إفتح حسابك مع شركة XM  برعاية عرب اف اكس
إفتح حسابك مع تيكيمل

نقد كتاب بيان مسألة العذر بالجهل في المسائل الاعتقادية

رضا البطاوى

عضو فعال
المشاركات
2,704
الإقامة
مصر

xm    xm

 

 

نقد كتاب بيان مسألة العذر بالجهل في المسائل الاعتقادية
المؤلف أبو مصعب الزرقاوى وهو يدور حول اعتبار الجهل عذرا من الأعذار الشرعية التي يعذر بها المرء وقد استهل البحث بقوله:
"تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على اعتبار الجهل عذرا من الأعذار الشرعية التي يعذر بها المرء ، وتقيل عثرته في حال وقوعه بسببها في الخطأ، سواء كان هذا الخطأ في سواء كان فى المسائل الاعتقادية أو العملية من صلاة وصوم وزكاة وغير ذلك لا فرق بين ذلك كله"
وحدثنا الزرقاوى عن خلاف العلماء فى مسألة العذر بالجهل فى مسائل الاعتقاد فقال :
"وهناك خلاف وقع بين العلماء فى مسألة العذر بالجهل فى مسائل الاعتقاد فذهب جله العلماء إلى اعتبار العذر بالجهل ممن لم تقم عليه الحجة ، و ذهب آخرون إلى عدم اعتباره مع أن تفريق الجهل إلى نوعين : جهل في الفروع يعذر وجهل في الأصول لا يعذر ، لا أصل له عند السلف ، وهو باطل يعلم بطلانه من سياق أدلة في إثبات شرعية العذر بالجهل ، حيث اتضح أن الجهل حيثما وجدت أسبابه ودواعيه التي لا يمكن دفعها يعذر صاحبه ، سواء كان جهله في المسائل الأصولية العقدية أو كان في مسائل الفروع العملية ، قول محدث مردود لم يقل به الصحابة ،ولا السلف الصالح ، وهو قول مأثور عن المعتزلة وغيرهم من أهل البدع والأهواء .. وعن بعض ممن تأثر بهم ـ وهو لا يدري ـ من أهل العلم و الأدلة الشرعية تشهد لمذهب الجمهور ، و هم القائلون : يعذر الجاهل بجهله في مسائل الاعتقاد ما لم تبلغه الحجة ، وهذا فيما إذا كان مثله يجهلها لبعده عن ديار الإسلام ، أو عدم من يعلمه ، أو نحو ذلك ، و قد قرر هذا عدد من الأئمة الأعلام ، كالإمام الشافعي ،فقد أخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى ، قال : سمعت الشافعي يقول : ( لله أسماء و صفات لا يسع أحدا ردها ، و من خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر ، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل ؛لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر ) و قال ابن عبد البر : ( من جهل بعض الصفات وآمن بسائرها لم يكن بجهل البعض كافرا لأن الكافر من عاند لا من جهل ، و هذا قول المتقدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين وقال ابن تيمية: ( والاستغاثة بالرسول
بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم كما أنه يستغاث بغيره بمعنى أن يطلب منه ما يليق به ، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به وإما مخطئ ضال وأما بالمعنى الذي نفاه الرسول (ص)فهي أيضا مما يجب نفيها ، و من أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها ) "
الرجل هنا يثبت وجود العذر بالجهل فلا يكفر وهو يستدل عليه بالأدلة التالية:
الدليل الأول :
قوله تعالى:" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"
وجه الاستدلال : الآية تدل على أن من لم تبلغه النذارة فليس بمنذر،وأن الله لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه ، وقال البغوي : وذلك أن الله تعالى أجرى السنة أن لا يأخذ أحدا إلا بعد وجود الذنب، وإنما يكون مذنبا إذا أمر فلم يأتمر أو نهي فلم ينته، وذلك بعد إنذار الرسل ولا عذاب على كافر أصلا حتى تبلغه نذارة الرسول فالحجة لاتقوم إلا بعد العلم والبيان .
الدليل الثانى :
قوله تعالى :" رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما"
وجه الاستدلال:أن الله أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة وبين ما يحبه ويرضاه مما يكر** ، ويأباه لئلا يبقى لمعتذر عذر إذن المعتذر؛ لأنه لم تبلغه النذارة يعذر، وسميت المعذرة حجة مع أنه لم يكن لأحد من العباد على الله حجة تنبيها على أن هذه المعذرة مقبولة لديه تفضلا منه ورحمة ، ومعنى قوله "بعد الرسل "أى بعد إرسال الرسل .
الدليل الثالث :
قوله تعالى :"تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير . قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير".
وجه الاستدلال : إن الخطاب للداخلين عموما يقتضي أنهم جميعا أنذرهم الرسل، ولو تحقق تكليف قبل الشرع لم يكن الأمر كذلك فقوله كلما ألقي فيها فوج يعم جميع الأفواج الملقين في النار أي جميع من يدخلون النار من أهل الكفر فالآية تدل على أن الله تعالى لا يعذب بالنار أحدا إلا بعد أن ينذره في الدنيا فكل من يدخل النار من الكفار يعترف أن نذارة الرسل قد بلغته فقابلها بالرد والإعراض، والجحود .. وأنه دخل النار بعد بلوغ نذارة الرسل إليه
الدليل الرابع :
قوله تعالى "وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال"
وجه الاستدلال: سؤال خزنة جهنم للذين دخلوا النار من الكفار يقتضي أنهم جميعا أنذرهم الرسل، ولو تحقق تكليف قبل الشرع لم يكن لهذا السؤال معنى.
الدليل الخامس :
قوله تعالى:"إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين "
وجه الاستدلال : قال ابن حزم: فهؤلاء الحواريون الذين أثنى الله عليهم قد قالوا بالجهل لعيسى هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ؟! ولم يبطل بذلك إيمانهم وهذا مالا مخلص منه ،وإنما كانوا يكفرون لو قالوا ذلك بعد قيام الحجة وتبينهم لها فرغم أن الشك في أن الله على كل شيء قدير هو كفر، وكذلك الشك بمصداقية نبي الله ، إلا أن الحوارين لم يكفروا وعذروا بالجهل لحداثة عهدهم بالإسلام وبنبيهم عيسى
الدليل السادس:
الذين قالوا من بني إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون".
وجه الاستدلال : الذين قالوا هذا قولهم قول كفري ،ولم يكفرهم موسى ،ولم يأمر بقتلهم أو استتابتهم من الردة، وسؤالهم أن يجعل لهم إلها مع الله كفر بواح لا شك فيه،رغم هذا قال لهم موسى إنكم قوم تجهلون عظمة الله وجلاله ،وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل .
الدليل السابع :
قوله "وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين"
وجه الاستدلال: قوله : وسيق الذين كفروا يعم كل الذين كفروا ،وهو ظاهر في أن جميع أهل النار قد أنذرتهم الرسل في دار الدنيا؛ فعصوا أمر ربهم .
الدليل الثامن :
في صحيح سنن الترمذي وغيره، عن واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله (ص)، إلى حنين ،ونحن حديثو عهد بكفر، وكانوا أسلموا يوم فتح مكة، قال: فمررنا بشجرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فلما قلنا ذلك للنبي (ص) قال:" الله أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون " لتركبن سنن من كان قبلكم ".
وجه الاستدلال : فرغم أن قولهم قول كفري ،وهو شبيه بقول بني إسرائيل ) اجعل لنا إلها ( إلا أنهم لم يكفروا بأعيانهم لجهلهم وحداثة عهدهم بالإسلام.
الدليل التاسع :
حديث الرجل الذي أمر أولاده بأن يحرقوه بعد موته، ويلقوا نصف الرماد في البر والآخر في البحر، وقال : لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا... فأمر الله الأرض والبحر فجمعتا ما فيهما فإذا هو قائم فقال له تعالى: ما حملك على هذا؟ قال: يا رب خشيتك فغفر له
وجه الاستدلال: قال ابن تيميه: قال شيخ الإسلام فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك.
وكل واحد من إنكار قدرة الله تعالى وإنكار معاد الأبدان وإن تفرقت: كفر لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلا بذلك، ضالا في هذا الظن مخطئا، فغفر الله له ذلك وقال ابن حزم: فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله يقدر على جمع رماده وإحيائه، وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله. وقد قال بعض من يحرف الكلم عن مواضعه أن معنى لئن قدر الله علي؛ إنما هو لئن ضيق الله علي، كما قال تعالى: " وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه " وهذا تأويل باطل لا يمكن ؛لأنه كان يكون معناه حينئذ لئن ضيق الله علي ليضيقن علي، وأيضا فلو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق ويذر رماده معنى، ولا شك في أنه إنما أمر بذلك ليفلت من عذاب الله تعالى
وقال ابن القيم: وأما جحد ذلك جهلا، أو تأويلا يعذر فيه صاحبه ، فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه، وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، ومع هذا فقد غفر الله له ورحمه لجهله، إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ عمله، ولم يجحد قدرة الله على إعادته عنادا أو تكذيبا
الدليل العاشر:

قوله (ص) : (يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صيام، ولا صلاة، ولا نسك، ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة، لا إله إلا الله، فنحن نقولها. قال صلة بن زفر لحذيفة – وهو راوي الحديث – ما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة، ولا صيام، ولا نسك، ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: يا صلة تنجيهم من النار، ثلاثا )
وجه الاستدلال : لا إله إلا الله تنجيهم ؛لأنهم جهال لا يدرون ما صلاة، ولا صيام، ولا نسك، ولا صدقة، وهم يقولون لا إله إلا الله تقليدا وتبعا لآبائهم .. لأنهم يعيشون في زمان رفعت فيه الشريعة، واندرست فيه جميع تعاليم الإسلام، حتى شهادة أن محمدا رسول الله."
الحديث لا يمكن أن يقوله النبى(ص) لتعارضه فى زوال القرآن كله مع قوله تعالى :
"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
وقوله:
"وإنه لقرآن مجيد فى لوح محفوظ"
وقال :
"الدليل الحادى عشر:
عن الأسود بن سريع أن النبي (ص)، قال أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة. فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام ولم أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول: رب جاء الإسلام وما أعقل شيئا، والصبيان يحذفونني بالبعر. وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام ولم أعقل شيئا وأما الذي مات في الفترة. فيقول: رب ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم: أن ادخلوا النار، فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها سحب إليها)
وجه الاستدلال : هؤلاء الأربعة جميعهم يحتجون بالجهل، وأنهم كانوا عاجزين عن تحصيل العلم أو الوقوف عليه .. وإن كان جهل كل واحد منهم له سببه المختلف عن الآخر، إلا أن صفة الجهل مشتركة فيما بينهم لعدم تمكنهم من طلب العلم وفهمه أو إدراكه."
الحديث لا يصح فلا أحد يحتج على الله يوم القيامة كما قال تعالى :
" والأمر يومئذ لله"

وقال :
"رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل"
وقال الزرقاوى مبينا عدم اعتراف البعض بتلك الأحاديث :
"فقال: فهذه الأحاديث يشد بعضها بعضا وتشهد لها أصول الشريعة وقواعدها، والقول بمضمونها هو مذهب السلف والسنة، نقله عنهم الأشعري في المقالات وغيرها. فإن قيل: قد أنكر ابن عبد البر هذه الأحاديث وقال: أهل العلم ينكرون أحاديث هذا الباب، لأن الآخرة ليست دار عمل ولا دار ابتلاء، وكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها؟ فالجواب من وجوه: أحدها: أن أهل العلم لم يتفقوا على إنكارها بل ولا أكثرهم وإن أنكرها بعضهم فقد صحح غيره بعضها كما تقدم.
والثاني: أن أبا الحسن الأشعري حكى هذا المذهب عن أهل السنة والحديث، فدل على أنهم ذهبوا إلى موجب هذه الأحاديث.
الثالث: أن إسناد حديث الأسود أجود من كثير من الأحاديث التي يحتج بها في الأحكام.
الرابع: أنه قد نص جماعة من الأئمة على وقوع الامتحان في الدار الآخرة، وقالوا: لا ينقطع التكليف إلا بدخول دار القرار ذكره البيهقي عن غير واحد من السلف.
الخامس: ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد في الرجل الذي هو آخر أهل الجنة دخولا إليها، أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه أن لا يسأله غير الذي يعطيه، وأنه يخالفه ويسأله غيره، فيقول الله تعالى: " ما أغدرك "
هذا الحديث لا يصح فالله لا يحاسب واحدا واحدا وإنما الحساب جماعى عن طريق تسليم الكتب المنشرة كما قال تعالى :
"يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إنى ظننت أنى ملاق حسابيه فهو فى عيشة راضية فى جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم فى الأيام الخالية وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتنى لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه" وقال :
السادس: قوله: وليس ذلك في وسع المخلوقين جوابه من وجهين: أحدهما، أن ذلك ليس تكليفا بما ليس في الوسع، وإنما هو تكليف بما فيه مشقة شديدة وهو كتكليف بني إسرائيل قتل أولادهم وأزواجهم وآبائهم حين عبدوا العجل، وكتكليف المؤمنين إذا رأوا الدجال ومعه مثال الجنة والنار أن يقعوا في الذي يرونه نارا الثاني: إنهم لو أطاعوه ودخلوها لم يضرهم، وكانت بردا وسلاما، فلم يكلفوا بممتنع ولا بما لم يستطع."
والخطأ هنا تكليف بنى إسرائيل قتل أولادهم وأزواجهم وآبائهم حين عبدوا العجل فالله قال اقتلوا أنفسكم ولم يقل اقتلوا أولادكم ونساءكم فالمطلوب منهم قتل كل واحد نفسه كما قال تعالى :
"وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم"
والخطأ الأخر تكليف المؤمنين إذا رأوا الدجال ومعه مثال الجنة والنار أن يقعوا في الذي يرونه نارا فلا وجود للدجال ولا وجود معه لنار أو جنة فأحاديث الدجاجلة تتعارض مع بعضهم فهناك أحاديث عن ثلاثين دجالا وهى تعارض حديث الدجال الواحد وقال:
"السابع: إنه قد ثبت أنه يأمرهم في القيامة بالسجود ويحول بين المنافقين وبينه، وهذا تكليف بما ليس في الوسع قطعا .. كما جعل قطع الصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف سببا، كما قال: أبو سعيد الخدري: " بلغني أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف" رواه مسلم. فركوب هذا الصراط الذي هو في غاية المشقة كالنار، ولهذا كلاهما يفضى منه إلى النجاة"
والخطأ وجود الصراط حيث يدخل القوم النار سقوطا من فوقه وهو ما يناقض كون دخول الجنة والنار عن طريق الدخول من الأبواب كما قال تعالى :
"وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين"
وتحدث عن التكليف بعد الموت فقال:
"الثامن: إن هذا استبعاد مجرد لا ترد بمثله الأحاديث .. فإن قيل: فالآخرة دار جزاء وليست دار تكليف، يمتحنون في غير دار التكليف؟ فالجواب: إن التكليف إنما ينقطع بعد دخول القرار، وأما في البرزخ وعرصات يوم القيامة فلا ينقطع، وهذا معلوم بالضرورة من الدين من وقوع التكليف بمسألة الملكين في البرزخ وهي تكليف، وأما في عرصة القيامة فقال تعالى: "يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون" . فهذا صريح في أن الله يدعو الخلائق إلى السجود يوم القيامة، وأن الكفار يحال بينهم وبين السجود إذ ذاك، ويكون هذا التكليف بما لا يطاق حينئذ حسا عقوبة لهم، لأنهم كلفوا به في الدنيا وهم يطيقونه فلما امتنعوا منه وهو مقدور لهم كلفوا به ،وهم لا يقدرون عليه حسرة عليهم وعقوبة لهم"
وهذا الكلام مردود فى التكليف بعد الحياة الدنيا لأنه لو كان هناك تكليف بعد الموت لكان عليه حساب أخر وآية السجود لا تعنى ما ذهب إليه الزرقاوى ومن معه فمعناها يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون هو يوم يقضى على النفس ويريدون العمل الصالح فلا يقدرون عليه بالعودة للدنيا كما قال تعالى :
"حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلى اعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها "
ثم قال :
الدليل الثانى عشر:
وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة قال: "والذي نفسي محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار".
وجه الاستدلال : مفهوم الحديث أن من مات ولم يسمع بالرسول (ص) ولا بدعوته، فهو ليس من أصحاب النار، حيث له شأن آخر يوم القيامة، كما جاء في حديث صاحب الفترة الذي يقول:" ربي ما أتاني لك رسول ". فيرسل له الله تعالى أن ادخل النار فإن دخلها كانت برد وسلاما، وإن لم يدخلها سحب إليها.. كما تقدم معنا في الحديث الذي رواه أسود بن سريع عن الأربعة الذين يحتجون يوم القيامة."
والحديث لا يصح فكيف يكون اليهودى أو النصرانى من أمة المسلمين ؟فالحديث متناقض بين كون الأحد من الأمة وبين كونه يهودى ونصرانى ؟
وحدثنا عن الشبهات فقال :
الشبهة الأولى : التفريق بين المسائل الفقهية والمسائل العقدية الرد على هذه الشبهة : هذا التفريق في الجهل إلى نوعين، جهل في الفروع يعذر وجهل في الأصول لا يعذر، لا أصل له عند السلف، وهو باطل يعلم بطلانه من سياق الأدلة الآنفة الذكر في إثبات شرعية العذر بالجهل، حيث اتضح أن الجهل حيثما وجدت أسبابه ودواعيه التي لا يمكن دفعها يعذر صاحبه، سواء كان جهله في المسائل الأصولية العقدية أو كان في مسائل الفروع العملية. ومما يرد به على هذه الشبهة:
1- أنه قول يعوزه الدليل من الكتاب والسنة، فهذا التقسيم لا يمكن إقراره.
2- أن الأدلة من الكتاب والسنة التي تعذر بالجهل جاءت عامة لجميع أنواع الجهل، من دون تفريق بين جهل وجهل، وتخصيصها بنوع من الجهل دون نوع يحتاج لدليل مخصص فيعذر بالجهل إذا وجدت مبرراته ودواعيه وأسبابه.
3- أن من الأدلة الآنفة الذكر جاءت كدليل صريح على العذر في مسائل الأصول.
4- أنه قول محدث مردود لم يقل به الصحابة ،ولا السلف ، وهو مأثور عن المعتزلة "
وحدثنا عن الشبهة الثانية فقال :
"الشبهة الثانية: قال الذين لا يعذرون بالجهل قد قال تعالى: ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون"
فهذه الآية عامة فى أن من يشرك مع الله أحدا فحكم الله عليه بالكفر سواء كان جاهلا أولم يكن جاهلا فثبت أن الكافر لا يعذر بالجهل إن كان جاهلا
الرد على الشبهة : سلمنا بأن من عبد مع الله غيره لا يعذر فهذا صنف من أصناف الجهال فكيف يعمم الحكم على جميع أصناف الجهال؟ أى هذا حكم خاص فى صنف من الجهال الذين عبدوا مع الله غيره ،وليس كل الجهال كذلك ،والجاهل ليس من شأنه أن يبتدع آلهة مع الله فهذا لا يناسب مقامه كجاهل بل سيحاسب على تكلفه ما ليس له به علم ،ولا برهان ،ولكن الآية لم تنص على عذاب من أشرك مع الله غيره بل قال تعالى: " فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون" أى سيحاسب على هذا الفعل ،والحساب غير العذاب فإن كان من أهل الأعذار يعذر وإلا يعذب ،وعليكم أن تجمعوا بين النصوص ،والإعمال خير من الإهمال أى أن إعمال دلالة النصوص خير من إهمالها."
والخطأ فى رد الزرقاوى هو أن الحساب غير العذاب فالعذاب مترتب أساسا على الحساب والمفهوم الشائع عن معظم الناس أن الله يحاسب الناس حساب فرديا فيقرر كل واحد على ذنبه وكما سبق أن قلت فالحساب يكون فى لحظات معدودة حيث يتسلم كل واحد كتاب عمله فمن استلمه باليمنى دخل الجنة ومن استلم بالشمال دخل النار وفى هذا الحساب قال تعالى :
"يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إنى ظننت أنى ملاق حسابيه فهو فى عيشة راضية فى جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم فى الأيام الخالية وأما من أوتى كتابه بشماله فيقول يا ليتنى لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عنى ماليه هلك عنى سلطانيه"
وحدثنا عن روايات فيما يسمى أهل الفترة فقال :
الشبهة الثالثة: استدل الذين لا يعذرون بالجهل بأحاديث منها: عن عائشة ، قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال لا ينفعه، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين "
والحديث لا يصح فأى إنسان لم تصله الرسالة لا يعذب طالما فكر وعرف وجود ظلم وعدل فمنع نفسه من الظلم المعروف بين الناس كما قال تعالى :
" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"
ثم نقل الحديث التالى:
"وعن زيد بن ثابت قال بينما النبي (ص) في حائط لبني النجار على بغلة له ،ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة قال كذا كان يقول الجريري فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر فقال رجل أنا قال فمتى مات هؤلاء قال ماتوا في الإشراك فقال :إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ثم أقبل علينا بوج** فقال تعوذوا بالله من عذاب النار قالوا نعوذ بالله من عذاب النار فقال تعوذوا بالله من عذاب القبر قالوا نعوذ بالله من عذاب القبر قال تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن قالوا نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن قال تعوذوا بالله من فتنة الدجال قالوا نعوذ بالله من فتنة الدجال . رواه مسلم . وعن أنس، أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال:" في النار " فلما قفا دعاه، فقال: إن أبي وأباك في النار. رواه مسلم قال الذين لايعذرون بالجهل: دلت الأحاديث أن أهل الفترة قبل البعثة لا يعذرون بجهلهم إذن الجاهل لايعذر بالجهل . "
والحديث لا يصح لتناقضه مع كتاب فلا يوجد عذاب فى القبر لأن الجنة والنار الموعودتين فى السماء فى حياتنا الدنيا كما قال تعالى :
"وفى السماء رزقكم وما توعدون"
وفى رحلة المعراج الآية صريحة فى وجود النعيم وهو الجنة فى السماء كما قال تعالى :
"عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى"
وأما رده فهو :
الرد على الشبهة:قولكم أهل الفترة قبل البعثة لا يعذرون بجهلهم حق لكن استدلالكم بهذا على أن الجاهل لا يعذر بالجهل باطل ؛لأن أهل الفترة قسمان: قسم تأتي فترتهم من جهة انقطاع الرسل، وطول الفترة بينهم وبين من أرسل إلى من قبلهم، ولكن بلغتهم نذارة الرسل، وهؤلاء ـ رغم انقطاع الرسل عنهم ـ لا يعذرون بالجهل، وهم محجوجون بنذارة الرسل الذين أرسلوا إلى من قبلهم وقسم آخر تأتي فترتهم من جهة عدم بلوغ نذارة الرسل إليهم .. ومن جهة انقطاع النذارة عنهم .. وهؤلاء هم الذين يعذرون بالجهل، وإن لم يكن بينهم وبين إرسال الرسل فترة طويلة. فالعبرة في اعتبار أهل الفترة المعذورين عدم بلوغ نذارة الرسل وليس طول الفترة بين الرسول والرسول، أو بينهم وبين إرسال الرسول ومن كان قبل البعثة لاشك أنه من أهل الفترة قال تعالى: " بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون"والمراد بالقوم أهل الفترة بين عيسى (ص)ومحمد (ص) قاله ابن عباس ومقاتل لكن أهل الفترة قبل البعثة ليسوا بمعذورين ؛لأن دعوة إبراهيم كانت قد بلغتهم بالجمع بين هذه الأدلة وأدلة العذر بالجهل حتى لا يكون هناك تناقض ،والإعمال خير من الإهمال أى إعمال دلالة النصوص خير من إهمالها،والمتأمل فيما استدل به الذين لا يعذرون بالجهل يرى ذلك فقول النبى:" لا ينفعه، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " فيه دليل أن دعوة الرسل قد بلغنه ،وإن كان من أهل الفترة فنذارة الرسل قبل نبينا (ص) ـ وبخاصة إبراهيم ـ قد بلغته؛ لأن هذه الكلمات التي ألزمه بها النبي (ص) وعلل عذابه بسبب أنه لم يقلها لا يمكن لابن جدعان أن يعرفها إلا عن طريق الرسل. و كان ينبغي أن يقول تلك الكلمات وأمثالها .. لكنه أبى وأعرض واستكبر .. فحق عليه العذاب بسبب ذلك. وقد جاء في السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل، وكان قد فارق دين قومه فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان، ونهى عن قتل المؤودة، وقد بادى قومه بعيب ما هم عليه وكان يقول: يا معشر قريش، والذي نفسي زيد بن عمرو بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري، ثم يقول: اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به، ولكني لا أعلمه، ثم يسجد على راحته فحجتنا قوله تعالى:" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"
فأهل الجاهلية الذين ماتوا قبل بعثته (ص) معذبون بشركهم وكفرهم، وذلك يدل على أنهم ليسوا من أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة نبي ، إذ لو كانوا كذلك لم يستحقوا العذاب "
وما قاله الزرقاوى عن هذا التقسيم خطأ لأنه قد يوجد الرسول والرسالة فى نفسه الوقت ويوجد من لا تبلغه الرسالة لسبب ما كوجوده فى مناطق لا يصل إليها الناس فى العادة إلا عن طريق الصدفة ولذا قال تعالى :
" وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ"
فالمهم هو بلاغ الرسالة ليكون هناك حساب وأما فى حالة عدم البلاغ فالحساب من المؤكد أنه لا يسقط ولكنه يكون على النية وعدم الظلم المعروف
ونقل الزرقاوى قل ابن عثيمين فقال:
"قال الشيخ ابن عثيمين: الجهل نوعان: جهل يعذر فيه الإنسان، وجهل لا يعذر فيه مما كان ناشئا عن تفريط وإهمال مع قيام المقتضي للتعلم، فإنه لا يعذر فيه، سواء في الكفر أو في المعاصي وما كان ناشئا عن خلاف ذلك، أي: أنه لم يهمل ولم يفرط ولم يقم المقتضي للتعلم، بأن كان لم يطرأ على باله أن هذا الشيء حرام فإنه يعذر فيه، فإن كان منتسبا للإسلام لم يضره وإن كان منتسبا إلى الكفر: فهو كافر في الدنيا ، لكن في الآخرة أمره إلى الله،وعلى القول الراجح يمتحن، فإن أطاع دخل الجنة ،وإن عصى دخل النارفعلى هذا من نشأ ببادية بعيدة ليس عنده علماء، ولم يخطر بباله أن هذا الشيء حرام ، أو أن هذا الشيء واجب فهذا يعذر... وأما من كان بالعكس كالساكن في المدن يستطيع أن يسأل لكنه عنده تهاون وغفلة: فهذا لا يعذر، لأن الغالب في المدن أن هذه الأحكام لا تخفى عليه، ويوجد فيها علماء يستطيع أن يسألهم بكل سهولة، فهو مفرط فيلزمه القضاء، ولا يعذر بالجهل.
القدر الذي تقوم به الحجة على الكافر هو الحد الذي به يندفع جهل الكافر بنذارة الرسل ، ويحقق عنده العلم بحجة ونذارة الرسل فحيثما يتمكن من العلم ـ على وجه الإجمال ـ بدعوة الرسل ... والغاية التي أرسلوا لأجلها .. فقد أقيمت عليه الحجة، ورفع عنه العذر بالجهل، وهو محاسب على ما يقع فيه من تقصير وتفريط. فلو بلغه من العلم ـ عن أي طريق ـ أن محمدا بن عبد الله هو رسول الله للعالمين، قد أرسله الله تعالى بالتوحيد ونبذ الشرك والتنديد .. لكفى بهذا القدر لقيام الحجة عليه من جهة نذارة الرسل كما في الحديث الذي يرويه مسلم بسنده عن أبي هريرة، عن رسول الله (ص) أنه قال:" والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" فدل الحديث على أن من سمع بالنبي (ص) ـ مجرد سماع ـ بأنه رسول الله للعالمين، وبدعوته إلى التوحيد التي جاء بها من عند ربه .. ثم لم يؤمن به وبما جاء به .. إلا حق عليه العذاب، وكان من أصحاب النار. قال ابن حزم: فإنما أوجب النبي (ص) الإيمان به على من سمع بأمره (ص)، فكل من كان في أقاصي الجنوب والشمال والمشرق، وجزائر البحور، والمغرب، وأغفال الأرض من أهل الشرك، فسمع بذكره (ص) ففرض عليه البحث عن حاله وإعلامه والإيمان به. أما من لم يبلغه ذكره (ص) فإن كان موحدا فهو مؤمن على الفطرة الأولى صحيح الإيمان، لا عذاب عليه في الآخرة، وهو من أهل الجنة، وإن كان غير موحد فهو من الذين جاء النص بأنه يوقد له يوم القيامة نار، فيؤمرون بالدخول فيها ، فمن دخلها نجا، ومن أبى هلك ومن شروط صحة قيام الحجة ، أن تصل الحجة المحجوج أو المخالف بلغة يفهمها حتى يفهم مدلولات الحجة وما هو المراد منها فلو قيل بالعربية لأعجمي لا يفقه شيئا من العربية: آمن أنه لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأن القرآن كلام الله، وأن البعث والنشور حق .. فهو لا يدرك ولا يفهم ماذا يطلب منه، ومثله مثل الأصم الذي لا يسمع، ومن كان كذلك لا يسقط عنه العذر بالجهل، ولا يصح أن يقال قد أقيمت عليه الحجة ؛ لأننا بعملنا هذا لم نوجد عنده الاستطاعة على فهم الحجة مما قيل له .. ولم ننفي عنه بذلك فيما هو فيه من العجز عن إدراك مراد الشارع وما قيل له .. وإذا عدمت الاستطاعة ،وتحقق العجز رفع التكليف، وسقطت المؤاخذة وليس من شروط قيام الحجة فقا أو التزامها، إذ يكفي لقيام الحجة على المحجوج أن تصله بلغة يفهم مدلولات الخطاب ،وما يراد منه، سواء عقل الخطاب وفقهه والتزمه أو أنه لم يعقله ولم يفقهه.. إذ يوجد فرق بين فهم الخطاب وبين فقه والتزام الخطاب والفهم الذي به تقوم الحجة هو فهم الخطاب، من حيث دلالاته اللغوية ، وخلوه مما يمنع من ذلك .. لا الفهم لحقيقة الخطاب الذي يؤدي بصاحبه إلى الالتزام والاقتناع، إذ لا سبيل إلى ذلك إلا ما شاء الله له الهداية وشرح صدره للإسلام المعلوم من الدين بالضرورة هو الذي لا يسع مسلما جهله لنشوئه في دار الإسلام كتحريم المحارم في النكاح، ووجوب الصلوات الخمس، وصوم رمضان، ونحو ذلك ،ولكن يجب العلم أن هذه المسألة نسبية ، وأن ما قد يكون معلوما بالضرورة عند أناس لا يكون معلوما عند آخرين لغلبة الجهل بالحق، ونشوء التأويل الفاسد من كثير من العلماء فكم من عالم أفتى بجواز دعاء غير الله، والتحاكم إلى غير شريعته والذبح والنذر لغيره ، وبجواز شرب أنواع من الخمر، وجواز النظر إلى الصور العارية، وجواز القبلة للأجنبية، وحل أكل أنواع الربا، وجواز حلق اللحية ونحو ذلك إلى مما هو في الأصل داخل تحت المعلوم من الدين ضرورة لكثرة النصوص فيه، وتناقل الناس العلم به جيلا بعد جيل ،ولذلك فالتعجل بالحكم بالكفر على من جهل ذلك إثم عظيم،
وكذلك لا يجوز إقامة الحد والتعزير لمن فعل شيئا من ذلك جاهلا أو متأولا بل كل ذلك لا يجوز إلا بعد البيان عملا بهذه القاعدة : (الجاهل معذور) (ولا مؤاخذة إلا بعد العلم)"
وهذا القاعدة صحيحة فى عقاب إلا بعد العلم كما قال تعالى :
"وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم"
 
عودة
أعلى