رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب الميزان في القرآن الكريم (دراسة لغوية)
الكتاب تأليف كل من رفاه عبد الحسين مهدي الفتلاوي ولمياء علي محمد علي وهو يدور حول معانى الكلمات المشتقة من جذر وزن في القرآن وقد تحدثتا عن التوازن في الكون وبين الناس فقالتا:
"وبعد
اذا كانت الخبرة المتجددة للإنسان، فضلا عن الفطرة الإنسانية، تعلمه بان لكل شيء هدفا، وان له نهاية ينتهي إليها، وإن لكل عمر أجلا فان سنن الحياة التي قد عرفناها تخبر الجميع بان لكل عمل جزاء من صنعه، إن خيرا فخير وان شرا فشر، وان لاشيء يضيع في هذه الحياة.
وقد عني البحث بوجوب إيفاء المكيال، والميزان على وجه العدل والتسوية من غير زيادة ولا نقصان قبل ان يفاجأ الإنسان باليوم الذي توزن فيه أعماله، ويوفى حسابه، فأوجب الله (الميزان) وهو العدل ليقضي بين الناس بالإنصاف ويحكم فيهم.
من الحقائق التي لا تشوبها شائبة، ولا يعتريها أدنى شك في أن خلق الله (جل وعلا) الكون موازنة لا خلل فيها، ليتبين للإنسان طبيعة علاقة الميزان بالحياة وطبيعة الحياة الموازنة.
إذ اقتضى البحث تعريف (الوزن) لغة، ودراسة المفردة في مستويات ثلاثة:
الصوتي، والصرفي، والدلالي بينا فيها ابرز ما تعرضت لها المفردة من تغييرات صوتية متمثلة بكلمة (الميزان) وما وردت به من صيغ صرفية مختلفة، وتعدد المعاني المختلفة للمفردة في داخل السياق القرآني تعقبها خاتمة بأهم النتائج التي استطعنا التوصل إليها في هذه الدراسة، وما التوفيق إلا بالله العلي العظيم هو المولى ونعم النصير."
وقد استهلت المؤلفتان بذكر معانى كلمات جذر وزن في معاجم اللغة فقالتا:
"التمهيد
قبل الخوض في دراسة مفردة (وزن) صوتيا، وصرفيا، ودلاليا لابد من وقفة لمعرفة معنى المفردة لغة واصطلاحا.
قال ابن فارس ((الواو والزاء والنون بناء يدل على تعديل واستقامة. ووزنت الشيء وزنا، والزنة: قدر وزن الشيء))
و ((الوزن معرفة قدر الشيء، يقال وزنته وزنا وزنة، والمتعارف في الوزن عند العامة ما يقدر بالقسط والقبان)) وذهب ابن منظور إلى ان: ((الوزن: روز الثقل والخفة ... ووازنت بين الشيئين موازنة ووزانا، وهذا يوازن هذا إذا كان على زنته او كان محاذيه)) ،وجاء في مجمع البحرين: ((الوزن عبارة عن اعتدال الأجزاء لا بمعنى تساويها، فانه لم يوجد بل بإضافته الى ذلك النوع، وما يليق به))
فالدلالة اللغوية لمادة (وزن) هي الإيفاء تسوية، وعدلا من غير زيادة ولا نقصان فضلا عن كونها آلة الوزن التي توزن بها الأشياء وتعرف مقاديرها من ميزان وقرسطون، ومكيال، ومقياس، فضلا عن معان متعددة سنذكرها مفصلا في المستوى الدلالي."
وتحدثتا عن المستوى الصوتى لجذر وزن فقالتا:
"المستوى الصوتي
جمعت مفردة (وزن) الأصوات المجهورة تعاقبا وهي الأصوات التي يصحب نطقها تذبذب الأوتار الصوتية واهتزازها، واختلفت مخارجها فهي مبنية من حروف متباعدة المخارج فمما بين الشفتين مخرج الواو، ومما بين طرف اللسان وفويق الثنايا مخرج الزاي اما النون فمن حافة اللسان من أدناها الى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى وما فويق الثنايا. فالواو شفوي حنكي قصي تتخللهما الزاي صامت لثوي احتكاكي وتختم بالنون صامت سني اغن
فقد عنيت اللغة العربية بتباعد المخارج لذلك سقطت حروف كثيرة في تأليف بعضها مع بعض استثقالا واستكراها، فلم يؤلف بين حروف الحلق كالحاء والخاء والعين ولا بين الجيم والقاف ولم يؤلف ايضا بين اللام والراء، ولا بين الزاي والسين، وفي هذا دلالة على العناية بتأليف متباعد المخارج، من دون المتقارب ، اذ إن الطبيعة التركيبية في اللغة العربية قد تمرست في تعادل الأصوات وتوازنها، مما جعل لغة القرآن في الذروة من طلاوة الكلمة، والرقة في تجانس الأصوات.
لهذا كان ما أورده القرآن الكريم في هذا السياق متجاوبا مع معطيات الدلالة الصوتية ((التي تستمد من طبيعة الأصوات نغمتها وجرسها)) فتوحي بأثر موسيقي معين يستنبط من ضم الحروف بعضها الى بعضها الآخر، ويستقرأ من خلال تشابك النص الادبي في عبارته، فيعطي مدلولا متميزا في مجالات عدة.
ومن الظواهر الصوتية التأثرية التي لحقت بالمادة هي ابدال الواو ياء اذا وقعت متوسطة اثر كسرة، وكانت ساكنة مفردة. فمن ذلك لفظ (الميزان) واصله (موزان) بالواو فقد قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
ويتفق البحث مع ما ذهب اليه المحدثون من ان قلب الواو ياء في (موزان) ليس الا وهما جسدته الكتابة العربية في كلمة (ميزان) والواقع ان اللغة العربية لما كانت تكره تتابع الكسرة والضمة، فقد أسقطت} عنصر الضمة، وعوضت مكانه كسرة قصيرة يضاف الى سابقتها كسرة طويلة بعد الميم، هي التي كتبت في صورة الياء، فالاولى ان نقول: قلبت الضمة كسرة، تخلصا من الصعوبة، ونزوعا الى الانسجام."
وهذا الكلام لا لزوم له ولا يقدم ولا يؤخر في تفسير القرآن وكذلك المستوى الصرفى وفيه قالتا:
"المستوى الصرفي
جاء الفعل (وزن، يزن، زن) من باب (فعل يفعل) مثالا واويا مكسور العين في المضارع تحذف واوه في المضارع والأمر اطرادا. وورد بصيغة المجرد للمعلوم على وزن (فعل) ثلاث مرات في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى {إذا كلتم وزنوا بالقسطاس} وقوله تعالى {وزنوا بالقسطاس المستقيم}
ومن الفعل الثلاثي المجرد (وزن) جاء المصدر (الوزن) من: وزنت كذا وكذا أزنه وزنا وزنة مثل: وعدته أعده وعدا وعدة ثلاث مرات في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى: {والوزن يومئذ الحق} وقوله تعالى: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} ، وعرفه الزمخشري بأنه {وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها} أي توزن صحائف أعمال العباد بالميزان لمعرفة حسناته من سيئاته. والوزن عند ابن منظور المثقال وجمعه أوزان
اما (الميزان) فقد جاء على وزن (مفعال) كالميعاد والميلاد بمعنى المصدر اذ يقال للآلة التي يوزن بها الأشياء ميزان وقد ورد تسع مرات في القرآن الكريم كقوله تعالى: {والسماء رفعها ووضع الميزان * الا تطغوا في الميزان* وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} فنلاحظ تكرار لفظ الميزان تشديدا للتوصية به، وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه، والميزان ذكره الله تعالى ثلاث مرات في هذه السورة كل مرة بمعنى فالأول هو (الآلة)، والثاني بمعنى (المصدر) أي (الوزن) والثالث للمفعول أي (الموزون) وذكر الكل بلفظ (الميزان) لأنه اشمل للفائدة
وعلى صيغة جمع التكسير وردت لفظة (الموازين) جمع (الميزان) على وزن (مفاعيل) وفي الحقيقة هو ميزان واحد عبر عنه بلفظ الجمع على أساس تعدد الأعمال الموزونة فيه كما تقول: خرج فلان الى مكة على البغال وخرج الى البصرة في السفن وفي التنزيل: {يا أيها الرسل} وقوله: {كذبت عاد المرسلين} وإنما هو رسول واحد، فجاءت لفظة (الموازين) سبع مرات في القرآن الكريم نحو قوله تعالى: {ونضع الموازين القسط} وقوله تعالى: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون} "
وأما المستوى الدلالىة وهو معرفة المعنى فهو المهم وهو الذى يجب الحديث فيه لشرح المعنى وفيه قالتا:
"المستوى الدلالي
لو تأملنا في آي الذكر الحكيم لنلتمس فيها مدلولات مادة (وزن) لوجدناها على معان مختلفة تبعا للسياق القرآني الواردة فيه على التفصيل الآتي:-
1 - آلة الوزن: وهي ما يعرف به مقدار الشيء، فقد أشارت مادة (وزن) الى
هذا المعنى في مواضع متعددة من القرآن الكريم في قوله تعالى {:فاوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا}. وقوله تعالى: {يا قوم أوفوا المكيال والميزان}
وهو ما يوزن به ويتعامل، وتتضح الفائدة في الوزن بانه ينكشف الحال
يومئذ وتظهر جميع الأشياء بحقائقها على ما هي عليه وبأوصافها وأحوالها في
أنفسها من الحسن والقبح وغير ذلك، وتنخلع عن الصور المستعارة التي
بها ظهرت في الدنيا فلا يبقى لاحد ممن يشاهدها شبهة في انها هي
التي كانت في الدنيا بعينها وان كل واحد منها قد ظهر في هذه النشأة
بصورته الحقيقية المستتبعة لصفاته ولا يخطر بباله خلاف ذلك والله تعالى اعلم بحقيقة الحال "
وهذا التفسير هو التفسير الشائع والكيل والميزان لا يراد بهم المعايير الوزنية وإنما يراد بهم العدل فأوفوا المكيال والميزان تعنى كما فسرها قوله " ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين"والمراد لا تظلموا الناس حقوقهم أى تسيروا في الأرض بالباطل فالمعنى المراد هو العدل وهو تنفيد عهد أى حكم الله كما قال تعالى:
" وبعهد الله أوفوا"
ثم قالتا:
2 - الحسنات والسيئات: إشارة الى أعمال الإنسان فمنها ما هو ثقيل في الميزانوهو ماله قدر ومنزلة عند الله وهو الإيمان وأنواع الطاعات ومنها ما هو
خفيف متمثلا بأنواع المعاصي وخير ما يوضح ذلك قوله تعالى: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون}، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه بإتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم وحق الميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا وقد خفت موازين من خفت موازينه بإتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم وحق الميزان يوضع فيه الباطل ان يكون خفيفا وإنما كان كذلك؛ لأن الحق ثقيل والباطل خفيف
3 - العدل: وضع الله عز وجل العدل في الأرض الذي أمر به يقال: وضع الله الشريعة ووضع فلان كذا أي ألقاه، والعدل يسمى ميزانا لان الميزان آلة الإنصاف والعدل والتسوية. وعند ابن منظور: ((الميزان: العدل. ووازنه عادله وقابله، وعدل الموازين والمكاييل: سواها. وعدل الشيء يعدله عدلا وعادله: وازنه)) كما في قوله تعالى: {لقد أرسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} وقوله تعالى: {والسماء رفعها ووضع الميزان} فوجب أن يعدل الإنسان كما يحب ان يعدل عليه وان يوفى
كما يحب ان يوفى له؛ لان العدل صلاح الناس."
الميزان إذا هنا العدل وهو كتاب الله
ثم قالتا:
4 - الشرع: وهو الذي توزن به الحقوق ويسوي بين الناس، ويشير القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى: {الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب} أي الشرع المنصف بين الناس "
والميزان هنا الحق وهو العدل
ثم قالتا:
5 - القضاء: (ذهب الأصفهاني إلى أن ((القضاء بمنزلة الكيل)) ؛لان الكيل والوزن سواء في معرفة المقادير. وكال الدراهم والدنانير: وزنها؛ ويقال
كل هذه الدراهم يريدون زن. وقال مرة: كل ما وزن فقد كيل وجاء هذا المعنى في قوله تعالى: {والوزن يومئذ الحق} أي القضاء"
وقد بين الله للناس أن الوزن وهو الحكم أى الملك مصداق لقوله "والملك يومئذ الحق للرحمن"
وهو الأمر لقوله :
"والأمر يومئذ لله"فالحكم فى يوم القيامة العدل لله
وقالتا :
6 - الأنبياء والأوصياء: وخير ما يمثل هذا المعنى قوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} أراد بذلك الأنبياء والأوصياء."
وهذا التفسير باطل فالموازين هى الأحكام والمعنى ونقضى بالأحكام العادلة كما قال تعالى :
" وقضى بينهم بالقسط"
وقالتا :
7 - الخطر او القدر: قال الفيومي: ((وزن الشيء نفسه ثقل فهو وازن وما أقمت له
وزنا كناية عن الإهمال والاطراح وتقول العرب ليس لفلان وزن أي قدر
لخسته)) ودل على هذا المعنى قوله تعالى: {فلا نقيم لهم يوم القيامة
وزنا} أي لا نجعل لهم خطرا وقدرا
8 - المقدار: يقال: إنما الأشياء مقادير لكل شيء مقدار داخل، وقدر كل شيء ومقداره: مقياسه. وقدر الشيء بالشيء يقدره قدرا وقدره: قاسه، وقد اختلف في تفسير هذا المقدار في قوله تعالى: {وانبتنا فيها من كل شيء موزون}
فأشار الطبري إلى انه مقدر وبحد ويكون مقدرا معلوما عند الجوزي والقرطبي في حين نراه عند الثعالبي مقدر محرر بقصد وإرادة.
ويرى البحث انه متقدر بقدر الحاجة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يعلم المقدار الذي يحتاج اليه الناس وينتفعون به فينبت به تعالى ذلك المقدار في الأرض لذلك قالوا الوزن إنما يراد لمعرفة المقدار فكان إطلاق لفظ الوزن لإرادة معرفة المقدار."
ومعنى قوله" أنبتنا فيها من كل شىء موزون والمراد وأخرجنا فى الأرض من كل زوج كريم مصداق لقوله "فأنبتنا فيها من كل زوج كريم"وهذا يعنى أن الله خلق فى الأرض من كل نوع مقدر أحسن تقدير
الكتاب تأليف كل من رفاه عبد الحسين مهدي الفتلاوي ولمياء علي محمد علي وهو يدور حول معانى الكلمات المشتقة من جذر وزن في القرآن وقد تحدثتا عن التوازن في الكون وبين الناس فقالتا:
"وبعد
اذا كانت الخبرة المتجددة للإنسان، فضلا عن الفطرة الإنسانية، تعلمه بان لكل شيء هدفا، وان له نهاية ينتهي إليها، وإن لكل عمر أجلا فان سنن الحياة التي قد عرفناها تخبر الجميع بان لكل عمل جزاء من صنعه، إن خيرا فخير وان شرا فشر، وان لاشيء يضيع في هذه الحياة.
وقد عني البحث بوجوب إيفاء المكيال، والميزان على وجه العدل والتسوية من غير زيادة ولا نقصان قبل ان يفاجأ الإنسان باليوم الذي توزن فيه أعماله، ويوفى حسابه، فأوجب الله (الميزان) وهو العدل ليقضي بين الناس بالإنصاف ويحكم فيهم.
من الحقائق التي لا تشوبها شائبة، ولا يعتريها أدنى شك في أن خلق الله (جل وعلا) الكون موازنة لا خلل فيها، ليتبين للإنسان طبيعة علاقة الميزان بالحياة وطبيعة الحياة الموازنة.
إذ اقتضى البحث تعريف (الوزن) لغة، ودراسة المفردة في مستويات ثلاثة:
الصوتي، والصرفي، والدلالي بينا فيها ابرز ما تعرضت لها المفردة من تغييرات صوتية متمثلة بكلمة (الميزان) وما وردت به من صيغ صرفية مختلفة، وتعدد المعاني المختلفة للمفردة في داخل السياق القرآني تعقبها خاتمة بأهم النتائج التي استطعنا التوصل إليها في هذه الدراسة، وما التوفيق إلا بالله العلي العظيم هو المولى ونعم النصير."
وقد استهلت المؤلفتان بذكر معانى كلمات جذر وزن في معاجم اللغة فقالتا:
"التمهيد
قبل الخوض في دراسة مفردة (وزن) صوتيا، وصرفيا، ودلاليا لابد من وقفة لمعرفة معنى المفردة لغة واصطلاحا.
قال ابن فارس ((الواو والزاء والنون بناء يدل على تعديل واستقامة. ووزنت الشيء وزنا، والزنة: قدر وزن الشيء))
و ((الوزن معرفة قدر الشيء، يقال وزنته وزنا وزنة، والمتعارف في الوزن عند العامة ما يقدر بالقسط والقبان)) وذهب ابن منظور إلى ان: ((الوزن: روز الثقل والخفة ... ووازنت بين الشيئين موازنة ووزانا، وهذا يوازن هذا إذا كان على زنته او كان محاذيه)) ،وجاء في مجمع البحرين: ((الوزن عبارة عن اعتدال الأجزاء لا بمعنى تساويها، فانه لم يوجد بل بإضافته الى ذلك النوع، وما يليق به))
فالدلالة اللغوية لمادة (وزن) هي الإيفاء تسوية، وعدلا من غير زيادة ولا نقصان فضلا عن كونها آلة الوزن التي توزن بها الأشياء وتعرف مقاديرها من ميزان وقرسطون، ومكيال، ومقياس، فضلا عن معان متعددة سنذكرها مفصلا في المستوى الدلالي."
وتحدثتا عن المستوى الصوتى لجذر وزن فقالتا:
"المستوى الصوتي
جمعت مفردة (وزن) الأصوات المجهورة تعاقبا وهي الأصوات التي يصحب نطقها تذبذب الأوتار الصوتية واهتزازها، واختلفت مخارجها فهي مبنية من حروف متباعدة المخارج فمما بين الشفتين مخرج الواو، ومما بين طرف اللسان وفويق الثنايا مخرج الزاي اما النون فمن حافة اللسان من أدناها الى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى وما فويق الثنايا. فالواو شفوي حنكي قصي تتخللهما الزاي صامت لثوي احتكاكي وتختم بالنون صامت سني اغن
فقد عنيت اللغة العربية بتباعد المخارج لذلك سقطت حروف كثيرة في تأليف بعضها مع بعض استثقالا واستكراها، فلم يؤلف بين حروف الحلق كالحاء والخاء والعين ولا بين الجيم والقاف ولم يؤلف ايضا بين اللام والراء، ولا بين الزاي والسين، وفي هذا دلالة على العناية بتأليف متباعد المخارج، من دون المتقارب ، اذ إن الطبيعة التركيبية في اللغة العربية قد تمرست في تعادل الأصوات وتوازنها، مما جعل لغة القرآن في الذروة من طلاوة الكلمة، والرقة في تجانس الأصوات.
لهذا كان ما أورده القرآن الكريم في هذا السياق متجاوبا مع معطيات الدلالة الصوتية ((التي تستمد من طبيعة الأصوات نغمتها وجرسها)) فتوحي بأثر موسيقي معين يستنبط من ضم الحروف بعضها الى بعضها الآخر، ويستقرأ من خلال تشابك النص الادبي في عبارته، فيعطي مدلولا متميزا في مجالات عدة.
ومن الظواهر الصوتية التأثرية التي لحقت بالمادة هي ابدال الواو ياء اذا وقعت متوسطة اثر كسرة، وكانت ساكنة مفردة. فمن ذلك لفظ (الميزان) واصله (موزان) بالواو فقد قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
ويتفق البحث مع ما ذهب اليه المحدثون من ان قلب الواو ياء في (موزان) ليس الا وهما جسدته الكتابة العربية في كلمة (ميزان) والواقع ان اللغة العربية لما كانت تكره تتابع الكسرة والضمة، فقد أسقطت} عنصر الضمة، وعوضت مكانه كسرة قصيرة يضاف الى سابقتها كسرة طويلة بعد الميم، هي التي كتبت في صورة الياء، فالاولى ان نقول: قلبت الضمة كسرة، تخلصا من الصعوبة، ونزوعا الى الانسجام."
وهذا الكلام لا لزوم له ولا يقدم ولا يؤخر في تفسير القرآن وكذلك المستوى الصرفى وفيه قالتا:
"المستوى الصرفي
جاء الفعل (وزن، يزن، زن) من باب (فعل يفعل) مثالا واويا مكسور العين في المضارع تحذف واوه في المضارع والأمر اطرادا. وورد بصيغة المجرد للمعلوم على وزن (فعل) ثلاث مرات في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى {إذا كلتم وزنوا بالقسطاس} وقوله تعالى {وزنوا بالقسطاس المستقيم}
ومن الفعل الثلاثي المجرد (وزن) جاء المصدر (الوزن) من: وزنت كذا وكذا أزنه وزنا وزنة مثل: وعدته أعده وعدا وعدة ثلاث مرات في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى: {والوزن يومئذ الحق} وقوله تعالى: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} ، وعرفه الزمخشري بأنه {وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها} أي توزن صحائف أعمال العباد بالميزان لمعرفة حسناته من سيئاته. والوزن عند ابن منظور المثقال وجمعه أوزان
اما (الميزان) فقد جاء على وزن (مفعال) كالميعاد والميلاد بمعنى المصدر اذ يقال للآلة التي يوزن بها الأشياء ميزان وقد ورد تسع مرات في القرآن الكريم كقوله تعالى: {والسماء رفعها ووضع الميزان * الا تطغوا في الميزان* وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} فنلاحظ تكرار لفظ الميزان تشديدا للتوصية به، وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه، والميزان ذكره الله تعالى ثلاث مرات في هذه السورة كل مرة بمعنى فالأول هو (الآلة)، والثاني بمعنى (المصدر) أي (الوزن) والثالث للمفعول أي (الموزون) وذكر الكل بلفظ (الميزان) لأنه اشمل للفائدة
وعلى صيغة جمع التكسير وردت لفظة (الموازين) جمع (الميزان) على وزن (مفاعيل) وفي الحقيقة هو ميزان واحد عبر عنه بلفظ الجمع على أساس تعدد الأعمال الموزونة فيه كما تقول: خرج فلان الى مكة على البغال وخرج الى البصرة في السفن وفي التنزيل: {يا أيها الرسل} وقوله: {كذبت عاد المرسلين} وإنما هو رسول واحد، فجاءت لفظة (الموازين) سبع مرات في القرآن الكريم نحو قوله تعالى: {ونضع الموازين القسط} وقوله تعالى: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون} "
وأما المستوى الدلالىة وهو معرفة المعنى فهو المهم وهو الذى يجب الحديث فيه لشرح المعنى وفيه قالتا:
"المستوى الدلالي
لو تأملنا في آي الذكر الحكيم لنلتمس فيها مدلولات مادة (وزن) لوجدناها على معان مختلفة تبعا للسياق القرآني الواردة فيه على التفصيل الآتي:-
1 - آلة الوزن: وهي ما يعرف به مقدار الشيء، فقد أشارت مادة (وزن) الى
هذا المعنى في مواضع متعددة من القرآن الكريم في قوله تعالى {:فاوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا}. وقوله تعالى: {يا قوم أوفوا المكيال والميزان}
وهو ما يوزن به ويتعامل، وتتضح الفائدة في الوزن بانه ينكشف الحال
يومئذ وتظهر جميع الأشياء بحقائقها على ما هي عليه وبأوصافها وأحوالها في
أنفسها من الحسن والقبح وغير ذلك، وتنخلع عن الصور المستعارة التي
بها ظهرت في الدنيا فلا يبقى لاحد ممن يشاهدها شبهة في انها هي
التي كانت في الدنيا بعينها وان كل واحد منها قد ظهر في هذه النشأة
بصورته الحقيقية المستتبعة لصفاته ولا يخطر بباله خلاف ذلك والله تعالى اعلم بحقيقة الحال "
وهذا التفسير هو التفسير الشائع والكيل والميزان لا يراد بهم المعايير الوزنية وإنما يراد بهم العدل فأوفوا المكيال والميزان تعنى كما فسرها قوله " ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين"والمراد لا تظلموا الناس حقوقهم أى تسيروا في الأرض بالباطل فالمعنى المراد هو العدل وهو تنفيد عهد أى حكم الله كما قال تعالى:
" وبعهد الله أوفوا"
ثم قالتا:
2 - الحسنات والسيئات: إشارة الى أعمال الإنسان فمنها ما هو ثقيل في الميزانوهو ماله قدر ومنزلة عند الله وهو الإيمان وأنواع الطاعات ومنها ما هو
خفيف متمثلا بأنواع المعاصي وخير ما يوضح ذلك قوله تعالى: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون}، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه بإتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم وحق الميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا وقد خفت موازين من خفت موازينه بإتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم وحق الميزان يوضع فيه الباطل ان يكون خفيفا وإنما كان كذلك؛ لأن الحق ثقيل والباطل خفيف
3 - العدل: وضع الله عز وجل العدل في الأرض الذي أمر به يقال: وضع الله الشريعة ووضع فلان كذا أي ألقاه، والعدل يسمى ميزانا لان الميزان آلة الإنصاف والعدل والتسوية. وعند ابن منظور: ((الميزان: العدل. ووازنه عادله وقابله، وعدل الموازين والمكاييل: سواها. وعدل الشيء يعدله عدلا وعادله: وازنه)) كما في قوله تعالى: {لقد أرسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} وقوله تعالى: {والسماء رفعها ووضع الميزان} فوجب أن يعدل الإنسان كما يحب ان يعدل عليه وان يوفى
كما يحب ان يوفى له؛ لان العدل صلاح الناس."
الميزان إذا هنا العدل وهو كتاب الله
ثم قالتا:
4 - الشرع: وهو الذي توزن به الحقوق ويسوي بين الناس، ويشير القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى: {الله الذي انزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب} أي الشرع المنصف بين الناس "
والميزان هنا الحق وهو العدل
ثم قالتا:
5 - القضاء: (ذهب الأصفهاني إلى أن ((القضاء بمنزلة الكيل)) ؛لان الكيل والوزن سواء في معرفة المقادير. وكال الدراهم والدنانير: وزنها؛ ويقال
كل هذه الدراهم يريدون زن. وقال مرة: كل ما وزن فقد كيل وجاء هذا المعنى في قوله تعالى: {والوزن يومئذ الحق} أي القضاء"
وقد بين الله للناس أن الوزن وهو الحكم أى الملك مصداق لقوله "والملك يومئذ الحق للرحمن"
وهو الأمر لقوله :
"والأمر يومئذ لله"فالحكم فى يوم القيامة العدل لله
وقالتا :
6 - الأنبياء والأوصياء: وخير ما يمثل هذا المعنى قوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} أراد بذلك الأنبياء والأوصياء."
وهذا التفسير باطل فالموازين هى الأحكام والمعنى ونقضى بالأحكام العادلة كما قال تعالى :
" وقضى بينهم بالقسط"
وقالتا :
7 - الخطر او القدر: قال الفيومي: ((وزن الشيء نفسه ثقل فهو وازن وما أقمت له
وزنا كناية عن الإهمال والاطراح وتقول العرب ليس لفلان وزن أي قدر
لخسته)) ودل على هذا المعنى قوله تعالى: {فلا نقيم لهم يوم القيامة
وزنا} أي لا نجعل لهم خطرا وقدرا
8 - المقدار: يقال: إنما الأشياء مقادير لكل شيء مقدار داخل، وقدر كل شيء ومقداره: مقياسه. وقدر الشيء بالشيء يقدره قدرا وقدره: قاسه، وقد اختلف في تفسير هذا المقدار في قوله تعالى: {وانبتنا فيها من كل شيء موزون}
فأشار الطبري إلى انه مقدر وبحد ويكون مقدرا معلوما عند الجوزي والقرطبي في حين نراه عند الثعالبي مقدر محرر بقصد وإرادة.
ويرى البحث انه متقدر بقدر الحاجة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يعلم المقدار الذي يحتاج اليه الناس وينتفعون به فينبت به تعالى ذلك المقدار في الأرض لذلك قالوا الوزن إنما يراد لمعرفة المقدار فكان إطلاق لفظ الوزن لإرادة معرفة المقدار."
ومعنى قوله" أنبتنا فيها من كل شىء موزون والمراد وأخرجنا فى الأرض من كل زوج كريم مصداق لقوله "فأنبتنا فيها من كل زوج كريم"وهذا يعنى أن الله خلق فى الأرض من كل نوع مقدر أحسن تقدير