إفتح حسابك مع HFM
إفتح حسابك مع شركة XM  برعاية عرب اف اكس

كتاب التداول في المنطقة ( Trading in the zone ) مترجم حصري لعرب اف اكس

الإنتقال إلى التحليل الفني

كان التحليل الفني موجودا منذ وجود أسواق منظمة للتبادل , ولكن المجمع التجاري لم يقبل بالتحليل الفني كأداة صالحة لكسب المال حتى أواخر عام 1970 أو حتى أوائل 1980 .
وهنا عرف المحلل الفني أن الإتجاه العام لمجتمع السوق قد إستغرق أجيالا للحاق به .
يشارك عدد معين من المتداولين في الأسواق في كل يوم , أو أسبوع , أو شهر , والعديد من هؤلاء المتداولين يقومون بنفس المجموعة من الأمور مرارا و تكرارا محاولين كسب المال .
بعبارة أخرى , الأفراد يطورون أنماطا سلوكية , ومجموعات الأفراد أثناء تفاعلهم مع بعضهم البعض بأسس ثابتة يشكلون أنماط سلوك جماعية .
هذه الأنماط السلوكية يمكن ملاحظتها و قياسها كميا , وهي تكررنفسها بحيث يمكن الإعتماد عليها إحصائيا .
والتحليل الفني هو المنهج الذي ينظم هذا السلوك الجماعي ضمن أنماط يمكن تمييزها , بحيث تعطي إشارة صريحة بأن إحتمال حدوث شيء ما هو أكبر من إحتمال حدوث شيء آخر .
بمعنى أن , التحليل الفني يسمح لك بأن تدخل إلى عقل السوق لتتوقع ماهو المرجح أن يحدث لاحقا , وذلك إعتمادا على نوع أنماط السوق المولّدة في لحظة سابقة .
وقد تبيّن أن التحليل الفني قد تفوق بأشواط على التحليل الأساسي المحض كنهج للتنبؤ بحركة السعر المستقبلية .
فهو يُبقي المتداول مركزا على ما يفعله السوق الآن بالمقارنة مع ما فعله في الماضي , بدلا من التركيز على ماكان ينبغي على السوق فعله إعتمادا فقط على ماهو منطقي و معقول بحسب نموذج رياضي ما .
من ناحية أخرى , فالتحليل الأساسي يخلق ما أسميه "فجوة في الواقع" بين "مايجب أن يكون" وبين "ماهو كائن حقا" .
هذه الفجوة في الواقع تجعل من الصعب جدا علينا أن نقوم بأي شيء عدا توقعات بعيدة المدى , والتي من الصعب الإستفادة منها , حتى ولو كانت صحيحة .
وعلى النقيض من ذلك , فالتحليل الفني لايغلق فجوة الواقع هذه فحسب , وإنما يوفر للمتداول أيضا عدد غير محدود فعليا من الإحتمالات لإستغلالها .
المنهج الفني يفتح إمكانيات و إحتمالات أكبر بكثير لأنه يحدد ويبين كيفية حدوث نفس سلوك الأنماط المتكررة على كل الأطر الزمنية _ لحظة بلحظة_ سواء على اليومي , أو الأسبوعي ,أو السنوي , أو على كل فترة زمنية بين هذه الفترات .
بعبارة أخرى , التحليل الفني يحوّل السوق إلى جدول لامتناهي من الفرص بما يتيح للمرء أن يحقق الثراء .
 
الإنتقال إلى التحليل العقلي

-1-

إذا كان التحليل الفني ناجحا إلى درجة كبيرة , فما الذي يجعل المزيد و المزيد من المتداولين في مجمع التداول ينقلون تركيزهم من التحليل الفني للسوق إلى التحليل العقلي لأنفسهم , أي إلى علم نفس تداولهم الفردي الخاص ؟
للإجابة على هذا السؤال , فليس عليك إلا أن تسأل نفسك لماذا اشتريت هذا الكتاب .
غالبا السبب هو أنك غير راض عن الفرق بين ماتصورته من إمكانية غير محدودة لكسب المال , وبين المحصلة النهائية لأداءك والذي هو أبعد مايكون عن ذلك , تلك هي المشكلة في التحليل الفني , إذا أردت أن تسميها مشكلة .
فأنت بمجرد تعلمك تمييز الأنماط و قراءة السوق , تكتشف أنه هناك فرص لانهائية لكسب المال ,
ولكن , و أنا واثق أنك تعرف هذا مسبقا , قد يكون هناك فجوة هائلة بين ما تفهمه بشأن الأسواق , و بين قدرتك على تحويل ذلك الفهم أو المعرفة إلى أرباح مستمرة , أو إلى منحنى رصيد بياني صاعد بثبات .
فكر في عدد المرات التي نظرت فيها إلى السعر وقلت في نفسك " مممممم , يبدو أن السوق سيرتفع ( أو سينخفض , بحسب الحالة ) " , و حدث فعلا ما تنبأت به ,
ولكنك لم تفعل شيئا سوى مراقبة السوق وهو يتحرك , بينما أنت تتحسر على كل المال الذي كان يمكن أن تربحه .
هناك فرق كبير بين التنبؤ بأن شيئا ما سيحصل في السوق ( والتفكير بكل المال الذي كان يمكن أن تربحه ) و بين واقع دخولك أو خروجك من الصفقات بشكل فعلي .
أنا أسمي هذا الفرق و كل ما يشبهه ب "الفجوة النفسية" , والتي قد تجعل من التداول أحد أصعب المهام التي تختار أن تأخذها على عاتقك , وبالتأكيد أحد أكثر المهام غموضا ليتم السيطرة عليها و إتقانها .
السؤال الأهم هو : هل يمكن السيطرة على التداول و إتقانه ؟
هل من الممكن أن نعيش التداول بنفس السهولة و البساطة التي تكون موجودة عندما نراقب السوق فقط ونفكر في النجاح , أي عندما لا نضطر فعليا لأن نفتح أو نغلق صفقات ؟
الجواب على ذلك ليس قطعا "نعم" وحسب , و إنما هذا بالضبط هو الغرض من تأليف هذا الكتاب .
فهذا الكتاب مصمم ليمنحك البصيرة و الفهم اللذان تحتاجهما حول نفسك و حول طبيعة التداول .
بحيث تكون النتيجة أن تداولك يصبح سهلا و بسيطا و خاليا من الضغط , كما لو أنك تراقب السوق فقط وتتخيل أنك تتداول .
قد يبدو هذا أمرا صعبا , حتى أنه قد يبدو مستحيلا للبعض منكم , ولكنه ليس كذلك .
فهناك أشخاص قد أتقنوا فن التداول , هؤلاء الأشخاص هم الذين تمكنوا من سد الفجوة بين الإمكانيات المتاحة وبين المحصلة النهائية لأداءهم .
ولكن كما تتوقع , فعدد هؤلاء الرابحين قليل نسبيا بالمقارنة مع عدد المتداولين الآخرين الذين يعانون من درجات متفاوتة من الإحباط , وصولا إلى حالة من الغضب الشديد , وهم يتساءلون لماذا هم غير قادرين على تحقيق النجاح المستمر الذي يتوقون إليه بشدة .
في الواقع , الفرق بين هاتين المجموعتين من المتداولين (مجموعة الرابحين بإستمرار ومجموعة المتداولين الآخرين جميعا) مماثل للفرق بين الأرض و القمر .
إن كل من الأرض و القمر أجرام سماوية ويوجدان في نفس المجموعة الشمسية , لذلك يوجد بينهما شيء مشترك , ولكنهما مختلفان من حيث الطبيعة و الخصائص كإختلاف الليل و النهار .
وعلى نفس المنوال , يمكن لأي شخص قام بفتح صفقة ما أن يدعي أنه متداول , ولكن عندما تقارن خصائص الحفنة الصغيرة من المتداولين الرابحين بإستمرار مع خصائص أغلب المتداولين الآخرين , ستكتشف أنهم مختلفين أيضا كما إختلاف الليل و النهار .
إذا كان السفر إلى القمر هو بمثابة تحقيق النجاح المستمر كمتداول , فيمكننا القول أن الوصول إلى القمر هو أمر ممكن .
الرحلة صعبة للغاية , وفقط حفنة صغيرة من الناس قد نجحوا في تحقيقها .
و بنظرنا نحن الموجودون هنا على الأرض , يكون القمر مرئيا لنا كل ليلة عادة , وهو يبدو قريبا جدا بحيث نشعر أن بإمكاننا أن نمد أيدينا ونلمسه .
التداول بنجاح يمنح نفس هذا الشعور تماما .


يتبع....
 
-2-

ففي كل يوم , أو أسبوع , أو شهر , توفر الأسواق كميات كبيرة من الأموال لأي شخص يمتلك القدرة على التداول و فتح الصفقات .
و بما أن الأسواق في حركة مستمرة , لذلك يكون هذا المال في تدفق مستمر أيضا , مما يجعل إحتمالات النجاح ضخمة لدرجة كبيرة , و تبدو و كأنها في متناول يدك .
و أنا أستخدم تعبير "تبدو و كأنها" لكي أوضح وجود فرق كبير بين المجموعتين من المتداولين .
بالنسبة لهؤلاء الذين تعلموا كيف يكونون مستمرين و متسقين , أو تمكنوا من كسر ما أسميها "عتبة الإستمرارية" , فالمال ليس في متناولهم فحسب و إنما يمكنهم أخذه فعليا عندما يريدون .
أنا متأكد أن بعضكم سيجد العبارة السابقة صادمة أو صعبة التصديق , ولكنها حقيقة .
هناك بعض الحدود , ولكن في الغالب , يتدفق المال إلى حسابات هؤلاء المتداولين بدرجة من السهولة وإنعدام الجهد ستحيّر عقول معظم الناس حرفيا .
أما بالنسبة للمتداولين الذين لم يرتقوا إلى مصافي هذه المجموعة المنتقاة , فعبارة "تبدو و كأنها" ستعني بالضبط ماتدل عليه .
حيث سيبدو أن الإستمرارية أو النجاح النهائي الذي يرغبون به وكأنه "في متناول يدهم" أو "في قبضتهم" مباشرة قبل أن ينزلق بعيدا من بين أصابعهم أو يتبخر أمام أعينهم .
والشيء الوحيد المتسق والمستمر بشأن التداول لدى هذه المجموعة هو الألم العاطفي .
نعم بالتأكيد , مرّ هؤلاء بلحظات من الغبطة , لكن ليس مبالغة أن نقول أنهم معظم الوقت يكونون في حالة من الخوف , والغضب والإحباط و القلق وخيبة الأمل والخيانة والندم .
فبماذا تختلف هاتين المجموعتين من المتداولين عن بعضهما البعض إذا ؟ هل تختلفان في الذكاء ؟ هل الرابحون بإستمرارية يخططون بشكل أذكى من البقية ؟ هل يعملون بجهد أكبر ؟ هل هم محللون أفضل , أو هل لديهم إمكانية للوصول إلى أنظمة تداول أفضل ؟ هل يمتلكون صفات شخصية كامنة فيهم بحيث تجعلهم يتعاملون بشكل أسهل مع ضغوط التداول الهائلة ؟
هذه كلها تبدو إحتمالات واردة جدا , إلا حين تفكر في أن معظم حالات الفشل في مجال التداول هي لألمع الناس و أكثرهم إنجازات في المجتمع .
المجموعة الأكبر من الخاسرين بإستمرار تتكون أساسا من الأطباء و المحامين و المهندسين والعلماء وكبار المدراء التنفيذيين والأثرياء المتقاعدين ورجال الأعمال .
و الأكثر من ذلك أن أفضل محللي السوق بمعظمهم هم أسوأ متداولين يمكن تخيلهم .
الذكاء و التحليل الجيد للسوق يمكن أن يسهما في النجاح بالتأكيد , ولكنهما لايمثلان العوامل الحاسمة التي تفصل الرابحين بإستمرارية عن البقية .
حسنا , إذا لم يكن الذكاء و التحليل الجيد , فما عساه أن يكون السبب ؟
بعد أن عملت مع بعض أفضل المتداولين ومع بعض أسوأ المتداولين في هذا المجال , وبعد أن ساعدت بعض أسوأ المتداولين ليصبحوا من أفضل المتداولين , يمكنني القول دون أدنى شك أن هناك أسباب محددة وراء تفوّق أفضل المتداولين بإستمرارية على البقية .
وإذا كان علي أن أختزل كل الأسباب في سبب واحد , سأقول ببساطة أن أفضل المتداولين يفكرون بطريقة مختلفة عن البقية .
أنا أعرف أن ماقلته لايبدو عميقا جدا , ولكنه يحمل تأثيرات عميقة إذا فهمت ماذا يعني التفكير بطريقة مختلفة .
بشكل أو بآخر , كل منا يفكر بطريقة تختلف عن تفكير البقية .
قد لانكون منتبهين دائما إلى هذه الحقيقة , فمن الطبيعي أن نفترض أن الناس الآخرين يشاركوننا تصوراتنا و تفسيراتنا للأحداث ,
وفي الواقع فافتراضنا هذا يبقى قائما إلى أن نجد أنفسنا في خلاف أساسي و جوهري مع شخص ما حول شيء عايشناه كلانا .
فيما عدا مظهرنا الجسدي , فما يجعلنا فريدين هو طريقة تفكيرنا , وهي غالبا ما تجعلنا فريدين أكثر حتى مما يفعل مظهرنا الجسدي .
دعونا نعود إلى المتداولين , ما المختلف في الطريقة التي يفكر بها أفضل المتداولين مقارنة بالطريقة التي يفكر بها أولئك الذين مازالوا يكافحون ؟
فبينما يمكن وصف الأسواق بأنها ساحة من الفرص اللانهائية , فإن هذه الأسواق في نفس الوقت يمكن أن تجعل الفرد يواجه أصعب و أقسى الظروف النفسية التي يمكن أن يتعرض لها في حياته .
في مرحلة ما , كل من يتداول يتعلم شيئا عن الأسواق يشير له بوجود فرصة ما , ولكن تعلمك كيفية تمييز وجود فرصة شراء أو بيع لايعني أنك قد تعلمت كيف تفكر كمتداول .
السمة المميزة التي تفصل الرابحين بإستمرارية عن البقية هي : هؤلاء الرابحين قد وصلوا إلى تركيبة عقلية (مجموعة فريدة من المواقف والطباع السلوكية) تسمح لهم بأن يبقوا منضبطين , ومركزين , وقبل كل شيء واثقين على الرغم من الظروف المعاكسة .


يتبع....
 
-3-

ونتيجة لذلك , فهم لم يعودوا عرضة للمخاوف السائدة أو لأخطاء التداول التي يعاني منها الآخرون .
كل شخص يتداول يتعلم في النهاية شيء ما عن الأسواق , ولكن قلة قليلة فقط ممن يتداولون يتعلمون الطباع والمواقف السلوكية التي لاغنى عنها على الإطلاق لكي يصبحوا رابحين بإستمرار .
فكما يمكن للناس أن يتعلموا إتقان التكتيك المناسب لأرجحة عصا الغولف أو مضرب التنس , فإتساقهم , أو عدمه سوف ينجم بدون شك عن موقفهم السلوكي .
المتداولون الذين نجحوا في تجاوز "عتبة الإستمرارية" عادة مايكونون قد عايشوا قدرا كبيرا من الألم (الألم العاطفي والمالي) قبل أن يكتسبوا هذه النوعية من الطباع السلوكية والتي تسمح لهم بأن يعملوا بنجاح في بيئة السوق .
الإستثناءات النادرة هم عادة أشخاص ولِدوا في عائلات متداولين ناجحين , أو بدأوا حياتهم المهنية في التداول بتوجيه من شخص ممن يفهمون الطبيعة الحقيقية للتداول , وبنفس القدر من الأهمية أن يكون هذا الشخص يعرف كيف يدرّس ماهو فاهم له .
لماذا يكون كل من الألم العاطفي و الكارثة المالية شائعا بين المتداولين ؟ الجواب البسيط هو أن معظمنا لم يكون محظوظا بما فيه الكفاية ليبدأ مهنته في التداول بالتوجيه السليم .
ولكن مع ذلك , فالسبب أعمق من هذا بكثير .
لقد قضيت السبعة عشرة عاما الماضية و أنا أشرّح الديناميكيات النفسية الكامنة وراء التداول لكي أتمكن من تطوير طرق فعالة لتدريس مبادئ النجاح .
وما اكتشفته هو أن التداول مليء بالتناقضات و الإختلافات في التفكير , مما يجعل من الصعب للغاية أن تتعلم كيف تكون ناجحا .
و في الحقيقة , إذا كان علي أن أختار كلمة واحدة تلخص طبيعة التداول , فستكون "التناقض" .
(وفقا للقاموس , التناقض هو شيء يبدو أن له صفات متناقضة أو هو شيء مناقض للإعتقاد السائد أو للمنطق العام لدى الناس) .
الكارثة المالية و النفسية سائدة بين المتداولين لأن الكثير من وجهات النظر , و المواقف , والمبادئ التي تكون منطقية تماما وتعمل بشكل ممتاز في حياتنا اليومية يكون لها تأثير معاكس في بيئة التداول .
إنها ببساطة لاتنجح في بيئة التداول .
وبدون معرفة هذا يبدأ معظم المتداولين مهنتهم وهم لايمتلكون فهما لمعنى أن تكون متداولا , وللمهارات المطلوبة , وللعمق الذي يجب أن تتطور إليه تلك المهارات .
وهذا خير مثال عما أتحدث عنه :
التداول محفوف بالمخاطر بطبيعته , وعلى حد علمي لايوجد أي صفقة مضمونة النتيجة , لذلك , فإحتمال أن تكون مخطئا وتخسر أموالا هو إحتمال حاضر دائما .
لذلك عند أخذك لصفقة ما , هل يمكنك إعتبار نفسك مخاطرا ؟
على الرغم من أن هذا السؤال قد يبدو كسؤال فخ , إلا أنه ليس كذلك .
الجواب المنطقي على هذا السؤال وبشكل صريح , هو نعم .
فإذا إنخرطتُ في نشاط محفوف بالمخاطر بطبيعته , فحتما أنا مُخاطر .
ومن المنطقي جدا لأي متداول أن يفترض هذا الإفتراض .
في الواقع فكل المتداولين لايفترضون هذا الإفتراض فحسب , و إنما أغلبهم يفتخرون بالتفكير في أنفسهم كمخاطرين .
المشكلة أن هذا الإفتراض أبعد مايكون عن الحقيقة .
طبعا, أي متداول عندما يفتح صفقة ما فهو بذلك يقدم على المخاطرة , ولكن هذا لا يعني أنه بالتالي متقبل لتلك المخاطرة .
بعبارة أخرى , كل الصفقات فيها مخاطرة لأن نتائجها هي إحتمالات وليست شيئا مضمونا . ولكن هل يؤمن أغلب المتداولين حقا بأنهم يقدمون على مخاطرة عندما يفتحون صفقة ما ؟
هل قبلوا حقا أن تلك الصفقة لها نتيجة إحتمالية و غير مضمونة ؟ أكثر من ذلك , هل قبلوا تماما بالعواقب الممكنة لتلك الصفقة ؟
والجواب وبشكل صريح هو لا !
فمعظم المتداولين ليس لديهم فكرة عن معنى أن تكون مخاطِرا بالطريقة التي يفكر فيها المتداول الرابح بشأن المخاطرة .
إن أفضل المتداولين لايقدِمون على المخاطرة فحسب , بل تعلموا أيضا أن يقبلوا و يعتنقوا تلك المخاطرة .
هناك فجوة نفسية هائلة بين إفتراضك بأنك مُخاطر لمجرد أنك أخذت صفقة ما , وبين قبولك التام للمخاطر الكامنة في كل صفقة .
عندما تتقبل المخاطر بشكل كامل , فسيكون لذلك نتائج عميقة على الحد الأدنى لأدائك .


يتبع....
 
-4-

أفضل المتداولين يمكنهم تنفيذ صفقاتهم بدون أدنى حد من التردد أو الصراع الداخلي , كما أنهم بكل حرية و أيضا بدون أي تردد أو صراع يعترفون بأن صفقتهم لم تكن ناجحة , ويمكنهم الخروج منها_حتى ولو بخسارة_ دون أن يسبب لهم ذلك أدنى إحساس بالإنزعاج النفسي .
بعبارة أخرى , المخاطر الكامنة في التداول لا تجعل أفضل المتداولين يفقدون إنضباطهم , أو تركيزهم , أو شعورهم بالثقة .
إذا لم تكن قادرا على التداول بدون أدنى حد من الإنزعاج النفسي (وتحديدا الخوف) فهذا معناه أنك لم تتعلم تقبّل المخاطر الكامنة في التداول .
وهذه مشكلة كبيرة , لأن الدرجة التي لاتتقبل فيها المخاطرة هي نفس الدرجة التي ستحاول فيها تجنب المخاطرة ,
ومحاولة تجنب شيء لايمكن تجنبه سيكون لها تأثيرات كارثية على قدرتك للتداول بنجاح .
إن تعلم قبول المخاطر بصدق في أي مسعى يمكن أن يكون أمرا صعبا , ولكنه صعب للغاية بالنسبة للمتداولين , خصوصا بالنظر إلى ماهو على المحك .
ماهو أكثر ما نخشاه بشكل عام (إلى جانب الموت أو إلقاء خطاب أمام حشد من الناس) ؟
بالتأكيد فخسارة المال و أن نكون على خطأ كلاهما يتصدران قائمة الأشياء التي نخافها .
الإعتراف بأننا مخطئين وخسارة المال هي أشياء مؤلمة للغاية , وحتما هي أشياء نتفاداها , ولكننا كمتداولين نواجه هذين الإحتمالين تقريبا كل لحظة عندما نكون في الصفقة .
الآن , قد تقول في نفسك "بغض النظر عن كون الأمر مؤلم للغاية , لكنه أمر طبيعي أن لا أرغب أن أكون على خطأ و لا أرغب أن أخسر شيئا ما , لذلك فمن السليم أن أقوم بكل ما أستطيعه لأتفادى ذلك"
أنا أتفق معك في ذلك , ولكن هناك أيضا هذه النزعة الطبيعية التي تجعل من التداول (والذي من المفترض أن يكون سهلا) صعبا للغاية .
التداول يعرضنا إلى تناقض أساسي : كيف نبقى منضبطين , ومركزين , وواثقين في مواجهة عدم يقين دائم ؟
عندما تتعلم كيف "تفكر" كمتداول , ستصبح قادرا على القيام بذلك بالضبط .
إن تعلمك كيفية إعادة تعريف نشاطات تداولك بطريقة تسمح لك بأن تتقبل المخاطرة بشكل تام هو المفتاح للتفكير كمتداول ناجح .
إن تعلّم قبول المخاطرة هي إحدى مهارات التداول _ وهي المهارة الأهم التي يمكن لك تعلمها ,
لكن على الرغم من ذلك فمن النادر أن يقوم المتداولون الناشئون بتركيز إنتباههم عليها أو بذل أي جهد لتعلمها .
عندما تتعلم مهارة قبول المخاطر , فعندها لن يكون السوق قادرا على أن يولّد معلومات تقوم أنت بتفسيرها وتعريفها على أنها مؤلمة ,
وإذا كانت المعلومات التي يولّدها السوق ليست ذات قدرة على أن تسبب لك ألما نفسيا , فعندها لن يكون هناك شيء لتتفاداه .
ستكون مجرد معلومات , تخبرك ماهي الإمكانيات المتاحة ,
وهذا يسمى بالمنظور الموضوعي _وهو المنظور الذي لايشوهه أو يحرّفه ما تخاف من حدوثه أو من عدم حدوثه .
أنا واثق أنه لايوجد متداول واحد ممن يقرأوون هذا الكتاب لم يقدم على الدخول في صفقات بوقت سابق لأوانها _وقبل أن يعطيه السوق إشارة دخول فعلية_ ,
أو بوقت متأخر جدا _وبعد أن أعطى السوق إشارة الدخول .
هل هناك متداول واحد لم يقنع نفسه بألا يقبل الخسارة , وكانت نتيجة ذلك أن هذه الخسارة تحولت إلى خسارة أكبر ,
هل هناك متداول لم يخرج من صفقته الرابحة قبل أوانها , أو وجد نفسه في صفقة رابحة ولكنه لم يجني أية أرباح منها , ثم تركها تنقلب إلى صفقة خاسرة ,
أو قام بتحريك أمر وقف الخسارة قريبا إلى نقطة الدخول , فتفعل وقف الخسارة هذا و أخرجه من الصفقة , ثم عاد السوق بعدها و تابع حركته في إتجاه الصفقة الصحيح ؟
هذه ليست سوى عينة من أخطاء التداول الكثيرة التي يداوم عليها المتداولون مرارا و تكرارا .
هذه الأخطاء ليست من فعل السوق , ولم تأتي من السوق , فالسوق محايد , بمعنى أن السوق يتحرك و يولّد معلومات حول نفسه ,
وهذه الحركة و المعلومات تمنحان كل منا الفرصة للقيام بشيء ما , وهذا كل شيء !
الأسواق ليس لها أي سُلطة على الطريقة الفريدة التي نفسر ونترجم بواسطتها المعلومات , كل منا بأسلوبه ,
و بالتالي فالأسواق لاتتحكم بالقرارات و الأفعال التي نقوم بها .


يتبع....
 
-5-

إن الأخطاء التي ذكرتُها والعديد غيرها ناتجة بالتحديد عما أسميه ب "سلوكيات ووجهات نظر خاطئة في التداول" .
فالسلوكيات أو المواقف السلوكية الفاسدة تعزز الخوف بدلا من الثقة و الإطمئنان .
لا أظن أنه يمكنني أن أوضح الفرق بين الرابحين بإستمرارية وبين الآخرين جميعا بأبسط من الشكل التالي :
أفضل المتداولين ليسوا خائفين .
هم ليسوا خائفين لأنهم طوروا مواقفا سلوكية تمنحهم أكبر قدر من المرونة العقلية لينسابوا في الصفقات دخولا و خروجا بناء على مايخبرهم به السوق حول الإمكانيات المتاحة بحسب منظور السوق .
وفي الوقت نفسه , فأفضل المتداولين قد طوروا مواقفا سلوكية تمنعهم من أن يصبحوا متهورين .
أما المتداولون الآخرون جميعا فهم خائفون , لدرجة أو لأخرى , وعندما لايكونون خائفين يكون لديهم ميل للتهور فيخلقون لأنفسهم تجربة من النوع الذي سيجعلهم خائفين بدءا من تلك اللحظة .
خمسة وتسعون بالمائة من أخطاء التداول التي من المحتمل أن ترتكبها _والتي تجعل أموالك تتبخر أمام عينيك_ تنجم عن مواقفك السلوكية المتعلقة بكونك على خطأ , أو خسارتك للمال , أو تفويتك لفرصة , أو تركك لبعض الأرباح دون جنيها , وهي ما أطلق عليها مخاوف التداول الرئيسية الأربعة .
الآن قد تقول لنفسك "أنا لا أعرف بشأن ذلك , ولكنني إعتقدت دوما أنه يجب أن يكون لدى المتداولين خوف صحي وطبيعي من الأسواق" .
أكرر , هذا الإفتراض منطقي ومقبول تماما , ولكن عندما يتعلق الأمر بالتداول , فمخاوفك ستعمل ضدك بطريقة تجعلك تتسبب بحدوث نفس الشيء الذي كنت خائفا من حدوثه أساسا .
فإذا كنت خائفا من أن تكون على خطأ , فخوفك هذا سيؤثر على إدراكك لمعلومات السوق بطريقة ستجعلك تقوم بشيء ينتهي بجعلك على خطأ فعلا .
عندما تكون خائفا فلا يوجد إحتمالات أخرى , فأنت لاتستطيع أن تتصور وجود الإحتمالات الأخرى , أو أن تتصرف بناء عليها بشكل صحيح حتى لو تصورت وجودها , لأن الخوف يسبب الشلل .
فجسديا , الخوف يجعلنا نتجمد أو نهرب , وعقليا يجعلنا نضيق من دائرة إنتباهنا إلى المسبب لخوفنا .
وهذا يعني أن الأفكار حول الإحتمالات و الإمكانيات الأخرى وحول معلومات السوق الأخرى يتم حجبها .
أنت لن تفكر بكل الأشياء العقلانية التي تعلمتها عن السوق إلى أن يذهب خوفك وينتهي الحدث المسبب له , وعندها ستقول في نفسك "لقد كنت أعرف ذلك , لماذا لم أفكر بهذا وقتها ؟" أو "لماذا لم أتصرف بناء على ذلك حينها؟" .
من الصعب جدا أن نتصور أن مصدر هذه المشاكل هو مواقفنا السلوكية الغير ملائمة , وهذا مايجعل من الخوف خبيثا جدا .
العديد من أنماط التفكير التي تؤثر عكسيا على تداولنا هي نتاج للطريقة الطبيعية التي تربينا على التفكير ورؤية العالم من خلالها .
أنماط التفكير هذه مغروسة عميقا جدا بحيث أنه من النادر أن يخطر ببالنا أن مصدر الصعوبات في تداولنا هو داخلي , ومستمد من حالتنا العقلية .
في الواقع , يبدو أنه من الطبيعي أكثر أن مصدر المشكلة خارجي , من السوق , لأننا نشعر وكأن السوق هو مايسبب ألمنا وإحباطنا وعدم رضانا .
من الواضح أن هذه مفاهيم مجردة , وحتما ليست بشيء سيهتم به معظم المتداولين .
ولكن فهم العلاقة بين المعتقدات و المواقف السلوكية و الإدراك هي شيء أساسي ومهم في التداول بنفس أهمية تعلّمك كيف تأرجح المضرب في لعبة الغولف , وبنفس أهمية تعلمك للأساسيات في لعبة التنس .
بعبارة أخرى , إن الفهم و التحكم بكيفية تصوّرك و إدراكك لمعلومات السوق مهمان إلى الدرجة التي ترغب فيها بتحقيق نتائج مستمرة .
أنا أقول هذا لأن هناك شيئا آخر متعلق بالتداول وهو صحيح بنفس صحة العبارة التي ذكرتها للتو , وهذا الشيء هو : أنت لست بحاجة لأن تعرف أي شيء عن نفسك أو عن الأسواق لكي تنفذ صفقة رابحة , مثلما أنك لست بحاجة لأن تعرف الطريقة الصحيحة في أرجحة مضرب التنس أو عصا الغولف لكي تنفذ رمية جيدة من وقت لآخر .
في المرة الأولى التي لعبت فيها الغولف , نفذت عدة رميات جيدة في المباراة رغم أني لم أتعلم أي تكتيك معين , ولكن نتيجتي بقيت فوق 120 خلال 18 حفرة .
من الواضح أنه لكي أحسن من نتيجتي الإجمالية كنت بحاجة لأن أتعلم إحدى التكتيكات لكي أحقق الإستمرارية , ولكن أي تكتيك ؟ هذا حقا أحد أكثر الجوانب المحيّرة في تعلُّم كيف تتداول بنجاح .
إذا كنا لانعرف أو لانفهم كيف أن معتقداتنا و مواقفنا السلوكية تؤثر على كيفية رؤيتنا لمعلومات السوق , فسيبدو لنا و كأن سلوك السوق هو مايسبب لنا عدم النجاح المستمر .
ونتيجة لذلك , سوف يصبح منطقيا لنا أن أفضل طريقة لتجنب الخسائر ولكي نصبح متداولين متسقين هي بأن نتعلم أكثر عن الأسواق .
هذا القدر الصغير من المنطق هو فخ يقع فيه معظم المتداولين تقريبا في مرحلة ما , وهو يبدو لهم معقولا جدا ولاشك فيه .
ولكن هذا النهج لا ينجح , فالسوق ببساطة يطرح عددا كبيرا جدا من المتغيرات التي يجب أن نأخذها في الحسبان _والتي تكون في أغلبها متناقضة _ ,
بل أكثر من ذلك , فليس هناك حدود لسلوك السوق , فهو يمكن أن يفعل أي شيء وفي أية لحظة .
في واقع الأمر , بما أن كل شخص يتداول هو متغير من متغيرات السوق , فيمكن القول بأن أي متداول منفرد يمكن أن يجعل أي شيء يحصل .
وهذا يعني أنه مهما تعلمت عن سلوك السوق , ومهما أصبحت محللا لامعا , فلن تتعلم بمافيه الكفاية لكي تتوقع كل الطرق المحتملة التي من الممكن للسوق أن يقوم بها فيجعلك على خطأ أو يجعلك تخسر المال .
فإذا كنت خائفا من أن تكون على خطأ أو من أن تخسر المال , فهذا يعني أنك مهما تعلمت فلن تتعلم بما فيه الكفاية لتستطيع أن تعوّض عن التأثيرات السلبية التي يتركها هذا الخوف على قدرتك لتكون موضوعيا وعلى قدرتك لتتصرف بدون تردد .
بكلمات أخرى , لن تكون في حالة ثقة في مواجهة عدم اليقين المستمر .


يتبع....
 
-6-


إن الحقيقة القاسية و الصعبة بشأن التداول هي أن كل صفقة لها نتيجة غير مؤكدة , مالم تتعلم القبول التام لإحتمالية النتيجة المجهولة ,
فأنت ستحاول شعوريا أو لاشعوريا أن تتفادى أي إحتمال تراه مؤلما لك , وأثناء محاولتك هذه ستعرض نفسك لعدد غير معلوم من الأخطاء المكلفة و التي ولدتها بنفسك .
الآن , أنا لا أقول أننا لسنا بحاجة إلى أحد أنواع تحليل السوق , أو إلى إحدى الطرق المنهجية التي تمكننا من تمييز الفرص و التعرف عليهم , فنحن بحاجة إلى ذلك طبعا ,
ولكن , تحليل السوق ليس هو الطريق لتحقيق النتائج الثابتة , فتحليل السوق لن يحل مشاكل التداول الناجمة عن إنعدام الثقة , وقلة الإنضباط , وعدم التركيز الصحيح .
عندما تعمل إنطلاقا من فرضية أن التحليل الأفضل أو الأكثر للسوق سيخلق الإتساق , فسوف تُرغم على جمع أكبر عدد ممكن من المتغيرات في ترسانتك الخاصة من أدوات التداول .
ولكن ماذا يحدث بعد ذلك ؟ أنت مازلت تشعر بخيبة الأمل و بالخيانة من قبل الأسواق , مرارا و تكرارا , بسبب شيء لم تره أو لم تأخذه في حسبانك بمايكفي .
ستشعر بأنه لايمكنك الوثوق في الأسواق , ولكن الحقيقة هي أنه لايمكنك الوثوق بنفسك .
الثقة والخوف هما حالتان عقليتان متناقضتان , وكلاهما ينبع من معتقداتنا و من طباعنا السلوكية .
لكي تكون واثقا _و أنت تعمل في بيئة حيث يمكن بسهولة أن تخسر أكثر مما كنت تنوي أن تخاطر به_فذلك يتطلب ثقة مطلقة في نفسك .
ولكن , لن تكون قادرا على تحقيق تلك الثقة إلى أن تدرب عقلك على تجاوز نزعتك الطبيعية للتفكير بطرق لها نتيجة عكسية لأن تكون متداول ناجح بإستمرارية .
إن تعلّم كيفية تحليل سلوك السوق هو ببساطة ليس التدريب الملائم .
يوجد أمامك خياران :
الأول أن تحاول إقصاء المخاطرة , وذلك بمعرفة أكبر قدر ممكن من متغيرات السوق (وأنا أسمي ذلك بالثقب الأسود للتحليل لأنه طريق الإحباط المطلق).
أما الخيار الثاني أنه بإمكانك أن تتعلم كيف تعيد تعريف نشاطات تداولك بطريقة جديدة تجعلك تتقبل المخاطرة بصدق ولاتعود خائفا .
عندما تصل إلى حالة عقلية تتقبل فيها المخاطرة بصدق , فعندها لن توجد عندك قابلية لتفسير و ترجمة معلومات السوق بطرق مؤلمة .
وعندما تقضي على إمكانية تفسير معلومات السوق بطرق مؤلمة فإنك أيضا سوف تقضي على ميلك للتبرير , و التردد , و التسرع , و التمني بأن السوق سيمنحك المال , و التمني بأن السوق سوف ينقذك من عدم قدرتك على إيقاف خسائرك .
طالما أنك عرضة للأخطاء التي هي ناتجة عن التبرير والتسويغ و التردد و التمني و التسرع فلن تكون قادرا على الثقة بنفسك ,
و إن كنت غير قادر على أن تثق بنفسك لأن تكون موضوعيا ولأن تتصرف دائما بأفضل مايمكنك وفقا لمصالحك , فسوف يكون تحقيقك لنتائج متسقة أمر شبه مستحيل ,
ومحاولتك القيام بشيء يبدو بظاهره سهلا جدا سوف تكون من أكثر الأشياء إثارة للسخط و الغضب والتي قررت القيام بها يوما .
السخرية هنا , أنه عندما يصبح لديك المواقف السلوكية الصحيحة , و عندما تكتسب "التركيبة العقلية للمتداول" و تصبح قادرا على البقاء واثقا في مواجهة عدم اليقين المستمر أو المجهول المستمر , سيصبح عندها التداول بنفس السهولة والبساطة التي ظننتها عندما بدأت بالتداول .
ماهو الحل إذا ؟ أنت بحاجة لأن تتعلم كيف تكيّف مواقفك السلوكية ومعتقداتك حول التداول بطريقة تجعلك تتداول بدون أدنى قدر من الخوف , وفي نفس الوقت تحافظ على إطار عام لايسمح لك بأن تصبح متهورا .
وهذا بالضبط ماصمم هذا الكتاب لتعليمك إياه .
بينما تمضي قدما , أريدك أن تضع شيئا في بالك , المتداول الناجح الذي تريد أن تصبح عليه هو إسقاط مستقبلي لنفسك الآن والتي يجب أن تنميها لتتحول إليه .
والنمو يشمل التوسع , والتعلم , وخلق طريقة جديدة للتعبير عن نفسك .
وهذا المفهوم صحيح حتى ولو كنت متداولا ناجحا أساسا وتقوم بقراءة هذا الكتاب لتصبح أكثر نجاحا .
كثير من الطرق الجديدة والتي ستتعلم من خلالها أن تعبر عن نفسك ستكون في صراع مباشر مع أفكار و معتقدات تحملها في الوقت الحالي حول طبيعة التداول .
أنت قد تكون و قد لاتكون على معرفة ببعض هذه المعتقدات , ولكن في كلتا الحالتين فما تظنه الآن حقيقيا بشأن التداول سوف يجادلك ويحاججك محاولا إبقاء الأمور على حالها دون تغيير , وذلك على الرغم من نتائجك المخيّبة و غير المرضية .
هذه الجدالات الداخلية هي أمر طبيعي .
والتحدي الذي أخوضه في هذا الكتاب هو مساعدتك على معالجة هذه الجدالات بأكبر قدر من الكفاءة .
و إرادتك لأن تأخذ في حسبانك وجود إمكانيات أخرى _الإمكانيات التي قد لاتكون على علم بها أو لم تعطها أهمية كافية_ سوف تجعل بالتأكيد من عملية التعلم أسرع و أسهل .


نهاية الفصل الأول
 
في كانون الثاني من عام 1994 , طُلب مني التحدث في مؤتمر للتداول في شيكاغو ,و كان هذاالمؤتمر برعاية مجلة العقود المستقبلية .
في إحدى مأدوبات الغداء صدف أن جلست بجانب محرر لأحدأشهر دور نشر الكتب المعنيّة بالتداول .
وكنا نحظى بمحادثة حيوية حول السبب في كون قلة فقط من الناس تحقق النجاح في التداول , على الرغم من وجود أشخاص يكونون ناجحين جدا في المجالات الأخرى فيما عدا هذا المجال .
في مرحلة ما , سألني المحرر فيما إذا كان التفسير المحتمل لهذه الظاهرة هو أن الناس كانوا ينخرطون في مجال التداول لأسباب خاطئة.
 
الإنجذاب

-1-

هنا كان لابد أن أتوقف للحظة لأفكر في الأمر .
أنا أوافق على أن العديد من الأسباب التقليدية التي تحفّز الناس على التداول _كالإثارة , والنشوة , والرغبة في أن يكون المرء بطلا ,أو لفت إنتباه الآخرين عند تحقيق الربح , أو الشفقة على الذات التي تأتي من الخسارة_أنا أوافق أن هذه الأسباب سوف تخلق مشاكلا ستؤدي في نهاية المطاف إلى الإنتقاص من أداء المتداول ومن نجاحه العام ,
ولكن الجاذب الحقيقي الكامن خلف التداول هو أكثر جوهرية وشمولية من ذلك بكثير .
التداول هو نشاط يوفر للفرد حرية غير محدودة من التعبير الإبداعي , حرية من التعبير تم حرمان أغلبنا منها معظم حياته .
طبعا , سألني المحرر ما الذي أعنيه بذلك , فأوضحت بأنه في بيئة التداول نحن من يضع جميع القواعد تقريبا ,
وهذا يعني أنه هناك عدد قليل جدا من القيود أو الحدود على الطريقة التي نختار أن نعبر بها عن أنفسنا .
بالطبع هناك بعض الشكليات كوجوب أن يصبح الشخص عضوا في بورصة التبادلات حتى يتمكن من أن يصبح مضاربا مباشرا على الأرض من داخل قاعات التداول ,
أو كتوفير الحد الأدنى من المتطلبات المالية لفتح حساب للمضاربة في حال لم يكن الشخص مضاربا مباشرا من داخل قاعات التداول ,
أما فيما عدا ذلك , بمجرد أن تكون في وضع يسمح لك أن تبدأ التداول , عندها تكون الإمكانيات المتاحة لك لتتداول عبرها هي إمكانيات لامحدودة فعليا .
وتابعت كلامي وأعطيته مثالا عن ندوة حضرتها قبل عدة سنوات .
شخص ما قام بإجراء عملية حسابية بأنه , إذا دمجت السندات المستقبلية , وسندات الخيارات , وأسواق السندات النقدية , فسوف يكون هناك أكثر من ثمانية مليارات تركيبة محتملة لفروق التسعير ,
الآن أضف إلى ذلك إعتبارات التوقيت بناء على كيفية قراءتك لظروف السوق الظاهرة , فتصبح عندها الطرق المختلفة للتداول لامحدودة فعليا .
المحرر توقف للحظة وسأل , "ولكن لماذا عندما نخوض في مثل هذه البيئة الغير مقيدة تكون النتيجة فشل مستمر تماما ؟"
فأجبت , "لأن الإمكانيات اللامحدودة المقترنة مع الحرية اللامحدودة لإستغلال تلك الإمكانيات تجعل الفرد في مواجهة مع تحديات نفسية فريدة متخصصة ,
وتلك التحديات قلة قليلة جدا من الناس مهيئين بالشكل الصحيح للتعامل معها , أو حتى لديهم أي معرفة بوجودها , والناس لايمكنهم أن يعملوا على التغلب على أمر ما إذا كانوا أساسا لايعرفون بأنه مشكلة" .
الحرية شيء رائع , وكل فرد منا يريدها بطبيعته , يناضل من أجلها , بل ويتوق إليها ,
ولكن هذا لايعني بأننا نملك القدرات النفسية الملائمة للعمل بشكل صحيح في بيئة فيها القليل ,إن وجد, من الحدود , حيث تكون إمكانية إلحاقنا أضرارا بالغة بأنفسنا هي إمكانية واردة.
الجميع تقريبا بحاجة إلى إجراء بعض التعديلات العقلية , بغض النظر عن خلفيتهم الدراسية التعليمية ,
وبغض النظر عن درجة ذكاءهم ,أو إلى أي درجة كانوا ناجحين في مساعيهم الأخرى .
هذا النوع من التعديلات التي أتحدث عنها لها علاقة بإنشاء أو خلق بنية أو هيكل عقلي داخلي يزود المتداول بأكبر قدر ممكن من التوازن بين الحرية للقيام بأي شيء وبين القابلية الموجودة للتعرض للأضرار المالية والنفسية التي يمكن أن تكون نتيجة مباشرة لتلك الحرية .
إنشاء الهيكل العقلي يمكن أن يكون صعبا بما فيه الكفاية , خاصة إذا كان ماترغب في غرسه يتعارض مع ماتؤمن به سلفا .
لكن بالنسبة لأولئك منا الذين يريدون أن يصبحوا متداولين , فالصعوبة في خلق الهيكل المناسب تكمن في تراكم المقاومة العقلية التي تبدأ بالتطور في المراحل الأولى من حياتنا .


يتبع ....
 
-2-

جميعنا ولدنا في محيط إجتماعي من نوع ما .
المحيط الإجتماعي (أو المجتمع) سواء أكان العائلة , أو المدينة , أو الولاية , أو البلد , يتضمن وجود بنية أو هيكلية .
الهياكل الإجتماعية تتكون من القواعد , القيود , الضوابط , ومجموعة من المعتقدات التي تصبح نمطا للسلوك , نمطا يحدُّ من الطرق التي يمكن أو لايمكن للأفراد الموجودين داخل هذا الهيكل أن يعبروا عن أنفسهم بها .
علاوة على ذلك , فإن معظم القيود المفروضة في الهيكل الإجتماعي تم تأسيسها قبل أن نولد ,
بعبارة أخرى , في الوقت الذي نبلغ فيه هذه المرحلة الحالية , يكون أغلب الهيكل الإجتماعي الذي يتحكم بالتعبير الفردي لدينا قد إستقر في مكانه وتحصّن .
من السهل أن نرى سبب الصراع بين حاجة المجتمع لهيكل و بين حاجة الفرد للتعبير عن نفسه , و كل فرد يريد أن يتقن فن التداول يواجه مثل هذا الصراع الأساسي .
أريدك أن تسأل نفسك ماهي الميزة (شكل من أشكال التعبير عن الذات) المشتركة بين جميع الأطفال المولودين على هذا الكوكب , بغض النظر عن الموقع , أو الثقافة , أو الحالة الإجتماعية التي ولد فيها الطفل .
الجواب على ذلك هو الفضول , فكل طفل فضولي , و كل طفل تواق للتعلم , ويمكن وصف الأطفال بأنهم ماكينات تعلّم صغيرة .
إذا فكرنا في طبيعة الفضول , على مستواه الأساسي , فهو عبارة عن قوة , ولأكون أكثر تحديدا , فهو قوة موجَّهة داخليا , مما يعني أنه ليس هناك حاجة لتحفيز الطفل على تعلم شيء ,
فإذا تركنا الأمر لهم , فالأطفال بطبيعتهم سيقومون بإكتشاف مايحيط بهم .
وماهو أكثر من ذلك أن هذه القوة الموجَّهة داخليا يبدو أن لها أيضا برنامجها الخاص بها ,
بعبارة أخرى , على الرغم من أن جميع الأطفال فضوليون , إلا أنهم لا يكونون فضوليين بطبيعتهم تجاه نفس الأشياء , فهناك شيء ما داخل كل فرد منا يقوم بتوجيه وعينا .
حتى الرضع يبدو أنهم يعرفون ما يريدونه وما لا يريدونه , وعندما يشهد البالغون هذه التعبير النادر المنفرد لكل رضيع , فإنهم عادة ما يندهشون .
فهم يفترضون أن الرضع لايملكون شيئا بداخلهم يجعلهم متميزين و فريدين بكيانهم . .
لكن كيف يمكن للرضع أن يعبروا عن فرادتهم وتميزهم سوى من خلال مايجذبهم أو ينفّرهم في محيطهم ؟
أن أسمي هذا التوجيه الداخلي المسيّر بقوة الإنجذابات الطبيعية .
الإنجذابات الطبيعية هي ببساطة تلك الأشياء التي نشعر تجاهها بالإهتمام والشغف الطبيعي , فإنجذاباتنا هي عالم كبير ومتنوع , وهو يوفّر لكل منا أشياء كثيرة لنتعلمها و نعايشها ,
ولكن هذا لا يعني أن كل منا لديه إهتمام وشغف طبيعي في تعلم أو معايشة كل ماهو موجود , فهناك آلية داخلية تجعلنا "إنتقائيين بطبيعتنا" .
إذا فكرت في الأمر , أنا واثق أنه بإمكانك أن تضع قائمة بمجموعة أشياء ليس لديك أدنى إهتمام في أن تفعلها أو تكونها , فبالنسبة لي أنا أعرف أنه يمكنني أن أضع مثل هذه القائمة ,
كما يمكنك أن تضع قائمة أخرى بأشياء عندك إهتمام هامشي بسيط بها , وأخيرا , يمكنك أن تضع قائمة بكل الأشياء التي لديك إهتمام وشغف بها .
وبالطبع , فالقائمة تصغر كلما إرتفع مستوى إهتمامك .
من أين يأتي هذا الإهتمام العاطفي والشغف ؟
برأيي الشخصي إنه يأتي من أعمق مستوى في وجودنا_من مستوى هويتنا الحقيقية_ , إنه يأتي من جزء منا موجود بعيدا عن الصفات والميزات الشخصية التي إكتسبناها كنتيجة لتنشأتنا الإجتماعية .
 
المخاطر

-1-

إن إمكانية حدوث الصراع الداخلي لدينا موجودة على أعمق مستوى من كياننا و وجودنا .
الهيكل الإجتماعي الذي ولدنا فيه قد يكون وقد لايكون حساسا لهذه الإهتمامات والإحتياجات العاطفية الموجَّهة داخليا .
على سبيل المثال , أنت قد تكون ولدت في عائلة من الرياضيين الذين يملكون حبا كبيرا للمنافسة , ولكنك تشعر بميل وإهتمام عاطفي بالموسيقى الكلاسيكية أو بالفن ,
حتى أنك قد تمتلك قدرات رياضية طبيعية, ولكنك لا تملك إهتمام حقيقي للمشاركة في الفعاليات الرياضية , عندها هل سيكون هناك أي قابلية لوجود الصراع هنا ؟
في عائلة تقليدية , معظم الأفراد سيمارسون ضغطا كبيرا عليك لتسير على خطى أخوتك وأخواتك أو والديك ,
هم سيقومون بكل مايمكنهم لكي يعلموك أساليبهم وكيف تحصل على أقصى إستفادة من قدراتك الرياضية , وسوف يحاولون أن يثنوك عن المتابعة الجدية لأي إهتمامات أخرى , وأنت ستجاريهم في ما يريدونه , لأنك لاتريد أن تكون منبوذا ,
ولكن في الوقت نفسه فقيامك بمايريدون منك القيام به يجعلك تشعر بأنك لست على صواب , على الرغم من أن كل شيء تعلمته وتم تعليمك إياه يجادلك لصالح أن تكون رياضيا , لكن المشكلة بأنك تشعر بأن هذه ليست حقيقتك ,
الصراعات _التي تنتج داخلنا كنتيجة لما تم تعليمنا أنه يفترض أن نكونه , ونتيجة للشعور الذي يتردد صداه في أعمق مستوى من كياننا_ هذه الصراعات ليست نادرة أبدا .
يمكنني أن أقول أن العديد من الناس , إذا لم يكن معظمهم , قد نشأوا في عائلة و بيئة ثقافية تعطي القليل , إن وجد , من الدعم _الموضوعي الغير مقرون بأحكام مسبقة_ للطرق الفريدة التي نشعر بأننا مضطرين لنعبر بها عن أنفسنا .
عدم وجود هذا الدعم لايتعلق بإنعدام التشجيع فحسب , بل يمكن أن يكون الموضوع عميقا جدا ليصل إلى الإنكار والرفض الصريح لطريقة معينة نريد أن نعبر بها عن أنفسنا .
على سبيل المثال , لننظر إلى هذه الحالة الشائعة : طفل في بداية تعلمه المشي , يلاحظ للمرة الاولى في حياته "هذا الشيء " الذي نسميه المزهرية موضوعة على طاولة القهوة .
الطفل فضولي , وهذ يعني أنه توجد لديه قوة داخلية ترغمه على إختبار هذا الجسم أو الغرض .
بمعنى أنه , كما لو أن هذه القوة تخلق فراغا في عقله يجب ملؤه بهذا الغرض الذي نال إهتمامه .
لذلك , فالطفل يوجه تركيزه إلى المزهرية , و بنيّة متعمدة يزحف نحو طاولة القهوة عبر أرض غرفة المعيشة الواسعة , وعندما يصل إليها , يمد يده إلى حافة الطاولة ليرفع نفسه ويقف على قدميه ,
يمسك بالطاولة بقوة بإحدى يديه ليحافظ على توازنه , و يمد يده الثانية ليلمس ذلك الغرض الذي لم يختبره سابقا ,
وفي تلك اللحظة بالضبط , يسمع صراخا عبر الغرفة يقول له "لا , لاتلمس ذلك !" , فيجفل الطفل , و يقع على مؤخرته ويبدأ البكاء .
من الواضح أن هذه حالة شائعة جدا ولامفر منها أبدا .
الأطفال ليس لديهم أدنى فكرة عن الكيفية التي يمكن لهم أن يؤذوا بها أنفسهم , أو عن مدى قيمة شيء كالمزهرية ,
في الواقع , إن تعلم ماهو آمن وماهو ليس كذلك وماهي قيمة الأشياء هي دروس مهمة يجب أن يتعلمها الطفل .
ولكن , هناك بعض الديناميكيات النفسية الهامة للغاية التي سنعمل عليها هنا , والتي لها تأثير مباشر على قدرتنا على خلق الإنضباط والتركيز الضروريين للتداول بنجاح في حياتنا مستقبلا .
ما الذي يحصل عندما يتم حرماننا من التعبير عن أنفسنا بالطريقة التي نريد , أو حين نجبر على التعبير عن أنفسنا بطريقة لاتتوافق مع عملية الإنتقاء الطبيعية ؟
تجربة كهذه تخلق استياء لدينا , وكلمة "استياء" بحد ذاتها تدل على أنه هناك خلل أو عدم توازن , ولكن ماهو بالضبط الشيء الذي يكون غير متوازن ؟
لكي يكون شيء ما في حالة عدم توازن , فيجب أن يكون له إتزان أو له نسب متكافئة في المقام الأول .
و هذا الشيء هو الدرجة النسبية للتوافق والتي توجد بين بيئتنا العقلية الداخلية وبين البيئة الخارجية الذي نختبر فيه حياتنا .
بعبارة أخرى , إحتياجاتنا و رغباتنا تتولد داخل بيئتنا العقلية , وتتحقق في البيئة الخارجية ,
وإذا كانت هاتان البيئتان متوافقتان مع بعضهما البعض , نكون في حالة من التوازن الداخلي ونشعر بشعور من الإرتياح أو السعادة ,
اما إذا كانت هاتان البيئتان غير متوافقتان , سنشعر بعدم الرضا , والغضب والإحباط , أو بما يشار إليه عموما بالألم النفسي .
الآن , لماذا عندما لا نحصل على مانريد , أو عندما يتم حرماننا من الحرية للتعبير عن أنفسنا بطريقة معينة , فإننا نشعر بالألم النفسي ؟
نظريتي الشخصية هي أن الإحتياجات والرغبات تخلق فراغات عقلية ,
فالكون الذي نعيش فيه فيه لديه ميل طبيعي لعدم التساهل مع وجود فراغات , وعندما يظهر أحدها فهو يتحرك لملئه .
(الفيلسوف سبينوزا لاحظ منذ قرون أن "الطبيعة تمقت الفراغ") .
قم بشفط الهواء من قنينة وسيلتصق لسانك وشفتاك بفم القنينة , لأنك قد خلقت عدم توازن (فراغ) , والذي يجب أن يُملأ الآن .


يتبع ....
 
-2-

ماهي الديناميكية الكامنة وراء عبارة "الحاجة أم الإختراع" ؟
الديناميكية هي الفهم بأن الحاجة تخلق فراغا عقليا سيملؤه الكون بالأفكار الملهِمة المبدعة (إذا كان عقلك متفتحا) , وهذه الأفكار بدورها , يمكن أن تلهم الحركة والتعبير مما يؤدي إلى تحقيق تلك الحاجة .
وفي هذا الصدد , أعتقد أن بيئتنا العقلية تعمل بنفس طريقة عمل الكون ككل .
حيث أنه بمجرد أن تظهر لدينا حاجة أو رغبة , فإننا نتحرك لملء الفراغ بتجربة ما في البيئة الخارجية , و إذا تم حرماننا من الفرصة لمطاردة موضوع هذه الحاجة أو الرغبة , فإننا نشعر بأننا لسنا سليمين حرفيا , أو نشعر بأن شيئا ما ينقصنا , مما يضعنا في حالة عدم توازن أو ألم نفسي .
(هل تمقت عقولنا أيضا الفراغ فور ظهوره ؟) ,
خذ من طفل صغير لعبته قبل أن ينتهي من اللعب بها (بغض النظر عن صحة أسبابك للقيام بذلك) , وستكون ردة الفعل المشتركة بين جميع الأطفال لمثل هذا التصرف هي ألم نفسي .
عند بلوغنا سن ال 18 عاما , نكون قد قضينا على وجه الأرض حوالي 6570 يوما تقريبا ,
بشكل وسطي , كم مرة في اليوم يسمع الطفل العادي عبارات مثل :
"لا,لا, لا يجب أن تفعل ذلك"
"لا تفعل ذلك بتلك الطريقة , يجب أن تقوم بها بهذه الطريقة "
"ليس الآن , دعني أفكر في الموضوع"
"سأخبرك لاحقا"
"لا يمكن القيام به"
"ما الذي يجعلك تعتقد أنه يمكنك فعل ذلك ؟ "
"عليك أن تفعل ذلك , لاخيار لديك" .
هذا عدد قليل فقط من الطرق اللطيفة نسبيا التي تم حرماننا بها من التعبير الفردي في مرحلة نمونا .
وحتى لو سمعنا مثل هذه العبارات مرة أو مرتين فقط في اليوم , فهذا سوف يجعل عدد المرات التي تم رفضنا وإنكارنا فيها يصل إلى عدة آلاف في الوقت الذي نبلغ فيه سن الرشد .
أنا أسمي هذه الأرضية من التجارب ب "الرغبات أو الدوافع المكبوتة" للتعلم ,
الدوافع المبنية على حاجة داخلية تنشأ من أعمق جزء في هويتنا , من عملية الإنتقاء الطبيعي .
ماذا يحدث لكل هذه الدوافع أو الرغبات التي تم إنكارها و لم يتم تحقيقها ؟ هل تختفي ببساطة ؟
من الممكن أن تختفي , إذا تم التصالح معها بطريقة ما : إذا قمنا بشيء ما , أو قام أحد آخر بشيء ما , لإعادة بيئتنا العقلية إلى وضع التوازن .
ما الذي يمكن أن يعيد بيئتنا العقلية إلى حالة التوازن ؟


يتبع ....
 
-3-

هناك عدة تقنيات لذلك ,
التقنية الأكثر طبيعية , خصوصا بالنسبة لطفل , هي ببساطة أن يبكي .
فالبكاء هو آلية طبيعية (طريقة الطبيعة) للتصالح مع هذه الدوافع المكبوتة الغير مشبعة , والباحثون العلميون وجدوا أن الدموع تتكون من أيونات سلبية الشحنة .
فإذا فسح المجال للدموع بأن تأخذ مجراها الطبيعي , فإنها ستطرد الطاقة سلبية الشحنة من عقولنا مما يعيدنا إلى حالة التوازن , وذلك على الرغم من أن هذه الرغبات أو الدوافع الأصلية لم يتم إشباعها أبدا .
المشكلة أنه معظم الوقت , لايسمح للأحداث أن تأخذ مجراها الطبيعي , والرغبات المكبوتة لايتم التصالح معها أيضا (على الأقل , لايتم ذلك حين نكون أطفال) .
هناك عدة أسباب لكون البالغين لايحبون أن يبكي أطفالهم (خاصة الأطفال الذكور) , ويفعلون كل ما بوسعهم للحد من هذا السلوك .
وهناك أسباب كثيرة لعدم قيام البالغين بالتفسير للطفل لماذا يجب عليه أن يقوم بشيء لايريد القيام به , وحتى لو حاول البالغون ذلك , فلا توجد ضمانات بأنهم سيكونون ناجحين بما فيه الكفاية لإصلاح عدم التوازن أو الخلل .
ما الذي يحصل إذا لم يتم التصالح مع هذه الرغبات المكبوتة ؟
إنها تتراكم وعادة ماتُظهر نفسها في نهاية الأمر بعدد معين من أنماط السلوك ذات الشكل الإدماني القسري .
هناك قاعدة ((غير علمية)) تقول : أنه بقدر ما نعتقد أننا حرمنا من شيء ما ونحن أطفال , بقدر مايتحول هذا الشيء بسهولة إلى إدمان في سن الرشد .
على سبيل المثال , الكثير من الأشخاص مدمنين على لفت الإنتباه , وأنا أشير إلى الأشخاص الذين سيقومون بعمل أي شيء تقريبا ليلفتوا الإنتباه إلى أنفسهم ,
والتفسير الأكثر شيوعا لهذا الأمر هو أنهم يعتقدون أنهم إما لم يحظوا بإنتباه كاف عندما كانوا صغارا , أو لم يحظوا به عندما كان مهما لهم .
وبأي حال , فهذا الحرمان يصبح طاقة عاطفية عالقة تجبرهم على التصرف بطرق سترضي إدمانهم .
الأمر الهام الذي يجب أن نفهمه بشأن هذه الرغبات المكبوتة التي لم يتم إشباعها (والموجودة لدينا جميعا) هو كيف تؤثر على قدرتنا على البقاء مركزين وعلى قدرتنا على إتخاذ منهج منضبط ثابت في تداولنا .
 
إجراءات الامان

-1-

للعمل بنجاح في بيئة التداول , فنحن بحاجة لقواعد وضوابط توجّه سلوكنا .
هناك حقيقة بسيطة في التداول وهي , أن هناك إمكانية موجودة لأن نتسبب بضرر جسيم لأنفسنا , ضرر أكبر بكثير مما يمكن أن نتخيله .
فهناك عدة أنواع من الصفقات التي يكون فيها خطر الخسارة غير محدود .
لمنع إمكانية تعريض أنفسنا للضرر , فنحن بحاجة لخلق هيكل داخلي على شكل إنضباط عقلي متخصص و منظور معين , بحيث أن هذا الهيكل يرشد سلوكنا لكي نتصرف دائما بما يحقق أفضل مصالحنا .
هذا الهيكل يجب أن يوجد داخل كل فرد منا لأنه , وخلافا للمجتمع , فالأسواق لاتوفر هذا الهيكل لنا .
فما توفره الأسواق هو هيكل على شكل أنماط سلوكية تدل على وجود فرصة شراء أو بيع , ولكن هنا ينتهي هذا الهيكل الذي يوفره السوق , بإشارة بسيطة .
أما فيما عدا ذلك , فمن منظور كل فرد , لا توجد قواعد موحَّدة لتوجيه سلوكنا .
حتى أنه لاتوجد أي بدايات , ولا منتصفات , ولانهايات , مثلما هي موجودة فعليا في كل النشاطات الأخرى التي نشارك فيها , وهذا الفرق هام للغاية وله آثار نفسية عميقة .
فالسوق كالجدول يكون في حركة مستمرة , وليس له بداية , ولايتوقف , ولاينتظر ,
وحتى عندما تغلق الأسواق , فالأسعار تظل تتحرك , فلا توجد قاعدة تنص على أن سعر الإفتتاح ليوم ما يجب أن يكون نفس سعر الإغلاق لليوم السابق .
لاشيء مما نقوم به في المجتمع يهيئنا بشكل صحيح للعمل بفعالية ونجاح في مثل هذه البيئة " التي لا حدود لها" .
حتى ألعاب القمار تم صنعها بتركيبات تجعلها مختلفة كثيرا عن التداول , وأقل خطورة بكثير .
على سبيل المثال , إذا قررنا أن نلعب البلاك جاك , فأول شيء يجب علينا فعله هو أن نقرر حجم الرهان الذي سنخاطر به , فنحن مجبرين على أن نقرر هذا الإختيار وفقا قواعد اللعبة .
فإذا لم نحدد حجم الرهان , فلن يسمح لنا باللعب .
أما في التداول , فلا أحد (باستثناءك أنت) سيجبرك على أن تقرر مسبقا ماهو حجم مخاطرتك .
في الواقع , فنحن أمام بيئة بلا حدود , حيث من الممكن لأي شيء أن يحدث فعليا , و في أية لحظة , وفقط الرابحون باستمرارية هم من يقومون بتحديد مخاطرتهم مسبقا قبيل دخولهم في صفقة ما .
أما بالنسبة للآخرين جميعا , فتحديد المخاطرة مسبقا سيجبرهم على مواجهة حقيقة أن كل صفقة نتيجتها عبارة عن إحتمال وليست شيئا مؤكدا , بمعنى أن الصفقة قد تخسر .
فالخاسرون باستمرارية يقومون بأي شيء تقريبا لتفادي قبول حقيقة أنه , مهما بدت الصفقة صحيحة , فإنها قد تخسر .
وبدون وجود هيكل خارجي يجبر المتداول العادي على التفكير بطريقة مغايرة لهذه الطريقة , فإنه يكون معرضا لعدد غير محدد من التبريرات , و التسويغات , و للمنطق المشوه الذي سيجعله يدخل في صفقة ما وهو مؤمن بأنها لايمكن أن تخسر , مما يجعل تحديد المخاطرة مسبقا أمرا لاحاجة له .

يتبع ....
 
-2-

كل ألعاب القمار لها بدايات محددة , ومنتصفات , ونهايات , وذلك بحسب سلسلة من الأحداث التي تحدد نتيجة اللعبة .
بمجرد أن تقرر المشاركة في اللعبة , فلا يمكنك تغيير رأيك _أي تصبح داخل اللعبة لمدة معينة_ .
لكن هذا لاينطبق على التداول , ففي التداول تكون الأسعار في حركة مستمرة , لاشيء يبدأ حتى تقرر أنت ذلك , ويستمر الأمر طالما أنك تريده أن يستمر , ولاينتهي حتى تختار أنت أن ينتهي .
و بغض النظر عما تخطط له , أو تريد القيام به , فهناك عدد غير معلوم من العوامل النفسية التي يمكن أن تدخل في المعادلة , مما يجعلك تتشتت , وتغير رأيك , و تصبح خائفا أو مفرط الثقة في نفسك :
بعبارة أخرى , هذه العوامل تجعلك تتصرف بطرق غريبة و غير مقصودة .
نظرا لأن ألعاب القمار لها نهايات رسمية , فإنها ترغم المشارك فيها _عندما يخسر_ على أن يكون خاسرا نشطا أو متفاعلا ,
بمعنى أنه إذا كنت تتعرض لسلسلة من الخسائر المتتالية , فأنت لايمكن أن تتعرض لمزيد من الخسائر من دون أن تتخذ قرارا واعيا إراديا بفعل ذلك .
فنهاية كل لعبة بخسارة تؤدي إلى بداية لعبة جديدة , وأنت في بداية اللعبة الجديدة يجب أن تتفاعل وتعرّض المزيد من أملاكك للمزيد من المخاطر وذلك بمد يدك إلى محفظتك أو بدفع عدد من الفيشات إلى وسط الطاولة . ((أي أن الخسارة تحصل بتفاعل ونشاط من قبلك)).
أما التداول فلا نهاية رسمية له , فالسوق لن يخرجك بنفسه من صفقة ما ,
و مالم يكن لديك التركيبة العقلية أو الهيكل العقلي المناسب لإنهاء الصفقة بطريقة تصب في مصلحتك دائما , فأنت قد تصبح خاسرا سلبيا غير نشط .
وهذا يعني أنه , بمجرد أن تكون في صفقة خاسرة , فليس عليك أن تفعل شيء لتستمر بالخسارة , ليس عليك أن تراقب حتى .
يمكنك ببساطة أن تتجاهل الوضع , والسوق سيأخذ كل ماتملكه _وأكثر .
إحدى تناقضات التداول العديدة هي أن التداول يمنحك نعمة ونقمة في الوقت ذاته .
النعمة هي أننا و ربما لأول مرة في حياتنا نملك السيطرة الكاملة على كل شيء نقوم به .
أما النقمة فهي أنه لاتوجد قواعد خارجية أو ضوابط لتوجيه أو هيكلة سلوكنا .
الخصائص اللا محدودة لبيئة التداول تتطلب منا أن نتصرف بدرجة معينة من كبح وضبط النفس , على الأقل إذا أردنا تحقيق قدر معين من النجاح المتسق .
والهيكل الذي نحتاجه لتوجيه سلوكنا يجب أن ينشأ داخل عقلنا , كعمل واعي تقوم به إرادتنا الحرة .
وهنا تبدأ العديد من المشاكل .
 
مشكلة : الإرادة لوضع قواعد

لم أصادف حتى الآن شخصا واحدا مهتما بالتداول و لم يقاوم فكرة وضع مجموعة من القواعد .
وهذه المقاومة لاتكون علنية دائما , بل على العكس تماما , فهي غالبا ما تكون مخفية و ماكرة .
فمن جهة نحن نوافق على أن القواعد منطقية وعقلانية , ولكننا من جهة أخرى لانملك النيّة فعلا للقيام بما تقترحه هذه القواعد .
هذه المقاومة يمكن أن تكون عنيفة , ولها مصدر منطقي .
معظم تركيبتنا العقلية أو هيكلنا العقلي حصلنا عليه كنتيجة لتنشأتنا الإجتماعية , و بناء على إختيارات تم تقريرها من قبل أشخاص آخرين .
بعبارة أخرى , لقد تم غرسها في عقولنا , ولم تتكون داخل عقولنا , و هذا فرق مهم جدا .
و أثناء عملية غرس الهيكل العقلي لنا , فالعديد من رغباتنا و حاجاتنا الطبيعية _للتحرك , و للتعبير , و للتعلم عن طبيعة وجودنا عبر تجاربنا الخاصة المباشرة _ العديد منها يتم كبتها و رفضها و إنكارها .
والعديد من هذه الرغبات المكبوتة لم يتم إشباعها و التصالح معها حتى الآن , وماتزال موجودة داخلنا على شكل إحباط , وغضب , وخيبة أمل , و شعور بالذنب , و حتى كراهية .
و تراكم هذه المشاعر السلبية يشكل قوة تعمل داخل بيئتنا العقلية , مما يجعلنا نقاوم أي شيء يحرمنا من حريتنا للقيام بكل مانريد القيام به , وفي الوقت الذي نريده .
وبعبارة أخرى , فالسبب ذاته الذي جعلنا منجذبين للتداول في المقام الأول _و الذي هو الحرية اللا محدودة للتعبير الإبداعي_ هو نفس السبب الذي يجعلنا نشعر بمقاومة طبيعية ترفض خلق قواعد وضوابط يمكنها أن توجه سلوكنا بشكل صحيح .
فالأمر كما لو أننا وجدنا مدينة أحلامنا الخيالية , حيث توجد الحرية الكاملة , وفجأة يربت شخص ما على كتفنا قائلا :
"هييي أنت , عليك أن تضع قواعد , وليس ذلك فحسب , بل يجب أن يكون عندك الإنضباط أيضا لتلزم بهذه القواعد " .
الحاجة إلى القواعد قد تكون أمرا منطقيا وعقلانيا للغاية , لكن قد يكون من الصعب خلق الحافز لإنشاء هذه القواعد بعد أن كنا نحاول التحرر منها طوال حياتنا .
عادة ما يستلزم الأمر قدرا كبيرا من الألم و المعاناة لتحطيم مصدر مقاومتنا لإنشاء نظام تداول و الإلتزام به , بحيث يكون هذا النظام منسقا , و ثابتا , ويعكس الإجراءات الحكيمة لإدارة رأس المال .
الآن , أنا لا ألمح إلى أنه يجب عليك أن تتصالح مع كل إحباطاتك القديمة , وخيبات أملك لكي تصبح متداولا ناجحا , فالأمر ليس كذلك , و حتما ليس من الضروري أن تعاني .
فلقد عملت مع العديد من المتداولين الذين حققوا أهدافهم بالنجاح المتسق , ولم يقوموا بأي شيء ليتصالحوا مع حاجاتهم المكبوتة المتراكمة .
ولكن , ما ألمح إليه هنا , هو أنه لايمكنك أن تعتبره كأمر مسلم به حجم الجهد و التركيز اللذان يجب أن تبذلهما لبناء البنية العقلية , التي تعوّض عن الآثار السلبية الممكنة للرغبات المكبوتة على قدرتك لتأسيس المهارات التي ستضمن نجاحك كمتداول .
 
مشكلة : الفشل في تحمل المسؤولية

يمكن وصف التداول بأنه , إختيار شخصي محض غير مقيّد بأعباء , و ذو نتيجة فورية .
تذكر أن لاشيء يحصل حتى تقرر أنت أن تبدأ , و هو يستمر بقدر ماتريد أنت ذلك , و لاينتهي إلى أنت تقرر أنت أن تتوقف .
كل هذه البدايات , المنتصفات , والنهايات هي نتيجة لطريقة تفسيرنا للمعلومات المتوفرة , و نتيجة لكيفية تصرفنا بناء على تفسيرنا هذا .
الآن , نحن قد نرغب بالحرية لإتخاذ القرارات , ولكن هذا لا يعني أننا مستعدون و راغبون في تحمل المسؤولية عن النتائج .
المتداولون الغير مستعدين لتحمل مسؤولية نتائج تفسيراتهم و أعمالهم سيجدون أنفسهم أمام معضلة :
فكيف يمكن للمرء المشاركة في نشاط يتيح له حرية الإختيار الكاملة , ولكنه في نفس الوقت يتجنب تحمل المسؤولية في حال كانت نتيجة إختياراته غير متوقعة , ولا تروق له ؟
الحقيقة القاسية بشأن التداول هي أنه , إذا كنت ترغب بتحقيق الإتساق (الثبات) , فعليك أن تبدأ من فرضية أنه , مهما كانت النتيجة فأنت تتحمل كامل المسؤولية عنها .
و قلة من الناس وصلوا إلى هذا المستوى من المسؤولية قبل أن يقرروا أن يصبحوا متداولين .
الوسيلة لتجنب تحمل المسؤولية هي بتبني نمط تداول يكون عشوائيا في جميع أهدافه و مقاصده .
أنا أعرّف التداول العشوائي بأنه صفقات تم التخطيط لها بشكل سيء و ضعيف , أو صفقات لم يتم التخطيط لها أبدا .
و هو منهج غير منظم و يأخذ في حسبانه مجموعة غير محدودة من متغيرات السوق , التي لاتسمح لك أن تكتشف ما الذي سينجح بصورة مستمرة , و ما الذي سيفشل .
العشوائية هي حرية غير منظمة , و خالية من المسؤولية .
عندما تتداول بدون خطط دقيقة واضحة المعالم , و بمجموعة لا محدودة من المتغيرات , فمن السهل جدا أن تنسب الفضل إلى نفسك في الصفقات التي تعجبك نتيجتها (لأنك إستخدمت طريقة ما فيها ) .
و لكن في نفس الوقت , فمن السهل جدا عليك أن تهرب من تحمل المسؤولية عن الصفقات التي لاتنتهي بالطريقة التي تريدها (لأنه دائما ما يكون هناك متغير ما , لم نعرف بوجوده , فلم نأخذه في حسباننا مسبقا ) .
إذا كان سلوك الأسواق عشوائيا فعلا , فسيكون من الصعب إذا لم يكن من المستحيل تحقيق الإتساق (الثبات) ,
و إذا كان من المستحيل تحقيق الإتساق , فحينها فعلا ليس علينا تحمل المسؤولية .
لكن المشكلة في هذا المنطق أن خبرتنا المباشرة بالأسواق تخبرنا بغير ذلك ,
فهي تخبرنا أن نفس أنماط السلوك تُظهر نفسها مرارا و تكرارا , و على الرغم من أن نتيجة كل نمط منفرد هي نتيجة عشوائية , ولكن محصلة عدة أنماط هي محصلة متسقة ثابتة (موثوقة إحصائيا) .
هذا تناقض , ولكنه تناقض يسهل حلّه عن طريق منهج منضبط و منظم و متسق .
لقد عملت مع عدد كبير جدا من المتداولين الذين كانوا يقضون الساعات في تحليل السوق و في التخطيط للصفقات لليوم التالي , ثم , و بدلا من فتح الصفقات التي خططوا لها , فإنهم يقومون بشيء آخر .
الصفقات التي ينفذونها عادة ما تكون مبنية على أفكار من الأصدقاء أو نصائح من السماسرة .
على الأرجح لستُ مضطرا لأخبركم بأن صفقاتهم الأصلية التي خططوا لها , ولكنهم لم ينفذوها , كانت غالبا الصفقات الأكثر ربحية في ذلك اليوم .
هذا مثال كلاسيكي عن كيف نصبح عرضة للتداول العشوائي الغير منظم _لأننا نريد أن نتفادى تحمل المسؤولية_ .
عندما نتصرف بناء على أفكارنا الخاصة فإننا نضع قدراتنا الإبداعية على المحك , و نحصل على تقييم فوري عن مدى نجاح أفكارنا .
من الصعب جدا علينا تبرير النتائج الغير مرضية , لكن في المقابل , عندما ندخل صفقة عشوائية غير مخطط لها , يصبح من الأسهل بكثير أن نلقي بالمسؤولية على غيرنا , من خلال إلقاء اللوم على الصديق أو السمسار بسبب أفكارهم السيئة .
هناك شيء آخر يتعلق بطبيعة التداول , ويجعل من السهل علينا أن نهرب من المسؤولية المترافقة مع إنشاء هيكل , لنلجأ إلى التداول العشوائي :
إنها حقيقة أن , أي صفقة فيها إمكانية أن تكون صفقة رابحة , بل و حتى رابحة لدرجة كبيرة .
فهذه الصفقة العظيمة الربح قد تتحقق معك , سواء أكنت محللا محترفا أو كنت محللا سيئا , وسواء كنت تتحمل المسؤولية أو لم تكن كذلك .
إن خلق المنهج الضروري لتصبح رابحا متسقا يتطلب منك بذل جهد عقلي ,
ولكن كما ترى , فمن السهل جدا تفادي هذا الجهد العقلي عن طريق التداول بمنهج عشوائي و غير منضبط .
 
مشكلة : الإدمان على المكافآت العشوائية

أجريت عدة دراسات حول الآثار النفسية للمكافآت العشوائية على القردة .
على سبيل المثال , إذا علّمت قردا أن يقوم بمهمة معينة و كافأته باستمرار كلما تم تنفيذ المهمة , فالقرد سيتعلم بسرعة أن يربط نتيجة محددة مع الجهد المبذول من قبله .
وإذا توقفت عن مكافأته على قيامه بالمهمة , فخلال فترة قصيرة من الوقت سيتوقف القرد ببساطة عن أداء المهمة , فهو لن يهدر طاقته في القيام بشيء بعد أن تعلّم الآن أنه لن يكافأ عليه .
و لكن , إستجابة القرد لحرمانه من المكافأة ستكون مختلفة جدا فيما لو كانت مكافأتك له تتم عبر برنامج عشوائي بحت , عوضا عن برنامجك الثابت ,
فحينها عندما تتوقف عن منحه المكافأة , لن يكون بإمكان القرد أن يعرف بأنه لن تتم مكافأته ثانية على تنفيذه المهمة .
ففي كل مرة كانت تتم مكافأته فيها في الماضي في البرنامج العشوائي , كانت المكافأة تأتي بمثابة مفاجأة له ,
و نتيجة لذلك , من منظور القرد , لايوجد سبب للتوقف عن أداء المهمة .
فالقرد سيستمر في أداء المهمة حتى لو لم تتم مكافأته عليها , حتى أن بعض القرود سيستمرون في أدائها إلى أجل غير مسمى .
أنا لست متأكدا لماذا نحن عرضة لأن ندمن على المكافآت العشوائية , و إذا كان لابد أن أحزر , فسأقول أن الأمر ربما له علاقة بالمواد الكيميائية المسببة للنشوة و السرور , و التي يتم إفرازها في أدمغتنا عندما نعيش مفاجأة سارة غير متوقعة .
إذا كانت المكافأة عشوائية , فعندها لن نعرف على وجه اليقين فيما إذا كنا سنتلقاها ولا متى سنتلقاها , لذلك لن يكون صعبا علينا أن نبذل طاقتنا و مصادرنا على أمل تجربة ذلك الشعور الرائع الناجم عن المفاجأة مرة أخرى .
في الواقع , فهذا الأمر يكون إدمانا شديدا لدى العديد من الناس .
و على الجهة المقابلة , عندما نتوقع نتيجة معينة و لا تتحقق , يخيب أملنا ونشعر بالسوء , وإذا قمنا بالأمر ثانية و حصلنا على نفس النتيجة المخيبة للأمل , فمن المستبعد أننا سنستمر بعمل هذا الشيء الذي نعرف أنه سيسبب لنا ألما نفسيا .
إن المشكلة في أي إدمان أنه يتركنا في حالة من "عدم القدرة على الإختيار ".
و بنفس درجة الإدمان التي تسيطر على حالتنا العقلية , بنفس تلك الدرجة يكون تركيزنا و جهودنا مسخران نحو إشباع سبب ذلك الإدمان .
و كل الإحتمالات الأخرى الموجودة في أية لحظة لإشباع حاجات أخرى (كالحاجة لأن نثق بأنفسنا وأن لا نعرض الكثير من ممتلكاتنا للمخاطرة) إما يتم تجاهلها أو إبعادها ,
فنشعر بأننا بلا حول ولا قوة لأن نتصرف بأي طريقة أخرى غير إشباع إدماننا .
إن الإدمان على المكافآت العشوائية هو أمر مؤذي بشكل خاص للمتداولين , لأنه مصدر آخر لمقاومة خلق ذلك الهيكل العقلي الذي يُنتج الإتساق (الثبات).
 
مشكلة : التحكم الخارجي في مواجهة التحكم الداخلي

إن تربيتنا قد برمجتنا لكي نعمل في بيئة إجتماعية , وهذا يعني أننا اكتسبنا إستراتيجيات تفكير معينة لتلبية حاجاتنا و رغباتنا و متطلباتنا , بحيث تكون إستراتيجيات التفكير هذه موجَّهة نحو التفاعل الإجتماعي .
نحن لم نتعلم فقط أن نعتمد على بعضنا البعض لتلبية حاجاتنا و رغباتنا و متطلباتنا التي لانستطيع تحقيقها بكاملها بأنفسنا , ولكننا أيضا و أثناء هذه العملية إكتسبنا العديد من تقنيات السيطرة و التحكم و التلاعب المبنية على أسس إجتماعية , وذلك لكي نضمن أن يتصرف الناس الآخرون بطريقة تتوافق مع ما نريده .
قد تبدو الأسواق كتجربة إجتماعية لأن هناك الكثير من الناس مشاركين فيها , لكنها ليست كذلك .
بما أننا قد تعلمنا في مجتمع اليوم الحديث أن نعتمد على بعضنا البعض لتلبية إحتياجاتنا الأساسية , فلذلك يمكن وصف بيئة السوق (وعلى الرغم من وجودها في خضم المجتمع الحديث) بأنها بيئة صحراوية برّية نفسيا , حيث أن كل رجل أو إمرأة يعمل فعلا لمصلحته فقط .
ففي هذه البيئة ليس فقط لايمكننا الإعتماد على السوق ليقوم بأي شيء من أجلنا , وإنما من الصعب جدا أيضا , إذا لم يكن من المستحيل أن نتحكم أو نسيطر على أي شيء يفعله السوق .
الآن , إذا كنا قد أصبحنا ناجحين في تلبية حاجاتنا و رغباتنا و متطلباتنا من خلال تعلّمنا كيفية السيطرة و التحكم و التلاعب ببيئتنا , ثم فجأة وجدنا أنفسنا , كمتداولين , في بيئة لا تعرف , ولا تكترث , و لا تستجيب لأي شيء مهم لنا , أين سيضعنا ذلك ؟
ستكون محقا إذا أجبت بالمثل الشائع الذي يقول بأننا سنصبح مثل شخص في قارب بلا مجداف .
أحد الأسباب الرئيسية لكون العديد من الأشخاص الناجحين في حياتهم قد فشلوا فشلا ذريعا في التداول , هو أن نجاحهم عائد جزئيا إلى قدرتهم الفائقة في التلاعب و التحكم بالبيئة الإجتماعية بحيث تستجيب لما يريدونه .
إلى حد ما , جميعنا تعلّم أو طور تقنيات تجعل البيئة الخارجية تتلاءم مع بيئتنا العقلية (الداخلية) .
لكن المشكلة أن أيّا من هذه التقنيات لا تنجح في هذا السوق ,
فالسوق لايستجيب للتحكم والسيطرة والتلاعب (ما لم تكن متداولا كبيرا جدا) .
ومع ذلك , فيمكننا أن نتحكم بطريقة فهمنا و تفسيرنا لمعلومات السوق , وكذلك يمكننا أن نتحكم بسلوكنا الخاص .
أي بدلا من التحكم بمحيطنا لكي يتوافق مع رؤيتنا عن الكيفية التي يجب أن تكون عليها الأمور , يمكننا أن نتعلم أن نتحكم بأنفسنا .
وعندها يمكننا تلقي المعلومات بأكثر نظرة موضوعية ممكنة , و بناء بيئتنا العقلية لكي نتصرف دائما بالشكل الذي يصب في مصلحتنا .


نهاية الفصل الثاني
 
عودة
أعلى