-2-
4_ الأفضلية ليست أكثر من مجرد مؤشر على أن إحتمال شيء ما هو أكبر من إحتمال شيء آخر .
إن خلق الإستمرارية يتطلب أن تقبل تماما بأن التداول لايتعلق بالأمل , أو التساؤل , أو جمع الأدلة بطريقة أو بأخرى لتحدد فيما إذا كانت الصفقة القادمة ستنجح أم لا .
فالدليل الوحيد الذي تحتاجه هو , هل المتغيرات التي تستخدمها لتحديد أفضليتك موجودة في لحظة ما أم لا .
عندما تستخدم معلومات أخرى خارج نطاق المعيار الذي تحدد به أفضليتك لتقرر فيما إذا كنت ستأخذ الصفقة , فأنت بذلك تضيف متغيرات عشوائية لنظام تداولك .
وإضافة متغيرات عشوائية سيجعل من الصعب جدا عليك إن لم يكن من المستحيل , أن تحدد ما الذي سيصلح وما الذي لن يصلح .
فإذا لم تكن متأكدا من جدوى أفضليتك فلن تشعر بالثقة بها . وبقدر ما تفتقر إلى هذه الثقة , بقدر ما ستشعر بالخوف .
المفارقة هي أنك , ستكون خائفا من العشوائية , ومن النتائج الغير متسقة , بدون أن تدرك أن أسلوب عملك العشوائي والغير متسق هو الذي يخلق بالضبط ماتخاف منه .
أما من ناحية أخرى , إذا آمنت بأن الأفضلية تعني ببساطة أن احتمال شيء ما أكبر من احتمال شيء آخر , وأن هناك توزيع عشوائي بين صفقاتك الرابحة والخاسرة مهما كانت مجموعة المتغيرات التي تعتمد عليها في تحديد أفضليتك ,
فلماذا قد تجمع أدلة "أخرى" مع أو ضد صفقتك ؟ بالنسبة لمتداول يعمل انطلاقا من هذين المعتقدين السابقين , فإن جمع أدلة "أخرى" لن يكون له أي معنى .
أو سأصيغها بهذه الطريقة : جمع أدلة "أخرى" هو تقريبا مثل محاولتنا لمعرفة فيما إذا كانت رمية القطعة النقدية التالية ستكون وجه , بعد أن كانت نتيجة آخر 10 رميات هي ذيل ,
فبغض النظر عن الأدلة التي ستجدها والتي تدعم ظهور الوجه في الرمية التالية , سيبقى الاحتمال هو 50 % بأن الرمية التالية ستأتي ذيل .
وعلى نفس المنوال , فإنه بغض النظر عن حجم الأدلة التي تجمعها والتي تدعم تدخلك أو عدم تدخلك في الصفقة , فإن الأمر مازال يتطلب متداولا واحدا فقط في مكان ما في العالم ليلغي بعض من أدلتك هذه , إن لم يكن كلها .
الفكرة هي لماذا تتعب نفسك ؟! فإذا قدم السوق لك أفضلية منطقية , حدد مخاطرتك و ادخل الصفقة .
5_ كل لحظة في السوق فريدة من نوعها .
توقف للحظة وفكر بمفهوم الفرادة ((أو التفرد)) . "فريد" تعني أنه لايوجد شيء مماثل له ولم يوجد يوما . و بقدر ما يقل فهمنا لمبدأ الفرادة بقدر ماتعمل عقولنا بشكل سيء على المستوى العملي .
كما ناقشنا سابقا , عقولنا مصممة بحيث تقوم بالربط بشكل تلقائي (بدون وعي شعوري إرادي) , تقوم بربط أي شيء في المحيط الخارجي بما هو مشابه له وموجود داخلنا على شكل ذاكرة أو معتقد أو سلوك .
وهذا يخلق تضارب داخلي بين , الطريقة الطبيعية التي نفكر فيها في العالم , وبين طريقة وجود هذا العالم .
لايمكن لأي لحظتين في المحيط الخارجي أن تتكررا بنفس الشكل تماما , فلكي تتكررا يجب أن تكون كل ذرة وجزيئة في نفس الوضعية التي كانت فيها تماما في اللحظة السابقة . وهذا احتمال غير وارد .
ومع ذلك , بحسب طريقة تصميم عقولنا لتعالج المعلومات , سوف نعيش "اللحظة الحالية" في محيطنا على أنها نفس لحظة سابقة موجودة في عقولنا .
إذا كانت كل لحظة لا تشبه أي لحظة أخرى , فعندها لا يوجد شيء على مستوى تجاربك العقلانية يمكن أن يخبرك على وجه اليقين بأنك "تعرف" ما الذي سيحصل لاحقا .
لذلك سأقول مرة أخرى , لماذا تتعب نفسك و أنت تحاول أن تعرف ؟! فعندما تحاول أن تعرف فأنت ضمنيا تحاول أن تكون على صواب .
أنا لا ألمح هنا أنك لا تستطيع أن تتنبأ ماذا سيفعل السوق لاحقا و يكون تنبؤك صحيحا , لأنه بالتأكيد يمكنك ذلك .
ولكن ما أقوله هو أنه عند محاولتك تلك فعندها تقع في كل المشاكل .
فعندما تؤمن أنك تنبأت بالسوق بشكل صحيح لمرة , فإنك بشكل طبيعي ستحاول فعلها مرة ثانية .
و نتيجة لذلك , سيبدأ عقلك بشكل تلقائي بفحص السوق باحثا عن نفس النمط , أو الظروف , أو الحالة , التي كانت قائمة في المرة السابقة التي تنبأت فيها بالحركة بشكل صحيح .
وعندما تعثر على هذا النمط سيقوم عقلك بجعل الحالة مشابهة للحالة السابقة من كل النواحي . ولكن المشكلة أنه من منظور السوق فالحالة هي ليست نفسها .
وبالنتيجة , فأنت تحضّر نفسك لخيبة أمل .
ما يميز أفضل المتداولين عن البقية , أنهم دربوا عقولهم على أن يؤمنوا بالفرادة لكل لحظة (على الرغم من أن هذا التدريب عادة ما يأخذ شكل خسارة ثروات قبل أن يؤمنوا "فعلا" بمفهوم الفرادة ) .
هذا الإيمان بالفرادة , يعمل كقوة معطلة ومحيّدة لآليات الربط التلقائية .
فعندما تؤمن حقا بأن كل لحظة فريدة من نوعها , فعندها بحكم تعريف الفرادة لايوجد أي شيء في عقلك لتقوم آليات الربط بالاتصال به في تلك اللحظة .
و هذا الإيمان بالفرادة يعمل كقوة داخلية مسببا لك فصل "اللحظة الحالية" في السوق عن أي لحظة سابقة موجودة في عقلك .
بقدر ما يكون إيمانك قويا بفرادة كل لحظة , بقدر ما تكون إمكانية الربط منخفضة , وبقدر ما تنخفض إمكانية الربط , بقدر ما يكون عقلك منفتحا ليتلقى ما يعرضه السوق عليك من منظوره .