عندما كنا نرى الدولار يرتفع، سمعنا المتداولين و الكتّاب يقولون بأن الدولار يتم طلبه كملاذ آمن، و عندما ينخفض الدولار، نجد بأن الناس يقولون بأنه تم الاستغناء عن الدولار كملاذ آمن و اتجه المتداولون إلى الأصول الخطرة و المرتفعة العائد، ومن هذا المنطلق نرى بأن اعتبار الدولار الأمريكي ملاذ آمن في الأسواق له مقومات عدة أهمها حجم الاقتصاد الأمريكي، حيث أن الدول تتجه للاستثمار في الدولار الأمريكي لأن الاقتصاد الأمريكي على الرغم من ضعفه إلا انه يمتاز بالضخامة الكافية لاستيعاب استثمارت جميع الدول الغنية ولا يوجد للولايات المتحدة منافس ضخم يستطيع استيعاب هذا الكم المهول من الاستثمارات بما فيها الصين.
ومن ناحية أخرى فقد أثبت الدولار الأمريكي بأنه مقاوم للصدمات بشكل نسبي، حيث أنه تمكن من النهوض في أكثر من مرة بعد انتكاسته سواءاً جراء ضعف الاقتصاد الأمريكي أو من تخفيض أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، ويجب أن لا ننسى بأن الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية في العالم، وبالتالي فإن ذلك يعطي الدولار الأمريكي مركزاً لا مثيل له مقارنة بباقي العملات الرئيسية.
الفدرالي الأمريكي يفضل دائماً دولاراً قوياً وذلك كما كان ظاهراً في سياسته النقدية منذ عقود، ولكن منذ اندلاع الأزمة العالمية التي اعتبرت الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية أو مرحلة الكساد العظيم بدأ الفدرالي بالتفكير في دعم الاقتصاد الأمريكي دون الاكتراث نسبياً في مدى تأثير سبل التحفيز على الدولار الأمريكي، ويجب أن لا ننسى أزمة الديون الأوروبية والتي أسهمت في تناول مسألة جديدة تكمن في أن الدولار يكتسب قوة في حالات التشاؤم ويفقد تلك القوة في حالة التفاؤل في الأسواق.
بسرد التطورات الأخيرة في الاسواق وبشكل مبسط، نرى بأن السوق شهد صراع ما بين الذهب والدولار الأمريكي لنيل لقب الملاذ الآمن، فقد شهدنا المعدن الأصفر يسجل مستويات تاريخية خلال الأعوام الثلاثة الماضية مستغلاً انشغال الدولار الأمريكي بمعاناته مع الفدرالي الأمريكي الذي برز بسياسة تحفيز الاقتصاد وأنشطته بإطلاق خطة تحفيزية أولى وثانية، ولكن الدولار كان يأبى بأن يبقى على الرفوف ويشاهد الذهب يصعد وحيداً ليشاركه ذلك اللقب في أغلب الأحيان.
ومع نهاية العام الماضي بدأ التوجه في الأسواق إلى السيولة، لذلك فقد ابتعد المستثمرون عن الذهب بعض الشيء ليتربع الدولار الأمريكي على عرش الاستثمارات الآمنة حائزاً على بطولة مسلسل الملاذ الآمن، إلا أن الذهب عاد ليعاند الدولار الأمريكي مع قدوم النصف الثاني من هذا العام، إذ تأثر الدولار الأمريكي من تردّي الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة، الأمر الذي جعل التكهنات تتصاعد بأن الفدرالي الأمريكي لن يقف كالمتفرّج وقد يتدخل لدعم الاقتصاد الأمريكي.
في نفس الوقت ظهر على أداء المستثمرين بأن سوق الأسهم دخل ضمن تلك المنافسة، حيث مع قدوم النصف الثاني من هذا العام شهدنا سوق الأسهم الأوروبي والأمريكي يرتفع ضمن موجات صاعدة، حيث كان البعض يلجأ إلى بيع الدولار متوجهاً إلى الأسهم الأمريكية التي شهدت ارتفاعاً بعد الأفضل منذ ثلاث أعوام تقريباً، وفي المقابل لجأ البعض الآخر في بيع الدولار لدخول استثمارات أوروبية بعد الانخفاض الكبير الذي شهدته أسعار الأسهم هناك بتأثير القلق و التشاؤم إثر أزمة الديون السيادية.
لم يكن الاقتصاد الأمريكي وحيداً في مسألة ضعف مستويات النمو، فقد تباطأ نمو الاقتصاد العالمي أيضاً بما فيه الأوروبي والأسيوي خلال العام الجاري وحتى الآن، خلاصة القول ومن منطلق التحليل الأساسي: فإن الدولار الأمريكي يتعرض ولا يزال إلى ضغوطات كبيرة سواءاً من تكهنات تدخل الفدرالي الأمريكي أو ضعف الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة، لذلك فإنه يبقى على رف الاستثمارات الآمنة مع بقاء مكاسبه في حالات التشاؤم، وقد ينهض بعض ارتفاعه من جديد.
أما بالنظر إلى الدولار الأمريكي من ناحية التحليل الفني: بالنظر إلى الرسم البياني الأسبوعي لمؤشر الدولار الأمريكي، سوف نرى بأننا أمام تركيبة فنية كلاسيكية كبيرة جداً بدأت منذ القاع التاريخي الذي تحقق في 16-مارس-2008. و هذه التركيبة الفنية بدأت من خلال ارتفاع من القاع التاريخي 70.70 و تم تحقيق قمّة عند مستوى 91.40 نقطة. بعد أن تم تحقيق القمّة المشار لها، انخفض المؤشر ليحقق القاع عند مستوى 74.16 نقطة من ثم ارتفع من جديد لحقق قمّة 88.70 و انخفض ليكوّن قاع 72.69 نقطة قبل أن يرتفع المؤشر ليحقق القمّة لهذه السنة 2012 عند 84.10.
بالحديث كلاسيكياً، و دون أي تقيد للأمور، سوف نرى بأن هنالك قمم متتابعة كل واحدة أدنى من سابقتها، و عدد هذه القمم ثلاث قمم موضحة في اللون الوردي، ثم وجدنا تتابع في القيعان و هذه القيعان كل واحد منها أعمق من سابقه و عدد هذه القيعان اثنان موضحان في اللون الوردي.
بالنظر إلى تركيبة السعر الفنية العامة، هل نحن أمام ارتداد صاعد للدولار الأمريكي بعد الارتفاع الذي حصل من القاع التاريخي 70.70 وصولاً إلى القمّة 91.40؟ الجواب بحسب التحليل الفني الكلاسيكي لا، و ذلك لأننا في خضم تكوين قمم تنازلية و قيعان تنازلية، و هذا يعني بأن القمّة الأخيرة 84.10 تم تكوينها و الآن نحن أمام موجة هابطة جديدة.
لماذا قررنا بأن القمة 84.10 كافية لأن نبدأ موجة هابطة جديدة؟ ببساطة أيضاً من خلال التحليل الفني الكلاسيكي، نجد بأن قناة صاعدة تم كسرها، و كذلك استقر السعر تحت تصحيح 23.6% فيبوناتشي و يقترب حالياً من تصحيح 38.2% فيبوناتشي عند مستوى 79.77 نقطة.
بالنظر إلى مؤشر القوّة النسبية، فقد كسر خط الـ 50 نقطة هبوطاً، و كذلك نجد بأن مؤشر MACD أظهر لنا انعطافاً هابطاً موضح في الخط البني و تم مقارنة حركة السعر فيه. و هذا الانعطاف الهابط لم ينهي أهدافه حتى الآن، بل ما زال أمامه أهداف يجب تحقيها. لذلك، عاجلاً أم آجلاً، سوف يكسر مؤشر الدولار الأمريكي مستوى 79.77 نقطة و يتجه هبوطاً.
لا نريد أن نتّخذ قراراً الآن بأن الدولار الأمريكي في مرحلة انهيار ! بل نريد أن نقول بأن أي تداول ما دون المقاومة الرئيسية الهابطة الموضحة في اللون الأخضر و المتواجدة عند قيمة 84.45 سوف يبقي على اتجاه مؤشر الدولار الأمريكي هابطاً، و الهدف الأول سوف يكون القاع السابق 74.16، و الذي بكسره قد نرى امتداد في الأهداف إلى مستوى 72.69. إذن، نحن أمام احتمال اتجاه هابط قد يأخذ بعض الوقت.
كم من الوقت سوف يأخذ الاتجاه الهابط؟ سوف نأخذ الآن دورة سعرية زمنية سوف نقوم بدراستها من خلالها بتقسيم الرسم البياني. فنستطيع بقليل من الصبر و التمحيص و التجربة و الخطأ أن نوجد بأن كل دورة سعرية من ارتفاع ثم انخفاض تأخذ فترة زمنية مقدارها 20 شهراً تقريباً. فقد بدأ الارتفاع الأول في شهر مارس عام 2008، و بدأ الارتفاع الثاني في أكتوبر-2009 و الارتفاع الثالث بهذا القياس بدأ في شهر 7 من عام 2011. من شهر 7 عام 2011 و حتى شهر 4 عام 2013 هي 20 شهراً، بقي منها 7 أشهر أخرى، و التسعة أشهر القادمة من المحتمل أن تكون في اتجاه هابط للدولار الأمريكي بحسب قاعدة التاريخ يعيد نفسه، و بحسب دورات السعر التي استطعنا إيجادها بشكل تقريبي.
ملاحظة : في قياساتنا الزمنية، هنالك مجال خطأ موضح في الخط الطولي المقّطع الأخضر و الخط الرئيسي الأحمر، و مقدار هذا الخطأ حوالي شهرين.
في النتيجة، طالما بقي مؤشر الدولار الأمريكي تحت مستوى 84.10-84.45، فمن المتوقع أن نرى حوالي سبعة أشهر من التداولات التي تميل للهبوط، و الأهداف القريبة موضحة في الصورة من خلال نسب فيبوناتشي.