له ما أحل له ومحرم عليه ما حرم عليه فيكون بمنزلته في النبوة فلما بطل هذا بطل أن يحمل الكلام على ظاهره ولزم أن يتأول على ما قلناه وعلم إن صحت هذه الأحاديث أن الله خص ذلك النبي بالخط وجعل له فيه علامات على أشياء من المغيبات وعلى ما يأمره به من العبادات كما جعل فور التنور علامة لنوح على حلول الغرق لقومه وكما جعل فقد الحوت علامة لموسى (ص)على لقاء الخضر وكما جعل منع زكريا من تكليم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا علامة له على هبة الولد له وكما جعل تعالى لنبينا (ص)نصره إياه والفتح عليه ودخول الناس في الدين أفواجا علامة له على حلول أجله المغيب عنه على ما روي في تفسير سورة النصر ومثل هذا لو تتبع كثير وهي كلها من خواص الأنبياء ومعجزاتهم الدالة على صحة نبواتهم وأما قولك وقيل في قوله تعالى أو أثرة من علم إنه الخط في الرمل فقد يصح هذا التأويل على معنى ما وهو أن العرب كانوا أهل عيافة وهو الخط وزجر وكهانة فقال تعالى لنبيه (ص)قل لهم يا محمد قل أرءيتم ما تدعون من دون الله يريد آلهتهم التي كانوا يعبدون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتب من قبل هذا الكتاب يشهد لكم أن آلهتكم خلقت لكم شيئا من ذلك فاستحقت من أجله عبادتكم لها أو أثرة من علم وهو الخط على اعتقادكم الذي تعتقدونه ومذهبكم الذي تدينون به أي أنكم لا تقدرون على إقامة حجة على دعواكم أن آلهتكم تستحق العبادة بوجه من الوجوه والدعوى إذا لم تكن معها حجة بطلت فيصح هذا التأويل على هذا المعنى الذي ننكر ولا نصححه أن يكون الخط في التراب والرمل يعلم به علم الغيب من جهة نبوة نبي أو بتأويل شيء من القرآن لأن النصوص الواردة فيه التي لا تحتمل التأويل تبطل ذلك
وقد قيل في قوله تعالى أو أثرة من علم معناه أو خاصة من علم خصصتم بها وقيل معناه أو علم تؤثرونه أو تستخرجونه وقيل معناه أو بقية من علم تأثرونه عن أحد ممن قبلكم وقيل معناه أو بينة من الأمر وقيل معناه أو بقية من علم وهذا التأويل
أبين لأن العرب تسمي البقية أثارة كما قال الشاعر ... وذات أثارة أكلت عليه ... نباتا في أكمته قفارا ...
يريد ناقة ذات بقية من شحم وبعض هذه التأويلات قريب من بعض لأن البقية شيء يؤثر وتقرأ أيضا أثرة وأثرة
وأما قوله عز و جل في قصة إبراهيم فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فلأهل العلم بالتأويل في ذلك غير ما تأويل واحد تركت ذكرها اختصارا ولا أعلم من قال منهم معناه الخط وإن قيل فقد دللنا على خطئه
وأما قوله عز و جل ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه فمعناه عند أهل العلم بالتأويل إلا بما شاء أن يطلع عليه أنبياؤه ورسله فلا يجوز الاشتغال بضرب القرعة في التراب وهي من حبائل الشيطان وأخذ الأجرة عليها حرام "
ابن رشد هنا نفى أن يكون معنى الرواية أن يكون بعض الأنبياء(ص)علم الغيب من خلال الخط فى الرمل وهو فهم مخالف لفهم الكثير من الفقهاء إن لم يكن كلهم فالكل يقول أن إدريس(ص) كان يعرف الغيب من خلال الخط فى الرمل
الخط فى الرمل أساسا هو ضرب من ضروب الباطل كقراءة الفنجان وضرب الودع
ولا يوجد نبى (ص) يعلم الغيب إلا الغيب بمعنى الوحى وهو المراد بقوله تعالى "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم"
فالدليل على أن الغيب هو الوحى قوله" ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم"فالمراد رسالات الوحى وليس أخبار المستقبل أو الخفايا ومن ثم فكل تلك الروايات لم يقلها النبى الأخير(ص) ولم تحدث وقد أخبرنا ابن رشد أن تلك الروايات غير صحيحة
والأدلة كثيرة على استئثار الله وحده بعلم الغيب منها قوله تعالى :
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
ومنها قوله تعالى:
"فقل إنما الغيب لله"
وقد حرص الله أن ينفى الرسول عن نفس الغيب كما فى قوله تعالى
"قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لأستكثرت من الخير وما مسنى السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون"
وأيضا قوله تعالى "قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب"
وما يقال فى علم النبى الأخير(ص) من العلم ببعض الغيب هو ضرب من الباطل ينافى ما قلناه
فالغيب الذى قيل فى الوحى هو نفسه الذى قيل للرسل(ص) عن القيامة وبعث رسول من بعد من قبل عدا أخبار تعد على أصابع اليد من الأخبار كهزيمة الروم وكهزيمة الكفار " سيهزم الجمع ويولون الدبر "
وهو ليس من نوعية الأخبار التى قيلت فى الروايات
وما ينبغى قوله أن استدلال ابن رشد على المعنى المخالف بأنه كالمعنى فى قوله تعالى "قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه"هو استدلال لم يسبقه أحد له فيمن نعرفهم
الكتاب من تأليف أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي وهو عبارة عن سؤال وجهه أحدهم لابن رشد عن علم بعض الأنبياء الغيب من خلال ما يسمى الخط فى الرمل ونص السؤال هو :
" ما تقول وفقك الله في هذا الخط الذي يخطه الحساب في التراب في ضرب القرعة هل أخذ الأجرة عليه حلال أم لا وهل ضربها بغير أجر مباح أم لا وعلى هذه الحجج التي يحتجون بها هل تصح أم لا وهي ما روي عن ابن عباس أنه قال سألت رسول الله (ص)في علم الخط في التراب فقال كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه علم ومن رواية معاوية بن الحكم كذلك عن النبي (ص)وقال فمن وافق فهو الخط ويقال إن النبي الذي كان يخط في الرمل كان إدريس ويقال إبراهيم على نبينا وعليهما السلام فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم معناه في الخط
وذكر عن إسماعيل القاضي وعلي بن المثنى وسفيان بن عيينة وصفوان بن سليم عن عطاء بن يسار سئل رسول الله (ص)عن الخط في التراب فقال علم علمه نبي من الأنبياء (ص)فمن وافق علمه علم فقال صفوان فحدثت به أبا سلمة بن عبد الرحمن فقال حدثني به ابن عباس
وروي عن سفيان أنه أمر رجلا يخط له في الرمل فسئل عن ذلك فقال لحديث صفوان اقترحت عليه بأن يخط لي وقال علي بن المثنى حدثت سفيان أن محمد بن صدقة كان يخط له في الرمل لحديث صفوان
وقيل في قوله تعالى ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء أنه الخط في الرمل وقيل في قوله تعالى أو أثرة من علم أنه الخط في الرمل قاله ابن عباس وأكثر المفسرين كمل السؤال "
وكان الجواب من ابن رشد:
"فأجاب أيده الله على ذلك بهذا الجواب تصفحت عصمنا الله وإياك من الاعتقادات المضلة ولا عدل بنا وبك عن سواء المحجة وجعلنا لكتابه متبعين ولهدي أهل السنة والجماعة مهتدين سؤالك ووقفت عليه وادعاء مشاركة الله تعالى في علم غيبه وما استأثر بمعرفته من ذلك دون غيره ولم يطلع عليه إلا أنبياؤه ورسله بواسطة زجر أو بتنجيم أو خط في غبار أو غير ذلك أو بغير واسطة والتصديق بشيء منه كفر وقد أكذب الله عز و جل مدعي علم ذلك وأخبر أنه المستبد بعلم ما كان أو يكون في غير ما آية من كتابه فقال تعالى علم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا وقال تعالى إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي ارض تموت إن الله عليم خبير وقال قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون وقال تعالى في قصة عيسى وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لأية لكم إن كنتم مؤمنين فجعل ذلك من دليل النبوة وما لا يطلع عليه إلا من أوحي به إليه فادعاء معرفة ما يستسر الناس به من أسرارهم وما ينطوون عليه من أخبارهم أو ما يحدثه الله من غلاء الأسعار ورخصها ونزول المطر ووقوع القتل وحلول الفتن وارتفاعها وغير ذلك من المغيبات إبطال لدلائل النبوة وتكذيب للآيات المنزلات وقد روي عن النبي (ص)أنه قال من صدق كاهنا أو منجما فقد كفر بما أنزل على قلب محمد وقال (ص)أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا بفضل الله فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بكوكب كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب في أمثال هذه الروايات يطول جلبها فلا جائز أن يخبر أحد بشيء من المغيبات إخبارا متواليا من غير أن يتخلله غلط وكذب إلا من يخبر عن الله تعالى من نبي أو رسول واحذر أن تشكك في ذلك أو يخلط عليك فيه لأن بعض من يدعي علم ذلك يخبر عن الشيء فيكون على ما يقول فإنما يمكن أن يصادف المغيب في بعض الجمل وأكثرها واقع فيها الغلط والكذب وأما تفصيل شيء منها فلا يعرفه ولا يدريه ولا يمكنه تعاطيه وهذه صفة الحزر التخمين الذي يشاركهم فيه جميع الناس كمثل ما روي أن النبي (ص)خبأ لصاف بن صياد وكان رجلا يتكهن من سورة الدخان يوم تأتي السماء بدخان مبين فقال هو الدخ فقال له النبي (ص)اخسأ فلن تعدو قدرك يريد إنه لا يمكنك الإخبار بالشيء على تفاصيله كما يخبر به الأنبياء (ص)ومثل ما روي عن هرقل أنه أخبر أنه نظر في النجوم رأى ملك الختان قد ظهر فإنما أخبر بهذه الجملة المنغلقة التي أهمته وحيرته وكدرت حاله وخشي أن يكون ذلك سببا إلى خلع مملكته ولم يعلم من جهة نظره في النجوم وتخرصه في علم الغيوب بشيء من حال النبي (ص)وبعثه وظهور أمره وما ينتهي إليه شأنه حتى يخبر به على وجهه لأن الله تبارك وتعالى لم يجعل شيئا من خلقه دليلا على غيبه وما يحدثه من فعله كما يعتقد من أضله الله وأغواه ولم يرد هداه أعاذنا الله من الشيطان الرجيم ولا نكب بنا على المنهج المستقيم برحمته إنه هو الغفور الرحيم
وأما ما ذكرت أنه روي عن النبي (ص)في الخط فلا يصح عنه من طريق صحيح وإن صح فلا بد من أن يتأول على ما يطابق القرآن ولا يخرج عما انعقد عليه بين أهل السنة الإجماع فنقول إن معنى قول النبي (ص)فمن وافق خطه علم الإنكار لا الإخبار وذلك أن الحديث خرج على سؤال سائل سمع أن نبيا من الأنبياء كان يخط فاعتقد صحة معرفة المغيبات من جهة الخط على ما كانت تعتقده العرب فأجابه (ص)بكلام معناه الإنكار لاعتقاده والإنباء أن ذلك من خواص ذلك النبي ومعجزاته الدالة على نبوته وهو قوله كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه علم فقوله كان نبي من الأنبياء يخط إعلام منه بذلك وإخبار به وقوله فمن وافق خطه علم معناه أي لا يكون ذلك فهو كلام ظاهره الإخبار والمراد به النهي على اعتقاد ذلك والإنكار له ومثل هذا في القرآن وفي السنن الواردة عن النبي (ص)كثير ومن ذلك قوله تعالى
قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه فظاهر هذا الكلام الأمر بعبادة ما شاءوا من دون الله والمراد به النهي عن ذلك والوعيد عليه ومنه قوله تعالى لإبليس وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطن إلا غرورا فظاهره أيضا الأمر والمراد به النهي والوعيد عليه ومن ذلك ما روي عن النبي (ص)انه قال نحن أحق بالشك من إبراهيم فظاهر هذا الكلام من النبي (ص)الإخبار بتحقيق الشك عليه في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى إذ شك إبراهيم في ذلك والمراد به تحقيق نفي الشك عن إبراهيم إذ لا يشك هو في ذلك فلو لم يعدل بهذه الألفاظ الواردة في القران والسنن وما شاكلها عن ظاهرها بالتأويل إلى ما يصح من معانيها لعاد الإسلام شركا والدين لعبا ومما يبطل حمل قوله (ص)فمن وافق خطه علم على ظاهره إبطالا لائحا ويؤيد تأويلنا فيه أنه ليس على طريق الإخبار تأييدا ظاهرا أنه قد روي في بعض الأخبار فمن وافق خطه علم الذي علم وفي بعضها أن نبيا من الأنبياء كان يأتيه أمره في الخط فلو كان على سبيل الإخبار لوجب إذا وافق خطه أن يعلم من جهته الأشياء المغيبات بأعيانها التي علم ذلك النبي من جهة ذلك الخط في وقته الذي كان فيه لقوله علم الذي علم ولوجب أيضا إذا وافق خطه الذي علم منه أن الله أمره بكذا ونهاه عن كذا وحرم عليه كذا على ما روي أنه يأتيه أمره في الخط أن يعلم هو من جهته إذا وافقه أنه مأمور بمثل ذلك ومنهي عما نهي عنه ومحلل له ما أحل له ومحرم عليه ما حرم عليه فيكون بمنزلته في النبوة فلما بطل هذا بطل أن يحمل الكلام على ظاهره ولزم أن يتأول على ما قلناه وعلم إن صحت هذه الأحاديث أن الله خص ذلك النبي بالخط وجعل له فيه علامات على أشياء من المغيبات وعلى ما يأمره به من العبادات كما جعل فور التنور علامة لنوح على حلول الغرق لقومه وكما جعل فقد الحوت علامة لموسى (ص)على لقاء الخضر وكما جعل منع زكريا من تكليم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا علامة له على هبة الولد له وكما جعل تعالى لنبينا (ص)نصره إياه والفتح عليه ودخول الناس في الدين أفواجا علامة له على حلول أجله المغيب عنه على ما روي في تفسير سورة النصر ومثل هذا لو تتبع كثير وهي كلها من خواص الأنبياء ومعجزاتهم الدالة على صحة نبواتهم وأما قولك وقيل في قوله تعالى أو أثرة من علم إنه الخط في الرمل فقد يصح هذا التأويل على معنى ما وهو أن العرب كانوا أهل عيافة وهو الخط وزجر وكهانة فقال تعالى لنبيه (ص)قل لهم يا محمد قل أرءيتم ما تدعون من دون الله يريد آلهتهم التي كانوا يعبدون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتب من قبل هذا الكتاب يشهد لكم أن آلهتكم خلقت لكم شيئا من ذلك فاستحقت من أجله عبادتكم لها أو أثرة من علم وهو الخط على اعتقادكم الذي تعتقدونه ومذهبكم الذي تدينون به أي أنكم لا تقدرون على إقامة حجة على دعواكم أن آلهتكم تستحق العبادة بوجه من الوجوه والدعوى إذا لم تكن معها حجة بطلت فيصح هذا التأويل على هذا المعنى الذي ننكر ولا نصححه أن يكون الخط في التراب والرمل يعلم به علم الغيب من جهة نبوة نبي أو بتأويل شيء من القرآن لأن النصوص الواردة فيه التي لا تحتمل التأويل تبطل ذلك
وقد قيل في قوله تعالى أو أثرة من علم معناه أو خاصة من علم خصصتم بها وقيل معناه أو علم تؤثرونه أو تستخرجونه وقيل معناه أو بقية من علم تأثرونه عن أحد ممن قبلكم وقيل معناه أو بينة من الأمر وقيل معناه أو بقية من علم وهذا التأويل
أبين لأن العرب تسمي البقية أثارة كما قال الشاعر ... وذات أثارة أكلت عليه ... نباتا في أكمته قفارا ...
يريد ناقة ذات بقية من شحم وبعض هذه التأويلات قريب من بعض لأن البقية شيء يؤثر وتقرأ أيضا أثرة وأثرة
وأما قوله عز و جل في قصة إبراهيم فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فلأهل العلم بالتأويل في ذلك غير ما تأويل واحد تركت ذكرها اختصارا ولا أعلم من قال منهم معناه الخط وإن قيل فقد دللنا على خطئه
وأما قوله عز و جل ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه فمعناه عند أهل العلم بالتأويل إلا بما شاء أن يطلع عليه أنبياؤه ورسله فلا يجوز الاشتغال بضرب القرعة في التراب وهي من حبائل الشيطان وأخذ الأجرة عليها حرام "
ابن رشد هنا نفى أن يكون معنى الرواية أن يكون بعض الأنبياء(ص)علم الغيب من خلال الخط فى الرمل وهو فهم مخالف لفهم الكثير من الفقهاء إن لم يكن كلهم فالكل يقول أن إدريس(ص) كان يعرف الغيب من خلال الخط فى الرمل
الخط فى الرمل أساسا هو ضرب من ضروب الباطل كقراءة الفنجان وضرب الودع
ولا يوجد نبى (ص) يعلم الغيب إلا الغيب بمعنى الوحى وهو المراد بقوله تعالى "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم"
فالدليل على أن الغيب هو الوحى قوله" ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم"فالمراد رسالات الوحى وليس أخبار المستقبل أو الخفايا ومن ثم فكل تلك الروايات لم يقلها النبى الأخير(ص) ولم تحدث وقد أخبرنا ابن رشد أن تلك الروايات غير صحيحة
والأدلة كثيرة على استئثار الله وحده بعلم الغيب منها قوله تعالى :
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
ومنها قوله تعالى:
"فقل إنما الغيب لله"
وقد حرص الله أن ينفى الرسول عن نفس الغيب كما فى قوله تعالى
"قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لأستكثرت من الخير وما مسنى السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون"
وأيضا قوله تعالى "قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب"
وما يقال فى علم النبى الأخير(ص) من العلم ببعض الغيب هو ضرب من الباطل ينافى ما قلناه
فالغيب الذى قيل فى الوحى هو نفسه الذى قيل للرسل(ص) عن القيامة وبعث رسول من بعد من قبل عدا أخبار تعد على أصابع اليد من الأخبار كهزيمة الروم وكهزيمة الكفار " سيهزم الجمع ويولون الدبر "
وهو ليس من نوعية الأخبار التى قيلت فى الروايات
وما ينبغى قوله أن استدلال ابن رشد على المعنى المخالف بأنه كالمعنى فى قوله تعالى "قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه"هو استدلال لم يسبقه أحد له فيمن نعرفهم